مقالات سينمائية

حصاد 2022 السينمائي: السينما العالمية تجتاز نصف المأزق… وينتظرها عام صعب، مع بعض الروابط المباشرة لمشاهدة الأفلام مترجمة إلى اللغة العربية

أرقام ودلالات تحدد مستقبلها

هوليوود: محمد رُضا

لم تعلن بعد الأرقام الرسمية لإيرادات السينما عن سنة 2022 حول العالم، لكن ما هو متوقع أن تزيد عن 20 مليار دولار وهذا أعلى بنحو 40 في المائة عما حصدته السينما في العام الماضي، لكنه ما زال أقل بنحو 30 في المائة عن إيرادات عام 2020 الذي انتشر به وباءان: «كوفيد» و«منصات عرض الأفلام في المنازل».

أميركياً، نحو 7 مليارات و200 مليون دولار تم حصدها سنة 2022 (من دون حساب الغزو الكبير الحالي لفيلم «أفاتار: طريق الماء» الذي بوشر بعرضه أواسط هذا الشهر)، وهو رقم أعلى مما تم جمعه في العام الماضي لكنه أقل بـ35 في المائة مما تم تسجيله سنة 2019.

عام 2022. بتسجيله تقدّماً تجارياً ملحوظاً، هو عام الثقة بأن السينما، في عروضها الكلاسيكية داخل صالات السينما، تستطيع الاستمرار في منهجها. لكن هذه الثقة مهزوزة إلى حد أن الإجماع على الطريقة التي يمكن للسينما العالمية تأكيد هذه الاستمرارية والدفاع عنها في مواجهة التقدّم الذي أحرزته منصّات عروض الأفلام المباشرة على النت. قدر لا بأس به من الارتباك والحيرة حول كيف يمكن الاستفادة من سوق الإنترنت من دون الإضرار بسوق صالات السينما.

– دليل ناصع

يؤدي هذا الارتباك إلى وضع من التخبط وعدم القرار. رجال الأعمال الذين جيء بهم منذ عقود لإدارة صناعة السينما، عوض المنتجين الممارسين في هوليوود الأولى وحتى مطلع الثمانينات، يفهمون لغة واحدة هي لغة المال، والجميع تنافسوا سابقاً وما زالوا يتنافسون على تأدية المهمّة بنجاح كون مصلحة كل منهم المادية (نسب العقود والأرباح بالإضافة إلى الرواتب الهائلة التي يتقاضونها) مرتبطة بتحقيق الأهداف التجارية المناطة لكل استوديو.

هؤلاء اختلفوا في التصرّف حول ما هي الطريقة الأمثل لتسويق الفيلم تجارياً؟ هل بعرضه في الصالات أولاً ولفترة زمنية كافية لاسترداد تكاليفه أو أرباحه منها قبل إحالته إلى المنابر الافتراضية أو إطلاقه على تلك المنابر في وقت واحد (أو بعد أيام معدودة) من إطلاقه في صالات السينما؟

لا تجسيد لهذا التخبط في القرار من حقيقة أنه في مطلع شتاء هذا العام تم إقالة بوب تشابك، رئيس شركة ديزني، بسبب وضع كل بيض الإنتاجات على الإنترنت مباشرة، مما منع تحقيق ما كانت تتوخاه «ديزني» لها من عروضها التجارية الكلاسيكية.

تحديداً في هذا الإطار فيلما «لوكا، صول« (Luca‪،  Soul) و«تيرنينغ رَد» (Turning Red) الكرتونيين اللذان كانا من بين ما توخت «ديزني» عبرهما قيادة إيرادات السنة. النتيجة هي أن «ديزني» خسرت هذا الرهان على الأولوية، مما انعكس على بورصات وول ستريت وأدّي لطرد تشابك بقرار سريع.

لكن في المقابل، نجد أن شركة باراماونت سرحت رئيس إنتاجاتها جيم جيانولوليس من وظيفته، لأنه أصر على منح الأفلام حقها الكامل في صالات السينما، بينما أرادت الإدارة العليا لباراماونت الإسراع في عملية تحويل أفلامها إلى العروض المنزلية حتى وإن كان لتلك الأفلام احتمالات نجاح كبيرة.

وما حدث لفيلم «توب غن: مافيريك» أنصع دليل على أن الفيلم يستطيع الاستفادة من حياتين عوض حياة واحدة إذا ما مُنح الفرصة لذلك. باراماونت أرادت بث الفيلم على المنصّات بعد أسبوعي عرضه في الصالات. توم كروز، بطل الفيلم وأحد منتجيه، لوّح باللجوء إلى القضاء إذا لم تلتزم باراماونت بالعقد المبرم في عقدها، وهو منح الفيلم ثلاثة أشهر من العروض السينمائية. هو انتصر والفيلم أنجز طنّاً من المال قبل أن يتم تحويله إلى منصّة باراماونت الإلكترونية. بذلك أنقد كروز فيلمه، ولم تخسر باراماونت رهانها على صالات السينما.

أقسى ما في الأمر ذلك القرار التي اتخذته «وورنر» في مطلع 2022 ببث أفلامها في صالات السينما وعلى منصّتها الخاصة (وورنر ديسكفري) معاً أو بعد 45 يوماً من عروضها السينمائية في أميركا كحد أقصى و31 يوماً كحد أقصى في عروضه العالمية. صوني (مالكة كولمبيا التي هي من بين استوديوهات هوليوود العتيدة) باتت الملاذ الأخير، إذ اختارت تخصيص صالات السينما بإنتاجاتها لكن حتى تصمد حيال منافسيها عليها، أكثر من أي وقت مضى، اللجوء إلى أفلام تضمن نجاحاتها كما حدث هذا العام عندما عرضت Spider‪ – Man‪: No Way Home.

– نقاط مستقبلية

هذه القرارات ليست أخيرة في أي اتجاه. وهناك ممانعة شديدة من قِبل المخرجين والمنتجين للطريقة التي بات من المتوقع أن تُشحن أفلامهم إلى السوق الإلكترونية، عوض أن تتمتع بالعروض التي تستحقها في صالات السينما.

القراءة في مستقبل العروض السينمائية من خلال ما حدث سنة 2022 لا تبعث بالطمأنينة. هناك انعكاسات سلبية ليس فقط بسبب الصراع بين صالات السينما ومنصات الأفلام المباشرة على النت، بل كذلك بسبب شيوع نوع واحد من الأفلام في السنوات الأخيرة، مما حجّم احتمالات منح الأفلام المختلفة عن سينما الكوميكس والأكشن الفرصة المناسبة.

هناك خمس نقاط رئيسية ضمن هذه القراءة قد تهيمن على سوق العام الجديد وهي:

1 – احتمال استمرار فوضى العروض الحالية لفترة زمنية قصيرة قبل أن تطلق هوليوود أفلام الصيف لتقيس عليها أي طريق ستختاره. لن تتخلى عن المنصّات لكنها لا تريد كذلك التخلي عن احتمالات النجاح الكبيرة في صالات السينما.

2 – الفيلم المستقل سيواصل الاصطدام بجدار الممانعة وقلة الاستحواذ على فرص إنتاج وبالتالي فرص عروض.

3 – مهرجانات السينما هي حالة متميّزة: بين تلك الكبيرة رفض مهرجان فينيسيا الإذعان لوباء «كورونا»، حتى في أشد جنوحه وانتشاره، وسيبقى على هذا الوضع. هذا العام عادت معظم المهرجانات للعمل كلاسيكياً من دون اللجوء إلى العروض المنزلية كما كان الحال في العامين الماضيين. الواضح بأنها لا تستطيع تعريض نفسها لأزمة جديدة إذا ما عاد الوباء للانتشار في العام المقبل. هي في وضع حرج.

4 – المنصّات الإلكترونية ستواجه قوانين أوروبية تحد من شيوعها غير المشروط حالياً. هذا لأن السينما الأوروبية (على الأخص) تعاني من ارتباك كبير دلّ عليه تعثر نشاطات الأسواق السينمائية في برلين و«كان» في عام 2022. هناك أزمة تفصح عن نفسها عندما نلاحظ أن معظم شركات التسويق والتوزيع الأوروبية غير قادرة اليوم على برمجة أعمالها، أو هي لا تستطيع معرفة ما سيكون الحال عليه بعد ثلاثة أشهر.

5 – المنتجون المستقلون، أو أولئك الذين ينجزون خارج أميركا أفلاماً جماهيرية الهدف مشتركون في محاولة قراءة المستقبل القريب بناء على حال الأسواق بعد زلزالي «كورونا» و«المنصّات». لا أحد يريد أن يخسر ماله في وضع كهذا غير مأمون العواقب. هنا تتبدّى حاجته الماسة للاشتراك في المهرجانات الكبيرة كسبيل لتسويق الأفلام غير الأميركية. اختيار صائب وإن كان ليس مضمون النتائج أيضاً.

أفضل 10 أفلام

على صعيد مختلف تماماً فإن الأفلام، بصرف النظر عن منشئها، التي تستحق الإدراج في قوائم نقاد السينما كانت وفيرة هذا العام. نحو 30 فيلماً تستحق الإشادة، لكن ليس من بينها بالضرورة ما ذهب إليه نقاد الغرب في هذا المجال كون النظرة الفاعلة والمفيدة في هذا المجال عليها أن تكون مستقلّة تماماً. قائمة العشرة التالية مرتّبة أبجدياً (قائمة أفضل الأفلام العربية نُشرت هنا في الأسبوع الماضي).

1‪ –  Avatar‪: The Way of Water

فانتازيا وأكشن من إخراج جيمس كاميرون في إتقان بصري وتقني فريدين (الولايات المتحدة)

——————————-

2 – Banshees of Inisherin

‫حكاية بسيطة حول صداقة تقارب نهاياتها بين رجلين. أفضل ما حققه مارتن مكدوناف إلى اليوم (آيرلندا)

لمشاهدة الفيلم من الرابط التالي

———————————

3 – Bardo

‫سيرة حياة مفتوحة على هواجس متعددة وتعليقات حول الذات والمجتمع من أليخاندرو إيناريتو (المكسيك)

لمشاهدة الفيلم من أحد الروابط التالية

الرابط الأول

الرابط الثاني

الرابط الثالث

——————————-

4‪ –  Blonde

سيرة حياة مارلين مونرو بالأبيض والأسود وعبرها ما تعرّضت إليه من محن ومتاعب (الولايات المتحدة)

——————————

‪5 – Decision to Leave

‫تحرٍ يقع في هوى المرأة التي يعتقد أنها قتلت زوجها. تشويق وغموض جيدين (كوريا)

——————————

Decision to Leave 2022

لمشاهدة الفيلم من أحد الرابطين التاليين

الرابط الأول

الرابط الثاني

———————————-

‪6 – Don›t Look Up

‫كوميديا سياسية ساخرة مما قد يقع في البيت الأبيض والإعلام الرسمي الأميركي إذا ما تعرضت الأرض لنهاية

—————————

7 – EO

‫فيلم البولندي ييرزي سكوليموفسكي عن حمار يعبر رحلة أوروبية تعبر عن أفضل وأسوأ ما فيها من مشاكل

———————————

‪8 – Guillermo del Torro›s Pinocchio

‫حكاية بينوكيو كما لم نرها من قبل على الشاشة. بصريات مذهلة ورسوم متقنة مع بعد سياسي واضح.

لمشاهدة الفيلم من أحد الرابطين التاليين

الرابط الأول

الرابط الثاني

—————————-

9 – Klondike

‫دراما رائعة عن امرأة حبلى وزوجها على خط المواجهة في حرب روسيا وأوكرانيا سنة 2014 (أوكرانيا)

لمشاهدة الفيلم من الرابط التالي

الرابط الأول

————————————-

10 – Nope

‫خيال علمي مختلف حول أفرو – أميركي وشقيقته يكتشفان وجود عدو آت من الفضاء (الولايات المتحدة)

لمشاهدة الفيلم من أحد الرابطين التاليين

الرابط الأول

الرابط الثاني

——————————

‪ تسجيلي

Compationate Spy

‫في صميم الحرب الباردة تمكن جاسوس يعمل داخل المختبرات النووية الأميركية من تسريب معلومات سرية إلى العدو الروسي (الولايات المتحدة).

لمشاهدة الفيلم من الرابط التالي

الرابط الأول

———————————-

رسوم:

The Sea Beast

‫أنيميشن رائع على أكثر من مستوى، درامياً وفنياً، حول وحش بحري يحاول صياد قتله ويدافع عنه شاب (الولايات المتحدة).

الرابط الأول

الرابط الثاني

=================================

 حصاد سينما 2022.. أفضل الأفلام وأحوال الصناعة والسوق/ محمد صبحي

خلال إحدى فتراته الأيديولوجية المحتدمة قرب نهاية الستينيات، كتب جان لوك غودار أن البندقية وكاميرا الفيلم يقومان بوظيفة مماثلة. عندما يحمل شخص أياً منها، يمتلك قصدية ضمنية تجعل الحياد مستحيلاً؛ عندما يشير بأيهما إلى شخص آخر، تتخلّق ممارسة تلقائية للسلطة. في فعل إطلاق رصاصة أو التقاط صورة، تتلبّسه روح “الطفل الرهيب”، وحينها يمكن أن ينتج عنف مماثل.

كعادته، بتحريض مستفز لكن من دون شعور بالذنب أو التبرير، اختار غودار الموت المساعد في عامٍ بدا فيه أن جميع نبوءاته السمعية-البصرية قد تحققت. النشاز الصارخ والشمولي للشاشات الفردية، وهدم الحدود التي تفصل الحقيقي عن الافتراضي والحقيقة عن الخيال، والبعث الأبدي للحرب كطيفٍ عالمي. حين العودة بالنظر إلى إشعارات الوفاة للسنة المنصرمة، يتبدّى قدّاس جنائزي طويل يجمع جزءاً كبيراً من أعمدة السينما الأساسية المنجزة خلال القرن الماضي. بالإضافة إلى غودار نفسه، هناك سيدني بواتييه، وأنجيلا لانسبري، وجان لويس ترينتينيان، وأوليفيا نيوتن جون، وجورج فونس، وجيمس كان، ومونيكا فيتي، وراي ليوتا، ولويز فليتشر، وويليام هيرت، وهيكتور بونيلا، ومانويل أوجيدا، وبيتر بوغدانوفيتش، وولفغانغ بيترسن، وفانغيليس، وروبي كولتراين، وإيرين كارا وغيرهم. مع تناقص أعداد المؤثرين وخفوت ظهورهم، لا مفرّ من الشعور بأن سينما القرن الماضي أسدلت أستارها أخيراً.

ما اتجاهات الفيلم الممكن تصوّرها، من الآن فصاعداً، لهذا العقد المخلخل والغريب؟ من بين التركيز الشديد للمحتوى في الاحتكارات العالمية التي تركّز على خدمة البثّ – مع الخسارة المتوقعة للسيادة المنظّمة على الشاشات المحلية أو الإقليمية – والتوسّع المتسارع للسينما الأنغلو ساكسونية الصناعية – مدفوعة بحماسة استعادة أرباح ما يصل إلى ثلاث سنوات في وقتٍ قياسي – ومعاناة أو إغلاق العديد من الصالات المستقلة، وأماكن ودوائر العرض والمهرجانات، بالإضافة إلى التشديد والتقطير في الموازنات الممنوحة لدور السينما والأكاديميات، من الولايات المتحدة إلى لبنان، مروراً بفرنسا وألمانيا (فقط لذكر بعض النماذج الواضحة)… فالتوقعات ليست مشمسة ولا تبشّر بالخير.

لهذا السبب، فجودة العناوين وتنوّعها، بمقترحاتها وشجاعتها وجودة سردياتها وذكاء بناها، الصادرة في الأشهر الأخيرة؛ يسهل ملاحظتها في خضم ما يشبه الإسهال الفنّي متشابه الجذور والمقاصد.

السينما العربية.. محاولة للصمود وأخرى للنهوض

هناك شيء غير محدّد المعالم، ولكن ملموس، يمور في مشهد السينما العربية. المراكز التقليدية للصناعة تتراجع على مستوى تقديم مواهب جديدة أو تطوير ما لديها بالفعل، بينما في الخليج، حيث لا صناعة سينما بالمعنى الفعلي، تتفتّح نوافذ جديدة.

في وقتٍ تعاني دول ضليعة في الإنتاج السينمائي مثل مصر ولبنان، سواء على مستوى عدد الإنتاجات أو جودتها، فيما يغدو خيار التمويل المشترك الحلّ شبه الوحيد أمام السينمائيين المغاربيين لإنجاز مشاريع لا يكفيها الدعم الضئيل الممنوح من بلادهم أو مجموعة المنح الإنتاجية القائمة عليها صناديق مهرجانية أو مؤسسات ثقافية عربية.

من ناحية أخرى، في السعودية، لا يبخلون في الإنفاق ورصد الموازنات، وسواء كان الهدف تأسيس صناعة سينمائية سعودية فعلاً أم تخليق مِنِافس ومِخارج لجمهور متعطّش منذ زمن طويل للفرجة وعيش التجربة بلا أن يغادر حدود بلده إلى آخر قريب؛ المؤكد أن وجه الخبرة السينمائية في المملكة آخذ في التغيُّر وهو الآن في طور التشغيل. صالات عرض ومهرجانات سينمائية ومواسم ثقافية ودعاية مكلفة وكثيفة ومحاولات جذب للتصوير داخل المملكة.. كلها تأتي ضمن مشروع كبير لم تتحدّد معالمه بعد، لكن يجري العمل على تسويقه بلا كلل أو ملل.

ثمار هذا الجهد السعودي لا تزال أقل من قدرتها على تمثيل بلادها في المحافل الدولية، لكنها، على الأقل، موجودة كدليل على نتيجة تلاقي الإرادة السياسية والإدارة الثقافية مع طموح وشغف سينمائيين وسينيفيللين شغوفين وطموحين لإسماع أصواتهم.

غير بعيد من شواغل الصناعة نفسها، تستمر الأزمة الكبرى في عروض الأفلام العربية على الشاشات العربية. مثلاً، فيلم متميز مثل “البحر أمامكم” لإيلي داغر، استغرق عاماً كاملاً حتى يُعرض في لبنان ومصر، بعد ظهوره للمرة الأولى في مهرجان “كانّ” السينمائي. أفلام أخرى لا تقلّ تميّزاً لم تنل هذه الفرصة إلى الآن، وربما لن تنالها أبداً.

عائق بسيط بخسائر وسلبيات فادحة، يحرم جمهوراً ممتداً من المغرب إلى العراق من الإطلاع على جديد الإنتاجات العربية ومواكبة اقتراحاتها. بينما، في سياق متصل، يُشعر صانعو الأفلام كما لو كانوا ينجزون أعمالاً سرّية ممنوعة من الوصول إلى متلقّيها المفترض والطبيعي. منصّات البثّ توفّر بديلاً جزئياً ومؤقتاً للمشكلة، لكن يبقى الحلّ الناجع في ابتكار سبل للعرض المشترك المتزامن للأفلام العربية في الدول كافة، كما يحدث في أوروبا وأميركا.

استمرار مثل هذه الأوضاع المحبطة لا يُبقي أمام السينمائيين العرب إلا طريقين: الأفلام التافهة أو الأفلام الجادّة، وليس في هذا التوصيف أي تعالٍ أو أخلاقوية، وإنما هو من باب تسمية الأشياء بأسمائها. فحين تفضي الأمور إلى إعلان سينمائي بقيمة وحجم داود عبد السيد اعتزاله احتجاجاً على الأوضاع وفشله في تأمين مُنتج لفيلمه القادم، فهناك شيء خاطئ وفادح. عبد السيد ليس وحيداً ولا فريداً في مآله المحبِط، بل يشاركه آخرون أصغر سنّاً في أغلب مراكز السينما العربية ممن يستمرّ غيابهم وتعثّرهم في إنجاز أعمالهم التي لا تتماشى مع أجندات التمويل الخارجي أو مستهدفات الأرباح المحلية.

مرآة الرؤية الخلفية: سينما الذاكرة

ربما يكون القارئ العزيز على دراية كافية بالطفرة الحالية في أفلمة السيرة الشخصية لسينمائيين راسخين. ربما يدفع تشبّع الحاضر ونشازه هؤلاء إلى إلقاء نظرة على الماضي الشخصي. على أي حال، فازدهار سينما السيرة الذاتية (أو الشخصية) في السنوات الأخيرة – “روما” للمكسيكي ألفونسو كوراون، و”ألم ومجد” للأسباني بيدرو ألمودوفار، “بلفاست” للأيرلندي كينيث براناه، “بيتزا العرقسوس” للأميركي بول توماس اندرسون… – وجد في العام 2022 شرياناً أوسع، مع ميل أكبر نحو تشييد لوحات جدارية تستعيد الماضي وتموضع صاحب الشأن في داخلها أكثر من تركيزها على تقديم سيرة ذاتية صريحة ودقيقة.

قبل بضعة أشهر من حصولها على جائزة نوبل للآداب، قدّمت آني إرنو العرض الأول لفيلمها “سنوات السوبر 8 مللي” في مهرجان “كانّ”، وهو تمرين رصين وعاطفي ينطلق من تسجيلات فيديو عائلية تستعملها إرنو مرتكزاً للتحويم في وحول ذاكرتها الشخصية. بهذه الطريقة، تعمل الذكريات كتميمة لإثارة استفسارات تاريخية واجتماعية وثقافية، وبالطبع تمرّ هذه العملية المعقّدة والكاشفة عبر فلتر حتمي لتصفية الوقت. والنتيجة؟ أحد أكثر الأفلام الوثائقية إثارة للاهتمام في العام. يمكن اعتباره أخّاً غير شقيق لفيلم وثائقي شخصي آخر هو “أبولو ½10: طفل في عصر الفضاء” لريتشارد لينكلاتر، الذي يمثّل عودة السينمائي الأميركي لعالم الرسوم المتحركة وطفولته، وفيه يستخدم الينابيع الإبداعية المشابهة لتلك الخاصة بإرنو، على الرغم من تباين نتائجه.

في مجال السينما الروائية، تبرز إلى حد بعيد قصتان تقعان خلال طفولة صانعي الأفلام والتغيّرات الاجتماعية التي شكّلتهم: “توقيت أرمجدون” لجيمس جراي و”الأرجنتين، 1985″ لسانتياغو ميتري. تأريخ غراي للسبعينات المضطربة في حي للطبقة المتوسطة في نيويورك يبدو وكأنه رواية لفيليب روث في أفضل حالاته، مع تمكّن وسيطرة يشابهان ما فعله سيدني لوميت أو مايك نيكولز في أفلمة وتقديم نفس السنوات. على بعد نصف قارة من الجنوب، يُعدّ فيلم ميتري الخامس، وأفضل أعماله منذ فيلم “باولينا” (2015)، فعلاً سياسياً عاطفياً يضع أخيراً أسماء وألقاب وسردية لمسار العدالة الجنائية – الحافل والمليء بالمنعطفات – في أرجنتين ما بعد الديكتاتورية العسكرية. على الرغم من كونهما فيلمين تقليديين في الشكل وحذرين في المخاطرة الفنية، إلا أن النضج الهادئ لكلا العملين يمنحهما وزناً وجاذبية يصعب مضاهاتهما.

لاختتام سيرة سينما الفترات الزمنية الماضية، يكمل الفيلم الغامر “كل شيء هادئ على الجبهة الغربية” للمخرج الألماني إدوارد بيرغر الصورة باعتباره ثاني أفضل تحديث لعمل كلاسيكي رآه هذا الكاتب في 2022. المركز الأول محجوز، بالطبع، لفيلم “بينوكيو” من إخراج غييرمو ديل تورو ومارك غوستافسون، والذي أبعد من كونه أكثر فيلم رسوم متحركة تميّزاً في العام، يمثل الأفلمة الأفضل سينمائياً لرواية الإيطالي كارلو كولودي، من ناحية تظهير واستكشاف معظم الطبقات والأعماق والفروق الدقيقة في النصّ المكتوب أساساً للأطفال قبل أكثر من 200 عام. وهو أيضاً، فيلم حرب، بمعنى مختلف عن الفيلم الألماني الغائص بكلّيته فني حماقة وعبث الحرب العالمية الأولى، ولكن مع نفس القدرة على إحداث الصدمة أو أكبر.

توثيق الحاضر

لا يبدو أن التيار الحالي بيئة مواتية لسينما المؤلفين. على الأقل ليس لأولئك الباحثين عن التوازن الصعب بين النضج الإبداعي والقدرة على إثارة وجذب جمهور عريض نسبياً. بداية هذا العام، شهد مهرجان “صندانس” السينمائي عرض فيلم “حظاً طيّباً ليو غراند”، وهو ثالث فيلم روائي طويل للمخرجة البريطاني صوفي هايد. كوميديا خفيفة عن الاستقصاء النفسي والإثارة الجنسية الصريحة في بنية مسرحية خالصة، من الممكن تخيُّل أن يكتبها فرانك كابرا أو إرنست لوبيتش إذا كانا مهتمين بأفلمة علاقة بين أكاديمية أرملة يُفترض أن سنوات عزّها ونشاطها الجنسي أضحت ورائها، وعامل بالجنس يصغرها بأربعة عقود تقريباً.

في سياق آخر ومع طموح متمثل في الاستيلاء على روح العصر من البرجوازية الأوروبية في أيامنا هذه، يمثّل “مثلث حزن” لروبن أوستلند قفزة واسعة في قدرة السينمائي السويدي الفائز بسعفتين ذهبيتين من مهرجان “كانّ”، على الإزعاج وقذف المشاهد في بحر متلاطم من التنفيسات والأحقاد الطبقية. “مثلث حزن” لن يدخل بالطبع ضمن قائمة أفضل أفلام العام، لصراحته الزائدة ومباشرته الفاقعة، لكنه يتضمّن أحد أفضل مشاهد العام وأكثرها رسوخاً في الذاكرة: مشهد الغثيان والقيء في نهاية عشاء القبطان.

لذا، ليس الأمر كله سيئاً أو محبطاً، مع هذا الفيلم أو غيره حين يتعلّق الأمر بسينمائي من طينة أوستلند، فمن المؤكد أن الجمهور سيخرج بطبق لذيذ، حتى وإن لم تعجبه الوجبة بأكملها.

من بين الاقتراحات الأصلية الأخرى التي، بالرغم من غرابتها ومزيجها المريب للوهلة الأولى، لا تفقد الدقة في السرد أو القدرة على التواصل مع الجمهور؛ يجب أن نذكر أيضاً “العظام وكل شيء” للإيطالي لوكا غواداغنينو. ليس تحفة فنية لكنه عمل شجاع وجريء ولافت. هو البديل المضطرب وغريب الأطوار لقصة اليانكي القديمة حول العشّاق الشباب الهاربين، المحكوم عليهم بالفرار إلى الأبد على الطرق السريعة الأميركية.

ولكن إذا كان علينا البحث عن مظاهر إبداعية وجديدة لسينما الرعب، فالوجهة ستكون صوب فيلم ديفيد كروننبزغ المُساء فهمه وتقديره على نطاق واسع، “جرائم المستقبل”، وفيه يقوم الكندي المغوار بالعودة إلى أهواله القديمة بعد مرحلة متأخرة جديرة بسينمائي يملك مريدين وأتباعاً مخلصين. “جرائم المستقبل”، حكاية ما بعد-إنسانية حول علاقتنا بالألم أو الموت أو اللذة، وهو – جنباً إلى جنب مع الموسم الثالث من “المملكة” للدنماركي لارس فون ترير، و”ثلاثة آلاف عاماً من الشوق” لجورج ميلر، و”إيو” للبولندي جيرزي سكوليموفسكي – يعدّ أكثر عودة جاذبية إلى الحلبة رأيناها هذا العام من صانعي أفلام المدرسة القديمة. في أي عمر، يحافظ كروننبرغ على قدرته على الخوض في شقوق وجروح النفس البشرية.

أخيراً، عزيزي القارئ، إذا شعرت بحاجة لا يمكن كبتها إلى قائمة أفلام أخرى تضاف إلى قائمة لا تنتهي من القوائم السنوية، فستكون العناوين التالية خياراً لإغلاق هذا العام “الوسيط”، على ما يبدو، بين عالمين وزمنين. خالص التمنيات بمشاهدة ممتعة، بعيدة من منغصّات العيش والأحوال الراكدة، على أمل أن يتعلّم الواقع من السينما، ولو قليلاً.

أفضل الأفلام العالمية في 2022:

بيتزا العرقسوس / Licorice Pizza – بول توماس أندرسون

ما الذي نراه حين ننظر إلى السماء؟ / What Do We See When We Look at the Sky? – ألكسندر كوبريدزي

عجلة الحظّ والفانتازيا / Wheel of Fortune and Fantasy  + قودي سيّارتي / Drive My Car – ريوسكي هاماغوتشي

فيلم الروائي The Novelist’s Film / + أمام وجهك / In Front of Your Face + مقدّمة /  Introduction– هونغ سانغ-سو

أرض الربّ / Godland – هلينور بالماسون

إيو / Eo – جيرزي سكوليموفسكي

تار / Tár – تود فيلد

نهائي مونديال 2022 لكرة القدم بين منتخبي الأرجنتين وفرنسا

ألكارّاس / Alcarràs  – كلارا سيمون

هيّا، هيّا / C’mon C’mon – مايك مايلز

بعد الشمس / Aftersun – شارلوت ويلز

سبنسر / Spencedr – بابلو لارين

ذاكرة / Memoria – أبيشاتبونغ ويراستاكول

الحفرة / Il Buco- مايكل أنغلو فرامارتينو

المياه / The Water – إيلينا لوبيز رييرا

بينوكيو / Pinocchio – غييرمو ديل تورو ومارك غوستافسون

جرائم المستقبل / Crimes of the Future – ديفيد كروننبرغ

رداء الجواهر / Robe of Gems – ناتاليا لوبيز

مشدّ الخصر / Corsage – ماري كروتسر

فابيان: العودة إلى الكلاب / Fabian: Going to the Dogs – دومينيك غراف

لا دببة / No Bears – جعفر بناهي

سانت أومير / Saint-Omer – أليس ديوب

عذاب فوق الجزر / Pacificction   – ألبرت سييرا

ريميني / Rimini – أولريش سيدل

لمحة / RMN – كريستيان مونغيو

الإبنة الأبدية / The Eternal Daughter – جوانا هوغّ

صباح يوم جميل / Un beau matin – ميا هانسن-لوف

دوّامة / Vortex – غاسبار نواه

تنويه خاص بكل من:

انطلق في الطريق Hit the Road / – بناه بناهي

الأرجنتين، 1985 / Argentina, 1985 – سانتياغو متري

توقيت أرمجدون / Armageddon Time – جيمس غراي

حظّاً طيّباً ليو غراند / Good Luck to You, Leo Grande – صوفي هايد

أفاتار: طريق الماء / Avatar : The Way of Water – جيمس كاميرون

باتمان / The Batman – مات ريفز

الأعجوبة / The Wonder – سباستيان ليليو

آل فابلمان / The Fabelmans – ستيفن سبيلبرغ

قرار بالمغادرة / Decision to Leave – بارك شان-ووك

رجال / Men – ألِكس غارلاند

العظام وكلّ شيء / Bones and All – لوكا غواداغنينو

لا / Nope – جوردان بيل

جنّيات إنشيرين / The Banshees of Inisherin – مارتن ماكدوناه

أفضل الأفلام العربية في 2022:

تحت الشجرة – أريج السحيري

المحكور ما كي بكيش – فيصل بوليفة

النهر – غسّان سلهب

ما تسمع كان الريح – إسماعيل ويوسف الشابّي

أشكال – يوسف الشابّي

دفاتر مايا – جوانا حاجي توما وخليل جريج

البحر أمامكم – إيلي داغر

أخطبوط – كريم قاسم

حمّى البحر المتوسط – مها الحاج

عَلَم – فراس خوري

فرحة – دارين سلّام

أفضل الأفلام الوثائقية في 2022:

سنوات السوبر 8 مللي / The Super 8 Years – آني إرنو وديفيد إرنو-بريو

فيرا Vera / – تيزا كوفي وراينر فريمل

نار الحبّ / Fire of Love – سارة دوزا

حلم يقظة قمري / Moonage Daydream – بريت مورغان

طنطورة / Tantura – ألون شوارتس

ليلة العلم بلا شيء / A Night of Knowing Nothing – بايال كاباديا

كل هذا يتنفس / All That Breathes – شوناك سين

نحتاج الحديث عن كوسبي / We Need to Talk About Cosby – و. كاماو بيل

كلّ الجمال وسفك الدماء / All The Beauty And The Bloodshed – لورا بويتراس

مشروع لينكولن / The Lincoln Project  – كريم عامر وفيشر ستيفنز

المدن

——————————————-

روابط بعض الأفلام التي وردت في هذه اللائحة

Avatar : The Way of Water

الرابط الأول

——————————————-

Armageddon Time

الرابط الأول

الرابط الثاني

——————————————-

Good Luck to You, Leo Grande  (2022) 

الرابط الأول

الرابط الثاني

——————————————-

Triangle of Sadness

الرابط الأول

الرابط الثاني

الرابط الثالث

——————————————-

Crimes of the Future

الرابط الأول

الرابط الثاني

=============================

أفلام أضيفت حديثا إلى أعظم 100 فيلم  وروابط لمشاهدتها مترجمة للعربية

————————————–

In the Mood for Love

Original title: Fa yeung nin wah

2000

1h 38m

للمزيد من المعلومات عن الفيلم والمخرج والجوائز التي حصل عليها اتبع الرابط التالي

https://www.imdb.com/title/tt0118694/

لمشاهدة الفيلم

الرابط الأول

الرابط الثاني

——————————-

Jeanne Dielman, 23, quai du commerce, 1080 Bruxelles

1975

3h 22m

للمزيد من المعلومات عن الفيلم والمخرج والجوائز التي حصل عليها اتبع الرابط التالي

https://www.imdb.com/title/tt0073198/

لمشاهدة الفيلم

الرابط الأول

الرابط الثاني

—————————-

Beau travail

1999

1h 32m

للمزيد من المعلومات عن الفيلم والمخرج والجوائز التي حصل عليها اتبع الرابط التالي

https://www.imdb.com/title/tt0209933/

لمشاهدة الفيلم

الرابط الأول

———————————

Mulholland Drive

Original title: Mulholland Dr.

2001

 2h 27m

للمزيد من المعلومات عن الفيلم والمخرج والجوائز التي حصل عليها اتبع الرابط التالي

https://www.imdb.com/title/tt0166924/

لمشاهدة الفيلم

الرابط الأول

الرابط الثاني

الرابط الثالث

————————

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button