ملف عن حماس ونظام الأسد -مقالات مختارة تناولت الحدث-
——————————-
حماس ونظام الأسد: فات الأوان/ غازي دحمان
تنطوي مسألة طرح العلاقة بين حركة حماس ونظام بشار الأسد على إشكالية كبيرة، إذ كثيراً ما يجري استثمار الأمر في سياق التهجّم على الموقف الفلسطيني عموما من الثورة السورية، وهو رأي غير صحيح، كما قد يفتح الباب للتهجّم على الإخوان المسلمين، وبالتالي يُصار إلى حرف الموضوع بعيدا عن فهم خلفياته ومعرفة مساراته.
كان السبب الرئيسي لقطع “حماس” علاقاتها مع الأسد، رفض الحركة، بشكل قطعي، المشاركة في قتل السوريين. هذا ليس تحليلاً ولا معلومات بقدر ما هو مشاهدة عينية للأحداث التي شهدها مخيم اليرموك والحجر الأسود وبقية المخيمات الفلسطينية.
كان نظام الأسد يحتاج هذا الأمر معنويا أكثر منه عملياً، كان يريد الإيحاء بأن الثورة مدعومة من إسرائيل، بدليل أن الفلسطينيين يشاركون في الحرب ضدّها، لذا لم يكن غريبا أن الجبهة الشعبية – القيادة العامة انشق عنها أغلب الفلسطينيين، ما اضطرّ نظام الأسد إلى رفدها بعشرات الشبّيحة من السوريين لاستمرار هياكلها والحفاظ عليها من الانهيار الذي كان سيعتبر مؤشّراً عن انهيار النظام نفسه.
لا يعني ذلك أنه لم يقف مع النظام فلسطينيون، بدليل وجود لواء القدس والصاعقة وسواهما، ولكن هؤلاء لا يُقارنون بحجم الكتلة الفلسطينية التي وقفت مع الثورة، بدليل مقتل آلاف الفلسطينيين واختفاء مثلهم ووضع النظام أسماء عشرات آلاف الفلسطينيين على قوائم المطلوبين لانخراطهم في الثورة، سواء بالتظاهر أو الإغاثة، أو تقديم شكل من الدعم للمنشقّين عن النظام.
تعرف “حماس” كل تلك الوقائع جيداً، مثلما تعرف حقيقة إجرام نظام الأسد، فعشرات، إن لم يكن مئات، من عناصر وكوادر قيادية يتبعون للحركة جرى قتلهم تحت التعذيب وإخفاؤهم، لكن الأخطر من ذلك أن “حماس” شاهدت الوجه القبيح للنظام، عندما غلب على سلوكه البعد الطائفي، وتقهقرت شعارات القومية والممانعة وسواها من كليشيهات كان يلوكها النظام مثل نصوص محفوظات طلبة المدارس.
لا يبدو أن نظام الأسد، وبعد أن تكشّفت الوجوه، بحاجة لـ”حماس”، ولا حتى مرحب بالعلاقة معها، رغم ضغط إيران وحزب الله عليه، فالحركة بصفتها فاعلاً فلسطينياً محلياً لن تمنح نظام الأسد أي ميزة، وهذا النظام الذي يتعامل بحياد مع إسرائيل، ويتمنّى على الإيرانيين أن يخففوا من نشاطهم المعادي لها، يدرك أن علاقته مع “حماس” لن تفيده بشيء، بعد أن تراجع خطر الثورة، ورفضت الحركة التصديق على روايته لها.
كما أن النظام لم يعد معنياً بوجود ورقة فلسطينية يهدّد بها إسرائيل، وهو يرى كيف أن وجود حزب الله وكل من يقول إنه مقاوم، لم يمنع إسرائيل من ضرب سورية متى ما أرادت، وأن لـ”حماس” حساباتها الخاصة في أي مواجهةٍ مع إسرائيل، ولن يكون الانتقام لنظام الأسد من هذه الحسابات.
والواقع أن سورية باتت منفصلة تماما عن فلسطين وقضيتها وأهلها، وإسرائيل لا تضربها بسبب دعمها الفلسطينيين غير الموجود أصلاً، بل بسبب الوجود الإيراني، بل تعتبر إسرائيل الأسد ضحية لهذا الوجود، بدليل أنها ما انفكّت ترسل تطمينات إلى الأسد بأنها لن تقترب منه، وأنه ليس هو المقصود من الضربات التي تقوم بها في سورية. والحال، أنه لا حاجة للنظام السوري لا لـ”حماس” ولا لفلسطين. عينه على الخليج، يريد أموالا وعلاقات تجارية وسياحة واعترافا بالشرعية، والعلاقة مع “حماس” تضرّه أكثر مما تفيده.
ولن تستفيد الحركة الإسلامية من النظام بشيء. والواضح أن إعادة العلاقة مع نظام الأسد ليست سوى تلبية لطلب إيراني ملحّ، فلو افترضنا أن “حماس” استفادت سابقا من الساحة السورية عبر تدريب كوادرها من غزة على صناعة تقنيات بعض الأسلحة، فهي اليوم غير قادرة على إعادة التجربة، لأن النظام فقد الثقة بها ويصعب إشراكها في برامجه. ومن جهة أخرى، لأن المواقع الإيرانية المختصة بهذا المجال كلها تحت العين الإسرائيلية.
وتدرك “حماس” أن بيئتها في سورية قد تحطّمت، ويصعب إعادة بنائها، ولن يسمح نظام الأسد وأجهزته للحركة بنشاط بين الفلسطينيين في سورية، كما كان الأمر في السابق. وفي الأصل، لن يُسمح بوجود فلسطيني متركّز في مناطق معينة بعد تدمير مخيم اليرموك، كما أن الجزء الأكبر من فلسطينيي سورية غادرها أو نازح في مناطق بعيدة عن المخيمات، أي بمعنى أنه لم تعد هناك بيئة فلسطينية في سورية، كما كان قبل الثورة.
وإذا كانت لإيران مصلحة في إقامة علاقات مع “حماس” لاعتبارات خاصة بها، فإن الأسد، الذي باتت تسيطر على مفاصل نظامه قوى ذات نزوع طائفي ليس لديها أدنى استعداد للتعامل مع “حماس”، وهي لا تثق بها، وستبقى تنظر إلى هؤلاء جزءا من مشروع معاد يستحيل التصالح معه. ولذا، كثيراً ما يصف إعلام الأسد، وحتى الأسد نفسه، “حماس” بالغدر والخيانة، وهي النعوت نفسها التي يطلقها على جميع معارضيه من السوريين، مدنيين وعسكريين.
تدرك “حماس” أن عدم تطبيع النظام السوري مع إسرائيل ليس سببه حرصه على المقاومة الفلسطينية، ولا القضية الفلسطينية، إنما نتيجة رفض إسرائيل دائما التجاوب مع شروطه، وخصوصا لجهة الانسحاب الكامل من الجولان، حيث ترى أن لا شيء يغريها لتقديم تنازلاتٍ بهذا الحجم لنظام ضعيف، هذا موقفها قبل الثورة، وترى في الجولان أهمية أكبر من سيناء.
فات زمان علاقة نظام الأسد بحركة حماس. هذا النظام الذي احترقت جميع أوراقه لن تعيد له هذه العلاقة جزءاً من فاعليته المحطّمة، كما تدرك “حماس” أن نظام الأسد ليس سوى دمية لإيران، تفرض عليها الظروف مجاملتها.
العربي الجديد
————————–
حماس” في دمشق: التخبط الإخواني!/ حازم الأمين
لن يعثر الباحث عن سياق سياسي للقرار الذي أعلنته حركة “حماس” عن إعادتها العلاقة مع النظام في سوريا، على أثر أو وظيفة لهذا القرار سوى أن “حماس” جزءاً من مشهد سياسي غير فلسطيني! فلا المواجهة مع إسرائيل تملي هذه الخطوة، ولا الانحياز لظلامة السوريين مع هذا النظام الرهيب ينسجم مع الرغبة التي أبدتها “حماس”. لكن المذهل أكثر هو أن النظام السوري نفسه لم يبدِ حماسة لهذه الرغبة، ولم يقدم على خطوة لتبريد خطاب “التخوين” الذي اعتمده حيالها منذ مغادرتها دمشق في أعقاب انطلاق الاحتجاجات في العام 2011.
إذاً، ما دافع حركة “حماس” للاقتراب من النظام السوري؟
أجوبة كثيرة يمكن أن يسوقها التحليل، جلها يفضي إلى أن “حماس” ليست أكثر من “ذيل” لأحلاف إقليمية. الخطوة يمكن وضعها في مشهد وقوع الحركة الإخوانية الفلسطينية في قلب هلال النفوذ الإيراني، وأن طهران مارست ضغوطاً لإعادة “حماس” إلى موقعها. هذا الاستنتاج هو الأقرب إلى الواقع، وله من الوقائع التي سبقت القرار أساس. وهنا طبعاً يمكن للمرء أن يستعرض زيارات قيادات الحركة إلى بيروت، ودور حزب الله في ضغوط طهران لدفع الحركة الفلسطينية للعودة إلى “موقعها الطبيعي” في دمشق.
لكن ثمة جانب آخر يجب الانتباه إليه في قرار “حماس”، وهو التقارب البطيء بين النظام في سوريا وبين أنقرة. فـ”حماس” خادم لسيدين، والبعد الإخواني لخطوة الحركة لا يقل أهمية عن حقيقة ارتهانها لطهران. لأنقرة دور في الخطوة، ذاك أن حماس التقطت إشارة منها وباشرت على إثرها الاستجابة لرغبة طهرن.
البحث عن الشرط الفلسطيني للعودة إلى دمشق لن يفضي إلا إلى متاهة، لا بل أن الثمن متوسط الأجل الذي ستدفعه القضية لن يقل عن الثمن الذي سبق أن دفعته عندما قرر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات أن ينحاز إلى صدام حسين خلال غزوه الكويت. سوء التفاهم بين القضية الفلسطينية والقضيتين العراقية والكويتية ما زال مستمراً إلى اليوم.
لقد قررت “حماس” العودة إلى أحضان سفاح دمشق. جرى ذلك بموازاة مواصلة النظام السوري ارتكاباته، وتكَشف المزيد منها. وجرى أيضاً بموازاة انعقاد مشهد سوري مخترق بقصف إسرائيلي يومي وصامت على المطارات والمدن السورية، وبملامح تجاذب بين روسيا وإيران بدأ يتكشف على نحو واضح.
“حماس” ليست جاهزة للابتعاد بـ”فلسطينها” عن هلالي الانقسام الإقليمي، والإخوان المسلمون، الذين تعتبر الجماعة الفلسطينية أحد أجنحتهم، يعيشون أسوأ أيامهم في كل الدول التي ينشطون فيها. خطوة “حماس”، إذا ما وضعت في المشهد الإخواني العام، ستكون جزءاً من ظاهرة التخبط هذه، لا بل ستكون أسوأ مظاهرها. فالصدع الذي ستخلفه سيكون عميقاً وجوهرياً ولن تقتصر ارتداداته على البيئة الاخوانية، ولنا بالصدع العراقي والكويتي نموذجاً.
لا بأس، فالجماعات التي تشكل “حماس” نموذجاً منها لا تقيم وزناً لهذا النوع من التطلب، ولطالما تقدم ارتهانها لأنظمة الاستبداد على أي شرط سياسي أو أخلاقي آخر، لكن صعوبة أخرى يبدو أنها ستواجه الحركة خلال مسيرة العودة إلى دمشق، ذاك أن النظام السوري نفسه ليس جاهزاً على ما يبدو لابتلاع الخطوة. فالنظام من طبيعة انتقامية، ولا يتمتع بالمرونة التي تطلبها منه طهران، وهو أصاب، خلال قمعه الدموي احتجاجات السوريين، مواقع يصعب معها رأب الصدع الذي تتطلبه عودة “حماس” إلى أحضانه. فالمخيمات الفلسطينية في سوريا كانت بؤراً أساسية لأنشطة الانتفاضة السورية، والنظام وبيئته وأجهزته يفصلهم توتر مع كل ما يمت لفلسطين بصلة، ناهيك عن “الجرح النرجسي” الذي خلفه انسحاب “حماس” من “عاصمة الصمود” وعودتها إلى الحضن الإخواني في العام 2011.
ستواصل إسرائيل قصفها في سوريا أثناء إقامة “حماس” الصامتة فيها، تماماً مثلما تواصل قصفها أثناء إقامة حزب الله في ربوع النظام. وظيفة الإقامتين حماية النظام السوري وضمان قدرته على مواصلة ارتكاباته. لحزب الله روايته عن الإقامة في دمشق. البعد المذهبي ليس سراً، بدءاً من “حماية الأضرحة” ومروراً بتحصين النظام العلوي ووصولاً إلى ضمان موقع نظام ولاية الفقيه.
لن يكون لـ”حماس” روايتها عن هذه الإقامة، باستثناء تلبيتها دعوة طهران. الثمن الذي ستدفعه كبير فعلاً، وهو سيضاعف من مشهد التخبط الإخواني في المشرق والمغرب، وسيصيب إخوان مصر والأردن على نحو ما سيصيب إخوان تونس، وسيكشف عن أن الإخوان بالنسبة لرجب طيب إردوغان ليسوا أكثر من ورقة سيدفعها لقاء أثمان زهيدة في حربه على الأكراد.
الحرة
—————————-
عودة «حماس» إلى سوريا في حسابات «حرب التمثيل الفلسطيني»
تسعى الحركة بقيادة الجناح الموالي لإيران و«حزب الله» إلى انتهاز فرصة ضعف السلطة
رام الله: كفاح زبون
خطوة «حركة المقاومة الإسلامية» (حماس) استنئاف علاقتها بالنظام السوري ليست خطوة منفردة، بل هي الخطوة الأهم، في خطة تسعى معها الحركة إلى استئناف علاقتها بمعظم الدول العربية إذا أمكن، ارتباطاً بمعركة فلسطينية بحتة، علنية وسرية، قديمة وجديدة متعلقة بالتمثيل السياسي للفلسطينيين.
ليس سراً أن «حماس» سعت وحاولت مراراً وقدمت نفسها على أنها ممثل شرعي للفلسطينيين فازت في انتخابات قديمة عام 2006، وهي من دون شك انتخابات شرعية، وفوق ذلك تمثل، بحسب ما تقول، خط المقاومة الذي تعده ممثلاً للفلسطينيين، وليس خط السلام الذي تجنح له السلطة.
وكان رئيس المكتب السياسي للحركة، إسماعيل هنية، واضحاً جداً عندما اعترف بجهود تبذلها «حماس» من أجل استعادة العلاقة مع الأردن ودول أخرى بعد إعلان استعادة العلاقة مع سوريا، حتى إنه لمّح إلى نيته زيارة دول عربية لها علاقات مع إسرائيل، مستدركاً أن ذلك «لا يعني التماهي مع التطبيع».
– بداية الانطلاقة الجديدة
الانطلاقة الجديدة التي تبحث عنها «حماس» بدأتها من روسيا، التي تحتفظ بعلاقات متقدمة مع سوريا وإيران ودول أخرى، ما يعكس رغبة لدى الحركة في تأسيس نهج جديد «براغماتي»، متخلصة ما أمكن من إرث قديم مثلت معه حركة «الإخوان المسلمين» التي فشل مشروعها في الشرق الأوسط. مصدر مطلع على النقاشات الداخلية في «حماس»، التي استمرت لشهور طويلة، قبل إعلان استئناف العلاقات مع سوريا، أكد أن الحركة تسعى إلى انفتاح وحضور إقليمي ودولي أكبر. وقال المصدر لـ«الشرق الأوسط»، إنه كانت هناك تعقيدات كثيرة وضغوط من جميع قادة الإخوان المسلمين من أجل عدم التصالح مع سوريا، لكن الحركة قررت المضي قدماً، مبتعدة عن «الإخوان» نحو سياسات جديدة.
صورة أرشيفية للمرشد الإيراني علي خامنئي وهنية
وبحسب المصدر، فإن الحركة تريد الانفتاح ما أمكن على الدول العربية، مستغلة التغيير الحاصل في علاقات الدول العربية نفسها مع سوريا، مع بدء مد جسور مع نظام دمشق، وهي فهمت الحركة أن هذا النظام لم ينهزم. قبل ذلك، ومع صعود قيادتها الجديدة، غيرت «حماس» دستورها وتخلصت من تبعيتها لـ«الإخوان» من أجل التقارب مع مصر، وعززت هذا الخط من أجل العودة إلى سوريا وتعمل الآن من أجل استنئاف العلاقات مع المملكة الأردنية.
– لكن ماذا تريد «حماس»؟
العودة إلى سوريا كانت محكومة بعوامل مهمة عدة، أولها إرضاء الحليفين القديمين، إيران و«حزب الله» اللبناني، اللذين بذلا جهوداً مضنية لسنوات من أجل عودة «حماس» لسوريا، وهو ما توج ببيان بدا اعتذارياً لسوريا، أعربت فيه الحركة عن «تقديرها للجمهورية العربية السورية قيادةً وشعباً؛ لدورها في الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة».
البيان جاء بعد زيارة قام بها هنية إلى موسكو، تضمنت لقاءات ونقاشات مع المسؤولين الروس حول معظم القضايا المشتركة؛ بما في ذلك مسألة المحاور، وهي زيارة قال مصدر مقرب من «حماس»، إنها ستكون ذات «أثر كبير في العلاقة مع روسيا، وفي العودة إلى سوريا ومد جسور مع حلفائها الآخرين في المنطقة».
قرار استئناف العلاقة مع سوريا ليس جديداً، اتخذ قبل أكثر من 10 أشهر، في ضوء تغييرات كثيرة، بينها التغيير في قيادة «حماس» مع صعود وسيطرة الجناح المتشدد القريب من سوريا وإيران في الدورتين الأخيرتين، وفي ظل التخلص من الحرج الذي كانت تشعر به الحركة، بسبب اعتبارها جزءاً من «الإخوان المسلمين» الذين هم في صراع مع سوريا، وبسبب تغييرات في المعادلة بسوريا وفي الإقليم بالنسبة إلى «حماس».
كانت «حماس» جزءاً من محور إيران قبل انطلاق النزاع في سوريا عام 2011، لكنها أيدت التحرك في وجه الرئيس السوري بشار الأسد، ما خلف غضباً كبيراً لدى الأسد وإيران و«حزب الله»، الذين عدوا موقفها «انقلاباً من الحركة على البلد الذي قدم لها موطئ قدم، ودعمها لسنوات طويلة»، قبل أن تغادر دمشق إلى قطر وتقطع إيران عنها الدعم المالي. واستطاعت طهران والحركة مد جسور للعلاقة من جديد بعد نحو 4 أعوام، عبر تدخلات من «حزب الله» في لبنان، ثم تطورت هذه العلاقة عام 2019 إلى علاقة كاملة، قبل أن يلمح هنية، آنذاك، إلى أن الطريق أصبحت مفتوحة مع سوريا، بتمنيات أطلقها بعودة سوريا القوية واستعادة عافيتها. ومن المعتقد أن يتوج كل هذا الجهد بزيارة هنية إلى سوريا.
لم يغفل بيان «حماس» وجود تلميحات حول أهمية العودة للمحور الإيراني – السوري، وهو محور على خلاف مع السلطة الفلسطينية إلى حد كبير وتتهمه السلطة بتعزيز الانقسام بطريقة أو بأخرى. وتعارض إيران، وكذلك سوريا، اتفاق السلام الفلسطيني – الإسرائيلي، وترفض المفاوضات ونهج السلطة في هذا الشأن، وهو موقف منسجم مع موقف «حماس» كذلك. ورأى المصدر المطلع أن العودة إلى سوريا من شأنها تقوية «حماس» أكثر ضد السلطة، باعتبار سوريا رأس حربة المعارضة العربية لنهج السلطة. مسألة أخرى ساعدت «حماس» للإقدام على هذه الخطوة، وهي أنها قد تجد نفسها بلا موطئ قدم، بعدما أجبرها الأتراك على ترك أراضيهم، ولم يتبقَّ لها سوى قطر.
وكانت «حماس» أطلعت الأتراك والقطريين سلفاً على قرارها بشأن سوريا.
«حرب التمثيل»
ويعتقد الإسرائيليون، بحسب وسائل إعلام ومراقبين، أن «حماس» تسعى فعلاً لتغيير صورتها، وتريد أن يصل المجتمع الدولي إلى مرحلة الاعتراف بها كممثل شرعي للشعب الفلسطيني، عوضاً عن منظمة التحرير.
وقالت تقارير إسرائيلية إن السياسات التي ينتهجها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والتي تفقد منظمة التحرير مكانها بشكل تدريجي، تسهم في نجاح خطوات «حماس» على المستويين الإقليمي والدولي.
ويبدو أن «حماس» اختارت لحظة ممكنة داخلياً مع وجود تحضيرات فلسطينية وإقليمية ودولية لمرحلة ما بعد الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وقبل شهور قليلة، جلس هنية في الصف الأول ليس بعيداً عن الرئيس عباس، وهو يشاهد عرضاً عسكرياً في الجزائر، في مشهد لم يكن محبباً في رام الله التي لا تهادن في مسائل تخص التمثيل السياسي.
وقبلها بعامين، زار هنية سلطنة عمان للتعزية بالسلطان قابوس بن سعيد، في وقت كان فيه عباس موجوداً بالسلطنة.
و«حماس» على تواصل حثيث مع مصر في مسائل تخص حكمها بقطاع غزة، وهو حكم لا تتنازل عنه الحركة للسلطة الفلسطينية أبداً ولا حتى في التقاصيل الصغيرة، كما أنها عنوان فلسطيني مستقل بالنسية للقطريين والأتراك.
و«حرب التمثيل» قديمة منذ بدأت دول بالتعامل مع «حماس» كأنها ممثلة للفلسطينيين، أو بمعزل عن السلطة، التي احتجت مراراً على ذلك، رافضةً أي تعامل مستقل مع الحركة، لأن ذلك يمس بالتمثيل الفلسطيني ويهدد القرار المستقل.
كان دخول «حماس» الانتخابات ثم سيطرتها على قطاع غزة بداية حقبة جديدة في «حرب التمثيل». ووجدت حركة «فتح» نفسها مجدداً أمام معركة جديدة كانت قد حسمتها في عقد السبعينات من القرن الماضي، من أجل الحفاظ على منظمة التحرير.
وبعدما كانت «فتح» مطمئنة إلى أنها تقود الشعب والسلطة والمنظمة، وجدت من يقاسمها السلطة، وعينه أيضاً على المنظمة.
صارت المعركة أكثر تعقيداً بالنسبة لـ«فتح» الآن. «حماس» بالمرصاد، وفصائل في المنظمة تدعم بقوة دخول «حماس» إليها. ودول إقليمية تخطط لمرحلة ما بعد عباس (رئيس فتح والمنظمة الحالي). وآخرون من «فتح» وإن كانوا خارجها، يتناغمون مع هذه التوجهات. انسداد في الأفق السياسي، وصعوبات مالية واقتصادية، ومواجهة مع إسرائيل والولايات المتحدة، وانقسام عميق يسيطر على كل شيء.
فهل تنجج «حماس» في مسعاها لتكون ممثلة للفلسطينيين؟
يقول الفتحاويون إن «حماس» وجدت أصلاً كبديل لمنظمة التحرير، وهو اتهام كاد ينساه الفتحاويون أنفسهم قبل أن تشتعل معركة المنظمة من جديد.
لكن «حماس» تقول رسمياً إنها لا تسعى لتكون بديلاً للمنظمة، وإنما تريد دخول المنظمة.
وتضع «حماس» من أجل المصالحة مع «فتح» إجراء الانتخابات في المنظمة شرطاً أساسياً للمضي قدماً. تفعل ذلك وهي تتوسع في علاقاتها العربية، وتحاول مد جسور مع الدول الغربية، منتهزة اللحظة التي يمكن أن تضعف فيها «فتح» أكثر، ربما معتقدة أن ذلك أصبح مؤاتياً في ظل خلافات داخلية حول مرحلة ما بعد عباس، وهي مرحلة تنتهي فيها حقبة المؤسسين بالحركة.
الشرق الأوسط
——————————-
حماس تستجدي ونظام الأسد يتمنّع/ عمر كوش
منذ سنوات وحركة “حماس” تحاول إعادة وصل ما انقطع بينها وبين نظام الأسد، حيث لم يوفر قادتها، خصوصاً في داخل قطاع غزة، مناسبة، إلا وأطلقوا فيها تصريحات، تحاول التملص مما نسب إليها من مواقف حيال الأوضاع في سوريا بعد ثورة 2011، وذلك عندما طالبها النظام بالمشاركة في الحرب التي بدأها ضد السوريين، أو على الأقل تبرير وتأييد قتلهم، مما اضطرها إلى مغادرة دمشق، وبالتالي لا يخرج البيان الذي أصدرته الحركة، الأربعاء الماضي، وأعلنت فيه مضيها في السعي إلى استئناف علاقاتها مع نظام الأسد، عن نهج استجداء هذا النظام، والتزلف المهين إليه. وهو نهج بدأته الحركة انسجاماً مع تحالفاتها مع محور الممانعة والمقاومة الذي تصطف فيه، وبما يتسق مع رغبة نظام الملالي الإيراني القابع في طهران، ونظام بوتين الروسي، بوصفهما راعيي حماس ونظام الأسد، لذا ليس مصادفة صدور البيان بالتزامن مع زيارة وفد قيادة حماس، برئاسة إسماعيل هنية، إلى موسكو حليف نظام الأسد، التي لن يكف ساستها عن محاولاتهم الرامية إلى إعادة تلميعه وإرجاعه إلى الحظيرة العربية، على الرغم من الفشل الذي اعترها.
وحمل بيان حماس الكثير من المخاتلة والرياء، حين اعتبر أن سوريا “احتضنت شعبنا الفلسطيني وفصائله المقاومة لعقود من الزمن، وهو ما يستوجب الوقوف معها، في ظل ما تتعرض له من عدوان غاشم”، لأن سوريا تختصر لدى قادة الحركة في نظام آل الأسد، وليس في شعبها الذي احتضن بالفعل الشعب الفلسطيني، واعتبر قضيته أولوية ومركزية بالنسبة إليه، في حين وضع نظام الأسد القضية الفلسطينية في بازار المزاودة عليها وتوظيفها، واعتبرها ورقة بين يديه يطلقها وقتما يشاء، ويلعب بها مع القوى الدولية والإقليمية.
كما أن تصوير قادة حماس نظام الأسد بوصفه راعي الفلسطينيين وفصائلهم وتنظيماتهم، فيه مخاتلة سمجة وتناقض كبير، ولا يتسق مع التعامل الوحشي لهذا النظام مع الفلسطينيين السوريين، حيث أوردت “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا” في تقرير لها، أن هذا النظام قتل أكثر من 3000 لاجئ فلسطيني في سوريا، منذ اندلاع الثورة السورية في منتصف آذار/ مارس 2011، ولغاية حزيران/ يونيو 2018، وقام بقتل 548 فلسطينياً تحت التعذيب في معتقلاته من أصل 1748 معتقلاً فلسطينياً في سجونه، فضلاً عن شنه هجمات عديدة باستخدام مختلف أنواع الأسلحة على مخيمات الفلسطينيين في مختلف أنحاء سوريا، وخاصة مخيم اليرموك في دمشق، الذي حاصره سنوات عديدة، ومنع عنه المساعدات الطبية والمواد الغذائية.
ويحاول قادة حماس تبرير سعيهم لإعادة علاقاتهم مع نظام الأسد عبر بوابة الإدانة الشديدة “للعدوان الإسرائيلي المتكرر على سوريا، وخاصة قصف مطاري دمشق وحلب مؤخراً”، مع أنهم يعون جيداً أن المستهدف من “العدوان الإسرائيلي”، ليست سوريا، ولا نظام الأسد وأركانه وقواته، بالنظر إلى أن ساسة إسرائيل وجنرالاتها لم يكفوا عن تطمين الأسد في مناسبات عديدة، وتأكيداتهم بأنهم لم / ولن يستهدفوه في الغارات والضربات، بل يستهدفون الوجود العسكري والميليشياوي الإيراني، الذي حوّل مناطق سيطرة النظام في سوريا إلى ساحة للمواجهة، ومقر لبناء قواعد عسكرية إيرانية، وذلك في إطار سعي نظام الملالي الإيراني إلى تثبيت تغلغله المتعدد المستويات فيها.
بالمقابل، لم يصدر عن نظام الأسد أي موقف أو إشارة إيجابية حيال محاولات حماس، لأنه لم يغفر بعد لقادتها عدم تبني موقفه حيال قتل السوريين، وذلك على الرغم من وساطة النظام الإيراني وحزب الله اللبناني، حيث ما يزال هذا النظام غير مكترث باستجدائهم وتزلفهم ومحاولتهم التقرّب إليه، وسبق وأن اتهمها بشار الأسد بالخيانة وبمساندة “جبهة النصرة”، ووصفها بمجموعة “لفظها الشعب السوري منذ بداية الحرب ولا يزال”، وأن “الدم الإخواني هو الغالب لدى هذه الحركة… وسارت في المخطط نفسه الذي أرادته إسرائيل”، وذلك انطلاقاً مع اعتباره أن “الإخونجي هو إخونجي في أي مكان يضع نفسه فيه، ويبقى من الداخل إخونجياً إرهابياً ومنافقاً”، لذلك لم يظهر النظام أي بادرة تجاوب مع محاولات وسطاء محور الممانعة الرامية إلى تقريب وجهات النظر بينه وبين حماس.
وتعتبر دوائر نظام الأسد أن “حماس غدرت بالمقاومة”، وأنها ما تزال تتبع جماعة الإخوان المسلمين، لذلك لم تلتفت إلى ما قامت به حماس من تعديل لميثاقها في عام 2017، الذي تنصّلت فيه من علاقاتها مع جماعة الإخوان المسلمين، وأعربت عن سعيها إلى إعادة بناء العلاقات مع العالم واستكمالها، من “أجل تطوير الحركة”، والذي تجسد في توطيد علاقتها مع النظام الإيراني، ومع حزب الله اللبناني، بوصفها جزءاً من محور الممانعة الذي يجمعها مع الأسد تحت الرعاية والدعم الإيرانيين.
ويعلم القاصي والداني أن دعم النظام الإيراني لحماس ولنظام الأسد وسواه، يدخل ضمن حسابات وتوظيفات المشروع التوسعي الإيراني في المنطقة والإقليم، الساعي إلى الهيمنة وبسط النفوذ على دولها وشعوبها، وليس من أجل ممانعة المشاريع الأميركية أو مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، حسبما يحاول تسويقه ملالي إيران، ويردده قادة حركة حماس وسواهم، عبر لجوئهم إلى خطاب مزيف وطفولي، ينمّ عن قصور وعيهم السياسي، وسلوكهم توجهاً أفقدهم البصر والبصيرة.
ويبدو أن نظام الأسد لم يعد يكترث بعودة علاقاته مع حماس، لأنه لن يستفيد منها في شيء، خاصة وأنه غير معني بقتال إسرائيل التي تقصف مواقع إيرانية في سوريا دون أي رد من طرفه. كما أنه لم يعد يطمح إلى وضع القضية الفلسطينية ورقة في يديه، خاصة بعد انكشاف وجهه الطائفي، وانحسار مزاوداته بالشعارات القومية العربية، وفشل محاولات إعادته إلى الجامعة العربية وسوى ذلك.
بالمقابل، لن تستفيد حماس من عودة علاقاتها مع نظام الأسد أي شيء، لأنه ليس أكثر من سلطة أمر واقع مثله مثلها، ولا يملك سوى أصناف متعددة من المخدرات وخصوصاً حبوب الكبتاغون، وبالتالي فإن استجداء قادتها للنظام لا يخرج عن إطار تنفيذ ما يريده كل من نظام الملالي الإيراني ونظام بوتين الروسي، وهم يعون جيداً أن تقرّبهم من النظام السوري ثمنه بخس.
تلفزيون سوريا
———————
“حماس” وتركيا وروسيا.. والنظام السوري/ خيرالله خيرالله
ليس ما يدل على الإفلاس الروسي أكثر من الضغوط التي مارستها موسكو من أجل مصالحة حركة “حماس” مع النظام السوري، وهي ضغوط ترافقت مع جهود من أجل تقارب بين تركيا والنظام السوري.
توّجت المصالحة بين النظام السوري و”حماس” ببيان صدر حديثا عن الحركة، التي هي جزء لا يتجزّأ من تنظيم الإخوان المسلمين في العالم. يتجاهل النظام السوري أنّه يتصالح عمليا، عبر “حماس”، مع الإخوان المسلمين الذين يعتبرهم من ألدّ أعدائه. يشير البيان الصادر عن “حماس” والقاضي باستئناف العلاقات بينها وبين النظام السوري إلى أنّ تلك الحركة لا تمتلك أيّ مبدأ من أيّ نوع باستثناء خدمة إسرائيل.
قال البيان: “أكّدت حركة حماس مضيّها في بناء وتطوير علاقات راسخة (مع النظام السوري)، خدمة لأمتنا وقضاياها العادلة وفي القلب منها قضية فلسطين لاسيما في ظل التطوّرات الإقليمية والدولية المتسارعة التي تحيط بقضيتنا وأمتنا”. لم توضح “حماس” ما هي هذه التطورات المتسارعة، اللهمّ إلّا إذا كانت تتحدث عن حاجة روسيا إلى تعويم النظام السوري في ضوء الهزائم التي لحقت بها في أوكرانيا. إنّها هزائم لا يزال فلاديمير بوتين يحاول التخفيف من وقعها، على الرغم من أنّها بدأت تدقّ أبواب الكرملين.
أعربت “حماس” في بيانها أيضا عن تقديرها لـ”الجمهورية السورية قيادة وشعبا لدورها في الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة”. هل سألت “حماس”، قبل أن تخرج بمثل هذا النوع من المواقف المؤيدة للنظام السوري الذي قتل في تاريخه من الفلسطينيين أضعاف مضاعفة ما قتلت إسرائيل، عن مصير مخيّم اليرموك قرب دمشق أو عمّا حلّ بالفلسطينيين المعتقلين في السجون السوريّة منذ سنوات طويلة؟
واضح أنّ تصرّف “حماس” يشبه إلى حدّ كبير تصرّف صغار الانتهازيين مثل الرئيس اللبناني ميشال عون وصهره جبران باسيل اللذين عقدا صفقة مع النظام السوري ولم يعد في بالهما اللبنانيون القابعون في السجون السوريّة منذ عشرات السنين.
الأكيد أنّ “حماس” تعمل، ظاهرا فقط، بموجب أجندة روسيّة ليست بعيدة عن الرغبات الإيرانيّة في الوقت ذاته. اعتذرت من النظام السوري عن طريق إبداء “تقديرها للجمهوريّة العربية السورية قيادة وشعبا” متجاهلة رأي الشعب السوري بنظام أقلّوي أخذ على عاتقه تطويع الفلسطينيين وتحويلهم ورقة لديه. ما لبثت هذه الورقة أن انتقلت إلى “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران في أعقاب تحوّلها إلى اللاعب الأساسي والمحوري في سوريا بشكل تدريجي.
لا تعكس مصالحة “حماس” للنظام السوري، بالطريقة التي تمّت بها، سوى مدى الضعف الروسي وحاجة فلاديمير بوتين إلى إظهار أنّه لا تزال لديه أوراقه في حين أنّه صار في الحضن الإيراني. في النهاية، إن إيران هي التي لعبت دورا حاسما في جعل “حماس” ترضخ لمطالب النظام السوري في وقت لم يعد من فائدة تذكر للحركة خارج إطار الإستراتيجية الإقليميّة لـ”الجمهورية الإسلاميّة” ومشروعها التوسعي… وعدم اعتراض إسرائيل على ذلك!
رضخت “حماس”، لكنه من الصعب رضوخ تركيا التي لديها شروطها من أجل مصالحة النظام السوري. لا يمكن تجاهل أن تركيا، بعثت برئيس جهاز المخابرات فيها هاكان فيدان إلى دمشق أخيرا لعقد سلسلة من اللقاءات مع مسؤولي الأجهزة الأمنيّة التابعة للنظام السوري على رأسهم اللواء علي مملوك. كان ذلك بناء على إصرار روسي وبعد سلسلة من اللقاءات بين الجانبين عقدت في روسيا نفسها. هل لدى فلاديمير بوتين ما يكفي من النفوذ لحمل الرئيس رجب طيب أردوغان على الاعتذار من بشّار الأسد وعلى التخلي عن توسيع المنطقة الأمنية التركية في الأراضي السوريّة؟
يريد النظام السوري انسحابا تركيا من الأراضي السوريّة. هذا الأمر غير وارد في ضوء حسابات مختلفة لأنقرة التي تسعى إلى تطوير اتفاق أضنة الذي يسمح لها بالتدخل عسكريا في سوريا. أين تقف موسكو من ذلك كلّه وما قدرتها على التأثير على أردوغان الذي استفاق أخيرا على إعادة مدّ الجسور بين تركيا وإسرائيل وتبادل الزيارات ذات الطابع العسكري معها؟
يبدو الضعف الروسي العامل المشترك بين “حماس” وتركيا والرغبة في مصالحتهما مع النظام السوري. إنّه ضعف كشفته الحرب الأوكرانيّة التي قرّر فلاديمير بوتين خوضها بسبب جهله بالعالم وموازين القوى فيه أوّلا. مثلما لم يدرك الرئيس الروسي معنى شنّ حرب على أوكرانيا، البلد الأوروبي الذي يمتلك أهمّية إستراتيجية كبيرة، لا يدرك حاليا أنّ لا فائدة من تعويم النظام السوري. ليس هناك ما يمكنه تعويم نظام أقلّوي مرفوض من الأكثرية الساحقة من شعبه. الأهم من ذلك كلّه، أن “حماس” تنظيم لا يمكن الوثوق به. ما الذي تمثله “حماس” على الأرض باستثناء أنّها تؤمّن استمرار الانقسام الفلسطيني وتكريس قطاع غزّة إمارة إسلاميّة على الطريقة الطالبانيّة؟
باختصار شديد، إن “حماس” حاجة إسرائيليّة أكثر مما هي حاجة روسيّة، وهي أيضا حاجة إيرانيّة في ضوء رغبة “الجمهوريّة الإسلاميّة”، بين حين وآخر، في إظهار أنّ لديها ورقة فلسطينيّة مميّزة تمتلك صواريخ تحرّكها في إطار يخدم مشروعها التوسّعي.
يظلّ الموضوع التركي أكثر تعقيدا بمراحل. لا يعود ذلك إلى حجم تركيا وموقعها فحسب، بل إلى حسابات داخليّة وإقليميّة ودوليّة خاصة بها أيضا. لا تقتصر هذه الحسابات على العلاقة بروسيا، بل تتعداها إلى مستقبل العلاقات مع دول أوروبا ومع أميركا نفسها. تشمل هذه الحسابات الهمّين الكردي والاقتصادي الداخلي اللذين يقلقان أردوغان وحزبه، بل يمكن اعتبارهما بمثابة هاجس من هواجسه اليوميّة.
يلعب فلاديمير بوتين في الوقت الضائع ويتلهّى بالقشور. لن ينقذه تعويم النظام السوري في شيء. لا لشيء سوى لأن مشكلته في أوكرانيا وفي القرار الخاطئ الذي اتخذه والذي جعله يغرق في وحولها. لم تكشف أوكرانيا ضعف الجيش الروسي وأسلحته فقط. كشف قبل كلّ شيء أنّ بوتين لم يتعلّم شيئا من انهيار الاتحاد السوفياتي وأسباب موته!
إعلامي لبناني
العرب
——————————
في وهم إضرار الثورات بفلسطين قضية عربية/ علي سفر
يميلُ بعض السياسيين الذين ينتمون إلى محور المقاومة والممانعة إلى تحميل ثورات الربيع العربي المسؤولية عن تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية. وفي فحوى هذا النزوع الذي ينطق به مثقفون وفئات أخرى أيضاً، يسمع المرء ويقرأ عرائض شتّى، كتب أصحابها فيها كلاماً كثيراً، أن المشكلات التي أحدثتها الانتفاضات الجماهيرية للبلدان التي اندلعت فيها جعلت طاقات هذه الانتفاضات تتوجه كلياً صوب الشأن الداخلي، تاركة خلفها أي ملفات خارجية. ويقول بعض هؤلاء إن فداحة ما صنعته الثورات من شروخ في المجتمعات جعلت الأوضاع غير المستقرّة مثل جروح مفتوحة تسرّبت منها الجراثيم والميكروبات التي أضعفت الكيانات العربية، وجعلتها تهرع إلى تلمس سبل النجاة، حتى على حساب القضية المركزية!
وفي المحصلة، يرى هؤلاء أن الخاسر الأكبر من عقد الثورات المضطرمة هي قضيتهم التي صارت في المراتب الخلفية من جداول الاهتمامات. ومن أجل أن تعود فلسطين إلى الواجهة، يجب أن تهدأ الأحوال، وألا تبقى على سطح الواقع العربي أي اضطرابات يمكن أن تُضعف موقف الأنظمة العربية وسياساتها، مع افتراض مسبق إن نيات القادة العرب الصادقة تتوجّه قلباً وقالباً صوب مأساة اللاجئين الفلسطينيين، وإلى تلمّس الحلول التي ترفع المعاناة عنهم!
يعيش هؤلاء، ومن يذهب مذهبهم، في انفصال هائل، ليس عن واقع شعوب المنطقة وعلاقاتها تاريخياً مع الأنظمة التي حكمتها، بل عن واقع مأساتهم ذاتها، إذ يغيب الإحساس التلقائي بتاريخها، وهو شيءٌ صار يولد مع الأطفال، ويسكن في دمهم، فيخبرهم أن أهم العوامل التي أدّت إلى تقهقر القضية ومطالب الشعب الفلسطيني التاريخية، إنما هو سوء تعاطي الحكام العرب، ورؤيتهم إلى المسألة جزءا من تضاعيف علاقتهم مع القوى الدولية المتحكّمة بكل الملفات حول العالم!
هذه بديهيات، لا يمكن أن يستطرد المرء في الحديث عنها وشرحها. وبدلاً من هذا، يجب أن توجه إلى هؤلاء دعوة إلى قراءة كتب التاريخ القريب، كي يدركوا أن العلاقة الجدلية بين الشؤون الداخلية العربية، سيما الخاصة ببلدان الطوق، وفلسطين أوضح من أن تخفى. وتبعاً لهذا، سيكتشفون في حال كانوا من أصحاب العقول المنفتحة أن تراجع الاهتمام بالقضية لا يتعلق أولاً بمن هم خارج حدود مأساتها، بل بمن هم غارقون فيها، أي الفلسطينيين أنفسهم، وأن الواقع الذي يعيشون فيه، ولا سيما صراعات القوتين الرئيسيتين، حركتي فتح وحماس، بالإضافة إلى تكريس كل منهما واقعاً متردّياً وبيئة فاسدة في مناطق السيطرة والنفوذ، إنما هو إعادة إنتاج لواقع الأنظمة العربية التي حكمت بلدانها وما زالت، والتي لا يناسبها حال فلسطيني أكثر من الراهن، الذي يشبه تكوينها نفسه؛ أي نخب سياسية واقتصادية وأمنية حاكمة تستعين بقوى خارجية، من أجل تكريس وجودها واستمراريته، في مواجهة شرائح مجتمعية، صار من اليقينيّ بالنسبة لها أن وجود التسلط أكبر معوق لتطورها ولنضالها من أجل حقوقها.
وفي تأمل هذا التقابل بين المشهد الفلسطيني ومثيله العربي، يمكن العودة إلى سلسلة من محطات نضال الفلسطينيين أنفسهم ضد واقعهم المركّب، فنضالهم ضد الاحتلال يتراكب مع نضالهم ضد سلطات الأمر الواقع، التي تتعيّش من العلاقة معه أو من مواجهته، من دون أن تذهب أيٌّ من هاتين السلطتين نحو الجماهير ذاتها، التي يتردّى أي مشروع في غيابها وصمتها الإجباريين بفعل القمع والترهيب والتجويع، وينهض، في المقابل، أي مشروع تتبنّاه وتنفتح عليه، من بوابة قدرتها على الفعل والتغيير، ومن تحرّرها من أي قيادة تمثل مصالح هذه الفئة أو تلك من مافيات الفساد!
وفي العودة إلى أساس السوء فيما يظنّه أصحاب الشكاوى ضد الربيع العربي، لا بد من التذكير بأن الجروح التي تتسرّب منها فيروسات خلخلة الإرادة المحلية الداعمة للشعب الفلسطيني، لم تنكشف للهواء بسبب الربيع العربي، بل إنها أقدم بكثير من تاريخ حدوثه، لكن ما فعله هذا التفجّر الهائل للغضب كان فقط أنه أظهر طبيعتها المزمنة، وربط بين حصول أصحابها على علاجات تقدم شفاء كاملاً وقدرتهم على مواجهة الحلول البائسة التي فرضت على الفلسطينيين بسبب مخاتلة من ادّعوا أنهم يحمون ظهرهم ونفاقهم.
يظن هؤلاء، وعلى سبيل المثال، أن ثورة السوريين ضد نظام الأسد تسبّبت في تضاؤل الدعم السوري لقضيتهم. وبالتأكيد، يمكن اعتبار هذا الكلام صحيحاً فيما لو كان نظام الممانعة هذا قدّم الشيء الكثير مادياً ومعنوياً قبل تاريخ 15 مارس/ آذار 2011، لكن خروج العقول من ضباب البروباغندا السائدة يحتاج جهدا كثيرا على ما يبدو، وهو مُكلف أيضاً، إذ إن انكشاف شكل العلاقة بين الأسديين والقضية الفلسطينية، والتي كانت تقوم على استثمارهم لها ملفا ضمن حقيبة من الملفات في عملية التسوية، وقمع أي تحرّك أو توجّه سوري أو فلسطيني سوري يحاول الاختلاف، والتصرّف معه بقسوة هائلة تبدأ من السجن ولا تنتهي فقط بارتكاب المجازر. سيؤدّي هذا الانكشاف إلى مراجعة جذرية لخطاب تاريخي عن دعم هؤلاء القضية المركزية، وقد لا يطمئن هؤلاء لنتائجها التي قد تضرّ عقلاً ومنهجية سائدة، فيفضلون ألا يفعلوا.
وفي المحصلة، سيبحثون عن شمّاعة يمكن تحميل كل الآثام عليها، فلا يجدون سوى الثورات العربية المغدورة، فيضعونها في سياق مظلوميتهم كمؤامرة، جاعلين من الشعوب الثائرة شريكة فيها، ويجزمون أن أهدافها تتعارض مع الطموحات المشروعة للشعب الفلسطيني، الأمر الذي يبرّر الارتماء مرة أخرى في أحضان الأسد وغيره، ممن كانوا دائماً يفتكون بشعوبهم وبالفلسطينيين معاً، طالما أن الخطر لا يأتي من الكيان الإسرائيلي، بل من الشعوب قبل أي جهة أخرى.
العربي الجديد
———————————————
حماس والسير على خطى المطبعين مع بشار/ إحسان الفقيه
ما أشبه السياسة بالطقس الذي تعلن عنه النشرات الجوية، يتغير ويتقلب من يومٍ لآخر، وهكذا السياسة، لا تثبت على قدم، ولا يستقر لها حال، دائرةٌ في فلك المصالح، عدو الأمس صديق اليوم، وصديق الأمس عدو اليوم.
في سياق الترنح العربي الذي تزداد وتيرته يوما بعد آخر، فوجئت الجماهير بموقف جديد اتخذته قيادة حركة حماس، يتسق مع هذا الترنّح إزاء الملف السوري، إذ بدت إرهاصات التقارب مع نظام الأسد، التي ظهرت في بيان الحركة لإدانة العدوان الإسرائيلي المتكرر على الأراضي السورية، وإعرابها عن تقديرها لوقوف سوريا قيادة وشعبا لدعم الشعب الفلسطيني، واحتضان المقاومة على مدى عقود، والتأكيد على مضي الحركة في تطوير علاقات راسخة مع سوريا.
الموقف الأخير لحماس كان صادما لقطاعات عريضة من الجماهير العربية، خاصة الشارع الثوري العربي، واعتبره البعض خيانة للشعب السوري المنكوب، الذي عانى الويلات على يد نظامه الدموي، فإلى أي مدى تصدق هذه الرؤية؟
دعونا ابتداء نلقي الضوء على علاقة حماس بالنظام الأسدي، بعد اندلاع الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد، فقبل ثورات الربيع، كانت قيادات الحركة تتخذ من الأراضي السورية مقرا لها، وتنعم بدعم وتأييد نظام الأسد، وإزاء البطش الدموي الذي مارسه النظام ضد شعبه، كان قرار الحركة حاسما في الانحياز للشعب السوري والشعوب العربية في مطالبها الثورية العادلة، ما أدى إلى تراجع الدعم الإيراني لحماس، باعتبار بشار الأسد حليفا استراتيجيا لإيران، وقضت قيادة الحركة ستة أشهر بعدها بالطائرات تجوب الدول العربية والإسلامية، فأكثر من خمسين دولة عربية وإسلامية أغلقت الباب في وجه الحركة، إلى أن استضافتها قطر. الموقف الأخير لحماس تجاه التقارب مع النظام السوري، على الرغم من فداحته وعدم قبوله، على الأقل من قبلي وجميع السوريين، الذين اكتووا بنيران الأسد، وبعيدا عن عاطفتي التي تتجه لاستنكار مثل هذا الأمر، إلا إنه لا يمكن تفسيره والنظر إليه والحكم عليه بمعزل عن السياق العربي، فالنظام تمكن خلال السنوات الأخيرة، وبدعم حلفائه الروس والإيرانيين، من تحقيق إنجازات ميدانية وضعت العالم أمام واقع جديد، يبرز تقدم النظام بخطوات واضحة لاستعادة كامل السيطرة على الأراضي السورية. أدركت الدول المعنية بالقضية السورية والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، والعديد من حكوماتها، أن الحسم العسكري أصبح مستحيلا، وأن الحل السياسي هو السبيل الوحيد لإنهاء الحرب. بناء على ذلك اتجهت دول خليجية وعربية إلى تطبيع العلاقات مع النظام السوري، والعمل على تعويمه وإدماجه في البيت العربي، عن طريق إعادة تمثيلها الدبلوماسي داخل سوريا، وعودة السفراء، بهدف تحجيم جزئي للنفوذ الإيراني في سوريا، خاصة بعد تغير استراتيجيات أمريكا في المنطقة بعد وصول بايدن إلى البيت الأبيض، الذي يولي اهتماما أكبر لمواجهة تهديدات صينية مفترضة، وتخفيف وجوده في المنطقة العربية، كما تسعى هذه الدول إلى تحقيق حضور عربي في ملفات الإعمار وبناء علاقات اقتصادية تستفيد منها تلك الدول. لقد أصبح المسار واضحا في إعادة نظام بشار الأسد إلى الجامعة العربية والبيت العربي مرة أخرى، ومن الواضح أن نجاح النظام في فرض واقع جديد لصالحه، قد جعل دولا أخرى مثل تركيا تدلي بتصريحات تحمل نوعا من التوطئة لتقاربات مع النظام السوري، وحتى الدول العربية التي تتمسك بحل سياسي للأزمة بما يتوافق مع قرار مجلس الأمن الدولي 2254، فإنها قد فتحت قنوات اتصالات مباشرة مع مسؤولي الاستخبارات السورية، لبحث إعادة التمثيل الدبلوماسي داخل سوريا. هذا الموقف من بعض الدول العربية حدا بأخرى للاتكاء عليه في بناء رؤية مفادها، أنه لم يعد هناك جدوى من لفظ النظام السوري خارج الإطار العربي، فالجزائر مثلا ترى أنه لم يعد تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية أمرا مقبولا بعد انفتاح حكومات خليجية على النظام السوري.
تأسيسا على هذه المتغيرات، يمكن مناقشة موقف حماس الأخير، التي يهمها في المقام الأول شأنها الداخلي المبني على تحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني، والاندماج في محيطها العربي والإسلامي لتبقى القضية الفلسطينية قضية مركزية للأمة، وتحظى المقاومة بدعم عربي إسلامي.
نعم هو موقف يؤسف له أن يتم التقارب مع نظام دموي قتل واعتقل وهجّر وشرّد الملايين من الشعب السوري، وارتكب ضده مجازر بشعة بالبراميل المتفجرة والفوسفور، لكن هل من مصلحة حماس الوقوف بمعزل عن توجه عربي أصبح أمرا واقعا؟ حماس تنظر إلى التطبيع العربي مع النظام على أنه حاصل لا محالة، سواء تناغمت الحركة مع هذا التوجه، أم وقفت بمعزل عنه، فلما لا تستفيد هي الأخرى، ولم تبق الحركة وحدها في العراء في موقف المعارض أو حتى المحايد مع احتياجها للدعم، في حين أن حكومات عربية هرولت نحو التطبيع. حماس ليست دولة، حماس حركة مقاومة تخلت عنها معظم الدول العربية وتركتها لنهش الحصار ومنعتها الدعم في قضية من المفترض أنها قضية عربية إسلامية عامة، ولجأت إلى إيران لنيل الدعم، ثم هوجمت من قبل المنابر الثقافية والإعلامية في دول تقوم بالتطبيع مع الكيان الإسرائيلي ذاته. أنا لا أجمّل موقف حماس الأخير، لكن أسعى لوضع الأمور في نصابها في الحكم على الحركة، ومن المؤكد أن الموقف سيكون مختلفا بشكل قوي حال استمرار القطيعة العربية من النظام السوري، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
كاتبة أردنية
القدس العربي
———————————
==================
تحديث 25 أيلول 2022
——————————-
حماس” في دمشق: التخبط الإخواني!/ حازم الأمين
لن يعثر الباحث عن سياق سياسي للقرار الذي أعلنته حركة “حماس” عن إعادتها العلاقة مع النظام في سوريا، على أثر أو وظيفة لهذا القرار سوى أن “حماس” جزءاً من مشهد سياسي غير فلسطيني! فلا المواجهة مع إسرائيل تملي هذه الخطوة، ولا الانحياز لظلامة السوريين مع هذا النظام الرهيب ينسجم مع الرغبة التي أبدتها “حماس”. لكن المذهل أكثر هو أن النظام السوري نفسه لم يبدِ حماسة لهذه الرغبة، ولم يقدم على خطوة لتبريد خطاب “التخوين” الذي اعتمده حيالها منذ مغادرتها دمشق في أعقاب انطلاق الاحتجاجات في العام 2011.
إذاً، ما دافع حركة “حماس” للاقتراب من النظام السوري؟
أجوبة كثيرة يمكن أن يسوقها التحليل، جلها يفضي إلى أن “حماس” ليست أكثر من “ذيل” لأحلاف إقليمية. الخطوة يمكن وضعها في مشهد وقوع الحركة الإخوانية الفلسطينية في قلب هلال النفوذ الإيراني، وأن طهران مارست ضغوطاً لإعادة “حماس” إلى موقعها. هذا الاستنتاج هو الأقرب إلى الواقع، وله من الوقائع التي سبقت القرار أساس. وهنا طبعاً يمكن للمرء أن يستعرض زيارات قيادات الحركة إلى بيروت، ودور حزب الله في ضغوط طهران لدفع الحركة الفلسطينية للعودة إلى “موقعها الطبيعي” في دمشق.
لكن ثمة جانب آخر يجب الانتباه إليه في قرار “حماس”، وهو التقارب البطيء بين النظام في سوريا وبين أنقرة. فـ”حماس” خادم لسيدين، والبعد الإخواني لخطوة الحركة لا يقل أهمية عن حقيقة ارتهانها لطهران. لأنقرة دور في الخطوة، ذاك أن حماس التقطت إشارة منها وباشرت على إثرها الاستجابة لرغبة طهرن.
البحث عن الشرط الفلسطيني للعودة إلى دمشق لن يفضي إلا إلى متاهة، لا بل أن الثمن متوسط الأجل الذي ستدفعه القضية لن يقل عن الثمن الذي سبق أن دفعته عندما قرر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات أن ينحاز إلى صدام حسين خلال غزوه الكويت. سوء التفاهم بين القضية الفلسطينية والقضيتين العراقية والكويتية ما زال مستمراً إلى اليوم.
لقد قررت “حماس” العودة إلى أحضان سفاح دمشق. جرى ذلك بموازاة مواصلة النظام السوري ارتكاباته، وتكَشف المزيد منها. وجرى أيضاً بموازاة انعقاد مشهد سوري مخترق بقصف إسرائيلي يومي وصامت على المطارات والمدن السورية، وبملامح تجاذب بين روسيا وإيران بدأ يتكشف على نحو واضح.
“حماس” ليست جاهزة للابتعاد بـ”فلسطينها” عن هلالي الانقسام الإقليمي، والإخوان المسلمون، الذين تعتبر الجماعة الفلسطينية أحد أجنحتهم، يعيشون أسوأ أيامهم في كل الدول التي ينشطون فيها. خطوة “حماس”، إذا ما وضعت في المشهد الإخواني العام، ستكون جزءاً من ظاهرة التخبط هذه، لا بل ستكون أسوأ مظاهرها. فالصدع الذي ستخلفه سيكون عميقاً وجوهرياً ولن تقتصر ارتداداته على البيئة الاخوانية، ولنا بالصدع العراقي والكويتي نموذجاً.
لا بأس، فالجماعات التي تشكل “حماس” نموذجاً منها لا تقيم وزناً لهذا النوع من التطلب، ولطالما تقدم ارتهانها لأنظمة الاستبداد على أي شرط سياسي أو أخلاقي آخر، لكن صعوبة أخرى يبدو أنها ستواجه الحركة خلال مسيرة العودة إلى دمشق، ذاك أن النظام السوري نفسه ليس جاهزاً على ما يبدو لابتلاع الخطوة. فالنظام من طبيعة انتقامية، ولا يتمتع بالمرونة التي تطلبها منه طهران، وهو أصاب، خلال قمعه الدموي احتجاجات السوريين، مواقع يصعب معها رأب الصدع الذي تتطلبه عودة “حماس” إلى أحضانه. فالمخيمات الفلسطينية في سوريا كانت بؤراً أساسية لأنشطة الانتفاضة السورية، والنظام وبيئته وأجهزته يفصلهم توتر مع كل ما يمت لفلسطين بصلة، ناهيك عن “الجرح النرجسي” الذي خلفه انسحاب “حماس” من “عاصمة الصمود” وعودتها إلى الحضن الإخواني في العام 2011.
ستواصل إسرائيل قصفها في سوريا أثناء إقامة “حماس” الصامتة فيها، تماماً مثلما تواصل قصفها أثناء إقامة حزب الله في ربوع النظام. وظيفة الإقامتين حماية النظام السوري وضمان قدرته على مواصلة ارتكاباته. لحزب الله روايته عن الإقامة في دمشق. البعد المذهبي ليس سراً، بدءاً من “حماية الأضرحة” ومروراً بتحصين النظام العلوي ووصولاً إلى ضمان موقع نظام ولاية الفقيه.
لن يكون لـ”حماس” روايتها عن هذه الإقامة، باستثناء تلبيتها دعوة طهران. الثمن الذي ستدفعه كبير فعلاً، وهو سيضاعف من مشهد التخبط الإخواني في المشرق والمغرب، وسيصيب إخوان مصر والأردن على نحو ما سيصيب إخوان تونس، وسيكشف عن أن الإخوان بالنسبة لرجب طيب إردوغان ليسوا أكثر من ورقة سيدفعها لقاء أثمان زهيدة في حربه على الأكراد.
الحرة
——————————–
علاقات حماس والنظام السوري تُشعل جدلاً واسعاً على شبكات التواصل
اشتعلت موجة من الجدل الكبير والواسع في أوساط الفلسطينيين والعرب على شبكات التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية بسبب إعلان حركة حماس استئناف علاقاتها مع النظام السوري بعد قطيعة استمرت أكثر من عشر سنوات، عندما غادرت قيادة الحركة دمشق وانحازت إلى الثورة السورية التي كانت تريد الإطاحة بالرئيس بشار الأسد.
وأصدرت حركة حماس بياناً قبل أيام أكدت فيه على «مُضيّها في بناء وتطوير علاقات راسخة» مع النظام السوري، في إطار قرارها باستئناف علاقتها معه «خدمةً لأمتنا وقضاياها العادلة، وفي القلب منها قضية فلسطين» على حد وصفها. وأضاف البيان أن القرار جاء بناءً «على استراتيجية حماس الثابتة، وحرصها على تطوير وتعزيز علاقاتها مع أمتها، ومحيطها العربي والإسلامي، وكل الداعمين لقضيتنا ومقاومتنا».
وتداولت بعض المواقع الإخبارية معلومات غير رسمية عن نية وفد رسمي من حركة زيارة العاصمة السورية دمشق خلال الأيام المقبلة، وقالت المواقع إن نائب رئيس المكتب السياسي الدكتور خليل الحية سوف يكون على رأس الوفد الذي سيزور دمشق بوساطة من حزب الله، فيما لا يزال من غير المعروف ولا الواضح إن كان الوفد سيلتقي الرئيس بشار الأسد أم لا.
وسرعان ما اشتعل جدل على شبكات التواصل الاجتماعي بسبب القرار الحمساوي الذي جوبه بمعارضة واسعة من جانب المعارضين السوريين وبعض الفلسطينيين والعرب، فيما أيد آخرون قرار حماس ورأوا فيه تحركاً صائباً خاصة في ظل الانفتاح العربي الرسمي على النظام السوري والعودة التدريجية لعلاقاته بالعديد من الدول العربية.
وانهالت موجة من النقد على حركة حماس من قبل مؤيدي الثورة السورية، حيث غرد الكاتب والصحافي الفلسطيني ياسر الزعاترة قائلاً: «بدل الانشغال بإصدار بيان طويل يتضامن مع نظام بشار، ضد اعتداءات صهيونية؛ يقابلها بالشكوى.. كان على قيادة حماس أن تنشغل بالوضع الأهم في الضفة الغربية، والذي سلّمت قيادها فيه لشخص ثبت فشله على رؤوس الأشهاد. بشار هو سرّ دمار سوريا، ومجاملته خطيئة؛ تماما مثل ترك الفاشل يواصل مسيرته».
وكتب الأسير الأردني المحرر من السجون الإسرائيلية، والناشط سلطان العجلوني يقول: «لأن الله واحد، والمبدأ واحد، والدم واحد، والعمر واحد.. فإني أبرأ إلى الله من كل تقارب أو مصالحة مع مجرم سوريا حتى لو كان ذلك من أحب الناس إلى حماس، وإني أشهد الله وألقاه على ذلك».
وعلق الدكتور محمد المختار الشنقيطي معلقاً على قرار حماس بالقول: «مصالحة حماس مع الأسد غير مقنعة، لا سياسيا ولا أخلاقيا: فرجوع قادتها لدمشق سيجعلهم منكشفين لاغتيالات الصهاينة، وإيثارها اللاجئين الفلسطينيين في سوريا على ملايين اللاجئين السوريين أنانية، وسعيها لإطلاق 80 حمساويا من سجون الأسد مع وجود 80 ألف سوري في سجونه أنانية أخرى».
وغرد الناشط السوري عمر مدنية يقول: «من تحالف مع من هدم مساجد سوريا لا تصدقوه عندما يحدثكم عن تحرير المسجد الأقصى».
وكتب الدكتور محمد عياش الكبيسي: «لا أحد يطلب من حماس أن تقف مع قضايا الأمة في سوريا والعراق واليمن ولبنان، لكن كيف ترضى حركة (إسلامية) أن تكون بوقاً لتزكية أخطر موجة باطنية تجتاح العالم الإسلامي وتهدد عقيدته وهويته وتاريخه ووجوده كله؟.. لقد أعطوكم خبزاً مسروقاً من العراق وسوريا وأخذوا منكم كل شيء».
وعلق الإعلامي السوري الدكتور أحمد موفق زيدان يقول: «حين تقول حماس في بيانها ننحاز إلى أمتننا في مواجهة المخططات الصهيونية، فهذا يعني ندم وجبٌّ لما فعلته سابقا من انحياز لثورة السوريين، واعتذار مكتمل الأركان. الانحياز اليوم هو لمحور الأسد وطهران وموسكو. حيث أمتها، وليس مع أمة المظلومين في سوريا والعراق واليمن ولبنان.. الخ».
في المقابل دافع آخرون عن قرار حماس وحاولوا تفسيره وتبريره، حيث كتب عماد الدين من غزة: «حركة حماس تعلم جيداً أن إعادة العلاقات لن تؤثر على الثوار، والجميع يعلم أن إعادة العلاقات مع سوريا أمر مهم في هذه المرحلة، خصوصاً في هذا الوقت الذي رفضت فيه الدول العربية احتواء الحركة وتم طرد التابعين لها وإغلاق مكاتبها وحبس أبناءها.. حماس لم تجد أحداً يحتويها غير سوريا».
وغرد الكاتب والمحلل السياسي عبد الله العقاد يقول: «حماس تقيم علاقاتها بمقياس تحقيق مصالح الثورة.. وعليه، تكون سوريا أعلى الأهميةِ؛ فسوريا الدولةُ (اقليم، سيادة، شعب) أعطت المقاومة بما لم يقوَ عليه أحد، فإن كان من شكرٍ على واجب فأولُ الشكر لها، ويكأنها دفعت أثمان مواقفها بكل هذا الكيدِ الذي أتوا به جميعاً».
وكتب تشارلز أبي نادر: «عودة حماس إلى سوريا في هذا التوقيت الحساس الذي تعيشه المنطقة وخاصة مع بدء تشكل ما يشبه الانتفاضة الواسعة في الضفة الغربية، يؤكد أن حزب الله هو لاعب إقليمي بمستوى دولي، وهو يملك قدرات سياسية نوعية، تتجاوز قدراته الصاروخية الدقيقة».
وكتب المهندس محمد الشريف من غزة: «حماس بعودتها إلى سوريا لا يعني صك براءة من ثورتها الشريفة التي تكالب عليها شذاذ الآفاق بمن فيهم بعض اللقطاء الذين تستروا بها، فهي لم تنسَ فضل الرئيس محمد مرسي الذي اغتاله نظام السيسي الخائن، ونعته في بيان رسمي وذكرت فضائله في نصرة غزة والقدس وكذلك قضيتنا رغم عودة العلاقات».
وغرد الناشط معاذ آي يقول: «حماس حرصت على الدم السوري أكثر من فصائل المعارضة، فهي تركت مكاتبها وامتيازاتها في سوريا مع أنها كانت قادرة على الوقوف في صف النّظام، وتنعم بتدفق الدعم الإيراني وبأسلحة متطورة مستغلة فوضى الحدود نتيجة الربيع العربي، لكنها تركت هذا كله وآثرت التنازل عنه لأجل دماء الأبرياء في سوريا». وأضاف: «في ذلك الوقت كانت فصائل المعارضة تتقاتل فيما بينها تاركة النظام السوري يستفرد بالمناطق والفصائل ويستعيد السيطرة. ورغم كل التجاوزات التي تعرضت لها حماس من المعارضة السورية وإعلامها إلا أنها لم تُصدر بيانا واحدا تسيء لهم فيه، مع أنها كانت ترد على أي إساءة تصدر من محور إيران».
وغرد الإعلامي والمذيع خليل نصر الله يقول: «بيان حماس حول قرارها استئناف العلاقة مع سوريا، خطوة متقدمة ومؤشر على أن العلاقة قطعت شوطا مهما، وأن الوساطات نجحت».
وكتب صادق نابلسي يقول: «كل ما يوجع (إسرائيل) مطلوب، بيان حماس حول إعادة العلاقة مع سوريا رصاصة قوية في نعش الكيان الإسرائيلي. بمثل هذه البيانات نحمي الأمة من الغرق والضعف».
وغرد معلق يُدعى إبراهيم قائلا: «حركات المقاومة جميعها باركت خطوة حماس باتجاه سوريا. من لم يعجبه هذا أو انشغل بالبحث عن تبريرات فليعرف أنه ضد المقاومة ومع المشروع الاستعماري ولو زينت له شياطين الناتو وإسرائيل موقفاً معادياً لهم».
وكتب أحد المعلقين يقول: «ماذا ستستفيد حماس من العلاقة مع النظام السوري؟ إليكم أبرز النقاط: أولاً: ستطالب حماس سوريا بالافراج عن ما يزيد عن 4500 سجين فلسطيني ما زالوا يقبعون في سجون بشار، ثانياً: ستسعى حماس إلى تعزيز قدراتها العسكرية والانفتاح السياسي على كل الدول لأجل مشروعها التحرري. ثالثا: النظام السوري لديه خبرة كبيرة في كيفيه إيصال السلاح لغزة ولديه طرقه الخاصة التي كان يستخدمها مسبقا. رابعاً: ستعمل حماس على استنهاض الشعوب وحثهم على المشاركة بحرب التحرير القادمة واقتحام الحدود من جميع الجبهات العربية وهذا سيشكل إسناداً للمقاومة وضغطاً كبيراً على الصهاينة».
وكتب محمود أبوزياد: «المنتقدون لعودة علاقة حركة حماس مع سوريا إما جهلة بفقه الواقع، أو ربائب لأنظمة لديها تواصل كامل وسفارات مع سوريا لكنهم يبيعون المواقف في سوق نخاسة الأقلام».
يشار إلى أن قيادة حركة حماس كانت تقيم في العاصمة السورية دمشق، وكان للحركة مكاتب رسمية هناك، إلى أن قررت الحركة أن تغادر سوريا في العام 2011 بعد القمع الواسع الذي مارسه النظام ضد المحتجين هناك، ولاحقاً أعلنت حماس موقفاً مؤيداً للاحتجاجات وانتقدت النظام وطريقة تعامله مع الثوار، وهو ما أدى إلى قطيعة في العلاقة بين الجانبين استمرت أكثر من عشر سنوات.
ويسود الاعتقاد بأن حزب الله اللبناني هو الذي قاد الوساطة مؤخراً بين حركة حماس والنظام السوري لاستئناف العلاقة بين الجانبين، وهو ما يبدو أنه تكلل بالنجاح أخيراً عقب إصدار حركة حماس البيان الذي فهمه الجميع على أنه استئناف لعلاقاتها مع دمشق.
————————————
ما نوع العلاقة التي تقبلها سوريا مع حماس؟/ ماجد أبو دياك
رد النظام السوري على مبادرة حماس لاستعادة العلاقات معه بالهجوم عليها إعلاميا من قبل مسؤولين ومقربين منه، في حين التزم الجانب الرسمي الصمت حتى الآن، في إشارات لافتة إلى موقفه المتحفظ.
ولئن كانت مبررات حماس للعودة لهذه العلاقة في هذا الوقت بالذات معروفة، وتم تداولها على أكثر من صعيد، فإن هذا المقال يحاول قراءة الموقف السوري، رغم أنه قد يتطور في قابل الأيام، وتسفر عنه علاقة من نوع ما، قد لا تلبي ما تطمح إليه حركة حماس، في ضوء الردود السلبية لأبواق النظام حتى الآن.
هجوم واتهامات
اللافت أن من بدأ الهجوم باكرا على حماس، وحتى قبل إعلانها رسميا رغبتها في استعادة العلاقة، هي مستشارة بشار الأسد السياسية والإعلامية بثينة شعبان، التي نشرت مقالا في صحيفة الوطن (شبه الرسمية) عقب على العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، رأت فيه أن “حماس غدرت بالمقاومة وردَّت على العدوان بالبيانات”، متجاهلة بذلك الدور الذي مارسته حماس بإمداد “حركة الجهاد” -التي خاضت هذه الجولة مع الاحتلال- بالسلاح والمساعدات اللوجستية وغيرها!
والمستغرب أن يصدر هذا الكلام من نظام عاجز أصلا عن الدفاع عن نفسه أمام الهجمات الإسرائيلية المستمرة على أراضيه ومطاراته، متمسكا بمقولة “نحتفظ بحق الرد في التوقيت المناسب”!
واستغلت الصحيفة تصريحات شعبان، لتصل إلى حد اتهام مواقف حماس في الحرب الأخيرة “وكأنها صدى لتصريحات (وزير الحرب الإسرائيلي) بيني غانتس، التي كشفت عن تمكّن كيان الاحتلال من تنفيذ مخططاته في التفرد بالمقاومين”!
وادعت أن نجاح إسرائيل في هذا المخطط “جاء من خلال ما قامت به حماس عبر تخليها عن المقاومة وممانعتها الدخول في المواجهة مع الكيان الإسرائيلي، على حساب دماء الفلسطينيين ودمار بيوتهم وممتلكاتهم”!
وبعد إعلان حماس -في بيانها الأخير قبل بضعة أيام- قرارها استعادة العلاقات مع سوريا، اعتبر عضو مجلس الشعب السوري، خالد العبود، وهو من أهم المقربين من النظام السوري، أن القرار جاء نتيجة ما سماه سقوط مشروع كبير جدا، متهما الربيع العربي بأنه مؤامرة.
وأضاف -في إشارة إلى حماس- “لقد سقط المشروع (الربيع العربي) وهُزم أصحابه، وفشل دعاته ومنظروه، وهؤلاء (يقصد حماس) لم يكونوا إلا أدوات رخيصة في يد أطراف العدوان الرئيسيّة، وهم يؤمَرون اليوم مثلما أُمروا قبل ذلك، وهم لم يعودوا إلى رشدهم اليوم، كما يحاول البعض منا أن يخفف ثقل الزلزال، أو أن تقديراتهم كانت خاطئة، مثلما قلنا ذلك سابقا، في سياق كلام سياسي، لكنها الحقيقة التي يجب ألا نخفيها عنكم، وهي ليست خافية عنكم”.
ووصل به القول إلى وصف قادة حماس بأنهم “مبطوحون على أبواب قصر المهاجرين، ونظام قطر الذي باع الإخوان وأهلهم، وأردوغان الذي يستجدي عفوا عما حصل، إنقاذا لجبروت سلطانه”، على حد قوله.
وفي مقال آخر لكاتب يدعى فراس عزيز ديب -ورد أيضا في صحيفة الوطن (شبه الحكومية)- كرر نفس مقولة الكاتب السابق في تفسيره لما سماه انعطافة حماس، في تطابق لافت يدل على أنه خطاب موجه من دولة لا يوجد بها رأي آخر، وليس فيها من آراء غير ما يقوله رأس النظام. وحصر الكاتب المقاومة بدولة اسمها سوريا، محاولا نفي هذه الصفة عن حركة حماس، كونها تنتمي للإخوان المسلمين الإرهابيين، حسب زعمه.
لماذا هذا الرد؟
لم يعد النظام السوري يقف على الأرضية نفسها التي كان يقف عليها قبل الثورة السورية، فهو نظام متداع يحاول تثبيت دعائمه على الأرض، في ظل فقدانه السيطرة على مساحات شاسعة من أرضه، ووجود نسبة كبيرة من السوريين لا تقبل به سواء في المناطق غير الخاضعة لسيطرته أو حتى تلك التي تقع تحت حكمه.
وقد ازدادت عزلة هذا النظام القائم على حكم أقلية طائفية، بعد المجازر والفظائع التي ارتكبها -ولا يزال يرتكبها- بحق الشعب السوري الأعزل، فضلا عن عزلته العربية والإقليمية والدولية.
ويقول تقرير للأمم المتحدة نشر في 18 مارس/آذار 2022 إنه “منذ اندلاع الصراع، نزح أكثر من نصف السكان الذين كانوا في البلاد قبل الحرب وقُتل مئات الآلاف، وتم تدمير المدن والبنى التحتية السورية، وما تبقى هو مرافق صحية ضعيفة في مواجهة الجائحة. أكثر من 90% من السكان الذين ظلوا داخل البلاد يعيشون في فقر، و12 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ويحتاج عدد غير مسبوق من السكان (14.6 مليون شخص) إلى مساعدة إنسانية”.
أضف إلى ذلك، يعاني الشعب السوري من استشراء الفساد، وتسلط فئة محدودة على الناس، في حين تتزايد الاحتجاجات على الأوضاع الاقتصادية الصعبة والارتفاع الحاد في الأسعار بشكل يفوق قدرة المواطن على شراء السلع الأساسية والمحروقات.
وإضافة لانشغال النظام بنفسه، وعدم قدرته على رد الضربات الإسرائيلية عليه، فهو يسعى لإعادة تأهيله على المستوى العربي، وعلى مستوى العلاقة مع تركيا، في حين لا يزال أمامه شوط طويل للتأهل دوليا.
وفي حين يخضع لضغوط إيران المتغلغلة في البلاد، فإنه يحاول الموازنة بين العلاقة معها، ونيل متطلبات التأهل عربيا ودوليا.
وهذه الحال لا تجعل النظام مؤهلا لمرتبة الممانعة التي كان عليها قبل الثورة، فهو -على خلاف حليفه الإيراني- لا يرى مصلحة من علاقات مميزة مع حركة حماس الموضوعة على قوائم الإرهاب العالمية، والمحاربة من قبل بعض الأنظمة التي تسعى لتأهيله (الإمارات مثلا)، ولا هو يريد أن يزيد من مسوغات استهدافه من قبل إسرائيل، أو استهداف كوادر من حماس على أرضه في حال فتحه الساحة لها، لأنه إن حصل هذا، فسيكون في موضع ضعيف جدا.
أضف إلى ذلك كله، أن هذا النظام لا يزال ينظر بعدائية للربيع العربي والإخوان المسلمين متقاطعا بذلك مع كثير من الأنظمة العربية. ولذلك، نجده في خطابات كتابه الموجهين يهاجم ما يسميه “إخوانية” حماس، ويذهب لمهاجمة من اتخذ قرار الخروج من سوريا عام 2012 وعلى رأسهم زعيم الحركة في الخارج خالد مشعل، وذلك ببساطة لأن هذه القيادة رفضت التضحية بسمعتها والانحياز له، وقررت بدلا من ذلك الانحياز للشعوب في كفاحها نحو الحرية.
ومن الواضح أن إيران تتلطف في الضغط على النظام السوري لإنجاز العلاقة، لأنها هي الأخرى معنية بتثبيت النظام وتأهليه.
ولذلك، فإن هجومه على حماس وصد مطالبتها بالعلاقة يهدف إلى إيصال رسالة لقيادة حماس، بأنه غير متشجع للعلاقة التي تسعى لها هذه الحركة، عبر مهاجمة مواقفها وانحيازها (الإخواني)، وربما أكثر من ذلك الانتقام وابتزاز التنازلات منها، وهو الذي عرف عنه أنه متمرس، وصاحب نفس طويل في المماطلة في المفاوضات.
شكل محدود للعلاقة
وقد عبّر كتاب النظام بوضوح عن ذلك، ففي 19 سبتمبر/أيلول الجاري، ورد في افتتاحية الوطن المشار إليها سابقا أن “الدولة السورية ليست بوارد رفض أو قبول إعادة العلاقات مع حماس، لأن الأخيرة ليست دولة ليتم تبادل سفراء معها، وإنما هي مجرد تنظيم يجب النظر إليها من هذا الباب لا أكثر”. وأكدت أنه “إن قرر أحدهم في هذا التنظيم زيارة سوريا فأبوابها مفتوحة لكل من يقدم نفسه كمقاوم، وليس من يتاجر بملف المقاومة”، وقالت عن “المستويات التي سيتم التعاطي معها، فلتكن أسوة بالشقيقة مصر التي تتعاطى مع التنظيم على مستوى الأجهزة الأمنية لا أكثر”!
وجاء على لسان كاتب آخر أن “الطريق إلى دمشق سالكة، وهو لا يحتاج وساطات مع شعب سوريا وقيادتها بل يحتاج كلمتين وبس!!؟؟”، وهو يقصد بذلك الاعتذار عما تقول دمشق إنه تدخل من قبل حماس ودعمها للثوار، وهو ما تنفيه حماس.
وبالتالي، فإن خلاصة موقف النظام السوري هو التأني في إنجاز أي علاقة مع حماس، مع جعل هذه العلاقة غير متميزة وفي حدها الأدنى لو تمت.
كما لا يريد أن يكون لهذه العلاقة أي وزن حقيقي للحركة، مثل اتخاذ دمشق دولة مقر، أو حتى فتح مكاتب لها على غرار ما هو موجود في تركيا وقطر وغيرها، كما يحظر عليها ممارسة أي نشاط عسكري ضد المحتل انطلاقا من سوريا، وتحديدا من جبهة الجولان.
ويؤكد مقربون من إيران وحزب الله، وعلى اطلاع على جهود الوساطة التي يبذلانها مع النظام السوري، أن رئيس النظام السوري بشار الأسد يطالب أن تدشن هذه العلاقة على المستوى الأعلى، بحيث يلتقي مع قياديين رفيعي المستوى من حماس (حسب ما جاء في مقابلة عبد الباري عطوان وناصر قنديل على قناة الميادين 18 سبتمبر/أيلول الجاري)، وذلك في الوقت نفسه، الذي يتحدثون فيه عن مستوى منخفض من العلاقة تريده دمشق مع حماس، الأمر الذي يعني أن نظام بشار يريد اللقطة الإعلامية الكبيرة مع قيادة المقاومة الفلسطينية، التي ستشكل له مكسبا شعبيا داخليا وخارجيا من دون أن يقدم الاستحقاقات المطلوبة لمثل هذه العلاقة.
وبدون شك، فإن إيران وحزب الله معنيان بدفع العلاقة مع الطرفين، غير أن حسابات النظام تجعله غير متشجع لعلاقة ذات وزن، الأمر الذي يجعل قيمة العلاقة بالنسبة لحماس هي خدمة علاقتها مع إيران، من دون أن تتمكن من تحقيق إنجازات إستراتيجية كما تأمل، ما دام أن هذا النظام لا يمكن تصنيفه على أنه نظام ممانعة كما كان سابقا.
ولذلك، فقد تنجح وساطة إيران وحزب الله في تحقيق تقدم ما، مثل لقاء بشار مع قياديين من حماس، ولكن ذلك قد لا يتجاوز في المرحلة الحالية الإعلام وأخذ الصورة، وهو ثمن كبير قد تدفعه حماس على صعيد مكانتها وشعبيتها في مقابل إنجازات تبدو محدودة.
———————————-
نظام الأسد يرفض عودة قادة حماس إلى دمشق
كشف مسؤول في حركة “حماس” الفلسطينية، أن النظام السوري رحب بخطوة إعادة العلاقات مع الحركة لكنه رفض عودة قادتها إلى دمشق.
ونقل موقع “المونيتور” عن القيادي تأكيده أن قرار استئناف العلاقات مع النظام السوري جاء بالإجماع داخل القيادة السياسية والعسكرية ومجلس الشورى، بعد شهور من المناقشات الداخلية.
وبحسب الموقع فإن العلاقات بين “حماس” والنظام لن تعود إلى ما كانت عليه قبل 2011، موضحاً أن النظام يبدو غير مستعدّ للتسامح مع قيادة الحركة على مواقفها من الأزمة السورية.
ولفت الموقع إلى أن أوساطاً مقربة من “حماس”، بينهم عيسى الجعبري، انتقدت عَبْر مواقع التواصل الاجتماعي، التقارب مع النظام السوري، كما هاجمت صحف مقربة من الأخير، الحركة، من بينها صحيفة “الوطن”، التي وصفت “حماس” بأنها “أصبحت ورقة تستخدم في تسجيل النقاط السياسية”، وأنها “مجرد منظمة يجب معاملتها على هذا النحو”.
بدورها، نشرت صحيفة “الوطن” الموالية للنظام مقالاً تتحدث فيه عن موقف النظام السوري، من إعلان حركة حماس إعادة علاقاتها مع الأسد، وكيف ينظر الأخير إلى الأخبار المتداولة مؤخراً حول احتمال حصول تقارُب بين دمشق وأنقرة، وهل يساهم هذا التقارُب في عودة حركة الإخوان المسلمين إلى سورية؟
وحول موقف النظام السوري من إعلان حماس تطبيع علاقاتها معه، زعمت صحيفة “الوطن”، أن الأسد ليس بوارد الرفض أو القبول، وبأن حماس ليست دولة ليتم تبادُل سفراء معها، وإنما هي مجرد تنظيم يجب النظر إليها من هذا الباب لا أكثر، وإن “قرر أحدهم في هذا التنظيم زيارة سورية فأبواب سورية مفتوحة لكل مَن يقدم نفسه كمقاوم، وليسَ مَن يتاجر بملف المقاومة”، حسب وصفها.
وشبّهت “الوطن” موقف الأسد من حماس، كموقف مصر التي تتعاطى مع تلك الحركة على مستوى الأجهزة الأمنية لا أكثر، ومن هذا المنطلق ترى صحيفة “الوطن” أن “على حماس الكفّ عن إصدار البيانات حول قرارها بعودة العلاقة مع سورية، لكثرةِ ما يوجد متحدثون باسم حماس”.
وزعمت صحيفة “الوطن” في مقالها، أن حماس ما كانت لتتخذ قراراً بإعادة علاقاتها مع الأسد، إلا بعد أن لمست أن تركيا وقطر بدأتا تفكران بتغيير موقفهما من الأسد، ولو بقيت أنقرة والدوحة على موقفهما السابق من النظام السوري، لرأينا عَلَم الثورة السورية يحلق من جديد فوق رأس خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس”، وَفْق رأيها.
وفي المقال ذاته، ذكرت “الوطن”، أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بدأ يتحدث صراحةً عن رغبتهِ بلقاء بشار الأسد، وفي هذا الإطار ترى الصحيفة، أن النظام السوري يسير في قبول المصالحة مع تركيا بالكثير من الحذر المشروط بحدوث تقدُّم ملموس على الأرض، وهذا التقدُّم هو الذي يُحدِّد عملياً تطوُّر هذه العلاقة أو تطوُّر مستوى اللقاء القادم بين دمشق وأنقرة، شريطة تقديم الأخيرة المزيد من التراجعات”.
وترى الصحيفة أن ما يريده الأسد من تركيا، ليس طرد الائتلاف المعارض من أراضيها، وإنما أن تتخلى أنقرة عن دعم فصائل المعارضة في الشمال السوري.
وختمت الصحيفة مقالها بالإشارة، إلى أن “تراجُع تركيا وقطر وحماس عن مواقفها من النظام السوري، يقف خلفه تراجُعات أمريكية ستصل حتماً إلى مكانٍ ما”، على حدّ زعمها، مؤكدةً أن الأسد لن يقبل بعودة حركة الإخوان المسلمين إلى سورية، أو أن تكون جزءاً من الحل في سورية.
——————————
==================