حوار مع السفيرة بريجيت كورمي: العقوبات “من أجل حماية السوريين وبلورة حل سياسي”
أعاد الزلزال الذي دمّر تركيا وسوريا إدراج العقوبات المعتمدة إزاء نظام بشار الأسد في جدول أعمال المسائل التي ينبغي التطرق إليها. فهل هذه العقوبات معللة؟ وهل هي فعالة؟ أتستهدف النظام أم الشعب؟ فيما يلي أجوبة سفيرة فرنسا لسوريا بريجيت كورمي عن الأسئلة المطروحة.
ألان غريش. — تم حظر دخول المساعدات إلى شمال غرب سوريا لمدة أسبوع، ولا تصل المساعدة الدولية إلا بكميات ضئيلة، فما السبب في ذلك؟
بريجيت كورمي. — هناك أسباب لوجستية، وترتبط لا سيّما بإغلاق الطرق الرئيسة والفوضى التي أصابت الجهات الفاعلة في المجال الإنساني من جراء الزلزال في الأيام الأولى. ولكن يوجد كذلك أسباب سياسية منعت الأمم المتحدة من توصيل مساعداتها إلى شمال غرب سوريا بسرعة وبأكمل وجه.
ولكن على من يقع اللوم؟ أود أن أذكر في هذا الصدد أن روسيا وسوريا عرقلتا عملية تجديد المساعدة عبر الحدود مع تركيا بصورةٍ منهجية خلال السنوات الثلاث المنصرمة. وسمح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في عام 2014 بوجود أربعة معابر موزعة في شمال سوريا وشرقها وجنوبها، ولكن لم يبقَ منها إلا معبر واحد في عام 2021 وهو معبر باب الهوى، في حين قُلصّت مدة صلاحية القرار الصادر عن الأمم المتحدة الذي يُسمح بموجبه نقل المساعدات إلى السكان السوريين في الشمال إلى ستة أشهر، مع أننا بذلنا جهودًا جمة في مجلس الأمن في نيويورك، حيث قيّدت روسيا المفاوضات باستعمال حقها في النقض.
وقد منيت الطرقات التي تُنقل من خلالها المساعدة الدولية بأضرارٍ جسيمة، نظرًا إلى قرب معبر باب الهوى من المركز السطحي للزلزال. واستغرقت المفاوضات ثمانية أيام قبل أن يسمح الأسد أخيرًا – تحت ضغوطات تلوّح بمشروع قرار أممي جديد – بفتح معبرين سابقين يؤديان إلى تلك المنطقة. في تلك الأثناء، تُرك السوريون القاطنون في شمال غرب البلاد لمصيرهم، ولم يكن بوسعهم سوى الاعتماد على التعبئة الجبارة لمنظمات الإغاثة غير الحكومية المتواجدة في عين المكان.
—هل رفعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بعض العقوبات المعتمدة إزاء سوريا عقب الزلزال؟
—اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوات بعد وقوع الزلزال، شأنه شأن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، إذ اعتمد إعفاءً شاملاً من نظام عقوباته، حتى تكون العمليات الإنسانية أكثر سلاسةً ومن أجل تلبية احتياجات السكان. اعتبر البعض أن هذا الإعفاء دليل على منع العقوبات وصول المساعدة الإنسانية، كما يزعم النظام السوري. ولكنّ ذلك بعيد كل البعد عن الواقع، إذ تنصّ العقوبات الأوروبية على سلسلة من الاستثناءات والإعفاءات في المجال الإنساني. وترمي التدابير الجديدة التي اتخذت في بروكسل قبل أي شيء إلى الإتاحة للمنظمات غير الحكومية اتخاذ خطوات أكثر سلاسة وسرعة، لا سيّما في التعامل مع مصارفها التي قد تبالغ في وضع القيود توخيًا للمخاطر (de-risking).
“أداة من أدوات الدبلوماسية”
—نظرت البلدان الغربية إلى العقوبات وكأنها أداة لتحوير سياسة دمشق، ولكن لم يفضِ ذلك إلى أي تغيرّ في هذه السياسة. فهل تُعدّ هذه العقوبات فاشلة؟
—العقوبات الأوروبية ذات أهداف محدّدة، وهي ترمي إلى تحقيق هدف طويل المدى يتمثل في تحوير السياسة القمعية التي ينتهجها النظام السوري. كما ترمي إلى عرقلة نشاط الأفراد والمؤسسات المقرّبة من نظام بشار الأسد، وذلك عبر تجميد أموالهم ومنع إجراء معاملاتهم من خلال الاتحاد الأوروبي.
تتسم عقوباتنا بالفعالية، فقد صدّت شبكات انتشار أسلحة الدمار الشامل في سوريا، وهي تنضب موارد النظام القمعي السوري وتحظر على شخصيات بارزة منه التنقل في الأراضي الأوروبية. وتنطوي جزاءاتنا على أهداف محددة وتتمثل بالوضوح، وهي لا تستهدف ولا تمنع تصدير السلع الإغاثية أو المنتجات الغذائية والصيدلانية.
لذلك، تمثل العقوبات أداة من بين الأدوات التي تستخدمها الدبلوماسية من أجل مواجهة نزاع بالغ التعقيد. لا نستطيع اعتبارها فاشلة لأن النظام لم يتغير. ويرتهن رفعها في الواقع برغبة النظام في تلبية الطلبات الواضحة والمحددة التي وردت في القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ويستمر تطبيق العقوبات بسبب تعنت النظام. وعليه، فإن قرار رفعها بين يديه وأيدي إيران وروسيا اللتان أعربتا لنظام دمشق عن دعمهما الكامل عندما كان أكثر عرضةً للخطر، وذلك بما يتماشى مع مصلحتهما الذاتية.
—ما المقصود تحديداً عندما نتحدث عن العقوبات المعتمدة إزاء سوريا؟ هل يمكنك التوضيح؟ ومن يقرر ماهية العقوبات؟ وهل تتشابه العقوبات الأمريكية والأوروبية مثلًا؟
—اعتمد الاتحاد الأوروبي تدابير قمعية ضد النظام السوري بالإجماع منذ مايو/أيار 2011 من أجل التصدي للقمع العنيف الذي يمارسه النظام بحق شعبه. وترتكز العقوبات على هذين النصين، وهما قرار المجلس الأوروبي – الذي يطبّق على الدول – ولائحة تُطبّق على مواطني الاتحاد الأوروبي في جميع أنحاء العالم، وعلى الأشخاص المعنويين القائمين فيه. وجرى استكمال هذه العقوبات وأقلمتها منذ عام 2011 بغية جعلها أكثر دقّةً وفعاليةً. ولا تنطبق هذه التدابير في الخارج، على عكس بعض العقوبات الأمريكية.
من الناحية العملية، هناك تدابير فردية وقيود قطاعية. تنطوي التدابير الفردية على قيود متمثلة في تجميد الأصول، ومنع دخول أراضي الاتحاد الأوروبي، ويجري تطبيقها على الأفراد أو الكيانات التي ترتبط بالأعمال القمعية أو تمّول النظام السوري. وتستهدف كبار الجنرالات في الجيش السوري، ووزراء ورجال أعمال مرتبطين بالنظام، وشركات تابعة للدولة، وشركات وهمية تتيح للنظام أن يتحايل على العقوبات. وتحظر هذه التدابير إقامة علاقات تجارية معها على سبيل المثال.
أما التدابير القطاعية، فتحظر إجراء بعض المعاملات المرتبطة بالقطاعين المالي والمصرفي، وقطاعي التسليح والطاقة في سوريا. ويُحظر تصدير التجهيزات والتقنيات المستخدمة بهدف القمع الداخلي. كما يحظر تمويل النظام من خلال شراء السندات الحكومية، وتوفير خدمات التأمين والسمسرة، وتصنيع العملات للمصرف المركزي، وتوصيل الذهب والمعادن النفيسة. ولا يجوز تصدير أي سلع فاخرة إلى سوريا. وتستهدف بعض القطاعات الأخرى – على غرار قطاع الكهرباء – بقيود أكثر محدودية، مفادها عدم إبرام عقود جديدة، ولكنها تتيح الحفاظ على المشاريع السابقة.
كما سبق وذكرت، يتخلل نظام العقوبات العديد من الاستثناءات والإعفاءات، ولا سيما فيما يصب في مصلحة الجهات الفاعلة والأنشطة في المجال الإنساني. وجرى استكمال هذه التدابير الاستثنائية والإعفائية مؤخرًا بإعفاء شامل وضخم، من شأنه أن يجعل مواجهة تبعات الزلزال أكثر سلاسةً.
تدابير واشنطن الخارجية
—هل تعتمد العديد من الشركات والمصارف الأوروبية بصورة خاصة عقوبات أوسع من تلك المقرّرة خوفًا من أن تطالها العقوبات الأمريكية؟ أليس السكان المدنيون هم الأكثر تضررًا منها؟
ب.ك.—صحيح أن المسألة معقدة، إذ تُطبّق بعض العقوبات الأمريكية في الخارج فيما ينحصر تطبيق بعضها الآخر على معاملات تم إجراء جزء منها في الأراضي الأمريكية. ولذلك، تطبق بعض الشركات والمصارف الأوروبية العقوبات الأمريكية أيضًا من باب الحذر، أو في بعض الحالات لأنها مجبرة على ذلك إذا كانت تجري معاملاتها بالدولار مثلًا.
لا نستطيع كدولة أن نجبر الجهات الفاعلة الخاصة على إجراء عمليات تنطوي على مخاطر بنظرها. إلا أننا نسعى على الصعيد الأوروبي أن نوضح قدر المستطاع اللوائح القائمة، عبر إرسال ونشر دليل استخدام للجزاءات وعبر إدخال إعفاءات واستثناءات عند الحاجة. ويتمثل الهدف من كل ذلك في وضع حد للقيود الموضوعة بهدف التصدي للمخاطر.
يتكرر على مسمعي غالبًا أن السكان المدنيين هم أول ضحايا العقوبات الدولية. هذا ليس صحيحًا، بل هو خطاب النظام وداعميه المسؤولين عن الحالة الكارثية التي أوصلوا إليها سوريا وسكانها. يصعب التغلّب على هذا الحكم المسبق، ولكن العقوبات الأوروبية والأمريكية لا تستهدف بأي حالة من الأحوال السلع والخدمات الضرورية لتلبية الحاجات اليومية للسكان ودعمهم. بالعكس، أصيبت سوريا بالدمار وفقُر شعبها نتيجةً لعدم مبالاة النظام الفاسد والقامع والمافيوي. ومن المدهش أن تتهم العقوبات بإيلام الشعب السوري، في حين يمنع النظام الذي قصف شعبه لمدة اثنتي عشر عامًا واستخدم السلاح الكيميائي وينهب اليوم المساعدة الإنسانية التي أرسلت بعد حدوث الزلزال، دخول المساعدات إلى شمال غرب سوريا.
كان الاتحاد الأوروبي، منذ عام 2011، أول جهة مانحة تدعم الشعب السوري في مواجهة هذه الأزمة، وذلك عبر إسهام بقيمة 25 مليار يورو. ينبغي ألا ننسى أن جزءًا كبيرًا من المباني التي طالها الزلزال كانت مدمرة من قبل، أو مزعزعة جدًا من جراء القصف المتواصل للنظام ولروسيا. يتعيّن علينا القيام بأمرين من أجل مواجهة هذه المأساة الفادحة، أولهما عدم ترك الشعب السوري على ما هو عليه، وثانيهما الحرص على عدم الوقوع في فخ النظام الذي يستغل الأزمة من أجل خدمة مصالحه.
نظام تحايل على العقوبات وضعته كل من روسيا وإيران
—وضعت كل من روسيا وإيران نظامًا للتحايل على العقوبات، ما يتيح لهما زيادة سيطرتهما على سوريا. ألا ُتفاقم العقوبات من هذه التبعية؟
—إيران حاضرة في سوريا منذ أكثر من ثلاثين عامًا، وقد اختارت معسكرها منذ بداية النزاع، دافعةً النظام السوري إلى عدم التنازل وإلى اختيار القوة العسكرية ضد الشعب الذي طالب بحقوق أساسية. أما روسيا، فقد جعلت من سوريا “حقل تجارب” لها يمكننا رصد تبعاته اليوم في أوكرانيا، وذلك من خلال مواكبتها القمع الذي يمارسه النظام، ومن خلال قصف الشعب السوري بلا هوادة ولا تمييز، وكذلك عبر إنقاذ الأسد من أجل الحصول على رافعة جغرافية واستراتيجية في المتوسط. وقد خضع النظام السوري إلى هذه التبعية طوعًا، وفضّل خسارة شعبه على مشاركة السلطة مع غيره. كل هذا لا يمتّ بصلة إذن لنظام العقوبات، حتى إن تعين علينا إيجاد وسائل أكثر فعالية من أجل التصدي للتحايل عليها.
لا يبذل النظام السوري أي مجهود من أجل تقليص هذه التبعية، رغم احتجاجاته، وذلك ما يثير قلقنا بشدّة، إذ تنتشر المجموعات شبه العسكرية والميليشيات الإيرانية في جنوب سوريا وعلى ضفتي نهر الفرات، وتشارك بمعية النظام في الاتجار بالمخدرات، ما له تداعيات سلبية على المنطقة بأكملها، لاسيّما في الأردن وبلدان الخليج، وقد يطال ذلك أوروبا أيضًا في نهاية المطاف.
لقد اعتمدت أوروبا مرارًا وتكرارًا عقوبات إزاء هذه الأنشطة المزعزعة للاستقرار التي تضطلع بها كل من روسيا وإيران وسوريا. وتقوّض هذه الأنشطة الحل السياسي الشامل والحل السوري الداخلي، الذي يمثل ضرورة ملحّة من أجل التوصل إلى سلام عادلٍ ومستدام.
—باتت العقوبات المعتمدة إزاء سوريا تفتقر جدًا للشعبية في المنطقة، ولا يبدو أن النظام يدفع ثمن ذلك. ألا ترسّخ العقوبات تحكم النظام بالشعب، مثل ما حصل في العراق مثلًا؟ وهل من دروس مستفادة من عقوبات العراق؟ وبصفة عامة، ثمة شعور عميق في بلدان الجنوب مفاده أن بلدان العالم الثالث السابقة هي التي تتعرض دائمًا للاستهداف.
—تستهدف العقوبات المعتمدة إزاء سوريا بعض القطاعات الاقتصادية المحدّدة، على عكس الحظر الذي فُرض ضد عراق صدام حسين. وتستهدف العقوبات النظام القمعي وأمراء الحرب، ولا تستهدف بأي حال من الأحوال السكان الذين ينبغي الحرص على حمايتهم. ولذلك، فقد استخلصنا العبر من تاريخ العراق.
لكنّكَ محق في أن النظرة إلى موضوع العقوبات في غاية من الأهمية، وينبغي لنا أكثر من أي وقتٍ مضى أن نضاعف الجهود من أجل تفسير سبب الخطوات التي نتخذها، والهدف الكامن وراءها. تهدف السياسة التي ننتهجها في سوريا إلى حماية السوريين وبلورة حل سياسي يعالج أساس الأزمة. وتبقى العقوبات الأوروبية في هذا السياق الأدوات الوحيدة التي تتيح لنا ممارسة ضغوط على النظام ودفعه إلى التغيُّر. ويبرهن اعتمادنا الإعفاء الشامل الذي تقرّر بعد وقوع الزلزال أننا نعلم كيف نتأقلم مع الأوضاع الطارئة، من دون المساس بمضمون آليتنا.
سنواصل دعمنا الفاعل للسوريين في سوريا، واللاجئين منهم في مختلف البلدان. ويُعدّ الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه أول المتبرعين بمساعدات إنسانية للسوريين منذ عام 2011. وتصمّم فرنسا على مواصلة هذا الالتزام إلى جانب جميع السوريين في جميع أنحاء سوريا، والبلدان التي لجأوا إليها.
ألان غريش
مدير مجلة أوريان ٢١، متخصص في شؤون الشرق الأوسط، له مؤلفات عديدة منها “علام يدل اسم فلسطين؟”، من منشورات “les liens… (تتمة)
بريجيت كورمي
سفيرة فرنسا لسوريا.
أوريان ٢١