في وداع قائدة سوريّة لا نظير لها: بسمة قضماني
مقالات ترثي الفقيدة
—————————
في وداع قائدة سوريّة لا نظير لها/ عبدالناصر العايد
توفيت في باريس، صباح أمس الخميس، السيدة الاستثنائية بسمة قضماني، عن عمر ناهز 65 عاماً، بعد جولات من الصراع مع مرض عضال ألمّ بها في السنوات الأخيرة، مُخلّفة حزناً عميقاً لدى كل من عرفها أو عمل معها، يتجاوز مشاعر الفَقد المعتادة في مثل هذه الحالات، ليكون نوعاً من الافتقاد لسيدة لا يسع كل من عرفها سوى التأثر بفرادتها إلى درجة الافتتان في بعض الأحيان.
عرفتُ بسمة قضماني، مثل معظم السوريين، في العام 2012، حين أطلت علينا كمثقفة وقريبة إلى القلب والعقل معاً، كمتحدثة باسم المجلس الوطني السوري المُعارض، ثم التقيتُ بها شخصياً في إسطنبول العام 2014، بُعيد إنجاز ونشر أول عمل لي ضمن إصدارات “مبادرة الإصلاح العربي” التي تديرها، إذ دعاني الصديق سلام الكواكبي، مدير البحوث آنذاك، للكتابة. وتعمقت علاقتي بها بعد انتقالي إلى باريس، حيث مُنحت صفة باحث زائر في مركز “المبادرة”، وأنجزتُ عدداً من الأبحاث وأوراق السياسات لصالح “المبادرة”، كان آخرها مساهمتي في كتاب “الخروج من الجحيم” الذي تناول إمكانات إصلاح الجيوش العربية، وقد أنجزته مجموعة من الباحثين تحت إشراف قضماني، وساهمتُ فيه بالجزء الخاص بالجيش السوري.
أول ما أستطيع أن أخبره عن بسمة قضماني، من خلال معرفتي بها في سنواتها الأخيرة، هو تصحيح المعلومة الخاطئة عن عملها في المجال العام والشأن السياسي السوري، إذ يحلو للبعض وصفها بأنها جاءت من الخارج، وهي منبتة عن المجتمع السوري المعارض وقد انخرطت فيه في العقد الأخير من حياتها فحسب. والصحيح أن معارضة نظام الأسد، كانت العقد المؤسس لشخصيتها ولمصيرها برمته. فحين كانت بسمة في نحو العاشرة من عمرها، أي في العام 1968، اعتقل نظام “البعث” والدها وهو موظف مرموق في الخارجية، على خلفية انتقاده لحافظ الأسد، وزير الدفاع آنذاك، بسبب مجريات حرب حزيران والانسحاب المذل من الجولان. وحين خرج السيد ناظم قضماني من السجن، غادر وظيفته في الخارجية، وحمل عائلته الصغيرة متوجهاً بها إلى لبنان. وبعد سنتين من ذلك، تحصّل على وظيفة في الأمم المتحدة بلندن ورحل إليها نهائياً عندما استتب الأمر لحافظ الأسد العام 1971، إذ كانت قناعته التي سرّبها إلى بسمة الطفلة، أن تلك البلاد وقعت في مخالب الوحش، وأن جزءاً من واجب السوريين الأخلاقي أينما كانوا هو تخليصها من ذلك المصير.
ووفق أحاديث معها، فقد دفعتها تلك التجربة المبكرة إلى اختيار التخصص في العلوم السياسية بأعلى درجاتها، واختارت لذلك معهد الدراسات السياسية في باريس Sciences Po الذي نالت فيه شهادة الدكتوراه، وأتاح لها ذلك المكان معرفة وطيدة بمن سيشكلون لاحقاً نخبة العمل السياسي والدبلوماسي الفرنسي، والعمل معهم في مراحل عديدة، كما حين تسلمت إدارة قسم الشرق الأوسط في معهد العلاقات الدولية الفرنسي، وهو أحد المطابخ الفعلية للسياسة الخارجية الفرنسية. وعبر شبكة علاقات العمل وزمالة الدراسة، إضافة إلى تأثيرها الشخصي والاحترام الذي يكنه لها زملاؤها وأصدقاؤها الفرنسيون، تمكنت قضماني من وضع القضية السورية في جدول أولويات الساسة الفرنسيين، سواء في قصر الإليزيه أو وزارة الخارجية، وهذا ما جعل الموقف الفرنسي ربما الأكثر تقدماً في هذا الاطار، لا سيما في عهد الرئيس فرانسوا هولاند.
هذا لا يعني أن بسمة قضماني كرست نفسها فقط للشأن السوري، وللعمل في أعلى مؤسسات الدولة الفرنسية. قبل ذلك، حملت همّ القضية الفلسطينية، مثل أي فلسطيني/ة، وعملت لسنوات طويلة كمناضلة فلسطينية بالدرجة الأولى، وربطتها علاقات متينة مع مناضلين ومثقفين فلسطينيين، على رأسهم الشاعر محمود درويش، علاوة على ارتباطها في زواجها الأول بفلسطيني أنجبت منه أبناءها الثلاثة.
اهتمامها تعدى ذلك إلى المحيط العربي ومشكلة الديموقراطية المزمنة فيه، فتبلور في مشروع “مبادرة الإصلاح العربي”، وهو تحالف لعدد من مراكز البحوث والسياسات العربية، خططت له وقادته منذ العام 2005. وأنجزت المؤسسة عدداً هائلاً من الأبحاث والدراسات وأوراق السياسات، ضمن مفهوم التحول إلى الديموقراطية في العالم العربي، وتخلت عن رئاسة مجلس الإدارة العام 2019 في أوج ازدهار المؤسسة، مُفسحة الطريق لآخرين ليكملوا المشوار، في سلوك فريد لا يتشابه مع ما اعتدناه من هيمنة المؤسِّسين على المنظمات غير الربحية حتى نهاية حياتهم أو انهيار المؤسسة وتلاشيها.
لم تكن مغادرة قضماني لموقعها في “المبادرة”، إشعاراً بالتقاعد، كان في الواقع إعلاناً عن انطلاقة جديدة متحررة من قيود العمل البيروقراطي والتزاماته الثقيلة. فهي كانت تخطط للخروج من المكتب إلى فضاء العمل الحي بين الناس، وإنجاز مؤلفات مؤجلة، ومقاربة مستويات ونوعيات من العمل لم يتم التطرق إليها سورياً وعربياً بعد. وكان من بين شواغلها في هذا الإطار، تحرير الطاقة السياسية للمرأة السورية والعربية عموماً، سواء على صعيد تمكين المرأة تعليمياً واجتماعياً واقتصادياً، أو من خلال إنشاء ودعم منظمات من النساء تناضل من أجل حقوقهن ومن أجل تغيير المجتمع ككل في نهاية المطاف. لكن المرض داهمها بلا إنذار، واختطفها من على عتبة تلك المرحلة التي كانت لتتوّج تجربتها وخبراتها وأحلامها. ولعل جيل الفتيات والنساء السوريات المنخرطات في الشأن العام، وشبكاتهن الآخذة في الاتساع والفاعلية، ستكون الأكثر افتقاداً لحضورها المُلهِم وعونها الحاسم.
إن اهتمام بسمة قضماني بالنساء، ليس وليد رفاهية أو استجابة لتيار كوني، بل حاجة اختبرتها ولمستها بنفسها من خلال الأذى الذي تعرضت له منذ الأيام الأولى لظهورها في المسرح السياسي، والذي يمكن تسميته بكراهية المرأة لدى فئات من مجتمعنا، بما فيه عدد لا بأس به من المثقفين المزعومين، وآثار ذلك ما زالت ماثلة حتى بعد وفاتها. لكن بسمة قضماني لم تسمح لنفسها، ولا لمن اتخذن منها معلّمة ومرشدة، بتحويل تلك الكراهية إلى دعوة لعدائية مضادة أو تطرّف نسوي. فقد كانت بسمة على الدوام ملمّة بكامل المشهد ومن منظور تاريخي بعيد النظر، فمشكلة المرأة في مجتمعاتنا هي مثل قضايا التحرر السياسي والتقدم الإنساني، مشكلة المرأة والرجل معاً، ولا يمكن حلها سوى بالعمل الدؤوب المستمر، وهذه هي النصيحة التي كانت لا تملّ من إسدائها لكل من يحيطون بها: “لا تتذمروا.. اعملوا!”. وهي القاعدة التي عملت بها حتى في خضم صراعها مع المرض. ففي الجولات التي كان يغلبها فيها، كانت تتوارى وتخوض معركتها بصمت بعيداً من الأنظار، وما إن تتحسن صحتها حتى تبرز إلى ميدان العمل معلنة أن كل شيء على ما يرام، وتبدأ بتفحص ما تم إنجازه وتواصل مسيرتها، مُتجاهلة “الخبيث” البيولوجي الذي يتربص بها، ومُشرّعة كل أسلحتها التي ترتكز على إرادة واعية، للخلاص من الخبيث الاجتماعي والسياسي الذي يتربص بأمّتها وشعبها.
برحيل بسمة قضماني، يبرز القلق. فهذه المرأة لا نظير لها، والموقع القيادي الرائد الذي صنعته لنفسها لن يملأه أحد في المستقبل المنظور. لكن مسارها وظروف صعودها في المشهد العام، والذي تشاركته مع مئات النساء والفتيات، يجب أن يهزم هذه المخاوف، وأن يستأنف الجميع مسارها وحلمها من نقطة رحيلها بالذات. إذ يجب تكريس بسمة رمزاً للمرأة السورية القائدة، وتطويبها بشعارها الأثير: “هيا إلى العمل!”.
المدن
——————————
بسمة قضماني التي غابت/ فايز سارة
في ملخص السيرة، تتشابه المحتويات مع محتويات سيرة غيرها من سوريين عاشوا في الشتات بعد أن نبذهم بلدهم أبان غرقه في بحر الاستبداد والديكتاتورية، سواء في حكم الحزب الواحد أو في ظل حكم الأسدين، وفي الملخص هجرة نتيجة ظلم، ثم معاناة ودأب ليشق الشخص طريقه، ويرسم ملامح تميزه، ويبني مستقبله، ليس فقط كما يشتهي ويرغب، بل أيضاً بما يقيم صلة مع بعيد كان وطنه وفيه بعض من أهل وذكريات، وأماني ظاهرة وربما خفية تنتظر فرصة سانحة للظهور والتفاعل مع محيطها.
وإذا كان ملخص سيرة بسمة قضماني التي غادرتنا مؤخراً تشبه سيراً أخرى، فإنها في التفاصيل تبدو مميزة ومتفردة في أغلب محتوياتها وتفاعلاتها. فهذه السيدة التي غادرتنا في نحو منتصف عقدها السابع، خرج أبوها ناظم قضماني، الدبلوماسي السابق، مطروداً من عمله وبلده بعد اعتقال وإهانة، لأنه تجرأ في قول رأي بضرورة استقالة من كانوا في واجهة المسؤولية في خلال الأيام السوداء لهزيمة حزيران 1967، حاملاً عائلته وبين أفرادها بسمة التي كانت في قرابة السنوات العشر من العمر، فاستقر ثلاث سنوات في لبنان، انتقل بعدها إلى بريطانيا، التي غادرها بعد سنوات، ليستقر في فرنسا مع عائلته ما تبقى من عمر.
بين بيروت ولندن وباريس، ووسط عائلة تعاني الغربة، وأب تمرد على حكم لا يقيم وزناً لمواطنيه، عاشت، وتكونت ملامح بسمة في قواعدها الاجتماعية وفي بنيتها الثقافية والمعرفية، التي تُوّجت بحصولها على شهادة دكتوراه العلوم السياسية من معهد الدراسات السياسية في باريس، ومنها بدأت في بداية الثمانينات جهدها من مكانة أكاديمية وحقوقية، وهو ما سيترك بصمته على عقود حياتها التالية، خصوصاً في الاثني عشر عاماً الأخيرة التي عاشتها، وانخرطت خلالها في ثورة السوريين، واشتغلت على كثير من تفاصيل سورية، تتصل بالقضايا والموضوعات وبالناس من تجمعات وأفراد.
غير أن مسار سنوات ما بعد الثورة، بما فيها من زخم وعمق، لم يأت فجأة، إنما كان ثمرة تطور وتراكم معارف وخبرات، حفرت في الواقع العربي وفي علاقات كياناته الداخلية والبينية، إضافة إلى ما يحيط بالواقع من علاقات وبيئات فيها قضايا وموضوعات، قاربتها جميعاً عبر مهمات وأعمال، انخرطت فيها بسمة قضماني مع بداية الثمانينات، حيث دخلت المسار العملي من أستاذة في الجامعة إلى تأسيس قسم دراسات الشرق الأوسط في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية في باريس، وتولي إدارته ما بين عامي 1981 و1998، ثم عملها في المكتب الإقليمي لمؤسسة «فورد» في القاهرة رئيسة لبرنامج الحَوكمة والتعاون الدولي بين عامي 1999 و2005، فاشتغلت في دعم وتمكين مراكز الأبحاث العربية ومنظمات المجتمع المدني، وهذا بعض من فيض جعل محصلة جهودها وتجربتها في مستوى صار يتطلب نقلة نوعية في اهتماماتها وجهودها من أجل عالم أفضل، يتركز الجهد فيه من أجل نقلات نوعية في الواقع المحيط ومنه الواقع العربي، فأطلقت مع رفاق آخرين مبادرة الإصلاح العربي في فرنسا عام 2005، وتولت مسؤولية المديرة التنفيذية للمبادرة عند تأسيسها، واستمرت في توليها حتى عام 2019، تجاوبت خلالها مع مساعٍ وجهود لإحداث نقلات إصلاحية في الواقع العربي، غير أن النتائج كانت محدودة بسبب ممانعة النظام العربي، وعجزه عن تفاعل إيجابي، وربما كانت الحالة السورية الأكثر وضوحاً في فشل مساعي الإصلاح خلال فترة ربيع دمشق وما تلاها من تضييق على الحراكين الثقافي والسياسي.
ورغم الطيف الواسع في اهتمامات بسمة قضماني، فإنها ركزت جهودها في الشق السوري من فصول «الربيع العربي»، وكانت بين المغتربين الأوائل الذين أيدوا وانخرطوا في ثورة السوريين 2011، فكرست انحياز مثقفي المغتربات إلى طموحات شعبهم، وكانت أحد تعبيرات تغيير مواقف الجاليات السورية من نظام الاستبداد، والاصطفاف ضد سياساته.
وكانت مشاركتها في مساعي خلق تعبير سياسي موحد للمعارضة السورية، الذي أنتج المجلس الوطني السوري في أواخر عام 2011 بين أبرز نشاطاتها، فتم اختيارها في مكتبه التنفيذي، وتولت مهمة العلاقات الخارجية والناطق باسم المجلس، وهذا بعض ما جعلها في دائرة الاستهداف، وسط أزمات ومشكلات كثيرة واجهت المجلس الوطني، وأخذ بعضها يتراكم في مواجهة بسمة بما تمثله من تميز وقدرات ونشاطات.
المجلس الوطني السوري باسمه وفي تعبيره المفترض عن ثورة السوريين ودوره في قيادتها، كان مؤسسة شعبوية فيها أقل قدر من السياسة والمعرفة السياسية، وكان مؤسسة ذكورية في الموقف من وجود ونشاط النساء رغم محدودية عددهن، والأهم مما سبق، أنه كان ساحة حضور وفعل واسع للإسلام السياسي الذي يصل توجه بعضه حد التطابق مع تعبيرات التطرف من الجماعات والأشخاص، وكله جعل من الصعب استمرار وجود بسمة في المجلس، خصوصاً أنه لم يكن في المجلس ما يمكن أن يشكل لها سنداً داعماً من الناحية الآيديولوجية أو السياسية، أو أي أشكال دعم أخرى، وهي التي أعلنت ملامح توجهاتها العامة في ثلاث نقاط: المدنية والاستقلالية والنسوية.
وتشارك كثيرون من قيادات وأعضاء في المجلس حملات هدفت إلى تشويه صورة بسمة ومواقفها بغية تحطيمها أو إخراجها من المجلس على الأقل تحت اتهامات مختلفة رخيصة وغير واقعية ولا موضوعية، وتوجت الحملات بمحاربة فكرة ترشحها لرئاسة المجلس الوطني عقب انتهاء الرئاسة الأولى للدكتور برهان غليون، مما دفعها للاستقالة من المجلس في أغسطس (آب) 2012 فخسر الأخير بخروجها منه أحد أفضل وأهم كادراته.
وإذ علمتنا التجربة السورية أن خسارة معركة تدفع البعض إلى الانكفاء والعيش في الظل، فإن «خسارة» بسمة معركتها من أجل سوريا في المجلس الوطني، لم تجعلها إلى انكفاء، بل جددت جهودها ومساعيها في كل مكان كانت فيه، كما في كل مكان استطاعت الوصول إليه، وقد يكون من المهم الإشارة إلى أنشطة عملت عليها بعد أن غادرت المجلس الوطني، أولها نشاط في إطار مبادرة الإصلاح العربي التي كانت تتولى إدارتها، والثاني مشاركتها نشاطاً في الحركة النسائية السورية، والثالث مساهمتها في أعمال الهيئة العليا للمفاوضات، والثلاثة كما هو مفهوم لا يقتصر النشاط فيها على النتائج المباشرة، التي يمكن القول إنها كانت متواضعة مقارنة بما هو مطلوب، بل يتعداها إلى مضامينها العميقة في التخطيط وبناء القدرات والتشبيك، والعمل على الأهداف وتقييم النتائج، وكلها بين ضرورات السوريين الراهنة والمستقبلية.
بسمة قضماني في جهدها العام، وفي عملها مع السوريين من أجل الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة، كانت نموذجاً عزَّ مثيله في أوساط نخبة من نساء ورجال ممن تصدوا للمسؤولية في العقدين الماضيين من الصعب أن تمحو أثرها حملات التضليل والتشويه، التي لاحقتها والناجمة عن رفض الاختلاف والغيرة والتنافس غير الشريف وحروب النخبة المأزومة. سلام ورحمة لروح بسمة قضماني.
الشرق الأوسط
——————————
الدبلوماسي حسان البلعاوي لـ”بكرا”: وفاة السورية بسمة قضماني يشكل خسارة لفلسطين
موقع بكرا
توفيت الأستاذة السورية بمعهد العلاقات الدولية الفرنسية، بسمة قضماني 65 عاما، بعد صراع مع المرض، في العاصمة الفرنسية امس.
ونعى الدبلوماسي الفلسطيني في بلجيكا حسان البلعاوي الاستاذة قضماني مشيدا بجهودها في خدمة القضية الفلسطينية.
وقال ” فاجأتني الصديقة الإعلامية السورية في بروكسيل هناء قضماني بخبر حزين يتعلق بوفاة قريبتها في باريس الدكتورة بسمة قضماني والتي يشكل رحيلها خسارة كبيرة ليس فقط لأسرتها ووطنها الغالي سوريا ولكن لفلسطين أيضا. “
واضاف “عرفت الدكتورة بسمة عن بعد ، عندما كنت طالبا في فرنسا من خلال شاشة التلفزة الفرنسية في نهاية الثمانينات وأكثر في مطلع شهر اغسطس من عام 1990 والذي شهد الاجتياح العراقي لدولة الكويت وما تلاه من حرب امريكية دولية على العراق، ما زال العراق والمنطقة تحصد نتائجها حتى يومنا هذا ،
وتابع البلعاوي ” في تلك الفترة التي شهدت اصطفافا اعلاميا غربيا وبعض منه عربيا ، ضد العراق يساند الالة العسكرية الامريكية في الخليج ، جاء صوت الباحثة الاكاديمية بسمة قضماني درويش مع صوت سفير الجامعة العربية الراحل حمادي الصيد وصوت الباحث الأكاديمي اللبناني غسان سلامة في فضح السياسة الأمريكية الغربية القائمة على معيارين واحد ضد العراق واخر يتجاهل الاحتلال الإسرائيلي وكان الثلاثي صوت الشعوب العربية المناهضة للتدخل العسكري الامريكي والمطالبة بالعدالة لفلسطين “
واردف قائلا ” ثم عرفتها لاحقا عن قرب خلال عملي في باريس حيث قامت بالعديد من المبادرات في الوسط الدبلوماسي الفرنسي والأوروبي وفي وسط حلقات البحث الأكاديمي دعما للقضية الفلسطينية وقد نتج عن هذا النشاط اكثر من مبادرة معروفة لمسؤوليين ودبلوماسيين فرنسيين وأوروبيين طالبت فرنسا واوروبا الاعتراف بالدولة الفلسطينية وقد زارت فلسطين العديد من المرات ونسجت علاقات تعاون مع العديد من المسؤولين والمؤسسات الفلسطينية ، وكانت دائما عون لنا في العمل الفلسطيني فيما نحتاجه .”
واشار البلعاوي الى ان الدكتورة بسمة القضماني مع شقيقتها الاعلامية المعروفة هالة كانتا جزء من جيل من الطلاب والمثقفين السوريين والعرب والفرنسيين ناضلوا من اجل فلسطين في سنوات السبعين في فرنسا ، بجانب الشهيد عزالدين القلق ، ممثل منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك في باريس ، والذي اغتالته ايدي الغدرفي عام 1978 ، في وقت التصقت فيه صورة النضال الفلسطيني بصور سلبية أبرزها الارهاب .
رحمة الله عليك دكتورة بسمة رمزًا لجيل سوري عربي كانت فلسطين والدفاع عن العدالة والكرامة في منطقتنا العربية قضيته وبوصلته في نشاطه السياسي والفكري .
من هي بسمة قضماني؟
ولدت الباحثة والأكاديمية والسياسية بسمة ناظم قضماني في دمشق في العام 1958، وهي ابنة دبلوماسي ومعتقل سابق. غادرت سوريا مع عائلتها في العام 1968 إلى لبنان، ثم إلى إنكلترا في العام 1971، حيث استقرت هناك.
درست في معهد الدراسات السياسية في باريس، حيث حصلت على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية، وعملت في المعهد الدولي للعلاقات الدولية “إفري” في باريس، حيث أنشأت وأصدرت، منذ العام 1981 حتى 1998، برنامج الشرق الأوسط في المعهد.
في العام 2007 عملت مستشارة في مجال التعاون الدولي في مجلس البحوث الوطني الفرنسي، وأستاذة مشاركة في جامعتي السوربون 1، وباريس مارن لافالي، وباحثة مركز الدراسات الدولية، وحتى العام 2011 كانت كبيرة مستشاري التعاون الدولي في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي.
ألفت الدكتورة بسمة قضماني العديد من الكتب والأوراق البحثية والأكاديمية والمقالات باللغتين الفرنسية والإنجليزي حول قضايا التحول الديمقراطي في العالم العربي، وحول الشتات الفلسطيني بينها كتاب بالفرنسية بعنوان” الشعب الفلسطيني في المنفى ” الذي خولها الحصول على جائزة جمعية فرنسا – فلسطين عام 1998.
—————————-
بسمة قضماني.. روح تهزّ جبلاً، وعقل يعقله!/ موفق نيربية
بعد آلامٍ استمرت أربعة عشر شهراً، رحلت بسمة قضماني، وتركتنا وراءها لا ندري هل نحسدها أم نألم لرحيلها وحسب. لا ندري هل نرى في مسيرتها دروساً ونهجاً وحافزاً للقيام بالمزيد على الطريق ذاته، أم نستخلص حكمة اليأس واللا جدوى!
استدعت ذاكرتي مقالة قديمة لبسمة مع خبر وفاتها الحزين، سوف أعرض لها هنا في سياقها.
كان آخر ما قامت به- قمنا به – هو مشروع لنزع عقدة المسألة الكردية من المعضلة السورية. وانطلقنا مع رفاق آخرين لملاقاة مجلس سوريا الديموقراطية في منتصف الطريق، واعتماد نهج لبناء ما لم تستطع المعارضة الديموقراطية السورية (العلمانية بطريقة أخرى) أن تقوم به، وهو بناء وحدتها بشكل فعّال يمثّل عملياً الشريحة الأكثر اتّساعاً من السوريين، الذين نحسب أنهم بمعظمهم معتدلون ووسطيون وديموقراطيون ومدنيون. لقد جعل فشلنا في تلك المهمة من اليمين والرجعية والظلامية طليعة لثورة لا علاقة لهم بها، إلّا في كونهم مضطهدين بعنف مقصود من قبل النظام، الأمر الذي لا يوجد بيننا من لا يقدّره ويأخذه في الحسبان.
من أجل تنفيذ تلك المهمة: ينبغي البدء بالتحضير للقاء أو مؤتمر القوى والشخصيات الديموقراطية في سوريا، ابتدأنا بما أصبح اسمه” مسار ستوكهولم”، وكانت بسمة ركناً أساسياً فيه. لقد اعتبرت واعتبرنا أن هنالك عُقَداً في طريق حلّ معضلتنا ينبغي تجاوزها مسبقاً، لأنها دائما تتحرّك بعد أن نتحرّك وتحبط مساعينا. ومن أهم تلك العقد المسألة الكردية/السورية.
لطمأنة الكرد السوريين- وغيرهم- إلى مستقبلهم كان لا بدّ من اعتماد اللامركزية مسبقاً، ومن أجل إقناع السوريين الآخرين أن الكرد لا يرمون إلى تقسيم سوريا كان ينبغي اعتماد هوية وطنية سورية، لا عربية ولا كردية، لا سنّية ولا شيعية أو علوية: ولا يتحقق ذلك إلّا بالعودة إلى اسم البلاد يوم تأسست ثمّ استقلت: الجمهورية السورية.
كذلك لا بدّ من تحسين مستوى تمثيل السوريين بعد أن تراجع وهوى حتى قارب الحضيض بسبب غياب القرار المستقل وهيمنة تحالف من تشكيلات الإسلام السياسي مع تشكيلات أخرى لا ينطبق عليها إلّا وصف الانتهازية والبراغماتية المجرّدة. كان الرأي بأن التقدّم على أرض صلبة نحو خلق وتأسيس كيان للديموقراطيين السوريين سوف يساعد بقوة على تحقيق ذلك وتغيير الصورة المهينة التي وصلنا إليها.
وشيء آخر جذري اهتمت به بسمة منذ بداية الثورة المغدورة في آذار ٢٠١١، التي آذنتها بفجر قريب لمأساة بلدها التي عانت منها منذ اغترابها عن بلدها بشكل قسري مع عائلتها وهي في العقد الأول من عمرها. ذلك كان إشكالية التغيير وعقبته المتمثّلة بالطائفية كعقدة خلقها النظام واستجابت لها قوى الثورة المضادة، حين أسهم الطرفان نظرياً وعملياً بتأجيجها بين السوريين.
وفي إحدى منعطفات الثورة، في أواخر تموز ٢٠١١، نشرت بسمة مقالة في منتهى الأهمية في صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، تحت عنوان “حتى نطيح بالأسد، لا بدّ من أقلّية!”. افتتحته بالقول:” بعد أربعة أشهر من المظاهرات الشعبية والقمع العنيف، بما في ذلك القمع الدموي على مدينة حماة وسط البلاد يوم الأحد، لا يزال الرئيس السوري بشار الأسد يرفض التنحي، ويصر على أنه يستطيع إصلاح نظامه.
ما يحافظ على الأسد في السلطة هو الجهاز الأمني الواسع الذي صممه والده حافظ الأسد، ويهيمن عليه العلويون- الأقلية شيعية.
العلويون، الذين يشكلون 12 في المائة فقط من سكان سوريا، قد ألقوا بمعظم دعمهم غالباً وراء الأسد، يدفعهم خوفهم من أنه إذا تمت الإطاحة به فسيتم ذبحهم. إذا كانت المعارضة الديمقراطية في سوريا ستنجح، فعليها أولاً إقناع العلويين بأنهم يستطيعون الانقلاب بأمان على نظام الأسد.”
لم ينتشر المقال بالعربية، ولكن أهل الثورة المضادة يعرفون الإنكليزية جيداً. لقد رأى هؤلاء حتماً في ذلك الرأي شيئاً يعيق منهجهم في التنظير والتحريض الطائفيين، ضمناً ما لم يكن علناً، وفي الدوائر القريبة الضيقة لا تلك الواسعة المنشورة تحت الشمس.
كانت بسمة ترى بوضوح ما هي معيقات التغيير الجذري باتّجاه مستقبل حر وديموقراطي لسوريا، ليس في المشكلة الكردية والمكوّنات الإثنية وحدها، بل أيضاً في المشكلة الدينية أو الطائفية:” يقع العبء على الأغلبية السنية لطمأنة العلويين والأقليات الأخرى مثل المسيحيين والدروز والشيعة – الذين يعتقدون أنهم بحاجة إلى حماية النظام – بأنهم لن يتعرضوا لأعمال انتقامية. يمكن لهؤلاء القادة الدينيين والسياسيين السنة إنقاذ سوريا من شياطينها الطائفية.”
كان أحد الزعماء السوريين يقول لي” مازحاً”: لا يمكن العبور إلى المستقبل إلّا بعد أن تشفى القلوب؛ وربّما لا مفرّ من الضحايا بين الأقلية الحاكمة هنا وهناك، خصوصاً حيث لا يقطنون في مسقط رأسهم… ويبدأ في التفاوض علي عدد تلك الضحايا المفترضة.
كان لافتاً أيضاً أن تخلص بسمة بعد ذلك إلى القول:” السوريون فقط هم من يمكنهم الشروع في هذه العملية الدقيقة. الحكومات الأجنبية، سواء العربية أو الغربية، لديها أدوار محدودة لتلعبها. تتشكل بعض جوانب البنية النفسية السورية من خلال ذكريات التدخل الأجنبي، وهو أمر لم يخترعه نظام الأسد، بل استغله.
في سوريا، أي شخص يدعو إلى التدخل الخارجي من المرجح أن يتم وصفه بالخائن. وبالتالي فإن أي تهديد غربي بعمل عسكري سوف يضر بالمعارضة أكثر من النظام. يمكن للقوى الخارجية أن تلعب دوراً مفيداً بإعلانها أنها لن تستخدم القوة العسكرية. مثل هذا التصريح من شأنه أن يضعف حجة السيد الأسد بأن الانتفاضة هي نتيجة تدخل خارجي ويزيل مصدر قلق رئيسي بين الأغلبية المترددة في سوريا.”
لتنهي بعد ذلك مقالتها بأن السوريين من جميع الأطياف قد بدأوا “يدركون أن الجميع ضحية لهذا النظام وأن المؤامرة الحقيقية هي مؤامرة عائلة الأسد نفسها. يجب على القادة السنّة (أنفسهم) التحرك الآن لمنع الثورة من الانزلاق إلى حرب أهلية من خلال طمأنة الأقليات بأنها لن تواجه أعمال انتقامية في سوريا الجديدة. وهذا من شأنه أن يجلب العلويين إلى صفوف المعارضة ويضع ختماً على عملية إنهاء النظام.”
كان الطائفيون يقولون إن مثل ذلك الحديث هو كلام طائفي غير مقبول، ولم يعرفه السوريون طوال تاريخهم القديم والحديث. بعضهم كان رسمياً من تشكيلات الإسلام السياسي، التي تحوّلت بالثورة بالأسلمة إلى العنف والسلاح، وقادتها إلى حيث تخضع لضدّها، للثورة المضادة.
كانت بسمة قضماني ثروة وطنية سورية، قضت وهي مستمرّة بالعمل في الفكر والسياسة من دون كلل، رغم كلّ الكآبة والإحباط من حولها… وحولنا!
—————————
في إعادة تعريف النخب سوريًا.. بين المثقف العضوي ومن يتحدث عنه/ زيدون الزعبي
لا يكاد يخلو حديث عن مستقبل سوريا من عبارة “يجب على النخب السورية أن…”، ثم املأ الفراغ بما شئت من العبارات عن الدور الذي يجب أن تضطلع به هذه النخب.
عادت هذه الديباجة لتلحّ عليّ في الفترة الأخيرة بعد أن خسرنا شخصيتين قياديتين، كنت أراهما حقًا من النخب على الرغم من الاختلاف الشديد بينهما: رئيفة سميع وبسمة قضماني.
لننظر كيف شقت كل شخصية منهما طريقها إلى القيادة، وأين كان موقع الناس في هدفهما.
كان على رئيفة سميع أن تواجه تحديات هائلة منذ لحظة خروجها من منزلها متظاهرة ضد السلطة، فالمجتمع، بعاداته وتقاليده، لم يكن يراها إلا امرأة لا يجوز لها أن تخرج من منزلها، ثم كان عليها أن تواجه عنف السلطة وأجهزتها، ثم كان عليها أن تواجه مجتمع “النخب” الذي يتحدث الإنجليزية، ويستخدم المصطلحات منتشيًا بشهاداته العليا، ثم كان عليها أن تواجه نظرات الشك في عيون ممثلي الدول وهم ينظرون إليها بريبة، فهي القادمة من إدلب “حيث تسيطر الجبهة والتطرف”.
واجهت رئيفة كل هذا بثبات نادر وقدرة عظيمة على مواجهة عواصف من التهجم والانتقاد والاتهام، والأهم، التقليل من الشأن. أدركت قواعد اللعبة، والحاجة إلى الشهادة والعلم، درست الثانوية العامة، ومن ثم حصلت على الإجازة في العلوم السياسية، وراحت تسعى إلى الحديث دون ترجمة، غير أنها لم تفعل كل هذا كي يتقبلها الآخرون، وإنما كي توصل صوت الناس الذين كانوا بوصلتها دومًا. كانت تسعى ليل نهار كي تتدرب النساء في الداخل على قضايا الحوكمة، والانتخابات، والتنظيم السياسي، وأمور أخرى كثيرة، كي تضمن خروج جيل من نساء فاعلات غير مضطرات للمرور بما مرت هي به. كانت تسير بشراسة لتشق الطريق لنساء إدلب.
كثيرًا ما تسيّد الصمت والإنصات الموقف بانتظار ما تقوله رئيفة، فهي متابعة لكل حدث على الأرض، ومتابعة نهمة للصحف لا رغبة بـ”التشوّف والتنظير”، بل للفهم ونقل المعرفة للناس، هي التي تعلمت القراءة الموضوعية للحدث بعيدًا عن الرغبوية، ومضت تنقل هذه المهارات إلى عشرات السيدات السوريات في إدلب وريف حلب، بل وحتى لبنان.
أما بسمة قضماني، فكان عليها أن تواجه مجتمع السياسة الذكوري، بدءًا بمجلس كان جل رجاله يخشون اطلاعها وسعة معرفتها وقدرتها على الحديث مع الشباب واستقطابهم. كان عليها أن تواجه حملات التنمر بسبب موافقها السياسية السابقة، أو لارتدائها حجابًا أخفى شعرها وأظهر احترامها للمجتمع الذي تزوره وعاداته وتقاليده.
بل حتى بعد موتها، لم يتأخر تهجم الخصوم ضدها، إسلامييهم وعلمانييهم.
كان على بسمة أن تواجه رجالًا كان كثير منهم يعلمون أنها قادرة على فضح ضحالة معارفهم وقدراتهم السياسية. أذكر أنني سألت يومًا المعلم عبد العزيز الخير عن مفاوضاته في القاهرة مع “المجلس الوطني السوري”، فقال لي: “المشكلة أن المفاوض الحقيقي في المجلس هو بسمة، وهي الوحيدة التي نستطيع بناء توافقات معها، لكن لا يوجد سوى بسمة واحدة في هذا المجلس”.
“يجب على النخب أن…”، لا بأس، ولن أدخل فيما يجب على النخب أن تفعله، غير أنني لا أرى تعريفًا واضحًا لمعنى النخب، أو بالأحرى، أشعر بالضيق من تعريف النخب الذي يضمره المتحدث.
النخب بالتعريف المضمر، هي شخصيات تعيش غالبًا في الخارج، لا داخل سوريا، تتحدث اللغة الإنجليزية، تتوصل بشكل مستمر مع القوى الدولية، وتحضر المؤتمرات الدولية، وتشارك في ورشات عمل، ليبرالية في غالب مظهرها، والنسبة الكبرى بينها من الرجال لا النساء.
لا ترى هذه النخب التواصل مع الناس إلا من باب الواجب التكتيكي، وبما يخدم توطيد علاقتها مع الآخر الأجنبي، وبما يفيد محتوى الاجتماع معهم.
سل هذه النخب عن تعريف النخب، ليحدثوك عن المثقف العضوي، وعن تعريف غرامشي له، وسيقولون لك إن غرامشي قال هذا ولم يقل ذاك، ثم ينصرفون إلى المقاهي أو شاشات “فيسبوك”، سعداء بكونهم “نخبًا”.
أما أنا، فقد بات لدي جواب عن هذا السؤال، وإن سألتني قلت لك: اقرأ حياة رئيفة، وبسمة، و.. و.. و..
واملأ الفراغ.
–
عنب بلدي
——————————-
عن بسمة قضماني/ خطيب بدلة
ليس من حقّ أي كاتب سوري، إذا كان منتمياً إلى الثورة السورية، أن يقول رأياً موضوعياً في سوري آخر له آراء ومواقف لا تتطابق مع الخط الثوري الذي أصبح سائداً، ومستقرّاً، ومحاطاً بنوع من القداسة. ويمكن أن يذهب الأمر، عند بعضهم، إلى أبعد من ذلك، فيقولون إن شعر أدونيس كله تافه، وكذلك مؤلفاته الفكرية، لأنه انتقد خروج الثورة من المساجد، واتُّهِمَ بأنه قال لبشار الأسد “أنت رئيس منتخب”، مع أنه لم يقل شيئاً بهذه الصيغة القائمة على التزلّف. وقالوا ما معناه إن شعر نزيه أبو عفش غير ذي قيمة فكرية، أو جمالية، لأنه رحّب، أواخر 2015، بالتدخل العسكري الروسي. والكلام نفسه قيل عن أدب وليد معماري، ووليد إخلاصي، فكل منهما كان قد أشاد ببشار الأسد… وأما فن يوسف عبدلكي، فهو، عندهم، سخيف، لأنه أقام معرضاً في دمشق، تضمّن لوحات عري، خلال حرب الأسد الإجرامية على الشعب السوري… وفي الوقت نفسه، لا يستطيع المرء أن ينتقد شخصيةً حصلت على حصانة ثورية استثنائية؛ مثل عبد الباسط الساروت.
مشكلة بسمة قضماني رقم واحد أنها امرأة اقتربت من محيطٍ يغلب عليه جانب التسلط الذكوري… وإن لم تكن تلك الذكورية ذات نبرة عالية في البدايات، ولكنها تطوّرت، بعد سنة 2014، فأصبحت لدينا، في الشمال “المحرّر” شرطة نسائية تفرض لباساً متزمّتاً على النساء المحليات، وأي امرأة قادمة من أواسط سورية إلى تركيا، في طريقها إلى أوروبا، كانت تضطرّ لارتداء الحجاب عندما تعبر مناطق الشمال، حتى ولو كانت مسيحية… وما جرى مع بسمة قضماني في المجلس الوطني السوري أنها رفعت من سويّة التحدّي للسلطة الذكورية المشار إليها، بأن رشّحت نفسها لرئاسة المجلس الذي كان يرأسه برهان غليون. وبحسب ما كتب وائل ميرزا في رثائها، وقف معظم أعضاء المجلس ضدها. كتب: قبل نهاية الولاية الرئاسية الأولى للصديق برهان غليون، بدأتُ، بصفتي الأمين العام، حملةً داخل المجلس لانتخاب بسمة قضماني رئيساً في الفترة التالية. لكنني، ومن معي من الزملاء، واجهنا صراعاً شرساً من الإخوان، بشكل واضح صريح، ومعهم آخرون لا علاقة لهم بإخوان ولا بإسلام.
الذين امتدحوا قضماني، في رحيلها، كثيرون، على أنّ المديح لا يستدعي ردّاً، أو مناقشة. ولكن ثلاث تهم رئيسية وجّهت إليها: أولُها، وهذه أثيرت سابقاً؛ أنها شاركت في برنامج تلفزيوني يناقش قضية التعايش بين العرب والإسرائيليين، وتَزَيَّدَ بعضهم فقال إن أعضاء المجلس الوطني، وهي منهم، راحوا يمرّرون رسائل غزل إلى إسرائيل، إذ شعروا بأن نظام الأسد موشكٌ على السقوط، وأن لإسرائيل كلمة في توزيع المناصب!
ولعل من حسن حظ مَن يتوخّى الإنصافَ، أن البرنامج الذي شاركت فيه السيدة موجود على “يوتيوب”، وقد ترجمه ثائر الثائر، وكان بمناسبة معرض الكتاب في باريس 2008، بمشاركة مثقفين كتّاب عرب وإسرائيليين، وهي لم تغازل الإسرائيليين، بل قالت رأيها. ونحن معتادون على مهاجمة مَن يقول رأياً لا يتّفق مع عامّتنا بشأن إسرائيل، ففي سنة 1995، هوجم أدونيس وهشام الدجاني، وفُصلا من اتحاد الكتاب العرب لهذا السبب. صدرت التهمة الثانية عن ليبراليين وعلمانيين انتقدوها لأنّها غطّت شعرها في أثناء زيارتها منطقة في “المحرّر”، فقالوا إن مسايرتها الذين يفرضون غطاء الرأس سلوك انتهازي. وكان حرياّ بهم، لو كانوا منصفين، أن ينتقدوا مَن يفرض لباساً معيّناً على الآخرين. وأدلى بالتهمة الثالثة أحد أعضاء الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، في برنامج تلفزيوني، قبل ثلاث سنوات، فقال إن بسمة قضماني ليست سورية، فقد هاجرت إلى فرنسا، وهي في التاسعة، وأصبحت فرنسية. وفي البرنامج نفسه، ألصقت بها تهم كثيرة، أقلها العمالة للنظام، وللمخابرات الفرنسية!
العربي الجديدة
———————————-
بسمة قضماني في الصحافة الفرنسية:مثقفة ملتزمة بسوريا والمنطقة العربية
نعى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، المعارضة السورية بسمة قضماني التي فارقت الحياة، الخميس، في باريس بعد صراع مع المرض.
وكتب ماكرون عبر حسابه في “تويتر”: “بسمة قضماني تركتنا اليوم. أشيد بها وأفكر في عائلتها وكذلك العديد من أصدقائها وطلابها ورفاقها في الكفاح من أجل الديموقراطية. سوريّة حرة وشجاعة، نفتقد صوتها”.
Bassma Kodmani nous a quittés aujourd’hui. Je lui rends hommage et pense à sa famille comme à ses nombreux amis, élèves et compagnons de lutte pour la démocratie. Syrienne libre et courageuse, sa voix nous manque déjà.
— Emmanuel Macron (@EmmanuelMacron) March 2, 2023
نعوة ماكرون لقضماني، ماثلتها نعوات حزينة في الصحف الفرنسية التي أفردت مساحات للحديث عن الراحلة، وهي أستاذة في “معهد العلاقات الدولية الفرنسية”، وعضو سابق في “المجلس الوطني السوري”، وساهمت في تأسيسه، وعضو هيئة التفاوض السورية واللجنة الدستورية، علماً أنها ولدت في دمشق العام 1958، وغادرت سوريا مع عائلتها العام 1968 إلى لبنان، ثم إلى إنجلترا العام 1971، ثم سافرت للدراسة في باريس حيث نالت شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من “معهد العلوم السياسية” لتصبح بعد ذلك أستاذة مساعدة في العلاقات الدولية في جامعة باريس.
وكتبت صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية أن قضماني كانت رمزاً للمعارضة السلمية في بلادها. وأضافت أن حضورها الهادئ ودبلوماسيتها الطبيعية وتحليلاتها الدقيقة كانت محل تقدير في الإعلام الغربي عموماً، متحدثة بالتفصيل عن جهودها لنشر الديموقراطية في العالم العربي عموماً ووطنها الأصلي سوريا خصوصاً.
أما صحيفة “لوموند” فكتبت أن قضماني كرست جل حياتها من أجل نشر الديموقراطية في العالم العربي، من خلال العمل على العديد من المبادرات السياسية والأكاديمية، مشيرة إلى أن حياة عائلتها تغيرت للأبد العام 1967 خلال حرب النكسة ضد إسرائيل، إذ زجّ بوالدها في السجن لاقتراحه أن على الحكومة السورية في ذلك الوقت تقديم استقالتها بسبب الخسار الكارثية في الحرب.. لتقرر العائلة الرحيل عن البلاد بعد إطلاق سراحه.
ونعت صحيفة “لو فيغارو” الراحلة بالقول أنها كانت مثقفة شغوفة وناشطة ملتزمة بسوريا والمنطقة العربية، وكانت تتطلع لرؤية بلادها حرة ومزدهرة، علماً أنها أمضت معظم حياتها في المنفى.
ومنذ مغادرتها “المجلس الوطني السوري” العام 2012 لم تنضم قضماني إلى أي مجموعة رسمية، لكنها ظلّت تضطلع بدورٍ ناشطٍ في المعارضة، بما في ذلك العمل مع المعارض المعروف رياض سيف، على تطوير “المبادرة الوطنية السورية” التي أطلقها علناً في 1 تشرين الثاني/نوفمبر 2012.
ولدى قضماني خبرة طويلة كأكاديمية وعاملة في مجال أبحاث وتنمية الشرق الأوسط، وهي أيضاً المديرة التنفيذية لـ”مبادرة الإصلاح العربي”، وهي عبارة عن اتحاد لمعاهد الأبحاث السياسية العربية، ويعمل على الإصلاحات والعمليات الانتقالية الديموقراطية في العالم العربي، وهي ساهمت في تأسيسه العام 2005.
————————-
أعدك يا صديقتي/ سلام الكواكبي
سألتني ذات يوم باريسي جميل عما أنوي أن أفعل في إجازتي الصيفية، فغاب عني الجواب المحدد، ربما سأقرأ وربما سأحاول أن أكتب ما يفيد علمياً القادرين يوماً على تغيير جزء مما سعينا ونسعى الي تغييره بهدف تحسين حيوات السوريين خصوصاً والإنسان عموماً. قاطعتني بابتسامتها شبه الدائمة، فارضة مخططاً مشتركاً للإجابة صوَّتُّ له وانتميت اليه وفرحت به دونما أي نقاش ولا تردد: “سنذهب الى مخيم الزعتري ونسخّر جلّ إجازتنا لتقديم المحاضرات الجامعية للشابات وللشباب هناك”. وهكذا كان، ورافقنا من تطوع بإجازته من الأساتذة السوريين والفرنسيين.
كانت بسمة قضماني تعمل بصمتٍ ومن دون ادعاء أو استعراض، ليس فقط من خلال انخراطها في الثورة السلمية منذ ساعاتها الأولى، وإنما في كل نشاطها العلمي/العملي والسياسي والإنساني الممتد لأكثر من 40 عاماً. يجهلها كثيرون وهي لم تكن تسعى لكي يتعرّفوا عليها، بل عملت لكي تُعلّم وتتعلَّم، تتقاسم معارفها وعلمها وخبرتها مع من يطلب زاداً فكرياً. يهاجمها أصحاب المصالح الضيّقة أو المصابون برهاب النجاح والتميّز، أو ناقصو الضمائر، فتلتفت عنهم مُحافظة على ابتسامتها ومنهمكةً في عملها الذي من أجله خسرت الغالي والثمين من المال والصحة والأعصاب، وربحت الرضى الذاتي والفرح المعتمر بحب الوطن وأهله على تنوّعهم.
بعدما نهلت علمها الرصين وبدأت بالتدريس بامتياز، سرعان ما انتبهت بسمة الى البَين الواسع، خصوصاً عربياً، بين الكتاب والنظرية من جهة، وبين الفعل والتطبيق من جهة أخرى، فقررت الخوض في حقلٍ جديد عربياً يجمع المعارف باستخداماتها أو بتطبيقاتها. ووسّعت بالتالي مروحة اهتماماتها وانشغالاتها الأولى، والتي كانت قضية فلسطين وأهلها أساسها، لتضمّ لها قضايا العرب ومَن في حكمهم جميعهم. فقضية الشعب الفلسطيني المستباحة حقوقه وأرضه، لا تنحصر لدى بسمة في النضال ضد الاستعمار الاستيطاني العنصري، بل وأيضاً، في السعي للترويج للديموقراطية وترسيخها عربياً لتعزيز مصداقية العمل الحقيقي من أجل قضية عادلة. ومن هذا المنطلق، أسّست، وبالتعاون مع نخبة من مثقفين ومفكرين عرب وأجانب مؤمنين بالتحوّل الديموقراطي، مبادرة للإصلاح العربي. وكان أحد دوافعها هو الرد على دعوات الإصلاح الديموقراطي المفروض من الخارج، كما ادعاءات جورج بوش الابن بعد قيام قواته بغزو العراق العام 2003. وكان إصرار بسمة على أن يكون الإصلاح عربياً، وبأيدٍ وعقول وإرادات عربية، من دون الاستغناء عن الانفتاح والاستفادة من تجارب الآخرين كما في دول أميركا اللاتينية وجنوبي أوروبا وشرقها.
أطلقت بسمة “مبادرة الإصلاح العربي”، حيث عملتُ إلى جانبها من العام 2007 ولغاية العام 2017. وقبل انطلاقة الربيع العربي وتباشيره الموءودة، أنجزت برامج بحثية تطبيقية انعكست فائدة على قيادات الثورات العربية لاحقاً، من أهمها مشروع الحوار النقدي بين قوى المعارضة المختلفة عقائدياً، ومشروع إصلاح القطاع الأمني والعسكري. نجح المشروع الأول بجمع ممثلين عن قوى المعارضة من مختلف التيارات السياسية على طاولة الحوار ومحاولة التوافق على نقاط مشتركة أساسية. كما عرض الثاني بجلاء لواقع الأجهزة الأمنية العربية ومراحل انتقالها من حماية النظام السياسي الى حماية الوطن وأمن المواطن.
ومع انطلاقة الثورة السورية، ركّزت بسمة أكثر على الهمّ السوري، فاختارت أن تبتعد رمزياً عن إدارة “المبادرة”، حفاظاً على طابعها العربي وبعيداً من القُطرية. وعلى الرغم من ذلك، استمر عمل “المبادرة” وأسهم في تعزيز قدرات أعمال الكثير من مُبادري السعي نحو التحول الديموقراطي. وساهمت بسمة، من طريق أبحاث “المبادرة”، في تصوّر دقيق لمسارات الإصلاح السياسي في سوريا ومقوماته التي ستعتمد أساساً على عدالة انتقالية ودستور ديموقراطي وحياة سياسية وإعلامية وثقافية منفتحة على جميع السوريات والسوريين من مختلف المكونات ومن مختلف التوجهات الإيديولوجية. كما ركّزت على البُعد النسوي في المجال العام، عاملةً على تعزيز مقدراته شكلاً، من خلال إنشاء الأجسام التنظيمية، وموضوعاً، من خلال تمكين المشاركة السياسية للمرأة السورية.
زمالة الباحث وصداقة الانسان وتوافق الأهداف ومحاكاة الآمال، كلها لم تمنع من أننا كنا لسنا على وفاق واتفاق دائمَين. فقد اختلفنا في ثلاثة أمور، بشكل مستمر، أولّها تفاؤلها الغالب مقابل تشاؤمي في كل المواضيع التي تُشكّل همّاً عاماً ومشتركاً. وثانيها، كان رفضها لنقدي الدائم لما يُقترف من أخطاء أو هنّات سياسية أعتقد بأنها مسيئة لمسار التحول الديموقراطي. فهي، وإن كانت تتفق معي عموماً في التقدير والتوجّه، إلا أنها كانت ترفض، عن حق، التقوقع في النقد والاكتفاء به. في مقابل ذلك، كانت تدعو لتقديم عمل ملموس يُشكل إما بديلاً عما انتقده أو يوضح اجتهاداً ما يكون أكثر نفعاً من النقد المُشبع بالرضى الذاتي عموماً. وأنا أعترف بأنها كانت على حق، وبأني طوّرت من أدواتي مستلهماً أسلوبها الى حد كبير مع مرور الزمن.
كما أبهرتني، وهذا هو خلافنا الثالث والأخير، بقدرتها الكبيرة على تجاوز الهجوم المجاني والشتائم والتخوين والتكفير الذي كان ينهال عليها من كل حدب وصوب، ممن يُفترض به أن يكون صديقاً قبل مَن هم أعداء حقيقيون، ليس على المستوى الشخصي، فهي لا تُدخل الشخصي في العام، بل على المستوى الأخلاقي والإنساني. وعلى الرغم من أن الظلم، ومن ذوي القربى خصوصاً، كان له وقعٌ مؤلمٌ لدينا معاً، إلا أن تعاملها البارد معه واحتفاظها الدائم بابتسامتها ودعوتها التي لا تكل ولا تمل الى العمل والإنجاز لمواجهة أبواق السوء في النية وفي الطوية، أبهرني. لقد كانت الإساءة والظلم، ومازالا، يؤثران فيّ بشكل تحريضي متفجّر لا أجد طريقة للتخفيف من أثره إلا الصمت والانزواء. وأنا الذي لا يملك سوى صوته وقلمه للتعبير من دون أية نيّات متسخة بوحول العفن الثقافي والرهاب السياسي وثقافة الخوف والتملق والتمجّد والتوكّل.
رحلت عنا بسمة قضماني البارحة، ونعاها كثيرون جداً. وإن أتوجه باللوم الى مَن هاجمها بشدة وسعى للإضرار بها في الحياة ونعاها في الموت، معتبراً نفاقه وقاحة، فهذا لأني أنتظر ابتسامتها العذبة ونظرتها الثاقبة الهادئة وهي تنبهني لضرورة التخفيف من الانتقاد واللوم والانصراف الى تقديم الفعل على ردّ الفعل. أعدَكِ يا صديقتي أني سأفعل.
—————————–
وداعاً بسمة قضماني/ نجيب الغضبان
كان لي شرف معرفة الدكتورة بسمة قضماني والعمل معها منذ الأيام الأولى للثورة السورية. عرفت بسمة معارضة وناشطة ملتزمة، وأكاديمية ومحللة بارعة، ودبلوماسية محنكة، وقبل ذلك وبعده سيدة سورية محبة لبلدها، كحبها لأولادها وعائلتها، وشخصية ملهمة. أقول هذا وأنا أعلم علم اليقين الحملة الشرسة الظالمة التي تعرضت لها من بعض جمهور الثورة، ناهيك عن النظام ومؤيديه.
أشعر وأنا أقف أمام رهبة الموت والحالة المأساوية التي وصلت إليها سوريا، أني مدين للدكتورة قضماني، رغم اختلافنا في بعض الاجتهادات والمواقف، بذكر بعض محاسنها ومواقفها. الموقف الأول، لقد كانت الدكتورة بسمة من أوائل النساء اللائي وقفن مع ثورة شعبها، وكانت مستعدة لدخول الحياة العامة، وتحمل كافة أعباء الانتقادات والتشكيك ومحاولات الاغتيال المعنوي المستمرة. الدكتورة بسمة من مؤسسات المجلس الوطني، في وقت تمنعت كثيرات من الناشطات والنشطاء عن دخول هذا المعترك، لأسباب كثيرة، ليس أقلها حرصهن على “السمعة” والتخوف من تحمل تكاليف مناهضة النظام الإجرامي في الأيام الأولى.
وبالطبع، لم يأت هذا الموقف من فراغ، فلبسمة تاريخ في مقارعة الاستبداد، من خلال عملها وتأسيسها لمبادرة الإصلاح العربي، التي أرادت من خلالها تشجيع العملية الديمقراطية في المنطقة العربية، بالجهود الذاتية، خاصة بعد تكشف الادعاءات الزائفة للمبادرات الخارجية الكارثية. كما أن للدكتورة بسمة تاريخ في دعم الحركة الوطنية الفلسطينية في الغرب، وخاصة في فرنسا. ولعل من المفارقة أن كثيراً ممن تحاملوا على بسمة، حاولوا التشكيك بجهودها وتاريخها، فهي تارة عميلة “فرنسية” أو لجهات مجهولة، وتارة أخرى فهي صوت صهيوني مندس، وأخيراً، فهي لا تعرف بلادها، وهي التي اضطرت عائلتها لمغادرتها بسبب استبداد حكم البعث.
الموقف الثاني للدكتورة بسمة، أنها -رغم وجودها في الوسط الثقافي والفكري الباريسي- لم تكن إقصائية أو معادية لأي تيار سياسي أو فكري. لقد كانت منفتحة دائماً على ثقافتها العربية- الإسلامية، وانعكس ذلك في أنها كانت عنصر تقريب في دوائر المعارضة السورية بين التيارين العلماني والإسلامي. ولعل بعض القيادات الإسلامية يذكرون لها أنها كانت حريصة على وجودهم في لقاءات وحوارات دولية هامة حول مستقبل سوريا.
الموقف الثالث، رغم الحملة التي تعرضت لها الدكتورة بسمة من بعض المعارضين، وخاصة أولئك الذين كانوا من شركاء الأمس في تأسيس المجلس الوطني، ورغم استبعادها عن تشكيل الائتلاف الوطني لاحقاً، فيذكر لبسمة أنها لم تدخل في مهاترات مع هؤلاء، وكانت منافحة عن الائتلاف الوطني على أنه الممثل الشرعي للسوريين، وهذا ما أعطاه مصداقية أكبر. ولم تعتزل بسمة العمل الوطني، فقد كانت كل جهودها في الفترة الذهبية للائتلاف الوطني مكملة وداعمة له، ولفكرة الحل السياسي الذي يعيد للسوريين حقهم في حكم بلادهم.
الخاصية الرابعة، كانت الراحلة من القلة بين النساء –والرجال- السوريين ذوي الكفاءة والخبرة في العمل السياسي، دراسة وممارسة. ولقد شهدتها في ندوات وجلسات حوار، علنية ومغلقة، ومؤتمرات دولية وهي توظف طلاقتها باللغات الثلاث: العربية والانجليزية والفرنسية، مكافحة ضد نظام الفساد والاستبداد، ومنافحة عن ضحاياه. ولعل هذه الكفاءة والخبرة والفعالية جعلتها هدفاً لحملات النظام ومؤيديه، وموضوعاً لمدمني مواقع التواصل الاجتماعي، وموضع غيرة وحسداً من المفتقدين لهذه المؤهلات من المعارضين والمعارضات.
الموقف الخامس، استأنفت الدكتورة قضماني نشاطها من خلال هيئة المفاوضات واللجنة الدستورية، كناشطة مستقلة، ولم تتوقف عن نشاطها الأكاديمي والإعلامي في الدفاع عن حق الشعب السوري في التغيير الديمقراطي. وفي الفترة الأخيرة، كانت ممن قاد بعض الأنشطة لتجميع الجهود المتناثرة للمستقلين السوريين في وقت بدأت فيه الأجسام المعارضة تتراجع وتضعف، كما أنها كانت من رموز الحركة السياسية النسوية المعتدلة.
في الوقت التي تتزايد فيه معاناة السوريين، بفعل جرائم النظام وداعميه، وتقاعس المجتمع الدولي عن دفع حل سياسي، يسهل على الكثيرين تحميل المعارضة السورية المسؤولية عن الحالة التي وصلت إليها البلاد. ولسنا هنا في وارد المدافعة عن أداء المعارضة الهزيل، لكننا أصحاب قضية عادلة، قدم في سبيلها الشعب السوري تضحيات عظيمة. وفي هذه المعركة غير المتكافئة، من المهم وضع الأمور في نصابها وعدم النيل من رموز تصدت لقوى الظلم والتكبر، فالمعركة لم تنته كما لم يتغير معسكر الحق والباطل فيها، مهما طال الزمن.
الرحمة والمغفرة للدكتورة بسمة، ولكافة شهداء الثورة السورية، والنصر للمظلومين ولو بعد حين.
نجيب الغضبان
تلفزيون سوريا
————————–
بسمة قضماني اسمٌ سيظلّ في ذاكرة السوريين/ عبد الباسط سيدا
من أصعب الأمور أن يكتب المرء في رثاء شخصٍ قريب منه، وجد فيه كل السمات المطلوبة التي تؤهله لأداء دور هام في خدمة شعبه ووطنه، إلا أنه رحل قبل الموعد، وفي أحلك الظروف وأقساها … عشتُ هذه التجربة الأليمة مرّات عدة عقودا، وفي ظروف مختلفة؛ وها هي تتكرّر برحيل بسمة قضماني التي فرضت احترامها على الجميع، بمعارفها ومهاراتها اللغوية، وتواضعها وتفاؤلها، وبُعدها عن كل أشكال التعصّب، وحبها ووفائها لشعبها ووطنها.
تعرّفت إلى بسمة قضماني، بعد إخفاق مؤتمر الإنقاذ الذي انعقد في إسطنبول في 16 يوليو/ تموز 2911 ، بمبادرة من ناشطين سوريين في الداخل والخارج. وقبل هذا المؤتمر، كانت قد انعقدت مؤتمرات أخرى لم أشارك فيها، رغم أنّي تلقّيت دعواتٍ لحضورها؛ لأسباب عدة، من أهمها عدم قناعتي بقدرة مثل هذه اللقاءات العامة التي تجمع بين سوريين يجهل بعضُهم بعضاً على الخروج بقيادة كانت الثورة السورية في أمسّ الحاجة إليها في ذلك الوقت، فأمام تعاظم المظاهرات والاعتصامات واتساع نطاقها على الساحة السورية، وهي مظاهراتٌ كانت أشبه بالأعراس والكرنفالات تجمع بين شبان سورية وشابّاتها التواقين إلى الحرية من سائر الانتماءات المجتمعية السورية؛ توحّدهم الرغبة في مستقبلٍ مفتوح الآفاق، يضمن لهم وللأجيال المقبلة: الحرية، والتعليم الجيد، وفرص العمل، ومقوّمات العيش الكريم، فالأحزاب التقليدية التي كانت في الساحة لم تكن ترتقي إلى المستوى المطلوب، لضعفها وترهّلها وخلافاتها. ولم تكن غالبيتها قد حسمت أمرها، بل كانت ما تزال تراهن على امكانية الإصلاح بعد مرور نحو ثلاثة أشهر على انطلاقة الثورة في مارس/ آذار 2011، هذا على الرغم من أن السلطة استخدمت منذ اليوم الأول العنف المتوحّش ضد المظاهرات السلمية، بغرض القمع والترويع.
فشل مؤتمر الإنقاذ لأسباب عديدة، في مقدمتها عدم الإعداد الجيد، والقراءة الخاطئة للموقف من الجميع تقريباً، الأمر الذي أدّى إلى انسحاب مجموعة من الشباب الكرد ممن اعتقدوا أن مسألة تغيير اسم الجمهورية متوقفةٌ على إرادة الحاضرين الذين كانوا في غالبيتهم قد جاءوا مصادفة، ولم يكونوا يعرفون بعضهم بعضا. وبعد أن نقلت وسائل الإعلام فشل الاجتماع في تحقيق مبتغاه، اتصل بي الشهيد مشعل تمّو مستفسراً عن أسباب الإخفاق، فوضعته في الصورة، وتمنينا معاً أن تصبح الأمور أفضل مستقبلاً. وفي حديثٍ جانبيٍّ مع بعض الأصدقاء على هامش المؤتمر، ومنهم نجيب الغضبان الذي كنت قد عرفتُه سابقاً في واشنطن، حيث شاركنا معاً في ندوةٍ عن سورية، وجرى التوافق بيننا على ضرورة أن يكون هناك لقاء مصغّر، يجمع بين عدد محدود من السوريين المناصرين للثورة ممن يعرف بعضُهم بعضاً، ويمتلكون من المؤهلات والقدرات المعرفية التي تمكّنهم من الحوار والتفاهم، ودراسة إمكانية تشكيل جسم يقود الثورة، سياسيا وإعلاميا على الأقل، وتحديد المعايير والآليات التي يمكن أن تساعد على تحقيق هذه الفكرة.
وانعقد اللقاء المقترح بعد نحو أسبوعٍ من إخفاق مؤتمر الإنقاذ، وجمع بين مجموعة من الأكاديميين السوريين من الداخل والخارج، والقسم الأكبر منهم كانوا ممن يعيشون في أوروبا والولايات المتحدة. في هذا اللقاء، تعرفت إلى بسمة قضماني التي لفتت انتباه المجتمعين، وفرضت احترامها عليهم يوماً بعد يوم، بهدوئها ووضوحها، وقوة منطقها وتواضعها، وخبرتها وقدراتها الأكاديمية في ميدان تحليل الأوضاع السياسية على المستويين، العربي والدولي، هذا إلى جانب شبكة علاقاتها الواسعة.
وبعد سلسلة طويلة مرهقة من الاجتماعات والاتصالات التي هدفت إلى توحيد جهود السوريين المساندين للثورة من مختلف الانتماءات السياسية والمجتمعية، جرى الإعلان عن تأسيس المجلس الوطني السوري في صيغته الأولى في 15 سبتمبر/ أيلول 2011، ثم بصيغته النهائية في الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول 2011؛ وتم التوافق بالإجماع على أن يكون برهان غليون الرئيس الأول للمجلس، ثلاثة أشهر، بموجب النظام الداخلي للمجلس الذي كنّا قد توافقنا عليه عند التأسيس.
وبدأ العمل الشاق؛ سفر شبه دائم، واجتماعات مستمرّة، واتصالات لا حصر لها. هذا إلى جانب اللقاءات مع الوفود الشعبية، ومتابعة أوضاع المهجّرين في الداخل والسعي إلى مساعدتهم ضمن حدود الإمكان، وضرورة متابعة أوضاع الجرحى، والعمل على تأمين المعالجة لهم؛ فالسلطة كانت قد أعلنت حربها على السوريين، وكان لدينا يوميا نحو عشرين شهيدا أو أكثر في ذلك الحين؛ بالإضافة إلى أعداد كبيرة من الجرحى. كما حاولنا قدر الإمكان توحيد مواقف الضباط المنشقّين الذين كانوا قد أعلنوا انشقاقهم عن الجيش الحر، فقد كانون يعانون من خلافٍ عقيم عميق بين مجموعتي العقداء والعمداء.
كانت بسمة نشطة، هادئة تلتزم بالقرارات التي كنا نتخذها في المكتب التنفيذي، وتؤدّي المهام التي تكلّف بها على أكمل وجه. كانت تترأس وفود المجلس في غياب برهان، تتعامل بدبلوماسية مهنية، تستخدم لغة واضحة مفهومة، لا تترك أي مجال للالتباس، تتحدّث الإنكليزية والفرنسية كالعربية بطلاقة تثير إعجاب من كنّا نقابلهم من وزراء الخارجية والدبلوماسيين. سافرنا معا إلى القاهرة مراراً، حيث كنا نلتقي مع المسؤولين في جامعة الدول العربية واللجنة العربية الخاصة بسورية. كما سافرنا معاً إلى دول عربية وأوروبية عديدة، وإلى أميركا وإقليم كردستان العراق. وشاركنا في اجتماعات ولقاءات وندوات عديدة في أماكن عدة.
لم أشعر يوماً بأي تحيّز قومي أو مذهبي أو حتى مناطقي أو مديني لدى بسمة، وهي العربية السنّية الدمشقية. كانت تحرص على التواصل مع السوريين من جميع الانتماءات والتوجّهات والجهات. كانت تهتم بالموضوع الكردي السوري، وتساهم بكل إيجابية في جهود جعله موضوعاً وطنياً سورياً عامًا يهم جميع السوريين، وكانت لها صلاتٌ مع معارضين علويين إلى جانب المسيحيين والدروز، وكنا متفقين تمام الاتفاق على ضرورة فتح حوار جادٍّ مع العلويين المعارضين لسلطة بشار الأسد بغية طمأنتهم، وكسب تأييدهم للثورة، لمصلحة جميع السوريين.
ومع انتهاء فترة برهان، كان هناك اقتراح ضمن المكتب التنفيذي بانتخاب بسمة لتكون رئيسة للمجلس، على أمل أن تكون تلك الخطوة بمثابة رسالة تقدير للمرأة السورية وللشابّات السوريات اللواتي شاركن في الثورة بجسارةٍ غير عادية. وقد حاولت إقناع الإخوة في المكتب التنفيذي بذلك. وافق الجميع تقريبا على الفكرة ما عدا ممثل الإخوان المسلمين، وكانت الحجّة أن وضع الثورة الراهن لا يسمح بقيادة امرأة المجلس، فجرى التجديد لبرهان بناء على التعديل الذي كنا قد أدخلناه على النظام الداخلي في مؤتمرنا الأول الذي عقدناه في تونس في ديسمبر/ كانون الأول 2011.
وبعد استقالة برهان من رئاسة المجلس، توافق أعضاء المكتب التنفيذي والأمانة العامة على ضرورة أن أتحمّل المسؤولية من بعده في منتصف يونيو/ حزيران 2012، وهي مسؤولية اضطررت للقبول بها، رغم عدم استعدادي لها، فالظرف كان مُلزماً، ولم يكن هناك أي مجال للتنصّل. كان في ذهني أن نركّز جهودنا على ثلاثة أمور أساسية، إلى جانب موضوع مزيد من الانفتاح على القوى الأخرى في المعارضة السورية، لإقناعها بإلانضمام إلى المجلس، وهي: بذل الجهود من أجل توحيد الصف ضمن الجيش الحر، لقطع الطريق على خطر انتشار المليشيات بصورة فوضوية، الأمر الذي كنا نعرف أنه سيكلف الثورة السورية كثيراً، من جهة الاستقلالية والتعاطف الدولي، فالعمل العسكري، خصوصا بطابعه الإسلاموي الجهادي كان معناه إعطاء الذريعة للسلطة ورعاتها باستخدام القوة بحجّة محاربة الإرهاب، وهو الأمر الذي حدث بكل أسف، رغم أننا نبهنا إليه، وحذّرنا منه مراراً وتكراراً في وقت مبكر. الأمر الآخر، ضرورة تعميق العلاقة بين المجلس الوطني السوري والداخل والمخيمات. وقام المكتب التنفيذي بجولاتٍ على سائر المخيمات في تركيا وكردستان العراق، ولم نتمكّن من زيارة مخيمات الأردن ولبنان بكل أسف، ولكننا كنا نتابع أخبارهم عبر أعضاء المجلس في البلدين، ونقدّم لهم المساعدات ضمن حدود الإمكان. الأمر الثالث، ضرورة تقوية مكتب العلاقات الخارجية بقيادة بسمة قضماني، لأنها كانت الأكثر قدرة على أداء هذه المهمة بحرفية مدعومة بالمعرفة وشبكة العلاقات الدولية والعربية الواسعة.
ولكننا فوجئنا بحملة هجمات منظمّة عليها بتهم كيدية واضحة، منها اتهامها بالعلاقة مع اسرائيل، بناء على جواب لها في ندوةٍ شارَكت فيها ضمن برنامج تلفزيوني عام 2008. كان الموقف محرجاً للغاية، وكان عليّ باعتباري رئيس المجلس أن أتّخذ القرار، سيما بعد أن اتصل كثيرون بشأن الموضوع. تواصلت مع برهان، باعتباره يعرف بسمة في باريس منذ مدة طويلة، وكانت شهادته لصالحها، حتى أنه قال: لا أساس لهذه الاتهامات، وليس هناك أي شك في مصداقيتها الوطنية. كما ذكر لي إن معرفته ببسمة بدأت في باريس من خلال عملهما المشترك في مناصرة القضية الفلسطينية. ولكن ما حصل لاحقا أن أعضاء ضمن المكتب التنفيذي والأمانة العامة من اتجاهاتٍ متباينةٍ توافقوا، لأسبابٍ مختلفة، على عدم التجديد لبسمة في المكتب التنفيذي، الأمر الذي شكّل ضربة قوية للمجلس، وكان بداية سلسلة تداعيات وخلافات ضمن المجلس، أدّت لاحقاً إلى الإعلان عن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية بضغط دولي.
قدّمت بسمة استقالتها من المجلس، ولم تُطرد منه كما يروّج بعضهم، ولكنها ظلت مستمرّة في دعمها الثورة السورية على مختلف المستويات وبمختلف الأشكال. انتُخبت، في مؤتمر الرياض الأول لقوى الثورة والمعارضة السورية عام 2015، عضواً في هيئة التفاوض، كما شاركت في اللجنة الدستورية، وهو الأمر الذي عرّضها لاحقاً للانتقادات. ولكنها ظلت حتى الرمق الأخير مدافعة عن قضية شعبها، مؤمنةً بأن سورية لن تصبح موحّدة شعباً وأرضاً مع بقاء سلطة بشار الأسد.
رحلت بسمة عن الدنيا، ولكن اسمها سيظلّ متألقاً في ذاكرة السوريين، رغم كل حملات التجنّي الظالمة التي تعرّضت لها. تغمّدها الله بواسع رحمته، وتعازينا الحارّة لأسرتها وذويها وسائر محبّيها.
العربي الجديد
———————–
بسمة قضماني كما عرفتها/ ناصر جابي
عرفت صديقتي المرحومة الدكتورة بسمة قضماني، التي غادرتنا الأسبوع الماضي، منذ أكثر من ربع قرن، خلال لقاء أول أعتقد أنه كان بالقاهرة في نهاية التسعينيات، إذا كانت لم تخن ذاكرتي. ضمن سلسة طويلة من اللقاءات استمرت لي معها في أكثر من عاصمة عربية. فقد التقيت ببسمة بعد ذلك في بيروت والرباط تونس وعمان الأردنية وباريس، بمناسبة نشاطات فكرية، من تنظيم مبادرة الإصلاح العربي، التي انتميت لها منذ بداياتها الأولى، تعرفت خلالها على الكثير من الأصدقاء والصديقات من أكثر من بلد عربي وغربي، من دون أن أتمكن من اللقاء بها ولا مرة واحدة بالجزائر، لغيابي عن البلد اثناء زيارتها للجزائر، بدعوة من يومية «الوطن» لإلقاء محاضرة عن الأوضاع في سوريا والعالم العربي، هي المتخصصة في العلوم السياسية، خريجة معهد باريس للعلوم السياسية، المدينة التي لم تجعلها تنسى لغتها العربية وهي تطور تحكمها الكبير في الإنكليزية والفرنسية، كلغات عمل وكتابة في تخصصها العلمي الذي انتجت فيه الكثير، انصب في غالبه على همها الكبير سوريا والمنطقة العربية.
بسمة التي بادرت إلى الاتصال بي قبل تاريخ لقائي الأول معها، للمشاركة في نشاطات بحثية في ميدان تخصصي، كانت ملمة بالأوضاع في الجزائر ـ عكس الكثير من المشارقة – ودائمة المقارنة مع سوريا وبعض البلدان الأخرى، خاصة بعد استفحال حالة العنف داخل الحالة السورية، التي عاينت كيف أثرت في منسوب تفاؤلها حول مسارات الأوضاع في هذا البلد، من دون التوقف عن النشاط والفعل السياسي بين صفوف المعارضة، التي اكتشفت هي المتخصصة في العلوم السياسية كيف كان التعامل صعبا وغير سالك دائما داخل مؤسساتها التي شاركت في خلقها وتسييرها، والتي وصلت بها إلى التحدث باسمها.
حالة الجزائر التي عرفت عنها بسمة الكثير، بحكم إقامتها في فرنسا، وتحكمها في اللغة الفرنسية، سمحت لها بنسج علاقات صداقة مع وجوه سياسية وفكرية جزائرية عديدة، كما كان الأمر مع المرحوم عبد الحميد مهري ـ متزوج من سيدة سورية – الذي كان من أصدقاء والدها الدبلوماسي السوري الذي دخل في معارضة للنظام السوري، كما فعلت البنت بسمة لاحقا، وهي تتوجه في رحلة بداية من بيروت لم تعد منها إلى سوريا التي ناضلت من أجلها، ربطت مصيرها بها إلى آخر يوم في حياتها، وهي تقاوم المرض وعداوات نظام الأسد الأب والابن. بسمة التي كانت مهتمة كثيرا بالمسار السياسي للجزائر وهي تناقش معي الكثير من القضايا، كان على رأسها السلمية الكبيرة التي عرفها الحراك، وهي تتساءل عن حالات العنف التي شهدها البلد في تسعينيات القرن الماضي كمحطات انكسار لهذه السلمية. وهي تتساءل عن دور التجانس الاجتماعي والثقافي النسبي في الجزائر لتفسير هذه السلمية التي لم تتمكن دائما من الصمود. لتكون المقارنة مع سوريا وبعض بلدان المشرق حاضرة معها كخلفية دائما، وهي تناقش وتطرح سؤال لماذا؟ من دون أن تنسى وهي تقارن وتحلل الدور المهم للثقافة السياسية والعقيدة الوطنية الجزائرية التي حمت الجزائريين وأبعدتهم خلال محطات كثيرة من التقاتل في ما بينهم، وهي تحدثني عن دور الجيش والمؤسسة الأمنية التي اهتمت بها كموضوع بحث وهي على رأس المبادرة العربية للإصلاح، التي طورت عدة مشاريع كان من بينها ذلك المشروع الذي بادرت به للحوار بين تيارات فكرية وسياسية بعيدة عن بعضها بعضا، بل متصارعة مع بعضها بعضا. جمعت فيه تنظيمات سياسية وشخصيات من مختلف ألوان الطيف السياسي في المنطقة العربية، كالإخوان المسلمين وتيارات اليسار بمختلف مدارسه وأبناء الفكرة الوطنية. خلال هذه المرحلة التي ساد فيه تفاؤل كبير بإمكانية اللقاء والعمل المشترك بين نخب سياسية وفكرية، غلب على تاريخ الصراع الدموي في بعض الأحيان، كما حصل في أكثر من حالة عربية. ما زلت أتذكر حتى اليوم ذلك اللقاء الذي جمعنا في القاهرة كأعضاء في المبادرة ببعض الوجوه الفكرية المعروفة، كما كان الحال مع الاقتصادي المصري حازم الببلاوي – قبل وصوله إلى رئاسة الحكومة -2013- الذي طرحت عليه بسمة سؤالا ما زلت أتذكر إجابته عنه إلى اليوم، وهي تتساءل أثناء النقاش بكل الهدوء المعروفة به ،عن قدرة الإخوان المسلمين في مصر كوسط ثقافي ونخب، في حل الإشكالات الاقتصادية في بلد كمصر يعرف أزمة اقتصادية خانقة، هم الذين لم يتمكنوا من إنتاج إلا نخب محلية من إنتاج جامعات الأقاليم، كما يقول إخواننا المصريون… هل يملك الدكتور حازم في مصر اقتصاديين إخوانيين قادرين على رفع هذه التحديات في حال وصولهم إلى السلطة… أنا كأستاذ اقتصاد وباحث في التخصص، لا أعرف أحدا بهذه المواصفات، واعتقد أنهم هم كذلك لا يعرفون.. فكل ما أنتجوه هو أساتذة اقتصاد من أصحاب المؤلفات التي لم تخرج عن مرحلة المدخل إلى الاقتصاد السياسي… اكيد لن تكون ذات نفع كبير عليهم وعلى تجربتهم السياسية. كما أكدت الأحداث لاحقا في مصر المثقلة بكل أنواع الهموم. بسمة التي عملت طوال مسارها البحثي على إنجاز نوع من التلاقح الفكري بين العالم العربي والغرب، وهي توظف كل علاقاتها العربية والدولية لبناء جسر للتعارف بين الفاعلين الفكريين والسياسيين، كما كان الحال وهي تنخرط في الاجتماعات التأسيسية الأولى لبناء المجلس العربي للعلوم الاجتماعية كمشروع فكري وشبكة معرفية، جمعت الكثير من الوجوه العلمية والأكاديمية من الجنسين، بمختلف تخصصاهم العلمية، تميز بحضور نسوي قوي. الحال نفسه كما فعلت وهي تبني مشروع المبادرة العربية للإصلاح، الذي لم تجد إلا باريس الفرنسية وبيروت جزئيا لاحتضان مقراتها في نهاية الأمر! في هذا العالم العربي الطويل والعريض. المبادرة التي حاولت الخروج من المقاربات النظرية، بالتوجه نحو المساهمة في إنجاز مسوحات كمية، كما كان الحال مع مشروع البارومتر العربي، الذي تم بمساهمة من جامعة برنستون الأمريكية. وغيرها من استطلاعات الرأي الأخرى، التي شارك في تجسيدها المركز الفلسطيني للدراسات، بمساهمة الكثير من الباحثين في المنطقة العربية، تحت إشراف المبادرة العربية دائما، التي سيرتها الصديقة بسمة قضماني رحمها الله، لسنوات وهي تعمل على منحها مصادر القوة والديمومة، كمشروع فكري وسياسي ما زالت المنطقة العربية في أشد الحاجة إليها.
كاتب جزائري
القدس العربي
————————–
كيف تلقّى السوريون نبأ رحيل بسمة قضماني
نعى ناشطون وسياسيون سوريون، يوم الخميس، الباحثة الأكاديمية السّورية والسياسية المعارضة، الدكتورة بسمة قضماني، بعد صراع مع المرض.
ولدت الدكتورة بسمة قضماني، في العاصمة السورية، دمشق، في العام ١٩٥٨. حائزة شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من معهد العلوم السياسية Sciences Po، وعملت أستاذة مساعدة في العلاقات الدولية في جامعة باريس.
تولّت قضماني منصب المديرة التنفيذية لمبادرة الإصلاح العربي، التي تعمل على قضايا الإصلاحات والعمليات الانتقالية الديمقراطية في العالم العربي، وكانت شريكة مؤسسة للمبادرة في عام ٢٠٠٥. وعملت في المجلس الوطني للبحوث العلميّة في فرنسا بمجال الاستشارة والإدارة، وفي مركز الدراسات والأبحاث الدولية في معهد العلوم السياسية في باريس، وفي مكتب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لـ مؤسسة فورد في القاهرة، وفي المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية في باريس.
اقرأ المزيد: واشنطن تعلن بيع ذخائر بقيمة 619 مليون دولار لتايوان
انضمّت قضماني إلى الثورة السورية منذ انطلاقها، وكانت من الشخصيات الأكاديميّة الأولى التي شاركت في مجموعات عمل المعارضة السورية، وتولّت منصب الناطقة باسم اللجنة التنفيذية للمجلس الوطني السوري عام ٢٠١١، وكانت عضوة مؤسسة في الحركة السياسية النسوية السورية.
وكانت بسمة قضماني في الهيئة المصغرة للجنة الدستورية السورية، وعضوة في هيئة التفاوض السورية، وفي الوفد المفاوض للهيئة العليا للمفاوضات.
أسّست الراحلة مع مجموعة من الأكاديميين والسياسيين السوريين جمعية “مبادرة من أجل سوريا جديدة”، تركزت أعمالها على الإغاثة ودعم منظمات المجتمع المدني السوري.
حاصلة على وسام الشرف الفرنسي عام 2012 وعلى جائزة ريمون جوريس للإبداع في العمل المجتمعي عام 2011.
كيف نعاها السوريون؟
نعت الحركة السياسية النسوية السورية العضوة المؤسسة الدكتورة بسمة قضماني، وقالت الحركة: “تعتبر الدكتورة بسمة من النسويات السوريات المناضلات والمؤثرات في العملية السياسية. حلمت بسمة وسعت طيلة حياتها للوصول إلى سوريا حرة، سوريا دولة مواطنة ومساواة لكل السوريات والسوريين. لا يسعنا اليوم إلا أن نكمل الطريق الذي تعاهدنا مع بسمة في الوصول إليه، حتى تحقيق حلمنا بسوريا ديمقراطية حرة خالية من كافة أشكال الاستبداد”.
وقال السياسي السوري، موفق نيربية، عن رحيل قضماني: ” ليس سهلاً أن أنعي بسمة قضماني: كانت ركن أمان وعقل راجح دائماً، كانت تجمع ما بين العلم والفكر والسياسة والثقافة والحياة، منذ بداية الثورة وهي مرتكز هام للرؤية والحس السليم، حاسمة كالسيف ومرنة كالخيزران”.
وأضاف: “أول من أدرك ما تختزنه من طاقة دهاقنة الثورة المضادة، أكثر حتى من أهل النظام! لذلك حاربوها بشراسة تخرج عن الأصول والقواعد، ودفعوها للابتعاد نسبياً من درن أن تتوقف لحظة عن العمل من أجل سوريا… المجد لبسمة سوريا ولمحتها الذكية وروحها الوثّابة!”.
وكتب الدكتور في الفقه الإسلامي، محمد حبش، عن رحيلها: ” بسمة قضماني.. ما أكبر خسارتنا برحيلك..
كانت صورة للمرأة السورية الحرة الناجحة.. قدمت صورة مختلفة للمرأة العربية وكذلك للمرأة المسلمة، وارتقت منابر الأمم المتحدة والجامعات الفرنسية كموهبة نادرة وحصدت أهم الجوائز الدولية.
اقرأ المزيد: انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية لقطاع الطاقة تسجّل رقما قياسيا في 2022
انحازت إلى الشعب مع انتفاضة 2011 وقامت بدور رئيسي في المعارضة السلمية الرافضة للعنف كله، وطرحت حلولاً واقعية للمأساة السورية. أجمع كل من عرفها أنها كانت مدرسة في النقاء وسامي الخلق…
أسفاً على وطن يطارد هذه المواهب ويمنعها من دورها في الحرية والتنمية. تغمدها الله بواسع رحمته وبوأها معارج الجنة”.
وقالت الكاتبة، وجدان ناصيف: “خسرت سوريا هذا الصباح امرأة سياسية آمنت بالمشروع الديمقراطي وبوطن حرّ ومستقل، وخسرت الحركة النسوية السورية امرأة مدافعه عن حقوق النساء ومؤمنة قولاً وفعلاً بقدرة السوريات وإمكانياتهن وعدالة مطالبهن”.
وأضافت: “اجتمعنا في مكتبها في باريس كلجنة تحضيرية من أجل الدعوة للمؤتمر التأسيسي للحركة السياسية النسوية السورية عام ٢٠١٧. التقيتها يومها لأول مرة، ومتل باقي السورين والسوريات كنت قد عرفتها من خلال عملها في مبادرة الاصلاح العربي ومن خلال وسائل الإعلام كشخصية سياسية معارضة وامرأة تتحدث ثلاث لغات بطلاقة، دكتورة وأكاديمية وكاتبة وباحثة. لكني يومها التقيت بسمة قضماني الانسانة النبيلة والمستمعة الجيدة وصاحبة الخبرة، المحبة والكريمة لأبعد حدّ، فيما بعد كنت كلما رأيتها أدهشتني بقدرتها على الانخراط في العمل الجماعي رغم كل امكاناتها الفردية وخبرتها الشخصية، مستمعة جيدة، كتلة من الطاقة والحيوية والإيمان بمستقبل أفضل لسوريا ولرجالها ونسائها”.
وتصدّرت الراحلة بسمة قضماني مواقع التواصل الاجتماعي السوري، إذ نعاها آلاف السوريين/ات، وعبّروا عن حزنهم لرحيلها.
ليفانت – متابعات
==================
حوارات مع “بسمة قضماني“
—————————–
بسمة قضماني: على الإسلام السياسي الاعتراف بتنوّع المجتمع السوري
الحوار طارق صبح ومحمد حاج بكري
ولدت الباحثة والأكاديمية والسياسية المعارضة بسمة ناظم قضماني في دمشق في العام 1958، وهي ابنة دبلوماسي ومعتقل سابق. غادرت سوريا مع عائلتها في العام 1968 إلى لبنان، ثم إلى إنكلترا في العام 1971، حيث استقرت هناك.
درست في معهد الدراسات السياسية في باريس، حيث حصلت على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية، وعملت في المعهد الدولي للعلاقات الدولية “إفري” في باريس، حيث أنشأت وأصدرت، منذ العام 1981 حتى 1998، برنامج الشرق الأوسط في المعهد.
أنشأت في العام 2005 مبادرة الإصلاح العربي، وهي مجموعة من معاهد البحوث والسياسات العربية المستقلة، مع شركاء في الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، بهدف تعزيز الإصلاح وإرساء الديمقراطية في العالم العربي، ورفع مستوى الوعي في العالم العربي حول الانتقال الناجح إلى الديمقراطية في أجزاء أخرى من العالم، والآليات والحلول التوفيقية التي جعلت هذه التحولات الناجحة ممكنة.
في العام 2007 عملت مستشارة في مجال التعاون الدولي في مجلس البحوث الوطني الفرنسي، وأستاذة مشاركة في جامعتي السوربون 1، وباريس مارن لافالي، وباحثة مركز الدراسات الدولية، وحتى العام 2011 كانت كبيرة مستشاري التعاون الدولي في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي.
حصلت على جائزة ريموند جورج في العام 2011 من أجل العمل الخيري المبتكر الذي أنشأه صندوق “جائزة تكريم المساهمات البارزة في العمل الخيري الأوروبي”، لدور مبادرة الإصلاح العربي في تعزيز الديمقراطية في سياق الربيع العربي.
ألفت الدكتورة بسمة قضماني العديد من الكتب والأوراق البحثية والأكاديمية والمقالات باللغتين الفرنسية والإنكليزي حول قضايا التحول الديمقراطي في العالم العربي، وحول الشتات الفلسطيني، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، واستراتيجيات الدول العربية تجاه الحركات الإسلامية، والتغير السياسي في شمال أفريقيا، والأمن الإقليمي.
بعد العام 2011، لعبت الدكتورة قضماني دوراً بارزاً في المعارضة السياسية ضد نظام الأسد، وكتبت بانتظام مقالات في الصحف الأوروبي ترحب وتشجع الدول على دعم مطالب المتظاهرين بالديمقراطية في سوريا، وتدين قمع النظام للحراك السلمي للانتفاضة السورية، كما أسست مع مجموعة من الأكاديميين والسياسيين السابقين جمعية “مبادرة من أجل سورية جديدة”، التي تعنى بالعمل الإغاثي ودعم المجتمع المدني السوري.
مع إعلان تشكيل “المجلس الوطني السوري” في أيلول من العام 2011، شغلت الدكتورة بسمة قضماني منصب المتحدث الرسمي باسم المجلس، واستقالت منه في آب من العام 2012، وتشغل الآن عضواً في اللجنة الدستورية السورية.
حول تطورات الوضع السياسي السورية وقرب انعقاد الجولة المقبلة من اجتماعات “اللجنة الدستورية السورية” كان لنا مع الدكتورة بسمة قضماني الحوار الآتي:
لنبدأ مما حصل آخراً، تضمنت زيارتك الأخيرة إلى الشمال السوري عدة لقاءات وفعاليات، كما تحرص شخصيات عدة من المعارضة السورية على بقاء التواصل مع السوريين في الداخل، كيف يتم توظيف هذه اللقاءات ونقل أصوات من هم في الداخل إلى “أعمال اللجنة الدستورية”؟
التواصل مع الداخل السوري، خاصة في مناطق الشمال، هو أهم فرصة لنسمع من الناس هموهم وقلقهم مما سيكون مصيرهم، لأنهم يشعرون أنهم منسيون، لا أحد يفكر فيهم، فالقضية السورية لا تظهر في الإعلام الدولي، ويشعرون أن مصيرهم مجهول ومؤجل لأجل غير مسمى، والزيارة تعطي فرصة للتبادل وإيصال قراءتنا للمشهد الدولي واحتمال تفعيل الملف دولياً.
أما بالنسبة للجنة الدستورية فعملها بطيء جداً، لكن اجتماعاتها تعطي فرصة لنا أن نوصل إلى المجتمع الدولي بأكمله وليس لوفد النظام لأنني لا أعتقد أنه مهتم بسماع ما لدينا والاستفادة أو التفاعل فيما نقوله، لكن ما نقوله في قاعة الاجتماعات بوجود مستشارين دوليين للأمم المتحدة، هي رسالة شعب من كل مناطق سوريا مجمّع في مناطق الشمال السوري، وهي مناطق مكتظة وشروط الحياة فيها صعبة جداً، ولكن رغم ذلك ما لاحظته أن لدى هذا السوريين هناك واقعية ملفتة.
كل من كانوا يحضرون اللقاءات، وكل من تحاورت معهم، واقعية كاملة أن الحل يجب أن يكون حلاً توافقياً، حلاً قد لا يكون مثالي، أشعر أن الجميع ترك الشعارات جانباً وأصبح ينظر إلى ما يمكن أن يعيد اللحمة إلى المجتمع السوري، هذه الرغبة في التواصل، الرغبة في إعادة اللحمة، أعتقد أنها من الرسائل الأساسية التي سمعتها، وبكل تأكيد هذا ما يجب نقله وسيتم نقله إلى قاعة اجتماعات اللجنة الدستورية.
كيف ترين موقع حركات وتيارات الإسلام السياسي في مستقبل سوريا؟
أعتقد أن مستقبل التيار الإسلامي في سوريا في أن يشكّل حزباً سياسياً، ولكن لا شك أنه سيحتاج إلى الاندماج في عقد اجتماعي تُبنى عليه الحياة السياسية، ومبنيٌّ على الاعتراف بتنوع المجتمع السوري والحياة الديمقراطية بما في ذلك القانون المدني في كل قضايا المجتمع السوري.
وهذا يشكل تحدّياً بالنسبة للتيار الإسلامي، فهو في العشر سنوات الماضية انحدر إلى حدٍ ما نتيجة عدم قدرته على تقديم شيء بنّاء، وعدم نجاحه في التجربة المصرية، ارتباكه في الحكم في تونس، وهو اليوم متهم بأنه يتحمل مسؤولية الأزمة السياسية.
التيار الإسلامي في سوريا يحتاج إلى الاندماج في عقد اجتماعي تُبنى عليه الحياة السياسية، ومبنيٌّ على الاعتراف بتنوع المجتمع السوري والحياة الديمقراطية بما في ذلك القانون المدني في كل قضايا المجتمع السوري
وفي أثناء الثورة لم يوضح هذا التيار موقفه من الخطاب الطائفي، الذي أقلق مكونات المجتمع الأخرى غير السنية، وهذا له آثار بكل تأكيد، وبالنتيجة إذا كان هناك حزب سياسي يريد التيار الإسلامي المعتدل أن يشكّله، فحتى هذا التيار سيحتاج إلى خطاب غير إسلامي وتكوين ليس مبنياً على الدين، لأن المجتمع السوري بشكل واسع متوافق على ضرورة منع الأحزاب السياسية المبنية على الدين.
وهو من الممكن أن يتبنّى أي اسم غير ديني، ولكن سيكون دائماً في موقع التبرير، وبأنه لا يسعى دائماً إلى بناء مجتمع يهيمن عليه الطابع الإسلامي، فبقدر ما المجتمع السوري يتقبل الإسلام الاجتماعي بكل ظواهره بقدر ما يتوجس من تيار الإسلام السياسي، خاصة بعد عشر سنوات من النزاع والتي أظهرت عدم وجود أرض أو ظرف للتيار الإسلامي أن يحكم في سوريا دون مخاطر، بمعنى أن الموقف من التيار الإسلامي ليس بالضرورة أيديولوجي، وإنما اعتبار الواقع السوري وبناء عليه اعتبار هذا التيار لا يناسب المجتمع السوري.
هذا التيار قد يقوم ويصل إلى الحكم في دولة مجتمعها متجانس، مسلم سني بشكل كامل، وتونس ومصر من هذا النوع وربما المغرب، فلا يشكل مصدر تخوّف على تجانس المجتمع أو تعايش المجتمع في هذه البلدان، أما في سوريا فهو غير مؤاتٍ لمجتمع متنوع مثل المجتمع السوري.
هل دخلت اللجنة الدستورية السورية مرحلة التعطيل أم أن هناك آمالاً معقودة على الجولة المقبلة؟
اللجنة الدستورية لم تنجز أي شيء مع الأسف حتى الآن بعد سنة ونصف من إطلاق أعمالها في جنيف، ولا نستطيع أن نقول إنها دخلت مرحلة تعطيل، إنما هي لم تنطلق أصلاً، كما لا نستطيع أن نقول أن هناك آمالاً معقودة على الجولة المقبلة.
ما نراقبه الآن هو من أين سيتم تحريك الملف وتحريك هذا المسار، فهو لن يتقدم وحده ولن ينجز بوجود وفد يمثل نظام الأسد وهو واضح أن تعليماته بأن لا يخوض هذا النقاش ولا يدخل في تفاوض صادق وبنية أن لا ينجز شيء.
حتى الآن هذا ما نراه، فعملية التعطيل التي تأتي من وفد النظام لم تتغير إطلاقاً خلال كل هذه الفترة، لذلك ننتظر أن يتغير الموقف الدولي لكي يكون له انعكاس إيجابي على عمل اللجنة.
توقع وزير الخارجية الروسي أن تكون الجولة المقبلة “جدية ونوعية”، ما سر التفاؤل الروسي؟
سبق وسمعنا تصريحات روسية عديدة تقول بأنهم يتوقعون تطورات إيجابية وتعاوناً إيجابياً وتقدماً، أنا أعتقد أن روسيا في مأزق اليوم، وهي تدرس الوضع السوري اليوم، هل المسار يتشكل من دستور سوري جديد يفاوض عليه النظام والمعارضة، ثم الانتقال إلى الاستفتاء على هذا الدستور، إلى عملية انتقال سياسي مع هذا النظام.
نحن كمعارضة وكرأي عام سوري نشكك في أي نية لدى النظام بمشاركة أحد في الحكم أو القيام بأية إصلاحات
نحن كمعارضة وكرأي عام سوري، نشكك أصلاً في أي نية لدى النظام بمشاركة أحد في الحكم أو القيام بأية إصلاحات، وأنا أتساءل فعلاً ما إذا كانت روسيا تؤمن فعلاً بهذه العملية الدستورية التي أرادتها وفرضتها تقريباً على باقي الدول بالقول إن هذا المسار قد ينجز أو قد يكون فيه جدوى ما أكثر من المسارات الأخرى، ليكتشف الطرف الروسي إذا كان هناك اكتشاف فعلاً أنه ليس هناك نية للتعاون من قبل النظام، فهل روسيا مازالت مقتنعة بهذا المسار أم أنها تدرس احتمالات وسيناريوهات أخرى.
أعلن عن التوصل لاتفاق بعقد لقاء مباشر بين رئيسي وفدي المعارضة والنظام، ما الهدف، وما هي نقاط النقاش خلاله؟
الاتفاق بعقد لقاء مباشر بين الرئيسين المشتركين للجنة الدستورية لا يعتبر إنجازاً، وتقديمه من قبل الروس بأنه إنجاز غير مقنع أبداً، لأن ذلك موجود ضمن القواعد الإجرائية للجنة الدستورية، ومن المفترض أن تعقد هذه اللقاءات في كل جولة.
لكن حتى الآن رفض النظام أن يجتمع، فتطبيقه لا يجوز أن يتقدم على أنه تقدم أو تنازل من قبل النظام وهذا من حيث المبدأ، أما من حيث المضمون فأنا أخشى أن يكون الروس فعلاً يريدون إظهار هذا اللقاء على أنه الإنجاز دون التركيز على مضمونه، واستعداد النظام للقبول بجدول أعمال مجدٍ.
الروس يريدون إظهار هذا اللقاء على أنه الإنجاز، دون التركيز على مضمونه
أعتقد أن ما هو مطلوب فعلاً أن يوضع جدول أعمال بتحديد مخرجات نريد الوصول إليها في نهاية الجولة، وفي تلك اللحظة سيكون هناك تطور واعد، أما تلك المراوغات وتقديم شيء عادي على أنه تقدّم، فأنا أرى أن المجتمع الدولي تعب من تلك المراوغات، وأن الشعب السوري غير مقتنع أبداً ولن يعتبر أن اللجنة الدستورية أنجزت شيئا إذا لم يكن هناك مخرجات وتقدم بين جولة وأخرى.
أين تكمن عقد الاستعصاء السياسي لدى المعارضة السورية، وماذا تحتاج المعارضة لتكون أقرب إلى السوريين وتمثلهم بشكل حقيقي؟
تحتاج المعارضة السورية إلى الجلوس لفترة طويلة والتركيز على رسم السيناريو الذي يناسب سوريا، وذلك بعيداً عن أي تأثيرات لدول الجوار أو الأبعد منه، فما هو مطلوب اليوم أن يضع السوريون خطة لما يرونه في المرحلة الانتقالية، ولن أقول “رؤية”، لأننا أمام استحقاق سيفرض علينا نفسه، وهو أن هناك حالة انهيار للوضع حتى في دمشق.
ونظام الأسد لم يعد يسيطر حتى المناطق التي يحكمها، والتي يعتبر نفسه عسكرياً مسيطراً عليها، ولكنه لا يحكمها بشكل فعّال وغير قادر على أن يقدم أي شيء للشعب ولا في أي منطقة، لا موالية ولا معارضة، وبالتالي هذه إشارة هامة للمعارضة، وعليها أن تجلس وتضع خطة بكل أبعادها العملية، وماذا يتطلب الوضع السوري الأمني الاقتصادي الإنساني، وضع خطة بتسلسلها الزمني بعيداً عما ترغبه الدول.
الجلوس لمدة شهر، وعدم التوجه إلى الإعلام بأي كلام، وتجاوز التكوينات السياسية، التي هي إلى حد بعيد تكوينات وهمية من حيث تمثيلها للمجتمع السوري، فما يمكن أن تقدمه تلك المعارضة ليس بالادعاء بتمثيلها لأي منطقة أو فئة من المجتمع السوري، المطلوب أن تقدم شيئا ولا تمثل المجتمع.
اليوم الدور الذي يمكن أن تقوم به المعارضة في أن ينسى كل عضو من أعضاء هيئة التفاوض طموحاته السياسية وميوله ومصالحه، ليجلسوا ويتفقوا على ماهية الخطة بغض النظر عما تحيكه الدول لسوريا، لأن ما يحاك قد نستطيع مواجهته أو تعديله إذا كانت لدينا رؤية واضحة وخطة واضحة، أما إذا لم ننتج هذا التصور الواضح والعملي بخطة واضحة، فما يحاك لنا سيفرض علينا بكل بساطة، ولن يكون لدينا قدرة حتى على مناقشته.
يجب أن ينسى كل عضو من أعضاء هيئة التفاوض طموحاته السياسية وميوله ومصالحه، ليجلسوا ويتفقوا على ماهية الخطة بغض النظر عما تحيكه الدول لسوريا
فالمعارضة إن أنجزت تلك الخطة أو لنقل خارطة طريق تكون قد ساهمت في خط الخيار الوطني، ويمكنها القول وقتها للناس: هكذا يعود الأمان إلى سوريا، وهكذا تعود لقمة العيش ويعود المواطن إلى منطقته، هذا ما تتطلبه التحديات الأمنية والسياسية.
وكل هذه الاعتبارات أخفقت حتى الآن المعارضة في وضع تصور واقعي لها، وعندما أتحدث عن تصور واقعي لا أعني رؤية “هيئة التفاوض” التي صدرت قبل ما يقارب خمس سنوات، أقول الآن العمل على خطة واقعية مفصلية بكل خطواتها، وهذه هي الآلية التي تجمع المعارضة بتقديري لتكون لها بوصلة وطنية.
في لقاء جرى في مدينة غازي عنتاب التركية الأسبوع الماضي، تحدثتِ عن ضرورة وجود مجلس عسكري يتم تشكيله من قبل الأطراف المتصارعة، لكنه لا يكون بديلاً لهيئة الحكم الانتقالية، ما طبيعة هذا المجلس وكيف ستكون علاقته مع الجهات المدنية؟
من خلال مراقبتي لسلوك الدول تجاه سوريا، رأيت أنها بشكل أساسي قلقة من الوضع الأمني، ثم نحن عشنا شرخ أمني خطير في مجتمعنا تم تأجيجه من قبل النظام ثم من قبل تيار متطرف أمسك بمناطق كاملة وأطلق خطاباً شبيهاً بخطاب النظام، وهذا ما جعل المجتمع يخاف من المجهول ومن المستقبل.
ومما لا شك فيه أن سوريا مكان حرج أمنياً بالنسبة لكل جيرانه، وهذا موقعنا الاستراتيجي، وهذا مصيرنا لن نغير ذلك، كل الدول ترى ضرورة أن يكون الحل في سوريا ضامناً لأمن الدول المجاورة، ونحن معنيون بوضعنا الأمني والداخلي، ولكن إذا استطعنا وضع تصور عسكري وأمني، بشرط أن يضعه مختصون، نستطيع إعادة الأمن والاستقرار.
كل الدول ترى ضرورة أن يكون الحل في سوريا ضامناً لأمن الدول المجاورة، وإذا استطعنا وضع تصور عسكري وأمني، بشرط أن يضعه مختصون، نستطيع إعادة الأمن والاستقرار
لا أقول أن يحكم مجلس عسكري، وبكل تأكيد لا أحد يريد أن يحكم مجلس عسكري، ولن يكون مقبولاً بالنسبة للسوريين أو للخارج، وكل الدول العربية التي يهيمن فيها العسكر يبحثون اليوم عن صيغة يُقبلون فيها لدى المجتمع الدولي.
ولا أعتقد أن سوريا بعد كل تلك العقود سيكون من اللائق بها حكم عسكري، وبالتأكيد لا يستطيع الحكم السياسي الانتقالي أن يحكم دون ذراع أمنية، تضع التصور منذ الآن إلى كيفية ضبط الحالة الأمنية وإعادة الأمن والاستقرار لسوريا، فهناك عمل ضخم يتطلب أن يقوم به من يحمل السلاح، سلاح يستمد شرعيته من حكومة انتقالية، ويعمل ربما تحت مظلة كمظلة الأمم المتحدة، ويبني الأسس الصحيحة لأن يكون هناك استفتاء أو انتخابات أو أي شيء نريد القيام به في سوريا.
هل يرتبط ما تقوم به منظمات المجتمع المدني المتخصصة بتمكين دور المرأة في الحياة السياسية بما يحدث فعلاً على أرض الواقع في المجتمعات المحلية؟
منظمات المجتمع المدني التي تعنى بتمكين المرأة بكل تأكيد تعكس على أرض الواقع ما يحدث في المجتمعات المحلية، وهذا ما رأيته أثناء زيارتي للشمال، فجميع النساء اللواتي التقيتهن كن ناشطات في مراكز دعم المرأة وتمكينها، حتى في المناطق التي تعتبر جداً محافظة، ولم تكن تتقبل وجود المرأة في المجال العام.
وبكل تأكيد نساء سوريا تطورن خلال السنوات الماضية، ومع كل المآسي التي عشنها شكَّلن وعياً جيداً بأن دورهن محوري في المجتمع السوري، دورهن في الشأن العام مطلوب، وحقيقة قدرتهن على مناقشة الأفكار بواقعية مذهلة.
نساء سوريا تطورن خلال السنوات الماضية، ومع كل المآسي التي عشنها شكَّلن وعياً جيداً بأن دورهن محوري في المجتمع السوري
كما رأيت أثناء زيارتي يدل على أن النساء أصبحن شريكات في الحياة العامة في سوريا، نسميها الحياة العامة وليست الحياة السياسية، لأن ما يوجد الآن في سوريا فضاء عام من لقمة العيش إلى هموم الناس إلى رؤية للمستقبل، كل هذه الأمور مطروحة لدى نساء سوريا في الداخل وهن يناقشن ذلك بنضج.
كيف ترين الانتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا؟
هذه ليست انتخابات ومن المعيب تسميتها كذلك، قد يقوم بشار الأسد بعملية شكلية، وأعتقد أن لا أحد حتى من كل الموالين له سيصدق بأن انتخابات نزيهة جرت في سوريا، فهي عملية عبثية ولا يُبنى عليها، ولا أستطيع أن أتوقع أن يبني أحد عليها وخاصة روسيا.
فإذا كانت روسيا تعتقد أنه يمكن البناء على إعادة شرعية جديدة لبشار الأسد، عبر انتخابات في هذه الظروف، فلتتأكد أنها عملية عقيمة.
كيف ترين دعوات محاسبة مجرمي الحرب والمسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا؟ وهل تحقق العدالة للضحايا؟
يتناقل الناس مصطلح العدالة الانتقالية كل يوم، ولذلك من الضروري أن يوضع برنامج متكامل ليفهم المواطن السوري ماهي المعايير والمسؤولية في ارتكاب الجرائم.
وأعتقد أنه حان الوقت لتطمين المجتمع بكامله أن المحاسبة قادمة لا محالة، وأنه لن يبقى أحد بدون عقاب، ولكن بنفس الوقت يجب تحديد من المسؤول عن الجرائم، ومن هو الأقل جرماً ومسؤولية.
لا يجوز الاستمرار بالحديث عن العدالة الانتقالية بالشعارات، ونحن كمعارضة يجب أن نضع تصوراً لها ثم الذهاب بها المفاوضات
لا يجوز الاستمرار بالحديث عن العدالة الانتقالية بالشعارات، فهي عملية معقدة جداً، ونحن كمعارضة يجب أن نضع تصوراً لها ثم الذهاب بها المفاوضات، ويجب أن تتوفر رؤية موحدة على شكل تلك العدالة، وربما تكون رؤية مثالية إلى حدٍ ما لكنها قد تطمئن الشعب بأننا نسعى إلى المحاسبة عبر القانون ومحاكمة المجرمين، ونسعى إلى تطبيق آليات أخرى في العدالة الانتقالية، كالتعويض وجبر الضرر وكشف الحقيقة ومسارات طويلة الأمد.
فالعدالة الانتقالية عملية طويلة، تستغرق عقوداً وليس سنوات، وهذا واضح من تجارب دول أخرى، لكن اذا استطعنا أن نضع رسالتنا إلى الشعب بأن العدالة الانتقالية هي جزء لا يتجزأ من الانتقال إلى سوريا جديدة يعيش فيها المواطن بأمان وتوافق مع باقي المكونات، فهذا التوافق لابد أن يبنى على شيء حقيقي وليس بالتغاضي عما جرى.
هل ترين انفراجاً من أي نوع في قضية المعتقلين والمغيبين قسرياً؟
مع الأسف الشديد أنا لا أرى حالياً أملاً في أن تنفرج قضية المعتقلين والمغيبين قسرياً، فالنظام لن يفصح عن الواقع وعن مستوى الإجرام الذي وصل إليه في السجون والمعتقلات.
البعض يقول إن قضيتهم لن يتم التقدم فيها ولن تحل إلا مع الحل الشامل، ولكن محاولات الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان والهيئات الدولية المعنية بملف المعتقلين والمغيبين مستمرة في الحديث عنهم، ومحاولة الوصول إلى الافراج عن بعض المعتقلين من نساء وأطفال أولاً ثم فئات أخرى.
إذا دخلنا عملية سياسية يجب أن يكون هذا الملف بدايتها لأسباب عديدة، فالانتظار قد طال، والعائلات يجب أن تعرف مصير المعتقلين من ذويها، ولأن المعتقلين أيضاً هم فئة واسعة من السوريين، وخلال كل الصراعات في العالم كان للمعتقلين دور في العملية السياسية، وهؤلاء في سوريا دفعوا ثمناً يجعل العملية السياسية بتقديري تتأثر بمناخ إيجابي وواقع لا يمكن تجاهله، فيجب علينا استبعاد الشعارات والدخول بالتفاوض مباشرة، لأن كل معتقل بالنسبة للمفاوض يمثّل المأساة وهذا يساعد في إبداء المرونة والتعامل الواقعي مع الأمور.
—————————-
“أشكّل غضبي ليصبح دافعًا”.. حوار مع المعارضة السورية بسمة قضماني
كتب بواسطة: جون كريستوف بلوكين
ترجمة وتحرير: نون بوست
تدعوكم صحيفة لاكروا لتجربة سيل من العواطف المختلفة في خمس حلقات، حيث يتعلق الجزء الأول بالغضب. وبعد أن عرفت المنفى منذ الطفولة، انخرطت الأكاديمية بسمة قضماني في معارضة نظام بشار الأسد خلال التمرد في سنة 2011. في المقابل، تعود أصول سخطها إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير.
لاكروا: بما أنك أكاديمية ومختصة في السياسة الدولية، كرست حياتك المهنية للعالم العربي، وهي منطقة تعاني من اضطرابات دائمة، وأنت ملتزمة لصالح مسألة إرساء الديمقراطية في هذه البلدان. فيم تمثل دافعك لذلك؟
بسمة قضماني: طيلة حياتي، كان هناك مصدران رئيسيان للغضب يوجهان التزاماتي، يتمثل الأول في القضية الفلسطينية، بينما يتمحور الثاني حول وضع الشعب السوري. ولقد حدد هذان المصدران على التوالي مسيرة 35 سنة من عمري، فضلا عن تركيزي بشكل خاص على ثورات الربيع العربي في سنة 2011.
كيف تعبرين عن هذا الغضب؟
لا يمكن رؤية تجلي هذا الغضب. أنا لا أرفع نبرة صوتي، إذ أنه أمر نادر الحدوث. وبسرعة شديدة، لاحظت أنه لا يُستحسن التعبير عن الغضب بطريقة مباشرة وأولية. أنا أتحكم في هذا الشعور، أقوم بتشكيله بحيث يصبح دافعا. وكان الغضب سبب جميع مبادراتي وكل جهودي. وعموما، هناك حشود وناشطون ومتظاهرون للتعبير عن الثورة. إن دوري يتمثل في معرفة ما يجب القيام به حينما يعتريني هذا الشعور. وعلى أية حال، أنا أمنع نفسي من حياة هادئة وروتينية والاستمتاع بالأشياء البسيطة في الحياة. إن العالم غير عادل بشكل كبير، والوضع ملح للغاية.
من أين يتأتى غضبك؟
من حقيقة أنه على امتداد ثلاثة أجيال، التي تتعلق بوالدي وبي وبأبنائي، خسرنا بلدا. ومنذ أكثر من 50 سنة، سُجن والدي في دمشق، على إثر تصريحات اعتُبرت وقحة تتعلق بحرب 1967 التي خسرتها إسرائيل. علاوة على ذلك، فُصل والدي الذي كان يشغل منصب سفير سابق ورحلنا مفلسين حينما كان عمري لا يتجاوز العشرة سنوات.
أنا من الجيل الذي تشكل وعيه السياسي مع حرب حزيران / يونيو سنة 1967 وتولّد لدي غضب منذ ذلك التاريخ
إثر ذلك، لم يرغب أبي مطلقًا في امتلاك أي شيء في سوريا وطلب صراحة أن يدفن في فرنسا. لقد كان الأمر مؤلمًا للغاية، لأنه كانت لعائلتي والدي ووالدتي مسؤوليات سياسية مهمة للغاية منذ نصف قرن. وفي الواقع، تزيد هذه الذاكرة العائلية من حدة الشعور بالطرد حيث أن أولئك الذين يحكمون هذا البلد قاموا بحل الأماكن العامة. ولم يعد هناك أي أثر للمواطن.
علاوة على ذلك، أنا من الجيل الذي تشكل وعيه السياسي مع حرب حزيران / يونيو سنة 1967 وتولّد لدي غضب منذ ذلك التاريخ. لقد قضيت تلك الأيام الستة تحت تهديد القنابل في دمشق. حينها، أدركت الطفلة اللامبالية ضعفها، وضعف المحيطين بها. كما أدركت أول كذبة مريعة، نظرا لأن الراديو أخبرنا أننا كنا منتصرين في الوقت الذي كنا فيه بصدد فقدان كل شيء. لقد كان ذلك بمثابة صحوة فجئية، أثارها العدوان الإسرائيلي فضلا عن عدم مسؤولية وغرور ونفاق قادتنا.
في سنة 2011، حين انتشرت الثورة في سوريا، شاركت في إنشاء المجلس الوطني السوري، الذي كان أول محاولة لهيكلة المعارضة. فهل كان لديك أمل في التغيير؟
لقد كان في الغالب شعورا بأن الوضع ملح. وعندما سقط أول المتظاهرين في دمشق، في الأحياء التي أعرفها، انتابني سخط عميق، واعتبرت أن القمع أمر غير مقبول. بعد ذلك، تضخم غضبي بسبب القصف الجوي الذي استهدف قرى وأحياء بأسرها. واعتقدت أن الغرب سيتخذون موقفا، كما فعلوا في ليبيا. ولكن بسرعة فائقة، بدت رسالة الدبلوماسيين واضحة ووحشية: لن يكون هناك تدخل لحماية السكان المدنيين؛ نعم، ستكون هناك عمليات قتل جماعي، لكننا لن نفعل أي شيء إزاء ذلك.
كيف كان رد فعلك إذن أمام محاوريك؟
لقد تملكتني الرغبة في الصراخ، لكنني أنهيت المحادثة. لقد رفضت الاستسلام وشعرت في الوقت نفسه بالإحباط. في الحقيقة، أتخلص من كل ما من شأنه أن يعرقلني أو يعيقني، من أجل أن أكون قادرة على القيام حتى بالمستحيل، لأنني أدين بذلك لأولئك الذين يعيشون المعاناة. ومنذ الأشهر الأولى، كرّست كل وقتي لسوريا. لقد تركت عملي تقريبا، ومسؤولياتي، وعائلتي. لقد طلبت من ابنيّ الأكبر سنا رعاية شقيقهما الأصغر البالغ من العمر 13 سنة. حينها|، فهما أنه ينبغي على جميع أفراد الأسرة التجنّد من خلال مساندتي، ومساعدتي والعمل معي.
كان التحدي الكبير الذي يواجهنا في المجلس الوطني السوري متمثلا في شرح من كنا، ولماذا أردنا استعادة هذا البلد الذي فقدناه، وفيما كنا قادرين تمامًا على إدراجه ضمن العالم المتحضر، في الوقت الذي كان يحكمه همجيون وكان على هامش التاريخ. كل هذا كان أمرا ملحا للغاية وسبب سخطنا.
سرعان ما أصبحت الثورة في سوريا عنيفة. هل كان من الضروري حمل السلاح؟
لقد كان ذلك أمرا شرعيا، وأسوق لكم ذلك بكل حذر. أعرف شبابا طرحوا على أنفسهم، على امتداد أشهر عديدة، السؤال التالي: هل كان يتعين عليهم الدفاع عن أحيائهم ؟ لقد دخلوا في حوار معنا. كنا نأمل أن يظلوا سلميين. ولكن في مواجهة الهمجية، لم يكن من الممكن تجنب العنف خاصة وأن السلطة كانت ترغب في هذه المواجهة. وما أثار أسفي العميق هو أن الزعماء السياسيين للمعارضة لم يعرفوا كيفية تأطير العسكرة ووضع قواعد وتجنب جرائم الحرب.
بعد ثماني سنوات، هل يجب عليك الاستسلام للفشل؟
بالطبع لا، ومن المؤكد أنه حين يحين وقت المحاسبة، لدي انطباع بأنه لم يفتح أي باب من الأبواب العديدة التي طرقتها، ولم تفلح أية محاولة من محاولاتنا. وقد اتخذ الصراع منعطفًا أقل دموية. لكن، هناك دائمًا النظام ذاته، الحقود والمتباهي بانتصاره؛ والبرجوازية الموالية، والصامتة، والمستسلمة والراضية ذاتها؛ والمجتمع الدولي نفسه غير النشط.
نحن أجيال عاشت منذ عقود في كذبة شاملة، كما أن الأرقام التي يقدمونها لنا خاطئة. ولا يتحدث السياسيون عن الواقع
بطبيعة الحال، ستدفعني عقلانيتي إلى البحث عن تسوية سياسية، حين سيكون ذلك أمرا ممكنًا. أنا أعطي الانطباع بأني شخص معتدل للغاية وذو تفكير منطقي، حيث يرتبط ذلك بطبيعتي ومزاجي. لكنني ما زلت ملتزمة بالقضية بشدة. وفي هذا الإطار، إن ما يحدث في سوريا يعد بمثابة انتحار جماعي. ونحن نخشى حدوث تجزئة أو تقسيم مثل ما حدث في يوغوسلافيا. لذلك، يجب علينا، أنا وآخرون، القول إن هناك مستقبلا سياسيا لسوريا موحدة.
على نطاق أوسع، حرّك شعور الاستياء العميق العالم العربي منذ سنوات عديدة. لماذا؟
نحن أجيال عاشت منذ عقود في كذبة شاملة، كما أن الأرقام التي يقدمونها لنا خاطئة. ولا يتحدث السياسيون عن الواقع. لقد أدركت الشعوب ذلك، وحين يطالبون بكرامتهم، فهم ينادون أساسا بالحصول على الحقيقة والاحترام. في الحقيقة، أضحى حتى هذا الطلب ممنوعا.
هل عشت طوال الوقت في ثورة؟
إن الغضب هو نهر طويل وسام يعبر كل محطات حياتي. وينتابني هذا الشعور في مواجهة اللامسؤولية، والغياب التام للمبادئ، ووقاحة من يحكمون هذه البلدان، ولكن أيضًا في مواجهة أولئك الذين يوفرون لهم قاعدة اجتماعية والذين يتعاونون معهم على الرغم من أنه لا يمكن التعامل مع هؤلاء القادة. وفي الحقيقة، يدفعني ذلك إلى التفكير بمصير أقربائي، الذين لم تنفك وضعيتهم عن التدهور. أنا أطور هذا الشعور، إنه ضروري ومفيد، وربما يساعدني على الارتقاء من خلال منعي من العيش بأنانية مفرطة.
هل يُفسح الغضب المجال للبهجة؟ للجمال؟
لقد تأثرت بحساسية وإنسانية ولطف الأشخاص الذين يعانون واللذين يجب أن يكونوا محل اهتمام. نحن شعوب الحضارة القديمة وحين يتم التعبير عن هذه المدنية، على الرغم من طبقة الهمجية التي تغطي مجتمعاتنا، أقول في نفسي إنه ربما يكون هذا هو موطن الجمال.
الصحيفة: لاكروا
المواضيع:
الأزمة السورية
جون كريستوف بلوكين
رئيس تحرير الصحيفة
————————-
بعد خمس سنوات على الثورة: وحدة سوريا فى وجود تحول سياسى حقيقى/ بسمة قضماني
«ستخسر، وستدمر دمشق»، قالها الأخضر الإبراهيمى، مبعوث الأمم المتحدة الخاص، للرئيس السورى، محذرا إياه خلال لقاء جمعهما. «دمشق ستدمر، ولكن المعارضة هى التى ستخسر»، أجابه بشار الأسد. لأولئك الذين لايزال لديهم شك، يحمل هذا الحوار مغزى كبيرا حول العلاقة التى تربط الأسد ببلده، الذى يدعى أنه يمثله، بينما هو يحيله رمادا. فهذا النظام المافياوى الوراثى هو الذى انتفض ضده السوريون انتفاضتهم السلمية فى مارس 2011.
عشية الذكرى الخامسة لهذه الحركة السلمية، لم يعد ممكنا أن نكتفى بالأمنيات، وننتظر أن تحل الأزمة السورية نفسها بنفسها، وأن يقال لنترك الساحة لروسيا وبطلها «الذى لم يعد سوى قطعة شطرنج» فى دمشق، سيكون ذلك بمثابة الإصرار الغاشم على السير فى طريق السيناريو الكارثى للجميع، بدءا بالسوريين أنفسهم؛ ولن تنجو منه أوروبا الهشة أمام أزمة اللاجئين التى لم تستطع إدارتها، وأمام شبح الإرهاب الذى لن تستطيع حماية نفسها منه تماما.
***
وإذا كانت الهدنة التى توصلت إليها الولايات المتحدة وروسيا فى ميونخ قد أهدت، فى مجملها، استراحة للمدنيين، لطالما تاقوا إليها، فذلك الهدوء قد لا يدوم طويلا نظرا للمخاطر والتساؤلات التى تحيط بهذا الاتفاق.
فالاتفاق، أعطى أولا الضوء الأخضر لروسيا والنظام السورى، لاستبعاد أى جماعة قد تضر بمصالحهما، من وقف الأعمال العدائية، فيما يشبه ستار الدخان الذى يتيح لهما متابعة التقدم على حساب قوات المعارضة، تلك التى تقاتل النظام والجماعات المتطرفة معا. وبالتالى، فقد يوشك غياب أى آلية للمراقبة أن يفضى إلى الانهيار الكامل للاتفاق، والعودة المستعرة للأعمال العدائية.
ومع ذلك، يجب بذل كل الجهود الممكنة لضمان استمرار الهدنة التى دخلت فى الأسبوع الثالث، والتزمت جميع قوى المعارضة بها وهذا ما فاجأ الجميع التحدى الأكبر الآن هو أن تكتسب المفاوضات التى بدأت فى جنيف فى 15 مارس، تحت رعاية الأمم المتحدة، المصداقية. وأن تفتح المساومات الدبلوماسية المجال للتوصل إلى حل سياسى للنزاع ينقذ سوريا دولة وشعبا. وهو ما يستلزم أقصى درجة من الوعى والمسئولية. ذلك أن بشار الأسد وحلفاءه الروس، بدلا من أن يتعاملوا مع القضية الرئيسية المتمثلة فى عملية الانتقال السياسى للخروج من الأزمة، يسعون لجعل إيصال المساعدات الإنسانية موضوعا للتفاوض واستغلاله للحصول على تنازلات من المعارضة السورية.
إن القانون الدولى الإنسانى يعرف الحصار على أنه جريمة حرب وقرار مجلس الأمن الأخير رقم 2254 يجعل من القضية الإنسانية التزاما لا يخضع للتفاوض. نظام الأسد مسئول عن الغالبية العظمى من حالات الحصار التى تواصل حرمان قرابة المليون مدنى، حسب مرصد الحصار الذى يحظى باحترام واسع «سيج واتش» ــ من الغذاء، والمياه، والأدوية.
فى هذه الشروط يبقى الدافع للهجرة حاضرا بقوة لدى عشرات الآلاف من السوريين الذين لم تضمن لهم هذه الهدنة الهشة حتى الآن لا اجتياحاتهم الحيوية ولا الحماية المأمولة.
لقد تحول المدنيون منذ بداية النزاع، إلى أهداف للهجمات بشكل ممنهج. فهم ليسوا ضحايا «أضرار جانبية» كما يتم الزعم. بل كل شىء يدل على أن استهدافهم يقع فى قلب استراتيجية موسكو ودمشق من أجل إحداث المزيد من التهجير وزعزعة الاستقرار فى أوروبا ودول الجوار السورى بسبب تدفق اللاجئين. هذا ما ذكره الجنرال فيليب بريدلوف، قائد قوات حلف شمال الأطلنطى فى أوروبا الذى اتهم روسيا باستخدام التهجير كسلاح ضد أوروبا. وبالفعل فإن كل المؤشرات تدل على أن وتيرة النزوح الجماعى ستتسارع.
***
وبنظرة أكثر قربا فى السياق العربى، أين الدول العربية من المأساة السورية؟ يبدو أن العديد من الدول العربية تقف فى مواقع متناقضة فى تعاملها مع الوضع فى سوريا. لذا يتعين عليهم أكثر من أى وقت مضى، أن تتطلع لدور قيادى لمعالجة الأسباب الجذرية لأسوأ أزمة إنسانية يشهدها العالم العربى.
وهو ما يتطلب بالضرورة تحول سياسى حقيقى فى سوريا، بوصفه الحل المجدى الوحيد لإنهاء النزاع. وقد علمتنا التجارب أن المفاوضات لا تفضى إلى مثل هذا الاتفاق إلا إذا جلست الأطراف على مائدة التفاوض وتعاملت بصدق مع المسار السياسى. لذا تحتاج سوريا إلى حشد كل الجهود العربية والدولية لدعم تحول سياسى حقيقى.
فى اللحظة التى تنبئ فيها روسيا بإمكانية تقسيم سوريا، يجب ألا ننسى أن السوريين بدأوا ثورتهم فى 2011 وهم مصرون على وحدتهم بكل طوائفهم، وبعد خمس سنوات من المعاناة غادوا ليتظاهروا سلميا ولا يأملون اليوم إلا فى إمكانية التوحد من جديد لإعادة بناء وطنهم، والتخلص من المجموعات الإجرامية التى تروم التحكم فى مصائرهم، فى دمشق كما فى الرقة. لقد اعتبر بشار الأسد توحد الشعب تهديدا له شخصيا، فزرع الرعب فى قلوب بنى وطنه والفوضى بين صفوف معارضيه. وما زال بشار يمثل حتى الآن العقبة الرئيسية فى إعادة الاستقرار والأمن إلى سوريا. فهل يساوى مصير رجل واحد المخاطرة بمستقبل شعب بأسره؟
*نقلاً عن “الشروق” المصرية
————————
بسمة قضمانى فى حوار شامل مع (الشروق): (ثورة سكايب) ستنتصر.. ولا تفاوض مع الأسد إلا على الرحيل
غادرت سوريا بعد هزيمة 1967، حينما طُرد والدها الدبلوماسى ناظم قضمانى من وزارة الخارجية بسبب تعليق شجاع أطلقه فى وجه وزير الخارجية آنذاك إبراهيم ماخوص، قائلا: «لقد استقال جمال عبدالناصر بعد الهزيمة.. فماذا أنتم فاعلون؟». وجاء الرد بسجن قضمانى ستة أشهر، وطرده خارج سوريا، لتجد بسمة نفسها مجبرة على العيش خارج وطنها
حدث ذلك رغم أن والدها بعثى «للعضم»، لكنه كان مستقلا مختلفا مع النظام ومحسوبا على مجموعة البعثيين الذين قرروا ممارسة الديمقراطية، فقررت المجموعة الأخرى التى فضلت الاستبداد أن تهمشهم بل وتقصيهم خارج سوريا
بسمة، عضوة المجلس الوطنى السورى المعارض والمتحدثة باسمه، التى تسير على درب والدها فى معارضة نظام الرئيس بشار الأسد الحاكم، تشدد فى حوارها مع «الشروق» على أن «ثورة سكايب ستنتصر على الأسد»، مستبعدة أن يلجأ السوريون إلى طلب التدخل العسكرى الدولى كما حدث فى ليبيا.وإلى نص الحوار
● بداية.. كيف تأثرت بطرد والدك من سوريا؟
ــ كان عمرى 9 سنوات، وأتذكر جيدا هذه السنوات الصعبة التى جعلتنى معارضة رغم أننى لم أمارس من قبل أى شكل من أشكال الاحتجاج، ولكن هزيمة 67 وطرد والدى من سوريا، كان لهما ردة فعل قوية فى نفسى التى حملت تساؤلات كثيرة، منها: «هل هذه الأرض فعلا وطنى؟ هل سأعود يوما إلى دمشق؟». كنت أتصور أن «التغيير مستحيل»، خرجنا من سوريا قاصدين لبنان، التى كانت مأوى المعارضين آنذاك.. عشنا بها 3 سنوات ثم سافرنا إلى بريطانيا ومنها إلى فرنسا. التحقت بمعهد العلوم السياسية فى فرنسا، وحصلت على الدكتوراه، وعملت فى مجال الأبحاث لمدة 23 عاما أملا فى صياغة أفكار وإعداد تحليلات تسهم فى تغيير صنع القرار، لكن لم يكن لدى أمل فى تغير الوضع بسوريا
● بعد اندلاع الثورتين التونسية والمصرية.. هل توقعتى ثورة السوريين؟
ــ لم أتخيل أبدا أن يثور السوريون فقضبة نظام الأسد لا تمنح المعارضة أى متنفس.. استبعدت وصول الربيع العربى إلى سوريا، لتصورى أنه لن يجرؤ أحد حتى على مجرد الهمس ضد النظام. حتى أفراد النظام يراقبون بعضهم البعض، كما أن استقرار سوريا كان أولوية حتى لدى الشعب، الذى تصور أنه نعم باستقرار 40 سنة لا داعى للتنازل عنه
● ولكن كانت هناك محاولات سابقة للثورة على النظام؟
ــ فعلا، فى أعوام 1979 و1980 و1982 واجه النظام انتفاضات مختلفة، ولاسيما فى مدينة حماة (وسط)، ولكنها كانت مسلحة، مما منح نظام حافظ الأسد مبررا لاستعمال القوة ضد المتظاهرين، وممارسة عمليات قتل جماعى واختفاء قسرى واعتقال آلاف السياسيين. بعدها لم أتصور أن يثور السوريون، بسبب الخوف من المجهول وغموض المستقبل الذى نجح النظام فى زرعه داخل عقولهم. فى آخر مرة زرت فيها سوريا قبل عامين، كنت أخشى زيارة بعض أصدقائى، خوفا من أن زيارتى لهم قد تجلب عليهم أعداء النظام
● بماذا تفسري عدم وصول الثورة حتى الآن إلى قلب دمشق؟
ــ بسبب القبضة الأمنية المحكمة، فنظام حافظ الأسد ورث نجله منظومة أمنية قوية، وروؤس النظام، أى عائلة الأسد، وحاشيته يتمركزون فى قلب العاصمة، مما يجعلها قلعة محصنة، لدرجة أن أسعار العقار فى الأحياء السكنية التى يتمركز فيها أركان النظام، وهى «عدنان المالكى وأبو رمانة والروضة وشعلان والقصاع»، أصبحت بعد الثورة أعلى من اسعار العقار فى نيويورك وباريس، لأنها الأحياء الأكثر أمانا. لدى النظام قناعة راسخة مفادها أن السيطرة المحكمة على دمشق ستمنع أى محاولة للإطاحة به، كما أنه ربط مصالحه بمصالح النخبة البرجوازية، لاسيما التجار، وقد عقد «تحالف» أو «شراكة» ضمنية غير مكتوبة تشترط على هذه النخبة البعد عن السياسة مقابل إفساح السوق أمامه لجنى الأموال، ونفس الوضع فى مدينة حلب
● وهل هذا التعاقد قابل للفسخ؟
ــ بالطبع نعم، فبعد اندلاع الثورة بدأت النخبة تشعر بأن خسائره أكبر من أرباحه. وفى نفس الوقت لا يمكن اتهام النخبة بالانتهازية لتأخرهم فى الانضمام للشعب، لأنهم على مدار 40 عاما لم يكن أمامهم خيارات، فمثلا التاجر الذى يرغب أن يكبر فى السوق لابد وأن يطلب موافقة النظام ضمنيا، لينتفع أحد أفراد عائلة النظام، إما عن طريق نسبة من الأرباح أو الرشوة، ومن يرفض ذلك يخسر تجارته، أو يتعرض للاعتقال أو الاختفاء القسرى
● معنى ذلك أن وصول الثورة لدمشق يكاد يكون مستحيلا
ــ لا يوجد مستحيل بعد أن ثار الشعب، لكنها مسألة وقت.. التجار يشعرون الآن بتضرر مصالحهم، ولكنهم يحتاجون لتوافر بديل يتعلقون به، كما أن أطراف دمشق وصلتها الثورة، فالميدان ودوما وركن الدين كلها أحياء دمشقية ثائرة. أما حلب فلن تثور قبل دمشق، لأنها تاريخيا حاولت أن تثور فى أواخر سبعينيات القرن الماضى، ولكنها قمعت وتخلت عنها دمشق
● هل المعارضة قادرة على توفير بديل لنظام الأسد؟
ــ قبل الثورة كنت سأجزم بأن ذلك مستحيل، لأن المعارضة كانت مقهورة ومسحوقة، أما الآن فأنا متأكدة من أنها قادرة على توفير البديل، فالفائدة الوحيدة من طول عمر الثورة هى إعطاء فرصة للمعارضة لتنظيم وبلورة نفسها
● ولكن ألا ترين أن المعارضة ما زالت متفرقة؟
ــ هذا أمر طبيعى جدا، ولكن مع مرور الوقت بدأت تنظم نفسها وتنضج. فى البداية ظهرت مجموعات تدعو كل منها لمؤتمر فى دولة ما. هذا بالنسبة للمعارضة فى الخارج، أما المعارضة فى الداخل فمشغولة بحماية نفسها، وسط استمرار العنف الذى يمارسه النظام ضدها. لكن عبر شبكة الإنترنت، لاسيما برنامج التواصل والتخاطب «سكايب»، اقتربنا من بعضنا حتى أننا أطلقنا على ثورتنا «ثورة سكايب»، وليس ثورة «فيس بوك» مثل المصريين، وحاولنا ترتيب أفكارنا، ومن هنا جاءت فكرة المجلس الوطنى السورى للم شمل المعارضة
● لكن معارضة الداخل تردد أن معارضة الخارج لا تمثلها؟
ــ نحن متفهمون جدا لموقفهم، فهم الذين عاشوا فى ظل هذا النظام وتحملوا أساليبه القمعية، ولكننا الآن فى مرحلة حرجة نحاول أن نتفاهم ونتواصل عبر الانترنت.. نختلف ونتفق ونختلف ونتفق مرة أخرى، وهكذا حتى نصل لاتفاقات تعلى مصلحة سوريا، فالمجلس الوطنى السورى، الذى ولد من وحى عقول مجموعة مستقلة من النشطاء والمحامين وأساتذة جامعات، هو المظلة التى توحد المعارضة بكل أطيافها، لوضع منهجية لإنقاذ سوريا. لقد راع القائمون فى المجلس على رصد الأطياف السياسية مع مراعاة نسبة المعارضة فى الداخل والخارج، فنسبة تعداد سكان سوريا فى الداخل 23 مليونا مقابل 18 مليونا فى الخارج
● وكيف سينجح المجلس الوطنى فى توحيد المعارضة؟
ــ لا أبالغ إن قلت إن المعارضة بالفعل بدأت تتوحد بعد أسبوع من الإعلان عن تشكيلة المجلس، وعدد من المعارضة فى الداخل اقتنعوا بأن وجودنا فى الخارج ييسر تحركنا ضد الأسد، واطمأنوا إلى أننا نقدر جهودهم، خاصة بعد أن أعلنا أننا سنحل المجلس بمجرد سقوط النظام لتشكيل حكومة انتقالية، فهو ليس مجلسا انتقاليا، وقد نجح بنسبة 95% فى توحيد قوى المعارضة. لقد حرص المجلس على عدم اللجوء إلى نظام المحاصصة المعمول به فى لبنان والعراق، فلم يتم اختيار أعضائه على أساس طائفى أو إثنى، لحرصنا على وحدة سوريا، وعلى مفهوم المواطنة
● وما هى أهم مهام المجلس فى المرحلة الحالية؟
ــ التخاطب مع المجتمع الدولى لتحقيق مطالب الشارع السورى وإقناع الدول التى لا تزال منحازة للنظام بالتخلى عنه، مثل روسيا والصين والهند، وسنعمل أيضا على استصدار قرار إدانة لسوريا من مجلس الأمن الدولى، لنتمكن من اللجوء للمحكمة الجنائية الدولية، لأن سوريا غير موقعة على اتفاقية روما الخاصة بالمحكمة، ولتتمكن منظمات الإغاثة والمنظمات الإنسانية، كالصليب الأحمر، من دخول سوريا. لدينا عشرات الآلاف من الجرحى لا يجدون علاجا، حيث يحرمهم النظام من الذهاب للمستشفيات، ومن يخالف التعليمات يقتل أو يعذب أو يفقد، فلدينا نحو 20 ألف مفقود. تقول الأمم المتحدة إن أكثر من 2600 مدنى سورى استشهدوا منذ بدء الاحتجاجات الشعبية منتصف مارس الماضى
● هل أضعفت العقوبات الدولية نظام الأسد؟
ــ بالتأكيد، يكفى أنها أوجدت نوعا من التوتر بين النخبة، بل يمكننى القول إنها كسرت التحالف بين التجار والنظام. أؤكد أننى ضد أية عقوبات تضر بالشعب، وحتى الآن العقوبات الدولية مدروسة ولم تؤثر إلا على النظام
● هل يقبل المجلس الوطنى بحوار مع النظام؟
ــ مستحيل، إلا فى حالة واحدة، وهى الحوار مع الأسد حول آليات خروجه، فما دون ذلك يخالف مطالب الشارع
● بعد 6 أشهر من الثورة.. هل تأملون فى انحياز الجيش للشعب؟
ــ نتمنى ذلك، صحيح أن انشقاقات صغيرة فقط وقعت حتى الآن داخل الجيش، إلا أن انضمام المؤسسة كاملة يحتاج أن يثور أفراد الطائفة العلوية (التى ينتمى إليها الأسد) أنفسهم، خاصة أن الاستراتيجية التى يستخدمها النظام فى مواجهة الثورة تتكون من «شبيحة ــ أمن ــ فرق جيش»، وليس الجيش وحده، والأجهزة الثلاثة يسيطر عليها أعضاء عائلة الأسد، وكل جهاز يراقب الآخر، وكل فرد من أفراد هذه الأجهزة يراقب الآخر
● وهل من مؤشرات على إمكانية أن ينتفض العلويون؟
ــ نعم، بعض أفراد الطائفة بدأوا يدركون أن مستقبلهم مع الشارع وليس مع عائلة الأسد، ووصلتنى أخبار منذ أسبوع عن توجه بعض مشايخ من العلويين فى حمص لمشايخ سنة لإبلاغهم باستعدادهم الانقلاب على الأسد بشرط حصولهم على ضمانات. المشكلة تكمن فى النظام الأمنى المحكم، فحتى هذا التواصل يمنعه الأسد ويعتقل كل من تسول له نفسه الإقدام عليه، ولكننا نراهن على أنه يمكن أن يتحقق لأننا لا نريد اللجوء للتدخل الدولى العسكرى
● لماذا تخشين تكرار النموذج الليبى فى سوريا؟
ــ السيناريو الليبى بطله التدخل العسكرى، حتى الليبيون أنفسهم شعروا أن الثورة خطفت منهم بمجرد تدخل قوات حلف الأطلنطى «الناتو»، ولا يخفى على أحد أن الدول الكبرى، التى دفعت نحو هذا التدخل، لديها أطماع، أهمها ضمان حصة من الثروة النفطية الليبية. طبعا أؤكد أن خيار التدخل الدولى لا يقلل من بسالة الشعب الليبى الذى انتفض ضد الظلم والقهر. كسوريين نحاول أن يكون التدخل العسكرى هو آخر الخيارات
● دائما ما تشبهين ما يحدث فى سوريا بما حدث فى الجزائر عام 1988.. فلماذا؟
ــ لأننى أخشى من تكرار ما حدث فى الجزائر فى سوريا، ففى ثمانينيات القرن الماضى انتفض الشعب الجزائرى طامحا نحو الديمقراطية، والنظام ادعى أنه يستجيب لمطالب الشعب، ونظم انتخابات بلدية عام 1990. ثم ظهرت الحركات الإسلامية، فى ظل نظام امنى قوى، فاعتقد النظام أنه أحكم قبضته على كل الدوائر الانتخابية لضمان الأكثرية، ففوجئ باكتساح الإسلاميين، وعلى أثر ذلك قامت حرب أهلية استمرت 12 عاما، دفع ثمنها الشعب من دمائه، وأخشى أن يتكرر الوضع فى سوريا لو تسلحت الثورة
● وهل يطمع الإسلاميون لحكم سوريا؟
ــ لا أعتقد، صحيح أنهم أكثر أطياف المعارضة تنظيما، ولكنهم غير راغبين على الأقل فى المرحلة الأولى فى تولى زمام الأمور، فقد أعلنوا أنهم لا يطمحون فى أكثرية فى الحكومة ولا أغلبية فى البرلمان، ناهيك عن أن هناك أحزابا لها تواجد فى الشارع، مثل حزب الشعب، فلا مجال للخوف من سيطرة الإسلاميين
● ما رأيك فى موقف إيران من الثورة السورية؟
ــ إيران تبحث عن مصالحها، ولن تستمر فى دعم نظام الأسد إذا بدأت تستشعر أنها ستخسر، صحيح أننى سمعت عن استعانة النظام السورى بنحو 300 عنصر إيرانى فى مجال الاتصالات لمراقبة مواقع التواصل الالكترونى. لكن طهران حريصة على ألا تظهر فى الشارع السورى كى لا تثير مشاكل مع إسرائيل، لكنها أرسلت عناصر من حزب الله لمساندة النظام، حسب روايات البعض. من وجهة نظرى إيران بدأت تجهز نفسها لمرحلة ما بعد الأسد
● وماذا عن الموقف الأمريكى؟
ــ الرئيس أوباما يحسب حساب إسرائيل، واستمرار نظام الأسد لم يسبب إزعاجا للإسرائيليين، فمنذ عام 1973 لم تحدث مواجهة عسكرية بين إسرائيل وسوريا، لذلك لم تتفاعل أمريكا مع الثورة السورية فى البداية تغليبا لاستقرار إسرائيل، التى لا تزال تخشى تغيير النظام فى سوريا خوفا على استقرارها
● وهل ستتخلى تركيا عن الأسد؟
ــ تقديرى أن تركيا تدرك منذ البداية أن نظام الأسد انتهى، ومن مصلحتها أن تقف فى صف الشعب، لأنها دولة ديمقراطية فهمت بسرعة ما يحدث فى المنطقة ورتبت أوراقها. (رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان) يعلم جيدا أن مستقبل تركيا فى شعبيتها المتزايدة بالمنطقة ولن يضحى بها من أجل النظام السورى، ولكنها بطيئة فى اتخاذ موقف ضد الأسد، خوفا من المجهول، فالدول توازن ما بين الاستقرار والتغيير، وترجح فى البداية كفة الاستقرار، لأن التغيير محفوف بالمخاطر، ولكن عندما تتوالد بشائر المستقبل ترجح كفة التغيير
● وما رأيك فى موقف الجامعة العربية؟
ــ الجامعة قامت بدورها الطبيعى، فهى يجب أن تتدرج فى موقفها، وتبدأ بالوساطة قبل ان تطالب الأسد بالتنحى، وقد بادر أمينها العام نبيل العربى شخصيا بالوساطة قبل أن تتخذ الدول العربية موقفا منه. ورغم أن مبادرة الجامعة خيبت آمال الشارع السورى، إلا أننى قرأت المبادرة، وأرى أن البند الذى ينص على الوقف الفورى للعنف يكفى لسقوط النظام، لأن لو النظام أوقف إطلاق النار سنجد 10 ملايين سورى فى الشارع، وبالتالى سيسقط النظام، وما يثبت صحة كلامى رفض النظام السورى وقف إطلاق النار. أعتقد أن الجامعة ستتخذ قرارا أكثر شدة ضد الأسد بعد أن منحته فرصة لم يقتنصها، فالدول العربية جميعها فقدت الأمل فى النظام السورى وأدركت أنه خطر على المنطقة
● وهل استعدت المعارضة لمرحلة ما بعد الأسد؟
ــ اعترف أننا تأخرنا فى التحضير لهذه المرحلة ولكن السبب هو انشغال المعارضة بتوحيد نفسها اولا، ولكن أعتقد أنها ستكون مرحلة عدالة انتقالية، ستحل كل مؤسسات الدولة، ونبدأ من جديد، ولكن فى نفس الوقت سنترك للقضاء الحساب والعقاب ونعمل على إرساء فكرة التصالح، ونبتعد عن تكرار «اجتثاث البعث» التى تمت فى العراق، فالكثير منهم كانوا مأمورين ولا حول ولا قوة لهم
● وهل هناك قيادات سورية تصلح لقيادة المرحلة الانتقالية؟
ــ طبعا، ولكننى لا أحب أن أذكر أسماء هذه الشخصيات قبل سقوط النظام. نحن كسوريين نعرفهم جيدا، سواء كانوا كفاءات بالخارج أو قيادات ميدانية فى الداخل
● ومتى يسقط النظام فى رأيك؟
ــ لا يمكن أن أتوقع، لكنه انتهى سياسيا، وثورة سكايب ستنتصر على الأسد، فهو يترنح وتهتز كل أركان نظامه، وكلما زاد القمع زادت قوة الثورة حتى تبلغ النصر، وحينها لن يتنازل الشعب عن محاكمة الأسد على كل جرائمه
رغدة رأفت
الشروق – الأربعاء 28 سبتمبر2011
http://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=28092011&id=fbfda7ff-39da-473f-ade3-
——————————–
النضال من أجل السلام في سوريا: عقد من صنع القرارات
بواسطة بسمة قضماني, السفير روبرت فورد, جيمس جيفري
Syrian flag over a ruined building destroyed by bombing
Open image icon
عن المؤلفين
Bassma Kodmani
بسمة قضماني
بسمة قضماني هي عضوة في “اللجنة الدستورية السورية” و “لجنة الصياغة السورية” ومؤسسة “المجلس الوطني السوري”، أول ائتلاف معارض في البلاد.
Ambassador Robert Ford
السفير روبرت فورد
روبرت فورد هو زميل أقدم في “معهد الشرق الأوسط”، وشغل منصب سفير الولايات المتحدة في سوريا بين عامي 2011 و 2014.
Ambassador James Jeffrey
جيمس جيفري
جيمس جيفري هو زميل متميز في زمالة “فيليب سولونتز” في معهد واشنطن.
تحليل موجز
تستمر عمليات القمع والاعتقالات ضد الناشطين والعاملين في المجال الإنساني في سوريا. كما أن البلاد على شفير أزمة جوع حقيقية ما لم يتم إجراء تغييرات على طريقة توزيع المساعدات. وفي هذا الصدد وغيره من الجوانب الانسانية والسياسية، يبحث اثنان من السفراء الأمريكيين السابقين ومسؤول من المعارضة السورية الدروس الدبلوماسية والجيوسياسية والإنسانية العديدة التي ينطوي عليها الصراع لإدارة بايدن.
“في 5 آذار/مارس، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع بسمة قضماني وروبرت فورد وجيمس جيفري. وقضماني هي عضوة في “اللجنة الدستورية السورية” و “لجنة الصياغة السورية” ومؤسسة “المجلس الوطني السوري” المعارض. وفورد هو سفير الولايات المتحدة السابق في سوريا في الفترة 2011-2014، وزميل أقدم في “معهد الشرق الأوسط” و”زميل كيسنجر الأقدم” في معهد “ييل جاكسون للشؤون العالمية”. وجيفري شغل منصب الممثل الأمريكي الخاص المعني بشؤون سوريا (2018-2020) ونائب مستشار الأمن القومي الأمريكي في الفترة 2007-2008؛ ويرأس حالياً “برنامج الشرق الأوسط” التابع لـ “مركز ويلسون”. وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهم”.
بسمة قضماني
الوضع في سوريا مريع، حيث تستمر عمليات القمع والاعتقالات ضد الناشطين والعاملين في المجال الإنساني على حد سواء. كما أن البلاد على شفير أزمة جوع حقيقية ما لم يتم إجراء تغييرات على طريقة توزيع المساعدات. وبالنسبة للعديد من السوريين، أصبح تأمين الغذاء هو الشاغل الوحيد، ولا يستطيع المواطنون العاديون حتى شراء الخبز.
وليس من الواضح إلى أي مدى قد تكون العقوبات مسؤولة عن هذه المعاناة، لكن الحملة الدعائية التي يقوم بها بشار الأسد تشدّد على وجود رابط كبير بين المسألتين. فالعقوبات مفيدة إذا كان المجتمع الدولي حريصاً على جعلها “أكثر ذكاءً” وإذا لاحقت أفراداً. لكن منع الحصول على الأموال اللازمة لإعادة الإعمار أمر مؤلم. من الضروري أن يحصل السوريون على قنوات بديلة – يجب تقديم الأموال لمجموعة متنوعة من الجماعات خارج سيطرة الأسد؛ وتُشكّل المعابر الحدودية “السرية” إحدى الخيارات التي يمكن توسيع نطاقها.
وبالفعل، من المهم التساؤل عما إذا كانت هناك أدوات أخرى متاحة إلى جانب العقوبات. هل يقتصر هدف الولايات المتحدة في سوريا على كونها المعرقل، أو على منع روسيا من الانتصار؟ هذه استراتيجية اعتمدتها موسكو في الماضي وليس الولايات المتحدة. والمشكلة هي أن الاستثمار من قبل الدول الغربية كان ضئيلاً للغاية ومتأخراً للغاية، وهذا النهج غير الحاسم لم يترك لهذه الدول سوى القليل من الخيارات الجيدة.
ويُعتبر الوضع الذي وصلت إليه العملية الدبلوماسية غير مشجع أيضاً. وهناك بعض الأمل لإحداث تغيير مع إدارة بايدن، وبعض الأمل في المحاسبة مع قيام ألمانيا مؤخراً بمحاكمة مجرمَيْ حرب سوريَيْن، الأمر الذي قد يحرج حلفاء الأسد. لكن عموماً، هناك أمل ضئيل للغاية في التوصل إلى حل عبر المسار الدبلوماسي الحالي. إن إحدى المشكلات الرئيسية هي أن الأسد شجع الاستقطاب مراراً وتكراراً، وأن الكثيرين وقعوا في ذلك الأمر. والسؤال الآن وراء [أي خطة] يستطيع الناس أن يتّحدوا؟ هذا هو الوقت المناسب لاتخاذ خطوة إلى الوراء والتفكير في الخيارات الأخرى، ولكن في الوقت الحالي لا توجد إشارة من أي مصدر حتى أن هناك مجال للدبلوماسية.
إن السياسة الحالية هي وصفة لاستمرار الحرب وانعدام الأمن وانتشار الجهاديين. وروسيا هي القوة الحاسمة في الوقت الحالي، ولهذا السبب نتحدث معهم. ولا يوجد حل مثالي، لكن من الضروري أن تتحد البلاد تدريجياً.
روبرت فورد
ارتكبت إدارة أوباما خطأين أساسيين في بداية الأزمة السورية. الأول هو أننا لم نفهم بين عامي 2012 و2013 أن ما يحصل هو حرب فعلية. فقد قلنا، وكنا على قناعة تامة، أنه لن يكون هناك حل عسكري للأزمة. إلّا أن ميزان القوى العسكري لطالما كان القضية الأساسية. كنا نتجاهل ما كان الأسد يحاول تحقيقه: النصر بالنسبة له هو البقاء في السلطة. لقد أخطأت الإدارة الأمريكية خطأ فادحاً، وأثر ذلك على سياستها بشتى الطرق.
ثانياً، اعتمدنا كثيراً جداً على الروس بين عامي 2012 و 2014. فقد اعتقدنا أنهم قادرون على تقديم حلول وسط سياسية مهمة من حكومة الأسد، ولم ندرك أبداً أنهم لم يكونوا مهتمين بالقيام بذلك. إن القول بأنك لا تحب بشار الأسد أمر واحد، وهو ما قالوه مراراً، وانتزاع تنازلات من الأسد أمر مختلف تماماً. لقد كان الاعتماد على روسيا متجذراً في الأمل وليس في التحليل.
وتتطلب جوانب أخرى من الأزمة اهتماماً إضافياً من قبل العلماء والمؤرخين أيضاً. ففي عام 2013، درسنا احتمال فرض منطقة حظر جوي في سوريا، لكن أحداً لم يبدِ تأييداً كبيراً لهذه الفكرة في الولايات المتحدة. كنا حذرين للغاية من الانخراط العسكري المكلف والطويل الأمد. لكن في عام 2015، طبّقنا منطقة حظر جوي شرق نهر الفرات، وكانت تكاليف الحفاظ عليها أقل بكثير مما كان متوقعاً.
وفيما يتعلق بالقضايا الإنسانية، توفي عدد إضافي كبير من المدنيين في السنوات الأولى للحرب، لأن الأسد اعتبر السيطرة على المساعدات مسألة سيادة وطنية. ولم توافق الأمم المتحدة سوى في أواخر عام 2013 على قرار المساعدات عبر الحدود القاضي بمرورها عبر تركيا وليس دمشق. لكن لا تزال حدود سيادة الدولة، والقانون الدولي من الأسئلة التي تحتمل نقاشاً كبيراً، وسوريا خير مثال على ذلك.
افترضنا أيضاً أننا إذا مارسنا ضغطاً كافياً على الأسد وزمرته، فسيضطر إلى التفاوض. ومع ذلك، فقد تراجع العديد من المحللين عن هذه الفكرة، وعند استعادة الأحداث الماضية، ليس من الواضح أن الضغوط الاقتصادية كانت ستجبره على التفاوض.
واليوم، تطوّر الوضع العسكري إلى درجة أصبح الرجوع إلى الوراء يتطلب استثمارات ضخمة، وليس هناك إقبال على القيام بذلك. فالعقوبات لن تجدي نفعاً أيضاً، لأن الأسد لا يهتم بشعبه. أنا أتفق مع هدف العقوبات، لكني أشك في أنها الأداة الصحيحة.
من الضروري أن تتوقف الولايات المتحدة وتفكّر في ماهية المصالح الأساسية لأمنها القومي. إن احتواء تنظيم «الدولة الإسلامية» هو مصلحة أساسية، ولدى أمريكا أيضاً مصلحة أخلاقية وربما أمنية قومية في مساعدة اللاجئين. لكن ضاعت الفرص التي كانت لواشنطن في الفترة 2013-2014. وبدلاً من الضغط من أجل الحصول على تنازلات غير منطقية من نظام الأسد، سيكون التركيز على المصالح الأساسية استراتيجية منطقية.
جيمس جيفري
من وجهة نظر تاريخية، شكلت سوريا صراعاً انتقالياً. فقد انتقلت الأزمات من تلك الاعتيادية التي شهدناها بعد 1989 (على سبيل المثال، التدخل البوسني) إلى المواجهات المدوّلة مثل تلك التي نشهدها اليوم في ناغورنو كاراباخ ومضيق تايوان. وأصبحت سوريا في حالة صراع على مستوى الدولة والتي تضع القضايا الأمنية الأساسية في الشرق الأوسط على المحك. ولم تتمكن أي من الإدارتين الأمريكيتين السابقتين من فهم هذه المشكلة – بحيث عجزتا عن التصوّر ولم يقتصر فشلهما على السياسة فقط.
ومن بين الأخطاء ذات الصلة كان ميل الولايات المتحدة إلى النظر في كل واحدة من تداعيات الصراع المروّعة بمعزل عن غيرها. فقد تمّ التعامل مع أزمة اللاجئين، وموجة الهجمات الإرهابية في أوروبا، ومخاوف تركيا من قيام دويلة لـ «حزب العمال الكردستاني»، والعديد من القضايا الأخرى على أنها مشاكل أصغر حجماً ولا بدّ من معالجتها بشكل فردي من قبل أطراف مختلفة من البيروقراطية الأمريكية. وقد تغيّر ذلك في أيلول/سبتمبر 2018 حين انتهك الأسد الاتفاق الخامس لوقف إطلاق النار، وهذه المرة في الشمال. وكانت تلك لحظة حاسمة لأن واشنطن أدركت أخيراً أن المشاكل الأصغر حجماً هي نتاج المشكلة الأساسية نفسها، وهي الضغط الذي يفعله الأسد لتحقيق نصر عسكري كامل، والذي كان على وشك تحقيقه في ذلك الوقت.
واتخذت إدارة ترامب موقفاً بعدم السماح للأسد بالمضي قدماً في هذا الهدف. اتفقنا على استجابة منخفضة المخاطر كررت المقاربة الأمريكية إزاء التدخل الإيراني في العراق والغزو السوفيتي لأفغانستان – أي أننا لم نكن مستعدين لاستثمار الموارد الضرورية للتوصل إلى حلّ، بل فقط لحرمان الطرف الآخر من الانتصار. وكان الأمل في أن يؤدي ذلك إلى حل وسط قادر على إفشال الأهداف الإيرانية والروسية في المنطقة. لقد جمعنا كافة مواردنا معاً، وكان ذلك كافياً لتجميد الصراع. ولا تريد الولايات المتحدة أن تبقى الأمور في حالة مراوحة وحسب، لكن مخاطر تحقيق إيران-روسيا انتصاراً هي كبيرة للغاية، لذا فهذه هي الطريقة التي يتمّ بها التعامل مع الصراع في الوقت الحالي.
ولم تضع إدارة بايدن حتى الآن سياسة شاملة لسوريا. فهي تميل، على مستوى العمل المتوسط إلى المرتفع، إلى التركيز على السياسة المعتمدة إزاء تنظيم «الدولة الإسلامية» وأزمة اللاجئين لأن هذه هي الخطوات التي يمكن للولايات المتحدة اتخاذها بشكل فعال. لكن المشكلة أن هاتين المسألتين لا تزالان تجسدان الأزمة الكامنة، لذلك سيكون من الصعب حلهما بمعزل عن القضايا الأخرى.
أعد هذا الملخص كالفن وايلدر.
————————–
بسمة قضماني: بعض النقاط على بعض الحروف
——————————
=====================
وفاة الدكتورة بسمة قضماني في باريس.. إليك أبرز محطات حياتها
———————————-
بيلوغرافيا
بسمة قضماني
المحافظة: دمشق
مكان وتاريخ الميلاد: دمشق 1958
المكون: مستقلة
التحصيل العلمي: دكتوراه في الدراسات السياسية
حساب التويتر: @BassmaKodmani
العضوية: – عضوة الهيئة المصغرة في اللجنة الدستورية
– عضوة هيئة التفاوض السورية
– عضوة الوفد المفاوض للهيئة العليا للمفاوضات
– عضوة مؤسسة في المجلس الوطني السوري
– عضوة مؤسسة لجمعية ” مبادرة من أجل سوريا جديدة “.
– إحدى مؤسسات الحركة النسوية السورية
– أسست عدة مبادرات؛ منها المنتدى القانوني السوري، وبرنامج تحضير للتعليم الأكاديمي الافتراضي للشباب السوري، ومبادرة كلنا سوريا للشتات السوري
– باحثة أساسية في معهد مونتين في فرنسا
– عضوة مؤسسة لمجموعة موارد سوريا
معلومات أخرى: د. بسمة قضماني من مؤسسي مبادرة الاصلاح العربي والمديرة التنفيذية السابقة للمبادرة منذ تأسيسها عام 2005 وحتى منتصف 2019، أطلقت خلال هذه الفترة سلسلة من المشاريع البحثية حول قضايا الإصلاح وعملية الانتقال إلى الديمقراطية في الدول العربية وهي باحثة متخصصة في العلوم السياسية، وأستاذة العلاقات الدولية في جامعة باريس. حصلت على شهادة الدكتوراه من المعهد العالي للدراسات السياسية في باريس، وتتركز خبرتها الأكاديمية في دراسة المجتمعات العربية وعلاقة المجتمعات العربية بأنظمتها السياسية وعلاقة المؤسسات الدينية بالسلطة السياسية والعلاقات الاستراتيجية في الشرق الأوسط والصراعات في المنطقة، وخاصة القضية الفلسطينية.
عملت كمستشارة خاصة لمدير العلاقات الدولية في المركز القومي للبحوث في فرنسا (2007-2009) وباحثة رئيسية في مركز الدراسات والأبحاث الدولية في باريس (2006-2007) ومستشارة لرئيس الأكاديمية الدبلوماسية الدولية للبرامج العلمية وباحثة رئيسية زائرة في المعهد القومي الفرنسي (كوليج دو فرانس 2005-2006).
وفي فترة ما بين 1999 و2005 عملت في المكتب الاقليمي لمؤسسة فورد في القاهرة كرئيسة لبرنامج الحَوكمة والتعاون الدولي حيث كان نشاطها الرئيسي يتركز على تقديم الدعم وتمكين مراكز الأبحاث العربية ومنظمات المجتمع المدني. في فترة ما بين 1981 و1998 أسست وأدارت قسم دراسات الشرق الأوسط في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية في باريس.
بعد اندلاع الثورة في سوريا، شاركت في تأسيس المجلس الوطني السوري في آب / أغسطس 2011 وأصبحت عضوة في المكتب التنفيذي ورئيسة مكتب العلاقات الخارجية والناطقة الرسمية للمجلس. استقالت من المجلس في آب / أغسطس 2012. أسست مع مجموعة من الأكاديميين والسياسيين السابقين جمعية “مبادرة من أجل سوريا جديدة ” تعنى بالعمل الإغاثي ودعم المجتمع المدني السوري.
من بين أعمالها المنشورة مجموعة من الكتب التي ألفتها وحدها وأخرى حررتها وفصول في مجلدّاتٍ محرّرة ودراسات في دورياتٍ محكّمة متخصصة ومقالات صحفية في الصحف العربية والدولية. حصلت على جائزة جمعية فرنسا فلسطين عام 1998 لكتابها عن الشعب الفلسطيني في المنفى (باللغة الفرنسية). وتقوم بإلقاء محاضرات في العديد من المؤسسات الاكاديمية والمنتديات السياسة العربية والأجنبية.
بسمة عضوة في المجلس الاستشاري لمعهد كارنجي للشرق الأوسط وعضوة في مجلس أمناء المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية والمؤسسة الاورو متوسطية لدعم ناشطي حقوق الانسان.
حصلت على وسام الشرف الفرنسي عام 2012 وعلى جائزة ريمون جوريس للإبداع في العمل المجتمعي عام 2011 لدورها في تأسيس مبادرة الاصلاح العربي والمساهمة في دعم الديمقراطية في المجتمعات العربية.
—————————————
===================