كيف رأى حنا بطاطو شخصية حافظ أسد
مراجعة: وحدة مراجعات الكتب
الكتاب: فلاحو سورية: أبناء وجهائهم الريفيين الأقل شأنًا وسياساتهم”، صدر بالإنكليزية عام 1999، ترجمه إلى العربية عبد الله فاضل ورائد نقشبندي، ونشره المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة وبيروت.
تأليف: حنا بطاطو، كاتب فلسطيني، دكتور في العلوم السياسية، من مواليد 1926، هاجر إلى الولايات المتحدة سنة 1948، وتوفي سنة 2000.
المحتويات
مساعي الأسد تجاه الطائفة
كفاءته العسكرية
مستويات السلطة في دولة الأسد
المستوى الثاني من سلطة الأسد (الأمن والجيش)
المستوى الثالث من مستويات السلطة (النخب العليا من حزب البعث)
المستوى الرابع من مستويات السلطة
مرض الأسد عام 1983 والصراع على خلافته
نظرة أقرب إلى حافظ أسد
تعامله مع معارضيه
سياسة حافظ أسد الاقليمية
لبنان
علاقة الأسد بحركة فتح
العلاقة مع اسرائيل
في كتابه عن فلاحي سورية، يتناول مؤلفه دكتور العلوم السياسية، الفلسطيني حنا بطاطو، شخصية حافظ أسد في مواضع كثيرة من الكتاب، إلا إنه يمحور جزءه الأخير حول شخصيته؛ إذ لعب دورًا حاسمًا في تاريخ سورية الحديث، منذ 1970([1]).
بعد أن تعلم حافظ أسد على يد أحد المشايخ في القرداحة، انتقل الى اللاذقية سنة 1944؛ ليكمل تعليمه، وفي عام 1947 انجذب الى البعث، وأصبح بعثيًا على يد الدكتور وهيب الغانم، وقد أخذ الغانم بيده، وتحمل جزءًا من نفقات دراسته، وفي عام 1950 أسند إليه رئاسة اللجنة الطلابية في المدرسة، ودخل الكلية الحربية عام 1951، وعُيّن برتبة ملازم أول في القوى الجوية عام 1955، وفي عام 1960 انضم إلى اللجنة العسكرية، ولم يكن من مؤسسيها. وفي كانون الأول/ ديسمبر 1961، سُرّح من الجيش وهو برتبة نقيب، وأحsيل على الخدمة المدنية، ونقل إلى إدارة النقل البحري في وزارة الاقتصاد.
يرى بطاطو أن حافظ أسد هو أول حاكم لسورية من أصل فلاحي، وهو لم يشارك في انقلاب 8 آذار 1963، ولكن جرى استدعاؤه من الخدمة المدنية فور قيام الانقلاب، ضمن مجموعة الضباط البعثيين ال 90 الذين جرى استدعاؤهم بعد الانقلاب المذكور([2])، ورفِّعَ إلى رتبة مقدم، وعُيّن فورًا قائدًا لمطار الضمير العسكري، ثم سرعان ما جرى ترفيعه إلى رتبة لواء، وتسميته قائدًا للقوى الجوية عام 1964، وبعد انقلاب 23 شباط/ فبراير 1966، سمي وزيرًا للدفاع.
بعد 8 آذار 1963 “كان حافظ أسد يلعب دوراً ثانوياً نسبياً مقارنة بصلاح جديد وكان يقوّي مواقفه بهدوء، ويوسع دعمه في القوات المسلحة، ومنذ أن أصبح قائدًا للقوى الجوية، حوّلها مع مديرية الطيران المدني “إلى إقطاعية مغلقة” وبعد أن أصبح وزيرًا للدفاع بعد شباط/ فبراير 1966، وفر حماية لضباط الجيش المتهمين بالإهمال في هزيمة ؛1967 فانضموا تحت جناحه، وعام 1968 عدل مواقفه المتشددة باتجاه أكثر واقعية” ص 330. “، وبحلول عام 1968 أدرك الحاجة إلى مسار جديد، أكثر اتساقًا مع الامكانات التي ينطوي عليها الواقع الموضوعي…، فانعطف نحو الفكرة القائلة بأن النظام لا يمكن أن يعالج صعوباته إلا بالتحول نحو سياسة التسوية على الجبهتين: الإقليمية والمحلية…، وكان يعني داخليًا تخفيض حدة الصراع الحضري- الريفي، والتصالح مع الطبقات الوسطى الحضرية”.
استفاد الأسد من تسريح 160 ضابطًا بعد انقلاب 23 شباط/ فبراير 1966([3])، معظمهم من حوران، ومن بينهم رئيس الأركان احمد سويداني؛ كي يعين مكانه صديقه، مصطفى طلاس، الذي كان مخلصًا للأسد شخصيًا، وفي المؤتمر القطري الرابع في أيلول/ سبتمبر 1968، وحّد الأسد قواه مع أصدقاء محمد عمران([4]) العسكريين، وسيطروا على المكتب العسكري لحزب البعث، وأغلق الجيش في وجه الحزب، وبدأ بتشكيل العناصر الأولى لما سيصبح -بعد عام 1970- قطاعات عسكرية كاملة، مشكلة على أسس طائفية وعشائرية وعائلية”، ثم تابع الأسد إجراءاته؛ للسيطرة على التنظيم المدني للحزب، وحقق بعض النجاحات الجزئية فحسب، واستمر الصراع بين جديد والأسد على أشدّه، إلى أن حُسِمَ في المؤتمر القومي الاستثنائي العاشر، في 30 تشرين الأول/ أكتوبر 1970، واستمر حتى 12 تشرين الثاني/ نوفمبر، وصبيحة 13 تشرين الثاني/ نوفمبر اتخذ المؤتمر قراره بإعفاء حافظ الأسد من منصبه، وزيرًا للدفاع، ولكن الأسد كان قد استعدّ لمواجهة هذه اللحظة، فاجتمع في 10 تشرين الثاني/ نوفمبر 1970 بـ 500 من كبار ضباطه، في مقر القوى الجوية “وأرادهم أن يعرفوا أنهم هم الذين يقررون ويحسمون الأمور، وليس المجتمعون أعضاء مؤتمر الحزب، وأن الجيش هو الذي جاء بهؤلاء، وهو الذي يعرف كيف يتعامل معهم” (ص 335)، ثم اعتقل الأسد صلاح جديد، وبقية أعضاء القيادة المناوئين له، وقد فر بعضهم إلى الخارج، وماتوا جميعًا، إما في السجن، أو منفيين في الخارج. رحب تجار المدن بهذه الحركة، وسيروا تظاهرات التأييد، وعلّقوا يافطات أصبحت شهيرة كُتب عليها: “طلبنا من الله المدد فأرسل لنا حافظ أسد”.
مساعي الأسد تجاه الطائفة
سعى حافظ أسد إلى تقريب الطائفة العلوية الصغيرة، الفريدة في العالم، من المذهب الشيعي؛ ليحوّل نفسه إلى عضو في جماعة كبيرة، ولم تكن مسألةً سهلةً عقائديًا، ولكن المصلحة المباشرة لتعزيز حكمه، دفعت بكثير من العلويين خلف مشروعه، وتبعت توجهاته، وعلى هذا الأساس، وعبر سعيه مع قيادات شيعية، ” في أوائل السبعينيات، أكدت الشيعة الإمامية، بقيادة الإمام موسى الصدر، رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، “الوحدة المذهبية” للعلويين مع الشيعة، واتخذ خطوات لـ “كسر طوق العزلة الذي فرضه الأعداء والمنحرفون على الأخوة العلويين”؛ نقلًا عن مقدمة، بقلم المفتي الجعفري الشيعي الممتاز لكتاب العلويين”. (ص 59)
يعرض بطاطو في الصفحة 61 مؤتمرًا إسلاميًا علويًا، عُقد لرجال دين علويين عام 1973، في مكان لم يُعلن عنه، ويعرض بطاطو بعض قضايا دينية جرى نقاشها في المؤتمر، ولكن؛ يمكن فهمها على أن غاية المؤتمر كانت توحيد كلمة العلويين، وتنسيق معتقداتهم بما يقربهم من الإسلام الشيعي، بخاصة، ثم -والأهم- أن يوحدهم خلف القيادة الجديدة لحافظ أسد الذي استولى على الحكم، قبل سنوات قليلة. وأصدر 80 رجل دين علوي بيانًا يؤكدون ذلك، وصادق على البيان المفتي الجعفري في لبنان، عبد الأمير قبلان، وأكد موسى الصدر، رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى في لبنان، الوحدة المذهبية للعلويين مع الشيعة، وبدؤوا ببناء المساجد في البلدات والقرى العلوية، إذ لم يكن للعلويين في سورية أي مسجد من قبل، وكانوا يمارسون طقوسهم سرًا، ولكنهم تجنبوا بناء مساجد خاصة بهم في دمشق وحلب والمدن السنية.
يقول بطاطو عن حافظ أسد: “فإنه من الشطط القول إنه طائفي أو عشائري من حيث أفقه أو نهجه. ولا توجد أدلة كافية على أن أبناء طائفته، أو عشيرته، كان لهم حظ أكبر من حلو الحياة ومرها؛ مما كان لأغلبية الشعب السوري” (ص 598).
كفاءته العسكرية
يقول بطاطو: إنه “تمرس في المؤامرات السياسية أكثر بكثير من الخدمة العسكرية” (ص 373)، “وعندما اندلعت حرب الأيام الستة في عام 1967 كان ما يزال غرًا عسكريًا، ولم يكن يملك المؤهلات الكافية؛ ليكون الرأس المدبرة للقوات المسلحة” (ص 374). وتشير حادثة بلاغ سقوط القنيطرة إلى نقص فاقع في الكفاية، خاصة أن أي جندي إسرائيلي لم يكن قريبًا من القنيطرة، وأنها لم تكن مدرجة ضمن المخطط الاسرائيلي لاحتلالها، ولكن بثّ البلاغ الكاذب أغرى الجيش الإسرائيلي، وتقدم لاحتلالها، واحتلال أراض أخرى.
يقدم بطاطو ترجيحًا أن إذاعة البيان لم تكن خطأً، بقدر ما كانت خطة من الأسد وجديد اللذين اختارا التضحية بأرض سورية، وبمصالح الجيش؛ من أجل المحافظة على نظامهما، وما عزز الشك أن وحدات الجيش الضاربة، ذات الأهمية السياسية؛ خصوصًا اللواء 70 المدرع، بقيادة العقيد عزت جديد، وكتيبة الدبابات بقيادة النقيب رفعت الأسد، كانت أول من ترك الجبهة تحت جنح الظلام.
يمتدح بطاطو أداء الأسد القيادي في التحضير لحرب ال 1973، وخوضها، ويحمّل مسؤولية عدم تحقيق النصر الكامل إلى خطط السادات المبيتة، ولكنه يدين أداءه وسلوكه في الاجتياح الإسرائيلي للبنان 1982، وتركه الفلسطينيين يواجهون مصيرهم لوحدهم، وعلى الرغم من ذلك؛ فقد انتزع الأسد نصرًا سياسيًا من هزيمةٍ عسكرية. وأفشل اتفاقية سلام اسرائيلية- لبنانية برعاية أميركية، ويدين بطاطو سلوك الأسد في حماة، في شباط/ فبراير 1982؛ إذ سوّى أجزاءَ من المدينة بالأرض، وقتل بين 10 و25 ألف قتيل، بحسب تقديرات مختلفة، وأن الجزء الأكبر من القتلى، كانوا مدنيين ونساءً وأطفالًا، والجزء الأكبر من القتل حدث بعد انتهاء الأحداث، ويورد بطاطو شطر بيت الشعر العربي القديم: “أسد علي وفي الحروب نعامة”.
مستويات السلطة في دولة الأسد
يشير بطاطو إلى البلاغة الديمقراطية الفارغة للأسد، عندما يتحدث عن سلطة الشعب “قوتان لا تقهران: قوة الله وقوة الشعب”، و “الاختيار الحر والرغبة الحرة لجماهير الشعب”، وهو الذي لم يُقِمْ للشعب أي وزن “لكن عنصر الاحتقار للبشر عمومًا مخفي أكثر لدى الأسد” (ص 386).
يشرح بطاطو المستويات الأربعة لسلطة الأسد:
المستوى الأول: ، وكان يحصر بيده الاتجاه العام للسياسة، وشؤون الأمن والمخابرات، والجيش، والخارجية، وسلطته -هنا- فردية، أي حافظ الأسد ذاته
المستوى الثاني: رؤساء أفرع الأمن، ثم رؤساء الوحدات العسكرية النخبوية.
المستوى الثالث: قيادات حزب البعث.
المستوى الرابع: الوزراء والمحافظون، وكبار موظفي الدولة. (ص 387).
إضافة إلى هذه المستويات الأربعة؛ فقد سعى الأسد لكسب طبقة قطاع الأعمال([5])، . وقد منح الأسد رجال الأعمال دورًا أوسع في الاستيراد، ثم وسّع تمثيلهم في مجلس الشعب، وقد توسع دورهم أكثر مع أزمة النصف الثاني من الثمانينيات؛ فقد زادت مستوردات القطاع الخاص من 33 بالمئة من إجمالي مستوردات سورية عام 1972، إلى 65.3 بالمئة عام 1995. ولكن بقيت صادرات القطاع الخاص محدودة، أقل من 13 بالمئة عام 1995، وزادت قيمة منتجات القطاع الخاص الصناعي، من 0.85 من المليارً عام 1970 إلى أكثر من 88 مليارًا عام 1995، ولكن نسبته من إجمالي الانتاج الصناعي في سورية بقيت دون تغيير كبير، أي: نحو الثلث.
المستوى الثاني من سلطة الأسد (الأمن والجيش)
اتسمت سلطة الأسد بسمات فلاحية وعائلية وعشائرية، ويبين بطاطو في الجدولين 18 – 1، و 18-2 ، (ص 406) “أن العلويين قد شكلوا ما لا يقل عن 61.3 بالمئة من الضباط ال 31 (19 علوي و 11 سني و 1 مسيحي) الذين انتقتهم يد الأسد، بين 1970 و 1997؛ ليحتلوا المواقع الرئيسة في القوات المسلحة والتشكيلات العسكرية النخبوية وأجهزة الأمن والاستخبارات، على الرغم من أن نسبة العلويين بين السكان، بحسب بطاطو هي 11.2 بالمئة، والسنة 73 بالمئة، والمسيحيين 10 بالمئة، وكان ثمانية من هؤلاء من عشيرته الكلبية، وأربعة من عشيرة زوجته، الحدادين. كان سبعة من بين هؤلاء الاثني عشر من أقرباء الأسد المباشرين بالدم أو بالزواج”. وكان 16 من الـ 19 علويًا من أبناء طبقة الوجهاء الريفيين، وأربعة منهم هم أبناء رجال دين علويين([6]).
يسأل بطاطو: هل نظام الأسد طائفي؟ (ص 419) ويورد أن الأسد استخدم شخصيات سنية دائمًا في مواقع مهمة، مثل رئيس الأركان، وقائد القوى الجوية، ورئيس إدارة المخابرات العامة”، ولكن بطاطو يلحظ “أن أي من هؤلاء لم يملك، في أي لحظة، سلطة اتخاذ قرارات حاسمة، أو القيام بمبادرة مستقلة….، كان هناك معاونون موثوقون من أقربائه، أو أبناء طائفته، يراقبون عن كثب السنّة في المناصب العسكرية أو الأمنية العليا …، التشكيلات العسكرية الخاصة الحامية للنظام يتمتع بها الضباط العلويون بسيطرة حصرية عليها …، وعام 1992 كان أقرباء الأسد يقودون سبع فرق عسكرية، من أصل 9 فرق اشكلت في حينه الجيش النظامي”
يستنتج بطاطو(ص422) أن قاعدة سلطة الأسد في جوهرها علوية بقوة، ….. لكن ليس هناك في الوقت ذاته سوى القليل من الأدلة على أن الأسد في سياساته الاقتصادية، أعطى تفضيلًا ملحوظًا للطائفة العلوية” ويورد شواهد على أن الطائفة العلوية -بمجموعها- بقيت أوضاعها مشابهة لأوضاع بقية السوريين، وأن الذين استفادوا من أبناء الطائفة العلوية هم قلة، ويقدم بطاطو رفعت الأسد مثالًا على سوء استعمال السلطة، والفساد بأشكاله.
يقدم بطاطو نبذة عن الشخصيات الرئيسة في شبكات الأمن؛ حيث يوجد في سورية أربعة اجهزة أمنية، هي الأمن العسكري، وأمن القوى الجوية، وأمن الدولة، والأمن السياسي، ويعرض لأشهر ثلاثة أشخاص في تاريخ أمن حافظ أسد: علي دوبا الذي قاد الأمن العسكري، ومحمد ناصيف رئيس فرع الأمن الداخلي في أمن الدولة، ومحمد الخولي الذي كان على رأس أمن القوى الجوية.
المستوى الثالث من مستويات السلطة (النخب العليا من حزب البعث)
كان الأسد يختار شخصيًا أعضاء القيادة القطرية، وإن كان عبر انتخابات شكلية، ومنذ تسلّمه السلطة منفردًأ 1970، لجأ لزيادة نسبة السنة في قيادات البعث؛ لخلق توازن شكلي مع الجيش والأمن الذي يسيطر عليه العلويون، فالجدول 19-2 (ص 453)، يُظهر أن نسبة السنة في القيادة القطرية قد زادت من 42.9 بالمئة سنة 1969، إلى 78.9 بالمئة في 1971، وقد “تمتع أعضاء النخبة الحزبية، بعد عام 1970، على عكس نظرائهم في الخمسينيات والستينيات الذين كانوا -غالبًا- مناضلين أو متحمسين، بصفات الموظفين، باستثناء القلة القليلة من مؤتمني الأسد الشخصيين” (ص 450). وقام الأسد بـ “تعزيز تمثيل عناصر من خلفيات حضرية، أو تجارية صغيرة، في أنساق الحزب العليا، حيث جاء 27.1 فبالمئة من الأشخاص الـ 48 الذين وصلوا إلى عضوية القيادة القطرية بين عامي 1970 و1997، من المدن الرئيسة، و18.7 في المئة من عائلات تعمل في التجارة ….، لكن أعلى نسبة من مقاعد القيادة في فترة 1970 و1997 (48.8 في المئة) كان يشغلها أفراد من أصل فلاحي، ….، وشكل المعلمون الفئة الأكثر وزنًا 37.5 في المئة” (ص 452).
المستوى الرابع من مستويات السلطة
يقفز بطاطو عن تحليل دور مؤسسات الدولة، من وزراء ومحافظين ومجلس شعب ومجالس محلية ومؤسسات عامة، ويحلل دور اتحاد الفلاحين، وهو دور أقل أهمية من تلك التي ذكرناها. وقد أنشأ حزب البعث عام 1964 الروابط الفلاحية، وعام 1974 أنشأ الجمعيات الفلاحية (ص461)، ووصل عدد الجمعيات عام 1992 إلى 5061 جمعية”، ومُنحت عدد من الأدوار والمزايا، مثل توزيع البذار والسماد، وتنظيم الحصول على القروض المصرفية، ومُنح الاتحاد العام للفلاحين في السبعينيات عدد من الاحتكارات، إلى حد تدخله في تجارة بعض المنتجات الزراعية، وتوزيع الجرارات والحصادات التي تستوردها الدولة، ولكن دور اتحاد الفلاحين تراجع منذ الثمانينيات. وبالمقابل لم يتعرض بطاطو لبقية ما يسمى المنظمات الشعبية مثل اتحادات الفلاحين والنساء والشبيبة والطلائع، وجميعها منظمات تشكل جزءً من أدوات السيطرة.
مرض الأسد عام 1983 والصراع على خلافته
يفرد بطاطوا عددًا من الصفحات عن مرض الأسد، وأزمة الخلافة، وطمع رفعت واستعجاله في أن يرث أخيه حافظ. وقد غضب حافظ غضبًا شديدًا بعد شفائه، واحتدم الصراع بينهما، وكاد أن يؤدي إلى صدام في دمشق، في 27 شباط/ فبراير 1984، وتغلب حافظ على رفعت في النهاية، ونفاه من سورية، دون أن يلغي عنه صفة “نائب الرئيس”([7]). ونتيجة ذلك؛ حوّل سرايا الدفاع التي كان يقودها رفعت الأسد إلى الفرقة الرابعة، وزاد من قوة الحرس الجمهوري ودوره، ووضعه تحت سلطة ولده باسل الذي كان يحضّره ليكون وارثه في الحكم. ولكن باسل قُتل في حادث سير مطلع 1994، فسارع الأسد إلى رفع ولده الثالث، المغمور بشار، على الأكتاف، إعلانًا منه أنه حل محل باسل، وعندما عبّر اللواء علي حيدر، وكان قائد الوحدات الخاصة، وأحد الضباط الذين ساندوا حافظ أسد في “حركته التصحيحية” سنة 1970، عبّر عن عدم رضاه عن استدعاء بشار لخلافة أبيه، بعد مقتل باسل مطلع 1994، وأن علي حيدر “قال ما معناه: إن عباءة الأسد لا تلائم بشار، وأن سورية ليست ملكية وراثية”؛ ما أدى إلى توقيفه من حافظ أسد، ثم تسريحه من الجيش، (ص 439).
نظرة أقرب إلى حافظ أسد
يبتعد بطاطو عن موضوع الكتاب؛ ليغوص في شخصية حافظ أسد، ابن الفلاح، من طائفة مهمشة على حافة المجتمع، ثم يستطيع أن يتغلب على جميع شركائه، ويحكم سورية منفردًا([8]).
هو ابن فلاح، ومارس مختلف أعمال الفلاحة، لذا؛ بقي يتعاطف مع الفلاحين، ومع أبناء الريف، و”يحتفظ الأسد بحس أساس حيال مزاج الفلاحين الذين يعدهم جمهوره الطبيعي، وتوافق غريزيًا مع مشاعرهم”، ويقدر بطاطوا أنها المرة الأولى -منذ قرون- يدخل فيها الفلاحون ساحة رؤية حكام سورية، إلا بوصفهم مصدراً للإيرادات. (ص 468)، وقد قال حافظ أسد في المؤتمر الخامس لاتحاد الفلاحين، في نيسان/ أبريل 1981: “لن ترتفع بعد اليوم يد فوق يد الفلاحين، …. أنتم أصحاب القرار في كل ما يتعلق بالأرض والمسألة الزراعية” (ص 467)، ولكن الأسد شدد قبضته على اتحاد الفلاحين، وجرّده من الحرية النسبية التي كان يتمتع بها قبل ذلك.
يقدم بطاطو شهادات الرئيس الأميركي، نيكسون، ومستشاره كيسنجر، والسفير السوفياتي في دمشق، ألكسندر زوتوف حول شخصية حافظ أسد، (ص 471). يمكن تلخيص صفاته بأنه صبور هادئ، داهية، لا ينفعل ويخفي ما يريد، عنيد و واقعي، ومفاوض صعب، يبقي أوراقه مخبأة، وليس هناك صلة بين آرائه الخاصة وكلماته العلنية، وينقل بطاطو ما قاله القائد الفلسطيني الراحل، أبو إياد (صلاح خلف)، عن حافظ أسد، بأنه باطني، أي: إن لسانه لا يكشف ما يدور في ذهنه (ص 363)، وأن البراغماتية هي السدى واللحمة في فكره وسلوكه، ومن الصعب أن يقول إنه موافق بوضوح، أو معارض بوضوح، وتكتيكي جدًا، يناور بين اليمين واليسار، ويقيم علاقات واسعة سرية، عنيف مع قسوة باردة؛ فلا تأخذه أي رحمة بأعدائه، أو بمن يعتقد أنه قد يلحق بسلطته أي أذى، وإن كان ثانويًا، وقد اكتسب خبرته بالتدريج.
يقول بطاطو عن الأسد: “قائدٌ ذو موهبة خاصة في التكتيكات السياسية، وأستاذ في فن تفريق صفوف الخصوم، وضرب بعضهم ببعض؛ لما فيه مصلحته النهائية ….، لا يرتاح في المناطق التي يسعى لبسط نفوذه عليها، لحلفاء ليسوا أدوات لديه، أو بعبارة أخرى؛ فإنه يبدو كمن يعتقد أن من كانوا صنيعته هم وحدهم الحلفاء المخلصون والجديرون بالثقة” (ص 568).
وتفسيرًا لشخصيته، وللبيئة العنيفة التي نشأ فيها، يروي بطاطو –- قصة انتحار بهجت، الأخ الأكبر لحافظ أسد، سنة 1938؛ بسبب قسوة والده، وعقابه الوحشي له؛ لأنه بدد بعض المال الذي أعطاه له لدفع أجور طحن بعض الحبوب في مطحنة جبلة، إذ ضربه برسن من حديد حتى تشقق جلده ونزف دمه وسجنه في زريبة. ويروى أن حافظ أسد قال لأحد أصدقائه، بعد تخرجه من الكلية الحربية، أنه لم يذرف دمعة قط منذ أن رأى أخاه يتدلى من عنقه في الزريبة (ص 267).
يشير بطاطو إلى أن حافظ الأسد قد دبر اغتيال محمد عمران، قائد المجموعة التي اعتمد عليها في انقلابه في تشرين الثاني/ نوفمبر 1970، ثم شكل لجنة للتحقيق بمقتله، ولكن لم يُسمع شيء عن نتائج التحقيق. (ص 476)، كذلك يشير إلى الاشتباه بأن الأسد هو من دبر اغتيال كمال جنبلاط، سنة 1977 في لبنان، واغتيال صلاح البيطار سنة 1980، في باريس؛ لأنه بات نقطة جذب لأنواع مختلفة من المعارضة السورية، وقد بدا أنه في وقت من الأوقات يمكن أن يشكل خطرًا على سلطة الأسد.
تعامله مع معارضيه
على الرغم من أن الأسد قد بقي يحتفظ في ذاكرته بالعداء العميق لحركات الإسلام السياسي، فقد رحب بانقلابه سنة 1970 رجال الدين المسلمين، وسنّة المدن وقطاع الأعمال، ولبى عددًا من مطالبهم، وخاصة الانفتاح على القطاع الخاص، وتحسين العلاقات مع دول الخليج، ومع مصر، وسعى للتقرب من رجال الدين السنة، وأدخلهم في مجلس الشعب عام 1971، مثل المفتي كفتارو، ومفتي حلب، محمد الحكيم، وتبرع للمدارس الدينية والمؤسسات الخيرية، وزاد تعويضات الأئمة والخطباء والقراء عدة مرات، وبنى مساجد بكثرة، وبدأ يصلي في مساجد السنة، على الرغم من مخالفة ذلك للمذهب العلوي (ص 479)، وسعى لتقريب العلويين من المذهب الشيعي؛ ليكونوا أقرب إلى المسلمين السنة، ولكن الصدام بدأ عندما وَضع مسودة أول دستور في عهده، سنة 1972؛ إذ لم تنص مسودة الدستور الذي طُرح للمناقشة العامة على اشتراط أن يكون رئيس الدولة مسلمًا ، فقامت مظاهرات كثيرة معادية لسلطته، وقاد الإخوان المسلمون النشاط السياسي، والمسلح، ضد سلطته، وانتهى بصدام عنيف.
كان النظام ينسب – في البداية- أعمال الإخوان الصغيرة واغتيالاتهم الفردية إلى البعث العراقي، وإلى صدام حسين الذي كان يدعمهم، ولكن؛ بعد حادث مدرسة المدفعية في حلب، في 16 حزيران/ يونيو 1979، حين قُتل نحو 30 طالب ضابط، وجُرح عدد كبير، أعلن أن الإخوان المسلمين مسؤولون عنها، وغيّر تكتيكه تجاههم باتجاه عنيف، وخلال مواجهتهم، ارتكب عددًا غير قليل من المجازر في جسر الشغور، وفي قرية سرمدا في إدلب، وحمص، وحلب، حين خرج ثلثا المدينة من تحت سيطرة النظام، وغيرها، وكان آخرها في حماة في شباط/ فبراير 1982، وقد كان عدد مقاتلي الطليعة الإسلامية، في أحداث حماه الأخيرة، نحو 1384 مقاتلًا.
يعلق بطاطو على المجازر المرتكبة في أثناء احداث الإخوان “من المحتمل أن الأسد فكر في الأمر بالطريقة التي فكر بها نابليون عام 1800 عندما أرسل أحد ضباطه ليخمد انتفاضة فيندي. نصح نابليون الضابط ب “ان يحرق بلدتين أو ثلاث، يختارها من بين تلك التي يعتبر سلوكها الأسوأ، لتكون عبرة لمن يعتبر” ثم يقول: “فإن مجزرة حماة تبقى، بالمعنى الأخلاقي، وصمة في سيرته” (ص 504)([9]).
“تكشف الوقائع التي ذُكرت آنفًا في هذا الفصل عن جانب آخر من شخصية الأسد، وهو قسوته…..، إنه قادر على استخدام القوة العمياء الشديدة في اللعبة، عندما تكون سلطته في خطر، أو عندما يتعرض خط أساس من خطوط سياسته للتحدي” (ص 587).
سياسة حافظ أسد الاقليمية
سعى الأسد في مشروعاته العربية والاقليمية إلى أن تبقى يده الوحيدة المسيطرة على سورية، وعلى الرغم من تأييده، ودخوله في مشروعات وحدوية، إلا أنه حرص على أن تبقى فضفاضة، ولا تقترب من السياسات الداخلية والدولية لسورية، فمثلًا “اتخذ فعلًا خطوات نحو اتفاقات “وحدوية”؛ في عام 1971 مع مصر وليبيا، وبين عامي 1975 و 1976 مع الأردن، وفي عام 1976 مع مصر، وفي عام 1977 مع مصر والسودان، وبين عامي 1978 و 1979 مع العراق، وفي عام 1980 مع ليبيا، لكن تلك الاتفاقات كانت من النوع الفضفاض، ولم تكن تشمل أي تضحية بسلطته أو الحد منها ….، وفي نهاية المطاف باءت محاولات الوحدة كلها بالفشل. (ص 516)؛ فتجربة الوحدة السورية- المصرية 1958 – 1961 حولته إلى معاد لأي وحدة. ويورد حنا بطاطو رواية سامي الجندي حول غاية اللجنة العسكرية، “فإن اللجنة لم تكن تقتصر أهدافها على إعادة بناء حزب البعث، أو التخلص من قادته التقليديين فحسب، وإنما كانت تهدف أيضًا إلى وقف التعاون مع كل من تعاون مع نظام الوحدة” (ص514).
ارتبط الأسد بعلاقات جيدة بشاه ايران، ولكنه أيد ثورة الخميني 1979، ودعمه بقوة، وزوده بالأسلحة، خلال صراعه مع صدام حسين، ولكنه لم يسمح للخميني بالتغلغل داخل سورية، وقاوم التشيع، وسعى الأسد إلى التأثير في الأردن، أما لبنان، فقد وضعه تحت وصايته، منذ تدخله فيه عام 1976، وحافظ على وضع “لا سلم ولا حرب مع إسرائيل”، ورفض السير مع السادات في صلحه مع إسرائيل، وعمل على تشكيل ما سمي بـ “جبهة الصمود والتصدي” عام 1978، ووقع اتفاقية صداقه مع السوفيات عام 1980، وأيد السوفيات في غزوهم أفغانستان عام 1979، واستقدم أوجلان إلى سورية أواسط ثمانينيات القرن العشرين؛ ليستخدمه ضد تركيا، وانضم إلى محادثات السلام مع إسرائيل سنة 1991، ودعم “حزب الله”؛ ليقاتل إسرائيل في جنوبي لبنان، وحرّض فتح الانتفاضة ضد فتح ياسر عرافات، وانضم إلى حرب الخليج الثانية؛ ليحصل على دعم، وليتقرب من الغرب، بعد سقوط المعسكر الاشتراكي، ووقف ضد حصار العراق بعد 1991، وأعاد علاقاته مع صدام حسين.
لبنان
يبين بطاطو أن حافظ أسد قد دخل لبنان بتفويض أميركي، فقد تلقى الأسد “رسالة حكومة الولايات المتحدة، نقلها إليه السفير ريتشارد مورفي في 16 تشرين الأول/ أكتوبر 1975. فوفقًا لمراسل صحيفة لوموند، دعت تلك الرسالة الرئيس السوري إلى الانحياز لمصلحة حل “متوازن” للحرب الأهلية اللبنانية، وقدمت ضمانات بأن يلقى تدخل سورية ضمن الحدود “المعقولة” في لبنان ترحيبًا أميركيًا، وبأن تقوم واشنطن في الوقت الملائم بالضغط على إسرائيل للقبول به” (ص 540). وينقل بطاطو ما كتبه السفير الأميركي في دمشق، تالكوت سيلي، “بدأت العلاقات الأميركية – السورية تتحسن في العام 1976 عندما أدت المصالح المشتركة إلى إخماد الحرب الأهلية اللبنانية إلى تعاون وثيق” (ص 547). ونقل بطاطو عن “أبو أياد” قوله: “لقد وقع أصدقاؤنا السوريون في شرك هنري كيسنجر الذي كان يرغب في وقوع مواجهة سورية- فلسطينية؛ ليصرف أذهان العرب عن دسائسه الرامية إلى تيسير مصالح إسرائيل والولايات المتحدة في المنطقة” (ص 548).
يفسر هذا التفويض الأميركي دخول الأسد إلى لبنان عام 1975، إلى جانب المعسكر المعادي لمعسكر “الحركة الوطنية” اللبنانية المتحالفة مع منظمة التحرير الفلسطينية، أي: لما كان يسمى قوى اليمين، وقدم لهم الدعم العسكري، ودعا بيار الجميل إلى دمشق، ودفع حركة المحرومين الشيعية، بقيادة الإمام موسى الصدر، إلى الابتعاد عن الحركة الوطنية. وساعد قوات الكتائب في حصار تل الزعتر، واقتحامه، وارتكاب مجزرة، ويعلق بطاطو: “لطخة سوداء لا تمحى، مع ذلك التطابق بين مصالح الأسد ومصالح إسرائيل في عام 1976، حيث قام كلاهما بتزويد الموارنة بالسلاح فيما قامت سفنهما بقطع الإمدادات عن الفلسطينيين”. (ص 550).
كان كمال جنبلاط هو الزعيم الوطني اللبناني الأبرز، و “منذ عام 1976، تولدت عند كمال جنبلاط القناعة بأن صاحب فكرة توريط الأسد عسكريًا في لبنان، هو وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر”. واجتمع الأسد بكمال جنبلاط في 27 آذار/ مارس 1976، وكان الاجتماع فاشلًا؛ لأن الأسد فشل في إخضاع جنبلاط، ولأن جنبلاط مصمم أشد التصميم على منع تحوّل بلده إلى “تابع” يدور في فلك الأسد، ودخول مواطنيه في السجن السوري الكبير. وبسبب عدم قدرته على إخضاع كمال جنبلاط الذي لم يكن على وفاق مع الأسد، لا في الوسائل ولا في الغايات، فقد جرى اغتياله.
علاقة الأسد بحركة فتح
كان حافظ أسد يكره عرفات كرهًا شديدًا. وقد سعى -في نحو مبكر- للسيطرة على منظمة فتح؛ ويورد بطاطو -في هذا الشأن- قول “أبو إياد”: “وقد صعقنا خلال الساعات الثلاث التي استغرقها حديثنا معه من مقدار الكراهية التي يكنها لأبي عمار” (ص 329). بعد استيلائه على السلطة عام 1970، ضيق الأسد على حركة فتح، ومنظمة التحرير كثيرًا، وقيد نشاطها السياسي في سورية.
بعد حرب 1973، وتوجه السادات في طريقه المستقل، تصالح الأسد مع عرفات. ومنذ 1977، غير الأسد مواقفه من منظمة التحرير، وجرى تأسيس “جبهة الصمود والتصدي” في 5 كانون الأول/ ديسمبر 1977، بين الأسد وعرفات، وضمت ليبيا والجزائر واليمن الجنوبي، بوصفهم داعمين.
في شباط/ فبراير 1978، انهار التحالف بين سورية والميليشيات المارونية، بعد تعاون الجميل مع إسرائيل، ووصول الليكود إلى السلطة، ومال الأسد نحو إصلاح العلاقة مع عرفات والفصائل الفلسطينية؛ بسبب التغيرات في المنطقة، وخاصة زيارة السادات إلى القدس، والتوتر بين سورية وإسرائيل بعد اجتياح إسرائيل جنوب لبنان عام 1978.
لكن في عام 1982 انهار كل شيء، بعد خذلان الأسد للفلسطينيين صيف 1982، في أثناء الاجتياح الإسرائيلي، ودعم فتح الانتفاضة ضد عرفات، ويقدم بطاطو تقييمًا سلبيًا جدًا لموقف الأسد في اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982؛ حين ردد حافظ قائلًا: “هذه الحرب ليست حربي” (ص 554)
كان الأسد ضد الشعار الذي يرفعه عرفات “القرار الفلسطيني المستقل”، وكان يسعى لوضع منظمة التحرير تحت وصايته، وأن يمنعه من القيام بمبادرات سياسية، ولكن فشلت جميع مساعي الأسد لوضع عرفات تحت وصايته، وفشلت في إبعاد عرفات عن قيادة منظمة التحرير، على الرغم من مساندة القذافي لهذه المحاولات الفاشلة، كذلك فشلت محاولة الأسد لإقامة منظمة تحرير فلسطينية بديلة، باسم “جبهة الانقاذ الوطني الفلسطيني”.
يذكر بطاطو حرب المخيمات، من 1985 إلى 1988، إذ حرّض الأسد حركة أمل للهجوم على المخيمات الفلسطينية، وزودهم بالسلاح والصواريخ والمدافع والدبابات، وعندما حقق المقاتلون الفلسطينيون عام 1986 تفوقًا كبيرًا على أمل، في التلال المشرفة على صيدا، تدخل الطيران الإسرائيلي في المعركة، وقصف الفلسطينيين. (ص 569). و” في مرحلة من مراحل حصار قاس لمخيم برج البراجنة، دام خمسة أشهر بين عامي 1986 و1987، واجه اللاجئون الفلسطينيون نقصًا مهددًا للحياة في الغذاء والدواء، إلى درجة أنهم اضطروا إلى أكل الأعشاب والكلاب والقطط” (ص 569). وبقيت “سورية البلد العربي الوحيد الذي لم يعترف بالدولة الفلسطينية التي أعلنها المجلس الوطني الفلسطيني، في 15 تشرين الأول/ نوفمبر 1988” (ص 567). وفي المقابل أقام الأسد علاقة قوية مع حركة حماس، ودعمها في مواجهة عرفات وسلطته.
العلاقة مع اسرائيل
حافَظَ “الأسد” على وضع “لا سلم ولا حرب مع إسرائيل”، ورفض السير مع السادات في صلحه معها، و”ذكر أحد التقارير أن الأسد قدمها إلى إسرائيل، عبر هنري كيسنجر، في شأن تعهده منع تسلل المقاتلين الفلسطينيين إلى إسرائيل عبر الحدود السورية” (ص 568). كان الأسد يتمسك برفض الحلول المنفردة، ويقول: “سلام شامل مقابل انسحاب كامل، ولكنه في أيار 1993، بعد بدء المفاوضات مع إسرائيل، ألمح إلى قبول السير بسرعات متفاوتة، وإمكانية الوصول إلى اتفاق على أحد مسارات التفاوض قبل غيره. وفي النهاية قرر عرفات السير منفردًا، وأبرم اتفاق أوسلو، في 19 آب/ أغسطس 1993، ولكن الأسد أعلن موقفه المعادي للاتفاق، وقال عنه جملة صائبة، وهي: إن كل جملة فيه تحتاج إلى اتفاق”.
([1]) بل مازال حافظ أسد يحكم سورية من قبره حتى اليوم، فولده بشار ليس أكثر من استمرار له، وإن كان استمرارًا باهتًا.
([2]) جاء انقلاب 8 آذار 1963 بتحريض من انقلاب بعثي مماثل، جرى في بغداد في 8 شباط/ فبراير 1963، وقد قام انقلاب دمشق بقيادة العقيد المستقل، زياد الحريري، وشاركت فيه مجموعة من الضباط المستقلين والبعثين والناصريين والقوميين العرب. وسرعان ما بدأ الصراع بين هذه المجموعات المتنافسة، وفور الانقلاب، صدر قرار مما يسمى “مجلس قيادة الثورة” آنذاك، بعودة 90 ضابطًا الى الجيش، كان قد جرى تسريحهم في فترة الانفصال، وقد لعب هذا القرار الدور الحاسم في تغلّب البعثيين على الناصريين، واستفراد البعثيين بالسلطة، إذ لم يكن البعثيون هم العنصر الأهم في الانقلاب. وقد شكل البعثيون فور عودة ال 90 ضابطًا مسرحًا إلى الجيش كتلة كبيرة متجانسة من الضباط البعثيين، ولا سيما أنهم وُضعوا فورًا في مراكز عسكرية حساسة، فحافظ أسد وُضع قائدًا لمطار الضمير، وهو أكبر مطار عسكري في سورية آنذاك، ومحمد عمران، وكان في وزارة الاقتصاد، أعيد قائداً للواء 70 مدرع، في الكسوة، وكان اللواء الأقوى في الجيش، وصلاح جديد، وكان قد نُقل إلى النقل البحري في وزارة الاقتصاد، أعيد نائبًا لرئيس إدارة شؤون الضباط، وكان هو رئيسها الفعلي، كذلك أعيد عبد الكريم الجندي، وكان في مؤسسة الريجي التابعة للاقتصاد، وغيرهم.
([3]) انقلاب 23 شباط/فبراير 1966 انقلاب داخل قيادات حزب البعث، قاده صلاح جديد مع مجموعة من الضباط صغار السن، ومعظمهم من أصول ريفية بما سمي حينها بتحالف “عدس” أي تحالف علوي درزي اسماعيلي، ضد حلف القيادة التاريخية لحزب البعث، وقد انحاز حافظ أسد الى معسكر جديد بعد تردد بين المعسكرين.
([4]) كان محمد عمران قد سرح من الجيش بعد انقلاب 23 شباط 1966
([5]) ولا سيما أن السنّة يشكلون معظم قطاع الأعمال السوري آنذاك، بينما لعب المسيحيون فيه الدور الثاني، ولم يكن للعلويين فيه سنة 1970 دور يذكر.
([6]) من الجدير ذكره هو أنه بين هذه المجموعة ال 31 فروقات كبيرة في اهمية المواقع التي يحتلها كل منهم، فقد كانت المواقع الرئيس الهامة ذات القوة الضاربة في يد أقربائه من العلويين ومن يثق بهم ثقة مطلقة مثل الأمن العسكري وأمن القوى الجوية وقادة الفرق العسكرية.
([7]) أصدر حافظ الأسد مرسومًا بإلغاء صفة نائب الرئيس عن اخيه رفعت سنة 1998، خشية موته المفاجئ، بعد أن اشتد مرضه؛ ما يفتح الباب لعودة رفعت، قاطعًا الطريق على توريث بشار.
([8]) بل ويورث السلطة لولده، وعندما ينتفض السوريون في 2011 لاقتلاع هذا الحكم المستبد، تستنفر قوى عالمية كثيرة للدفاع عنه، ساعين لإفشال الانتفاضة، على الرغم من كل ما قدمته من تضحيات حتى اللحظة.
([9])لم يكن تعامل الأسد مع معارضيه السياسيين، من بعثيين وشيوعيين وناصريين، أقل قسوة، فقد سجن أعدادًا كبيرة، وبدون محاكمة لسنوات تزيد عن العقدين، من البعث الديمقراطي، ومن الحزب الشيوعي- جناح الترك، ومن رابطة العمل الشيوعي. و إن كان بطاطو قد عدّ حماه 1982 وصمة عار في جبين الأسد، فماذا كان سيقول اليوم في 2017 لو بقي حيً
https://www.harmoon.org/wp-content/uploads/2017/03/Syria-s-Peasantry-1.pdf