منوعات

دون عقد زواج وفي منزل واحد..سوريون وسوريات يواجهون المجتمع خفيةً/ طارق علي

“منذ عام 2019 أسكن أنا ومراد في شقة مستأجرة في حي الشعلان بدمشق، لم أشعر بالندم إطلاقاً، ولا زلت أعتقد أنّ هذا القرار هو الصائب”، تقول ميرا. ح في حديثها مع “النهار العربي”.

ميرا التي تبلغ من العمر 34 عاماً وجدت بالمساكنة فرصةً مثالية لعيش حياة زوجية كان يستحيل إتمامها بالأوراق الرسمية نظراً لاختلاف المذاهب بينها وبين مراد الذي ينتمي لإحدى الأقليات التي ترفض رفضاً قاطعاً الزواج من خارج الطائفة.

تقول: “لا يمكنني أن أعيب مراد لهذا السبب، فالأمر ليس بيده، وهو ينتمي لطائفة تأخذ بالأعراف العشائرية بصورة مبالغ فيها، ولو كان الأمر ينتهي بتبرؤ أهله منه لربما كان يمكن التفكير بالأمر، رغم أنّه مستبعد أيضاً، فأنا أتفهم تماماً أنّه لا يريد خسارة عائلته التي لا تعرف طبعاً أنه يتشارك السكن مع (حبيبة)، وهو دائماً ما كان يردد على مسامعي قصة يوم أصيبت والدته بجلطة حين علمت بأنّ ابنتها على علاقة حب مع شاب من خارج الطائفة. ولولا انكفاء الشاب، وتعقل الفتاة، لربما وصلت الأمور لمذبحة عائلية، وهذا يحصل في مجتمعهم حقيقة”.

وتشرح الشابة التي تشغل منصب مسؤولة تنفيذية في إحدى الشركات الخاصة أنّها تعيش حياتها كما ترغب طالما أنّها لا تؤذي أحداً، وعززت استقلاليتها  وفاة والديها عندما وجدت نفسها وحيدة تصارع الحياة التي بدأت تهون بعد حبها لمراد، كما تقول.

ميرا التي يبدو أنّها فعلاً لا تأبه كثيراً للمجتمع، تهتم في المقابل لحال شريكها الذي تفضل عدم الكشف عن تفاصيل علاقتهما على الملأ، وتقول: “ليس جيداً أن أتحدث عن خصوصياتي كثيراً، ولكن بالمختصر أنا أعيش معه علاقة زوجية تامة، تبدأ بمشاركة المصاريف ولا تنتهي بالعلاقة الخاصة، ولكن كل ما يؤسفني في الأمر هو أنني أكبر، ولاحقاً، ستقل فرصي في الإنجاب، ولكننا الآن نفكر جدياً في السفر والبدء بحياة مستقلة وآمنة، وإن كانت السرية ستحيط بها في مكان ما، ولكن هذا قرارنا واختيارنا”.

تختتم ميرا حديثها منوهةً بأنّها رغم كل ما قالته، فإنها لا تجاهر بتلك العلاقة ونوع المساكنة الذي تعيشه، مؤكدةً أنّ المجتمع بعمومه لا يتقبل الفكرة بصورة عامة، ولكن على الأقل فهي محاطة ببيئة ضيقة تتفهم الأمر، لافتة إلى أنّ السرية أحياناً مطلوبة بالمساكنة لأنّ المجتمع لا يرحم، والدين كذلك.

من حلب إلى دمشق

انتقلت الشابة سونيا (اسم مستعار) عام 2015 من حلب إلى دمشق حيث فرص العمل والإنتاج لا سيما في مجالها الذي تتقنه وهو الأزياء. وتقول لـ”النهار العربي” إنّ أمواج الحياة تقاذفتها كثيراً، وعانت ما عانته في سنيها تلك في العاصمة.

“أسكن أنا وحبيبي في منزل استأجرناه بحي باب توما. المنزل مستقل عن الجوار نسبياً، وكان عقد الإيجار باسمي، وقد عرفت أصحاب الشقة على حبيبي على أنّه أخي وبأنّه مقيم في حلب ولكن جامعته في دمشق، وكونه لن يسكن معي دائماً (على ما قلته لهم) فلن أدرج اسمه بالعقد،.وهكذا كنت قد وضعت أول حجر صلب في إطار بناء مساكنتنا، فأصحاب البيت مطمئنون، والجوار بعيدون، وعملياً نحن نعيش سويةً في المنزل، ونعيش حياتنا بكل تفاصيلها”، تقول سونيا.

الفتاة التي تبلغ اليوم 31 عاماً لا تعتقد أنّ المساكنة أمر غير صحي، بل تجد العكس في الأمر، حيث تشير إلى أنّ نمط الحياة تلك ناسبها كثيراً، ولا شك، بحسب تعبيرها، أنّ الزواج بعد هذه العلاقة سيكون أمراً ممتازاً، ولكنّ وقته لم يحن بعد، فشريكها يعمل بكدّ ليؤمن مستقبلاً جيداً ويهيئ الوضع لتربية أولاد.

“في هذه الظروف صار الارتباط بصيغته الرسمية أمراً صعباً للغاية بسبب سوء الظروف العامة، أنا أدرك تماماً أنّ علاقتنا ستنتهي إلى الزواج ما أن تصير الظروف مناسبة، والأمر يتطلب بعض الوقت”، بحسب سونيا.

مساكنة الرجل “شطارة”

أما عماد جلال فهو شاب من دمشق، يسكن مع صديقته منذ نحو عام، ولا يبالي بذكر اسمه علانيةً، فهو، كما حال المجتمع، يغفر للرجل أي مشروع مساكنة، ولربما يعتبره “شطارة”، في حين يرى بالفتاة الشريكة ذات سمعة سيئة. وفي هذا الإطار، أكد عماد أنّ معظم رفاقه يعلمون أنّه يخوض تجربة مساكنة، لكنّ أحداً منهم لا يعرف من هي شريكته في السكن، ويقول إنّه يخفي هويتها من أجلها. وأقر بأن مشروعهما لا يهدف للزواج، وشريكته تعلم ذلك جيداً.

ويقول: “منذ سنة تقريباً ونحن نسكن معاً، تعارفنا عن طريق جلسات مع أصدقاء مشتركين، ثم توطدت علاقتنا مع الوقت وانتهت بالسكن المشترك، ليست هناك علاقة خاصة بيني وبينها، ولكن بالمقابل نحن نعيش يومياتنا ونتشارك كل تفاصيلنا الصغيرة والكبيرة. ببساطة نحن صديقان مقربان للغاية، حتى أنّها من فترة أخبرتني عن شاب يحاول التقرب منها. بالتأكيد لم تثر حفيظتي، فهي كائن حر، ووجودنا مع بعض موقت ومحكوم بظروف متعددة. وما أن تجد شريك حياتها، أو أنا أجد شريكة حياتي، من المؤكد أننا سننفصل في السكن، ولكن سنبقى أصدقاء بالطبع”.

دافع مختلف

“لم يكن بمقدوري أن أدفع إيجار المنزل وحدي، وهي كذلك، لذا قررنا السكن سوياً مع شروط مسبقة بأن نظل أصدقاء وفقط بين جدران المنزل، بل وإخوة أيضاً”. يقول عبد الجليل حمور “للنهار العربي” في إطار حديثه عن تجربته مع المساكنة والتي لم تدم طويلاً.

لم تدم تلك التجربة طويلاً لأنّ الطرفين لم يستطيعا تحمل مزاج وطباع بعضهما كما يقول حمور، “في البداية كانت الأمور جيدة، وكنا نتقاسم المصاريف، مع امتياز لصالحي وهو أنّها تحضر الطعام اليومي وتقوم بأعمال المنزل، ولكن مع الوقت اكتشف كلٌّ منا عيوباً في الآخر لم يستطع تقبلها، فانفصلنا بكل ود”.

انتشار المساكنة

الغريب في الأمر أنّ الحديث عن المساكنة أصبح مكشوفاً نسبياً ولو على نطاق ليس بالكبير للغاية، كما أنّ البحث عن المساكنين لم يعد بالأمر الشائك، فيكفي للمرء أن يسأل حوله حتى يعرف بها، بعد أن كانت المساكنة جريمة أخلاقية يجلد لأجلها المجتمع ممارسيها، وبعد أن كانت المساكنة أمراً ينظر له بخطورة بالغة، ويتدخل الدين ورجاله لمنعها بأي ثمن.

إلا أنّ دمشق على الأقل اليوم كعاصمة للبلاد صارت المساكنة فيها أمراً منتشراً بكثرة، ومنتشراً إلى درجة أنّ منازل بغرف متعددة باتت تؤجر لشباب وفتيات، وهذا سابقاً، أي ما قبل الحرب، كان شبه معدوم، أما اليوم فهو طبيعي للغاية، وهذا ما قالته الشابة مها إبراهيم “للنهار العربي” حيث شرحت أنّها تستأجر غرفة في منزل بباب توما، ويشاركها المنزل ثلاثة شبان وأربع فتيات.

خيار الضرورة

ومما لا شك فيه أنّ المساكنة على خلفية استحالة تأمين مصاريف الزواج هذه الأيام هي الاكثر شيوعاً، وهي التي تدفع الشباب لهذا الخيار، مرغمين أو راضين. ففي الحالين لكل شخص وجهة نظره في الأمر. وتكتسب الخطوة تميّزها من إمكانية عيش الطرفين حياة زوجية لا تلزم الآخر بأي أمر فوق طاقته، لا مصاريف زائدة، ولا أطفال ولا مهر ولا أعراف اجتماعية وقانونية.

بيد أنّ الخطير فيها هو موقف الأهل إن علموا بتلك المساكنة، فمن الممكن القول إنّ السوريين، من جيل الآباء يرفضون هذا الأمر، ويعتبرونها وصمة عار يستوجب غسلها في بعض الأحيان. وعند مرجعيات العائلات العشائرية قد تصنف “زنا”، يحمل معه كل خذلان الأرض لأهل تعبوا في تربية بناتهنّ.

معدلات الطلاق

ويمكن في سياق مقارب الحديث عن الارتفاع المتنامي في معدلات الطلاق بالداخل السوري، والذي يمكن إرجاعه لأسباب مختلفة، وقد يكون حصرها صعباً، ولكن بالمقابل فمن السهولة في مكان ربطها بمؤثرات الحرب المنعكسة على يوميات الناس.

فسوء الأحوال الاقتصادية وتردي الظروف المعيشية كانت عوامل رئيسية ومركزية في الوصول للطلاق في كثير من الحالات، كما تقول ريما سالم التي حصلت على طلاقها قبل أشهر، “لا يمكنني أن أحمل زوجي المسؤولية الكاملة عن الأسباب التي أفضت لطلاقنا، ولكن وصلنا إلى طريق مسدود بعد عامين من الزواج. هو فقد عمله ولم يستطع تأمين البديل، والجيد أنّه لم يكن لدينا أولاد، ولكن وصلنا لمرحلة بات فيها المنزل خاوياً من الطعام والشراب، ومعه صار الاستمرار بتلك العيشة ضرباً من المستحيل”.

تعتقد ريما أنّ البعض قد يعيب عليها سبب طلاقها ولكنّها تجده منطقياً للغاية، بقولها: “من يده بالنار ليست كمن يده بالماء”.

أما ميساء حب الله التي أيضاً حصلت مؤخراً على حكم بالطلاق من المحكمة الشرعية فتوضح أنّ ذلك كان ضرورياً لشدة ما تعرضت له من تعنيف من قبل زوجها: “كان يعنفني كثيراً، ووقف أهلي معي حتى حصلت على طلاقي”، مؤكدةً أنّها بعد تلك التجربة تؤيد المساكنة كحلٍ ربما يسبق الزواج.

المستشارة في الصحة النفسية هيفاء عزوز ترى في سياق حديثها مع “النهار العربي” أنّ عدم التواصل الصحيح بين الزوجين بعد الزواج يودي إلى الطلاق بشكل مباشر، مؤيدةً فكرة المساكنة كحل “مؤقت” لاكتشاف سلوك كلٍّ من الطرفين في فترة تعارف عن قرب، وتقول: “رغم أنّ الفكرة لا زالت من تابوهات” المجتمع السوري، ولكن يمكن رؤيتها في السياق النفسي بأنّها حل صحي ومتكامل كبديل عن فترة الخطوبة التي يستحوذ الكذب على الجزء الأكبر منها، ففي المساكنة يكتشف الشخصان سلوك بعضهما ويتعاملان مع السلبيات بعد معرفتها عن قرب ثم يأخذان قرارهما في شأن حياتهما معاً بشكل واعٍ ومسؤول”.

“لولا أنّي رزقت بولدين من زوجي لكنت انفصلت عنه، نحن غير متفاهمين أبداً”، تقول نور (اسم مستعار)، وتضيف “لو أتيجت لنا فرصة المساكنة قبل الزواج وتعرفت على طباعه وخبرتها عن قرب لربما كنت أحجمت عن الزواج به”.

وبحسب مصادر “للنهار العربي” فإنّ كل 31 ألف حالة زواج يقابلها نحو 12 ألف حالة طلاق مسجلة، إذ تتعدد الأسباب خلفها، ما بين إهمال وبطالة وسوء حال اقتصادي وخيانة وعدم اتفاق ونفور وما إلى ذلك من موجبات تصبح معها حياة الشريكين تحت سقف واحد مستحيلة.

يبقى أنّ من تردن الطلاق هنّ أكثر بكثير من تلك اللاتي حصلن عليه، ويبقى أنّ المساكنة فكرة بدأت تنتشر أكثر وأكثر في المجتمع السوري، لتحمل معها ما تحمله من كسر لخطوط حمراء في مجتمع محافظ تحكمه السلوكيات الدينية والغزل السلطوي برجال الدين الذين يرفضون جملةً وتفصيلاً كل علاقة بين شابين خارج إطار الزوجية.

النهار العربي

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button