بعد 5 سنوات من ظهورها.. كيف سحقت حركة “أنا أيضا” التحرش الجنسي في هوليود؟/ محمد صلاح
هزائم ساحقة ألحقتها هذه الحركة بالتحرش الجنسي في 5 سنوات فقط، وهذه أهمها:
بعد 5 سنوات من انطلاق الحركة في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2017، اليوم التالي لمقال نشرته الممثلة الأميركية أليسا ميلانو، ينسب جرائم جنسية للمنتج الأميركي الشهير هارفي وينشتاين الذي حُكم عليه بالسجن فيما بعد، لمدة 23 عاما، بتهمة الاغتصاب. وقف نجم الأوسكار الأميركي كيفن سبيسي أمام محكمة فدرالية، في أول محاكمة من بين 4 محاكمات بتهمة الاعتداء الجنسي تُقام بناء على دعاوى من “أنا أيضا” المناهضة للتحرش وثقافة الاغتصاب.
ووفقا لموقع “فارايتي” (Variety) تشمل المحاكمات الثلاث الأخرى وينشتاين، الكاتب والمخرج الكندي بول هاجيس الفائز بجائزتي أوسكار، الممثل الأميركي داني ماسترسون.
تصدر وسم #MeToo قائمة التغريد العالمي أول عام من إطلاقه، وبلغ عدد اللائي سردن قصصهن مع التحرش من خلاله أكثر من 19 مليونا من أنحاء المعمورة. وانتشر على نطاق واسع، بعد أن حولته تارانا بيرك، التي كانت أول من أطلق هذه الصرخة على وسائل التواصل الاجتماعي عام 2006، إلى حركة عالمية فاعلة تحمل نفس الاسم “أنا أيضا” وقد نجحت بشكل ملموس في تفجير فيضان من الكشف عن الانتهاكات الجنسية، وإلزام مجتمع السينما والمهرجانات العالمية بالتحديد بالتطهر منها.
صرخات احتجاج مدوية
بعد أن ظل الانطباع السائد لعقود من الزمن أن صناعة السينما والمهرجانات الدولية هي ملاذات لسوء السلوك، كل شيء فيها مُباح، على حد وصف (مراسل هوليود) “هوليود ريبوتر” (HollywoodReporter). أطلقت الممثلة والمخرجة الإيطالية آسيا أرجنتو صرخة مدوية في مهرجان كان السينمائي لعام 2018 قائلة “لقد اغتصبتني وينشتاين بهذا المهرجان، بينما كان عمري 21 عاما”.
ورغم أن وينشتاين كان أكثر الجناة فظاعة على مدار 30 سنة، فقد اتهمته أكثر من 50 امرأة بالتحرش، من بينهن نجمات سينمائيات بحجم أنجلينا جولي، لكنه لم يكن الوحيد. فقد فَجّرت رئيسة وكالة الترويج السينمائي الفرنسية دانييل إلستنر صرخة أخرى نفس عام 2018 -بتشجيع من “أنا أيضا”- تضمنت تفاصيل الاعتداء الجنسي عليها بأحد المهرجانات قبل 20 عاما من قِبل شخصية معروفة في صناعة السينما الفرنسية.
كل شيء بهوليود يتغير
فقد أخبرت إلستنر “مراسل هوليود” بأن “هناك الآن الكثير من التغييرات الملموسة بمهرجانات الأفلام، بتأثير من (أنا أيضا) كإنشاء خطوط ساخنة للإبلاغ عن التحرش الجنسي والإساءات، ولائحة قواعد سلوك خاصة بمكافحة التمييز، تحظر أي أعمال عنف أو إساءة أو مضايقة لفظية أو جسدية أو جنسية” كما شملت التغييرات صناعة السينما بشكل عام “بعد أن كرست (أنا أيضا) وعيا أكبر بالقضايا المتعلقة بالتحرش وسوء المعاملة، السنوات الخمس الماضية”.
فلم يتم طرد أي شخص من المهرجانات لخرقه اللائحة حتى الآن؛ وذكر العديد من الحاضرين أنهم أصبحوا يشاركون في بيئة أكثر أمانا، بعد أن صار من الممكن إخبار أي أحد مهما كان بارزا بأن سلوكه غير لائق، وعليه التوقف عنه “وهو ما لم يكن ليحدث في الماضي أبدا”. كما زاد التدقيق الإعلامي حول قضايا الإساءة الجنسية والسلوك غير اللائق بمجتمع السينما، نتيجة مباشرة لحراك “أنا أيضا”.
5 تغييرات جذرية حققتها “أنا أيضا”
أحدثت حركة “أنا أيضا” 5 تغييرات هامة، كان لها تأثير إيجابي بنسبة 61% على الولايات المتحدة وحدها، تشمل:
كسر الصمت المحيط بالتحرش والاعتداء والتنمر الجنسي، وزيادة الوعي لدى الأميركيين والعالم، بانتشار العنف الجنسي وتأثيره الضار، وضرورة التخلص من وصمته، وجعله متاحا للنقاش الآمن.
بالإضافة إلى زيادة دعم الناجين من الانتهاكات، من خلال إنشاء منظمة “تايمز أب” (Time’s Up) لمناهضة التحرش في هوليود، وتقديم المساعدة القانونية لآلاف الناجين من الانتهاكات الجنسية، ورفض الأنظمة والأعراف الاجتماعية والآراء والمعتقدات التي تسمح بحدوثه.
معاقبة العديد من ذوي النفوذ، من بينهم أحد أعضاء مجلس الشيوخ، و8 أعضاء بمجلس النواب، و3 مرشحين للكونغرس، وقاض فدرالي واحد، بالإضافة إلى اثنين من المساعدين بالبيت الأبيض. وإجبار جاستن فورسايث نائب مديرة منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) على الاستقالة.
وذلك بخلاف من أنكروا الادعاءات، وفي مقدمتهم الرئيس دونالد ترامب الذي اتهمته 19 امرأة بسوء السلوك الجنسي والاعتداء على مدى عقود، أو من واجهوا الاتهامات بالاعتذار كنجم الأوسكار الأميركي مورغان فريمان.
حث العديد من الدول على حظر اتفاقيات عدم الإفشاء التي تساعد الأشخاص الأقوياء على إخفاء أفعالهم عن طريق الضغط على الناجين، وشراء صمتهم. فقد وقعت زيلدا بيركنز، مساعدة وينشتاين السابقة، اتفاقية منعتها من إخبار أي أحد بما فعله معها، لما يقرب من 20 عاما. وبعد أن نجحت حركة “أنا أيضا” عام 2018 في دفع عدة ولايات أميركية لإصدار قوانين تحظر استخدام اتفاقيات عدم الإفشاء في قضايا سوء السلوك الجنسي، قالت بيركنز لصحيفة “لوس أنجلوس تايمز” (LATimes) “بعد الصمت لمدة 20 عاما، وبموجب القوانين الجديدة، قد يكون من الأسهل للآخرين التحدث علانية”.
الضغط لسن معايير قانونية تكفل للناجين الحماية، بعد أن كان الملايين “من عمال المنازل والمزارع، إلى الممثلين وفناني التجميل وسائقي أوبر وسائر العاملين المستقلين، يفتقرون إلى الحماية من التحرش الجنسي، ولا يجدون من يلجؤون إليه إذا تعرضوا للمضايقة” كما تقول أليكسيا فرنانديز كامبل. قبل أن يبدأ هذا في التغير بجهود حركة “أنا أيضا” حيث وسعت بعض الولايات قانونها الخاص بالتحرش الجنسي ليشمل حماية هذه الفئات، وخصوصا في العلاقات مع المنتجين. كما قام الكونجرس بإصلاح بعض إجراءاته لمن يبلغون عن التحرش الجنسي.
ضمان حصول الناجين على تعويض مالي، فبعد جهود من حركة “أنا أيضا” لمحاكمة طبيب فريق الجمباز الأميركي السابق لاري نصار، الذي حُكم عليه بالسجن بمدد تصل إلى 175 عاما، أنشأت جامعة ولاية ميشيغان التي عمل نصار أخصائيا للطب الرياضي بها، صندوق تسوية بقيمة 500 مليون دولار يمنح كل شخص من الناجين ما بين 250 ألف دولار و2.5 مليونا، على سبيل التعويض المالي.
المصدر : مواقع إلكترونية
استثمارات الروح الأمريكية/ صبحي حديدي
الطائفة المسيحية المعروفة باسم Church of Scientology، أو «كنيسة العلمولوجيا» قياساً على وزن بيولوجيا أو جيولوجيا لمن يشاء، يندر أن تغيب عن عناوين الصحف الأمريكية الكبرى، وقلّة من مشاهير كتّاب الأعمدة تفلح في الفرار من مقتضيات التعليق على وقائعها (فضائحها، في الأعمّ الغالب). وثمة ما يستوجب هذه الحال، لجهة مستويات النفوذ والانتشار والمنعة التي تتمتع به المؤسسة/ المنظمة (لأنها، ببساطة، ليست مجرد طائفة دينية أو روحية). وذات يوم غير بعيد نشرت صحيفتا «نيويورك تايمز» و»هيرالد تريبيون» إعلاناً موحداً على صفحة كاملة، مذيلاً بتوقيع 34 شخصية بارزة في ميادين الفن والأدب والإعلام، يدين الحكومة الألمانية بسبب ما تمارسه من قمع على أتباع تلك الطائفة، ويشبّه تلك الممارسات بما فعله النازيون ضدّ اليهود في أوشفيتز. والصحيفتان في غنى عن التعريف، وكلفة الإعلان فيهما بحجم صفحة كاملة تبلغ عشرات الآلاف من الدولارات، وأمّا الشخصيات الموقعة على البيان فقد كانت من مستوى نجوم سينما وأدب وإعلام، أمثال دستن هوفمان وغولدي هون وماريو بوزو وغور فيدال ولاري كنغ.
كان لافتاً يومذاك، كما يظلّ مدعاة فضول وعجب اليوم أيضاً، أنّ أياً من الشخصيات الموقعة في ذلك الإعلان لم يكن ينتمي إلى الكنيسة؛ ولكنّ اللهجة بدت بالغة الحدة في توصيف السلوك «المخزي» و»المشين» للحكومة الألمانية، التي تعيد إنتاج مواقف أدولف هتلر العنصرية المتعصبة ضدّ المعتقدات الدينية إجمالاً وضدّ اليهود خصوصاً. وجاء في البيان: «آنذاك سكت العالم ووقف جانباً، وأما اليوم فإنّ الأصوات سوف تتعالى». الألمان، وشاطرهم في ذلك الفرنسيون ومعظم الأوروبيين وأعداد غفيرة من الأمريكيين، ردوّا بالقول إنّ هذه ليست طائفة دينية، بل هي «شركة بزنس»، وأنشطتها تبدأ من المضاربات العقارية ولا تنتهي عند بيع تعاليم العقيدة وقبض أتعاب مقابل شرح أصولها وفلسفتها. إنها أيضاً شبكة تخريبية تُلحق الأذى العقلي والروحي بالمنتسبين إليها، تابع المناوئون للكنيسة، وثمة في الولايات المتحدة عشرات الأعضاء السابقين ممن اتهموا الكنيسة بغسل أدمغتهم أو تدميرها، وبعضهم حصل على أحكام بالتعويض، وبملايين الدولارات. والثابت أنه في فترة صدور الإعلان ذاك، كانت قيادة الحزب الديمقراطي المسيحي، الحاكم في ألمانيا حينئذ، قد حثّت شباب الحزب على مقاطعة فيلم «مهمة مستحيلة»، لأنّ ممثله والمشارك في إنتاجه هو الشهير توم كروز، العضو في الكنيسة إياها.
وكروز نفسه هو بطل السجال الجديد الذي اندلع مؤخراً في الولايات المتحدة، وعمّ أربع رياح الأرض، في مناسبة عرض فيلم «توب غَنْ: مافريك»، الذي يلعب النجم ذاته دور البطولة فيه، ويحصد إيرادات فلكية هي الأعلى في تاريخ الشركة المنتجة، رغم أنه يتمّم جزءاً سابقاً حمل عنوان «توب غَنْ» أيضاً وعُرض سنة 1986. الحكاية بدأت من الممثلة الأمريكية ليا ريميني، نجمة مسلسلات وبرامج استعراضية كانت منتسبة إلى الكنيسة السينتولوجية منذ طفولتها، ثم انسحبت منها سنة 2013 وهي في الـ43 من العمر؛ وتولت تقديم السلسلة الوثائقية الشهيرة «السينتولوجيا وما بعدها»، كما أصدرت كتاباً بعنوان «مشاغِبة: النجاة من هوليود والسينتولوجيا» بقي في عداد الأكثر مبيعاً طوال سنوات. ولقد خرجت ريميني على الملأ وغردت ضدّ شخص كروز وما ينطوي عليه الفيلم من خوارق، محذّرة هكذا: «لا تدعوا جاذبية نجم الفيلم تخدعكم»؛ وأمّا زميلتها كلير هيدلي، عضو الكنيسة السابقة والتي دخلت في مقاضاة شهيرة ضدّ السينتولوجيا، فقد غرّدت معقبة: «كلا، لن أشاهد الفيلم، ولن أدعم هذا الرجل المحتال أو أتفق معه».
والحال أنّ تعاليم الكنيسة العلمولوجية هذه لا تغادر مجالات التخييل الفانتازي الحرّ الذي يمزج زيف العلم بتضخيم الأسطورة، خصوصاً وأنّ مؤسسها رون هوبارد كان بالفعل كاتب خيال علمي. على سبيل المثال، رأى هوبارد أنّ الجسد مسكون بروحَيْن خالدتين: الأولى هي الكينونة الجينية التي تمتلك ذاكرة عرقية وتترك في الدماغ مخلفات تعمل على تشويه الوعي، والثانية هي روح الـ Thetan التي هبطت إلى كوكب الأرض نتيجة مأساة رهيبة وقعت في الأعالي. وهذه الروح الثانية هي وحدها الحقيقية والخيّرة والخلاّقة… لو أتيح لها أن تتحرر من إسار الجسد. على الأرض، مع ذلك، يتوجب على المنتسب إلى الكنيسة أن ينفق بلا حساب، خاصة إذا كان مقتدراً، أو توجّب أن يسدد الملايين لشراء النفوذ والجاه والدعم. ريميني، مثلاً، وخلال 30 سنة من عضويتها في الكنيسة، أنفقت قرابة مليونين من الدولارات على خدمات مختلفة، ونحو ثلاثة ملايين أخرى لتمويل «قضايا» سينتولوجية، ومعظم الأعضاء يقتطعون من مداخيلهم ما لا يقلّ عن 500,000 دولار لبلوغ المستويات الأعلى من العضوية، وهذا قد يستغرق 20 سنة على الأقلّ.
ولا يخفى أنّ مكانة الكنيسة من حيث الرسوخ والانتشار إنما تنهض أوّلاً على استيهامات مبهرة، عالية الخداع في تمرير القدرات التطهيرية، يمكن أن تبدأ من تشذيب الوعي وتنقية الروح وقد لا تنتهي عند تخليص «الفيزيولوجيا البشرية» من الشرور والآثام. ليست الوحيدة، بالطبع، وتاريخ الاستثمارات الروحية في أمريكا يشير إلى أنها لن تكون الأخيرة أغلب الظنّ؛ ويستوي أن تجتذب طفلة مثل ريميني أو كهلاً ستينياً مثل كروز، فتصحو الأولى من الغفلة ويعمه الثاني في غيّه!
القدس العربي