نقد ومقالات

الشاعرة المصرية أمينة عبدالله: ستأكلنا نار التطرف ما لم يتحرك المثقفون/ محمد الحمامصي

تحقيق واحتجاز بتهمة ازدراء الأديان والسبب سطر شعري في قصيدة.

تأتي حادثة إيقاف الشاعرة أمينة عبدالله على خلفية بيت شعري لم يتقبله منتقدوها لتعيد إلى الأذهان القوانين البالية التي يوظفها حراس الدين والفضيلة، ليتهموا من يشاؤون بالفسق والكفر ويطالبون بإهدار دمه، وهي قوانين تصمت عنها الحكومات كما تلتزم الصمت في مواجهة تغلغل تيارات متشددة باتت منتشرة في الفضاءات والمؤتمرات الثقافية وتستغل هشاشة حركة النشر للترويج لأفكار ظلامية. ولمزيد الاطلاع على خلفيات الحادثة ورؤية صاحبتها لمجريات الأمور التقت “العرب” الشاعرة وكان لها معها الحوار التالي.

تتعرض الشاعرة المصرية أمينة عبدالله منذ عام 2019 وحتى الآن إلى هجوم شديد ممّن يطلقون على أنفسهم حراس الفضيلة والمدافعين عن الله في الأرض، من خلال تصورهم الساذج بأن الله يحتاج إلى من يدافع عنه.

بدأت القصة من المهرجان الدولي للشعر بطنطا حينما ألقت الشاعرة نصا من ديوانها “بنات للألم”، واستوقف حراس الفضيلة من المتشددين سطرا من أسطر القصيدة تقول فيه أمينة عبدالله “يشغلني كثيرا أن الله امرأة محبّة” وهنا اتهموها بإهانة الذات الإلهية وذهبوا يطلقون دعاوى لمصادرة الديوان ووصل هجومهم عليها إلى المطالبة بإهدار دمها.

وطوال السنوات الماضية لم يتم استدعاء أمينة عبدالله من أي جهة تحقيق إلا يوم الأحد 16 أكتوبر الجاري، حيث ذهبت بمحض إرادتها تنفيذا لاستدعاء تليفوني من النيابة العامة لأخذ أقوالها وفي نهاية التحقيق الخاص باليوم الأول صدر قرار باحتجازها لورود تحريات الأمن الوطن ومن ثمة عرضها صباح الاثنين 18 أكتوبر.

السبب وراء هذا الإجراء غير معلوم، وبمقتضاه تم احتجاز الشاعرة في قسم شرطة الدرب الأحمر حتى صباح اليوم التالي وفي تمام العاشرة مساء الاثنين تمكنت من الحصول على قرار إخلاء السبيل بكفالة. ورغم أنه كان من المفترض إخلاء سبيلها بعد دفع الكفالة إلا أنها فوجئت باحتجازها في قسم شرطة الدرب الأحمر تحت دعوى انتظار توجيهات الأمن الوطني.

وحين سؤال المحامي تعجّب وقال إن هذا الإجراء خاص بالسياسيين، ولم يتم إخلاء سبيلها إلا في الساعة الثانية بعد ظهر الثلاثاء 18 أكتوبر، متهمة بازدراء الأديان. وبذلك تكون أمينة عبدالله أول مبدعة عربية يتم احتجازها والتحقيق معها وتتهم أعمالها الإبداعية بازدراء الأديان.

الاعتراض كان على سطر شعري تقول فيه أمينة عبدالله “يشغلني كثيرًا.. أن الله امرأة مُحبّة”، هذا السطر الذي تم تكفيرها عليه، والأكثر تعقلا من هؤلاء وأولئك قالوا بأن هذا تشبيه وإن الله عز وجل “ليس كمثله شيء”، وقال البعض بأن هذا “تجسيم”، واستندوا لنفس الآية 11 من سورة الشورى، واستند الادعاء على تقرير من مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر، متناسين تماما أن نص أمينة عبدالله أدبي وليس مقالة فقهية، وهو ما حاولت الشاعرة التأكيد عليه أثناء التحقيق، مشددة على أنه لا يجوز تقييم الإبداع من منطلق ديني، وأن المجاز آلية من آليات اللغة تظهر أكثر ما تظهر في الأعمال الإبداعية، وأننا لم نستخدم المجاز كثيرا في حياتنا العملية ولا حتى في معظم الحقول المعرفية الأخرى.

حول قضية ديوانها “بنات الألم” تقول عبدالله: تمت مهاجمتي وتجييش الناس ضدي وإلصاق تهم الازدراء بي

من العامي إلى الفصيح

أصدرت أمينة عبدالله سبعة دواوين بالفصحى والعامية، منها “ألوان رغاوى البيرة الساقعة” و”بنت الشتا” و”شخابيط”، “كان الماء عبدا ساجدا” و”بنات الألم” أمينة عبدالله سبعة أصدرت دواوين بالفصحى والعامية، منها “بنت الشتا” و”شخابيط”، “كان الماء عبدا ساجدا” و”بنات الألم”

أصدرت أمينة عبدالله سبعة دواوين بالفصحى والعامية، منها “ألوان رغاوى البيرة الساقعة” و”بنت الشتا” و”شخابيط”، “كان الماء عبدا ساجدا” و”بنات الألم”، وفي هذا الحوار مع الشاعرة التي انطلقت تجربتها من الشعر العامي إلى الشعر الفصيح ممثلا في قصيدة النثر نتعرف على المزيد من تفاصيل تجربتها وقضيتها التي تشكل محور قلق في الأوساط الثقافية المصرية هذه الفترة.

بداية تلقي الشاعرة الضوء على ما تمثله الكتابة بالنسبة إليها قائلة “أحاول أن أكون شخصا له بصمة في الحياة، وعلى أساس هذه الفكرة غيرت حياتي وطريقتي عدة مرات. لا أعرف الثبات الفكري لكن هناك ثوابت أتعامل معها من منطلقي الإنساني أهمها الكتابة. الكتابة رفيقة الدرب وهي الأثر الذي لن يزول.

وتعد بالنسبة إليّ إحدى طرق العلاج وممرات آمنة لتقبل الحياة وصعوباتها، ومحاولتي لتوثيق أفكاري وآرائي مهما تبدلت مراحلي، ففي مرحلة ما كنت أميل إلى النموذج المتشدد دينيا، ثم تبدلت أفكاري واتسعت رقعة قراءاتي فكان لذلك انعكاس على كتابتي.. لم أخجل أبدا من التعبير عن أيّ أفكار تدور في ذهني بل أعتبر الكتابة معادلا موضوعيا لوجودي وهي التاريخ الاجتماعي الحقيقي. ولم أتورط أبدا في تزييف أيّ أفكار أو مشاعر لم أسمّ الحزن بالحزن الشريف والنبيل وهذه المسميات المزيفة”.

وتضيف “بدأت الكتابة في سن مبكرة نظرا لنشأتي لأب شاعر وأخت ناقدة وبيت محب للقراءة بشكل عام، وبدأت بكتابة القصيدة البيتية المتعارف عليها ثم قصيدة التفعيلة ثم كتبت ألف سطر شعري كل سطر منها يمثل نصا شعريا قائما بذاته منها على سبيل المثال ‘صورتك دايما أكبر م البرواز’، ‘كل ما أقرب منك يقصر فستاني’، ‘بص في فنجان الشاي والمحني في دخانه جايز تلحقني’.

ثم في الثامنة عشرة قررت التوقف عن الكتابة لبناء نفسي فكريا، ولم أتوقف عن القراءة والتواصل مع أوساط المثقفين ثم عدت في 2002 بديوان ‘سوبر ماركت’ والذي اهتممت فيه ببعض الأفكار الأيديولوجية التراثية وإعادة الإسقاطات التاريخية عن طريق استلهام شخصية الحجاج بن يوسف الثقفي مثلا”.

وتتابع “توالت الكتابات إلى 2007 بصدور ديوانى الأول ‘ألوان رغاوي البيرة الساقعة’ وهو أول دواويني المطبوعة وثالث المكتوبة، واهتممت فيه ببناء تجربة متراكمة قائمة على ثلاثة محاور لكل محور 33 نصا متفرقا، ليكون الإجمالي 99 نصا بلا عناوين ولا أرقام صفحات متبوعا بإشارة للقارئ بأحقية إعادة ترتيب النصوص وفق رؤيته، وبعدها ‘بنت الشتا’ وهو ديوان مكمل لمرحلة ‘سوبر ماركت’ من حيث التصادم والحوار مع الأفكار والأيديولوجيات وتحولاتي الفكرية بدرجة ما، ثم ديواني ‘بروفة جنرال لدخول الجنة’ وجاء بترتيب شكلي مختلف نسبيا عن طريقتي في الكتابة، حيث تمّ تقسيمه إلى ورقتين الأولى نصوص مكتملة والثانية مقاطع بنفس عدد النصوص ثم ديوان ‘كان الماء عبدا ساجدا’ وهو ديواني الأول باللغة الفصحى، وهو قصيدة ديوان وتمت طباعته في ليبيا، وأخيرا ‘بنات للألم’ الديوان الذي أرّق قوى الظلام حيث يناقش بوضوح قضايا الإنسان والمرأة خاصة وأوضح التفسيرات الخاطئة للتفسيرات الدينية وتأثيرها السلبي على المرأة نتيجة الفهم الخاطئ لا نتيجة النصوص نفسها”.

دعم فردي

مهاجمتي وتجييش الناس ضدي وإلصاق تهم الازدراء وسب الذات الإلهية باعتبارهما حراسا للفضيلة التي اخترقتها بكتابة نصوص شعرية حول قضية ديوانها “بنات الألم” تقول عبدالله: تمت مهاجمتي وتجييش الناس ضدي وإلصاق تهم الازدراء بي

حول موقف المثقفين من قضية ديوانها “بنات الألم” وهل الجماعة الثقافية فاعلة في الأحداث وتستطيع المواجهة، تقول أمينة عبدالله لـ”العرب”: “بنسبة كبيرة جدا دعمتني الجماعة الثقافية على هيئة أفراد، لكن لم يتم التحرك ككيانات في الهجمة الأولى التي تعرضت لها، ولكن بعد المطالبة بإهدار دمي على الهواء من إحدى الشاعرات تحركت النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر بإصدار بيان مساند للحرية الإبداعية وأحال للتحقيق عضويه اللذين أساءا لي بكتابة قصيدة جنسية باسمي وصورتي إلى مهاجمتي وتجييش الناس ضدي وإلصاق تهم الازدراء وسب الذات الإلهية باعتبارهما حراسا للفضيلة التي اخترقتها بكتابة نصوص شعرية”.

وتلفت عبدالله إلى أن تمكّن تيار الإسلام السياسي من المشهد الثقافي مخيف، وهو متمثل في المنتديات التي تدعم وتساند من يطلبون بتقييد حرية الإبداع، كما تدعم وتساند دور النشر التي تطبع أعمالا رديئة المستوى لتصدير مشهد يفيد بتردي حال الثقافة المصرية والمشهد الإبداعي خاصة، بل وتحرض على إصدار مجموعة بيانات وجمع توقيعات لمنعي من النشر والمشاركات الثقافية، وهو ما لم يحدث ولن يحدث في بلد عرفت القراءة والكتابة قبل العالم بآلاف السنين.

وتؤكد الشاعرة أنه “ما لم يتحرك المثقفون تحركا واضحا ستأكلنا نار التطرف في ظاهرة الانتقام من الثقافة المصرية التي وقفت لتيار الإسلام السياسي بالمرصاد وحافظت على هوية مصر من الأخونة، بل بذلت مجهودا ضخما في إسقاط قناع الإخوان في مصر”.

◙ تمكُّن تيار الإسلام السياسي من المشهد الثقافي مخيف، وهو متمثل في المنتديات التي تدعم تقييد حرية الإبداع

وتوضح عبدالله أن اتحاد الكتاب يدعمها بقوة منذ بداية الأزمة في 2020 وأصدرت النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر بيانا أيدت فيه حرية الإبداع وعند إصرار زميلين بالتعدي اللفظي عليّ، قام الاتحاد بالتحقيق معهما وتحويلهما إلى لجنة تأديبية، وتحرك معي محامي النقابة العامة لاتحاد الكتاب وظل معي لحظة بلحظة وتابعنا النقيب الدكتور علاء عبدالهادي لحظة بلحظة إلى أن عدت إلى منزلي.

وفيما يخص موقف وزارة الثقافة من القضية خصوصا أنه لم يصدر بيان مساندة منها على الرغم من أن عبد الله موظفة في الوزارة، ردت “أرجو توجيه السؤال للوزارة أنا نفسي محتاجة أعرف الموقف”.

وعن وجود جهات معينة تحرك مثل هذه القضايا على المبدعات، أشارت “لا جهات معلنة أو مجموعة ذات انتماء، مجرد أفراد لتصدير حالتين الأولى الإيحاء بالكثرة العددية وتأكيد وجود جماعات من حراس الفضيلة ووكلاء الله في الأرض تملك القوة وارتفاع حدة النبرة والصوت، الثانية أنه تصرف شخصي غير مدعوم من أيّ جهة أو أشخاص لكن ترتيب الأمور وربط بعض الأحداث والتواريخ لهؤلاء الأشخاص يتضح أنهم ينتمون لتيارات سياسية ذات مرجعية ظلامية وواضح جدا من تعقبهم للشاعرات”.

وكشفت الشاعرة “أحد الأشخاص المتعقبين لي والمعادين لي يتعقب ثلاث شاعرات أخريات ووصل حد التهديد بأسمائهن وصور لهن وصور أغلفتهن في قفص الاتهام مثلا وهو تهديد مباشر، وفي نفس اللحظة يغض الطرف عن نفسه حيث كتب مرة شيئا على وتيرة الأحاديث الشريفة مملوءة بالاستهتار مثلا وبعض الشعراء الذين يكتبون بأشكال شديدة الإباحية ولكن هذا سلاح ذو حدين وأنا لا ألجأ إليه أبدا لأني عند إعطاء أمثلة كأنني أطالب بمحاكمتهم بينما أنا أؤكد أن هذه حرية إبداعية، لكن للأسف مسموح بها للرجال دون الإناث”.

فجوة عميقة

الظلامية والتطرف فكر سريع الانتشار (لوحة إسماعيل نصرة) الظلامية والتطرف فكر سريع الانتشار (لوحة إسماعيل نصرة)

تلتزم التيارات المتشددة بالعمل المرحلي في بث سمومها الفكرية المتطرفة داخل المجتمعات، مستغلة نسب الجهل والأمية، واستعداد العقول غير القارئة ولا المثقفة لاستقبال الأفكار والتسليم بها دونما عناء، وهي تيارات وإن فشلت سياسيا إلا أنها استطاعت في بعض الدول أن تجد لها موطئ قدم في الحراك الثقافي والإعلامي متحدية كل خطط الحكومات والأنظمة السياسية.

وترى عبدالله أنه “من واقع التجربة ورصدي ومشاهداتي فإن فرص نجاح هذه الجماعات بأفرادها كبيرة جدا في ظل وجود فجوة بين نداءات وتوجيهات القيادة السياسية بضرورة تجديد الخطاب الديني وبين تطبيق هذه الفكرة على أرض الواقع”.

وتقول “مثلا تطالب بتجديد الخطاب الديني وتفتح قناة متخصصة للمشايخ الذين يعتمد عليهم الإرهابيون في الاستئناس بآرائهم، فيما يسجن المبدعون ويتم التضييق عليهم في أحسن الأحوال”.

وتؤكد الشاعرة أمينة عبدالله أنه “لو دخلنا مكتبة أيّ مدرسة أو جامعة أو هيئة سنجد عناوين تحث على التطرف بينما يتم التحفظ على أيّ عنوان داعم للحرية”. لذلك فإن الأمر حسب رأيها، “يحتاج إلى التدخل العاجل من الدولة واللجوء إلى تشريعات تقضي على قوانين تسمح لفرد أن يسجن فردا نتيجة خلاف فكري، فكيف لفكرة يتضرر منها شخص تكون سيفا على رقاب الآخرين، هذا قانون فضفاض وتم تفعيله لظرفية تاريخية لم تعد موجودة”.

كاتب مصري

العرب

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى