لماذا لم تعد روسيا تعمل على وقف التصعيد بين إيران وإسرائيل في سوريا؟/ حميد رضا عزيزي
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يلتقي بالمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي في طهران، إيران في 19 يوليو/تموز 2022. (الصورة عبر موقع المرشد الأعلى الإيراني)الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يلتقي بالمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي في طهران، إيران في 19 يوليو/تموز 2022. (الصورة عبر موقع المرشد الأعلى الإيراني)
بعد مرور عام على الغزو الروسي لأوكرانيا، دخلت علاقات موسكو مع طهران مرحلة جديدة تميزت في المقام الأول بتعاون دبلوماسي وعسكري أوثق واتفاقيات لتعزيز العلاقات الاقتصادية.
وتَركًّز معظم الاهتمام الدولي الذي حظي به توسيع العلاقات الثنائية بين طهران وموسكو على استخدام روسيا للطائرات المسيرة الإيرانية في أوكرانيا. وعلى مستوى أوسع، شمل التركيز أيضًا مناهضة الغرب المتزايدة التي شكلت عامل مشترك يحفز التعاون بين البلدين. ومع ذلك، تم التغاضي نسبيًا عن أحد المجالات الحاسمة للتعاون الثنائي وهو سوريا حيث عملت إيران وروسيا جنبًا إلى جنب على مدار العقد الماضي لدعم نظام الرئيس بشار الأسد.
في الأسابيع الأولى من الغزو الروسي لأوكرانيا، انتشرت تكهنات بأن حاجة موسكو للتركيز على العمليات ضد كييف، فضلًا عن القدرات الدبلوماسية والعسكرية المحدودة، من شأنها أن تسلط الضوء على عنصر المنافسة مع إيران في سوريا. وكانت الحجة أن هذا الأمر من شأنه أن يوفر لطهران فرصة لكسب اليد العليا. ومع ذلك، هناك مؤشرات على أن العلاقة بين طهران وموسكو في سوريا، كما هو الحال في المجالات الاقتصادية والعسكرية والسياسية الأوسع، تشهد أيضًا تحولًا نوعيًا يتميز بتنسيق ثنائي أوثق. والأهم من ذلك، أن هذا الاتجاه الجديد قد يؤدي إلى زيادة التوترات بين إيران وإسرائيل في سوريا وخارجها.
تغيير قنوات الاتصال
في 19 فبراير/شباط، شنت إسرائيل غارة غير مألوفة على منطقة سكنية في دمشق. وبحسب ما ورد، استهدفت الغارة مبنى حيث كان مسؤولون إيرانيون يلتقون بنظرائهم السوريين فيه، لمناقشة تطوير قدرات الطائرات المسيرة أو الصواريخ التي بحوزة حلفاء إيران المحليين. وقيل إن الكثير من الجنود السوريين قتلوا، بينما أصرت وسائل الإعلام الحكومية في طهران على أن أي مواطن إيراني لم يقتل. وذكرت تقارير أخرى أن من بين القتلى مهندس سوري ومسؤول إيراني “ليس رفيع المستوى”. في اليوم التالي للحادث، ظهرت مزاعم بأن المخابرات الغربية أبلغت السلطات العراقية عن هجوم وشيك، مما أدى إلى إخلاء الموقع المستهدف.
بالنسبة إلى أولئك الذين يتابعون التطورات العسكرية في سوريا، وخاصة الهجمات الإسرائيلية ضد المواقع المزعومة المرتبطة بإيران، فإن وجود قنوات اتصال غير مباشرة بين طهران وتل أبيب ليس بالخبر الجديد. فغاية إسرائيل استهداف المواقع المرتبطة بإيران التي تعتبرها تهديدات محتملة من دون تكبيدها بخسائر بشرية هائلة يمكن أن تؤدي إلى رد فعل قوي أو تصعيد. وكان لهجوم 19 فبراير/شباط خاصية جديدة واضحة في هذا الصدد وهي نقل الإنذار المبكر من خلال المخابرات الغربية والقنوات العراقية بدلاً من الروس الذين كانوا في السنوات الماضية مسؤولين تقليديًا عن نقل الرسائل ومنع التصعيد بين إيران وإسرائيل.
قد يساعد التقرير الذي نشرته وسائل الإعلام الإسرائيلية بعد يومين من الغارة التي استهدفت دمشق في فهم التغيير الواضح في نهج الجانب الإسرائيلي. ونقل التقرير عن المخابرات الغربية قولها إن خبيرًا في التكنولوجيا والاتصالات مرتبطًا بالحرس الثوري الإسلامي الإيراني زار سوريا مؤخرًا لتنفيذ مشاريع عسكرية مشتركة مع روسيا في البلاد. وبحسب التقرير يعتقد أن المشاريع مرتبطة بتطوير أنظمة الرادار وشبكات الاتصالات.
ليس من الواضح ما إذا كان الخبير المزعوم التابع للحرس الثوري الإيراني هو المواطن الإيراني الذي ورد أنه قُتل في هجوم 19 فبراير/شباط. وفي كل الأحوال، فإن التعاون بين موسكو وطهران في تطوير أنظمة الرادار في سوريا سيكون غير مسبوق.
التحول في الأولويات
اقتصرت الشراكة الإيرانية الروسية تقليديا في سوريا على العمليات المشتركة ضد الجماعات المسلحة المعارضة للأسد ونفذت القوات المدعومة من إيران والجيش السوري عمليات برية بينما وفرت روسيا غطاء جويا لها. وتتعدد الأسباب التي جعلت موسكو مترددة منذ فترة طويلة في توسيع التعاون العسكري مع طهران في سوريا. وللحد من مخاوف إسرائيل ومنع حصول تصعيد أكبر، عارضت روسيا أيضًا فكرة نشر أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية الصنع في البلاد. لكن يبدو أن هذه الديناميكيات تتغير الآن.
أجرت روسيا منذ الصيف الماضي تغييرات في نشر أجهزتها العسكرية في سوريا لتعزيز دفاعاتها الجوية في الداخل. في أغسطس/آب 2022، ورد أن موسكو نقلت بطارية من صواريخ أس-300 المضادة للطائرات كانت موجودة سابقًا في مدينة مصياف السورية إلى ميناء روسي بالقرب من شبه جزيرة القرم. وفي الوقت نفسه، ورد أن طهران تعمل على تعزيز الدفاعات الجوية السورية من خلال الأنظمة الإيرانية في مواجهة الهجمات الإسرائيلية المتكررة. بالإضافة إلى ذلك، يُقال إن الإيرانيين ساعدوا السوريين في تحديث مجموعة الرادار الخاصة بهم.
مع الأخذ في الاعتبار هذه الديناميكيات المتغيرة والتطورات الأخيرة التي تتعلق بإيران وروسيا وسوريا على المستوى الرسمي، هناك مؤشرات على أن التغييرات لا تتعارض مع إرادة موسكو، بل تتوافق إن لم تكن بالتنسيق معها.
في 24 فبراير/شباط، أفاد التلفزيون الإيراني الحكومي أنه تم إبرام اتفاقية مع سوريا لتوفير أنظمة دفاع جوي، بما في ذلك نظام 15 خرداد إيراني الصنع، ومعدات الحرب الإلكترونية والرادار، وصواريخ صياد -2. ولم تلق الاتفاقية أي رد فعل من جانب روسيا، رغم توجهها الواضح ضد إسرائيل. هذا بينما كان رد فعل موسكو على هجوم إسرائيل في 19 فبراير/شباط قويًا، إذ وصفت موسكو الضربة بِ “الانتهاك الصارخ” للقانون الدولي وحثت تل أبيب على “الامتناع عن الخطوات التي تنطوي على عواقب وخيمة على المنطقة بأكملها”.
إلى أين المسير؟
يبدو أن تطورين رئيسيين على الأقل قد أسهما بالتغيير الحاصل في توجه روسيا لزيادة النفوذ الإيراني على الدفاعات الجوية والصاروخية السورية.
من ناحية أخرى، فإن اعتماد موسكو على طهران لتزويدها بالطائرات المسيرة اللازمة في حرب أوكرانيا يقلل من إمكانية الحد من نفوذ إيران في سوريا، حتى لو لم تكن روسيا راضية تماما عن سير الأمور. وفي الوقت نفسه، على الرغم من جهود إسرائيل لمنع عزلة روسيا مع تزويد أوكرانيا بدعم عسكري كبير، فإن موسكو غير راضية بشكل متزايد عن موقف تل أبيب من حرب أوكرانيا.
في 16 فبراير/شباط، التقى وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كييف، حيث تعهد بتقديم قرض قيمته 200 مليون دولار أميركي للاستخدام المدني و”نظام ذكي للإنذار المبكر” ضد الهجمات الصاروخية. وتجدر الإشارة إلى أن زيلينسكي ذهب إلى حد وصف إيران بـ “العدو المشترك” لكلا البلدين في الاجتماع، ومن المتوقع أن تعطي مثل هذه التصريحات ذريعة أخرى للجمهورية الإسلامية لتعزيز التعاون العسكري مع روسيا.
النقطة الأساسية هي أن موسكو ليس لديها ما يكفي من التسهيلات أو الإرادة السياسية لاحتواء طهران في سوريا. ومع ذلك، لا يزال من غير المحتمل أن تقوم روسيا بتفعيل أنظمة دفاعها الجوي لمواجهة الهجمات الإسرائيلية، لأن مثل هذا الإجراء سيكون له تداعيات طويلة المدى على العلاقات مع تل أبيب. لكن ما سيكون كافياً لإيران، وما يبدو أن طهران قد حققته بالفعل، هو أن تسمح روسيا ببساطة للحرس الثوري الإيراني باتخاذ إجراءات لإحباط حرية إسرائيل في تنفيذ عمليات في سوريا. ويبدو أن هذا التحول هو الذي تسبب في تراجع موقف روسيا كقوة مؤهلة وموثوق بها في نظر إسرائيل لوقف التصعيد مع إيران.
وبالنظر إلى المستقبل، ستقل احتمالات الضربات المشابهة لغارة 19 فبراير/شباط. من ناحية أخرى، مع معارضة أقل من روسيا، قد تقرر إيران في النهاية الرد على هجمات إسرائيل. وإذا اندلعت نيران المواجهة في سوريا مرة أخرى، فمن المحتمل أن يكون اشتباك عسكري خطير بين إيران وإسرائيل هو الشرارة.
حميد رضا عزيزي
حميد رضا عزيزي، حاصل على شهادة دكتوراه، ومنحة ألكسندر فون همبولت في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية في برلين. عمل كأستاذ مساعد في الدراسات الإقليمية في جامعة الشهيد بهشتي (2016-2020) وكان ضيفًا محاضرًا في قسم الدراسات الإقليمية بجامعة طهران (2016-2018).