عن محاولات “تعويم” النظام الأسدي: نظام عصابات القتل والإرهاب وتهريب المخدرات -مقالات مختارة-
يتم تحديث هذا الملف دوريا، الأحدث في البداية
===================
تحديث 20 نيسان 2023
————————
هل يجرؤ النظام في دمشق على الانفتاح؟/ راتب شعبو
يحتاج المرء إلى أن ينظر فقط كي يرى أن الأسباب التي دفعت جامعة الدول العربية إلى اتخاذ قرار تعليق عضوية سورية ومقاطعة النظام السوري لا تزال قائمة. عبر عن هذه الحقيقة رئيس وزراء قطر، وزير خارجيتها محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وقطر من الدول العربية القليلة التي لا تزال تعترض على عودة سورية، ممثلة بالنظام، إلى الجامعة. والحق أنه، منذ خريف 2011، تاريخ القرار المذكور، برزت أسباب إضافية تعزّزه، بدلاً من أن تدفع إلى الرجوع عنه، منها لجوء النظام إلى استخدام الأسلحة الكيميائية، بصورة متكرّرة، ضد مناطق يسيطر عليها مسلحون معارضون للنظام، وقصف عشوائي للمدن بما في ذلك الأسواق والمشافي، والتسبّب بموجات نزوح بالملايين، وإجراء تغييراتٍ سكانية ذات بعد مذهبي، إضافة إلى ظهور وثائق مصوّرة لموت آلاف السوريين في سجون النظام ومعازله، على خلفية ثباته على موقفه الرافض للإقرار بحق وجود معارضة سياسية.
فوق ذلك، قاد تطوّر الصراع في سورية إلى عجز الدولة السورية عن حماية وحدة الأراضي السورية، فكان أن اضطرّت للانسحاب من مناطق واسعة، تصل إلى أكثر من ثلث مساحة سورية. ونشأت على هذا الثلث سلطتان تمتلكان كل مقوّمات الدولة سوى الاعتراف الدولي الرسمي الذي ما زال يحتفظ به نظام الأسد. على هذا، لا يأتي الانفتاح الذي نشهده اليوم فقط بعد ذهاب طغمة الأسد بعيداً في الطريق الذي قاد إلى القرار العربي بعزله، بل هو أيضاً انفتاح على دولةٍ باتت منقوصة السيادة السياسية على الشعب وعلى التراب السوريين. يبدو كما لو أن العرب قاطعوا نظام الأسد، حين بطش بالسوريين، وعادوا عن قرارهم حين مضى بعيداً في بطشه.
إذن، ما التغيرات التي تفسر سعي الأنظمة العربية إلى الانفتاح على نظام الأسد؟ أم أن هذا الانفتاح الذي نراه ليس سوى مدخلٍ سلميٍّ إلى تسويةٍ ما للوضع في سورية؟ وإذا كان الحال كذلك، فماذا يمكن أن تكون هذه التسوية؟ وما إمكانات نجاحها؟. .. يبدو أن الدافع إلى هذا التحرّك العربي وصول الوضع في سورية إلى حالة جمود، سببها أن الطاقة الدافعة للتغيير قد تراجعت لدى الأطراف الداخلية التي باتت تصرف طاقتها في الحفاظ على ما في يدها، والحال كذلك في ما يخصّ الأطراف الخارجية التي يحوز كل منها ما يناسب محصّلة قدرته وإرادته. غير أن هذا الجمود على انقسام غير شرعي دولياً، يبقى مقلقاً في العلاقات الإقليمية والدولية. وهكذا، بعد برود خطوط التماسّ، أصبحت الحاجة ملحّةً لاستيعاب الوضع السوري في إطار إقليمي مقبول. على هذا الضوء، يمكن فهم التحرّك العربي.
لا يمكن أن تستمر القطيعة إلى ما لا نهاية. والأطراف السورية الفاعلة، من ضمنها نظام الأسد، استقرّت على حالٍ ثابتٍ من التشابك بين الخارج والداخل، وباتت قدرات هذه الأطراف متناسبة مع وضعها الراهن. هكذا يأتي المسعى العربي لتحريك عربةٍ لم تعد تمتلك قوة داخلية للحركة. نخطئ إذا اعتقدنا أن سلطة الأسد سعيدة بهذا التحرّك العربي، أو بالتحرّك الروسي الإيراني الذي يدفع باتجاه تقاربها مع السلطات التركية. السبب أن سلطة الأسد مضطرّة في الحالتين إلى الإقرار بواقع سوري جديد لا تريد رؤيته، فما بالك بالإقرار به. لقد بات الوضع الأنسب لسلطة الأسد التي ابتعدت أكثر عن المعنى العام للدولة هو الوضع السوري الحالي، مثله في ذلك مثل بقية السلطات التي نشأت واستقرّت خلال السنوات الأخيرة، والتي عرضت، بسرعةٍ لافتة، صورةً شبيهة بسلطة الأسد، وباتت تخشى التغيير، سعيدةً بما استقرّ تحت يدها.
ليس من المفاجئ أن يكرّر إعلام نظام الأسد، بالتناغم مع إعلام “القوى الحليفة”، القول الاستفزازي، الذي ينمّ عن ضعف، إن العرب عادوا إلى سورية وليس العكس، وإن اللقاء مع الأتراك دونه شروط تفرضها سورية … إلخ. ولن يكون من المفاجئ أن تعمل سلطة الأسد على تخريب كل مساعي “التطبيع” المبذولة، ذلك أن التطبيع سوف يفرض على سلطة الأسد الاقتراب أكثر من مفهوم الدولة التي تكون محلاً لانعكاس ميزان القوى السياسية الداخلية، وهو ما يهرب منه نظام الأسد كي يستمرّ على حاله. الراجح أن يغلب ميل طغمة الأسد إلى تفادي الحل السياسي المطلوب، على رغبتها في أموال إعادة الإعمار، حين يوضعان في الميزان.
الكلام الذي تقوله الدول العربية، بما فيها الدول الأكثر انفتاحاً، ثقيلٌ على مسمع ممثلي نظام الأسد. مثل الكلام عن التوصّل إلى “حلٍ سياسي للأزمة السورية يحافظ على وحدة سورية وأمنها واستقرارها” .. “تهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مناطقهم، وإنهاء معاناتهم، وتمكينهم من العودة بأمان إلى وطنهم” … كما جاء في البيان السوري السعودي عقب زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى جدّة. أما ما لا تظهره البيانات المشتركة، فهو المطالبة بالحدّ من إنتاج المخدرات وتصديرها، وقد أصبحت مصدرا أساسيا لتمويل نظام الأسد، إلى الحد الذي جعل سورية تصنّف “دولة مخدّرات”.
كما يصعُب تصوّر التحرّك العربي تجاه نظام الأسد، بعيداً عن المنظور الغربي، والأميركي بشكل خاص، الذي يضع حدوداً لهذا التحرّك يصعب عليه تجاوزها، فقد جاء في رسالة وجهها مسؤولون وخبراء أميركيون سابقون إلى إدارة بادين “إنّ المحاولات العربية لتطبيع العلاقات مع النظام السوري من دون إصلاحات سياسية تتعارض مع أجندات الأمن وحقوق الإنسان الأميركية”. لا تستطيع الحكومات الديمقراطية هضم نظام ارتكب هذا القدر من الجرائم من الكيميائي إلى المخدّرات، وصدرت بحقه قوانين صريحة.
إذا كانت الحرب الباردة، وحاجة الديمقراطيات الغربية إلى إسبانيا، جعلت هذه الدول تستوعب فرانكو بعد كل جرائمه وتحالفاته مع هتلر وموسوليني، فلا يوجد ما يعادل ذلك في ما يخصّ نظام الأسد. على هذا، يصعب توقع انفتاح عربي “مجّاني” على النظام، فلهذا الانفتاح ثمن سوف يوجب على النظام دفعه، ويبدو لنا أن الرصيد السياسي للنظام أفقر من أن يتحمّل الثمن المطلوب، الأمر الذي يجعلنا نتوقّع تعثّر مسار خروج نظام الأسد من عزلته.
العربي الجديد
—————————
المعارضة فاشلة، هيا بنا إلى النظام/ قاسم البصري
فشلت المعارضة السورية في توحيد نفسها ومطالبها، وفشلت في إنتاج مشروعٍ وطني يطمئِن الشرائح والمكونات المُرتابة من احتمالية وصولها إلى السلطة، وفشلت في إدارة المناطق التي سيطرت عليها، وفشلت في حربها العسكرية والسياسية ضد النظام، وفشلت في التصدي للحركات الإسلامية الراديكالية، كما أنها انخرطت في صراعاتٍ أهلية، وروّعتْ وقتلت المدنيين. يُكرّر ما سبق من كلام، وهو صحيح ومحق بطبيعة الحال، عموم السوريين الجذريين في موقفهم المعارِض لنظام الأسد، ولعلّ الشريحة الواعية بالفشل المريع لأجسام المعارضة السياسية والعسكرية هي الأوسع بين عموم السوريين. ولكن من غير المعقول أن يصدر الكلام نفسه عن الأنظمة الحاكمة في الدول العربية في سياق تبريراتها لمسارات التطبيع مع السيرة الإبادية لنظام بشار الأسد وإعادة العلاقات معه دون أن يكون نابعاً من مزيجٍ من تصفير عدادات الذاكرة وتعطيل الضمير.
والحال أنه قد كان لأشقائنا العرب، مع تركيا، السهم الأكبر في صناعة المعارضة ومن ثم المعارضات السورية، وفي ديناميات عملها وتمثيلها وتمويلها وتسليحها، بقدر ما كان لهم دورٌ مماثلٌ في تمزيقها وتفتيتها إلى أن وصلت إلى شكلها الحالي الأكثر رثاثةً واستتباعاً للأجنبي على الإطلاق؛ إذ حرص «الأشقاء» و«أصدقاء الشعب السوري» في تعاملهم مع هذه المعارضة على أن يكون رافضو الاستتباع والخضوع للإملاءات هم الأقل تمثيلاً والأكثر هامشيةً فيها، وعلى إغراقها بشخصياتٍ وتشكيلاتٍ ترتضي الارتهان لمشاريعهم ومصالحهم على حساب أي مصلحةٍ وطنية سورية، إلى حد أن تندلع المعارك وتُفتح الجبهات بين فصائل المعارضة نتيجة خلافٍ على المصالح بين دولتين خليجيتين، أو أن تتوالد فصائل وأجسام سياسية نزولاً عند رغبة الأشقاء، وأن تكون للأشقاء الكلمة الفصل في السلاح وحمَلته ووجهته والمعارك المسموح استخدامه فيها.
دفع هذا السلوك، العربي الأكثر فجاجةً على وجه الخصوص، جلّ المعارضين والمعارضات ممن لديهم تاريخ طويل في معارضة نظام الأسد ويمثّلون شرائح شعبية من السوريين إلى الخروج من تشكيلات المعارضة نأياً بالنفس عن مشاريع الدول الشقيقة والضغوط التي مارستها لاستتباعهم، بل وصَوناً لكرامتهم من التلوّث بأموال ومشاريع الأشقاء «المتهاوشين» فيما بينهم، وسعيهم الحثيث لشراء الذمم أو حذف أصحابها من خارطة أي عمل سياسي وعسكري ممكن في حال تعذّر ذلك.
وإزاء فشل المعارضة الذي ما هو حقيقةً إلا فشل الأشقاء العرب، وبعد اثنتي عشرة عاماً دمويةً من الصراع، اكتشفت الأنظمة العربية التي ضاقت بفشل المعارضة وجعلت منه قميص عثمان، أن ما ارتكبه النظام السوري مجرد «أخطاء» ضد شعبه، وهي أخطاء يجب أن «تُصحّح» حتى تستعيد سوريا «مكانتها ودورها العربي الفاعل». مذهلٌ كيف يمكن اعتبار استخدام الأسلحة الكيماوية ضد بشر عزّل وتعذيب عشرات الألوف وتغييبهم في السجون وتدمير مدن بأكملها وسحق أهاليها بالبراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية وإطلاق يد عشرات الجماعات الإجرامية المتوحشة أخطاءً. إذا كان ما سلف من أفعال النظام السوري لا يعدو كونه أخطاء، فلا يمكن أن تكون الجرائم ضد الإنسانية بمقاييس أشقائنا أقل من إبادة سكان الأرض جميعاً، وعليه فإن كلَّ فشلِ المعارضة لا يتجاوز الابتعاد عن «الكمال» في صراعها مع النظام وتمثيلها لمصالح السوريين.
ارتكب النظام الإبادي السوري من الجرائم ما لا يمكن طيّه أو تجاوزه إلى الأبد، وإن أية معاذير تقدّمها أية دولة أو جماعة سياسية ليست إلا تحايلاً مفضوحاً وإمعاناً في إنكار مذبحة علنية راح ضحيتها مئات ألوف البشر، وهو أيضاً ممّا لا يمكن تجاوزه أو التسامح معه، وسيبقى محفوراً في الذاكرة السورية.
موقع الجمهورية
—————————————
التقارب السعودي السوري بأي معنى؟/ دلال البزري
النقطة الأوضح في التقارب السعودي السوري أن محور المقاومة لم ينْسبه إلى “إملاءات الإمبريالية الأميركية والصهيونية”، أو إلى “مؤامرةٍ” تهدف إلى تدخل خارجي في سورية… كما حصل منذ عشر سنوات، عندما علّقت جامعة الدول العربية عضوية سورية، بعد عام من اندلاع الثورة، وارتكاب بشّار الأسد جرائمه الموصوفة.
قبل السنوات العشر تلك، تقدّمت الجامعة والسعودية، بما سمّتاها “مبادرة للحل في سورية”، طالبتا فيها الأسد بـ”وقف أعمال العنف” و”الإفراج عن المعتقلين” و”إخلاء السلاح” … وناشدتا كل تيارات المعارضة السورية بـ”الاتفاق على برنامجٍ موحّد لإدارة المرحلة الانتقالية المقبلة”. والآن، بعدما أخفقت هذه المعارضة بالقيام بالحد الأدنى المطلوب منها، وبقي بشّار الأسد “على رأس سورية”، يُصدر العرب، بقيادة السعوديين، بيانا، يدعو إلى “حل سياسي” في سورية، وحلٍّ “لأزمتها الإنسانية”، والحفاظ على “سيادة سورية” عن طريق “مؤسّسات الدولة”، و”على وحدة سورية، وأمنها واستقرارها، وهويتها العربية”، و”عودة اللاجئين والنازحين”، و”مكافحة تهريب المخدّرات والاتجار بها”، و”إنهاء وجود المليشيات المسلحة، والتدخلات الخارجية”. وتشدّد السعودية على مسألة المخدّرات هذه، وتعطيها الأولوية. حبوب الكبتاغون التي عُرفت بها سورية في السنوات ما بعد الثورة، وصارت أول من يصنّعها عالميا، فتكون نقطة تباحث أولى بين وزيرَي الخارجيتين السعودي والسوري، في الرياض.
تهدّئ السعودية الجبهات مع محور الممانعة. حسناً تفعل، حفاظاً على مصالحها، على مشروعها “التنموي، الانفتاحي”، ويأسا من أميركا، بعد حربها في اليمن، ورخاوتها مع إيران. أو ربما نكاية بها، كما يعتقد بعضهم. في اليمن، يستعجل السعوديون، بسبب تورّطهم المباشر في حربها، وربما لبساطة ديناميكيتها، قياساً إلى عشّ الأفاعي الذي يربط خيوط سورية الداخل ببعضها، فكان مشروعهم للمصالحة أو التقارب مع خصومهم الحوثيين واضحاً دقيقاً، بثلاث مراحل تمتدّ على ثلاث سنوات، بوشّر بتنفيذها منذ أيام: تثبيت وقف إطلاق النار، إطلاق السجناء اليمنيين والسعوديين، دفع رواتب الموظفين في المنطقتين المتحاربتين. وجانبياً، وضع “رئيسهم الشرعي”، عبد ربه منصور هادي، الذي عيّنوه، خلف المشهد، بما يُنبئ بتغيرٍ آخر للوجوه التي سوف يعتمدونها لاحقاً، فيما تبقى الوجوه الخصمة، الحوثية، على ثباتها.
في سورية، يطرح هذا التقارب تساؤلاتٍ أصعب من تلك المطروحة على اليمن. فبخلاف اليمن، تحتل سورية جيوش متعدّدة: الرسمية منها روسية، إيرانية، تركية، إسرائيلية، أميركية، بعض الأوروبية، وغير الرسمية، مليشيات، تابعة للغالبية، علنية، إيرانية، عراقية، تركية، وأخرى، علنية أو شبه سرّية، كردية، سلفية، جهادية، داعشية.
وإذا اعتمدنا التشديد السعودي على مكافحة تهريب الكبْتاغون وصناعته، فستكون الأنظار متجهة نحو الأسد. وهذا الأخير، كيف سيأخذ قراره بهذه “المكافحة”؟ هل يحتاج إلى “توافق” كل الجيوش المحتلة أرضه؟ أو نصفها؟ أو إلى التوافق بين هذه الجيوش وأخيه ماهر، البطل المسيطر على هذه الصناعة، وعلى تجارتها؟ وفي هذه الحالة، هل يستطيع ماهر الأسد وحده، من دون “توافق” آخر، مع “مكوّنات” القوى الحاكمة على الأرض؟ هل يلعب على تنافسها؟ على ضعف روسيا في حربها على أوكرانيا، مثلاً، هي فرصته لإزاحتها، في مواقع معينة، لصالح شركاء بالسياسة أو التجارة … إيرانيين، سلفيين، أكراد؟
“مكافحة المخدّرات”، تلك النقطة السهلة في الأجندة السعودية، استجاب لها بشّار بسرعة، متشاطراً، كالعادة، مزهوّاً. سارع إلى تغيير الطاقم الجمركي القديم واستبداله بموظفين “نظفاء” جُدد، وإقفال حدوده الشرقية … وكأنه يمغْمغ، أو يهيئ نفسه للمراوحة. فبند “مكافحة المخدّرات”، مثله مثل البنود الأخرى، اللاجئين، الاستقرار، الأمن، الهوية العربية … يصب كله في تلك “السيادة السورية” التي يحرص عليها السعوديون، في خطوتهم هذه. ولكن، كل نقطة، كل بند، سوف يكون تجسيداً لانعدام هذه “السيادة”. سوف يدخل في متاهات الجيوش المحتلة أرض سورية، مصالح دولها، تكتيكاتها، إستراتيجيتها الإقليمية أو الدولية … قد تصطدم واحدةٌ منها باعتراض روسي، أو إيراني، او أميركي … أو حتى صيني، الراعي الأعلى لهذا التقارب.
كيف ستسلك هذه البنود دهاليز مصالح هذه الجيوش المحتلة وتطلعاتها؟ ما هي الخطّة الدقيقة، على غرار التي يتمتع بها اليمن؟ ما هي الأقنية؟ ما هي السنوات اللازمة؟ أم أن السعودية تريد، عبر هذا التقارب، أن تضيف إلى الجيوش الأجنبية المحتلة، جيشاً آخر، “قوات ردع عربية” مثلا، تكتسب بعد فترة صفة الوصاية على سورية؟
حسناً، هذا بالنسبة للمصالح العليا للدول. أما عن مصلحة الشعوب، التي لم تُسأل عن هذا التقارب، فما هي الفكرة المغرية التي قد تكسبها منها شيئاً ما؟ فكرة ما؟ مشروعا ما؟ كيف لها أن يخرج بشّار هكذا، إلى خشبة المحترمين المكرّسين، نظيفاً، من دون أي حساب؟ على رأسه إكليل جرائم “صناعية”؟ بشّار الذي ساعده القدر، ككل مرة، بزلزال سرّع من عودته، ومنذ اللحظة الأولى، إلى “الأحضان العربية”.
هذا التقارب السعودي السوري، تجاهل جرائم بشار الأسد… حسناً، ما هي الفكرة التي قد تغري الشعوب للنظر إليه، بصفته يعبّر عن شيء من أملها؟ أو مصالحها؟ حتى لو كانت بعيدة المدى؟ بعد غياب العدالة عن الفكرة، تبقى “العصبية” التي قد تلْتفّ حول هذا التقارب … وقد ذكرها قاموسه بكلمتين “عروبيّتين”، أملاً، متكاسِلاً، بترحيب هذه الشعوب به، بأن تكون محبّة لبعضها، متآزرة متضامنة. فيما هي في الواقع شعوب ممزّقة من داخلها، مخترقة، بائسة، مطيّفة، ممذْهبة، متقاتلة، تكره بعضها، وتكره غيرها. إذن، لا مشروع ولا عقيدة ولا عصبية يمكنهم إقناع التاريخ بأن التقارب السعودي السوري سوف يمشي على الحرير.
أما المعارضة السورية، بهيئاتها المختلفة وبشخصياتها، فالأرجح أن بعضها سوف ينضم إلى التقارب ويلعب دور “السوري المفيد”، وبعضا نقيضا قد يراجع التجربة برمتها، خصوصًا تلك التي أخفق فيها في تشكيل وحدته بها، ويحتجّ بأن التقارب السعودي السوري لم ينصّ على الحل السياسي، والقرار الأممي، وعلى مفاوضات وإصلاحات … وبينهما من طحنَه اليأس أو الأمل، وأراد ان يصدّق أن لا علاقة بين “عودة اللاجئين” والسكوت التام عن جرائم بشّار الأسد. إذ يفترض هذا السكوت أن اللاجئين سيعودون إلى أحضان من قتلهم وهجّرهم، ونفذ برنامجه: “الأسد إلى الأبد”.
العربي الجديد
—————————
الحرب في السودان حلقة جديدة في الصراعات الإقليمية والدولية/ بكر صدقي
حرب داخلية في السودان بين الجيش وقوات التدخل السريع.. وزير الخارجية السعودي يزور الأسد في دمشق.. تركيا تقصف مظلوم عبدي في السليمانية.. السلطات التونسية تعتقل راشد الغنوشي وتداهم مقر حركة النهضة الإسلامية.. صواريخ «مجهولة» تطلق من جنوب لبنان على إسرائيل.. تبادل أسرى بين الحكومة اليمنية وميليشيا الحوثي.. قصف متبادل بين ميليشيات إيرانية والقوات الأمريكية في سوريا.. السعودية وإيران نحو تطبيع العلاقات.. وزير خارجية نظام بشار يتنقل برشاقة بين العواصم العربية.. قطر والكويت والمغرب ترفض عودة نظام بشار إلى جامعة الدول العربية.. الاستحقاقات السياسية معطلة في لبنان حتى إشعار آخر.. وتركيا تستعد لانتخابات حاسمة..
هذه بعض عناوين الأحداث في هذه المنطقة المنكوبة من العالم في الأسابيع القليلة المنقضية وصولاً إلى اليوم. وهي تشير إلى صراع متعدد الأشكال والمستويات والجهات بين القوى الإقليمية المقتدرة والفاعلة على مغانم لاكتساب مزيد من النفوذ الإقليمي بانتظار توزيع الحصص عليهم في نظام إقليمي جديد يسعى إلى الاستقرار للعقود القادمة.
صحيح أن لكل صراع داخلي في كل بلد دينامياته الخاصة ولاعبيه المحليين ذوي المصالح المتباينة، لكن البعد الإقليمي لكل صراع داخلي واضح ومعروف أيضاً، بحيث أن لكل لاعب محلي في الصراع ظهيرا أو أكثر إقليميا أو دوليا، وها هو الصراع العنيف على السلطة في السودان يبدو غير قابل للحل بسبب كثرة التدخلات الخارجية من مصر والإمارات والسعودية وروسيا وربما غيرها من الدول أيضاً كحال إسرائيل مثلاً. وبقدر ما يستمد كل فريق، البرهان وحميدتي، القوة من ظهرائهم الخارجيين، يشكل كل منهما أيضاً نفوذاً مستقبلياً واعداً لظهيره الخارجي في السودان في حال انتصر أحدهما على الآخر. في حين أن ما ضاع في هذا الصراع الدموي هو أفق التحول الديمقراطي للسودان الذي بشرت به ثورة العام 2018. القوى السياسية المدنية خرجت من اللعبة تماماً وخلا الميدان للفريقين العسكريين، وكلاهما معادٍ لأي تحول ديمقراطي.
ويستكمل نظام الدكتاتور التونسي قيس سعيد ما بدأه منذ عامين من انقلاب على التجربة الديمقراطية الفتية ومكتسبات الثورة الشعبية، من خلال قمع الأحزاب المعارضة وكم الأفواه بعدما رسخ حكمه من خلال مهزلة انتخابات شبيهة بالـ «انتخابات» في الدولة الأسدية، ويلاقي دعماً إقليمياً من القوى المحافظة نفسها التي دعمت انقلاب عبد الفتاح السيسي في مصر، ويدعم بعضها في السودان طرفي الصراع العسكري بعدما دعمت انقلاب الجيش ومعه «الدعم السريع» في 2021 لإنهاء تداعيات الثورة الشعبية.
وازداد زخم التطبيع مع نظام الأسد في الأشهر الأخيرة من قبل تلك الدول التي لا تريد لسوريا أن تكرس ساحة تستفرد بها وتتنازع على أراضيها كل من إيران وتركيا، وتواصل فيها إسرائيل حربها على الوجود الإيراني. أما الاحتلال الروسي فتلك القوى الإقليمية تتفهمه وتتعاطى معه كأمر مسلم به، ليبقى التنافس بينها وبين إيران وتركيا، وينطبق التفهم ذاته على إسرائيل أيضاً التي تتصرف بحرية في الأجواء السورية.
أما إيران المأزومة داخلياً بفعل ثورة الشعب منذ أيلول 2022، والمعرضة لحصار وعقوبات دولية قاسية، فقد بدأت تصعّد عسكرياً ضد القوات الأمريكية في سوريا، على وقع استمرار النزاع الدولي حول أوكرانيا بين روسيا وخصومها الغربيين. وبالتوازي مع هذا التصعيد فهي تشارك في الحرب الروسية على أوكرانيا بمسيّراتها، وتميل إلى تطبيع علاقاتها مع السعودية.
كل هذه التفاعلات، الدبلوماسية منها والحربية، نشأت من فراغ القوة الأمريكي الذي اتجه باهتمامه نحو تطويق الصين الصاعدة اقتصادياً وتكنولوجياً باعتبارها «أكبر تهديد للمصالح القومية الأمريكية» وفقاً للعقيدة الجديدة للأمن القومي في عهد الرئيس جو بايدن. هذا الانسحاب من الشرق الأوسط الذي بدأ منذ عهد باراك أوباما، وانقطع نسبياً في عهد ترامب، دفع بدول الإقليم إلى البحث عن تحالفات دولية جديدة في وجه التحولات الاجتماعية العاصفة التي تهددها بعدما أصابتها ثورات «الربيع العربي» بالهلع الشديد. صحيح أنها تمكنت من وأد آفاق التغيير الديمقراطي التي بشرت بها تلك الثورات، ولكن لا شيء يضمن عدم تكرارها ما دامت الأنظمة المعنية لم تتعظ منها لتغير من منهجها في الحكم ولو بصورة نسبية. فوجدت ضالتها في روسيا والصين، خصمي الولايات المتحدة فيما يوصف بالحرب الباردة الجديدة. صحيح أن الحركات الجهادية شكلت تحدياً أمنياً لتلك الدول، لكنها تبقى خصماً تسهل مواجهته في إطار العقيدة الدولية المسماة بالحرب على الإرهاب، ولن تشكل عودة طالبان إلى الحكم في أفغانستان في أعقاب الانسحاب الأمريكي المهين تهديداً جدياً خارج أفغانستان المعزولة الغارقة في البؤس. ويبقى الخطر الأكبر هو الحركات الشعبية الكبرى كما رأينا في الثورات بموجتيها في العقد الماضي. لذلك تندفع تلك القوى الإقليمية نحو الصين وروسيا المحكومتين بنظامين دكتاتوريين راسخين كخيار عقلاني وحليفين «طبيعيين» يشبهانها.
لا يمكن التكهن لا بمآلات الصراع العسكري الساخن الدائر في السودان، ولا بما يمكن أن تستقر عليه الأمور في نظام شرق أوسطي جديد، ولكن من المرجح أن يستمر الصراع على النفوذ الإقليمي بين القوى المتصارعة لسنوات طويلة قادمة، ما دام الصراع الدولي ساخناً بدوره بين الغرب من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى، وينبئ بالاستمرار مطولاً بدوره. في صراع الفيلة هذا بين القوى الإقليمية والدولية والمحلية، الخاسر الأكبر هو شعوب منطقتنا التي يستمر نزيفها قتلاً وإفقاراً وتهجيراً واستعباداً.
كاتب سوري
القدس العربي»
—————————-
ملحمة الجنرالات العرب ومعجزتهم المستمرة/ يوسف بزي
في اليوم الذي دشنت فيه مدافع “الجنرال” ميشال عون حربين متتاليتن دمرتا ما تبقى من دولة وجيش ومجتمع وعمران وقضت على آخر حصانة أمام الاحتلال السوري.. ازدادت شعبيته وارتفعت صورته كـ”مخلّص”. بل وتضخمت تلك الشعبية والصورة بعد هزيمته هو وكل اللبنانيين. وصار عظيماً أكثر حين فتك بالسياسة وبالنظام البرلماني الديموقراطي حتى يتسنى له الوصول الثأري إلى قصر بعبدا رئيساً. ثم تحول بطلاً أسطورياً حين قضى على الرئاسة والحكم وتقوضت الدولة ومعها الاقتصاد وتمزق الدستور نتفاً وانهار المجتمع اللبناني إلى الحضيض وأُجهِضت آخر الانتفاضات المدنية.
وفي نهاية المطاف، نُصِّب عون أيقونة لا تُمسّ فوق الخراب العميم.
ليس عون استثناء في عالمنا العربي هذا. بل نتذكره الآن، في لحظة حروب جنراليّ السودان، عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو “حميدتي”، اللذين أيضاً كل واحد منهما له شعبه الناظر إليه “مخلّصاً” وبطلاً ومشروع رئيس ملهم. وهما يستأنفان تقليداً سودانياً-عربياً كان الأكثر نجاحاً فيه الجنرال عمر البشير، إن في مدة الحكم أو في شن الحروب وارتكاب الإبادات.
وكان الجنرال خليفة حفتر، في حربه الأهلية الليبية، سبق في السنوات الأخيرة، جنرالات السودان، وتصدى لـ”المهمة المقدسة” كبطل ينقذ ليبيا، ولو أدى ذلك إلى هلاكها واستعصاء دولتها وسلامها وتأبيد نزاعاتها المسلحة، إلى حد “الحنين” للجنرال المقتول معمر القذافي.
وبالطبع، لا ننسى الجنرال اليمني علي عبدالله صالح، قائد سلسلة حروب صعدة، والذي دشن رئاسته المديدة بحفلة إعدامات، والذي أبى ترك الرئاسة إلا واليمن حطام، وهو قتيل على رصيف حرب أهلية لا تزال قائمة.
والمذهل أن الرهان على الجنرال المخلّص لم يخفت أبداً في ربوعنا العربية، منذ الجنرال العراقي بكر صدقي وانقلابه عام 1936، ثم الجنرال السوري حسني الزعيم وانقلابه عام 1949.
هذا، وما زال الجنرال الأشرس صدام حسين يحظى بإعجاب هائل في البلاد العربية، بل وتحول إلى “بطل خالد” في المخيال الشعبي، وهو الذي أقل مآثره 300 ألف جثة عراقية في مقابر جماعية سرية، ناهيكم عن أعنف الحروب الدموية التي خاضها وخسرها كلها، وتحويله العراق إلى خزّان كوارث متوالية.
ولا يقلّ الجنرال حافظ الأسد -ندّ صدام حسين اللدود- تقديراً وتوقيراً عند جماهير “الصمود والتصدي”، ولا هو أقل في المآثر الحربية أو المقابر الجماعية أو المعتقلات الجحيمية.. وفي إفشال المؤامرات الصهيونية- الامبريالية.
واليوم، يعود “وريث” الجنرال حافظ الأسد، الجنرال الإبن بشار الأسد، كامل الشرعية العربية، قائداً منقذاً ومخلصاً، منتصراً على المؤامرة الكونية، بعدما “اضطر” لتهجير عشرة ملايين سوري وقتل نحو نصف مليون شخص، وتعذيب ما يوازيهم و”حرق البلد” كله تقريباً. يعود رئيساً ناصعاً كمعجزة عربية جديدة، تضاف إلى معجزات الجنرالات، السالفي الذكر وغير المذكورين أيضاً.
ولا تكتمل ملحمة “الخلاص” هذه، إلا بذكر أعداء الجنرالات ومنافسيهم، على شاكلة أبو محمد الجولاني في سوريا، أو أبو بكر البغدادي أو أبو مصعب الزرقاوي في العراق (وسائر سلالة بن لادن والظواهري)، ناهيكم عن قادة ميليشيات “مؤمنين” على الأغلب –سنّة وشيعة- من الصحراء الجزائرية الليبية إلى صحراء سيناء، ومن صحاري اليمن وصولاً إلى بادية الشام وصحراء الأنبار، عدا أمراء الحرب وزعماء القبائل والطوائف.. وكلهم يحذوهم الطموح كي يكونوا جنرالات في بلاد تتصحر بشراً وعمراناً وحياة. وكان مثالهم الأخير، جنرال المشرق العربي المزدهر على يديه، قاسم سليماني.
وإذا كان الجنرال فرانشيسكو فرانكو، “أستاذ” جنرالاتنا العرب، في صنع ملحمة الحرب الأهلية على مثال مجزرة غيرنيكا، وفي تأسيس ديكتاتورية أبدية على مملكة الرعب أو جمهورية الخوف.. إلا أنه ليس لنا حظ إسبانيا بالملك خوان كارلوس، وما من تلامذة عرب له.
المدن
————————–
مبادرة كردية للحل في سوريا..سباق مع التطبيع العربي والتركي/ مصطفى محمد
ليست المرة الأولى التي تُعلن فيها الإدارة الذاتية التابعة لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) مبادرة للحل في سوريا، لكن ما يميزها هذه المرة هو توقيتها المتزامن مع الانفتاح العربي والإقليمي على النظام السوري، لتبدو المبادرة تعبيراً عن مخاوف قسد من أن يكون تقارب النظام مع تركيا على حسابها.
وحدة سوريا
وتتضمن المبادرة التي أعلنت عنها الإدارة الذاتية خلال مؤتمر صحافي في مدينة الرقة، تسع نقاط، منها الاعتراف بوحدة سوريا مع ضرورة الاعتراف بالحقوق المشروعة لمكونات المجتمع السوري، واعتماد نموذج الإدارة في كل البلاد، وتوزيع عادل للثروات بين كل المناطق السورية.
ومن النقاط التي جاءت عليها المبادرة التأكيد على استعداد الإدارة لاستضافة النازحين واللاجئين في مناطق سيطرتها، ومكافحة الإرهاب.
ومقابل تأكيد الإدارة الذاتية على خروج تركيا، دعت الدول العربية والأمم المتحدة وجميع القوى الفاعلة في سوريا إلى “دور إيجابي وفعال”، يضمن حلاً مشتركاً بينها وبين النظام والقوى الوطنية الديمقراطية (المعارضة).
قسد تذكر بوجودها
ويرى الخبير بالشأن الكردي الدكتور فريد سعدون أنه يمكن وصف المبادرة ب”القديمة-الجديدة”، حيث لم ينقطع الحوار بين الإدارة ودمشق، لكنه لم يفضِ إلى تقدم.
ويؤكد سعدون ل”المدن”، أن بنود المبادرة لم تضِف أي جديد، ولم تتضمن أي خطوات فعلية يمكن البناء عليها، وكل ذلك يبعث على الاعتقاد بأن المبادرة في جوهرها ليست إلا تذكيراً للأطراف الإقليمية والعربية بوجود قسد المدعومة أميركياً.
وبحسب سعدون، فإن مسارات التطبيع مع النظام تُقلق واشنطن وقسد أيضاً، التي ترى أن نجاح التطبيع يعني زيادة الصعوبات، ومن هنا تبحث قسد عن مخرج بهذه المبادرة.
وعن حظوظ هذه المبادرة، يعرب الخبير بالشأن الكردي عن اعتقاده بعدم نجاحها، لأن المسألة تحتاج توافقاً دولياً على الأقل بين الأطراف الدولية الموجودة على الأرض، في إشارة إلى الموقف الأميركي.
شرعنة التجربة الكردية
ولا يمكن فصل المبادرة عن السياقات السياسية السورية الجديدة، حيث تتطلع الإدارة الذاتية إلى أن تكون من بين أطراف الحل السياسي.
ويقول السياسي الكردي رديف مصطفى ل”المدن”، إن الإدارة الذاتية تبحث عن شرعنة تجربتها في ظل سياسات حمى التطبيع مع النظام السوري، مضيفاً أن “قسد باتت تستشعر الخطر وبدأت إرسال رسائل إلى النظام والجهات الإقليمية والدولية مستخدمة بعض الشعارات الوطنية والديمقراطية والتي هي بعيدة كل البعد عنها عملياً لجهة تبعيتها لحزب العمال الكردستاني التركي أو لجهة ممارسة القمع والاستبداد في مناطق سيطرتها”.
وعلى النسق ذاته، يؤكد مدير مركز “رامان للبحوث والاستشارات” بدر ملا رشيد أن المبادرة تأتي ضمن سياقات جديدة حيث هناك محاولات التطبيع العربي مع النظام إلى جانب تقدم المحادثات الرباعية بين النظام السوري وتركيا بتيسير روسي وإيراني.
وبما يخص إعلان الإدارة الذاتية عن استعدادها للحوار مع جميع الأطراف السورية (النظام والمعارضة)، يقول رشيد ل”المدن”، إنه عندما تضيف المبادرة القوى الوطنية كأحد الأطراف التي تدعوها لقبول المبادرة، هي تدرك مدى صعوبة تحقق ذلك، وفق الظروف الموضوعية لخارطة القوى المتقاسمة للنفوذ في سوريا، إذ لا يمكن لأي فصيل أو فاعل محلي سوري أن ينظم عملية تغيير حقيقية، نتيجة ارتباط هذه القوى بمشاريع الدول المتقاسمة للنفوذ.
من جانب آخر، تُشير معطيات حصلت عليها “المدن” من مصادر مقربة من الإدارة الذاتية، إلى موافقة ضمنية أميركية على المبادرة، مرجعة ذلك إلى محاولة واشنطن التقليل من الحرج السياسي في حال نجحت مسارات التطبيع مع النظام السوري.
—————————-
معارضون سوريون:عودة الأسد للجامعة العربية..انتصار على العرب
أكد معارضون سوريون في بيان، أن إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية لن يأتي بنتائج إيجابية على أمن الدول العربية أو السوريين، مشددين على أن أي مدخل لحل سياسي في سوريا، يجب أن ينطلق من القرارات الدولية وخاصة القرار 2254.
وقال المعارضون إن الظروف التي دعت إلى عزل النظام وتعليق عضويته في الجامعة العربية لم تتغير، مشددين على عدم إعادة نظام قصف شعبه بمختلف الأسلحة ومن ضمنها السلاح الكيماوي.
وأكد البيان أن النظام لن يفي بتعهداته لقاء عودته، لأنه لا يملك القدرة أو الإرادة على الحد من سلطة الميلشيات الطائفية التي تتلقى أوامرها من خلف الحدود، في إشارة إلى المليشيات الإيرانية، مشددين على أن السوريين لن يصلهم إلا الجزء اليسير من الأموال المخصصة لتحسين أوضاعهم، أو المخصصة لإعادة الإعمار.
واعتبر البيان أن الاستقرار في سوريا لن يتحقق في سوريا، ما دام التطبيع مع نظام أضرّ بأمن الدول العربية وشعبه، سيكون مجانياً، وسيضيّع تضحيات السوريين في سبيل حريتهم.
وشدد على أن النظام سيتهرب من الإصلاحات في مؤسساته الأمنية والعسكرية، كذلك سيتجنب تغيير بنيته القائمة منذ 60 عاماً، مؤكداً أنه لم يتعامل بجدية طيلة سنوات من التفاوض الصوري للوصول إلى حل عادل للقضية السورية ينتهي بانتخابات حرة تحت إشراف أممي، عدا عن رفض التعامل مع ملف المعتقلين والمفقودين والمغيبين قسراً في سجونه.
واعتبر المعارضون أن الدول العربية مهما قدمت من إغراءات للنظام فإنه لن يستطيع الحد من تهريب المخدرات، وكذلك لن يستطيع أن يقنع ملايين السوريين بأنه يسعى لتوفير بيئة آمنة لعودتهم بعد طردهم وتهجيرهم، مشيرين إلى أنه فقد السيطرة على أمراء الحرب وحدوده مع دول الجوار، عدا عن قدرته على التغلب على العقوبات الغربية المفروضة عليه.
وقال البيان إن عودة النظام غلى لجامعة العربية لن ينعكس إيجاباً على أمن الدول العربية أو مصير السوريين، لأن النظام يفسره كنصر له، حيث يرى أن العرب هم من عادوا إليه وليس العكس، ما سيدفعه إلى مزيد الغطرسة.
وأكد أن أي مدخل لمعالجة القضية السورية يجب أن يرتبط بحل سياسي يستند إلى القرارات الدولية وخاصة القرار 2254، والذي بدونه لن يكون هناك استقرار في سوريا، أو إخراج للمليشيات الأجنبية أو عودة اللاجئين أو إطلاق إعادة الإعمار.
واعتبر المعارضون أن الاستقرار في سوريا لن يتحقق في سوريا، مادام التطبيع مع نظام أضر بأمن الدول العربية وشعبه، سيكون مجانياً، وسيضيّع تضحيات السوريين في سبيل حريتهم.
ووقع على البيان كلّ من: برهان غليون، رياض حجاب، معاذ الخطيب، أسعد مصطفى، جمال سليمان، ناصر سابا، فرج المقت، محمد الحاج علي، محمد وجيه جمعة، آمنة خولاني، هند قبوات، ميرنا برق، زكي لبابيدي، محمد علي باشا ومروان قبلان.
—————————
عودة سوريا إلى الحديقة العربية سؤال صعب/ فاروق يوسف
سوريا ليست على عجلة من أمرها في موضوع العودة إلى الجامعة العربية. لكنها تجد ضرورة في إنهاء القطيعة مع محيطها العربي. لم يكن في إمكانها أن تبادر وقد أُحيطت بحقول ألغام، بعضها كان قد فرض عليها جزءا من حرب عالمية لا تزال أطرافها تعمل على الأرض السورية مباشرة كما هو الحال في الوجودين العسكريين الأميركي والروسي والبعض الآخر كان ولا يزال يصدر عن إلهام سوري نتج عنه تبادل الشبهات والشكوك بين أطراف القضية السورية وجزء من تلك الأطراف يُدار من قبل دول إقليمية مثلما هو الحال مع إيران وتركيا وسواهما.
لم يكن في إمكان النظام السوري أن يتحرك خارج الحدود التي فرضتها عليه قيود السباق الدولي الذي انتزع منه زمام المبادرة وجعله أشبه بالمتفرج المحايد الذي لا يملك شيئا يفعله. لقد ضاعت أجزاء كثيرة من سوريا لا يمكن تخيل المدى الزمني الذي يمكن استعادتها فيه. صارت سوريا دولة ناقصة. غير أن غيابها لم يؤثر في شيء لأن النظام السياسي العربي كان قد تعرض لعثرات جعلته غير قادر على استعادة توازنه.
ما هدمه الربيع العربي المشؤوم ساعد في غض النظر إلى سوريا. لم تعد سوريا إلا جزءا من الكارثة التي حلت بالعالم العربي والتي أفقدته توازنه. ما حدث أن العالم العربي خرج من المعادلة السياسية للشرق الأوسط حين انضمت سوريا إلى الدول العربية المعاقة. فمع تخلي العالم العربي عنها صارت سوريا تواجه غزوات التنظيمات والجماعات المتشددة وحدها. لم ينبعث ربيعها من داخلها كما حدث زورا في الدول المنكوبة الأخرى، بل هجم عليها ذلك الربيع من الخارج وكانت الجامعة العربية على علم بما يحصل في سوريا وهي التي أشرفت على تغييبها.
حين تزعم إيران بأنها منعت سقوط نظام الأسد فإنها تقول ذلك نكاية بالنظام السياسي المنهار. الحقيقة تؤكد أن روسيا كتبت تاريخا جديدا لسوريا بالرغم من أنها لم تقو على الحفاظ على الجغرافيا السورية كاملة بعد أن سقطت أجزاء كثيرة من سوريا في أيدي أطراف محلية مدعومة من قبل دول تفضل روسيا أن لا تدخل في صراع معلن معها. سيكون من الصعب على النظام السوري إقامة حوار مع الأكراد على سبيل المثال من غير التشاور مع الولايات المتحدة التي تحميهم وتقدم لهم السلاح.
اليوم بعد كل الخراب وبعد أن بقي النظام الحاكم في دمشق أمرا واقعا صار ذلك الحوار ممكنا. ولكنه حوار لا ينقذ سوريا من هلاك، كانت قد مرت به ولم يعد الخلاص بالنسبة إلى أهلها المشردين إلا كلمة مسيسة يمكن النظر إليها من خلف حجاب. لن تفعل الولايات المتحدة شيئا لتعين من خلاله سوريا على الخروج من محنتها سوى أن تتفاوض مع الروس من خلال السوريين على إنهاء الحرب في أوكرانيا مقابل الانسحاب من سوريا. صارت سوريا أشبه بالرهينة. لماذا لا نقول إنها صارت رهينة منذ أن سحب العرب البساط من تحت قدميها؟ كانت قوية بهم من غير أن تعرف.
مر دهر على اليوم الذي فقد فيه العرب سوريا. أيعقل أنهم يفكرون الآن أنهم يستعيدون سوريا التي عرفوها؟ تلك فكرة خيالية. سوريا التي ذهبت لن يستعيدها أبناؤها. ولن يتعرفوا عليها إذا ما عادوا إليها. لقد انمحى زمن سوريا العربية. ذلك الزمن الذي بشر السوريون فيه بالقومية العربية وهم صناعها. لم يكن البعث وحده صناعة سورية، بل كانت القومية العربية بوجهها الحديث هي الأخرى صناعة سورية. ولكن ذلك زمن لن يُستعاد. فالمكان يفرض بقوة صفاته المعنوية. سوريا لم تعد سوريا أو سوريا ليست سوريا.
إذا ما أراد العرب أن يستعيدوا سوريا إلى حديقتهم فعليهم أن يعيدوها أولا إلى جوهرها. عليهم أن يبذلوا جهدا جبارا لا من أجل إعمارها وحسب، بل وقبل ذلك من أجل أن تستعيد وجهها العربي. فسوريا بمحميات إيرانية ومعسكرات لحزب الله وقواعد روسية ودولة للتنظيمات الإرهابية في إدلب ودويلة كردية ترعاها الولايات المتحدة وقواعد روسية ليست سوريا التي يتمناها العرب.
ما يسعى العرب اليوم لإنجازه هو نوع من إعادة خلق التاريخ وهو ما يمكن أن يضعهم بين الأمم المتقدمة لو نجحوا فيه. لا تكفي النوايا الحسنة. يدرك العرب أنهم في مواجهة امتحان تاريخي يتوقف عليه مصيرهم.
العرب
————————
أي طريق تختاره دمشق؟/ علي قاسم
الاجتماع التشاوري لدول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق الذي عقد في مدينة جدة بالسعودية يوم السبت الماضي لمناقشة الأزمة السورية لم يفض إلى اتفاق يحسم عود دمشق إلى جامعة الدول العربية.
رغم ذلك لم تبد الدبلوماسية السورية أي استياء. على العكس بدا اهتمامها منصبا على إصلاح العلاقات الثنائية مع الدول العربية. وهو ما يمكن ملاحظته بتتبع الزيارات المكوكية لوزير الخارجية السوري فيصل المقداد، وزيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى دمشق الثلاثاء.
دمشق ترى أن الأولوية الآن لإصلاح العلاقات. العودة إلى الجامعة يمكن أن تؤجل. ولا مانع لديها كما جاء على لسان وزير خارجيتها من التضحية وبقاء سوريا لوقت قصير خارج الجامعة العربية.
واضح أن دمشق لا تريد إحراج الدول العربية، ولا تريد أن يكون ملف عودتها إلى الجامعة سببا لأي خلافات قد تنشأ بين هذه الدول، وتعرقل بالتالي فرص المصالحة. فاختارت العمل بسياسة إن أردت أن تطاع اطلب المستطاع.
وإن كانت السياسة تقتضي العمل بمبدأ خذ وطالب، فإن دمشق اختارت أن لا تطالب، ستكتفي بما يقدم لها من عروض مبقية الرهان على نضج الظروف لتعود إلى مكانها الطبيعي في جامعة الدول العربية.
أكثر من هذا، دمشق تعلم أن الجامعة العربية بوضعها الذي آلت إليه، هي اليوم في حالة بيات لا شيء يرتجى منها. فما الداعي إلى العجلة إذا؟
الدول التي اتخذت قرارا بإعادة علاقاتها مع سوريا تعلم، كما تعلم دمشق نفسها، أن لا شيء تغير في سوريا خلال السنوات العشر الماضية.. لماذا جاء هذا القرار إذا؟
لا يمكن تبرير خطوات التقارب بدوافع إنسانية بحتة، السوريون عانوا بما فيه الكفاية ولم تصل أصواتهم إلى العالم، خاصة الدول القريبة منهم. والزلزال الذي ضرب شمال غرب سوريا وتركيا لا يفسر وحده التقارب الحاصل. السوريون عانوا من زلزال داخلي استمر أكثر من عشر سنوات بينما العالم يصيخ آذانا صخرية لهم.
ما تغير ليس في الداخل السوري. بل التغير حدث على مستوى العالم، ومعه حدثت عودة في الوعي.
إن أردنا معرفة ما حدث علينا أن نفتش عن الاقتصاد.
بينما تواجه دول المنطقة كارثة اقتصادية تهدد أمنها وبقاءها، كانت تلك الدول غارقة في نزاعات أيديولوجية وطائفية وعرقية، لا أثر ولا رائحة للاقتصاد فيها. لم يكن لدى الحكومات ولا المعارضة بمختلف أنواعها مشروع اقتصادي بديل. كان هناك فقر جيّر لخدمة الأيديولوجيا.
عودة الوعي والعمل على تصفير المشاكل في المنطقة سببه عوامل أربعة ذات بعد اقتصادي حدثت على مستوى العالم:
العامل الأول، وباء كورونا والحجر الذي رافقه، وكانت عواقبه وخيمة على اقتصاديات دول العالم التي لم تتمكن حتى اليوم من التغلب على آثارها السلبية.
أما العامل الثاني فهو مرتبط بالثورة التكنولوجية التي جاء بها الذكاء الاصطناعي، التي سيكون نتاج التخلف عن اللحاق بها فجوة اقتصادية يصعب على الدول، إن لم يستحل، تجاوزها مستقبلا.
ثالث هذه العوامل، الحرب الروسية في أوكرانيا التي نبهت العالم لمدى هشاشته، خاصة عندما يتعلق الأمر بالطاقة والغذاء.
آخر العوامل ورابعها، التغيرات البيئية وما رافقها من جفاف وشح بالمياه ينذر بحروب أهلية.
لا وجود لأي عامل سياسي بين هذه العوامل الأربعة. السياسة مجرد غلاف خارجي وقشرة بان زيفها، وسلعة لا يمكن بعد اليوم تسويقها باستخدام الأيديولوجيا، دينية كانت أو علمانية مدنية.
القوميون حاولوا تسويق الأيديولوجيا وفشلوا، الإخوان حاولوا أيضا وفشلوا. الصين الشيوعية الماوية حاولت وفشلت، فاختارت نظاما هجينا لا هو شيوعي ولا هو رأسمالي. تركيا دخلت بيت الطاعة، ورئيسها رجب طيب أردوغان الذي حاول تسويق الإسلام السياسي طويلا، يعيد تشكيل علاقاته مع دول الجوار بما يخدم اقتصاد البلاد ويحول دون كارثة. الأتراك يريدون منه حلولا اقتصادية وليس أوهاما أيديولوجية يسوقها لهم.
عاجلا أو آجلا ستضطر إيران مكرهة للتخلي عن طموحاتها في المنطقة، وهي طموحات إن بدت حتى هذه اللحظة أيديولوجية دينية، إلا أنها تكشف يوميا عن حسابات مصالح قد تنتهي بها إلى التخلي عن سياسة قتل الناطور وتبني سياسة صفر مشاكل مع جيرانها.
أي طريق ستختاره دمشق إذا اختارت طهران السير في هذا الاتجاه؟ وماذا سيبقى لديها لتراهن عليه في حال سقط آخر أباطرة الوهم ومسوقيه الإمبراطور الروسي المزيف فلاديمير بوتين؟
هل تستحق ورقة بوتين الرهان، وهي ورقة آيلة للسقوط؟ وهل من مصلحة دمشق انتظار أن تكره الأزمات الاقتصادية حكومة طهران على دخول بيت الطاعة حتى تتحرك؟
أم الأفضل لدمشق أن تراهن على الفرصة الممنوحة لها من قبل دول المنطقة وعلى رأسها السعودية، الآن؟
موقف الدول العربية التي اختارت المصالحة مع دمشق لا علاقة له بتصويب أخطاء سياسية ارتكبت، لا أحد يريد أن يجادل من كان على صواب ومن كان على خطأ، بل الأمر يتعلق بحسابات إستراتيجية دولية تتجه لتبني سياسة صفر مشاكل، الهدف من ورائها الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالعالم.
الانفتاح العربي على دمشق، وخاصة من قبل السعودية التي ستحتضن في مايو المقبل القمة العربية، منح السوريين فرصة لاستثمار دور عربي قادر على التأثير لفتح قنوات الحوار بين مختلف الأطراف المتنازعة في سوريا، وتهيئة الظروف المناسبة لاتخاذ خطوات من شأنها المساهمة في استقرار الأوضاع في كامل الأراضي السورية.
إن كان هناك في دمشق أو خارجها من ينتظر أن يعيد الصراع التجاري القائم بين الصين والولايات المتحدة ثنائي القطب إلى العالم، لهؤلاء نقول إن انتظاركم سيطول.. فلا الصين ترغب بالمواجهة بعد أن قطفت ثمار الانفتاح والعولمة، ولا الولايات المتحدة راغبة هي الأخرى بتصعيد التوتر.
الصين التي تصالحت مؤخرا مع كورونا لإنقاذ اقتصادها، تبحث عن شركاء اقتصاديين وأسواق لمنتجاتها، لا يهمها لون وديانة وعقيدة هؤلاء الشركاء.
لا تنتظروا الإنقاذ يأتيكم من الشرق الأقصى، لأنه لن يأتي أبدا.
أردوغان الحالم بإمبراطورية تعيد المجد العثماني أدرك ذلك، وحكام طهران الحالمون بأمجاد الإمبراطورية الفارسية أدركوا ذلك. وبوتين الغارق بالمستنقع الأوكراني يدرك ذلك، ويبحث عن مخرج يحفظ له ماء وجهه.
لم يعد سرا أن الغرب لن يشن حروبا تقليدية ضد الدول التي ستفشل في اللحاق طوعا بالتغيرات الحاصلة على المستوى الدولي، ليغيرها. الحرب خيار عفا عليه الزمن.. بدائله متوفرة وسهلة ورخيصة؛ الحصار الاقتصادي والإهمال.. نترككم تذبلون وتجفّون لتسقطوا من تلقاء أنفسكم.
على صناع القرار في دمشق أن يدركوا أن عودة العلاقات الثنائية مع دول المنطقة لن تمنحهم الشرعية. الشرعية تكتسب ولا تعطى.
هناك فرصة متاحة اليوم لعودة الشرعية، قد لا تتاح غدا، أو بعد غد، تتطلب من دمشق الشروع في مفاوضات جدية لحل النقاط الخلافية المتعلقة بعودة اللاجئين والنازحين إلى ديارهم وضمان سلامتهم.
والأهم من ذلك الدعوة إلى حوار لا محرمات فيه، تناقش خلاله جميع القضايا، ويفضي إلى انتخابات شفافة.
العرب
————————————
عودة سوريا إلى العرب تنقذها من عزلتها!/ هدى الحسيني
في حين قام وزير الخارجية السوري فيصل المقداد بجولة إلى الجزائر وتونس، كجزء من الجهود المبذولة لإحياء العلاقات الدبلوماسية في العالم العربي، بعد أكثر من عقد على عزل سوريا عالمياً، حيث قال لقناة «الجزائر الدولية»، إنَّ «عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية شِبه مستحيلة قبل تصحيح العلاقات الثنائية»، تقول مصادر استخباراتية أوروبية، إن أحد هواجس الرئيس بشار الأسد هو قرار مجلس الأمن رقم 2245 الصادر في نهاية العام 2015، وقد ازدادت حدة هذا الهاجس بعد العزلة الدولية لروسيا التي أصبحت غير مؤثرة للذود عن النظام السوري في المحافل الدولية. وتقول المصادر نفسها، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وجّه دعوة إلى الأسد لزيارة موسكو في 15 مارس (آذار) الماضي، وخلال اجتماعهما قال بوتين للأسد بصريح العبارة، إن هناك حرباً عالمية تشن على بلاده، وإنَّ على الأسد أن يتصرف بما تمليه مصالح بلاده. من جهة أخرى، يعلم الأسد أن حلفاءه الإيرانيين في عزلة دولية أيضاً، وبالتالي لا يمكن أن يشكلوا درعاً واقياً لنظامه، بل العكس؛ إذ أصبح الأسد مدركاً أن الوجود الكثيف للحرس الثوري على الأراضي السورية ومن ضمنه ذراعه «حزب الله»، أصبح بحد ذاته مصدراً للخطر.
إنما الأخطر من ذلك على سوريا، هي العلاقة بين الحكومة الإيرانية والحرس الثوري. يتمتع الحرس بتأثير قوي على الجماعات المسلحة في المنطقة، بما في ذلك تلك الموجودة في لبنان وسوريا والعراق واليمن – والتي تم تصنيف العديد منها كمنظمات إرهابية من قِبل المجتمع الدولي.
وكان قد تسرب أن الأسد تواصل مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بطريق غير مباشرة، إلا أن الفرنسيين رأوا ضرورة التقيد بالقرارات الدولية، مع المطالبة بالتعاون الكامل لإعادة النازحين السوريين الذين يركبون البحر للوصول إلى شواطئ أوروبا بحثاً عن مكان أمن وفرص عمل؛ مما يشكل عبئاً مالياً واجتماعياً كبيراً على أوروبا. كما بات واضحاً للأسد أن الصين تتجنب أو بالأحرى لا يهمها حماية الأنظمة، باستثناء تلك التي تشكل مفصلاً أساسياً في حماية المصالح الصينية مما لا ينطبق على نظام بشار الأسد، وجُل ما يمكن انتظاره من العملاق الآسيوي هو النأي بالنفس عن المشاكل.
هناك هواجس أخرى كثيرة تجول في رأس الأسد، من بينها نفوذ «حزب الله» الذي يوجد بسلاحه وعتاده على أجزاء من سوريا، وهو بلا شك يساهم بإضعاف الدولة المركزية التي لا يمكن أن تقوم في أي بلد في العالم إذا لم يكن لديها حصرياً حمل السلاح وحماية الحدود. ويقول مصدر دبلوماسي عربي، إنه عندما زار الأسد دولة الإمارات العربية المتحدة وخلال العشاء الرسمي الذي أقيم على شرفه في 19 من الشهر الماضي، سُمع أحد كبار المسؤولين الإماراتيين يخاطب الأسد مادحاً ذكاء والده حافظ الأسد وبُعد نظره، وذكّره كيف أنه اشترط في أحد الأيام لاستقبال وفد رسمي إيراني في سوريا أن يكون دخول الوفد من مطار دمشق وليس عبر مطار بيروت، وفي ذلك إشارة واضحة إلى بشار عن الخطوط الحمراء التي كان يرسمها حافظ الأسد أمام الدول بما فيها إيران وأذرعها المنتشرة، لتأكيد مناعة سوريا وكبريائها.
من جهة أخرى، المعروف أنه لم يحدث أن استقبل حافظ الأسد يوماً حسن نصر الله أمين عام «حزب الله»، وبالتالي لم يدخل نصر الله «قصر المهاجرين»، لكن بعد وفاته تغيرت أمور كثيرة وتدمرت سوريا ورفعت إيران و«حزب الله» أعلامهما فيها.
لذا؛ فإن الأسد لم يعد لديه سوى العودة إلى الصف العربي الذي أبقى الباب مفتوحاً لعودته. وقد سرّع الاتفاق السعودي – الإيراني في حصول التقارب مع السعودية الذي تمثل في زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى الرياض واجتماعه مع وزير خارجية المملكة الأمير فيصل بن فرحان، الذي زار بدوره دمشق يوم الثلاثاء، حيث استقبله الرئيس السوري، وناقش الاثنان الجهود الرامية إلى إيجاد «حل سياسي» للنزاع السوري من شأنه أن «يحافظ على وحدة سوريا وأمنها واستقرارها وهويتها العربية وسلامتها الإقليمية». كما تحدثا عن «عودة سوريا إلى الحظيرة العربية واستئناف دورها الطبيعي في العالم العربي»، وفقاً لبيان صادر عن وزارة الخارجية السعودية، وكان تم الإعلان عن فتح السفارات خلال أسابيع أثناء وجود المقداد في المملكة. وقد تبع زيارة المقداد اجتماع وزراء الخارجية العرب في جدة يوم الجمعة الماضي، الذي أعلن عند انتهائه عن الترحيب بعودة سوريا إلى الحضن العربي وحل الأزمة السورية سياسياً.
مما لا ريب فيه، أن لدى بعض العرب قلقاً وعدم ثقة وسيكون الدور الأساسي في عملية إعادة الثقة بيد الأسد نفسه الذي لديه الفرصة للعودة العربية، فما وافق عليه الوزير فيصل المقداد في الرياض أمور لا يحتاج تنفيذها إلى وقت أو دراسة، مثل وقف تهريب المخدرات الذي يفرض ضبط الحدود بما فيها حدود لبنان حيث يقوم «حزب الله» بتصنيع الكبتاغون مستفيداً من تجارة تمول نسبة كبيرة من عملياته ومصاريفه.
كما تمت الموافقة على وقف العمليات الإرهابية وتسهيل عودة النازحين والقيام بحل الأزمة السورية بعملية إصلاحية سلمية.
وكما يقال، إن غداً لناظره قريب
الشرق الأوسط
—————————
ما هو موقف الولايات المتحدة “الفعلي” من التطبيع العربي مع النظام السوري؟
تكرر إدارة بايدن على لسان المسؤولين في وزارة الخارجية موقفها المعلن من تطبيع الدول وخاصة العربية منها مع النظام السوري، مؤكدةً أنها “لا تشجع الدول على التطبيع مع النظام”، لكنها فعلياً لا تمارس أي ضغوطات على الراغبة بالتطبيع.
مساع أميركية لتوظيف مسار التطبيع العربي
علم موقع تلفزيون سوريا من مصدر دبلوماسي على اتصال بالإدارة الأميركية، بوجود توجه داخلها يسعى لتوظيف مسار تطبيع الدول العربية مع النظام السوري.
وأكد المصدر أن إدارة بايدن لم تتخذ أي إجراء ضد خطوات المملكة العربية السعودية لثنيها عن خطتها لاستعادة العلاقات مع النظام السوري، ويُفهم من ذلك منح الإدارة ضوءا أخضر للخطة.
ويتبنى تيار من إدارة بايدن يقوده منسق شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي بريت ماكغورك، مقاربة تتضمن عدم عرقلة التطبيع العربي مع النظام السوري بشرط أن يكون منسقاً مع الإدارة الأميركية الحالية، ويخدم أهدافها وعلى رأسها تسوية الوضع القانوني للإدارة الذاتية التابعة لتنظيم قسد عبر إقرار نظام حوكمة لا مركزي.
خلاف حاد بشأن التقارب “السعودي السوري”
وبحسب المصادر فإن ماكغورك يسعى لخلط الأوراق على التفاهمات التركية مع النظام السوري برعاية روسية، المتمحورة حول مكافحة الإرهاب وتحديدا حزب العمال الكردستاني وأذرعه السورية، عبر فتح المجال العربي أمام النظام مما سيجعله أقل حاجة للبوابة التركية من أجل عودته للشرعية الدولية، وبالتالي ستنخفض استجابته للمطالب التركية المتعلقة بالتعاون في مكافحة الإرهاب.
وأجرى بريت ماكغورك في 13 نيسان الحالي زيارة إلى الرياض على رأس وفد أميركي رفيع، بهدف مناقشة الخطوات السعودية تجاه النظام السوري.
وبعد أيام قليلة من لقاء المسؤولين في الرياض مع المنسق الأميركي ماكغورك، أوفدت السعودية وزير خارجيتها فيصل بن فرحان إلى دمشق، مما أعطى إشارات قوية على الرغبة الأميركية بتنسيق المسار وتوظيفه.
جولة جديدة محتملة من الحوار بين الإدارة الذاتية والنظام السوري
أفادت مصادر خاصة لموقع تلفزيون سوريا، أن بريت ماكغورك يدفع الإدارة الذاتية لاستئناف الحوار مع النظام السوري، وذلك في سياق محاولات المسؤول الأميركي حماية “قسد” من عمليات عسكرية قد تنتج عن تفاهمات تركية – روسية – إيرانية بمشاركة النظام السوري، إذ يُعتبر ماكغورك من أهم الدبلوماسيين الديمقراطيين الأميركيين الداعمين لقوات سوريا الديمقراطية “قسد”.
وتقوم رؤية ماكغورك للحوار على تخفيف القيود المفروضة على تزويد النظام بالنفط، مقابل الإقرار من طرف الأخير بخصوصية الإدارة الذاتية، ومنحها نوعا من اللامركزية الإدارية في نظام حوكمة جديد.
ومن المرجح أن يشهد الأسبوع الأخير من شهر نيسان الجاري جولة مفاوضات جديدة بين الإدارة والنظام في العاصمة دمشق.
واستبقت الإدارة الذاتية اللقاءات المحتملة مع النظام السوري بإعلانها ما سمته “مبادرة لحل الأزمة السورية”، أكدت فيها بشكل واضح التزامها بوحدة الأراضي السورية، وطالبت بتعميم نظام الحكم المعمول به في شمال شرقي سوريا على كامل البلاد بسبب ما حققه من نجاح وضمان للحريات بحسب وصفها.
ولوحت الإدارة الذاتية في بيانها باستعدادها لضمان تدفق النفط بشكل عادل لكامل الأراضي السورية، كما طالب البيان الدول العربية بلعب دور إيجابي يسهم في إيجاد حل بين الإدارة الذاتية والنظام السوري.
واللافت أن بيان الإدارة الذاتية تزامن مع زيارة وزير الخارجية السعودي إلى دمشق، مما يعزز المؤشرات على رغبة واشنطن بالاستفادة من قنوات الاتصال التي فتحتها الدول العربية.
وعلى الرغم من التوجه الموجود داخل الإدارة الأميركية، لكن من غير المتوقع أن نشهد في الفترة الحالية تخفيف العقوبات الاقتصادية عن النظام السوري أو إتاحة المجال لتمويل عمليات إعادة الإعمار، إذ ستبقى هذه الخطوات مرهونة بتغيير حقيقي في سلوك النظام واستجابته للمطالب الأميركية.
تلفزيون سوريا
————————–
التقارب العربي مع الأسد.. مبادرة للحل أم “إعادة تعويم”؟
بزيارة وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد إلى العاصمة المصرية القاهرة، يوم السبت، تكون الخطوات العربية اتجاه الأسد قد ازدادت واحدة، بعدما شهدت الأيام الماضية الكثير من التحركات، انعكس البعض منها ضمن “إطار المبادرات والمباحثات”، بينما ترجمت أخرى على نحو أكبر باستقبال رسمي، تخلله “سجاد أحمر وطلقات ترحيب”.
ومن المقرر أن يجري المقداد ونظيره المصري، سامح شكري “مباحثات ثنائية تهم البلدين”، بحسب البيانات الرسمية، ومع ذلك تأتي هذه الخطوة المصرية تجاه النظام السوري ضمن جو عربي عام، كان آخر مستجداته بإعلان المملكة العربية السعودية بدء مباحثات رسمية مع دمشق، من أجل استئناف الخدمات القنصلية.
وفي حين تعتبر زيارة وزير خارجية الأسد إلى القاهرة الأولى منذ أكثر من عقد كان التأكيد الرسمي من جانب الرياض هو الأول من نوعه أيضاً منذ انطلاقة الثورة. وقبل هاتين الخطوتين كانت دولة الإمارات قد استقبلت رأس النظام، بشار الأسد وزوجته، بعد أسبوعين من استقباله في سلطنة عُمان.
وفي غضون ذلك وفي أعقاب كارثة الزلزال المدمّر قصد وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي دمشق والتقى المقداد وبشار الأسد، في وقت كان الوزير المصري سامح شكري قد اتخذ مساراً مشابهاً، بالتزامن مع الاتصال الهاتفي الذي أجراه عبد الفتاح السياسي مع رأس النظام.
ورغم أن هذه الخطوات العربية اتجاه نظام الأسد باتت أكثر ما يتصدّر المشهد السوري بشقّه السياسي، إلا أن النقطة التي ستصل إليها لا تبدو معالمها واضحة حتى الآن، وكذلك الأمر بالنسبة للأسباب التي دفعت هذه الدول لهكذا تقارب في الوقت الحالي، وما إذا كانت تمضي بناء على شروط ومحددات أم بسياق “أشبه للمجان”.
“توافق لا اتفاق”
على مدى الأشهر الماضية لطالما ردد الأردن مصطلح “المبادرة العربية” الخاصة بالحل السياسي في سورية في أثناء تحركاته للتواصل مع النظام السوري، وبينما لم يكشف التفاصيل والبنود المتعلقة بذلك، أوضح وزير الخارجية الصفدي أن “المبادرة تتمثل بقيام العرب بحوار سياسي مع النظام يستهدف حل الأزمة، ومعالجة تداعياتها الأمنية والسياسية والإنسانية”.
وأشار خلال اجتماعه مع المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسون في العاصمة عمّان إلى أن الأمم المتحدة مطلعة على تفاصيلها، وأن “التنسيق مع العرب حول موعد إطلاقها وآليات عملها مستمر”.
وليس من الواضح ما إذا كانت “المبادرة” التي تقودها الأردن تشمل الخطوات التي أعلنت عنها السعودية، وقبلها الإمارات وسلطنة عمان، ومصر في الوقت الحالي، فيما يقول خبراء ومحللون لموقع “السورية.نت” إن لكل دولة مسار منفرد، ومع ذلك “تتوافق مع بقية الدول بعيداً عن أي اتفاق”.
ويعتقد الخبير الأمني والاستراتيجي الأردني، عمر الرداد أن “هناك توافقاً بين كثير من الدول العربية على فكرة إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية، في ظل مقاربة تقول إن هذه الإعادة ستسهم في إبعاد سورية عن التاثير والسيطرة الإيرانية”.
لكن “هذا التوافق لم يصل لدرجة أن يكون اتفاقاً وقراراً بالإجماع من قبل الحكومات العربية”، حسب ما يضيف الرداد لموقع “السورية.نت”.
ويشير إلى أنه من الواضح “أننا أمام مقاربات بمرجعيات مختلفة”، و”يبدو معها أن لكل دولة أهدافها وسياقاتها المرجعية”.
وفي حين كانت علاقة الأسد بإيران أكثر ما يثير اهتمام الدول العربية ويقف عائقاً أمام أي محاولة لإعادة تطبيع العلاقات باتت هذه القضية خافتة على نحو كبير، في المسار المتسارع الذي شهدته الأيام الماضية.
ومن الرياض إلى عمّان وصولاً إلى القاهرة وأبو ظبي تركّزت جميع تصريحات المسؤولين العرب على أن خطواتهم اتجاه دمشق تهدف بالأساس إلى دعم “وصول المساعدات الإنسانية”، في أعقاب كارثة الزلزال، إلى جانب تسوية قضية اللاجئين وعودتهم بسلام إلى بلادهم.
ورغم ما يقال عن وجود “مبادرات”، إلا أن الباحث في العلاقات الدولية، محمود علوش يعتقد أن “التحركات العربية تجاه سورية لا تحمل مبادرة جوهرية يمكن أن تفضي إلى نهاية الصراع”.
ويقول لـ”السورية.نت”: “الدول العربية بدأت في إعادة علاقاتها مع نظام الأسد وهذا الانفتاح لو كان مشروطاً بمبادرة ما لما بدأ يظهر فعلاً”.
و”لا تملك أي دولة عربية تصوراً واضحاً لسبل دفع التسوية السياسية في سورية، ومن غير المرجح أن تكون بعض الدول تعتقد أن بإمكانها إقناع الأسد بقبول حل سياسي بينما هو الآن في موقع قوة”.
ويوضح علوش: “الإماراتيون لديهم أهدافهم ومصالحهم الخاصة في سورية، وكذلك الحال بالنسبة للسعوديين والمصريين”.
“إعادة تعويم”
وكانت مسألة “عودة دمشق” أو النظام السوري إلى الحضن العربي قد طرحت قبل الزلزال المدمّر الذي ضرب سورية وتركيا بسنوات وأشهر.
وفي أعقاب الكارثة عادت هذه المسألة لتتصدر المشهد السوري، في وقت ترجمت على الواقع بزيارات واتصالات ولقاءات، وتصريحات مستجدة حملّت نفساً مغايراً ومتسارعاً عن الماضي، ووضعها مراقبون ضمن إطار “دبلوماسية الكوارث” من جانب.
ومن جانب آخر يرجّح مراقبون أن الخطوات العربية تهدف إلى “إعادة تعويم النظام السوري”، على الرغم من تأكيد الدول صاحبتها على القرارات الأممية الخاصة بالحل السياسي في سورية، من بينها قرار مجلس الأمن 2254.
وبينما هناك تنسيق بين الأردن والإمارات وجمهورية مصر في المسار المستجد حيال الأسد، لدى السعودية حسابات أخرى أظهرتها المصالحة الأخيرة بين الرياض وطهران، حسب ما يقول الخبير الأردني، عمر الرداد.
ويقول إنه وبالرغم من كل ذلك فإن إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية “سيبقى مرهوناً بمواقف الأطراف الفاعلة في الملف السوري، وتحولاتها بعد الحرب في أوكرانيا، لاسيما وأن هناك موقفاً أمريكاً وأوروبياً ما زال يتحفظ على الانفتاح العربي على دمشق، بوصف القيادة السورية متهمة بجرائم حرب وضد الإنسانية”.
من جهته لا يعتقد الباحث محمود علوش أن هناك تنسيقاً واضحاً في المواقف العربية بشأن سورية، وأنه “قد يبدو ظاهرياً وجود مثل هذا التنسيق لكن لكل بلد دوافعه وحساباته الخاصة”.
ويرى علوش أن “ما يجري الآن هو إعادة تعويم بشار الأسد عربياً وإقليمياً وليس مبادرة لتسوية سياسية حقيقية للصراع”، موضحاً أن “لدى العرب مصالح في سورية وانفتاحهم على الأسد ليس مجانياً”.
ويتابع: “لكن هذه المصالح لا تتعلق بشكل جوهري بالتسوية السياسية. هناك من يأمل أن تؤدي عودة الدور العربي إلى تقليص نفوذ إيران وبعض الدول تريد التعاون مع النظام لوقف تهريب المخدرات”.
ويعتقد الباحث علوش أن “الترويج لفكرة المبادرة وبكثرة يهدف إلى إضفاء مشروعية على الانفتاح العربي على النظام السوري”
===========================
تحديث 19 نيسان 2023
——————–
أيُّ دورٍ عربي في سوريا؟/ عروة خليفة
خرجَ وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والعراق والأردن من اجتماعاتهم في مدينة جدّة في السعودية، ببيانٍ لم يتضمن موقفاً واضحاً بخصوص الموضوع الرئيسي الذي كان سبباً في ذلك الاجتماع. إذ لم يحدد البيان الختامي رأي الحضور في استعادة النظام مقعدَ سوريا في جامعة الدول العربية. وحتى عندما زار فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي، دمشق يوم أمس، لم يتم التطرق إلى هذا الملف في التصريحات والبيانات الصادرة عن الطرف السعودي، فيما استبعد فيصل المقداد، وزير خارجية سوريا، عودة قريبة لنظامه إلى جامعة الدول العربية.
لم تكن تلك النتيجة مفاجئةً بسبب تسرب موقف عدد من الدول العربية، مثل قطر والكويت، الرافض للتطبيع مع النظام السوري، بالإضافة إلى تحفظات مصرية وأردنية تكشَّفت بعد اجتماع جدّة، وهي أمورٌ أدّت معاً إلى فشل السعودية في الوصول إلى إجماع على عودة النظام خلال القمة العربية المرتقب عقدها بعد منتصف شهر أيار (مايو) المقبل، واستمرارها في مسار التطبيع معه منفردةً.
في المقابل، اتفق الحضور في جدّة على أهمية الوصول إلى حلٍّ سلمي للصراع في سوريا عن طريق مسار سياسي يكون للدول العربية دورٌ أساسيٌ فيه. هذه النقطة بالذات هي الأهم في المحاججات التي تقف إلى جانب خطوة التطبيع مع النظام السوري.
تتلخص المحاججات بأنّ فتح القنوات مع نظام الأسد سيسمح باستعادة دورٍ للدول العربية، كانت قد فقدته مع الزمن نتيجة تراجع دعمها التدريجي للمعارضة السورية وانتصارات النظام العسكرية بدعمٍ من حلفائه في موسكو وطهران. لكن وفي نفس الوقت، لا يبدو أنّ أحداً من ساسة الدول العربية يمتلك خطّة واضحة لصناعة هذا الدور، ولا قدرةً على تحقيق أهدافه بالوصول إلى حلٍّ سياسي يعيد اللاجئين ويحقق الاستقرار في المنطقة، بما في ذلك إنهاء عمليات تهريب المخدرات التي انفجرت في السنوات الأخيرة مستهدفة دول الخليج بشكل أساسي.
وما عدا الخطة الأردنية التي جرى طرحها قبل أشهر، وحصلت على موافقة غربية، لا توجد أي اقتراحات مماثلة. فلا يبدو أنّ الرياض أو أبو ظبي اللتان تقودان اليوم عملية التطبيع مع النظام السوري تمتلكان أي طرح بديل، كما أنهما لم تقوما بدعم أو تبني المبادرة الأردنية؛ والتي تتلخص بقيام المجتمع الدولي بتخفيف الضغوط الاقتصادية والسياسية عن النظام السوري تدريجياً، مقابل اتخاذه إجراءات واضحة في عدّة ملفات، من بينها ملف المعتقلين والمسار السياسي وتهريب المخدرات. وهي مبادرة لم تحظَ حتى اللحظة بتعليق واضح من النظام السوري، ناهيك عن قبوله التعامل معها بشكلٍ جديّ.
تحتاج سوريا بالفعل إلى دور عربي يُخلّصها من استفراد ثلاثي أستانا بمصيرها كما حصل لأعوام؛ ذلك أن تراجع الدور العربي، بالإضافة إلى أسباب محلية وأخرى دولية، أودى بالبلاد نحو وضعها الكارثي الحالي. لكن بالمقابل، ستكون نتيجة ما تقوم به السعودية اليوم أسوأ بكثير من غيابها عن الساحة السورية طوال الفترة الماضية، لأنّ هذا التطبيع المجاني سيُشجع نظام الأسد على مزيد من التعنّت، ومزيد من رفض أي تنازلات تُطلب منه خلال مفاوضات الحل السياسي.
لم يكن الدور العربي في صالح حقوق السوريين أصلاً في السابق، فقد تورطت دول العربية بدعم منظمات متطرفة مثل جيش الإسلام وجبهة النصرة، كما توَّرط بعضها باتفاقات قذرة أدت إلى تهجير سكانٍ من مناطقهم كما حدث في اتفاق المدن الأربعة. كذلك شاركت تلك الدول في تصنيع مؤسسات معارضة سياسية منفصلة عن الواقع تماماً، ما أودى بها إلى الحالة التي نشاهدها اليوم من اختصارها كورقة بيد تركيا فقط.
الدور الذي تحتاجه سوريا اليوم من الدول العربية، هو دورٌ يقوم بمراجعة أخطاء تدخلها أو انسحابها طوال السنوات الاثنتي عشرة الماضية، كي لا تظل البلاد مجرّد ملفٍّ تستفرد به كل من أنقرة وطهران، وهو ما سيؤسس لحلّ على حساب السوريين بالطبع. لكنّ ما نشاهده من عودة عربية إلى التعاطي مع سوريا بالطريقة المتبعة حالياً لا يبدو أنّه سيغير من ذلك المصير، بل ربما سيحمل ضرراً أكبر على جميع الصعد؛ السياسية والإنسانية وعلى استقرار المنطقة نفسها. إعطاء الأسد جوائز مجانية سيفضي حتماً إلى استمراره في سياساته التي تسببت بمقتل مئات الآلاف وتهجير الملايين.
بإمكان العرب أن لا يفعلوا شيئاً للوصول إلى حلٍّ سياسي في سوريا، هذا ما يحصل منذ سنوات، لكن انخراطهم في أيّ حلٍّ على حساب الشعب السوري سيكون خطيئةً أكبر من ذلك بكثير
موقع الجمهورية
——————————-
ما الذي تريده السعودية؟/ عبدالناصر العايد
أثارت التحركات السعودية منذ أشهر، تساؤلات كثيرة، أبرزها: ما الذي تريده من ترقية علاقاتها مع الصين وروسيا بهذه الوتيرة الدراماتيكية؟ وما الذي تأمله من تطبيع علاقاتها بالأنظمة المرتبطة بمعسكر بكين- موسكو، المناوئ الولايات المتحدة الأميركية، الحليف التاريخي للسعودية؟
يقول محللون وخبراء بارزون في واشنطن، أن استراتيجية محمد بن سلمان هذه، ردّ على رفض واشنطن عقد تحالف أمنيّ مع الرياض، من نوع تحالف أساسي من خارج “الناتو” أو التزام دفاعي مثل الذي يربط إسرائيل بالولايات المتحدة، وأن استراتيجية الرياض الحاليّة من شقين: تستكشف أولاً الإمكانيات في المعسكر الصيني الروسي، بما فيها تلك الدفاعية والأمنية التي تحتاجها، وفي التالية العودة ربما إلى المعسكر الأميركي فيما لو رضخت واشنطن للضغط واتخذت قرار الشراكة العسكرية الاستراتيجية معها.
لكن، هل إن اتفاقاً أمنيّاً عسكرياً هو بهذه الدرجة من الأهمية للرياض؟ الواقع أنه مهم جداً، ليس بسبب التهديدات الإيرانية فقط كما يشاع، بل أن هناك سبباً داخلياً أكثر إلحاحاً لا يمكن إغفاله. فعمليات التحديث الجذريّة التي يجريها ولي العهد محمد بن سلمان، تكتنف أخطار عدم استقرار داخلي هائلة، وتقتضي تحالفاً مع قوة عظمى للسيطرة على ارتداداتها المحتملة، وربما يفسر ذلك بدرجة ما، لجوءها إلى بكين التي طورت في السنوات الأخيرة أنظمة تقنية للمراقبة الداخلية فائقة السيطرة.
إلا أن الولايات المتحدة لا تستطيع منح ولي العهد السعودي، اتفاقاً وتحالفاً أمنياً من هذا النوع في الوقت الحالي، بسبب الانقسام الداخلي في النظر إلى السعودية ووضعية حقوق الإنسان فيها، والذي كشف عنه النزاع في دوائر صنع القرار في واشنطن حول التعاون مع الرياض في حرب اليمن. ومشروع قرار مثل هذا، لا يمكن أن يمرّ في مجلس الشيوخ الأميركي، الذي تُعدّ موافقته إلزامية في هذه الحالة. من ناحية أخرى، تتخوف واشنطن من أن يفاقِم دعمُها للرياض سباقَ التسلح في منطقة الشرق الأوسط، ومن ظهور مزيد من الجيوش وترسانات الأسلحة المتطورة في محيط اسرائيل.
بدلاً من الاتفاق المنشود، يعرض خبراء أميركيون على الرياض، خطة بديلة، وهي إعادة بناء وهيكلة الجيش السعودي وأنظمته وتأهيلها من مختلف الجوانب ليصبح قادراً على مواجهة التهديدات المحتملة. أي أنهم يعرضون الأفكار والتدريب والتخطيط، لا الأسلحة أو الجنود الأميركيين بشكل مباشر. ولا يبدو أن هذا الخيار يرضي القيادة السعودية حتى الآن، فهي ترى أن الاخطار أقرب من أن يتم تلافيها بالإعداد الهادئ طويل الأمد. وأخبر بن سلمان، السيناتور ليندسي غراهام، خلال زيارته للرياض الأسبوع الفائت، بأن السعودية ستحوز القنبلة النووية بمجرد امتلاك طهران لها.
من الوارد جداً ألا تلقي إدارة بايدن بالاً لتلويح الرياض بالتطبيع مع إسرائيل، فثمّة أصوات داخل الإدارة الأميركية تستهجن تقديم مكافآت لولي العهد السعودي مقابل خدمة لطرف ثالث هو تل أبيب، وليس خدمة للمصالح الأميركية الوطنية. وفي واشنطن أيضاً من يدفع فعلياً باتجاه انضمام الرياض إلى معسكر العواصم الموسومة بالاستبدادية، بكين وموسكو وطهران وحلفاؤها، ويجدون ذلك فرصة سانحة لفتح سجل حقوق الإنسان في ذلك البلد وممارسة الضغط عليه. كما يرى دُعاة التهدئة في المنطقة أن هذا التطبيع يخفف من حدة الاضطرابات في الشرق الأوسط بما يتوافق مع استراتيجية الولايات المتحدة للتفرغ لمواجهة الصين حصراً، التي يزداد تورطها في قضايا الشرق الأوسط شديدة التعقيد والتشابك.
إن تحركات الرياض الدبلوماسية المفاجئة والسريعة، باتجاه المحور المُعادي لواشنطن، لن يكون في الإمكان أن تمضي بالسرعة ذاتها في المجالات الأخرى، وهي لا بد أن تتباطأ في غضون أشهر. فالعلاقات الأميركية السعودية على الصعيد العسكري مثلاً، ترتبط بعقود بمئات المليارات، وتمتد لسنوات طويلة مقبلة، والأمر عينه ينطبق على المستويات الأخرى. واستبدال هذه العلاقات بأخرى صينية، أو ذات طابع صيني رئيسي، سيستغرق عقداً من الزمان على الأقل. وفي ظل تغير محتمل في الإدارة الأميركية، من ديموقراطية الى جمهورية، قد يتزحزح الموقف الأميركي قليلاً في السنوات المقبلة، وتتراجع رغبة الأمير محمد بن سلمان بالمناكفة أيضاً عندما يكتشف أن استعداء واشنطن يضرّ بجهود التحديث والتنمية. وستُختبر هذه العملية وتسقط بشكل نهائي إذا صحت التوقعات ولم تلتزم إيران فعلياً بمقتضيات التطبيع، ولم تكفّ عن سياساتها التوسعية العدوانية، التي لن تستطيع بكين القيام بردٍّ إزاءها أو كبح جماحها.
المدن
———————–
ما معنى “وحدة وسلامة سوريا”؟/ عمر قدور
ما من بيان متعلق بالشأن السوري، منذ اندلاع الثورة حتى الآن، إلا وأشار إلى الحفاظ على وحدة وسلامة سوريا، بالألفاظ ذاتها أو بما يماثلها. كل البيانات الدولية والثنائية اتفق أصحابها على هذا المبدأ، والولايات المتحدة وتركيا تؤكدان في كل مناسبة على احترامه، وعلى أن أيّاً منهما لا تطمع في الأراضي السورية. أكثر من ذلك، تربط واشنطن وجودها بالحرب على داعش، وتربط أنقرة وجودها بالحرب على حزب العمال الكردستاني وفرعه السوري، وبقاؤهما غير مشروط إطلاقاً بإيجاد حل للصراع السوري نفسه؛ على الأقل هذا ما تعلنانه. وحتى إذا كان وجودهما متوقفاً على إيجاد حل نهائي في سوريا، فتأكيدهما على الانسحاب في النهاية لا يفقد صدقيته.
خلال السنوات ذاتها من مواظبة الخارج على التمسك بوحدة وسلامة سوريا، لم يُظهر السوريون غيرةً مشابهة على وحدة وسلامة سوريا، ففي الميدان تصرفت الأطراف كلها على مبدأ السيطرة على أكبر قدر ممكن من الكعكة، من دون أن يكون لأي طرف مشروع توحيدي حقيقي. نتحدث خاصة عن السنوات التي شهدت حرب استنزاف، اضُطر فيها بشار الأسد إلى إعلان عجزه عن استعادة السيطرة على كافة الأراضي السورية، وأنه سيكتفي تالياً بالدفاع عما يمكنه الاحتفاظ به. بينما سيطرت فصائل معارِضة مختلفة “ومتصارعة بشدة أحياناً” على مناطق موزعة ومشتتة في سوريا، لا يسعى من خلالها أي فصيل إلى تجاوز مؤثر لحدود سيطرته، ولا يمتلك أصلاً الإمكانية العسكرية ولا الغطاء الفكري السياسي.
بعد اثنين وأربعين يوماً من بدء التدخل العسكري الروسي المباشر، أُعلن في مدينة الحسكة عن إنشاء قوات سوريا الديموقراطية “قسد”، التي بقيت كتلتها الأساسية الفاعلة مشكّلة من وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة الكرديتين بعد ضم مكوّنات غير كردية وغير فاعلة. كانت القوات الكردية قد شقت لنفسها “طريقاً ثالثاً”، بمعزل عن الصراع بين الأسد والمعارضة، وبحيث تكسب من الطرفين كلما أتيح ذلك، من دون استراتيجية تخص مستقبل سوريا، بل طوال أكثر من سنة سبقت استقوت وحدات الحماية بالتدخل الأمريكي ضد داعش، وراحت طموحات مناصريها على الأقل تكبر على أمل تكرار السيناريو العراقي.
يمكن المجادلة بأن الطرف الكردي “المسيطر ميدانياً” لم يقدّم في أي يوم خطاباً رسمياً تقسيمياً أو انفصالياً، مثلما يمكن المجادلة بأن هيئات المعارضة حاولت على الدوام تقديم خطاب سوري وطني. لكن الطرفين قدّما ويقدّمان الخطاب التقسيمي، قسد بإشارتها إلى المعارضة بوصفها مرتزقة وعملاء، والمعارضة بإشارتها إلى قسد كتنظيم إرهابي انفصالي. من جهته، كان الأسد أكثر وضوحاً بالتعبير عن ارتياحه إلى مقتل وتهجير ملايين السوريين من أماكن سيطرته ليحظى بـ”مجتمع متجانس” وفق تعبيره. أما بعض مناصريه ومؤيديه فقد سبق أن طالب بتسوية المناطق الثائرة بالأرض، وباستخدام أسلحة الدمار الشامل ضد أهاليها.
عموماً، لا يدعم المناخ الفكري السائد “وحدة وسلامة سوريا”، وقد شهد السوريون وشارك بعضهم بفعالية في إنكار سوريا، حتى أن الحديث عن سوريا صار يؤخذ باستخفاف أو سخرية. هو حديث يُنظر إليه على أنه تأدية للواجب تُقال بإنشائية مملة إذا أتى من طرف سياسي، أما إذا أتى من خارج أهل السياسة فهو “دقّة قديمة” من الكلام، أو إفراط في الوهم من بعض الحالمين.
من زاوية الإنكار هذه، سوريا الحالية هي اختراع فرنسي، ولم يصمد بعد رحيل الفرنسيين، فاخترقته الانقلابات العسكرية مرات عديدة، والوحدة مع مصر التي أتى بها ما يشبه الانقلاب، وصولاً إلى انقلاب البعث ثم انقلاب الأسد الذي أبقى عليها قسراً بقبضته المخابراتية والعسكرية. يُضاف إلى ما سبق الفهمُ العامّي الشائع للعبة الأسد الطائفية، وهو فهم يجعل منه حكماً طائفياً في المقام الأول، ويجعل من سوريا خلال عقود حكمه نسخة مخفَّفة من نظام الأبارتيد.
يُستخلص من مجموع الروايات السورية المتضاربة عن زمن الاستقلال، الذي مرّت ذكراه أمس، أن السوريين “كمجموعات طائفية أو عرقية” عانوا من هذا الكيان المفروض عليهم، وفشلوا فشلاً تاماً وذريعاً في تحقيق أي قدر من الاجتماع الوطني. والفشل، وفق هذا التصور، بنيوي إلى حد كبير ولا يمكن الفكاك منه؛ إنه راسخ في تلازم أمرين، تعدد وتنوع السوريين، وعدم قدرتهم على إدارة تعددهم وتنوعهم في إطار حر وديموقراطي. أبعد من ذلك، يُستنتج أن سوريا بعدَ كونها اختراعاً فرنسياً لم تشهد الاستقرار إلا أثناء حكم الأسد، وهو استقرار قسري مصطنع بفعل القبضة العسكرية والمخابراتية، ومصيره الزوال متى ارتخت أو انهارت هذه القبضة.
لسنا بصدد الإجابة عمّا إذا كانت العقود التالية على الاستقلال قد حققت قدراً من الاجتماع السوري، على الأقل من زاوية أن وجود مجموعة بشرية تحت الظروف ذاتها خلال هذه العقود من المرجّح أن يخلق فيما بينهم بعض المشتركات. الأهم أن وعيَ ما هو مشترك بين السوريين مفقودٌ، أو يكاد يتلاشى أمام وعي الاختلاف والانقسام، حيث يصبح الاختلاف مرادفاً للانقسام والتقسيم.
نحن حقاً أمام مفارقة تتضمن رغبة الخارج في الإبقاء على سوريا موحدة، بينما هذه الرغبة مفقودة لدى السوريين باستثناء ما يظهر منها في البيانات والتمنيات الطيبة، وفي أحسن الأحوال تُقابَل تلك البيانات والتمنيات باليأس. وإذا جمعنا رغبة الخارج ويأس السوريين فسيكون من الصعب التوفيق بينهما، إلا إذا أُخضِع السوريون مرة أخرى إلى الاستبداد الذي يفرض عليهم العيش المشترك. وعندما يكون الحل هو الاستبداد، يتقدّم الأسد كوصفة مجرَّبة على القيام به، وحتى إذا كان قبل سنوات مهدَّداً بالسقوط فهو صاحب البنية المخابراتية-العسكرية الأشدّ تماسكاً وتنظيماً إلى الآن، لا تنافسه تنظيمياً سوى وحدات الحماية الكردية وهذه ليست مرشَّحة للانتقال إلى دمشق.
ما سبق لا يعني شيطنة الخارج كأنه يداور ويناور للوصول إلى النتيجة إياها؛ التطبيع مع بقاء الأسد. فالخارج أكّد بحزم على وحدة وسلامة سوريا، وسبق له منعُ تقسيم العراق رغم سهولته بالمقارنة مع سوريا. هذا يعني أن السوريين أمام خيارين، إما العمل لمقاومة مشيئة الخارج، وقتاله فضلاً عن الاقتتال في ما بينهم حتى النهاية، أو “تجرّع سمّ العيش المشترك”، والاعتراف الحقيقي والفعلي بأنه الخيار الوحيد المتاح، ما ينطوي على العمل من أجل تحسين شروطه بلا تكاذب. نشير أخيراً إلى أن التكاذب يتضمن إنكار هذا السؤال ورمي مسؤوليته على الخارج، وكأن معظم الذين ينكرونه لا ينكرون سوريا نفسها قولاً أو فعلاً.
المدن
———————-
ما بعد اجتماع جدة/ العقيد عبد الجبار العكيدي
فيما يرى كثيرون أن زيارة وزير خارجية الأسد فيصل المقداد إلى الجزائر في 17 نيسان/أبريل، إنما تندرج ضمن ردّة فعل نظام الأسد على إخفاق لقاء جدّة الذي انعقد قبلها بيومين، في الوصول إلى تفاهمات حاسمة حول إعادة نظامه إلى جامعة الدول العربية، إذ يريد نظام دمشق من وراء زيارة وزير خارجيته للجزائر والتي تلتها زيارة لتونس، أن يوجه رسالة لدول لقاء جدّة (دول مجلس التعاون الخليجي إضافة إلى مصر والأردن والعراق)، بأن دمشق باتت أبوابها تُطرق من أكثر من جانب، وأن الآفاق الدولية تزداد انفتاحاً أمامه، إضافة إلى أن الأسد ليس هو من بات يبحث عن طوق خلاص له، بل عاد ليكون محجة العرب ومعقد آمالهم في استعادة التضامن وتوحيد الجهود العربية لمواجهة الأخطار المحدقة بالمنطقة، كما تحمل تصريحات المقداد من الجزائر، والتي أومأ من خلالها، إلى الأهمية التي تعلقها دمشق على تمتين العلاقات الثنائية بين بلاده وبقية الدول العربية كخطوة سابقة وضرورية لعودة دمشق إلى الجامعة العربية من بابها الأوسع.
ولعل ما عزز نظرية النظام هذه، هي الزيارة المفاجئة لوزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان الى دمشق الثلاثاء، وما أوردته صحيفة القبس الكويتية عن نية وزير الخارجية الكويتي زيارة دمشق الخميس، رغم نفيها رسميا من قبل الحكومة الكويتية، الا انه تم استثمارها من قبل إعلام النظام.
ويمكن للمتمعّن في السلوك السياسي والدبلوماسي لنظام الأسد، أن يدرك بسهولة نزوعه نحو تقمّص حالة توحي بالثقة العالية بالذات وذلك تماهياً مع نهجه المعهود القائم على التعالي وممارسة المزيد من الابتزاز والعنجهية حيال علاقاته العربية، إذ ربما يجد أن مجمل الحراك الإقليمي الزاحف صوب الأسد بعد زلزال 6 شباط، إنما يتيح له أن يستعيد توازنه السياسي للخروج من حالة اليتم والقطيعة، و ليكون هو المتحكم في صياغة علاقاته الدولية والإقليمية، وليس مجرّد نظام ينتظر الشفقة من الآخرين.
وربما بعث فيه هذا الإحساس الخادع باستعادة الذات الفاعلة ضرباً من الشعور بالقوة، وليس بالضرورة أن يستند هذا الشعور بامتلاك حقيقي لمقومات القوة، بل بات نظام الأسد يستمد قوته من شعوره بأنه لم يعُد يخشى خسارة المزيد، فهو بعدما ارتكب جميع الموبقات ووُصف بأقذر النعوت، ها هو اليوم يشهد تبرئته منها بيسر وسلاسة دون أن يُطلب منه تقديم الحد الأدنى الواجب عليه. فمن الناحية السياسية لم تطلب الدول العربية منه تقديم أي تنازل، وأقصى ما بات يُطلب منه هو إجراءات ذات مضامين إنسانية (الإفراج عن المعتقلين وإعادة اللاجئين)، وهي مطالب ربما أثارت لدى الأسد مشاعر الغبطة والعظمة الزائفة باعتباره المنتصر الذي يُلتَمس منه العفو عن خصومه.
وفي مقابل ذلك، لا يمتلك أقرانه من القادة العرب المزيد من أوراق الضغط التي من شأنها تنفيس غروره المُستعاد، إذ لا يخفى على الجميع أن بشار الأسد –كذراع إيراني بالنسبة إلى دول الخليج- لا يستمد قوته أو أهميته من ذاته بل من الدور الوظيفي الذي يقوم به كامتداد للرعب الإيراني في المنطقة، وبالتالي فهو يدرك ضمناً أن أوراق القوة لديه تشبه كثيراً الدور الذي يمارسه أي قاطع طريق، طالما أن الوصول إلى طهران مرهون بالمرور بدمشق.
ويبدو ان هذا الإصرار من قبل بعض الدول الخليجية وبالأخص المملكة العربية السعودية على التواصل مع دمشق، ما هو الا مغازلة لإيران من بوابة الشام، ونابع من رغبة شديدة لدى تلك الدول لإنجاح الاتفاق السعودي-الإيراني، مقابل التطبيع مع الأسد، مهما كانت ضآلة ما سيقدمه مقابل ذلك.
ومن الواضح أيضاً أن هذا التطبيع ليس بالضرورة ان يكون مقترناً بإحراز أي تقدم إيجابي بالنسبة إلى القضية السورية، فالمعطيات تشي بأن الرياض في الآونة الأخيرة باتت تتبنى توجهات أحادية في التعامل مع النظام، وتتجاهل مكونات قوى الثورة والمعارضة وملايين السوريين المعارضين لبقاء نظام الأسد الذي قتل منهم أكثر من مليون، وهجّر وشرّد ما يقارب ال13 مليوناً خارج سوريا وداخلها، ومعتقلاته تعج بمئات الالاف من نساء وشباب سوريا المناهضين لحكمه.
هذه الاندفاعة المتسارعة تجاه نظام قاتل غارق بدم الشعب السوري واللبناني والفلسطيني، وأقصى ما يمكن ان يقدمه لجواره العربي شحنات جديدة من مخدر الكبتاغون، ما هي إلا مؤشر على قراءة خاطئة عند قيادات تلك الدول حول متطلبات الحل السياسي في سوريا، فهم يرون أن بقاء الأسد يضمن وحدة سوريا والحفاظ على هويتها العربية، وهذه قراءة لا تقوم على أسس موضوعية ولا تأخذ بعين الاعتبار أن النظام هو سبب المشكلة الأساسية والمسؤول الأكبر عن معاناة السورين وزعزعة الاستقرار في المنطقة، وعن إدخال كل القوات الأجنبية والميليشيات الطائفية إلى سوريا، متجاهلين أن التسويات التي تحصل في الأزمات الدولية تتوفر فيها ضمانات تحقيق الحد الأدنى من مصالح الأطراف المنخرطة فيها، إلا تلك التسويات التي يفرضها المنتصر على المهزوم، وبالتالي قيام تلك الدول بمبادرة لفرض تسوية في سوريا بغياب هذه المعايير هي وصفة فشل وليست نافذة امل.
مع التأكيد على ان أمل السوريين ما زال معقوداً على أشقائهم العرب وخاصة المملكة العربية السعودية، التي يعول السوريون على أن يقترن تقاربها مع نظام دمشق بغطاء سياسي وتقدم في العملية السياسية وفق القرار 2254 والقرارات الدولية ذات الصلة، التي تحقق تطلعات الشعب السوري بالانتقال السياسي، وليس مجرد التطبيع والمصالحة من أجل المصالحة كما يريد النظام.
المدن
————————–
جويل رايبورن في رؤية مفصلة: السياسة الأميركية في سوريا وضعت الشرق الأوسط في فوضى
عقدت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي جلسة الاستماع بشأن جرائم النظام السوري، وسياسة الولايات المتحدة للسعي إلى المساءلة في سوريا، تحت عنوان “12 عاماً من الإرهاب: جرائم حرب الأسد والسياسة الأميركية للسعي إلى المساءلة في سوريا”.
وشارك في السوري المعروف باسم “حفار القبور”، وهو شاهد مجهول الهوية على المقابر الجماعية في سوريا، والمبعوث الأميركي الخاص السابق إلى سوريا، جويل ريبورن، والباحث المتخصص في برنامج أمن الشرق الأوسط بمركز “الأمن الأميركي الجديد”، جوناثان لورد.
في شهادته، قال جويل رايبورن إنه بعد 27 شهراً من إدارة الرئيس جو بايدن أصبحت السياسة الأميركية تجاه سوريا في أزمة، فمنذ توليه منصبه، قاوم بايدن وإدارته صياغة استراتيجية واضحة بشأن سوريا، وتسبب هذا النهج المتعمد بتعريض المصالح الأميركية المهمة في المنطقة للخطر.
وفصّل الدبلوماسي الأميركي في شهادته السياسة الأميركية بشأن سوريا خلال السنوات السابقة، وتحدث عن تقاعس الإدارة الأميركية والأخطار التي تسببت بها، والفرص التي أضاعتها، فضلاً عن رؤيته للتطبيع مع النظام السوري، وتوصياته للكونغرس الأميركي لما يجب فعله لإعادة السياسة الأميركية في سوريا إلى مسارها الصحيح.
نورد هنا كلمة المبعوث الأميركي الخاص السابق إلى سوريا كما تلاها في جلسة الاستماع في الكونغرس الأميركي.
لماذا تشكل سوريا خطراً جسيماً لا يمكن تجاهله؟
بعد أكثر من اثني عشر عاماً من الحرب، سئمت إدارة بايدن، مثل كثير من دول العالم، من سوريا. لسوء الحظ، لا تزال سوريا والصراع السوري يهددان المصالح الأمنية الأميركية والدولية بطرق لا يمكن تجاهلها. ولا تزال المخاطر نفسها التي أجبرت العديد من الإدارات الأميركية على تبني نهج عملي في التعامل مع سوريا قائمة، فضلاً عن بعض الأخطار الجديدة:
الإرهاب الدولي، المتمثل في وجود “داعش” و”القاعدة” وجماعات مماثلة، فضلاً عن القنبلة الموقوتة لعشرات الآلاف من المعتقلين المرتبطين بـ “داعش” في سجون ضعيفة شمال شرقي سوريا.
أسوأ أزمة لاجئين في العالم منذ أكثر من 70 عاماً، حيث فر أكثر من نصف سكان سوريا قبل الحرب من حرب نظام الأسد على السكان السوريين.
أزمة إنسانية مصاحبة، نتجت أيضاً عن تكتيكات الأسد في الحرب والتجويع ضد السكان السوريين، ثم تفاقمت بسبب زلزال 6 شباط الكارثي، والذي أصاب ملايين السوريين الذين فروا من هجمات الأسد.
أسلحة الدمار الشامل، بما في ذلك استخدام الأسد للأسلحة الكيميائية وانتشارها، فضلاً عن المسألة التي لم تحل بعد وهي محاولة نظام الأسد نشر السلاح النووي بمساعدة كوريا الشمالية.
تهديد الحرب الإقليمية الناجم عن تصعيد المغامرات العسكرية للنظام الإيراني ووكلائه الإرهابيين، وخاصة “حزب الله” و”حماس”، وهم يحاولون تحويل سوريا إلى قاعدة يمكن من خلالها تهديد إسرائيل وجودياً.
منافسة القوى العظمى مع روسيا، التي استخدمت سوريا لاستعادة موطئ قدم استراتيجي في الشرق الأوسط لأول مرة منذ العام 1973، بهدف زعزعة استقرار نظام الأمن الإقليمي بقيادة الولايات المتحدة.
صراع محتدم بين تركيا و”حزب العمال الكردستاني”، له تداعيات خطيرة على حلف شمال الأطلسي، والحملة العالمية ضد “داعش”، وعلاقاتنا الثنائية مع أنقرة.
تهريب المخدرات على نطاق صناعي واسع من قبل عائلة الأسد، الأمر الذي حول سوريا إلى دولة مخدرات مع إغراق دول الخليج بالمخدرات بمليارات الدولارات على وجه الخصوص.
بالنسبة للمصالح الأميركية والحلفاء، فإن كل من هذه المخاطر تزداد سوءاً بشكل مطرد، ويمكن لأي منها أن يتحول إلى أزمة دولية في أي وقت. كما أن كل من هذه الأخطار متجذرة في سلوك وطبيعة نظام الأسد، الذي هو المحرك الرئيسي للصراع السوري.
وجميع التهديدات المذكورة أعلاه تسهلها حرب نظام الأسد المستمرة ضد المعارضة والسكان السوريين، والتي لم تتوقف، حتى في أعقاب زلزال 6 شباط المدمر في تركيا وسوريا.
إهمال الإدارة الأميركية أدى إلى ضياع الفرص
في مواجهة هذه التهديدات الحادة للمصالح الأميركية المهمة، للأسف، لم تفعل إدارة بايدن سوى القليل. ومع الحفاظ على الأهداف الخطابية لسابقاتها، لم تضع الإدارة أي خطط أو وسائل لتحقيق أي منها باستثناء مكافحة الإرهاب والمساعدة الإنسانية، وحتى في هذين المجالين لم تكن هناك سياسة شاملة لربط أفعالهما المفككة. نتيجة لذلك، فقدت الإدارة العديد من الفرص لإعادة الولايات المتحدة إلى دورها القيادي والحماية من المخاطر التي تشكلها سوريا على المصالح الأميركية والدولية.
كان بإمكان الإدارة استعادة الضغط الاقتصادي على دمشق من خلال الإنفاذ الكامل لـ “قانون قيصر” مع صياغة استراتيجية لإغلاق مصادر دخل الأسد الرئيسية: تهريب الكبتاغون، وتحويل مساعدات الأمم المتحدة، وتحصيل رسوم باهظة من المغتربين السوريين لتجديد جوازات السفر وتسجيل الوثائق.
لسبب غير مفهوم، فشلت الإدارة إلى حد كبير في تطبيق “قانون قيصر” منذ تولي بايدن منصبه، مما منح الأسد وحاشيته فترة راحة من الضغوط الاقتصادية الأميركية.
كما لم تتصرف الإدارة ضد تحدي العقوبات خارج سوريا، مثل منع الإمارات والأردن والكويت وأرمينيا ودول أخرى من استضافة شركات طيران الأسد الخاضعة للعقوبات. ربما يتطلب الأمر رسالة تحذير واحدة من وزارة الخزانة لوضع حد لهذا التهرب من العقوبات.
وعلى الرغم من إلحاح الكونغرس، فإن الإدارة لم تفعل شيئاً يذكر للتدقيق في المساعدة الدولية التي تتدفق عبر دمشق، لا سيما الطرق التي يتلاعب بها نظام الأسد ويخيف وكالات الأمم المتحدة لتحويل المساعدات إلى دعم للنظام نفسه.
كان على إدارة بايدن أيضاً ربط سوريا بسياسة الأمن القومي الأوسع للولايات المتحدة فيما يتعلق بروسيا. فمع سلوك روسيا المزعزع للاستقرار في أوروبا، لم يكن هناك سبب لحجب الضغط عن العميل الرئيسي لروسيا في الشرق الأوسط فقط من أجل خلق جو أكثر ودية مع الدبلوماسيين الروس.
جرائم نظام الأسد تجاوزت بكثير جرائم قادة ألمانيا النازية
فشلت وزارتا الخزانة والخارجية في فرض عقوبات على الكيانات والأشخاص الروس كما تصور “قانون قيصر”، مع التركيز على الجيش الروسي وعلى جميع الشركات الروسية التي عملت في سوريا أو مع الحكومة السورية. وسيشمل ذلك كلاً من الصناعات العسكرية وقطاع الطاقة الروسي. نظراً لأن “قانون قيصر” يحتوي بالفعل على سلطات عقوبات ثانوية، فقد يكون لاستخدامه ضد الكيانات الروسية تأثير قوي الآن في كل من سوريا وأوكرانيا.
كان بإمكان الإدارة أيضاً أن تفعل الكثير لدعم الجهود المتزايدة التي تبذلها المحاكم الأوروبية لمحاسبة نظام الأسد على جرائم الحرب والفظائع الأخرى، لا سيما من خلال إنشاء آليات رسمية لتبادل الأدلة.
كما كان بإمكانها دعم تشكيل محكمة دولية بشأن سوريا في لاهاي (كما فعلت الإدارات السابقة مع المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغوسلافيا والمحكمة الخاصة بلبنان التي حققت في اغتيال رفيق الحريري). وكان بإمكان الرئيس بايدن أن يأمر وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي بإعطاء الأولوية للتحقيقات في مصير المواطنين الأميركيين الذين اختفوا في سجون الأسد.
كما لاحظ المدعي العام المتميز لجرائم الحرب، السفير ستيفن راب، فإن مجموعة الأدلة على جرائم الحرب التي ارتكبها نظام الأسد تتجاوز بكثير الأدلة المقدمة ضد قادة ألمانيا النازية في نورمبرج.
لقد تشرفت بمراجعة بعض الأدلة التي ذكرها السفير راب، ورأيت وثائق داخلية للنظام السوري تُظهر أوامر بشار الأسد الشخصية المباشرة بأعمال تشكل جرائم حرب، وكذلك وثائق داخلية للنظام تظهر بما لا يدع مجالاً للشك أنه كان على دراية كاملة بالجرائم التي ارتكبتها قواته العسكرية والأمنية والميليشيات على نطاق واسع.
لتنسيق هذه المبادرات ومبادرات مماثلة، ولإجراء الدبلوماسية المطلوبة لتنفيذها، كان بإمكان إدارة بايدن تعيين دبلوماسي رفيع المستوى له خط مباشر مع قيادة وزارة الخارجية.
لأي سبب من الأسباب، اختارت الإدارة بدلاً من ذلك عدم تعيين مبعوث أميركي خاص لسوريا لأول مرة منذ العام 2014. وغياب المبعوث الخاص على حلفائنا وشركائنا والشعب السوري، الذين فسروا جميعهم كدليل على إهمال الولايات المتحدة.
تكلفة تقاعس إدارة بايدن
هذه ليست سوى عدد قليل من الإجراءات السياسية التي كان من الممكن أن تتخذها إدارة بايدن، بتكلفة منخفضة للغاية، لتحسين النفوذ الأميركي في سوريا، لكنها لم تفعل ذلك. وبدلاً من ذلك راهنت الإدارة على أنها تستطيع استخدام سياسة التقاعس دون تكلفة.
من الواضح الآن أنهم فقدوا هذا الرهان، فبالنسبة لسياسة الرئيس بايدن تجاه سوريا، فقد ثبت أن مخاطر التقاعس عن العمل أكبر من مخاطر العمل، كما حذرت رسالة حديثة لعشرات المسؤولين السابقين وخبراء سوريا، والتي انضممت إلى التوقيع عليها.
بعد أن تركت فراغاً سياسياً في سوريا، تراقب الولايات المتحدة الآن كلاً من خصومنا وأصدقائنا يتحركون بسرعة في سياساتهم وخططهم، على حساب المصالح الأميركية.
إحدى هذه النتائج هي أن الشرق الأوسط أصبح الآن أقرب إلى حافة الحرب من أي وقت مضى منذ العام 2006.
في الأيام القليلة الماضية، أظهر النظام الإيراني أنه يمكنه شن هجمات خطيرة ضد الأراضي الإسرائيلية من لبنان وغزة وسوريا في وقت واحد، بينما نفذ أيضاً سلسلة موسعة من الهجمات ضد القوات الأميركية في شرق سوريا.
بصفتي ضابطاً عسكرياً سابقاً في القيادة المركزية الأميركية، شعرت بخيبة أمل لرؤية إدارة بايدن لا تستخدم الوسائل الدبلوماسية أو العسكرية أو الاقتصادية لردع عدوان إيران العسكري ضدنا وضد أقرب حلفائنا الإقليميين، أو لردع طهران عن شحن طائرات محملة بالأسلحة إلى داخل سوريا تحت غطاء “إغاثة الزلزال”.
في بعض الأحيان بدا بدلاً من ذلك أن إدارة بايدن، وليس “الحرس الثوري” الإيراني، هي التي تم ردعها.
في غضون ذلك، على المستوى السياسي، أدى تقاعس إدارة بايدن والرسائل المختلطة في سوريا إلى موجة من القرارات المضللة التي اتخذتها العواصم العربية لبدء تطبيع علاقاتها مع بشار الأسد.
إن حقيقة قيام الدول العربية بذلك دون أن يغير الأسد أياً من سلوكياته المزعزعة للاستقرار أو أن يلبي أي شرط من العديد من القرارات الدولية ضده يكشف فشل السياسة الأميركية.
مع قانون قيصر وسلطات أخرى مماثلة، كان ينبغي أن يكون من السهل على إدارة بايدن إحباط هذه الموجة من الاستسلام العربي لأسوأ نظام إجرامي حرب في القرن الحادي والعشرين.
بعد كل شيء، لا توجد تقريباً حكومة أو كيان عربي من شأنه أن يعرض وصوله إلى الدولار للخطر من أجل النظام السوري البغيض، وفي حين أن البيانات الصحفية للإدارة رددت نفس الخط المناهض للأسد مثل سابقاتها، فإن أفعالها تروي قصة مختلفة.
“قانون قيصر” أحدث فجوة
لأكثر من عامين، لم تستخدم الإدارة الأميركية “قانون قيصر” أو أي أداة ضغط أخرى تقريباً، مما خلق تصوراً إقليمياً بأن واشنطن قررت وقف العقوبات ضد الأسد، حتى في الوقت الذي أعرب فيه الكونغرس عن استنكاره للأسد بشكل متسق وعالمي أكثر مما فعلته الإدارة، وعبرت عن نفسها تقريباً في أي مسألة أخرى تتعلق بالسياسة الخارجية.
في العديد من المناسبات، شجع مسؤولو إدارة بايدن، في الواقع، العواصم العربية على تطبيع علاقاتها مع نظام الأسد، وشجعوا جيران سوريا على ضم الأسد إلى صفقة طاقة إقليمية وأكدوا للعواصم العربية والأوروبية والبنك الدولي أن “قانون قيصر” لا يجب أن يكون عائقاً.
في أعقاب زلزال 6 شباط، أصدرت إدارة بايدن على عجل الرخصة العامة الواسعة 23، والتي أحدثت فجوة في “قانون قيصر” للسماح بالمعاملات مع القطاع المالي لنظام الأسد لمدة ستة أشهر.
وسارع فريق بايدن إلى تفعيل هذا الترخيص العام دون تقييم أو تخفيف المخاطر التي قد يسيء بها النظام وشركاؤه؛ ودون أي حواجز أو آلية إنفاذ من أي نوع، بما في ذلك أي تدابير من شأنها أن توقف ممارسة النظام طويلة الأمد للتلاعب بأسعار الصرف لسرقة أجزاء كبيرة من كل تحويل برقي إلى البلاد؛ ودون أي قيود جغرافية، على الرغم من أن أقصى شمال غربي سوريا فقط هو الذي تضرر بشدة من الزلزال؛ ودون أي مساهمة من الجالية السورية الأميركية أو المعارضة السورية، الذين صُدم معظمهم من الرخصة؛ ودون التوقف لشرح سبب وجوب السماح بمعاملات غير مقيدة تقريباً لبنوك نظام الأسد، ولا يعمل أي منها في أكثر المناطق التي تسيطر عليها المعارضة على طول الحدود التركية.
في هذه الأثناء، رأى نظام الأسد فرصة ذهبية، حيث أجبر معظم مساعدات الزلازل الدولية على التدفق إما من خلال “الأمانة السورية للتنمية”، التي تديرها زوجة بشار الأسد، أسماء، أو الهلال الأحمر العربي السوري، وكثير منها امتداد أجهزة النظام الأمنية.
وفقاً لمصادر إقليمية، عندما استجوبت العواصم العربية، في أعقاب الزلزال، نظراء كبار في إدارة بايدن حول ردود الفعل الأميركية المحتملة على التواصل مع الأسد، لم يكن رد الإدارة ضوءاً أحمر، بل ضوءاً أخضر ضمنياً.
ورد أن مسؤولي الإدارة أبلغوا العواصم العربية التي منذ أن قررت التطبيع مع دمشق، أنه يجب عليها المساومة مع الأسد من أجل وصول أفضل للمساعدات الإنسانية داخل سوريا.
وبحسب ما ورد قال مسؤولون كبار في إدارة بايدن لنظرائهم العرب إنهم يفضلون رؤية الأسد يستعيد العلاقات الطبيعية مع العواصم العربية بدلاً من رؤية روسيا تتوسط في صفقة تطبيع بين الأسد وتركيا، لأن الأخيرة ستزيد من خطر هجوم تركي جديد ضد الولايات المتحدة و”قوات سوريا الديمقراطية” المتحالفة معها.
ما لم يفعله مسؤولو إدارة بايدن، حسبما ورد، هو التحذير من أن استعادة العلاقات الطبيعية مع الأسد قد يؤدي إلى عقوبات أميركية إذا كان الأمر يتعلق بعلاقات اقتصادية من أي نوع.
ونتيجة لذلك، أوجد مسؤولو الإدارة انطباعاً بأنهم يرغبون في تنفيذ استراتيجية تطبيع تجاه الأسد، ولكن القيام بذلك خلسة، وتشجيع الآخرين على تولي القيادة وخلق وضع يمكن تقديمه في واشنطن على أنه أمر واقع، بينما رفض الاعتراف بنواياهم الحقيقية أمام الكونغرس.
ما يجب فعله لإعادة السياسة الأميركية تجاه سوريا إلى المسار الصحيح
وصلت سياسة الولايات المتحدة بشأن سوريا إلى نقطة حاسمة، حيث يتعين على الكونغرس إعادة تأكيد نيتها، وإصدار تعليمات للسلطة التنفيذية لتطبيق القانون الأميركي، وتعديل “قانون قيصر” لضمان تنفيذ القانون، وعدم ترك أي مجال للتهرب أو سوء التفسير المتعمد.
يجب تعديل “قانون قيصر” وتحديثه وتوسيعه، ويجب أن يشمل المزيد من قطاعات الاقتصاد السوري المرتبطة بالنظام، ويجب أن تخاطب القطاع المالي السوري والبورصة لردع رؤوس الأموال الخليجية والصينية الخاصة والعامة عن الاستثمار في سوريا.
يجب أن يعالج القانون أيضاً ممارسات نظام الأسد في مصادرة ممتلكات أولئك الذين قتلوا أو طردوا من منازلهم، ثم محاولة استخدام تلك الممتلكات في مشاريع جديدة مربحة يبحثون عن مستثمرين دوليين.
ويجب على الكونغرس أيضاً أن يسهل على هذه اللجنة أن تكون قادرة على ترشيح أسماء لتضمين “قانون قيصر”، عبر خطاب مشترك من الرئيس والعضو البارز، كما هو ممكن بالفعل بموجب “قانون ماغنتسكي العالمي”.
يجب على الكونغرس أيضاً حماية “قانون قيصر” من خلال الحد من التنازل وسلطات الترخيص الواردة فيه لمنع هذا النوع من إساءة استخدام سلطة الترخيص هذه التي نراها في الترخيص العام 23 المدمر للغاية.
يجب على الكونغرس أيضاً التحرك بسرعة لتمرير “قانون عدم مساعدة الأمم المتحدة للأسد”، الذي قدمه عضو الكونغرس جو ويلسون في المؤتمر الـ116، أو مشروع قانون مماثل بقطع جميع مساعدات الأمم المتحدة للمناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد في سوريا، وإعادة توجيهها إلى مناطق خارج سيطرة الأسد ما لم، وإلى أن، تتمكن الأمم المتحدة فعلياً من فرض معاييرها وإجراءاتها لمنع تحويل مساعدات الأمم المتحدة إلى نظام الأسد.
فيما يتعلق بالتطبيع، يجب على الكونغرس تمرير مشروع قانون لردع وتثبيط تلك الدول التي تقوم بتطبيع العلاقات مع النظام، ويجب أن يطالب مشروع القانون الوكالات الأميركية المشتركة بوضع استراتيجية لمكافحة التطبيع، ويجب أن يتطلب عقوبات شبيهة بالتشريع الفيدرالي “CAATSA” (مواجهة أعداء الولايات المتحدة من خلال العقوبات)، على البلدان التي تطبيع العلاقات رسمياً مع الأسد، لتوضيح الإشارات المختلطة المدمرة للغاية التي ترسلها إدارة بايدن للأسف.
يجب أن يمنع هذا القانون أو “قانون قيصر” المعدل صراحة مبادرة خط أنابيب الغاز العربي التي أيدتها الإدارة بشكل مضلل، ويجب أن يوضح مشروع القانون في الوقت نفسه صراحةً أن أي كيان يخدم شركة طيران خاضعة للعقوبات التابعة للنظام السوري، مثل الخدمات المقدمة إلى أجنحة الشام في العديد من المطارات الإقليمية، بما في ذلك دبي وعمان، ينتهك أيضاً العقوبات الأميركية.
لضمان بقاء الولايات المتحدة في الصدارة بشأن هذه القضية، يجب على الكونغرس أيضاً تمرير البند الذي رعاها عضو الكونغرس جو ويلسون في قانون تفويض الدفاع الوطني العام الماضي، الذي يحظر على الحكومة الأميركية الاعتراف ببشار الأسد كرئيس لسوريا، أو الاعتراف بنظامه كحكومة شرعية لسوريا.
يجب على الكونغرس استخدام سلطته الرقابية، بما في ذلك إشراف لجنة الشؤون الخارجية على العقوبات، لفحص عدم قيام الإدارة الحالية بإنفاذ “قانون قيصر” وسلطات العقوبات الأخرى ذات الصلة بسوريا، فضلاً عن الإضاءة الخضراء الضمنية لجهود التطبيع من قبل الدول العربية.
يجب على الكونغرس أيضاً استخدام سلطته الرقابية لفحص ما تفعله الإدارة من أجل التنفيذ الكامل لقانون الكبتاغون برعاية عضو الكونغرس فرينش هيل، الذي تم تمريره كجزء من ميزانية الدفاع لعام 2022.
وللحكم على كيفية توسيع هذا القانون، أو تعزيزه في العام 2023 لتسريع انهيار قانون الكبتاغون، من المستحيل على الولايات المتحدة أو أي شخص آخر التطبيع مع دولة مخدرات، ويجب على الكونغرس مواصلة الضغط بشأن هذه القضية.
أخيراً، يجب على الكونغرس الضغط على وزارة العدل لبذل جهد للمساءلة الجنائية كما تفعل وزارات العدل الأوروبية حالياً.
خلاصة: لماذا تطبيع نظام الأسد غير واقعي
بالنسبة للمصالح الأميركية، لا يكفي أن تقرر العواصم الدولية أنها لم تعد ترغب في ترك الأسد معزولاً، فلدى الولايات المتحدة مشاكل طويلة الأمد مع نظام الأسد، بعضها موجود منذ أكثر من عقدين، حتى قبل العام 2011، سعت الولايات المتحدة إلى عزل بشار الأسد ونظامه لرعايته للإرهاب، وانتهاكات حقوق الإنسان، وانتشار أسلحة الدمار الشامل، والاعتقال غير المشروع للأميركيين، وتهريب المخدرات، والدعم المادي للنظام الإيراني، وما يشبه الحرب والعداء لجميع جيرانهم الإقليميين.
بالإضافة إلى ذلك، سعت أربع إدارات رئاسية أميركية إلى تنظيم الضغط الدولي على الأسد لتحديه قرارات مجلس الأمن الدولي بشأن لبنان وإيران والإرهاب ومكافحة انتشار الأسلحة النووية.
لا يمكن للولايات المتحدة أن تقيم علاقات طبيعية مع النظام السوري، ولا ينبغي أن تدعم الآخرين في إقامة علاقات طبيعية، دون حل هذه المشاكل الخطيرة مع سلوك نظام الأسد وطبيعته.
تجادل بعض الحكومات، التي تستكشف صفقات التطبيع مع نظام الأسد، بأنها تفعل ذلك من منطلق البراغماتية، وأنه طالما لم يسقط الأسد بعد اثني عشر عاماً من الحرب، فإن استعادة العلاقات الطبيعية معه ومع نظامه هي مجرد واقعية.
تضيف بعض العواصم العربية الحجة القائلة بأنه يجب على الدول العربية تقديم حوافز مادية للأسد للنأي بنفسه عن النظام الإيراني وروسيا، لكن هذه المبررات في حد ذاتها غير واقعية إلى حد كبير، لقد رأى العالم ما يكفي من نظام الأسد ليعرف أنه لن يغير سلوكه، بتكوينه الحالي، سواء داخل سوريا أو خارجها، ولن يقدم أي تنازلات من أي نوع إلا تحت ضغط لا يقاوم.
لقد بذل بعضنا ممن يعملون في الشرق الأوسط وقتاً طويلاً بما يكفي لتذكر المرات المتعددة في الماضي عندما حاول تطبيع بشار الأسد وفشل بشكل مذهل، وعندما أسمع قادة عرب أو مسؤولين آخرين يطرحون التطبيع اليوم، لدي على الفور ذكريات حية لاغتيال رفيق الحريري في العام 2005، تلاه ضغوط دولية، تبعها ابتزاز حرب لبنان في العام 2006، تلاه تآكل تدريجي للضغط الدولي، وبلغت ذروتها بفشل “مؤتمر أنابوليس” ومبادرة التطبيع بين الرياض ودمشق.
أنا، على سبيل المثال، لا أرى أي سبب ليجلس العالم ليشاهد هذا الفيلم مرة أخرى، على أمل نهاية مختلفة.
لقد رأينا أيضاً ما يكفي من الشعب السوري لنعرف أن أكثر من نصفهم الذين يعارضون الأسد لن يقبلوا أبداً العيش تحت حكمه مرة أخرى، فقد قتل الأسد ما يقرب من مليون سوري، ومع ذلك استمروا في مقاومته إلى درجة لم يكونوا يتخيلونها عندما بدأ بقتلهم في العام 2011.
بعد اثني عشر عاماً من الصراع، من الواضح أن الأسد فشل في هزيمة المعارضة أكثر مما كان يتخيله، أنهم فشلوا حتى الآن في إزاحته من السلطة، والحقيقة الأساسية في سوريا هي أن الأسد لا يمكن أن ينتصر.
ما يراه السوريون: سوريا دولة فاشلة مؤسساتها واقتصادها في حالة انهيار
سوريا الحقيقية اليوم ليست دولة يستضيف فيها الأسد كبار الشخصيات الزائرة، لكنها دولة يواجه فيها السوريون العاديون المجاعة، بينما تعيش النخبة الكليبتوقراطية (الفاسدة) في رفاهية واضحة.
بالنسبة للسوريين، فإن سياسات التطبيع التي تفترض أن للأسد مستقبل مضمون، أو القدرة على تحقيق الاستقرار في البلد بأكمله، هي سياسات غير معقولة وغير ذات صلة، وليس لها أي تأثير على الإطلاق على مصداقية الأسد مع ملايين السوريين، والتي ذهبت إلى الأبد.
الحقائق البسيطة، هي أن السوريين الذين رفضوا شرعية الأسد لعشرات السنين سوف يستمرون في فعل ذلك إلى ما لا نهاية، في حين أن دولة الأسد هي مجرد قذيفة لا يمكن استعادتها، وبالتالي، فإن أكثر المقاربة غير الواقعية تجاه سوريا هي تخيل أن الأسد يمكن أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء إلى العام 2010، أو أن حكمه مضمون أن يستمر على المدى الطويل.
بالنسبة للعيون السورية، فإن الحقائق تبرر قيام القوى العالمية بتغيير سياساتها تجاه سوريا، والتوصل إلى نهج قد ينجح بالفعل.
إنني أحث الكونغرس على قيادة الطريق للمجتمع الدولي بأسره، من خلال استعادة وتعزيز وإجبار تنفيذ سياسة الضغط التي وضعتها أصلاً في “قانون قيصر”.
إن ذلك حرفياً هو الحل الوحيد الممكن للمأساة السورية.
تلفزيون سوريا
—————————
علاقات السعودية مع نظام الأسدين.. الحصاد المر!/ عدنان علي
لم تكن العلاقات بين السعودية والنظام السوري مثالية في أي وقت من الأوقات في عهدي الأب حافظ الأسد، ووريثه بشار. وظلت هذه العلاقات مطبوعة بالتوتر العلني أو الضمني على الدوام، بسبب التحالفات المشبوهة وسياسة الابتزاز لنظام الأسدين، بدءا من الوقوف مع إيران في حربها مع العراق في ثمانينات القرن الماضي، مرورا بالطعنات المتكررة للسياسة السعودية في لبنان وعرقلة تنفيذ اتفاق الطائف، وكانت الذروة باغتيال رجل السعودية في لبنان رفيق الحريري، ثم تصريحات بشار الأسد بعد حرب تموز 2006 والتي انتقد فيها علنا موقف السعودية، وصولا إلى إحباط السياسة السعودية الرامية إلى تحقيق قدر من الوفاق الفلسطيني عبر الانقضاض الأسدي- الإيراني على اتفاق مكة بين حماس وفتح، في إطار سعي النظام الدائم للاستحواذ الكامل على الورقة الفلسطينية.
ومع اندلاع الثورة السورية في ربيع عام 2011، كانت السعودية من بين الدول القليلة التي وضعت ثقلها للإطاحة بنظام الأسد الذي لم يكن حليفا موثوقا في يوم من الأيام، غير أن التكتيكات التي اتبعتها السعودية في هذا السياق لم تكن موفقة تماما، حيث تجنبت تقديم الدعم للقوى الحقيقية التي تبنت أهداف الثورة السورية، وظل دعمها خاضعا لحسابات بعض القوى الإقليمية والدولية، وفي طليعتها الولايات المتحدة، والتي لم تكن جادة في الإطاحة بالنظام.
ومع حلول العام 2015، حين تدخلت روسيا عسكريا لصالح النظام، (بالتزامن مع صعود ولي العهد، محمد بن سلمان إلى السلطة) سرعان ما انكفأت السياسة السعودية في سوريا، لينحسر الدعم للفصائل العسكرية في العام التالي، ثم يتوقف نهائيا مع تمكن النظام من السيطرة على محيط دمشق والجنوب السوري، وحشر المعارضة المسلحة في الشمال السوري، ولتتقاسم روسيا وإيران وتركيا النفوذ، إضافة إلى الولايات المتحدة الموجودة كقوة أمر واقع في شرقي البلاد، مع تهميش دور الأطراف العربية، بما فيها السعودية.
ومع هذا الانحسار للمعارضة، عملت السعودية على تشكيل معارضة سياسية تلائم الصيغ والمسارات التي تطرحها روسيا للحل (هيئة التفاوض السورية) وهي مسارات، بعيدة في جوهرها عن القرار الدولي 2254 الذي دفعت إليه القوى الفاعلة في الملف السوري، وعلى رأسها السعودية، ليتضح سريعا أنها مجرد متاهات لتضييع الوقت، والالتفاف على الصيغة الدولية للحل، وهدفها في نهاية الأمر مجرد إبقاء نظام الأسد على رأس السلطة، دون أي أثمان سياسية.
وبالتزامن مع ذلك، واجهت السعودية تهديدات مباشرة لأمنها الوطني من خلال الحرب في اليمن ضد الحوثيين، ومن خلفهم إيران، والتي استنزفت السياسة السعودية، ودفعتها للبحث عن مخارج في كل الاتجاهات، ما أسهم في إعادة تشكيل الخيارات الاستراتيجية للرياض، مع الشعور المتنامي بخطأ الاعتماد الكلي على التحالف مع الولايات المتحدة للحفاظ على أمن المملكة، في ضوء التراخي الأميركي حيال التهديدات الإيرانية العميقة للسعودية في حرب اليمن، والتي وصلت إلى حد مهاجمة أهداف حيوية داخل المملكة بالمسيرات والصواريخ بذراع الحوثيين، وهو ما دفعها في نهاية المطاف إلى عقد صفقة برعاية صينية للتهدئة مع إيران، الأمر الذي أدى تلقائيا إلى تسريع خطوات الانفتاح على النظام السوري والتي مهد لها وزير الخارجية السعودي بالقول في تصريحات متكررة بأن الوقت قد حان للتعامل بطريقة مختلفة مع الوضع في سوريا. ثم جاء الزلزال المدمر في جنوبي تركيا وشمالي سوريا، ليتيح حصول أول اتصال علني بين الجانبين بعد إرسال الرياض مساعدات إنسانية مباشرة إلى مطار حلب، ثم إعلان السعودية أنها تجري محادثات مع النظام السوري لاستئناف تقديم الخدمات القنصلية بين الطرفين، وصولا إلى زيارة وزير خارجية النظام إلى جدة، ثم الاجتماع الوزاري العربي في الرياض حول سوريا.
وينطلق التوجه السعودي الجديد تجاه سوريا من باقة أوسع في توجهات السياسة الخارجية السعودية والقائمة على “تصفير” المشكلات مع الجيران، وهي سياسة سبقتها إليها كل من الإمارات وتركيا، حيث شهدنا سلسلة مصالحات لهذه البلدان، استعدادا منها كما يبدو لاستحقاقات متوقعة في المنطقة، بعد الحرب الروسية في أوكرانيا، وتزايد حدة الاستقطاب الدولي، مع دخول الصين القوي على خط السياسة الدولية، بما في ذلك الشرق الأوسط، وهو ما تجلى بدور الوساطة الذي لعبته بكين بين السعودية وإيران.
وترى السعودية أن بقاء الوضع في سوريا كما هو يضر بالمصلحة العربية، ويتيح لإيران تعزيز نفوذها فيها بصورة أكبر، وأن الانفتاح على النظام في دمشق، سيمكن الأخير من التعامل بندية أكبر مع إيران، وبسط سيطرة الدولة على جميع الأراضي السورية، بما يتيح إضعاف وجود الميليشيات التي تدعمها إيران، خاصة قرب الحدود الجنوبية والتي تتولى الإشراف على تهريب المخدرات باتجاه الأردن ودول الخليج العربي، كما قد تتسبب في اندلاع توترات مع إسرائيل سوف تشمل المنطقة بأسرها.
ويبدو أن صناع القرار في السعودية توصلوا إلى قناعة بعد سنوات من الحروب والمواجهات في سوريا واليمن وداخل المملكة نفسها، إلى قناعة بأن على السعودية أن تتولى نزع شوكها بنفسها، من خلال التحاور المباشر مع المتسبب الرئيسي بمجمل المشكلات الخارجية للسعودية وهو إيران، وهي تتوجه بأمل كبير للانخراط في خطط بناء طموحة على الصعيد الداخلي خلال السنوات والعقود المقبلة والمتمثلة في مشروع المملكة 2030.
غير أن ثمة عدة عقبات قد تحبط هذا التوجه السعودي تجاه النظام السوري المتمرس في سياسات التسويف والابتزاز، ومحاولة اللعب على الحبال، حيث سيحاول الاحتفاظ بعلاقات قوية واستراتيجية مع إيران وحزب الله، مع محاولة الإفادة في الوقت نفسه من الدعم الاقتصادي والشرعنة السياسية في علاقاته مع السعودية والمحيط العربي، فضلا عن عدم استعداده للخوض في أي مسار للانتقال السياسي أو حتى مجرد إشراك جزء من المعارضة في السلطة، ناهيك عن الخطوات الأخرى التي تطلبها المبادرة العربية (الأردنية في الأساس) والتي واظب النظام على التلكؤ فيها، مثل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين (أكثر من 150 ألف معتقل) والسماح بعودة آمنة وكريمة لملايين اللاجئين السوريين، وضبط تهريب المخدرات عبر الحدود.
كما أن السعودية، ومجمل الدول العربية، لا تستطيع أن تمضي بعيدا في التطبيع مع نظام الأسد إذا تمسكت الولايات المتحدة والدول الأوروبية بموقفها الرافض لهذا التوجه، طالما لم يرتبط بحل سياسي واضح يستند إلى القرارات الدولية ذات الصلة. ومن المعتقد أيضا أن إيران لن تسمح على الأرجح للنظام في دمشق بأن يرتمي في الحضن العربي بشكل كامل، فهي ترحب فقط بانفتاح عربي محدود يتضمن ضخ الأموال والاستثمارات دون أثمان سياسية، سيكون في مقدمتها ابتعاد النظام عن إيران نفسها، وهو ما سيدفع النظام إلى الحذر الشديد في التعامل مع الانفتاح العربي عليه، مع الضعف الواضح في قدرته اليوم على الموازنة في علاقاته بين محيطه العربي وإيران، كما كان يفعل نظام حافظ الأسد من قبل.
تلفزيون سوريا
————————
النظام السوري يطوي صفحة العداء للسعودية: هزمنا المؤامرة معاً!/ وليد بركسية
عادت عقارب ساعة الإعلام الرسمي في سوريا إلى ما قبل العام 2011، لاستخراج الصيغ الرسمية المطلوبة عند تقديم أخبار “استقبل وودع” التي لطالما تندّر عليها السوريون. وبدت أخبار استقبال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في دمشق، الثلاثاء، وكأنها زيارة عادية، لطالما حصلت من دون انقطاع، ومن دون توتر خلال العقد الماضي الذي شهد ثورة شعبية ضد نظام الأسد للمطالبة بمزيد من الحريات والديموقراطية.
في البداية تراجع خبر استقبال بن فرحان، إلى الخبر الثاني أو الثالث في نشرات الأخبار، قبل أن يصبح أولاً من باب البيان الصادر عن رئاسة الجمهورية. وحضرت فيه عبارات تقليدية غابت سنوات مثل “البلدين الشقيقين” و”المصلحة العربية”، كأن الإعلام الرسمي في السنوات الماضية لم يكن رافضاً “العروبة” لصالح ترسيخ هوية جديدة للسوريين بوصفهم مشرقيين لا عرباً، أو حلفاء للأصدقاء في روسيا وإيران بدلاً من “الخيانة العربية”. وتم الحديث في نشرات الأخبار الرسمية، عن دور سوريا المهم ضمن محيطها العربي، وهو خطاب عاد إلى الظهور في سوريا خلال السنوات الماضية مع الانفتاح العربي التدريجي على النظام.
ولسنوات، أنتج التلفزيون الرسمي عشرات “الوثائقيات” وآلاف البرامج التي وصفت الحكام الخليجيين بعبارة “عربان الخليج” من منطلق أنهم “شركاء في المؤامرة الكونية على سوريا” و”أدوات للمخطط الصهيوأميركي” في الشرق الأوسط. وتغير ذلك منذ العام 2021 مع زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان حينها إلى دمشق.
واليوم بدأ يختفي بعض تلك الوثائقيات من أرشيف التلفزيون في “يوتيوب” بما في ذلك وثائقي “مملكة النعيم” الذي أنتجته قناة “الإخبارية السورية” العام 2015، رغم أنه مازال موجوداً في “فايسبوك” بشكل كليبات قصيرة، وليس واضحاً إن كانت القناة تحذف أرشيفها بتعليمات رسمية أم لا، نظراً لغياب الشفافية بشأن السياسات الإعلامية المتبعة.
وحتى في أوصاف “المحللين” الذين تتم استضافتهم على الشاشات الرسمية للتعليق كـ”خبراء مستقلين”، باتت السعودية “دولة وازنة إقليمياً”، وهي عبارة تكررت مراراً وتكراراً لأن التعليمات الرسمية تصل إلى جميع المحللين في وقت واحد، رغم أن الإعلام السوري كان يصف السعودية بأنها “دولة هامشية” وغير مهمة، وأن صراع دمشق يكمن مع الدول الكبرى كالولايات المتحدة، لا الدول “التي تنفذ الأوامر”. كما أن الإعلام الرسمي كان يضع السعودية في صدارة الدول التي يهاجمها عند الحديث عن أحداث لا علاقة لها بسوريا بتاتاً مثل تظاهرات “طلعت ريحتكم” في لبنان العام 2015.
بعكس ذلك، أصبح هناك في الإعلام الرسمي ترحيب بعودة العلاقات العربية إلى طبيعتها، وباتت المؤامرة أكثر شمولية لأنها كانت تستهدف “العلاقات الأخوية”، لا السيادة السورية وحدها. ورغم أن محللي النظام لطالما صرخوا وشتموا وقالوا أن سوريا لا تريد أصلاً العودة إلى الجامعة العربية بوصفها “كياناً ميتاً”، يصبح إحياء ذلك الكيان، بقُدرة قادر، ضرورياً بسبب “تغيرات المرحلة”. مع الإشارة إلى أن العروبة نفسها كفكرة دافع عنها النظام طوال عقود كمحدد للهوية وقمع الأقليات، وكانت قد سقطت من اللغة اليومية للنظام بعد الثورة السورية بشكل واضح بعد طرده من جامعة الدول العربية ومقاطعة تلك الدول له.
تجلى ذلك في إحياء النظام بشكل رسمي للتراث السوري (غير العربي) الآتي من الحضارات الأولى في المنطقة، وبلغ ذلك ذروته العام 2016 في الاحتفال الرسمي بعيد السنة الآشورية “أكيتو”، وهو أحد الأعياد التي كانت ممنوعة في البلاد على غرار عيد النوروز الكردي. لكن عودة العلاقات الدبلوماسية بين النظام السوري ودول عربية منذ العام 2018، أفضت إلى عودة حاسمة نحو الفكر العروبي، كما أن الثقل الذي باتت تمتلكه وزارة الأوقاف السورية في البلاد، شكل دفعة إضافية لتبني الخطاب العروبي مجدداً، لأن الخطاب الديني يمزج بين الإسلام والعروبة. وهو ما تجلى في خطاب لوزير الأوقاف محمد عبد الستار السيد العام 2020، قال فيه أنه “لا يمكن الفصل بين العروبة والإسلام”، فيما كان الرئيس بشار الأسد شخصياً أكثر وضوحاً عندما قال في خطاب خلال العام نفسه أن الدولة السورية هي دولة عربية حصراً، في ردّه على على الدعوات التي تحدثت طوال السنوات الماضية عن أن سوريا ليست بلداً عربياً بل بلد غزاه العرب بعد الإسلام فقط.
ودعمت السعودية، المعارضة السورية ضد النظام السوري، خلال الانتفاضة السورية التي تحولت إلى حرب أهلية. لكن في السنوات الأخيرة، كان هناك تقارب إقليمي يختمر. وأثار الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا، في شباط/فبراير الماضي، تعاطفاً دولياً وسرّع عملية التقارب من باب المساعدات.
وفي مواقع التواصل، اختفى الكثير من المقاطع والمنشورات التي كانت تهاجم السعودية من صفحات شخصيات موالية، مثل الممثل معن عبد الحق. وكانت صفحات الإعلاميين وتعليقاتهم على المنشورات الصادرة عن رئاسة الجمهورية، من بينهم نزار الفرا مثلاً، تتحدث عن التغييرات العالمية التي تدفع إلى مزيد من “التعاون العربي”. وخففت الأصوات الراديكالية حديثها من “لن نصالح” إلى القول أن هذا هو الوضع الطبيعي للمشهد العربي، وبدا كأن توجيهات رسمية موحدة جعلت الصوت الموالي في العموم مقتصراً على تبادل خبر الزيارة نقلاً عن “سانا”، لا أكثر.
ووفق هذا المنطق، فإن انتصار الأسد على “المؤامرة الكونية” أجبر محركي تلك المؤامرة، المزعومين، أي القيادات العربية، على التراجع عن خططهم والعودة إلى “الصواب”، واستخدم موالون آخرون عبارة “أحجار الدومينو” لوصف “التهافت” العربي على النظام، فيما وصف آخرون الرئيس بشار الأسد بالمؤمن الذي انتصر بسبب وقوف الله إلى جنبه وصبره على المحنة التي ألمت به.
ذلك كله لم يكن حاضراً في تعليقات الأفراد العاديين عموماً، بل كان هناك تفاؤل بتحسن الأوضاع الاقتصادية والخدمية في البلاد، رغم أن ذلك التفاؤل خادع بحد ذاته، إلا أن وسائل الإعلام الرسمية لم تقم بتغذيته بشكل مباشر. ربما لأن النظام السوري يرفض أصلاً الاعتراف بوجود أزمة معيشية واقتصادية، حيث يكرر المسؤولون السوريون منذ العام 2016 على الأقل، من بينهم المتشارة الرئاسية بثينة شعبان، في تصريحاتهم أن الانهيار الاقتصادي “وهمي” وأن “الاقتصاد السوري أفضل بـ50 مرة مما كان عليه العام 2011″، مع تكذيب التقارير الحقوقية والأممية التي تفيد بأن أكثر من 90% من السوريين يعيشون تحت الفقر.
ذلك التفاؤل يصطدم بوقائع معاكسة، فالاقتصاد السوري منهار لأسباب لا علاقة لها بالقطيعة مع الدول العربية، من بينها سيطرة المليشيات، وغياب القانون، والتعفيش على الحواجز، والأتاوات المفروضة على الصناعيين والتجار الذين مازلوا في البلاد، فضلاً عن غياب الكهرباء والمواصلات والمحروقات وغيرها من أسس أي نشاط اقتصادي بسيط، كما أن العقوبات الغربية المفروضة على النظام، تحديداً في القطاع المصرفي، تجعل المقولات التي انتشرت بشأن تدفق الاستثمارات العربيى إلى سوريا أوهاماً.
المدن
————————–
واشنطن تبلغ السعودية وإسرائيل رفضها عودة الأسد للجامعة العربية
أبلغت الولايات المتحدة، السعودية وإسرائيل، عدم رضاها عن عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية، مؤكدةً أنها لن ترفع العقوبات بما يسمح بإعادة الإعمار في سوريا، وكذلك لن تغير موقفها من العلاقة مع الأسد.
وقال كبير النواب الجمهوريين في مجلس الشيوخ الأميركي ليندسي غراهام إنه أبلغ الرياض وتل أبيب إن واشنطن ستعارض أي جهود من أجل إعادة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى الجامعة العربية، وذلك خلال مقابلة متلفزة مع قناة “العربية”.
وكان غراهام قد التقى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مدينة جدة قبل أسبوع، بالتزامن مع رغبة ودفع سعوديين من أجل إعادة الأسد إلى الجامعة، بعد اتفاق الجانبين على إعادة العلاقات القنصلية، تلته زيارة من وزير خارجية النظام فيصل المقداد إلى السعودية، قبل أن يقابلها وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان بزيارة مماثلة إلى دمشق الثلاثاء.
واستضافت السعودية اجتماعاً في جدة قبل أيام لوزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي مع نظرائهم من الأردن ومصر والعراق، للخروج باتفاق من أجل عودة النظام للجامعة، لكنه لم يخرج بأي نتائج واضحة في هذا السياق.
بدورها، أكدت مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف أن الولايات المتحدة لاتزال حازمة في معارضتها للنظام السوري، مشددة على أن واشنطن لن تنظر في رفع العقوبات عنه للسماح بإعادة الإعمار.
وقالت ليف في مقابلة مع مجلة ” ذا ناشيونال” المقربة من الإمارات، إن موقف واشنطن من النظام “لن يتغير”، قائلةً: ” لن نقوم بالتطبيع، ولن نرفع العقوبات، ولن نعدل من موقفنا من النظام السوري حتى نرى الأسد يتقدم بطريقة واضحة وعميقة وحقيقية بشأن القضايا المنصوص عليها في القرار الأممي 2254″.
وحول تطبيع الدول مع النظام السوري، أعربت المسؤولة الأميركية عن “تفهمها لوجهات النظر العربية في التعامل مع سوريا”، إلا أنها أكدت على أن “هذه العلاقات يجب أن تجلب تغييراً منطقياً للأوضاع في البلاد”.
ووصل بن فرحان إلى دمشق الثلاثاء، في أول زيارة معلنة لمسؤول دبلوماسي سعودي رفيع المستوى إلى دمشق، بعد قطيعة دبلوماسية كاملة دامت أكثر من 11 عاماً بين الجانبين، التقى خلالها الأسد، وهو ما فسره محللون في الشأن السوري، أنها من أجل سماع رأي الأسد شخصياً، لشروط الدول الرافضة لعودته إلى الجامعة العربية.
—————————–
التحولات العربية تجاه سوريا تعبّد طريق الرئاسة لفرنجية؟/ منير الربيع
هل وجب استعداد اللبنانيين لرئاسة سليمان فرنجية؟ أصبح السؤال أكثر من مشروع. كل التطورات التي تحصل في المنطقة بتسارع، قابلة لأن تصب في النهاية في صالح سليمان فرنجية. قبل فترة، كان من يوجه سؤالاً لحزب الله عن فرنجية يقول الحزب بوضوح: “لا تخلي عنه، والآن نحن نوافق على وصول نواف سلام لرئاسة الحكومة مع فرنجية. ولكن بعد فترة، وفي المستقبل، قد لا نرضى بذلك. وقد نطالب بفرنجية ونجيب ميقاتي ربما أو سعد الحريري”.
من سمع الجواب وضعه في خانة رفع السقف من قبل الحزب. أما آخرون يعرفون الحزب جيداً، فيعتبرون أنه مجدّ في ما يقول ويرمي إليه.
الموانع السعودية والروايات السورية
كانت الموانع الخارجية، والسعودية تحديداً المرفوعة في وجه سليمان فرنجية، وتفضي إلى رفض رئاسته، مرتكزة إلى ثلاثة عناوين أساسية. العنوان الأول، هو أنه مرشح حزب الله وينتمي إلى محور المقاومة. وبالتالي، انتخابه سيعني توفير غلبة فريق على آخر. العنوان الثاني، هو علاقة فرنجية بالنظام السوري، فيما هناك قطيعة عربية لدمشق وقطيعة دولية أيضاً. أما العنوان الثالث، فهو حاجة لبنان لاعتماد سياسة جديدة بعد كل الأزمات التي حصلت. وبالتالي، الذهاب إلى انتخاب رئيس وتشكيل حكومة بمواصفات معينة، لوضع خطة الإنقاذ الاقتصادي والمالي وتنفيذ الإصلاحات.
لكن المقاربة السياسية الجديدة أو المستجدة للواقع اللبناني، يبدو أنها غير واقعية، في ظل مقاربات سياسية مستجدة في المنطقة، وقد تم تجريبها سابقاً.
لا تزال الروايات تتوالى عن فحوى زيارة سليمان فرنجية إلى دمشق، ولقائه بالرئيس السوري بشار الأسد. إحدى الروايات تقول إن سوريا ليست في حاجة للإعلان عن دعمها لفرنجية بل هذا تحصيل حاصل، والدعم متوفر، فيما لا يبقى سوى انتظار اكتمال المشهد بعد زيارة وزير الخارجية السعودي إلى دمشق، للبحث معه في هذا الأمر لتليين موقف المملكة المعارض لفرنجية. فيما رواية أخرى -على ما يبدو أنها ضعيفة- تشير إلى أن دمشق ليست متحمسة لفرنجية. وبالتالي، هي ستكون مضطرة لتقديم تنازلات بعد الانفتاح العربي عليها. ثمة من يعتبر أن الرياض حريصة على تحصيل مكسب أساسي من دمشق، وهو وقف تهريب الكبتاغون، في المقابل هي التي ستقدم تنازلات إما عبر دعم مالي أو سياسي. طبعاً هنا لا مجال للحديث عن عودة دمشق للتحكم بمفاصل القرار اللبناني، نظراً للدور الإيراني الكبير داخل سوريا ولبنان معاً، وعلى قاعدة أن قوة حزب الله في سوريا ولبنان هي التي ستبقيه قوة أعلى.
حديث الإصلاحات!
أما الحديث عن الإصلاحات، فإن ذلك يبقى كلام للاستهلاك في نظر البعض. إذ أن الانفتاح على نظام الأسد لم يلحظ القيام بأي إصلاحات أو إجراءات. هذا بالنسبة إلى الجانب العربي. أما بالنسبة إلى الجانب الغربي، فإن أكثر الأطراف المتحدثين عن الإصلاحات هي أميركا وفرنسا، وللجانبين تجارب وفيرة في ذلك. إذ لم تحضر أي إصلاحات في ما تسعى واشنطن لتحقيقه، سواء في ملف ترسيم الحدود أو في ملف الإفراج عن عامر الفاخوري، ولا في مسألة اطلاق سراح موقوفي تفجير المرفأ. أما عن التجربة الفرنسية، فيمكن الحديث من دون أي حرج، من تسوية حكومة ميقاتي، وما قبله في ظلال حكومة حسان دياب، إلى ما بعدها من سعي وبحث عن الكثير من الاستثمارات، وصولاً إلى معادلة التمسك بخيار فرنجية وتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية أخرى.
ما يعني ان الموانع التي تحول دون وصول فرنجية قد سقطت كلها. فالعلاقة مع إيران تتطور بسرعة، والعلاقة مع دمشق تحرز تقدماً مفاجئاً، فيما الإصلاحات تبقى مجرد شماعة. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الموقف الفرنسي لا يزال على حاله بشأن دعم فرنجية. وهو ما جرى إبلاغه لرئيس حزب الكتائب خلال زيارته إلى باريس. وحسب ما تقول مصادر متابعة، فإن الجميل كان واضحاً في موقفه أمام باتريك دوريل، برفض السير بخيار فرنجية، لأنه يعتبر استسلاماً لحزب الله وتنفيذاً لمطالبه، فيما كان الردّ الفرنسي بأن فرنجية هو الخيار الأكثر واقعية، لأن لا قدرة على توفير ظروف نجاح مرشح آخر حتى الآن. ومما قاله دوريل إن الموافقة على فرنجية لا تتعلق بشخصه إنما انطلاقاً من وجهة نظر واقعية.
جهود فرنسية
في هذا السياق، تستمر المحاولات الفرنسية في سبيل إقناع السعودية بخيار ترشيح فرنجية. فإلى جانب الزيارة الأخيرة التي أجراها دوريل إلى الرياض الأسبوع الفائت، تشير المعلومات إلى لقاء آخر سيعقد بين دوريل والمستشار في الديوان الملكي السعودي نزار العلولا، بعد عيد الفطر. وتضيف المعلومات: “إن باريس تعمل على تنويع مصادر تواصلها مع السعودية. إذ أن كبير مستشاري الرئيس الفرنسي، إيمانويل بون، يحاول إجراء اتصالات بمسؤولين سعوديين غير العلولا، لإقناعهم بالموافقة على فرنجية. ويمثل هذا محاولة فرنسية لتغيير آلية التفاوض مع السعودية، لأن دوريل أبدى أكثر من مرة انزعاجه من العلولا الذي يرفض تغيير موقفه. لم تقف المحاولات الفرنسية هنا، فوزيرة الخارجية الفرنسية وخلال وجودها في الصين، طلبت من المسؤولين الصينيين مساعدتهم لدى السعودية في تبني خيار فرنجية، والأمر نفسه يقوم به المسؤولون الروس الداعمين لخيار فرنجية”. وتؤكد المعلومات أن ضغوطاً كبيرة تُمارس على الرياض في سبيل تبديل موقفها.
المدن
———————————–
النظام السوري يتقرب من تركيا..هل تعثر التطبيع العربي؟
لم يسبق لمسؤول من النظام السوري أن خرج بتصريحات هادئة تجاه تركيا كما فعل سفير النظام في روسيا بشار الجعفري، بقوله في تصريحات نقلتها وكالة “ريا نوفوستي” الروسية إن “سوريا تود علاقات جيدة مع تركيا جارتنا”.
وأضاف الجعفري في تصريحات بدت “تراجعية” عن التصريحات الهجومية ضد تركيا لأكثر من مرة، أن نظامه “يريد علاقات جيدة معها (تركيا) وهناك مصالح مشتركة بين شعبنا والشعب التركي”.
واللافت أن تصريحات الجعفري، الذي يعد من أكثر مسؤولي النظام شراسة، تأتي بعد إعلان تركيا فرض النظام السوري شروطاً مسبقة لحضور الاجتماع الرباعي الذي سيُعقد في موسكو في أيار/مايو، على مستوى وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران والنظام السوري، لبحث الملف السوري ومسار التطبيع بين تركيا والنظام السوري.
وحسب الكاتب والخبير بالشأن الروسي رائد جبر، فإن تصريحات الجعفري “الهادئة” متوقعة نظراً لأن الجعفري يدرك ماذا تريد روسيا وهو يتحدث إلى وسيلة إعلام روسية، والتصريحات هنا ليست لوكالة إعلام تابعة للنظام السوري، بهدف الاستهلاك المحلي، كما فعل معاون وزير داخلية النظام السوري أيمن سوسان، عندما أدلى بتصريحات بسقف مرتفع ضد تركيا خلال اجتماع موسكو الرباعي على مستوى نواب الوزراء في 5 نيسان/أبريل.
وكان سوسان قد قال حينها إن “بلادي تعرضت لحرب إرهابية غير مسبوقة بتخطيط ودعم كامل وغير محدود من بعض الدول الغربية والإقليمية والعربية، والإرهابيين الأجانب قدموا إليها من أكثر من مئة دولة حسب تقارير الأمم المتحدة وللأسف كان ذلك عبر دول الجوار”، في اتهام صريح لتركيا.
ويضيف جبر ل”المدن” أن الاجتماع التمهيدي خلص إلى اتفاق على مواصلة المشاورات وبدء التحضير للقاء على مستوى وزراء الخارجية، رغم التصريحات “الاستهلاكية”، وهذا يعني أن “مسار التقارب التركي مع النظام السوري هو على سكة التنفيذ، والمفهوم سياسياَ أن يحاول كل طرف رفع سقف المطالب ونبرة الخطاب لتحسين مكاسب أكبر”.
وكان وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، قد أكد قبل يومين أن أنقرة لن تقبل أي شروط مسبقة لإجراء مفاوضات مباشرة مع النظام السوري، بما في ذلك انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، مؤكداً على أن هذا الانسحاب يعني “عودة التهديدات ضد تركيا”، وأضاف: “وفقاً للاتفاقيات التي تم التوصل إليها في وقت سابق، كان من المفترض أن تقضي دمشق على جميع التهديدات الحدودية ضد تركيا، لكن ما زلنا نراها”.
من جانبه، يربط الكاتب باسل المعراوي بين تغيير النظام لنبرة خطابه تجاه تركيا وبين ما يبدو “تعثراً” في مسار التطبيع العربي مع النظام السوري، وذلك على الرغم من وصول وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إلى دمشق الثلاثاء، في زيارة رسمية هي الأولى منذ اندلاع الثورة السورية.
ويقول المعراوي ل”المدن” إن النظام أقر قبل أيام بتعثر مسار التطبيع العربي، واعترف على لسان وزير خارجيته فيصل المقداد بأن “العودة إلى الجامعة العربية شبه مستحيلة”.
ومن هنا يعتقد الكاتب، أن تبخر آمال النظام السوري من مسار التطبيع العربي قد أجبره على تغيير طريقة تعاطيه مع مسار تركيا، حيث اعتقد النظام أن هامش المناورة لديه بات أكبر، مع المسارين.
لكن مصادر “المدن” لم تتفق مع المعراوي من حيث حديثه عن “تعثر” مسار التطبيع العربي، مؤكدة أن “وزير الخارجية السعودي وصل دمشق ليسلم رئيس النظام السوري بشار الأسد دعوة رسمية لحضور قمة الرياض المقررة في أيار/مايو”، وهو ما يعني أن “المسار ماض، وأن المشاورات مستمرة”.
——————————
سوريا والعرب… وأولويّة تصحيح العلاقات/ أسعد عبود
تقارب دمشق مسألة العودة إلى جامعة الدول العربية بواقعية ولا تبدو في عجلة من أمرها لتبوّء مقعدها الشاغر منذ 12 عاماً. وأكد ذلك تصريح وزير الخارجية السوري فيصل المقداد الذي أقر فيه بأنه “من شبه المستحيل” عودة سوريا إلى الجامعة قبل تصحيح العلاقات الثنائية مع الدول العربية. كان المقداد يتحدث بعد جولة شملت السعودية ومصر والجزائر وتونس.
ولم تكن بعيدة من هذا الاتجاه، الزيارة الأولى لوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان لدمشق منذ 12 عاماً. وفي السياق ذاته أتت المناقشات التي جرت في جدة الأسبوع الماضي لوزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي ومصر والعراق والأردن، التي ركزت على ضرورة لعب “دور قيادي عربي” في جهود إنهاء الأزمة في سوريا، مؤكدة أن “الحل السياسي هو الحل الوحيد” لهذه الأزمة. ويستشف من هذه المقاربة أن الدول العربية هي الأخرى لا تريد التعجيل باتخاذ قرار يعيد سوريا إلى الجامعة قبل التحدث ثنائياً مع دمشق، بما يؤدي إلى خطوات عملية، أكثر مما يمكن أن تعود به خطوة رمزية، على غرار استعادة سوريا مقعدها في الجامعة.
المقاربة العربية التي تنشد حلاً “يوفر البيئة المناسبة لوصول المساعدات إلى كل المناطق في سوريا، وتهيئة الظروف لعودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مناطقهم وإنهاء معاناتهم، وتمكينهم من العودة بأمان إلى وطنهم”، من الطبيعي أن لا تقدم أو تؤخر عودة سوريا إلى الجامعة، في تحقيق مثل هذه الأهداف.
وحدها الاتصالات الثنائية يمكن أن تحمل سوريا على تليين موقفها في قضايا كثيرة. ومبادرة “الخطوة مقابل خطوة” التي اقترحها الأردن تلقى تفهماً من معظم الدول العربية. ومن البديهي أن الحل لن يكون سحرياً أو سريعاً. فهذه حرب مدمرة امتدت سنوات وخربت سوريا وأسلمتها للفوضى، ولا يزال ثلث الأراضي خارج سيطرة الحكومة المركزية.
فضلاً عن ذلك، لا يمكن أن ترتسم معالم الحل بمعزل عن تقدم في المصالحة بين دمشق وأنقرة. واستدرك وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف هذه المسألة وتأثيرها على مسار البحث عن حلول مستدامة للأزمة، عندما قال قبل أيام إن وضع “شروط مسبقة” لبدء الحوار السياسي السوري-التركي “لن يكون ملائماً”. وربما قصد لافروف الجانبين السوري والتركي معاً.
وليس بخافٍ أن روسيا تريد تحقيق اختراق على المسار السوري-التركي قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في تركيا في 14 أيار (مايو) المقبل. ويخشى الروس أن تأتي الانتخابات بنتائج لا تخدم تحقيق المصالحة بين دمشق وأنقرة في وقت قريب. وأفلح الضغط الروسي في تحديد اجتماع على مستوى وزراء الخارجية لدول “منصة أستانا” زائداً سوريا في أوائل أيار.
وجزء كبير من الأزمة السورية يمكن أن ينزاح في حال التوصل إلى تفاهم سوري-تركي. وهذا بدوره يعطي دفعاً للحوارات التي بدأت من بين دمشق ومعظم العواصم العربية للدفع نحو “الحل السياسي” المنشود لأزمة استطالت أكثر من اللازم.
كما أن الانفتاح العربي على دمشق يكتسب زخماً من مضي السعودية وإيران بخطوات ثابتة نحو معاودة العلاقات الدبلوماسية ضمن مهلة الشهرين التي حددها اتفاق بكين الموقع في 10 آذار (مارس) بين الرياض وطهران. ودلت عملية التبادل السلسة للأسرى في اليمن بين الحكومة الشرعية والحوثيين في الأيام الأخيرة إلى أن المصالحة السعودية-الإيرانية، يمكن أن تشكل مفتاحاً لحل أزمات وتوترات سادت المنطقة في العقد الأخير.
إن طي صفحة العداوات في المنطقة، ومن ضمنها الخطوات المتخذة للتطبيع بين مصر وتركيا، في حاجة إلى بعض الوقت. لكن قطار المصالحات انطلق ولا عودة إلى الوراء. وسوريا التي عادت إلى دائرة الاهتمام العربي تمضي نحو انفراجات وإن كان بوتيرة بطيئة.
هذه الانفراجات لم يكن أحد ليتخيلها قبل بضعة أشهر فقط. وهذا كافٍ ليكون باعثاً على التفاؤل.
النهار العربي
——————————
التطبيع حصة النظام السوري من الزلزال/ تيم الحاج
يعيش النظام السوري أفضل حالاته بعد أن أرخت دول عربية مؤثرة في الملف السوري الحبال له، وفتحت أبوابها أمام ممثليه لإجراء تفاهمات في الغرف المغلقة لرسم مسارات التواصل بينهما لاحقا.
بات واضحا أن زلزال 6 فبراير الذي حرك الأرض بعنف جنوبي تركيا وصولا إلى سوريا والذي أضرّ بالملايين، قد خدم، ولايزال، النظام السوري، إذ بدأت أولى المواقف المتجاهلة لمقاطعة النظام من السعودية ومصر صاحبتا أكبر الأدوار في هندسة السياسات الجامعة للدول العربية في المنطقة.
يُجمع مراقبون على أن الزلزال رفع أعمدة مبادرة عربية للحل في سوريا، تسلمها بشار الأسد خلال زيارته الرسمية لسلطنة عمان في 20 من فبراير، وهذه هي الزيارة الأولى له منذ نحو 10 سنوات.
تتالت خيوط هذه المبادرة مع زيارة وفد برلماني يمثل 8 دول عربية لدمشق، على رأسه رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي، الذي ترأس مؤخرا اتحاد البرلمانات العربية، ولا شك أن لهذا المنصب حساسيته في هكذا زيارة. قبلها تلقى الأسد اتصالا من الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، هو الأول بينهما، كما زار وزير خارجية مصر سامح شكري، ورئيس وزراء الأردن أيمن الصفدي دمشق.
أهداف متعددة
برزت مقولتان تفسران التحركات تجاه دمشق، الأولى تصب في بلورة مبادرة حول سوريا تتضمن إحياء المفاوضات المباشرة بين المعارضة السورية والنظام لكتابة دستور جديد، والتمهيد لانتخابات برلمانية ورئاسية، وهذه مثلت لسنوات وجهة النظر السعودية.
الأخرى تعكس مواصلة الإمارات محاولاتها تعويم بشار الأسد ونظامه، وهذه المرة من بوابة الزلزال إذ وجدت فيه فرصة للدفع باتجاه انفتاح عربي على دمشق. يتماشى هذان المعطيان مع سياق عام في خريطة العلاقات الدبلوماسية والتحالفات الجديدة التي يشهدها الشرق الأوسط، عموما، أبرزها التطور الأخير في العلاقات السعودية الإيرانية، التي لا بد لها وأن تنعكس على واقع الدول العربية وحلفائها الإقليميين وعلى رأسها سوريا.
مسارات ممهدة
شهدت السنوات الماضية محاولات دبلوماسية عديدة قادتها الإمارات والجزائر والأردن برضى بحريني مصري ومباركة عمانية لإعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية، وطي صفحة أكثر من عشر سنوات من القطيعة العربية.
إلا أن تلك المحاولات اصطدمت برفض سعودي وتمسك قطري بحل وفق ما أقرته الأمم المتحدة وخاصة القرار رقم 2254 الذي يعد خارطة الحل في سوريا، وذلك يعد انعكاسا للرغبة الأميركية والغربية عموما، التي تصر على تذكير الجميع بأن النظام السوري ارتكب مجازر وفظائع بحق السوريين.
لكن زلزال 6 فبراير غيّر اتجاهات بعض الدول، وسرّع عجلة التقارب بين النظام السوري ودول المقاطعة كالسعودية التي هبطت طائراتها في مطاري دمشق وحلب للمرة الأولى منذ نحو عقد.
إلى جانب هذا، هناك الشرعية الزائدة التي أبدتها الأمم المتحدة تجاه النظام إذ سلمته، بسبب الزلزال، مصير مئات العالقين تحت الأنقاض وآلاف المشردين في الشمال السوري، حيث أصرت على أنها لن تتجاوز موافقة دمشق في مسألة إدخال المساعدت للمتضررين، وهو ما تسبب بموجة انتقادات واتهامات لاذعة للمنظمة الأممية من قبل مؤسسات المعارضة السورية وأخرى مهتمة بحقوق الإنسان، إضافة إلى اعتراف موظفي المنظمة نفسها في التقصير بإدخال المساعدات.
تحركات متسارعة
زار بشار الأسد موسكو منتصف فبراير 2023 لسماع رأي موسكو في ضرورة إجراء لقاء رباعي مع تركيا وإيران لفتح مسار جديد في الحل بسوريا من وجهة نظر موسكو وأنقرة. هذا الاجتماع لم يكن ليعلن عنه قبل أن تبدي طهران رأيها به، فأرسلت وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان إلى دمشق لإبلاغ بشار الأسد بموافقتها. ولا يمكن فصل هذه الزيارات عن سياق عام يشي بتحرك إقليمي ودولي تجاه لملمة بعض الملفات العالقة، من بينها سوريا وعلاقتها بتركيا.
كما وجدنا الصين مثلا تتوسط بين السعودية وإيران لإعادة العلاقات بينهما، وهذا من شأنه أن ينعكس على ردود فعل البلدين تجاه الحل في سوريا.
السعودية بوابة الخليج
حط الأسد رحاله في الإمارات مع زوجته أسماء بعد زيارة موسكو لمدة ثلاثة أيام ظهر فيها بمراسم رسمية ومقابلات على أكبر مستوى، ما يوحي بأنه محمل بدعم و رضى روسي لأي صفقة من شأنها أن تدفع بمسار إعادته للجامعة العربية للأمام.
سبق ذلك بوقت قصير تصريحات هامة ومختلفة عن سابقاتها، تحمل مؤشرات لتغيير في الموقف، أدلى بها وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان أكد فيها على أن الوضع القائم في سوريا غير قابل للاستدامة وأن أي مقاربة جديدة ستتطلب حوارا، لا محالة، مع حكومة دمشق.
يبدو أن مسارات التطبيع مع الأسد قادمة من بوابات مختلفة لحاجات ومصالح متبادلة سواء من الرياض1 أو أنقرة لكنها ستبقى مرهونة بالفشل إذا ما حدثت، كونها مقيدة بملفات والتزامات يصعب على جميع الأطياف تنفيذها كالانسحاب التركي من سوريا الذي يلوح به النظام السوري، والحد من تدخلات إيران بأمن المنطقة التي تطالب به السعودية في سوريا واليمن.
ولعل أهم مُعطل لمسار التطبيع مع الأسد هو الفيتو الذي تصر على رفعه واشنطن بوجه جميع السائرين في هذا الطريق، قبل إقناعها بجديته وفائدته.
تيم الحاج صحفي استقصائي، ومعد ملفات معمقة في الشؤون السورية. لمتابعته على تويتر: @taim_alhajj
ملاحظة:
1- كتب المقال قبل اجتماع تسع دول عربية في مدينة جدة يوم الجمعة 14 أبريل، لمناقشة إنهاء عزلة سوريا الديبلوماسية. وتاليا زيارة وزير الخارجية السعودي يوم 18 أبريل وتوجيه الدعوة للرئيس السوري بشار الأسد لزيارة السعودية.
لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.
———————————–
تقرير: نظام الأسد يجني 3 أضعاف ما تجنيه عصابات المخدرات المكسيكية
باتت سوريا أكبر دولة مخدرات في العالم، حيث تبين بأن مادة الأمفيتامين التي تُعرف باسم الكبتاغون، شريان الحياة الاقتصادي وأكبر منتَج تصديري، يكسب أكثر من 90 في المئة من العملة الأجنبية للنظام السوري.
وبحسب تقرير لموقع ((the print الإخباري، فإن قاموس كولينز يعرّف “دولة المخدرات” بأنها بلد يشكل فيه الاتجار غير المشروع بالمخدرات جزءًا كبيرًا من الاقتصاد. أما الكبتاغون، فهو منشط اصطناعي يتكون من الأمفيتامين والكافيين، وهو عقار غير قانوني معترف به دوليًا (وفق تعريف مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، عام 2021).
الكبتاغون كعقار
ويوضّح التقرير أن شركة أدوية ألمانية قدمت الكبتاغون لأول مرة في عام 1961، لعلاج الحالات الصحية مثل اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة، والخدر، والاكتئاب. ومع ذلك، بعد بضع سنوات، أدرك العلماء خصائص الدواء التي تسبب الإدمان وآثاره الضارة على الصحة العقلية والبدنية، ولذلك تم حظره.
ويعدّ الكبتاغون من أشهر العقاقير الترويحية (حبوب الحفلات) بين الشباب في دول الخليج. كما أنه يستخدم من قبل الرجال المسلحين للشعور بالمناعة التي يخلقها ولهذا السبب يطلق عليه أحيانًا “كابتن الشجاعة” أو “جرعة سحرية جهادية”.
علاوة على ذلك، يتم استخدامه من قبل أخصائيي الحميات والطلاب الذين يكدحون في الامتحانات والأشخاص الذين يتعين عليهم العمل في نوبتين أو في الليل أو القيام بوظيفتين لتغطية نفقاتهم.
أسعار الكبتاغون
ويفيد التقرير بأن سعر الحبوب يمكن أن يكون في وقت التصنيع دولارًا واحدًا فقط، ولكن نظرًا لأنه يتعين عليها عبور طرق ونقاط تفتيش مختلفة للوصول إلى المشترين، يجب دفع الكثير من الرشاوى من قبل المهربين والجنود والشرطة السرية وأمراء الحرب المختلفين، ومسؤولي الجمارك الفاسدين وبالتالي يرتفع سعره إلى 14-20 دولارًا أمريكيًا.
وبحسب الخبراء، فإن سوريا هي الدولة التي تنتج حاليًا أكبر كميات من الكبتاغون والتي يتم تصديرها بشكل أساسي إلى منطقة الخليج. نظرًا لأن العديد من الدول قد فرضت عقوبات أو أوقفت التجارة مع سوريا في أعقاب القمع الوحشي للمتظاهرين من قبل نظام الأسد في عام 2011، فقد كثف النظام، بالتعاون مع “حزب الله” اللبناني، إنتاج وتصدير المخدرات بشكل أساسي إلى دول الخليج.
قانون “كبتاغون الأسد”
اتخذ النمو في إنتاج واستخدام المخدرات غير المشروعة أبعادًا تنذر بالخطر لدرجة أن الولايات المتحدة قدمت العام الماضي قانون الكبتاغون، الذي ربط تجارتها بنظام الأسد في سوريا ووصفته بأنه “تهديد أمني عابر للحدود الوطنية”.
عمليات تهريب الكبتاغون
تم العثور على حبوب الكبتاغون مخبأة في عبوات الحليب ولفائف الكرتون وعلب البيض وصناديق الفاكهة الطازجة والآلات. كما تم العثور عليهم مدفونين في شحنات الشاي والحليب، بينما يفاجئ المهربون السلطات باستمرار وهم يخفون الحبوب في أماكن بعيدة الاحتمال.
أفاد مركز التحليل والأبحاث العملياتية في عام 2021 أن نظام الأسد حوّل سوريا إلى “مركز عالمي لإنتاج الكبتاغون، وهو الآن أكثر تصنيعًا وتكيفًا وتطورًا تقنيًا من أي وقت مضى”.
وهناك عدة تقارير في كل عام حول مصادرة الملايين من حبوب الكبتاغون. أكبر ضبطية حدثت في ميناء باليرمو بإيطاليا في تموز 2020، عندما صادرت الشرطة الإيطالية سفينة قادمة من ميناء اللاذقية السوري، أكثر من 84 مليون حبة كبتاغون، تزن نحو 15 طناً وتقدر قيمتها السوقية بمليار دولار.
في آب 2022، صادر ضباط الجمارك في ميناء أمبارلي بإسطنبول 12.3 مليون حبة كبتاغون، يبلغ وزنها الإجمالي 2.09 طن. تم اكتشاف الحبوب في حاوية شحن.
في الشهر التالي، صادرت السلطات السعودية نحو 47 مليون حبة من المخدرات غير المشروعة كانت مخبأة في شحنة دقيق وتم ضبطها في مستودع بالعاصمة الرياض.
وفي كانون الأول الماضي، ضبط مسؤولو الجمارك الأردنية طنًا من حبوب الأمفيتامين كان يتم تهريبها في معجون التمر على الحدود مع العراق. تم العثور على ما مجموعه 6 ملايين حبة كبتاغون داخل شاحنتي تبريد.
وضبطت قوات الأمن اللبنانية قبل أيام قليلة نحو 10 ملايين حبة كبتاغون كان من المقرر تهريبها إلى السنغال ثم إلى السعودية.
المتحدثة باسم الحكومة البريطانية: شحنات كبتاغون بمليارات الدولارات تغادر من مناطق سيطرة النظام السوري (إنترنت)
النظام السوري يجني 3 أضعاف ما تجنيه العصابات المكسيكية
ويذكر التقرير أنه بين الحين والآخر يحاول النظام في سوريا أن يُظهر للعالم أنه يحاول مكافحة إنتاج وتصدير الكبتاغون من أراضيه. في 29 حزيران 2022، استولت وحدات مكافحة المخدرات السورية على كمية قياسية قدرها 2.3 طن من الكبتاغون، بينما اكتشفت في وقت سابق، في عملية دهم، 249 كيلوغرامًا من الكبتاغون مخبأة في آلات فولاذية داخل حاويات جاهزة لمغادرة ميناء اللاذقية على البحر المتوسط.
وفرضت حكومة المملكة المتحدة مؤخرًا عقوبات جديدة على نظام بشار الأسد، مؤكدة أن المخدرات هي شريان الحياة للدولة السورية، حيث تقدر أنها تجني نحو 57 مليار دولار من صادرات الكبتاغون غير القانونية، وهو مبلغ يساوي نحو ثلاثة أضعاف التجارة المجمّعة من عصابات المخدرات المكسيكية.
من الحقائق المعروفة الآن أن شخصيات قوية مرتبطة بشكل وثيق ببشار الأسد متورطة في جميع مراحل إنتاج وتهريب وتوزيع الكبتاغون. وفقًا لتقرير نيويورك تايمز، يشرف ماهر الأسد شقيق رئيس النظام السوري، والذي يقود الفرقة الرابعة المدرعة، على الكثير من إنتاج وتوزيع الكبتاغون.
الكبتاغون والتطبيع
ويرى التقرير أن بشار الأسد يمكنه استخدام السيطرة على إنتاج وتصدير حبوب الكبتاغون كورقة مساومة في علاقاته مع دول الخليج التي تفكر فيما إذا كانت ستقبل عودة سوريا إلى الصف العربي. يمكنه أن يعد بخفض إنتاج وتصدير الكبتاغون، إذا أعادت هذه الدول وخاصة المملكة العربية السعودية، العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع دمشق. خلاف ذلك، يمكنه إغراقهم بكميات إضافية ضخمة من المخدرات المسببة للإدمان.
مع ذلك، وبصرف النظر عن الوعود التي قد يعطيها للقادة العرب، فمن غير المرجح أن يتوقف بشار الأسد تمامًا عن إنتاج الكبتاغون في سوريا، حيث يعد هذا العقار شريان الحياة لنظامه وأكبر منتج تصديري له.
تلفزيون سوريا
———————————-
سوريا إلى أين؟/ منذر خدام
شغل سؤال: سوريا إلى أين؟ اهتمام عدد من المشتغلين في الحقل الثقافي والعلمي والشأن العام ممن شاركوا في ندوة ” الثلاثاء ” الثقافية التي أقيمت باللاذقية21 أكتوبر/تشرين الأول 2005، في محاولة للإجابة عن هذا السؤال. وبطبيعة الحال لم يكن هناك من جواب واحد، وهذا أمر متوقع، مع أن الحصيلة العامة للحوار كانت تنذر باحتمال انفجار الوضع في البلد. في تلك الأثناء لم يكن أحد يتخيل، مهما جمح به خياله، أن يكون الانفجار بالشكل الذي حصل لاحقاً منذ مطلع عام 2011.
السؤال ذاته كان موضوع نقاش أيضاً بين مجموعات من المشتغلين في الحقل الثقافي والمهتمين بالشأن العام، موالين ومعارضين، في 13أبريل/نيسان 2023، وكما في المرة الأولى حصل في هذه المرة، إذ لم يكن ثمة جواب واحد عن السؤال، مع أن طيف الخيارات قد ضاق كثيراً. اللافت أن أغلب الآراء التي طرحها المشاركون في اللقاء حمّلت النظام المسؤولية الأكبر عما حل بسوريا، كل من منطلقه الخاص، وفي استعادة البعض لحوارات 2005 عدّ ما جرى لها نتيجة طبيعية لنهج النظام ولسياساته العامة.
فيما يخص المخارج المحتملة من الأزمة الراهنة هيمنت الآراء المتفائلة التي تبشّر بأن النظام سوف يتغير، وأنه لا يمكنه الاستمرار في الحكم بالنهج ذاته، وهي تبني آرائها على هول الكارثة التي حلت بالبلد، والتي لا يمكن تلافي آثارها إلا بنظام يتيح مزيداً من الحرية وحكم القانون ومشاركة فئات واسعة من القوى المجتمعية في إدارة عملية الخروج من الأزمة. كنت من القلة القليلة التي بدت متشائمة لجهة أن النظام لن يغير نهجه العام.
للأسف، بات الشعب السوري ونخبه السياسية والثقافية، بعد كل هذا الدمار الذي حصل لسوريا نتيجة الصراع المسلح فيها وعليها، يواجه تحديات كبيرة وهو عاجز عن التفكير بها بهدوء، وعاجز أكثر عن الرد عليها، وذلك بسبب الضغوطات الهائلة التي تمارس عليه إعلامياً وسياسياً واقتصادياً، من قبل جهات داخلية وخارجية عديدة، وتواطؤ قادة النظام معها موضوعياً على الأقل، وفشل المعارضة في تقديم بديل مقنع. وفي خضم هذه الأجواء وما فيها من بلبلة وضياع، بات السياسي وغير السياسي، على حد سواء يتقبل ما تروجه بعض الأصوات، وبعض وسائل الإعلام من سيناريوهات للتغيير، بقي الشعب في جميعها غائباً دوراً ومصلحةً. كل ذلك حصل ويحصل بفضل سياسات النظام التي قضت على الروح السياسية في المواطن السوري، لتنعش فيه الروح البيولوجية الغرائزية، يلاحق لقمة عيشه التي لا يجدها إلا بشق النفس.
أسئلة كثيرة طرحت في عام 2005، لا يخفى طابعها الاستنكاري، من قبيل:
هل يعقل بعد أربعة عقود من حكم البعث، وهو الحزب الذي إدّعى الثورية والتقدم، أن تكون حصيلة حكمه في سوريا مزيداً من الفقر (5.3مليون شخص في حينه يعيش كل واحد منهم بأقل من دولار في اليوم)، ومزيداً من تدهور التعليم والقضاء، والكثير من اليأس وعدم الثقة بالمستقبل.
هل يعقل بعد أربعة عقود من حكم البعث وهو الحزب العلماني كما يدعي، أن يزداد الشعب السوري تمزقاً وانقساماً في عودته إلى هوياته الطائفية والمذهبية والإثنية حتى باتت تهدد وحدته في عيشه المشترك.
هل يعقل هذا الانتشار الواسع للفساد في جميع أجهزة الدولة ومؤسساتها، حتى بات المجتمع كله يدار بالفساد وبآلياته وأدواته.
واليوم أيضاً، بعد أن فاقمت مجريات الأزمة موضوعات الأسئلة السابقة، وكثير غيرها، تتساءل نخب سياسية وثقافية، بل والعديد من الناس العاديين: لماذا يصر قادة النظام على الاستمرار بحكم البلد بعقلية عام 2010، وبالنهج ذاته وخصوصاً الفساد في إدارة الدولة وأجهزتها ومؤسساتها؟
لماذا يتجاهل النظام نصائح بعض أصدقائه، خصوصاً الروس، بضرورة التعامل بجدية من مسار جنيف التفاوضي ومع مخرجات مساري أستانا وسوتشي؟
لماذا يصر النظام على تجاهل وجود قوى مجتمعية وسياسية وطنية لها رأيها في الخيارات المحتملة والمتاحة للخروج من الأزمة؟
لماذا يستمر النظام بتجاهل الحقوق الطبيعية للشعب السوري ومكوناته القومية؟ وهناك أسئلة كثيرة مشابهة.
إن الإجابة الصحيحة عن هذه الأسئلة وغيرها ينبغي أن تنطلق من فهم دقيق لطبيعة النظام الحاكم في سوريا، وليس من هول الكارثة التي حلت بها وكان من أسبابها الرئيسة؛ فالنظام الاستبدادي عموماً، وخصوصاً من الطراز السوري (ذي المنشأ “الثوري الانقلابي”)، لا يكون ولا يستمر إلا من خلال إضعاف المجتمع لصالح تقوية أجهزة الحكم وتعظيم الزعيم. هذا النهج هو النهج الطبيعي للنظام، فهو لا يقيم وزناً إلا لأجهزته، التي يضبطها ويتحكم بها من خلال فتح شهيتها على الفساد، ويحميها بقوانينه.
من المفارقات المثيرة للسخرية ما يتردد في الشارع السوري من أن النظام “طلب العون من السماء فجاءه الزلزال”، الذي يجتهد كثيراً للاستفادة منه في تسويق نفسه، وقد حقق كثير من النجاحات. فها هي الدول العربية تهرول للانفتاح عليه ومساعدته. حتى أمريكا وأوربا جمدت تطبيق قوانين الحصار على سوريا لفترة، بل وسمحت بإرسال المساعدات الإنسانية. اليوم يحسب قادة النظام أنهم انتصروا فيما يسمّونه الحرب الكونية على سوريا، وهم في حالة نشوة سياسية بعد أن قطع تطبيع العلاقات السورية التركية شوطاً كبيراً، وبعد الإعلان عن تطبيع العلاقات بين السعودية وإيران، إذ نص البيان المشترك عن لقائهما في الصين صراحة على تسوية الأزمات في سوريا والعراق واليمن ولبنان. وتجري أيضاً عملية التسوية بين السعودية وسوريا بخطوات ثابتة لكنها مستمرة، والبارحة بالتحديد وصل وزير خارجية السعودية إلى دمشق، وكان نظيره السوري قد زار السعودية الأسبوع الفائت. وبحسب مصادر إعلامية فإن وزير خارجية الكويت سوف يكون في دمشق الخميس القادم. إن جميع هذه المتغيرات تصب في صالح إعادة تأهيل النظام ذاته ضمن المنظومة العربية، وليس تغييره.
نورث برس
——————————
ماذا بحث وزير الخارجية السعودي مع الأسد في دمشق؟
أجرى وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، زيارة إلى العاصمة السورية دمشق، اليوم الثلاثاء، هي الأولى لوزير سعودي رفيع منذ عام 2011.
والتقى الوزير السعودي والوفد المرافق له مع رئيس النظام، بشار الأسد، في سياق استئناف العلاقات بين السعودية والنظام السوري، بعد أكثر من عقد على القطيعة الدبلوماسية بين الجانبين.
وذكرت وكالة الأنباء السعودية (واس)، أن وزير الخارجية بحث في دمشق مسألة عودة سورية إلى محيطها العربي واستئناف دورها “الطبيعي” في الوطن العربي، في إشارة إلى عودة النظام لمعقده في الجامعة العربية.
وأضافت أنه تمت “مناقشة الجهود المبذولة للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية يحافظ على وحدة سوريا، وأمنها، واستقرارها، وهويتها العربية، وسلامة أراضيها”.
وبحسب الوكالة الرسمية، فإن وزير الخارجية السعودي أكد للأسد على أهمية توفير البيئة المناسبة لوصول المساعدات لجميع المناطق في سوريا، وتهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مناطقهم، وإنهاء معاناتهم، وتمكينهم من العودة بأمان إلى وطنهم، واتخاذ المزيد من الإجراءات التي من شأنها المساهمة في استقرار الأوضاع في كامل الأراضي السورية.
📸 | جانب من استقبال الرئيس بشار الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية، اليوم، لصاحب السمو الأمير #فيصل_بن_فرحان @FaisalbinFarhan وزير الخارجية، وذلك في إطار زيارة سموه الرسمية للعاصمة السورية دمشق pic.twitter.com/IDGZO45dyQ
— وزارة الخارجية 🇸🇦 (@KSAMOFA) April 18, 2023
من جانبها، أصدرت “رئاسة الجمهورية السورية” بياناً حول الزيارة، قالت فيه إن الأسد أكد أن الدور العربي الأخوي ضروري في دعم الشعب السوري، لتجاوز كافة تداعيات الحرب على سورية، واستقرار الأوضاع وتحرير كامل الأراضي السورية.
وأضاف أن “العلاقات السليمة بين سوريا والمملكة هي الحالة الطبيعية.. وتعكس مصلحة عربية وإقليمية أيضاً”.
وبحسب البيان “لفت بن فرحان إلى أن المرحلة القادمة تقتضي أن تعود العلاقة بين سوريا وإخوتها من الدول العربية إلى حالتها السليمة، وأن يعود دور سوريا عربياً واقليمياً أفضل مما كان عليه من قبل”.
وكانت خطوات التطبيع بين السعودية ونظام الأسد أخذت منحنى متسارعاً خلال الأيام الماضية، بعد إعلان الخارجية السعودية إجراء مباحثات مع النظام لأول مرة منذ عقد على قطع العلاقات الدبلوماسية.
ثم تبعها زيارة مفاجئة لوزير خارجية النظام، فيصل المقداد، إلى مدينة جدة، الأسبوع الماضي.
وتحاول الرياض تسريع التطبيع مع النظام بهدف إعادته إلى الجامعة العربية، الأمر الذي يلاقي اعتراضاً من دول أخرى في مقدمتها قطر والكويت.
واحتضنت الرياض اجتماعاً، الجمعة الماضي، لوزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق بهدف التشاور وتبادل وجهات النظر حول الجهود المبذولة من أجل التوصل لحل سياسي للأزمة السورية.
———————————-
العرب في دمشق الربع ساعة الأخيرة/ فراس علاوي
لم تشهد دمشق منذ آذار 2011 حراكاً دبلوماسياً مماثلاً ,بعد قطيعة دامت لعقد من الزمن عاد العرب إلى دمشق فماذا هم فاعلون ؟
أسئلة كثيرة وتحليلات أكثر سال حبرها منذ بداية الحراك الدبلوماسي سواء من خلال زيارات وزراء خارجية عدد من الدول إلى دمشق أو من خلال زيارة وزير خارجية نظام الأسد لعدد من العواصم العربية والتي أبرزها العاصمة السعودية الرياض .
قطبا السياسة العربية في القاهرة الرياض عادا وبشكل مفاجئ ومتسارع للملف السوري , وإن كانت إندفاعة الرياض أكبر وأكثر سرعة متسلحة بالاتفاقية التي تم توقيعها مع الايرانيين و وباستضافة السعودية للقمة العربية في الرياض والتي تم تأجيلها من آذار حتى شهر أيار القادم لسببين رئيسيين
الأول هو الوصول لأكبر قدر من التوافق بمايخص الملف السوري وعودة نظام الأسد المحتملة للجامعة العربية من خلال حضور النظام السوري لمؤتمر القمة العربي .
الثاني هو انتظار ماستسفر عنه الانتخابات التركية والتي تبدو في وضع غائم وغير محسوم النتائج مما يعني أن أي مخرجات تتعلق بالمنطقة قبيل معرفة شكل الحكومة التركية القادمة ستكون قاصرة وغير كافية لتحقيق الاستقرار وهو الهدف المعلن لجميع أشكال الحراك الدبلوماسي العربي والاقليمي .
لايحمل العرب حتى اللحظة خارطة طريق موحدة للتعامل مع النظام السوري , والذين يملكون معه سجلاً حافلاً من المراوغة وعدم التجاوب مع المبادرات التي قدمت له سابقاً .
على الرغم من محاولات تقريب وجهات النظر بين الدول الفاعلة بما يخص التقارب مع النظام السوري وإعادته للجامعة العربية , إلا أن دولاً عربية تحاول الحصول على مكاسب في أماكن أخرى من أجل الموافقة على عودته , لذلك رفعت بعض الدول سقف مطالبها من النظام السوري وسقف مفاوضاتها مع السعوديين بشكل خاص , لهذا السبب لم ينتج إجتماع جدة الذي ضم وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي إضافة لمصر والعراق والأردن ورقة أو خارطة طريق للتعامل مع النظام السوري , على الرغم من المؤشرات التي تقول بأن الجميع موافق أو على الأقل غير رافض لعودته , فإن هناك خلاف على كيفية عودته وتوقيتها .
لهذا السبب حطت طائرة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في دمشق , ولم يلتق نظيره المقداد الذي كان في زيارة إلى تونس والجزائر وإنما التقى رأس النظام بشار الأسد , فيما يبدو أنه نقل رسالة أخيرة له عن الشروط العربية لعودته .
لاينطلق العرب من مبادرة واضحة المعالم والخطوط ,لكنها بذات الوقت تستند إلى تفسيرات القرار 2254 ومبدأ خطوة مقابل خطوة وهذا سبب تواجد المبعوث الأممي غير بيدرسون ضمن المشاورات العربية العربية .
من المؤكد أن الوزير السعودي لم يحمل دعوة لنظام الأسد لحضور القمة فلازال الوقت مبكراً على ذلك .
وبالتالي فإن الشروط التي تداولها وزراء الخارجية لعودة النظام هي ماحملها الوزير السعودي وهذا هوالسبب في لقاءه رأس النظام وليس وزير خارجيته الذي يبدو أنه لم يقدم أجوبة مقنعة خلال زيارته للرياض .
السؤال هل سيتوقف الحراك الدبلوماسي اتجاه دمشق ؟
لعل الإجابة المنطقية تقول بأن هذا الحراك سوف يزداد ويتنوع وسيشهد حضور دول جديدة وستتنوع الزيارات بين علنية وسرية , وقد نشهد مبادرات فردية لدول عربية غير فاعلة بشكل كبير في الملف السوري سياسياً على الأقل مثل الكويت وعمان والبحرين .
هل يعني ذلك تعويم نظام الأسد ؟
من الناحية السياسية نعم هو إعادة تنشيط سياسي للنظام وعلى المدى القصير نعم هو تعويم سياسي وهذا أقصى مايطمح له النظام حالياً .
لكن هل يعني أن ذلك يصب في مصلحة النظام على المدى المتوسط والطويل ؟
يتوقف ذلك على الشروط العربية ومدى المساحة التي تناور فيها الدول العربية في ظل الانشغال
الدولي بقضايا كبرى كالحرب الأوكرانية وأزمات الاقتصاد , الأمر الذي جعل ساحة المناورة أوسع
وبالتالي فإن تحقيق أي اختراق سياسي سيكون مقبولاً لدى الجميع بمافيه الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا , فيما يشجع الموقف الروسي على هذا التقارب .
من هنا نستطيع أن نقول بأن النصف الأول من شهر أيار سيكون حاسماً بما يتعلق بالملف السوري وتداعياته الإقليمية والدولية وحتى ذلك التاريخ سنرى كثيراً من العرب في دمشق برسائل مختلفة .
——————————
صحفي سوري موالٍ يهاجم أردوغان ويكشف سر تهرّب بشار من لقائه
أورينت نت – إعداد: إبراهيم هايل
كشف الصحفي الموالي “سركيس قصارجيان” مجموعة من الأسباب والعوامل التي دفعت بشار الأسد للتهرب من مسار التطبيع مع أنقرة ومحاولته تأجيل عقد لقاء مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، موضحاً أن انفتاح الدول العربية الأخير على النظام عزّز من موقف الأخير في عملية التطبيع على حد تعبيره.
وقال قصارجيان في تصريحات لموقع artigercek التركي، إن نظام الأسد توقع تغييراً إدارياً في تركيا التي تتحضر لخوض انتخابات حاسمة في 14 أيار/مايو المقبل، ولذلك فإن النظام لا يريد أن يعطي زخماً لعملية التطبيع التي يريدها أردوغان في الوقت الحالي.
ترقب فوز المعارضة التركية
وذكر قصارجيان أن هناك توقعات بوصول زعيم تحالف المعارضة كمال كليجدار أوغلو إلى السلطة في تركيا، ما أدى إلى إبطاء عملية التطبيع على الرغم من ضغوط إيران وروسيا.
وأضاف الصحفي الموالي أن الخطوات الدبلوماسية لم تُتخذ بالكامل لسبب مفاده أنه “يُنظر إلى كيليجدار أوغلو على أنه شخصية أكثر تصديقاً. ليس لأنهم يعرفون كليجدار أوغلو عن كثب، ولكن لأنهم يعرفون أردوغان جيداً حيث لا توجد ثقة فيه، وهو ما كان الأسد قد عبر عنه سابقاً بالقول: (لا أثق به لكن إذا كانت المصلحة تقتضي ذلك فسأفعل)”.
وفي حين توقع قصارجيان تصعيداً عسكرياً تركياً شمال سوريا ضد ميليشيا قسد أشار إلى أنه “قد تحصل عملية عسكرية بقصد توجيه الانتخابات أو السياسة الداخلية لغرض دعم مؤيدي أردوغان بشكل ملموس، ويمكننا التكهن بتوقيت هذه العملية إذ قد تحدث قبل الانتخابات”.
بشار #الجعفري: #دمشق تودّ إقامة علاقات طيّبة مع الجارة #تركيا ولدينا مصالح مشتركة معها#سوريا#روسيا#أورينت pic.twitter.com/rLblN2bgzU
— Orient أورينت (@OrientNews) April 18, 2023
التطبيع العربي مع النظام
وحول تصاعد مسار التطبيع العربي مع النظام في ضوء الاجتماعات واللقاءات الأخيرة، ذكر قصارجيان أن أربع دول من أصل ست دول خليجية، تريد عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، ومع ذلك، قد يتم إرسال دعوة إلى دمشق “حسب البروتوكول”.
ولفت أن نظام الأسد يهتم حالياً بـ”تنظيم العلاقات الثنائية بدلاً من العودة إلى جامعة الدول العربية”، موضحاً أن نظام الجامعة شبيه بحلف الناتو إذ إن آلية التصديق تعمل بطريقة التوافق وليس الإجماع، وذلك في حال معارضة بعض الدول مثل قطر.
وقال قصارجيان إن دمشق لم تتوقع شيئاً كبيراً من مجلس التعاون الخليجي وإن نتائج الاجتماع لم تضلل الأسد لأن الخلاف في هذه القضية مستمر، مشيراً إلى أن عودة سوريا إلى الجامعة العربية مرهونة بلقاء السيسي والأسد بعد العيد.
وتابع: “لكن يمكننا أن نقول على وجه اليقين إن أكبر فيتو على عودة سوريا هو من قطر التي تتمتع بعلاقات جيدة مع تركيا”.
#عاجل | فرانس برس: وزير الخارجية #السعودي يزور #دمشق اليوم لأول مرة منذ 2011#أورينت pic.twitter.com/fhnLlxg6go
— Orient أورينت (@OrientNews) April 18, 2023
“أنقرة تتلاءم مع الجو الحالي”
وبيّن الصحفي أن أنقرة، التي تم تصنيفها على أنها “شريك الحوار الإستراتيجي” لدول مجلس التعاون الخليجي منذ عام 2008، لم تتم استشارتها بشأن مسار التطبيع مع النظام، إذ إنها لا تستطيع فعل الكثير سوى الالتزام بالأجواء الحالية في سوريا وترقب أجندة التطبيع في المنطقة.
وكانت الحكومة التركية قد اتخذت إجراءات ملموسة في إطار تغيير السياسة الخارجية قبل انتخابات 14 أيار، حيث انفتحت على التطبيع مع النظام ومصر والخليج، وذلك بالتزامن مع تلاشي نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة مقابل صعود الدور الصيني.
تغير المشهد السياسي في المنطقة
وخلال الأسابيع الماضية غيرت عدة دول في المنطقة مواقفها السياسة الخارجية، حيث طرأ تغير في موقف السعودية تجاه إيران والنظام، والمصالحة اليمنية، إضافة إلى التحركات الجديدة لروسيا، في الوقت الذي تتجه فيه جغرافيا الصراعات بالشرق الأوسط نحو السلام وإعادة التوازنات.
وطبعت نحو 10 دول عربية علاقاتها مع النظام كما عقد أعضاء مجلس التعاون الخليجي في جدة بالمملكة العربية السعودية الأسبوع الماضي اجتماعاً بشأن عودة سوريا إلى الجامعة العربية.
وأكد المجتمعون على “أهمّية أن يكون هناك دور قيادي عربي في الجهود الرامية لإنهاء الأزمة” في سوريا، كما على “تكثيف التشاور بين الدول العربيّة بما يكفل نجاح هذه الجهود”.
واليوم الثلاثاء، أعلنت فرانس برس وصول وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إلى دمشق، في أول زيارة رسمية سعودية إلى حكومة ميليشيا أسد منذ بدء الثورة في سوريا قبل 12 عاماً.
وتأتي بعد أيام قليلة من زيارة وزير خارجية أسد فيصل المقداد إلى جدّة، في خضمّ تحرّكات دبلوماسية إقليمية يتغيّر معها المشهد السياسي في المنطقة.
———————————–
=======================
تحديث 17 نيسان 2023
الردّة العربية تجاه نظام الأسد/ العقيد عبد الجبار العكيدي
في موازاة الردّة السياسية العربية نحو نظام الأسد يتنامى الحديث في المشهد السوري حول سؤالين اثنين: يتمحور الأول حول السبب الجوهري وراء هذه الردّة، إذ ما الذي يغري الحكومات العربية للانعطافة نحو نظام هو أقرب ما يكون للجثة المتفسخة، وما المُرتجى أن تحصل عليه تلك الحكومات من وراء تطبيعها مع نظام لم يعد بحوزته ما يتباهى به سوى الكبتاغون. وبما أن حال الأسد لم يعد خافياً على أحد، فما الذي يدفع إلى الرجوع إليه؟ فيما يذهب السؤال الثاني عن تزامن تلك الردّة التطبيعية مع حلول زلزال 6 شباط/فبراير، فهل أطاحت تداعيات الزلزال بالجدران العازلة بين نظام الأسد وبعض الأنظمة العربية مثلما أطاحت بأرواح وبيوت السوريين؟
فيما يخص السؤال الأول يمكن التأكيد على أن نظام الأسد لم يكن هدفاً بذاته لأي نظام عربي آخر، ولكن لا بدّ من المغامرة بالاقتراب منه، ولو أدّى هذا الاقتراب إلى التزوّد بواقيات مؤقتة من الإصابة، ولعل مردّ ذلك لكون الأسد هو بوابة عبور نحو شطآن أخرى ينبغي الوصول إليها، وسواء أكان بلوغ تلك الشطآن يخدم مصلحة ذاتية مباشرة أو غير مباشرة، ويمكن النظر إلى مسعى الجزائر وتونس باتجاه الأسد تجسيداً لهذا النوع من العبور، إذ إن الدولتين المذكورتين إنما تجدان دفعاً روسياً للمزيد من التطبيع مع الأسد، وذلك وفقاً لاستراتيجية فلاديمير بوتين الهادفة إلى تطويق أي قرار أممي أو تهميشه من خلال الالتفاف عليه من جهة، وكذلك من خلال كسر جدار العزلة عن الأسد من جهة أخرى، ثم يمكن أن يضاف إلى الدفع الروسي المصالح الأمنية الخاصة بأنظمة الحكم والتي هي بالأصل حاجة متبادلة ومصلحة مشتركة بين الأنظمة الشمولية ذات البنى العسكرية المشابهة لنظام الأسد في آلية الحكم، فهي أصلاً تخشى من التغيير والانتقال السياسي في سوريا وانتقال عدواه اليها، فربما كان من الصحيح أن الحياة السياسية في دول المغرب العربي مهما بدت متصلّبة فهي لا يمكن أن تتشابه مع دولة الإبادة الأسدية، ولكن ما لا يمكن نكرانه أيضاً أن أنظمة الحكم في كل من الجزائر وتونس ما تزال تؤرقها هواجسها الأمنية أكثر بكثير من انشغالها بالتنمية والتحوّل الديمقراطي في البلدان التي تحكمها.
أما عن الردّة لدى الشطر الشرقي من بلاد العرب فربما كان العبور نحو وجهة مختلفة، ونعني بذلك نحو إيران التي ما تزال قادرة على التلويح بالعصا وإثارة المزيد من المخاوف لدى دول الخليج على وجه الخصوص، ولعل الاتفاق السعودي الإيراني الذي رعته الصين مؤخراً كان واضح الأهداف والدلالات، إذ كانت المرونة التي أبدتها السعودية تجاه بشار الأسد ليس كرمى لعينيه بل من أجل سلامة أمنها من صواريخ الحوثي وتهديداته المستمرة للأمن السعودي، وبما أن إيران هي الممسكة بأذرعها التنفيذية سواء في العراق أو اليمن أو لبنان أو سوريا، فإنها تبقى صاحبة الحل والربط، ولا بدّ أن تكون هي صاحبة البازار لأي صفقة تخص أذرعها المذكورة. وبالطبع لا يمكن تجاهل عوامل أخرى، لعل أبرزها بوادر ظهور محور(إيراني-صيني-روسي)، إذ لا يمكن لأية دولة أخرى لها مصالح إقتصادية وأمنية في المنطقة أن تتجاهل هذا المحور لما يجسّده من ثقل إقتصادي وعسكري في منطقة الشرق الأوسط برمتها.
أمّا بخصوص السؤال الثاني، حول تزامن الردّة مع الزلزال، فيمكن الذهاب إلى أن تداعيات الزلزال قد وفّرت غطاء إنسانياً ربما كان الجميع لا يتوقعه، لذلك بادر الجميع إلى استثماره قبل فوات الأوان، وخاصة أن الرادع الأساسي الذي كان يحول دون الإقدام على خطوات تطبيعية مباشرة مع الأسد هو الجانب الأميركي الذي ربما لم يعد شديد المبالاة بتحذيراته السابقة، بل إنه علّق عقوبات قيصر المفروضة على النظام لمدة ستة أشهر، وهناك فريق متنفذ في إدارة بايدن يسعى لتمديدها وهذه سابقة خطيرة، وهنا تجدر الإشارة إلى أن إدارة الرئيس دونالد ترامب وجهت تحذيراً شديد اللهجة في أواخر العام 2019 إلى الخارجية المصرية، يؤكّد رفض واشنطن لأي خطوات تطبيعية رسمية مع نظام الأسد، ويبدو آنذاك أن دولة الإمارات وحدها من تجاوزت الخطوط الحمر الأميركية، وربما لعلمها آنذاك بأن تلك الخطوط لن يكون لها أي أثر على المستوى الملموس، باستثناء الأثر الإعلامي ولا شيء سواه، فضلاً عن أن موقف الإدارة الأميركية بالأصل من القضية السورية هو موقف متداخل بشدة مع الموقف من إيران، وربما لقناعة أميركية بأن تسوية النزاع مع بقاء الأسد وتسوية الملفات الأخرى بالتدريج يصب في مصلحة حليفها في سوريا، أي قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وتعتبر فرصة قسد بالحفاظ على جلّ مكاسبها بوجود الأسد أكبر منها في حال سقوطه، وبالتالي تعرضها لخطر الاجتثاث التركي والفصائل الموالية له.
وطالما أن واشنطن ما تزال تراهن على “تغيير سلوك الأسد” فيمكن أن تكون الردّة العربية مُبرَّرةً من وجهة نظر أصحابها باعتبارها مسعى يهدف إلى تغيير سلوك الأسد أو إصلاحه من خلال حذف أوصاف “الجلاد والقاتل والمجرم” واستبدالها ب”فخامة الرئيس الأسد”.
ولعله في ظل هذه المتغيرات المتسارعة في المشهد وتبدل المحاور، بات من الواضح أن أغلب الدول العربية وخاصة الخليجية منها تعمل على إعادة النظر في كل مصالحها الإقليمية والدولية، وتحديداً المملكة العربية السعودية التي لديها شعور كبير بالخيبة والخذلان من السياسات والمواقف الأميركية السابقة التي مكنت إيران من مدّ نفوذها الى عدة دول عربية، ولم تقدم للسعودية ودول الخليج ما يجعلهم قادرين على مواجهة هذا التمدد، بل أنها تلاعبت بمخاوف تلك الدول، وابتزتها مالياً وامنياً، دون أن تمارس أي ضغوط جدية أو حقيقية في مختلف الساحات التي تتواجد فيها إيران ووكلاؤها، وخصوصاً الساحة اليمنية التي تشكل أكبر تهديد مباشر على الأمن القومي لدول الخليج العربي وخاصة السعودية، وهذا ما يفسر تحول تلك الدول الى بناء تحالفات جديدة مع الصين وروسيا لتحقيق توازنات تضمن لها عدم بقائها أسيرة معادلة الابتزاز المالي والأمني مقابل الحماية.
باتت هذه الدول تسعى لإطفاء بؤر التوتر في المنطقة، ونظراً لأهمية سوريا الجيو-استراتيجية فإن إيجاد حل سياسي فيها بالتوافق مع بقية الأطراف المتدخلة في القضية السورية بات مطلباً ملحاً لتلك الدول لإخراجها من دوامة الصراع وتداعياته عليها.
وربما لقناعة جديدة ترسخت لدى القيادة السعودية الشابة بقيادة الأمير محمد بن سلمان، بتمتين علاقاته مع الصين وروسيا وانفتاحه على إيران، وهذا يتطلب منه خفض سقف المطالب السعودية السابقة تجاه نظام الأسد، وإعطاء إشارات لهذه الدول بأن الرياض باتت تفضل حل القضية السورية دون التطرق لمصير الأسد، وربما الإبقاء على النظام مع إعادة تأهيله وفق شروط تضمن وفاءه بوقف الحرب في سوريا وإيجاد قواعد مصالحة مع المعارضة التي ربما باتت أكثر جهوزية للتعاطي مع هكذا حلول.
تكمن خطورة خطوات التطبيع التي تقوم بها الدول العربية والإقليمية في أنها تقوم على حسابات ومصالح تلك الدول بالدرجة الأولى دون أن تضع في حسبانها الأسس الوطنية والإنسانية والأخلاقية التي لا يمكن دونها ذهاب سوريا نحو الاستقرار مع بقاء نظام مجرم غارق بدماء السوريين، والسبب الرئيس في معاناتهم ومأساتهم. فهل سيكون هذا التطبيع دون ثمن سياسي؟
المدن
—————————-
التطبيع منظوراً إليه من شرق سوريا/ عبدالناصر العايد
تهب رياح التطبيع مع نظام الأسد، من دول الخليج في الجنوب، وتركيا في الشمال، عابرة المناطق السورية كافة، ومتجاهلة الأوضاع والتعقيدات والأزمة الإنسانية. فلا اعتبار يقام للقوى التي تستقر فيها، ولا مشاورة للفاعلين هناك، ولا حساب لعوامل القوة التي تكتنفها، مع أن بعضها، مثل التي في شمال وشرق سوريا، تبدو للناظر من قرب مثل وتد سياسي راسخ لا يمكن تجاوزه لا في السياسات المحلية ولا الدولية حتى.
ففي تلك المنطقة، تتموضع قوات أميركية وفرنسية وبريطانية، ومؤسسات مدنية لعدد أكبر من الدول الغربية، هدفها المعلن محاربة تنظيم “داعش”، أما غير المعلن فمنع روسيا وإيران، اللتين تتمركز قواتهما في المنطقة أيضاً، من الاستئثار بشكل كامل بسوريا وتقرير مصيرها من طرف واحد. وفي عمليات التطبيع العربية، لم يؤخذ رأي هذه القوى ولا مصالحها الاستراتيجية بعين الاعتبار، ولم تُناقَش عواصمها أو تُستشار في العملية. وبالنظر إلى قوة هذه الدول، فإن تجاهلها لا يعني فقط عدم انخراطها أو دعمها للعملية، بل إنه بالنسبة إليها أمر مستفز سيدفعها لاتخاذ مواقف سلبية يمكنه جعل العملية بلا جدوى، أو حتى تحويلها من تهدئة وتبريد إلى تسخين متصاعد قد يبلغ حد الحرب.
في تلك المنطقة أيضاً، “قوات سوريا الديموقراطية” المدعومة غربياً ويقودها الأكراد، وهؤلاء ينظرون إلى عمليات التطبيع العربية كما لو كانت طعنة في الخاصرة. فالعرب أظهروا أنفسهم مؤخراً كما لو أنهم خط ثانٍ من حلفاء “قسد” في إطار المنافسة مع تركيا. أما التطبيع التركي فليس سوى اعلان حرب كاملة هدفها استئصال هذه القوة، إذ تبدو أنقرة كمن فاز بمزاد علني على قلب النظام، وهذا عائده الرئيسي تصفية تلك القوة بشكل كامل.
أما العشائر العربية في الجزيرة، التي لا تؤخذ في حسبان قوى الأمر الواقع في المنطقة نفسها، فهي لم تؤخذ بطبيعة الحال في حسبان قوى التطبيع، ولم يتساءل الطرف العربي ولا حتى التركي المتحالف مع جزء منها، عن رأيها ومَصالحها، وتغاضى الجميع في ما يبدو عن حقيقة أن هذه القبائل خاضت وتخوض الحرب الأكثر شراسة ضد نظام الأسد، ودفعت بعشرات الآلاف من أبنائها ثمناً لتغيير منشود يخلصها من حالة التهميش النسبي الذي ترزح تحته منذ تأسيس الدولة الوطنية في سوريا.
يكمن في المنطقة أيضاً تنظيم “داعش”، بثبات لا يعرفه حتى العراق ذاته. وتشير عمليات وتحركات التنظيم إلى أنه لا يضيع الوقت سدى، ويعدّ العدّة لوثبة جديدة ما إن تتهيأ الظروف المناسبة لذلك، وتلك الظروف سيوفر جانب منها عمليات تعويم النظام رغماً عن أنوف السكان الحانقين. ففي ظلمات مشاعر الغبن وخلف أحاسيس القهر والازدراء، يكمن آلاف الانتحاريين، لا في سجون “قسد” والتحالف الدولي فحسب، بل بين أناس ليسوا من مبايعي التنظيم أو دعاته، بل من الناس العاديين الذين يجري تجاهلهم وفرض القسمة الضيزى عليهم.
لا تفتقر المنطقة أيضاً للنخب الفكرية والثقافية والسياسية والتكنوقراط، التي لا ترى أن التطبيع مع النظام ينطوي على أي حلّ، وهي في أحسن الأحوال ستلتزم دور المحرّض الضمني على العملية وأهلها، هذا إذا لم تناصبها العداء بشكل معلن وسافر.
منظوراً إليها من منطقة شمال وشرق سوريا، المشهورة بالرياح المغبرة، لا تبدو مبادرات التطبيع سوى عاصفة من أخرى من “العجاج”، تغطي السماء إلى حين، تسدّ الأفق وتضيق بها الصدور. لكن ذرات الغبار المعلقة في الهواء لا بد أن تفقد قوتها وزخمها لتسقط بلا تأثير على الواقع الصلب الراسخ، ثم تكنس في صباح اليوم التالي وينتهي أمرها. ومثال الشمال الشرقي ينطبق على الشمال الغربي، وعلى الوسط والجنوب، فرياح التطبيع لن تحدث فرقاً في داخل سوريا، ولن تحل شيئاً من الإشكاليات، ولن تجلب السلام إلى الربوع، ما دامت لا تزيل العقبة الرئيسية، وهي نظام الأسد، بل تعززه، ويبقى التغيير الفعلي، كما هو الحال طبيعياً في تلك البلاد، مناطاً بالرياح الغربية.
المدن
————————
المعارضة السورية: فصّ ملح/ عمر قدور
أعلى ما يمكن تشبيه المعارضة السورية به أنها، على غرار المثل الشائع، فصّ ملح وذاب. يتضمن التشبيه أن الأصل لم يكن ذا شأن كبير، قبل أن يذوب في مياه رُعاته. ثم يزداد ذلك فداحةً بالإشارة إلى أماكن تواجد هيئات معارضة رئيسية تحظى باعتراف دولي، فائتلاف المعارضة مقيم منذ سنوات طويلة في تركيا، وتستضيف السعودية الهيئة العليا للتفاوض.
قبل أيام تناقلت وكالات الأنباء والصحف خبر مبادرة الرياض تجاه الأسد، حيث من المنتظر أن يزور وزير خارجيتها دمشق بعد شهر رمضان ليسلّمه دعوة لحضور القمة العربية المقبلة. التطبيع التركي مع الأسد سبق نظيره السعودي، والاجتماعات المخابراتية تطورت إلى عسكرية، وأخيراً إلى سياسية وإن على مستوى نواب وزراء خارجية اللقاء الرباعي، وهو مكوَّن من ثلاثي أستانة+الأسد. أي أن المبادرة تجاه الأخير تأتي من البلدين اللذين يرعيان المعارضة، والأهم أن شروط التطبيع لا تلحظ وجودها.
لا ننطلق من توقعات أو أوهام حول المواقف أو التدابير التي يمكن أن يأخذها كلٌّ من الائتلاف والهيئة تجاه بلد الإقامة، فلا هذا ولا تلك في وضع يمكنهما من إعلان مواقف “راديكالية”. نظرياً، ربما يكون الائتلاف في الموقع الأسوأ لوجوده في بلد جارٍ، وهناك ملايين السوريين تحت نفوذ هذا الجار الأكبر، والوصول إليهم تحت رحمته. أما عملياً فمن المعلوم أن أنقرة تتعامل في المقام الأول مع الفصائل، ولا تقيم اعتباراً للائتلاف أكثر مما تفعل الرياض إزاء هيئة التفاوض.
ليست الواقعية المفرطة ما يجعل الائتلاف والهيئة يرضخان بصمت، من دون إظهار أدنى تذمر من التغير في سياسات البلد المضيف. هو رضوخ التسليم التام، والقبول بأولويات البلدين على حساب الأولويات السورية، ولو كان الأمر خلاف ذلك لشرح الائتلاف أو الهيئة الفوائد المتوقعة من تطبيع أنقرة والرياض مع الأسد، هذا إذا افترضنا أنهما على علم بالحيثيات أكثر من أي متابع عادي للأخبار.
من دون تهويل يتعلق بنتائج التطبيع، لدينا بلد كان له في ما مضى دور أساسي في دعم تسليح فصائل معارضة، وأيضاً في دعم المعارضة في المحافل الدولية، والآن “تتويجاً لانسحابه وتهميشه معاً” يتخلى عن آخر ما يربطه بتلك المرحلة. ولدينا بلد آخر تتيح له الجغرافيا الإمساك بالعديد من الخيوط السورية، واستخدامه إياها لغير صالح المعارضة “أو المصالح المشتركة معها” يعني حرمان المعارضة من أوراق التفاوض جميعاً، بما أنها أصلاً قبلتْ بالمسار السياسي سبيلاً للحل.
إذا لم يكن في وسع هذين البلدين تقديم فوائد كبيرة للأسد، فهما يقدّمان له على الأقل فائدة تصفير قيمة المعارضة على نحو فاقع. أي أن الأسوأ، وفق المستجدات الأخيرة، لا منافس له حتى من موقع الأقل سوءاً؛ بقاؤه مفروغ منه لأن لا بديل مطروحاً ولو نظرياً. وعندما يماطل أو يسوّف في التطبيع مع أنقرة، رغم الضغط الروسي، فهو حتى إذا رضخ لاحقاً يظهر بقيمة أعلى لدى حلفائه من معارضة لا قيمة لها لدى رعاتها.
ربما لا تستحق هذه المعارضة التساؤل عن صمتها، أو متى تخرج عنه لتتخذ موقفاً يتناسب مع مسؤولياتها. إلا أن اليأس منها لم يكن طوال عشر سنوات تقريباً مثمراً أكثر منها، وخلال الفترة ذاتها لم نكن فقط إزاء امتناع تغيير الأسد، بل أيضاً إزاء امتناع تغيير معارضةٍ هناك شبه إجماع بين السوريين على كونها تمثيلاً سيئاً لما ثاروا لأجله. وتكرار القول أن الشأن السوري خرج من أيدي أصحابه هو توصيف شديد السهولة، بما أنه يُقال على سبيل التسليم به.
من المغري الظنّ أن هذه المعارضة، بكل سيئاتها، تؤدي وظيفة استقالة السوريين من قضيتهم. ونقدُها أتى في معظم الأحيان على سبيل التبرؤ منها، فلا هو من أجل تطوير عملها، وهو احتمال ميؤوس منه لدى غالبية المنتقدين، ولا هو من أجل القطيعة التامة معها بخلق أطر منافِسة لها. كأنما ثار السوريون مرة واحدة، ضد الأسد، وانتهت مسؤوليتهم عند هذا الحد. والحديث هنا ليس عن أولئك الذين تعرّضوا لأقسى عملية تحطيم وعلى كافة المستويات، إنه في أقل تقدير عن عشرات ألوف السوريين المناط بهم سدّ هذه الفجوة الفادحة، لكنهم تعففوا عن النشاط السياسي. من المحتمل جداً أن تكون للحالة السورية فرادتها، باستخدام هذا الكمّ من الذرائع لعدم الاشتغال في السياسة، الذرائع التي تبدأ بالتدخل الخارجي، ولا تنتهي عند هيئات المعارضة وكأنه قدر محتّم.
مرة أخرى بلا مبالغة تخص نتائج التطبيع مع الأسد، يجوز التساؤل عن تقاعس السوريين عن الدفاع عن قضيتهم في مفصل لا ينبغي الاستهانة به تماماً، ولا الاستهانة به باعتباره استمراراً أو تتويجاً لنهج دولي يحابي الأسد. التساؤل هو عن المسؤولية الجماعية للسوريين، غير الراضين منهم عن المعارضة أولاً، لأن هذه المعارضة ما كان لها البقاء برغبة الخارج لولا الاستقالة الجماعية للمعنيين بالاعتراض على ذلك.
لم يفُت الوقت على فعل شيء، ولن يفوت على ذلك ففي السياسة هناك دائماً ما يمكن فعله باعتبارها فن الممكن. المشكلة في المعارضة السورية بمعناها الواسع ليست أصلاً أنها تطالب بالمستحيل أو تسعى إليه، المشكلة هي أنها لا تفعل الممكن. وأول الممكن هو الانقلاب على الاستقالة من الشأن السياسي، وهو ما سيكون بمثابة تحمّل ناضج لتبعات الثورة على الأسد، ومهما كانت نتائجه فستكون أفضل من التغنّي بالمظلومية السورية وتكرار ذلك وتوريثه.
سيكسب الأسد المزيد، عاجلاً أو آجلاً، بالغياب الكلي للمعارضة؛ بغياب البديل. ومع علمنا بأن التساؤل عن البديل لطالما استُخدِم بخبث إلا أن من مهمة المعارضين تقديم فهْم أعمق، يكون فيه البديل تجربة منظمة “أو أكثر” تحظى أولاً بالحد الأدنى من الاحترام في أوساط السوريين، وتبرهن على أن البديل عن الأسد ليس الفوضى أو العدم. البديل بهذا المعنى ليس بديلاً عن اختيار السوريين ممثليهم في ظروف ديموقراطية مستقبلاً، بل إنه سند للخيار الديموقراطي متى صار ممكناً، ورسالة إلى المجتمع الدولي عن أهلية السوريين التي تعيق التقرير نيابة عنهم وفي غيابهم. هذا صعب جداً؟ نعم، بلا شك هو صعب جداً جداً، ومن الأسهل دائماً عدم فعل أي شيء على الإطلاق.
المدن
———————–
رهان شعبي سوري على «تحسن العلاقات» مع العالم العربي
آمال بانتعاشة اقتصادية
دمشق: «الشرق الأوسط»
بعد ثلاثة أعوام من عرض منزله في دمشق للبيع، قرر تمام سحب الإعلان من المكاتب العقارية، وإعادة النظر بقرار البيع. «إذا حصلت حركة في اتجاه الدول العربية لن أضطر للهجرة»، كما قال لـ«الشرق الأوسط».
شدد تمام على أن «إعادة العلاقات مع الدول العربية ستكون مقدمة لتحسن الوضع في سوريا، وربما إيجاد حل، وبالتالي فإن التريث أفضل من بيع خاسر»، مشيراً إلى أن أشقاءه ووالديه غادروا إلى إحدى دول الخليج العربي منذ اندلاع الحرب وكانت نيتهم العودة بعد توقف العمليات العسكرية في دمشق، لكن الأوضاع الاقتصادية السيئة حالت دون ذلك. ووجد تمام نفسه أمام خيار صعب وهو الاضطرار للالتحاق بهم وبيع المنزل، لكن ذلك تأخر لعدم حصوله على سعر مناسب لإكمال البيع.
تمام ليس الوحيد الذي يراهن على تحسن علاقات سوريا مع العالم العربي. سائق سيارة التاكسي تنهّد بعمق وهو يعبر شارع مهدي بن بركة الواصل بين ساحة الأمويين وحي أبو رمانة، حيث تقع آمرية الطيران وسفارة دولة الإمارات وقريباً منها سفارة المملكة العربية السعودية. اتبع السائق تنهيدة الارتياح موجهاً كلامه لراكب معه: «أعبر هذا الشارع من عشر سنوات، وللمرة الأولى أرى أن الحاجز قد أزيل وفُتح من الجانبين. إن شاء الله تعود علاقات سوريا مع العالم العربي فعسى أن يفرج ذلك علينا».
وكانت السلطات في دمشق قد أزالت واحداً من أكبر الحواجز داخل العاصمة السورية في شارع المهدي بن بركة في حي أبو رمانة مطلع الشهر الجاري، وجاء ذلك بالتزامن مع النشاط الدبلوماسي الهادف لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية وإعادة العمل ببعثات دبلوماسية عربية في دمشق، ما أنعش آمالاً في الشارع السوري بعدما استحكم به اليأس من القدرة على وقف التدهور المعيشي الذي تفاقم خلال الشهرين الماضيين بعد كارثة زلزال 6 فبراير (شباط) الماضي.
ويأمل مواطنون بأن يكون الانفتاح العربي مقدمة لكسر الطوق المفروض من الدول الغربية والولايات المتحدة على النظام في دمشق، الذي يدفع ضريبته المرهقة الناس العاديون في ظل تآكل قدراتهم الاقتصادية واستشراس زعماء الحرب وتغوّل الفساد.
وعلقت الجامعة العربية عضوية سوريا عام 2012 على خلفية اندلاع الاحتجاجات الشعبية ضد النظام، تبعها إغلاق غالبية الدول العربية سفاراتها في دمشق وقطع العلاقات الدبلوماسية طيلة سنوات الحرب على سوريا.
ويشار إلى أنه بعد الزلزال الذي ضرب المنطقة في 6 فبراير الماضي، وتواصل التدهور الاقتصادي، سُجّل تزايد في أعداد السوريين الذين يحاولون مغادرة البلاد، وكانت مصادر لبنانية ميدانية أفادت لـ«الشرق الأوسط» بتزايد أعداد الأسر السورية المتسللة خلسة إلى لبنان بعد الزلزال، وأنه ما بين 30 و40 عائلة تحاول اجتياز الحدود يومياً من سوريا إلى لبنان.
وعلى رغم ذلك، هناك من يستبشر «تحسناً ما» سيطرأ في النصف الثاني من شهر رمضان، بحسب ما يقول تاجر في سوق مدحت باشا بدمشق القديمة. يقول هذا التاجر: «ظننا أن المساعدات التي تدفقت إلى البلاد بعد الزلزال ستحدث أثراً إيجابياً يحد من انهيار العملة المحلية وكذلك حلول شهر رمضان المبارك وتدفق حوالات المغتربين لأهاليهم. لكن ما جرى كان العكس تماماً. فالأسعار ما زالت في تصاعد وقيمة الليرة لم تتحسن، ورغم بلوغنا منتصف الشهر الفضيل ما زالت حركة الأسواق بطيئة… عسى أن تتحسن الأمور الآن مع نهايات شهر رمضان».
وكان لافتاً في عطلة عيد الفصح المسيحي توقف الحركة وخلو شوارع دمشق في شكل شبه تام نهار الأحد، حيث بدت العاصمة السورية وكأنها في حالة حظر تجول. كما لوحظت حركة خجولة جداً في أسواق الصالحية مساء الأيام الثلاثة الماضية بعد صلاة التراويح التي عادة ما تكون مكتظة في مثل هذا الوقت. لكن ذلك لم يحد من أمل التاجر في سوق مدحت باشا بحصول انتعاشة في السوق في الأسبوع الأخير من شهر رمضان. يقول التاجر: «ما من أحد قاطع أهله وشاف الخير»، مشيراً إلى أنه «قبل الحرب كانت الأسواق السورية ممتلئة بالبضائع العربية ومن كل الأنواع والأصناف وأجودها. نستورد ونصدّر في ظل منافسة وحركة وبركة. كانت السيارات العربية تملأ شوارع دمشق، ثم حصلت القطيعة ولم يعد يصل إلينا إلا أرخص البضائع وأقلها جودة من الدول الحليفة، وغاب السياح عن شوارعنا ولم تتبق سوى حملات الحج الديني وهي الأقل إنفاقاً بين فئات السياح».
الشرق الأوسط
———————–
ماذا وراء تأجيل الراعي لاجتماعات التطبيع بين دمشق وأنقرة وأين المعارضة من ذلك؟
لم يفض اللقاء الرباعي الذي عقد على مستوى نواب وزراء خارجية روسيا وإيران وسوريا وتركيا، في موسكو مطلع الشهر الجاري، إلى أي نتائج ملموسة في ملف التطبيع بين دمشق وأنقرة، ليكون التأكيد على استمرار الاتصالات أبرز نتائجه.
اللقاء كان من المزمع عقده في منتصف آذار/ مارس الماضي، لكنه تأجل بطلب روسي، وهذا جاء على لسان وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الشهر الماضي، حيث أعلن أن الجانب الروسي طلب تأجيل الاجتماع الرباعي لعدم تمكنه من التحضير له.
وبحسب المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ودول أفريقيا، نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، فإن قرار التأجيل لم يُتخذ بناء على طلب موسكو، وإنما بسبب عدم استعداد الأطراف لذلك.
والأحد، أعلن مندوب الرئيس الروسي الخاص في سوريا ألكسندر يفيموف، عن تأجيل الاجتماع الذي كان من المزمع عقده، أمس الاثنين إلى بداية أيار/ مايو المقبل.
اللافت في كل ما جرى من لقاءات وما يحضر له، موضوع التأجيل الذي تعلنه موسكو قبيل كل اجتماع، فما الذي يقف وراء ذلك؟.
“نتائج إيجابية”
يقول بسام البني وهو كاتب سياسي مختص بالشؤون الروسية، إن “نتائج المشاورات الرباعية على مستوى نواب وزراء خارجية روسيا وإيران وسوريا وتركيا، الذي عقدت في موسكو يومي 3 و4 نيسان/ أبريل الجاري كانت إيجابية”.
ويضيف البني لنورث برس: “اللقاء بحد ذاته تطورٌ جيد وقد أسس لمناقشات قادمة تحضيرية من أجل عقد لقاء على مستوى الوزراء، سيؤدي في نهاية المطاف إلى عقد لقاء قمة يحضره أردوغان والأسد”.
ويعلق الكاتب السياسي على مسألة التأجيل بأن المشاورات الرباعية على مستوى نواب الوزراء للدول الأربعة، أصبحت من الماضي واللقاء جرى وهناك تعليقات وتحليلات كثيرة، نشرت بشأنه، واليوم جاري العمل للتحضير للقاء على مستوى الوزراء، وبالتأكيد سيتكرر الأمر نفسه”.
ويرى البني أنه “من الممكن أن يتم الإعلان عن موعد مبدئي ثم يتم تأجيله، فالجميع يعلم أن هذه الجهود التي تبذل بخصوص عودة العلاقات التركية السورية إلى وضعها الطبيعي، ليست سهلة ومعقدة”، ويضيف: “ولكن هذا سيتم بكل تأكيد”.
“روسيا ليست المستفيد الوحيد”
المتابع لملف التطبيع بين دمشق وأنقرة يرى بوضوح مدى الإستماتة والإصرار الروسي على تحقيق التطبيع، لكن ما الذي ستجنيه روسيا في حال تحقق التطبيع؟
كانت موسكو استضافت في الثامن والعشرين من كانون الأول / ديسمبر الماضي، أول لقاء رسمي جمع وزير الدفاع التركي بنظيره السوري في منذ بدء النزاع في سوريا عام 2011.
ويعتقد البني أن “لروسيا المصلحة بأن تكون سوريا على علاقة طبيعية غير عدائية مع جيرانها، وبالأخص مع تركيا، لما للأخيرة من أهمية في الملف السوري”.
ويضيف: “ليست روسيا المستفيد الوحيد بل أنقرة ودمشق مستفيدتان أيضاً”.
ويقول: “قبل أن نتساءل ماذا ستستفيد روسيا، يجب أن نطرح ماذا ستستفيد سوريا، وماذا سيساعد ذلك في حل مشكلة اللاجئين، ووضع سوريا الاقتصادي وبدء الحوار الجدي بين دمشق والمعارضة، وهذا ما تسعى إليه روسيا”.
وكل ما يشاع أن لروسيا مآرب أخرى “غير صحيح”، فالقاعدة البحرية الروسية موجودة قبل الأزمة السورية بكثير.
فيما يرى حسن الحريري عضو اللجنة الدستورية المصغرة، خلاف ما ذهب إليه البني، بالقول إن “روسيا تتمسك بمسار التطبيع بين أنقرة والنظام السوري بهدف قطع الطريق على تركيا من العودة للمحور الأميركي فيما يخص، الملف السوري”.
ويضيف الحريري لنورث برس، أنه “بإتمام هذا التقارب المفترض أن تنظمه اتفاقية بين الجانبين مشابهه لاتفاقية أضنة بحيث يصعب التحلل منها”.
موقف المعارضة
مع تمسك دمشق بمطالب لها بانسحاب تركيا من كافة أراضيها، وتلميح أنقرة بموافقتها المبدئية لتلك المطالب، يقتضي أن تكون المعارضة مستعدة لأي موقف مفاجئ قد يطيح بدعم الضامن التركي لها، مع قرب الاجتماع الرباعي المزمع عقده بحسب إعلان الجانب الروسي مطلع الشهر المقبل.
ولكن حسن الحريري عضو اللجنة الدستورية المصغرة، يرى أن “المعارضة هي تشكيل سياسي يملك بعض الاوراق السياسية مثل القرارات الدولية ذات الصلة بالشأن السوري، ولا تملك قوة على الأرض”.
ويضيف الحريري، أنه “في حال إتمام الاتفاق بين النظام السوري وأنقرة، فهذا لا يعني سحب الاتفاق على المعارضة السورية”.
فالتفويض الممنوح لهذه المعارضة، بحسب الحريري، قائم على أسس أهمها “التفاوض على تطبيق القرارات الدولية وليس تنفيذ مصالح الدول”.
وشدد الحريري على أن “المعارضة لا تملك التنازل عن حقوق الشعب السوري، مهما اشتدت المواقف المفاجئة في حال حدوثها”.
إعداد وتحرير: مالين محمد
نورث برس
———————
نحو شرق أوسط جديد متعدد الأقطاب
إسطنبول / محمود عثمان/ الأناضول
– رعاية الصين للاتفاق بين السعودية وإيران تسببت بزلزال شديد الصدمة في واشنطن
– واشنطن تدرك جيدا أن رعاية بكين للاتفاق سيكون له عواقب سلبية على مصالحها الاستراتيجية
– إرهاصات التحولات الكبيرة بالشرق الأوسط جاءت على خلفية قرار واشنطن تقليص وجودها بالمنطقة
– وتيرة التحولات تسارعت بفعل الحرب الروسية على أوكرانيا، واشتداد المنافسة بين القوى العظمى
في خطوة مفاجئة، أعلنت السعودية وإيران اتفاقهما على استئناف العلاقات بعد قطيعة دبلوماسية استمرت سبع سنوات، ولم يكن الاتفاق ليحظى بهذا القدر من المتابعة والاهتمام لولا الرعاية الصينية له.
هذه الرعاية تسببت بزلزال شديد الصدمة في واشنطن، التي تدرك جيدا أن رعاية بكين للاتفاق سيكون له عواقب سلبية على مصالحها الاستراتيجية، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط ذي المعادلات بالغة الأهمية والتعقيد، وتحديدا عندما يتعلق الأمر بأمن الممرات البحرية والطاقة وتأثيرها على الاقتصاد العالمي.
إرهاصات التحولات الكبيرة في الشرق الأوسط، جاءت على خلفية قرار الولايات المتحدة تقليص وجودها العسكري والدبلوماسي بالمنطقة والتغلغل الروسي والصيني الكبير في شؤونها. حيث من شأن هذه التحولات الجيوسياسية الحد من هيمنة واشنطن طويلة الأمد في الشرق الأوسط، وخلق نظام جديد متعدد الأقطاب.
وتيرة هذه التحولات تسارعت بفعل الحرب الروسية على أوكرانيا، واشتداد المنافسة العالمية بين القوى العظمى.
كما ضاعفت الحرب الروسية على أوكرانيا أزمة المنافسة على النفوذ بالمنطقة، بين الدول الغربية ومنافسيها الإستراتيجيين الصين وروسيا.
ووجدت دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نفسها في موقع أفضل، مع وجود مصادر جديدة للضغط على العواصم الغربية. هذا ما ظهر جليا في إحجامُ إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة عن الاصطفاف مع الغرب بشأن أوكرانيا.
إن قيام نظام إقليمي متعددِ الأقطاب سوف يفسح المجال أمام الأوروبيِّين للعب دور أكثر فعالية، حيث لن تكون هناك قوة واحدة مهيمنة، وهذا يوفِر مساحات واسعة لتعزيز المصالح الأوروبية بصورة أكثر فاعلية.
هل أضحت الصين شريكاً استراتيجياً بمنظومة أمن الشرق الأوسط؟
لا تخفى جهود بكين الحثيثة للعب دور استراتيجي في الشرق الأوسط، وقد نجحت إلى حد كبير في فرض نفسها كأكبر تحد جيوسياسي لواشنطن في القرن الـ21.
وفي هذا الإطار جاء الاتفاق السعودي الإيراني ليشكل منعطفا تاريخيا غير مسبوق، من حيث كونه بداية للعهد الصيني في الشرق الأوسط وربما العالم.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هذا التحول الاستراتيجي بالسياسة الخارجية الصينية لم يحصل بين عشية وضحاها، إنما جاء نتيجة طبيعية لتخلي واشنطن عن تعهداتها والتزاماتها تجاه دول المنطقة، وعدم ملء الفراغ الاستراتيجي الذي خلفه غزوها واحتلالها للعراق عام 2003.
صحيح أن الصين لا تمتلك قوة الولايات المتحدة العسكرية، ولا خبرتها وتجربتها، وهي لا تستطيع منافسة واشنطن في هذا المجال، لكن الولايات المتحدة هي من نأت بنفسها، وتركت الميدان فارغا لبكين.
دوافع البحث عن عالم جديد متعدد الأقطاب
نسبت صحيفة “واشنطن بوست” لوزير الخارجية الأمريكي الأسبق، المنظر السياسي الأشهر هنري كيسنجر، قوله إن ظهور بكين كصانعة سلام من شأنه أن “يغير الإطار المرجعي للدبلوماسية الدولية في المنطقة”، إذ لم تعد الولايات المتحدة القوة المهيمنة فيها باعتبارها الدولة الوحيدة القوية أو المرنة بما يكفي للتوسط في اتفاقيات السلام، وإن الصين اكتسبت نصيبا من النفوذ في المنطقة.
وأشار إلى أن الدور الذي تقوم به الصين حاليا يجعل قرارات إسرائيل أكثر تعقيدا، لأن على تل أبيب أخذ المصالح الصينية بعين الاعتبار، عند الضغط على إيران، وهذا يقتضي علاقات وطيدة بين بكين وتل أبيب.
وقد بدأ العديد من شركاء الولايات المتحدة في تنويع علاقاتهم الدولية بشكل واضح ومتصاعد خلال السنوات الأخيرة. ففي الشرق الأوسط وحده تعد البحرين ومصر والكويت وقطر والسعودية والإمارات وتركيا شركاء حوار حاليين أو محتملين لمنظمة شنغهاي للتعاون (SCO)، وهي مجموعة سياسية واقتصادية وأمنية متمركزة حول الصين.
وتُعد منظمة شنغهاي أضخم تحالف سياسي إقليمي في العالم، حيث يشكل أعضاؤها ما يقرب من نصف سكان العالم، وما يقرب من 3 أخماس كتلة اليابسة الأوروبية الآسيوية، وكثيراً ما يتم وصفها بـ”التحالف الشرقي” أو “ناتو الشرق” المنافس للتحالف الغربي.
من جهة أخرى، وفي وقت سابق من العام الماضي، أبدت العديد من الدول الرغبة بانضمامها إلى مجموعة “بريكس”، مثل: الأرجنتين وإندونيسيا والمكسيك، وتركيا وإيران، كما شارك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في القمة العاشرة بجنوب إفريقيا.
وتعمل دول “بريكس” على تعزيز نظام عالمي متعدد الأقطاب، وتحدي هيمنة القوى الغربية التقليدية، وتضم مجموعة من البلدان التي تمثل بعض الاقتصادات الأسرع نموا في العالم، وتشكل مساحة هذه الدول ربع مساحة اليابسة، وعدد سكانها يقارب 40 بالمئة من سكان الأرض، وتمتلك 25 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وتسعى هذه الدول لتشكيل حلف أو نادٍ سياسي فيما بينها مستقبلاً.
التحديات التي تواجه تشكيل شرق أوسط متعدد الأقطاب
يشير الخبير الدولي في شؤون الطاقة هادي فتح الله، إلى أن تحول منظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبك) إلى مجموعة “أوبك بلس” عام 2016، مهد الطريق أمام السعودية للابتعاد عن منظومة “البترودولار”، والانخراط النشط في أسواق الطاقة غير النفطية وفي التحوّل الأوسع في مجال الطاقة.
وباشرت السعودية عام 2019 في استكشاف تجارة النفط بعملات أخرى إلى جانب الدولار الأميركي، وفي عام 2022 بدأت المملكة جدّيًا النظر في خيارات التجارة النفطية مع الصين بعملة اليوان.
وقد ولدت السياسات الناجمة عن سياسة الطاقة السعودية الجديدة بالفعل تصدّعات في الاتفاقات السياسية التي ارتكز عليها أمن المملكة لوقتٍ طويل.
وأدّت هذه التطوّرات إلى ترسيخ الموقف الأميركي الذي أسقط الخليج والأمن السعودي من قائمة أولوياته، بدلًا من أن تساهم في عودة الولايات المتحدة عن قرارها بفك الارتباط مع المنطقة. ولعلّه ليس مفاجئًا أن يتزامن ذلك مع النظرة الأميركية التي تعتبر أن السعودية تعمد بصورة متزايدة إلى استخدام النفط أداةً سياسية في يدها.
وفي الوقت الذي دفع فيه استخراج النفط الصخري الولايات المتحدة إلى شطب النفط السعودي من قائمة أولوياتها، لم تتمكن المملكة من فرض معادلة جديدة بديلة عن النفط مقابل الأمن التي كانت سائدة في المملكة قبل عام 2015، فكانت النتيجة تمكُّن التيّار الحوثي في اليمن من شنّ هجمات على منشآت نفطية سعودية أساسية عامَي 2021 و2022.
أما إفساح المجال أمام الاستثمارات الصينية في قطاع الطاقة السعودي من خلال شركة “أرامكو” فيزيد من تعقيدات المشهد السياسي والأمني، حتى لو استحوذت شركات أسهم خاصة أميركية بصورة مشتركة على هذه الاستثمارات.
وبينما تتجه الحكومة السعودية إلى إعادة النظر في سياساتها الأمنية، وعملية صنع القرار في قطاع الطاقة، تواجه تحديات حقيقية نتيجة إعادة الترتيبات الجارية للنفوذ الدولي، مما قد ينتج عنها تداعيات سياسية تشكل تهديدات حقيقية لأمنها الاستراتيجي.
صحيفة “الشعب” الصينية زعمت أن سياسة الصين في الشرق الأوسط لم تتركز على مصالحها الخاصة خلال المراحل السابقة، وأنها عارضت أي دولة تسعى لهيمنة القطب الواحد بالشرق الأوسط. وهذا يعني أن نمط التعددية القطبية بالمنطقة سيكون لصالح الصين، وأن نمط تعدد الأقطاب سوف يؤدي إلى توسيع الفضاء الاستراتيجي لبكين.
وبناء على ذلك، تسعى الصين إلى تعزيز اتجاه تعدد الأقطاب في الشرق الأوسط تحت مسمى احترام سيادة الدول العربية، وعلى أساس السعي إلى التنمية المشتركة.
قد تبدو الصين شريكا تجارياً قوياً، لكنها لا تزال غير قادرة بمفردها على سد الفراغ الاستراتيجي الذي تركته الولايات المتحدة في المنطقة، مما يدفع دول المنطقة إلى البحث الدائم عن البدائل، وهذا يعني شرق أوسط متعدد الأقطاب.
——————————
“إنتلجنس أونلاين”: دبلوماسية سرية تساعد النظام السوري في رفع العقوبات الأوروبية
كشف موقع “إنتلجنس أونلاين”
أن “دبلوماسية سرية” تساعد النظام السوري للضغط على الاتحاد الأوروبي لرفع العقوبات المفروضة عليه، مشيراً إلى أن مسؤولين أوروبيين يحاولون إقناع الاتحاد بإعادة تقييم سياسة العقوبات.
وقال الموقع، المتخصص بالشؤون الاستخبارية، إن قرار محكمة العدل الأوروبية بإلغاء العقوبات عن رجل الأعمال المقرب من النظام نزار الأسعد، الصادر في 8 آذار الماضي، سيشجع النظام السوري على محاولات إقناع مؤسسات أوروبية أخرى برفع العقوبات عن شخصيات وهيئات أخرى.
وفي 8 آذار الماضي، خلصت محكمة
الاتحاد الأوروبي، في دعوى رفعها رجل الأعمال نزار الأسعد
لإزالة اسمه من قائمة العقوبات، إلى أن إدراج العقوبات على الأسعد “غير مبرر، وخرق للمبادئ الأساسية لقانون الاتحاد الأوروبي”.
فنسنت بيسيفو
في تقريره، أشار “إنتلجنس أونلاين” إلى فنسنت بيسيفو، وهو مستشار قانوني على صلة بالشأن السوري وعمل لصالح مجلس الاتحاد الأوروبي في قضية العقوبات على النظام السوري، بما فيها قضايا تتعلق برجل الأعمال وابن خال رئيس النظام رامي مخلوف، في العام 2019، لكن المجلس عينه بعد ذلك في منصب جديد لا علاقة له بالعقوبات.
وأوضح الموقع أن بيسيفو في تقاريره الأخيرة التي قدمها لمجلس الاتحاد الأوروبي، قبل ترك منصبه المتعلق بالعقوبات على سوريا، بدأ يكتب تدريجياً لصالح إعادة تقييم سياسة العقوبات على رموز النظام السوري بالتعاون مع القطاع المصرفي.
وأضاف أن المستشار القانوني والدبلوماسي السابق زار دمشق بشكل غير رسمي عدة مرات، إحداها في تشرين الأول 2022، التقى خلالها مع الرئيس الأعلى للكنيسة السريانية في العالم، البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثاني، المعروف بدعواته لرفع العقوبات عن النظام السوري، ودوره في رسائل وجهت إلى الرئيسين الأميركي والفرنسي، مطلع العام 2021، تطالب برفع العقوبات الأميركية والأوروبية عن النظام السوري.
بيتر كرويس
ووفق صور نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، رافق بيسيفو في لقائه مع البطريرك القائم بأعمال السفارة النمساوية في سوريا، بيتر كرويس، المعروف أيضاً بمعارضته للعقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على النظام السوري، في حين أشار “إنتلجنس أونلاين” إلى أن لقاء بيسيفو وكرويس تم بدون علم مجلس الاتحاد الأوروبي.
On October 17, 2022, His Holiness Patriarch Mor Ignatius Aphrem II received His Excellency the Charge d’Affaires of the Austrian Embassy in Syria Mr. Peter Krois, accompanied by His Excellency Mr. Vincent Piessevaux, pic.twitter.com/n5g2ULQNO3
— Athro ܐܬܪܐ (@athro14) October 18, 2022
وقال “إنتلجنس أونلاين”، إن القائم بأعمال السفارة النمساوية في سوريا يتبنى مواقف تخالف الموقف الرسمي لحكومة بلاده، حيث يبدي ميلاً لمعارضة العقوبات على النظام السوري، وسبق له أن شغل منصب مندوب النمسا في مجموعة عمل “المشرق – المغرب” في مجلس الاتحاد الأوروبي، المعنية بالقرارات المعنية بالعقوبات، جنباً إلى جنب مع دائرة العمل الخارجية في المجلس، وعُرف فيها بمعارضته للعقوبات.
تييري مارياني
كما أشار الموقع المتخصص بالشؤون الاستخبارية إلى أن بيسيفو وكريس ليسا الدبلوماسيين الوحيدين الذين يعملان على إقناع مجلس الاتحاد الأوروبي بإعادة تقييم سياسة العقوبات على النظام السوري، لافتاً إلى أن تييري مارياني، وهو رئيس مجموعة في البرلمان الأوروبي للمسيحيين المشرقيين، يزور دمشق باستمرار، وانتقد سياسة الاتحاد الأوروبي بشأن سوريا أكثر من مرة.
ويعرف تييري مارياني، السياسي الفرنسي وعضو البرلمان الأوربي عن حزب “التجمع الوطني الفرنسي”، بأنه مؤيد للنظام السوري، ومقرب بشكل خاص من دائرة رجال الدين المسيحيين الداعمين للنظام، وزار سوريا عدة مرات خلال السنوات الماضية، وأكد في تصريحات من دمشق دعم النظام ومحاربة ما وصفه بـ”الجماعات التكفيرية”.
وفي مناسبات عدة
أنكر مارياني استخدام النظام السوري الأسلحة الكيميائية، وأنكر المجازر التي ارتكبها بحق السوريين، معتبراً أن ذلك من فعل “الجماعات الإرهابية”، ما جعله عرضة للسخرية من وسائل الإعلام الفرنسية، التي وصفته بأنه “مغفّلٌ مفيد
“.
وفي أيلول 2019، زار مارياني سوريا، وكثّف من الصور والفيديوهات عبر حسابه على “تويتر”، موثقاً لقاءاته مع شخصيات النظام ورأس النظام نفسه، مبدياً استعداداً للتوسط بين النظام السوري والحكومة الفرنسية للتحاور نظراً “للتاريخ والأهداف المشتركة بين البلدين”، وفق تعبيره.
———————————
عن “ديبلوماسية الكبتاغون” وعناق البرميل والمنشار/ حازم الأمين
يشير مراقبون إلى أن “التنازل السوري” في ملف الكبتاغون، إذا ما حصل، لن يكون سهلاً على النظام في دمشق، فالمخدرات تكاد تكون مصدر الدخل الوحيد للنظام هناك.
يبدو أن “ديبلوماسية الكبتاغون” التي ينتهجها النظام في سوريا بدأت تؤتي ثمارها، إذ أشارت مصادر متابعة للملف السعودي – السوري، إلى أن موضوع تصدير النظام السوري الكبتاغون نحو دول الخليج، وتحديداً السعودية، كان البند الأبرز على طاولة التفاوض بين النظامين في الرياض ودمشق. إذ لم يبدِ “المفاوض” السوري تحفظاً، بل سلّم بأن صناعة الكبتاغون وتصديره جزء من الأوراق التفاوضية التي يحتفظ بها النظام في بلده، بوصفهما مصدراً مالياً للنظام، والأهم، أحد مصادر قوته في المنطقة.
اعتبر السعوديون بدورهم، أن ما يعنيهم هذه الأيام في سوريا يقتصر على الجهد اللازم لضبط تدفّق المخدرات إلى بلدهم عبر الحدود مع الأردن والعراق، فهم مستعدون للتجاوب مع طلب الإيرانيين الانفتاح على النظام في سوريا، وشرطهم الوحيد على هذا الصعيد هو تهريب المخدرات، لا سيما في ظل معلومات عن تفشّيها في أوساط واسعة من الشباب والفتية، الشأن الذي ترافق مع جهود النظام السعوديّ نحو الانفتاح الاجتماعيّ.
أشارت مصادر مطلعة على توجهات النظام في السعودية، إلى أن التقارب والاتفاق بين الرياض وطهران، هما ثمرة شعورهما بالحاجة إلى هدنة، تتيح للرياض دوراً اقتصادياً أكبر، وتسمح لطهران بالتقاط أنفاسها في ظل الحصار والعقوبات الأميركية.
وقدّرت هذه الأوساط عمر الهدنة بسنتين، ستعود بعدهما العقبات لتحضر في ظل ثقل الملفات. خلال هاتين السنتين، سنشهد انقلابات واسعة في الاصطفافات، إذ لفتت المصادر إلى أن ما يعني السعودية بالنسبة الى الملف اليمني، هو ضبط القدرة الصاروخية للحوثيين، ما يسهل على النظام في الرياض القيام بخطوات جديدة في المهمة “الترفيهية” التي يطرحها على نفسه، أما بالنسبة الى العراق وسوريا، فالطموح السعودي يقتصر على ضبط الحدود أمام قوافل الكبتاغون التي يرسلها إلى السعودية. ولبنان خارج هموم مملكة آل سعود بحسب المصادر نفسها.
السعودية لم تضع شرطاً سورياً واحداً على النظام في دمشق، والملفات التي رافقت سابقاً التحفظات العربية على عودة النظام السوري إلى “الحضن العربي”، استُبعدت جميعها. فلا كلام خلال المفاوضات عن الدستور وعن اللاجئين، ناهيك بالمخفيين قسراً ومستقبل المعارضين!.
أما إيران، فيبدو أنه من السهل أن تعطي السعوديين أمناً على حدودهم مع اليمن، على أن يحتفظ الحوثيون بالسيطرة على صنعاء، بانتظار تسوية أو حرب تحسم المشهد اليمني. أما على المستوى السوري، فتدرك طهران أن النظام في دمشق لها، وأن الطموحات الخليجية لجهة استمالته هي محض أوهام. ونفوذها في العراق ولبنان لن يمسّ.
الاعتراف بوظيفة الكبتاغون “الديبلوماسية” من الجهتين السورية والسعودية على حد سواء، أتاحته الرعاية الصينية للمفاوضات، ذاك أن بكين القادمة حديثاً إلى عالم التفاوض والوساطات، لا تملك حساسية كتلك التي يملكها الوسيط الغربي في ملفات المخدرات، ولا تملك التزامات دولية لتجنّب رعاية مفاوضات بين بلدين تكون فيها المخدرات جزءاً من الأوراق التفاوضية.
من جهة أخرى، يشير مراقبون إلى أن “التنازل السوري” في ملف الكبتاغون، إذا ما حصل، لن يكون سهلاً على النظام في دمشق، فالمخدرات تكاد تكون مصدر الدخل الوحيد للنظام هناك، ومن المستبعد أن تكون التقديرات الغربية لحجم عائدات النظام من المخدرات دقيقة، فرقم 50 مليار دولار مريب، إذ يشير مراقبون الى 12 مليار دولار، ما يفوق موازنة بلد مثل الأردن.
هذا المشهد كله يدفع الى الاعتقاد بأن عنصراً جديداً دخل على عمليات التفاوض بين الدول والأنظمة يتمثل بالمخدرات، وما يجري بين دمشق والرياض تتويج لمسار من الأداء “المارق” بين نظامي “البرميل” و”المنشار”، يجري ذلك برعاية من نظام دولي منشقّ، وبعيد مما توافق عليه العالم بوصفه قيم الحد الأدنى من شروط العلاقات الدولية. نظام عالمي جديد و”بديل” يتيح للكبتاغون أن يكون جزءاً من الأوراق التفاوضية بين نظام ينتجه ونظام تستهلكه “رعيته”.
درج
—————————
الرياض تُنهي القطيعة مع دمشق: اتجاه عربي لمكافأة النظام السوري/ محمد أمينو محمد كركص
تتسارع وتيرة التقارب العربي مع النظام السوري، وآخرها استقبال السعودية وزير خارجية النظام فيصل المقداد، أمس الأول الأربعاء، والاتفاق على البدء في إجراءات استئناف الخدمات القنصلية والرحلات الجوية بين البلدين، وذلك قبيل اجتماع وزاري عربي، اليوم الجمعة، لبحث الملف السوري وإمكان عودة سورية إلى جامعة الدول العربية.
وعلى الرغم من مسار الانفتاح العربي على نظام بشار الأسد، إلا أن العديد من الدول العربية لا تزال ترفض أي تطبيع معه قبل تحقيق خطوات جدية على طريق التوصل إلى حل سياسي وفق قرارات الشرعية الدولية، وفي مقدمتها القرار 2254.
وإزاء هذه التطورات، تتصاعد المخاوف لدى المعارضة السورية من “تطبيع عربي مجاني” مع الأسد بلا عملية سياسية جادة وفق القرارات الدولية، وهو ما سيؤدي في نظرها إلى عدم تحقيق الاستقرار ولن يسمح بعودة فعلية للاجئين السوريين.
اتفاق سعودي سوري
وفي تطور هو الأول من نوعه منذ أكثر من عشر سنوات، زار وزير الخارجية في حكومة النظام السوري، فيصل المقداد، السعودية، أمس الأول الأربعاء، والتقى وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، في خطوة تشرع الباب أمام عودة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض ودمشق بعد قطيعة دامت أكثر من عقد.
وقالت وزارة الخارجية السعودية في بيان إن الوزيرين بحثا “الخطوات اللازمة لتحقيق تسوية سياسية شاملة للأزمة السورية تنهي كافة تداعياتها، وتحقق المصالحة الوطنية، وتساهم في عودة سورية إلى محيطها العربي، واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي”. وأعرب الطرفان عن ترحيبهما ببدء إجراءات استئناف الخدمات القنصلية والرحلات الجوية بين البلدين.
وبحسب البيان، بحث الجانبان “الجهود المبذولة للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية يحافظ على وحدة سورية وأمنها واستقرارها وهويتها العربية وسلامة أراضيها”. واتفقا على “تهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مناطقهم، وإنهاء معاناتهم، وتمكينهم من العودة بأمان إلى وطنهم، واتخاذ المزيد من الإجراءات التي من شأنها المساهمة في استقرار الأوضاع في كامل الأراضي السورية”.
كما أكدا “أهمية تعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب بكافة أشكاله وتنظيماته، وتعزيز التعاون بشأن مكافحة تهريب المخدرات والاتجار بها، وضرورة دعم مؤسسات الدولة السورية لبسط سيطرتها على أراضيها لإنهاء تواجد المليشيات المسلحة فيها، والتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي السوري”.
وكان لافتا أن البيان لم يتطرق إلى القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية السورية، خصوصاً القرار 2254 الذي رسم خريطة طريق للحل السياسي في سورية.
وذكرت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام السوري، أمس الخميس، أن زيارة المقداد “أعلنت نهاية حقبة القطيعة السياسية بين البلدين”، مضيفة: “ستشكل هذه الزيارة خطوة إضافية على طريق عودة سورية للجامعة العربية”.
وتعليقاً على الزيارة، رأى مدير وحدة تحليل السياسات في مركز الحوار السوري، محمد سالم، في حديث مع “العربي الجديد”، أنها “تتويج لتحوّل الموقف السعودي تجاه النظام السوري”. وأضاف: “هذا الموقف تبدل منذ وقت طويل، ولكنه طفا على السطح أخيراً عقب اتفاق سعودي إيراني رعته الصين”.
واعتبر أن “زيادة جرعة التطبيع العربي مع النظام السوري يمكن أن تفضي إلى عودة الأخير للجامعة العربية”، متوقعاً “ثبات” الموقف القطري الرافض لأي إعادة تأهيل للنظام السوري عربياً.
وجاءت زيارة المقداد قبل يومين من اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق، يُعقد اليوم الجمعة في جدة السعودية، للتباحث حول الأوضاع في سورية، خصوصاً عودة النظام إلى الجامعة العربية والتي تتطلب إجماعا من الدول الأعضاء، وهو ما لم يتحقق حتى اللحظة.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري، في إحاطته الإعلامية الأسبوعية يوم الثلاثاء الماضي، إن الاجتماع سيناقش وجهة النظر العربية تجاه عودة سورية إلى جامعة الدول العربية، مجددا تأكيد موقف قطر الثابت من النظام السوري، والذي يعتبر أن “الأسباب التي دعت إلى تجميد عضوية سورية في جامعة الدول العربية لا تزال قائمة”. ولفت إلى أن الموقف من سورية مرتبط أساساً بتحقيق الإجماع العربي، والتغيير الميداني على الأرض الذي يحقق تطلعات الشعب السوري.
رفض لعودة النظام إلى الجامعة العربية
ولا تزال العديد من الدول العربية ترفض إلغاء تعليق عضوية النظام السوري في الجامعة العربية، لأن الأسباب الذي دفعت إلى اتخاذ هذا القرار ما تزال قائمة.
وكانت الجامعة العربية قد قررت، في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، تعليق مشاركة سورية في اجتماعات الجامعة وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها، رداً على تجاهل النظام المحاولات العربية لإيجاد حل للأزمة التي بدأت في سورية في ذلك العام. كما دعت الجامعة إلى سحب السفراء العرب من دمشق، وهو قرار غير ملزم للدول العربية التي حافظ الكثير منها على علاقات سياسية وأمنية مع النظام، وإن كان بشكل محدود.
من جهتها، نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مسؤولين عرب، لم تسمهم، أن 5 دول أعضاء على الأقل في الجامعة العربية، بما في ذلك المغرب والكويت وقطر واليمن، ترفض إعادة انضمام سورية إلى الجامعة. وأضاف المسؤولون أنه حتى مصر، التي أحيت العلاقات مع سورية في الأشهر الأخيرة، تقاوم هذه العودة. وقال هؤلاء إن هذه الدول تريد من الأسد التعامل أولاً مع المعارضة السياسية السورية بطريقة تمنح جميع السوريين صوتاً لتقرير مستقبلهم.
وقال المسؤولون العرب، وفق الصحيفة الأميركية، إن بعض الدول التي تعارض إعادة قبول سورية في الجامعة، ضاعفت مطالبها، بما في ذلك دعوة النظام إلى القبول بقوات عربية لحماية اللاجئين السوريين العائدين إلى بلادهم، وقمع تهريب المخدرات من سورية، ومطالبة إيران بالتوقف عن توسيع نفوذها في البلاد.
وبحسب هؤلاء المسؤولين، إذا لبّى النظام مطالب الدول الرافضة، فقد يفتح ذلك الطريق، ليس فقط لعودة سورية إلى الجامعة العربية، ولكن أيضاً يسمح لها بإضافة أصواتها إلى أي جهد أوسع للضغط على الولايات المتحدة والقوى الأوروبية لرفع العقوبات عن حكومة الأسد. لكنهم أضافوا أن الأسد لم يُظهر حتى الآن أي اهتمام بالتغيير السياسي، مع إشارتهم إلى أنه حريص على إصلاح العلاقات مع جيرانه العرب، لأن ذلك يمكن أن يحسّن صورته في الداخل وربما يؤدي إلى المساعدة في إعادة بناء البلاد.
——————————
سوريا: مآلات اللحظة وخوف المستقبل القريب/ كمال شاهين
أقر في آخر العام 2022 مشروع قانون “استراتيجية أميركية لوقف وتفكيك تجارة المخدرات والكبتاجون في سوريا”. وقد دمجه المُشرّعون اﻷميركيون في موازنة وزارة الدفاع للعام 2023، وأصبح ملزِماً ﻹدارة بايدن. كما يتضمن تقديم الدعم للحلفاء من دول المنطقة ممن يتلقون كميات كبيرة من الكبتاجون، ويطلب وضع استراتيجية مكتوبة خلال 180 يوماً لتعطيل وتفكيك إنتاج المخدرات والاتجار بها وشبكاتها في سوريا.
في منتصف كانون الأول/ ديسمبر 2022، سرّبت موظفة مهتمة بالملف السوري في وزارة الخارجية الأمريكية، أمام عدد من قياديي المعارضة السورية في بروكسيل، عبارةً تناقلها الوسط السياسي المعارض بكثرة ووصلت للداخل السوري وانتشرت. تقول تلك العبارة بالحرف: “إنّ واشنطن تتوقع انهيار النظام السوري اقتصادياً في غضون ستة أشهر”.
لم تكن هذه هي المرة اﻷولى التي تتنشر فيها توقعات تشير إلى “قرب” سقوط وانهيار النظام السوري، فقد “سربت” سواها على مدار سنوات سابقة وبأهداف مختلفة، على أنّ التوقع الأخير بالانهيار الاقتصادي الوشيك، احتفي به وكأنه سيحدث سريعاً. ولم يكن هذا الاحتفاء الذي انتشر بكثافة في إعلام المعارضة آتياً من فراغ هذه المرة، فقد بات البلد يعيش خلال اﻷشهر اﻷخيرة كارثةً إنسانية وسياسية واقتصادية حادة.
أرضية التوقع اﻷميركي
أميركياً، وفي قراءة متأنية، لا يظهر التوقع السابق وكأنه رمية نرد طائشة، فهو يأتي بعد تصريحات الجنرال مظلوم عبدي (القائد العام لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (“قسد”) التي حمل فيها نسبياً على واشنطن لموقفها المتراخي من العمليات التركية على الشمال السوري مؤخراً. وعلى ما يظهر، فإنّ قيام واشنطن بتسيير دوريات مشتركة مع قوات “قسد” على مناطق التماس مع القوات التركية جاء مراعاةً لاحتجاجات “اﻹدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” المتكررة ضد تركيا. وقد يساهم التسيير المشترك للدوريات في تباطؤ العمليات التركية، إلا أن ذلك مرتبط بعوامل داخلية ومنها الانتخابات الرئاسية في الصيف المقبل، وعوامل إقليمية ودولية أخرى.
تزامن تسيير الدوريات المشتركة مع قطع “اﻹدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” إمدادات الوقود عن مناطق دمشق حتى أجل غير معلن. وإذا كان هذا القطع قد حدث عدة مرات سابقاً بغاية الضغط على دمشق، فإنه يأتي اﻵن في وقت أشد صعوبة على اﻷخيرة وبالتزامن مع إيقاف “القاطرجي” – رجل المهمات الصعبة للنظام – توريداته النفطية للمرة الثالثة هذا العام في عموم مناطق استثماراته، التي هي واجهة النظام الاقتصادية غير الرسمية والمنفذ الثاني لتأمين الوقود لمناطق سيطرة دمشق بعد الناقلات اﻹيرانية المتوقفة منذ عدة أشهر.
إلى جوار قطع إمدادات الوقود لدمشق من مناطق اﻹدارة الذاتية، ظهرت توجهات أميركية جديدة تستهدف دمشق، وجديدها إقرار الكونغرس اﻷميركي، بمجلسيه، الشيوخ والنواب، في 15 كانون اﻷول/ديسمبر 2022 مشروع “قانون” وضع استراتيجية أميركية لوقف وتفكيك تجارة المخدرات والكبتاجون “المرتبطة بالنظام ورئيسه بشار اﻷسد” وفق تعبير المشروع.
المشروع اﻷميركي الذي أصبح قانوناً بعد إقراره لم يقف عند حدود التشريع، بل دمجه المشرّعون اﻷميركيون في موازنة وزارة الدفاع للعام 2023، بدعم من 83 سيناتوراً ومعارضة 11، وأصبح “ملزماً ﻹدارة بايدن”، ويتضمن تقديم الدعم للحلفاء من دول المنطقة ممن يتلقون كميات كبيرة من الكبتاجون، ويطلب وضع استراتيجية مكتوبة خلال 180 يوماً لتعطيل وتفكيك إنتاج المخدرات والاتجار بها وشبكاتها في سوريا.
يستثني القانون الجديد المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية من العقوبات، وإنْ لم يذكر ذلك صراحة، علماً أن مناطق المعارضة، في مجال تصنيع المخدرات وتجارتها، تحتل مرتبة متقدمة في هذه الصناعة في سوريا بحكم أنّ الفصائل المسلّحة اتجهت إليها بعد أن بدأ تمويلها (القطري والسعودي) ينخفض بحدود كبيرة. وهذا الاستثناء المتوقَع يعزز فرضية أنّ غاية القانون الجديد تعزيز الخِناق على دمشق الذي يصب في اﻹطار اﻷوسع لحرب واشنطن مع موسكو.
مؤشرات الانهيار الاقتصادي في الداخل السوري
يُفهم من مقولة الانهيار الاقتصادي حدوثُ فوضى اجتماعية واضطرابات وإفلاس وحجم تجاري منخفض وتقلّب أسعار العملة وتداعٍ في النظام العام دون تحديد مدة زمنية لحدوث الانهيار الاقتصادي أو انتهائه.
تظهر تطابقات كثيرة للتعريف السابق على سوريا، على رأسها تخبّط حكومي في إدارة البلاد. ويكاد لا يصدر قرار حكومي دون أن تتناوله ألسنة الناس بالنقد اللاذع، مثل تخصيص سبعة مليارات ليرة سورية (120 مليون دولار فما فوق) لترميم ملعب العباسيين في دمشق، في وقت تتزايد فيه دعوات الاحتجاج السلمي من جديد في السويداء بعد هدوء حذر شهدته المحافظة، في حين أن اللاذقية الموصوفة بأنها “معقل النظام”، تشهد دعوات للاحتجاج للمرة اﻷولى في تاريخها دون أن يعني هذا حتى الآن تداعياً في النظام العام.
وإن كان زلزال شباط/ فبراير 2023 المدمّر وتداعياته طويلة الأمد قد حرف الأبصار لبعض الوقت، داخلياً ودولياً، عن مشكلة المخدرات، إلا أنه وبطبيعة الحال، قد فاقم الاوضاع سوء. ومن جهة أخرى، فإن ما يبدو من انفراجات في الخناق العربي الرسمي الملتف على رقبة السلطة السورية، ما زالت نتائجه ضبابية.
تتزامن هذه التطورات مع انهيار متصاعد يومياً في قيمة الليرة السورية، فقد واصل الدولار ارتفاعه أمام الليرة حتى وصل إلى أكثر من 6300 ليرة مع ارتفاع مواز في أسعار المواد الغذائية، وانقطاع في التيار الكهربائي وصل إلى اثنين وعشرين ساعة يومياً في مختلف المحافظات. أما أهم عقدة في الاقتصاد أي النقل، فقد توقفت تقريباً حركة النقل الداخلية بين المحافظات السورية، حيث أعلنت عدة شركات توقفها عن نقل البضائع والركاب بين المدن لعدم توافر الوقود، وأدى ذلك إلى زيادات جديدة في كلفة النقل وهي مرتفعة قياساً بالأجور اليوم، يفاقمها وجود جباية متكررة من قبل جهات أمنية وعسكرية على مختلف طرقات البلاد. وكمثال، فإنّ سعر طن البندورة في سوق الخضرة في بانياس الساحلية يبلغ بين مليون إلى اثنين مليون ليرة (بين 200 ـ 400 دولار)، وأجرة إيصاله إلى دمشق تبلغ القيمة ذاتها.
وفي الوقت نفسه، رفعت الحكومة أسعار اﻷسمدة الزراعية أضعاف سعرها السابق (ارتفع سعر طن سماد اليوريا 46 في المئة وهو لازم للزيتون والقمح والقطن، فبلغ ثلاثة ملايين بدلاً من مليون ونصف ليرة) وهو ما سينعكس سلباً على الزراعة التي تعاني أشدّ المعاناة من غياب الوقود والكهرباء والتصحر والجفاف، ويقلل من المساحات المزروعة بالقمح والخضار والمحاصيل الاستراتيجية،. كما سيؤثر على أسعار المنتجات الزراعية ويتسبب في ارتفاع معدل التضخم المرتفع أصلاً وسيوسع الفجوة بين الدخل وتكاليف المعيشة. ولا يتوقف الغلاء عند قطاع الزراعة فقط، إذ زادت تكاليف التشغيل في القطاع الصناعي مع رفع أسعار الوقود والكهرباء للصناعيين والتجار، بالتزامن مع تقنين قاس جداً شمل كافة المحافظات. واليوم، يشهد سوق العقارات عروضاً كثيرة للبيع بما في ذلك في مناطق محسوبة على الطبقات الغنية الباقية في البلاد، ويظهر أنّ كثيرين يجهزون حقائبهم للفرار من السفينة قبل غرقها.
بالتزامن، بدأت دمشق بالتخلي عن سياسات دعم الفئات اﻷكثر فقراً في المجتمع السوري، ومنها شريحة منتسبي الجيش والقوى اﻷمنية والعسكرية المختلفة، وهذا مؤشر خطير على العموم لطريقة تعامل النظام مع القطاع الذي حماه طيلة السنوات الفائتة. وتعزز سياسة التخلي عن الدعم الاجتماعي هذه من الانقسام الطبقي الحاد أصلاً بين سوريي الداخل، كما أنها تضيف شرائح فقيرة جديدة تضم غالبية موظفي الدولة (مليون ونصف سوري وسورية، مدنيين وعساكر) براتب لا يصل إلى عشرين دولاراً شهرياً.
وحتى اﻵن، قاوم النظام الانهيار الاقتصادي لسنوات مستفيداً من جملة من العوامل الداخلية، أهمها ميراث الدولة نفسه الذي خزّنته طيلة عقود حكم البعث، ونعني به صفر ديون خارجية، واحتياطي مقبول من العملات اﻷجنبية، ودورة إنتاجية اقتصادية مقبولة، ساعدها في ذلك قطاع زراعي أمّن حاجات الناس بأسعار مقبولة، مع اعتماد سياسات مراوغة في تأمين عملة صعبة من هنا وهناك. ويظهر أن هذا اﻹرث – الحصيلة قد استنزف خلال الأعوام الماضية إلى درجة كبيرة، ولم يعد كثير من العناصر السابقة مشاركاً في حماية الدولة السورية واقتصادها من الانهيار. ومؤخراً أكد البنك المركزي أنه قادر على دفع رواتب موظفي الدولة لسنوات قادمة، ردّاً على شائعات انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي تفيد بوصول المخزون الاحتياطي من العملة الصعبة حدوداً دنيا. وإذا كان يمكن فهم اﻹشاعات ضمن سياق حرب إعلامية مستمرة منذ سنوات، إلا أنّ توقف المئات من المشاريع الاقتصادية الحكومية يشي بغير ذلك.
فهم بنية النظام السياسي السوري
تضم شرائح المؤيدين للسلطة السورية فقراء بمعظمهم ومن يسمون بالرماديين، وحتى بعض المعارضين، وهؤلاء في الغالب ممن بنوا موقفهم من الحراك على قناعة (أو دون ذلك) بضرورة المحافظة على كيان الدولة ووحدة ترابها وسيادتها أياً كان النظام الحاكم، أو بنوا موقفهم بناء على علاقة مصلحية وخدمية، أو حتى على مبدأ ديني “الله يطفيها بنوره”. إلا أن تدافع التأثيرات الاقتصادية والخسائر المتتالية في الاقتصاد السوري، وارتفاع اﻷسعار الجنوني، وغيرها من أسباب الانهيار الاقتصادي، أفضى وسيفضي إلى مزيد من انفضاض هذه المجاميع عن جسم النظام. يتأكد ذلك بمعرفة أنّ نسبة المشاركين في انتخابات اﻹدارة المحلية اﻷخيرة (أيلول /سبتمبر 2022) لم تتجاوز فعلياً نسبة خمسة بالمئة من مجمل عدد من يحق لهم المشاركة (عشرون مليونا تبعاً لتعداد وزارة اﻹدارة المحلية).
ومع توقع اتساع انفضاض غير المستفيدين عن جسم النظام خلال الأشهر القادمة، وربما تجسّدهم في أشكال مختلفة من الاحتجاجات، بما فيها العنفية والتفجيرات (في درعا بالدرجة اﻷولى)، إلاّ أنّ الانهيار السياسي لا يبدو ظاهراً بوضوح في الأفق السوري حالياً، ولذلك أسباب مرتبطة بالعديد من العوامل البنيوية في تركيبة النظام من جانب، وبعوامل إقليمية ودولية من جانب ثان، وكلاهما يتشابكان في حماية النظام السياسي من الانهيار الفجائي.
فمما لم يعد خافياً أن التشابك بين مؤسسات النظام ومؤسسات الدولة السورية هو في حده الأدنى، إذ تشكّل مؤسسات النظام ما يمكن وصفه بـ “دولة ضمن الدولة”، عسكرياً ومالياً واستثمارياً، ولكل من هذه القطاعات مؤسسات خاصة لا تخضع ﻷي نوع من الرقابة الحكومية. وعلى الرغم من استقلالية مؤسسات النظام، إلا أنّ لهذه اﻷخيرة سلطة مؤثرة وواسعة على مؤسسات ووزارات الدولة المختلفة، وتخضع لتوجهاتها. مثلاً، فإنّ قرار صرف منح مالية يأتي من رئاسة الجمهورية، والعديد من القرارات الوزارية لا تمر دون موافقة الرئاسة. ويظهر ذلك بوضوح في مسألة زيادة الرواتب التي توجب موافقة رئيس الجمهورية عليها دستورياً. يقصد مما سبق بشكل فيزيائي أنّ القوة اﻷكبر هي في اﻷعلى، وهي صانعة القرار والتوجهات.
تمتلك القوة اﻷعلى العديد من الموارد التي تشكل لها قوة مضافة مركزية التأثير، منها موارد شبكات الخليوي واستثمارات كبيرة في التعليم الخاص (جامعات ومدارس خاصة) وشركات وساطة مالية، وغيرها، وتشكل لها قيمة نقدية عالية غير معروفة بدقّة، ويتم تناقل قيم بمليارات الدولارات في الميديا العالمية، ويضاف لها موارد غير معلنة يعرفها السوريون جيداً، تحاول واشنطن محاصرتها وتقييدها.
القرار اﻷميركي، بمحاصرة وتفكيك شبكات صناعة المخدرات والاتجار بها – وهي من مصادر تمويل النظام غير الرسمية وفق التصور اﻷميركي – يستهدف مصدراً مهماً للتمويل تبلغ قيمته بالقياس إلى كميات المخدرات وحبوب الكبتاغون المصادرة أممياً مليارات الدولارات. وتمتد هذه التجارة إلى شبكات عابرة للحدود نحو الأردن والخليج العربي وتركيا وأوروبا، وبمساهمة من شركاء محليين وميليشيات سورية وإيرانية. ومما لا شك فيه أنه ليس من السهل تنفيذ القرار اﻷميركي نظراً لكون تلك الشبكات المفترَضة لا تسلك سبلاً مكشوفة، وهي لا تعمل وحدها في هذا المجال، بل كجزء من منظومة دولية ضخمة.
وفق هذا التحليل، يمتلك النظام أوراق قوة اقتصادية خاصة، وهي قليلة التأثر بالمجريات العامة للبلاد، سواء انهار الاقتصاد أم لم ينهر. وقوة هذه اﻷوراق تكمن في أنها استثمارية متغيرة القيمة تبعاً للسوق، مالية بالعملة الصعبة، وحتى لو كان جزء منها بالعملة المحلية، فإنّ التأثير المتوقع على النظام في حال الانهيار الاقتصادي لن يكون كبيراً.
إلى جوار القوة الاقتصادية التي تمتلكها السلطة، هناك قوى أخرى تشكّل العمود الفقري لها وتدعمها وتحميها بشكل عضوي، وهذه القوى عسكرية وأمنية واقتصادية. وإن كان جزء منها هو من طبقة التجار المستفيدين من جنّة النظام، مثل بعض تجار المدن، ويمكنهم نقل الولاء من نظام إلى آخر ومن سلطة إلى أخرى، فإنّ القوى العسكرية واﻷمنية ليس من السهل عليها تبديل ولائها، هذا إذا تجاهلنا عوامل الطائفية والعشائرية وغيرها من الفواعل المخفية في بنية النظام، والتي لها دور فاعل في تأمين نوع من الحماية من الانهيار.
على ما سبق، يمكن بناء استنتاجٍ أوّلي، وهو أنّ الانهيار الاقتصادي المتوقع أميركياً قد يصيب أجهزة الدولة السورية، وهذا ليس مستبعداً تبعاً لمجريات اﻷحداث الراهنة، ولكن تأثر مؤسسات النظام بهذا الانهيار سيكون محدود اﻷثر ويصعب قياسه بدقة. ومما هو مؤكّد قدرة النظام على الاستمرار برعاية مؤسساته واستثماراته وتقديم الخدمات المطلوبة لمناصريه حتى أجل قد يقصر وقد يطول.
إقليمياً، هناك مصلحة متبادلة لدى العديد من دول الجوار في عدم حصول انهيار سياسي في دمشق وذهاب اﻷمور باتجاه حرب أهلية جديدة أو استعادة ﻷجواء العراق بعيد انهيار نظام صدام حسين، حيث تدفق المهجرون إلى دول الجوار وسط فوضى كبيرة. وتزيد هذا الحرص أوضاع الدول نفسها في ظل صعوبات اقتصادية متصاعدة وضعف اهتمام دولي، وليس هناك استعداد ﻷي منها لاستقبال موجات جديدة من المهجرين السوريين. ويلحظ ذلك مثلاً في التخوف التركي من وصول القوات الحكومية إلى مناطق إدلب وما بعدها، واحتمال كبير لنشوء موجات تهجير جديدة بسبب العمليات العسكرية… ومن هنا الحديث عن مصالحة مع دمشق.
سيناريوهات ما بعد التصريح الأميركي
لا يتحدث التصريح اﻷميركي عن انهيار سياسي سوري مرافق للانهيار الاقتصادي، ولا نظن أن عدم الربط هذا غير مقصود. فالخبرة اﻷميركية في التعاطي مع مسائل من هذا النوع كبيرة، ويقدّم التصريح السابق بياناً (ليس جديداً أبداً) عن طريقة التفكير اﻷميركية في تعاملها مع الدول “المارقة” على سياساتها (أو الفاشلة).
اﻷكثر احتمالاً لفهم التصريح اﻷميركي هو توقع الانهيار الاقتصادي السوري دون السياسي، أي أنّ الوضع الداخلي السوري سيستمر على حاله وعلى وضعه المتجه نحو الانهيار ما أمكن، مستغلاً التضييق على كل منافذ الحياة المحتملة للنظام. وهذا سيستغرق سنوات ربما، سيعيش فيها السوريون كافة صنوف الإذلال المزدوج. فالحكومة ومؤسساتها تعمل في مناطق نفوذها للمحافظة على بنية الدولة نفسها من الانهيار مع محاولة القيام بما يخفف عن الناس أعباء الحياة في الحدود الدنيا، والنظام يعمل على حماية نفسه من مرحلة قادمة غير واضحة المعالم بشأنه، على الرغم من وجود رغبات إقليمية في بقائه، وفي سبيل ذلك يزداد حذراً وتوجساً.
هذا السيناريو هو اﻷكثر احتمالاً كونه لا توجد تغيّرات ملحوظة في سلوك اﻷطراف المتصارعة على الكعكة السورية. ولكن السيناريو اﻷسوأ، هو سيناريو العدوان اﻷميركي على دمشق، وليس من المحتمل اللجوء اليه اﻵن في سوريا بسبب جملة من العوامل المحلية واﻹقليمية والدولية.
وانما من الممكن ضمن السيناريو السابق، وبعد صدور القانون المتعلق ب”الكبتاجون” وتحديد آليات تنفيذه، أن تقوم طائرات “التحالف الدولي” بقيادة واشنطن، باستهداف بعض المنشآت الاقتصادية والخدَمية في الداخل السوري بذريعة الاشتباه بتصنيعها المخدّرات أو اتّهامها بتسهيل تجارتها وعبورها إلى دول الجوار، ويعزز هذا الاحتمال ما تم تناقله مؤخراً عن نية واشنطن العودة إلى مدينة الرقة السورية.
من الممكن أيضاً أن تتولى إسرائيل هذه المهمة، بصفتها “متضررة” من التشبيك اﻹيراني ـ السوري في مسألة المخدرات كما تقول وسائل إعلامها منذ سنوات. ولكن حدود هذا التصعيد المحتمل تبقى مرهونة بالوجود الروسي في سوريا وردّة فعله، وإن كان مرجحاً أن روسيا لن تمانع طالما لا تقترب تل أبيب من مناطق نفوذها في البلاد.
السفير العربي
——————————–
تعريب الأسد..تدويل سوريا/ عمر قدور
تطبيع سعودي غير مشروط مع الأسد؛ هذا ما يُقرأ بين سطور البيان الصحافي المشترك الذي أعقب زيارة وزير خارجيته إلى الرياض، يوم الأربعاء الفائت. فالبيان لم يتطرق مثلاً إلى تنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بسوريا، ولا بإزالة أي سبب من أسباب تجميد عضوية الأسد إلى الجامعة العربية. بل، بخلاف ذلك كله، نص البيان على: “أهمية تعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب بكل أشكاله وتنظيماته وتعزيز التعاون بشأن مكافحة تهريب المخدرات والاتجار بها، وعلى ضرورة دعم مؤسسات الدولة السورية لبسط سيطرتها على أراضيها لإنهاء وجود الميليشيات المسلحة فيها والتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي السوري”.
فدعم “مؤسسات الدولة السورية” معناه، وفق ما هو معروف، دعم جيش الأسد ومخابراته، وفي التمهيد للتطبيع، سبق أن استقبلت الرياض مرتين على الأقل أحد أهم قادة مخابراته. الدعوة إلى إنهاء وجود المليشيات المسلحة تستهدف “قسد” والفصائل التي تحت النفوذ التركي، لتعود السيطرة التامة للأسد على جميع المناطق. وتستهدف تالياً، من وراء “قسد” والفصائل، الراعيَين الدوليَين، الولايات المتحدة وتركيا، إلا أن هذا بمثابة موقف رمزي لا تأثير له، فلا واشنطن ستصلها أصداء البيان، ولا أنقرة مستعدة للانسحاب طالما كانت هناك سيطرة لقسد شمال شرقي سوريا حسب تصريحات لوزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، أوردتها وكالة “الأناضول” يوم الجمعة.
يُذكر أنه في شباط 2012، بعد رفض الأسد المبادرة العربية، تم تعيين كوفي عنان موفداً مشتركاً من الجامعة العربية والأمم المتحدة، بموجب بيان تلاه آنذاك الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، وأمين عام الجامعة العربية نبيل العربي. غاية التذكير أن الجامعة العربية لم تكن بعيدة من الحدث السوري، وإعادة الأسد إليها بلا شروط فيها تنكّر للماضي القريب، أو انسحاب منه.
قد ينطوي الانسحاب من الشأن السوري على واقعية مفادها انعدام تأثير العرب في الميدان، خاصةً بعد استقرار تقسيم مناطق النفوذ على النحو الحالي. لكن هذه الواقعية السياسية لا تجانب فقط ما هو أخلاقي لجهة واجب جميع المؤسسات الإقليمية والدولية تجاه السوريين، بل تقفز أيضاً على قدرة الدول العربية “مجتمعة أو منفردة” على التأثير لدى دوائر صنع القرار الدولية.
من الشائع، على سبيل الاستهزاء، النظر إلى الحكام العرب كأدوات طيّعة لسياسات دول عظمى، أميركا تحديداً. وهذه فكرة غير دقيقة، ولا يلاحظ أصحابها المستجدات الإقليمية والدولية، ومنها مثلاً التنافس الخليجي في أروقة صنع القرار الأمريكي نفسه، أو هامش المناورة الخليجية بين واشنطن وموسكو وبكين. من السهل الجزم بأن معظم القادة العرب، وكثير من غير العرب أيضاً، يرضخ للاستراتيجيات الأميركية بخطوطها العريضة، مما لا يعني بالضرورة انعدام تأثيرهم. المشكلة، في حالتنا السورية، أن هذا التأثير سيذهب لصالح الأسد، وسيتلطى أصحابه خلف عودة الأخير إلى الجامعة العربية، رغم ارتباط عودته باستقالة الجامعة من الشأن السوري.
في الأيام الأخيرة، ظهر في وسائل التواصل الاجتماعي خاصة، استسهالُ معارضين سوريين الاستهانةَ بالتقارب السعودي مع الأسد، على نيّة إعادته إلى الجامعة العربية. ومع الاستهانة بالحكام العرب، عاد الكلام المكرور عن كونهم كلهم سواء، وعودة بشار إليهم تلائم طبيعتهم. تلك الأقوال تتجاهل أدوار عواصم عربية، سابقاً وحتى الآن، في الوصل بين هيئات معارضة وعواصم دولية، ومن مصلحة الأسد أن تكفّ عن ذلك، بصرف النظر عما يمكن قوله في المعارضة نفسها.
على صعيد متصل، من التبسيط والسذاجة معاً العودة مع كل خيبة إلى هجاء أولئك الحكام، الهجاءَ الذي يتكرر منذ عقود، والموروث بمعظمه من القوميين واليساريين. فضلاً عن أن هذه الأقوال تنكر على الأسد فرادته، إذ يصبح واحداً منهم على قدم المساواة، فإنها تجزم بأن السوريين في سعيهم إلى الحرية لم ولن ينالوا دعماً من الحكام العرب، بما أن الأخيرين ضد حرية شعوبهم أصلاً. وفق ما سبق، وهذا قول شائع أيضاً، تدخّل بعض العرب في الثورة بهدف إفسادها وقد فعلوا، وها هم بعد انتهاء المهمة بنجاح يعيدون صاحبهم إلى صفوفهم. بالطبع، لا يشرح هذا اللغو المعارض لماذا يُطلب من الحكام أن يكونوا على غير طبيعتهم في التعاطي مع السوريين، بما أنها محكمة لا فكاك منها!
في المنطق يلتقي الذين يستهينون بالمطلق بإعادة الأسد إلى الجامعة مع حكام عرب يريدون إعادته أيضاً تحت ستار العجز أمام مشيئة دولية تبقي عليه، ولا مفرّ من التطبيع معها قبل أن تكون معه. فهنا أيضاً تسليم عربي بالعجز، لكنه مقرون بفعلٍ قد يكون الأسوأ على قاعدة: تعريب الأسد وتدويل سوريا. إذ بموجبها يعود الأخير جزءاً من المنظومة العربية، في حين يُترك مصير السوريين للقوى الدولية والإقليمية الفاعلة في الميدان. ومن المفهوم أن هؤلاء الحكام غير مسموح لهم أخذ سوريا والأسد معاً على عاتقهم، لكنهم في المقابل غير مضطرين لأخذ الأسد وحده تحت عنوان “عودة سوريا إلى محيطها العربي واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي” حسبما جاء في البيان المشترك بين وزيري الخارجية.
ربما ينبغي ألا ننسى النقد الفولكلوري الموجَّه إلى الأنظمة العربية، ومفاده مخالفتها توجهات وتطلعات شعوبها، الاتهام الذي لا يصحّ للأسف في هذه الحالة، فموقف معظم الحكام العرب من الصراع السوري كان متقدماً على موقف معظم الشعوب العربية منه. ومن الأفضل عدم منح الأخيرة الأعذار المخفِّفة، لأن مواقف معظمها لم تكن بضغط من سلطات بلدها، ومواقف بعضها على الضد من السلطة التي كانت مؤيدة لثورة السوريين. والإقرار بهذا الواقع قد يكون أفضل لجهة فكّ السوريين ارتباطهم العاطفي-الأيديولوجي الموروث من حقبة البعث، لصالح التفكير بواقعية أكبر وتحرّي المصالح المشتركة الفعلية مع الجوار وفي الداخل.
بالعودة إلى حماس الرياض المستجد لإعادة الأسد إلى الجامعة العربية، فهو يكرر بأسلوب مختلف خطأ تخلي الجوار العربي عن العراقيين قبل حوالى عقدين؛ هذه المرة بترك الحل السوري والسوريين خارج سيطرة الأسد للتدويل، وبعدم القدرة على المنافسة ضمن مناطق سيطرته. قد تكون للمعارضة القطرية والتأني الأردني، وعدم الاندفاع المصري أيضاً، مدلولات تفوق بالجدية والعمق الدولي تعجّل الرياض، وهو ليس بالخبر السارّ لوهم تعريب الأسد حتى إذا كان في طليعة الذاهبين إلى مؤتمر قمة الرياض.
المدن
—————————–
مسار جديد أم عودة إلى حضن النظام السوري؟/ سميرة المسالمة
تعيدنا قراءة بيانات الدول التي تسعى إلى ردم فجوة القطيعة مع النظام السوري إلى القراءة نفسها لبيانات مسارات التفاوض المنشقّة عن مسار جنيف الأممي بين المعارضة والنظام، إذ جميعها تبرّر خطواتها الآنية بأنها “تسعى إلى حلّ سياسي للأزمة السورية، تحافظ من خلاله على وحدة سورية، وأمنها، واستقرارها، وتهيئ الظروف اللازمة لعودة اللاجئين والنازحين إلى مناطقهم”، ما يعني أننا أمام استمرارٍ للانشقاقات نفسها في مسارات التفاوض التي تهدف إلى الغايات نفسها، والتي انخرطت فيها كيانات المعارضة منذ عام 2017، في مسار أستانة ولاحقاً مسار سوتشي 2018، وجميعها تتغطّى بعباءة قرار مجلس الأمن 2254 الذي عجزت الأمم المتحدة عن إصدار أي خريطة طريق إلزامية له. فإذا كان هدف الدول التي تستعيد التقارب مع النظام السوري البحث عن حلٍّ وفق القرارات الدولية، فهي تضع نفسها من جديد أمام تعنّته ورفضه الذي استمر منذ المبادرة العربية 2011 مروراً ببيان جنيف 1 في 2012 وحتى ما بعد القرار 2254 الصادر عام 2015، ما يبدّد آمال البيانات في أعقاب اللقاءات السورية التركية، والسورية العربية، سواء الإماراتية أو المصرية والسعودية، بأن يكون لديها القدرة على تعويم القرار 2254 الأقسى على نظام الرئيس بشار الأسد، والذي بموجبه تساوى النظام والمعارضة أمام المجتمع الدولي، وألزم الطرفان بالبحث عن حل مشترك بينهما بالتراضي، في وقتٍ حمّل فيه القرار النظام مسؤولية تنفيذ بنود بناء الثقة التي لا تختلف في مضمونها عن مطالب الدول الراغبة في جسر الخلافات مع الأسد وإعادته إلى دائرة العمل العربي المشترك.
تتجاوز البيانات الختامية للقاءات الدولية المشتركة عادة موضوع الخبر وإيجاز ما جرى تداوله، لترتقي إلى أنها خريطة طريق غير تفصيلية بين الأطراف المجتمعة، وفيما يمكن السؤال عنه في البيانات العربية عن الآلية التي تمكّنها من العمل المشترك لتحقيق الحلّ السياسي، بعد أن عجز المجتمع الدولي عن الإسهام بقطع خطواتٍ جادّةٍ باتجاهه، خلال الأعوام العشرة السابقة من عمر القرارات الدولية، وعن المتغيّر الجديد في قدرات هذه الدول، أو جامعة الدول العربية، لتنفيذ مبادرتها التي تسعى إلى مكافحة الإرهاب بأشكاله كافّة، مع التذكير أن هذا “الإرهاب” هو وليد ظروف الفوضى التي أحدثتها حرب النظام على الشعب السوري، وفتح معتقلاته لخروج رؤوس إرهابية منها، ووليد فتح الجهات الإقليمية الحدود السورية.
جاء الاستعجال الشعبي السوري على الحكم على المبادرة العربية تجاه النظام السوري على خلفية الآمال المعقودة على الدول العربية، وتركيا، في ممارسة ضغط دولي تلزم فيه الدولتان الأكثر تأثيراً في الملف السوري، روسيا والولايات المتحدة، في وضع حدّ للصراع في سورية وإلزام النظام تنفيذ القرار 2254، على النحو الذي لا يأخذ القضية السورية إلى طي صفحة 12 عاماً من الجرائم التي ارتُكبت بحقّ الشعب السوري، والتعامي عن تضحياتٍ كبرى من أجل تحرّره من نظام أمني وراثي، وقمعي.
ورغم أن مضمون بيان جدّة عن اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق يضع عراقيل التطبيع أكثر مما يرمّم جسوره، إذ إن أي دراسةٍ لأسباب القطيعة، بالتوازي مع أسباب العودة عنها، لن تؤدّي إلى تهادن أقلّ مما ذُكر، عن مطالب هذه الدول من نظام الأسد، والتي لا يستطيع تنفيذها أو حتى إعلان قبوله بها كاملة، ما استوجب على إعلامه تجاهل أهم بنودها، إنهاء وجود المليشيات المسلحة فيها، والتدخلات الأجنبية في الشأن السوري ومكافحة تهريب المخدّرات والاتّجار بها، ما يعني أن عدم الإعلان عنها بمثابة رفضها، أو القول صراحة إنها مطالب فوق قدرة النظام واستطاعته، وهذا يمهّد لنتيجة فشل مسار المبادرة العربية (إن صحّ تسميتها مبادرة وليس مصالحة) قبل أن تبدأ.
دور قيادي عربي في الجهود الرامية لإنهاء الصراع في سورية ضرورة ملحّة، بل واجب على كل الدول، بما تمثله سورية (البلد والشعب معاً)، لكن هذه الضرورة لا يصحّ أن تكون وليدة لحظة القرار بالتطبيع مع النظام، وفق مصالح قُطرية ضيقة، ربما على السوريين تفهمها من باب أن الدول ليست جمعياتٍ خيرية، وأن للتفكير بمراجعة المواقف أو الانقلاب عليها مبرّراته التي يفرضها واقع التحالفات الدولية الجديدة بعيداً عن المواقف الإنسانية، وبُعدها العربي العام، أي الإحساس بمسؤوليتهم تجاه مؤسّسات الدولة السورية ومهامّها. وهذا لا يعني أن الدول التي قاطعت النظام، ومستمرّة في مقاطعته، للأسباب التي لم تتغيّر عند اتخاذ قرار المقاطعة، أنها لا تقوم بدورها القيادي للحلّ في سورية، لأن “الأزمة” في سورية لم تنشأ نتيجة التقارب أو العلاقات الحميمة مع الدول العربية والدول الإقليمية، أو بسبب خلافات النظام مع جيرانه، بل كانت القطيعة بسبب استخدام النظام العنف ضد الشعب السوري، وتعنّته ورفضه أي مبادراتٍ عربيةٍ أو إقليميةٍ أو دولية، من شأنها أن تحقّق أي مطلبٍ شعبيٍّ يحدّ من سلطته وتسلّطه، وهو ما يمكن قراءته من تجاهل النظام سابقاً ولاحقاً أي مطلبٍ ينال من مكاسبه الاقتصادية أو من هيبة داعميه ووجودهم في سورية.
منذ تصاعد العنف في سورية، والحديث عن حلّ سياسي ممرّاً وحيداً لإنهاء الأزمة مقدّمة وخاتمة لكل البيانات، حتى الحربية منها، ما يجعل السؤال عن ماهية هذا الحل إن لم يكن يعني، فيما يعنيه، فقط الاستسلام للنظام بواقعه الحالي، سواء الحديث عن استسلام المعارضة والشعب، أو استسلام الدول المطبّعة لأدوار النظام من حليفٍ غير آمن إلى تاجر مخدّرات غير مكترث، وما بينهم من صفاتٍ كثيرة خبروها خلال حربه الظالمة على الشعب السوري.
العربي الجديد
————————–
عندما لا يعوّم لقاء جدة النظام السوري/ عمار ديوب
أكّد وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق أنّ الحل السياسي هو الوحيد للأزمة في سورية، كما جاء في بيان لقاء جدّة في ليلة يوم الجمعة، 14/4/2023. عُقِدت الجلسة لمناقشة عودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، وكان وزير خارجية النظام قد زار السعودية قبل يومين من الاجتماع، لمناقشة هذه القضية. ويقول الردّ العربي أعلاه، بوضوحٍ شديد: لا إمكانية لعودة حقيقية للنظام إلى الجامعة قبل الحل السياسي. وبدا هذا القول أنه جاء على خلفية موقفٍ مصريٍّ، أكّده وزير الخارجية سامح شكري، حينما زار نظيره السوري، فيصل المقداد، القاهرة، قبل أيام، حيث قال إن قرار مجلس الأمن 2254 هو أساس حلّ الأزمة في سورية وللتطبيع مع النظام. واستبقت تقارير صحافية اجتماع جدة، بالقول بوجود خمس دول عربية ترفض عودة النظام إلى الجامعة قبل الحل السياسي.
تترافق المواقف هذه مع رفضٍ أميركي وأوروبي للتطبيع الكامل مع النظام قبل تطبيق القرار 2254. وأيضاً، صدر عن روسيا وتركيا رفضاً لشروط وضعها النظام، قبل اللقاء الرباعي في موسكو في أول الشهر المقبل (مايو/ أيار). وبالتالي، كل أشكال التطبيع الأولي، مع النظام، ونقصد الإمارات والسعودية وتركيا والأردن ومصر بالتحديد، ليست في وارد التقدم فيها قبل الانتقال إلى الحلّ السياسي. المقصد هنا أنّ مواقف النظام المنطلقة من رؤية إيرانية، تهميش الحلّ السياسي، أو التأجيل فيه في سورية، ريثما تتغيّر المواقف الدولية، ويتضح أفق التقارب بين إيران والسعودية، ليس مدخلاً سليماً لعودة النظام إلى الجامعة، أو للتطبيع الكامل. هناك تقارير عن مفاوضات بين الأميركان ووفد من النظام السوري في عمّان، ويشترط وفد النظام إخراج القوات الأميركية، قبل إطلاق سراح معتقلين أميركيين في سجونه، وأيضاً رفضها الأميركان، وأكّدوا الحل السياسي مدخلاً للحلّ، ولخروج القوات الأميركية.
تقول المعلومات أعلاه إنّ النظام وصل إلى الحائط المسدود، ولن يُعوّم عربياً وإقليمياً، وربما فقط سيحقّق علاقات دبلوماسية أوليّة. كان بيان جدّة واضحاً للغاية، بأنّ الحلّ السياسي هو المدخل الوحيد لبقية الحلول؛ الاقتصادية، وعودة اللاجئين، ولإعادة الإعمار، وللتطبيع الكامل. .. إذاً، ما كرّرته أميركا وأوروبا والمعارضة السورية، ولسنوات طويلة، أعلنه لقاء جدّة بشكلٍ جماعيٍّ.
ماذا سيفعل النظام، وقد اقتربت إيران من السعودية؟ يتركّز مسار التقارب هذا في اليمن. والآن، أصبح بعد لقاء جدّة يقتضي التسارع به في سورية، فهل توافق إيران على الحل السياسي في سورية، وهل سيكون لقاء موسكو المقبل مناسبة لتدارس موضوع الحلّ السياسي، وليس فقط مسألة التطبيع بين تركيا والنظام؟ يبدو أن رفض تركيا شروط النظام، كما صرّح وزير خارجيتها، مولود جاووش أوغلو، أخيراً، يصبُّ في إطار أن الحل السياسي هو المدخل للتطبيع مع النظام، ولعودة اللاجئين، وربما لمناقشة كل مشكلات الوضع السوري، بما فيه الوجودان الإيراني والأميركي.
تأتي المواقف أعلاه بسياق جديد في المنطقة، يؤكّد ضرورة التوافق بين دولها على إدارة المشكلات، وتصفيرها كذلك، وهذا لا يمكن الوصول إليه، قبل المباشرة في الحلول السياسية في اليمن وسورية ولبنان وليبيا. لن تتراجع أجواء التقارب في المنطقة، وهي ضرورية بسبب أزمات الدول الإقليمية كذلك. وكما رَفضت تركيا اشتراطات النظام، لن يسير التطبيع مع الدول العربية من دون المباشرة في تحقيق بيان جدّة، وليس تدوير الزوايا واستهلاك الوقت في زيارات مكوكية لوفود النظام إلى عمّان والقاهرة والسعودية وأبوظبي وموسكو.
الآن، بغضّ النظر عن عودة النظام إلى جامعة الدول العربية في قمة الرياض، أو لا، فإن البند الأول في لقاء الجامعة، إن تمّت العودة، سيكون بخصوص الحل السياسي في سورية. النظام، الذي اعتقد أن الحل السياسي أصبح خلف ظهره، سيراه أمامه في أي اجتماع، كما يبدو، في الرياض أو موسكو وسواهما. تؤكّد القرارات الدولية، وأهمها القرار 2254، أن الحلّ السياسي هو المدخل للأزمة السورية، وهذا أكثر ما يخيف النظام، فهو غير قابل للإصلاح، وبنيته رفضت ذلك منذ 2011، ولكن السير بعلاقاتٍ قوية بين السعودية وإيران، وموسكو وأنقرة لا يمكنها الاستمرار بلقاءات أستانة مثلاً، أو تجاهل الحل السياسي، فهل اقترب هذا الحل؟
يستطيع النظام أن يتلكّأ، وأن تناور إيران في اليمن في الوقت الراهن. ولقاء جدّة إعلان عربي واضح، إلى كل من الصين وروسيا وأميركا وأوروبا وتركيا وإيران، أن لا إمكانية لتعويم النظام السوري قبل البدء بالحل السياسي. كان لقاء جدّة واضحاً بأن الأزمات السورية غير قابلة للحل قبل الحل السياسي. إذاً، انتهت أوهام النظام وإيران، أن السعودية والدول المجتمعة في جدّة قد تسعى لحل مشكلة اليمن أولاً، والبدء بعلاقات اقتصادية ودبلوماسية مع سورية، ولاحقاً العلاقات السياسية الكاملة. لا. هذا باب أُغلقَ. سوريّاً، صدرت بياناتٌ من الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة، ومن لجنة التفاوض، أصرّت على الحل السياسي، وكذلك خرجت مظاهراتٌ واسعة في “المحرّر” أكدت ذلك، ورفض التطبيع. والاستنتاج هنا أنّ هناك إصراراً تركياً، وعربياً، على أن لا تطبيع قبل ذلك الحل.
إذا كان النظام قادراً على الاستمرار بالتأجيل واللفّ والدوران من قبل، فإنّ التقارب الإيراني السعودي ونتائج لقاء جدّة، والرفض التركي للاشتراطات المسبقة، والإصرار الأميركي على عدم التطبيع قبل الحل السياسي، تقول له إنّه لا إمكانية للتعويم، والخيار الوحيد هو القرار 2254. فهل تعطي المعارضة السورية أهمية كبرى لهذه النتائج؛ البيانات السابقة، والمظاهرات تقول بصحّة هذه المواقف. والآن، هل تطوّر الدول العربية فكرتها عن الحلّ السياسي، وعن دورٍ قياديٍّ، وتضع آلياتٍ واضحة للدور القيادي هذا، وتوحّد الجهود من أجل الحلّ السياسي، وهو ما تضمنّه بيان جدّة؟
أصبحت اللقاءات التي كان يجريها النظام السوري مع هذه الدولة أو تلك تنطلق، مستقبلاً، مما ورد في لقاء جدّة إذاً. هذا يعني دفعة كبيرة إلى الأمام باتجاه حل المشكلة السورية. لم تعد خبرات النظام السوري في التأجيل في مصلحته، في ظل المتغيّرات الدولية والعربية والإقليمية، وهناك حاجة روسيا المأزومة في حربها بأوكرانيا إلى تركيا. وبالتالي، أصبحت خياراتُه ضيّقة للغاية، فهل يوضع الحلّ السياسي قريباً على طاولة التفاوض. هذا هو الأمل بالعمل.
العربي الجديد
—————–
سوريا تتقدم لبنان في الإتفاق السعودي الإيراني:ماذا عن فرنجية؟/ منير الربيع
لا تزال المنطقة ومن ضمنها لبنان تنتظر آفاق وتداعيات الإتفاق السعودي الإيراني. من الواضح أن وتيرة الإتفاق سريعة، خصوصاً بالنظر إلى ما يجرى في اليمن، والتطورات المتسارعة التي يشهدها الملف السوري على الرغم من عدم الوصول حتى الآن إلى اتفاق على دعوة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى القمة العربية في الرياض.
سوريا مقابل اليمن
وما هو لافت للإنتباه،ً أنه بعيد الإعلان عن الإتفاق السعودي الإيراني تسارعت وتيرة التحركات الأميركية باتجاه السعودية من خلال زيارات متعددة ولقاءات جرى خلالها البحث في ملفات كثيرة، أبرزها إضافة إلى الإتفاق، دخول الأميركيين على خطّ لجم الإندفاعة باتجاه دمشق.
كان لبنان يفترض أنه سيكون ثاني الملفات على سلّم الأولويات الإيرانية السعودية. أي أن البحث في تفاصيله سيأتي بعد ملف اليمن، إلا أن ما ظهر هو العكس من خلال تركيز الإهتمام بالملف السوري، لا سيما أن الإيرانيين سعوا بكل جهدهم إلى تطوير التواصل السعودي السوري ورفعه إلى المستوى السياسي بعد الأمني، وهذا ما اجتمع عليه الإيرانيون مع الروس والصينيين. يعني ذلك أن لبنان لم يكن مقابلاً لملف اليمن، إنما سوريا هي المقابل.
وفي السياق، لا بد من تسجيل ملاحظة أساسية تتعلق بمدى إمكانية تطبيق هذا الإتفاق واستمراره، والتساؤل المشروع حول موانع كثيرة قد تحول دون تطبيقه، أو تؤدي إلى تخريبه. وهذا احتمال قائم من البوابتين الأميركية والاسرائيلية.
الإنعكاس على لبنان
ولكن في حال سلك الإتفاق طريقه إلى التطبيق، فكيف سيكون انعكاسه على لبنان عندما يحين وقته؟ حتى الآن لا يزال الموقف السعودي على حاله إزاء المواصفات المطروحة وهو ما جرى إبلاغه للفرنسيين مجدداً الأسبوع الفائت. وقد كان التعاطي السعودي مع الملفين السوري واللبناني متشابهاً لجهة فرض الشروط الواجب تطبيقها للبحث في سبيل إعادة العلاقات والإستثمار أو تقديم المساعدات. وصحيح أن الشروط السعودية للأسد والتي كشفتها المدن قبل فترة، لا تزال على حالها وقد وردت في البيان المشترك بعد لقاء وزيري خارجية البلدين، وكذلك وردت في بيان اجتماع وزراء الخارجية العرب الذين اجتمعوا في الرياض، إلا أن اللهجة تغيّرت. إذ لم يذكر البيانان القرار الدولي 2254، فيما اختارا عبارة الحلّ السياسي والتسوية.
المسار السعودي-السوري
كذلك، فإن المسار السعودي السوري تسارع من خلال زيارة وزير خارجية دمشق فيصل المقداد إلى المملكة، ويأتي ذلك قبل الوصول إلى تحقيق أي من هذه الشروط، باستثناء المعلومات التي تتحدث عن إجراءات اتخذتها سوريا تتعلق بتهريب المخدرات. إنطلاقاً من هذا المسار، يبقى السؤال الأساسي عما إذا كان الإنفتاح سيبقى في سياقه السياسي والبروتوكولي من دون الإنتقال إلى مرحلة تطبيقية. وهو ما لا يمكن لأحد توقعه حتى الآن. أي أن تكون عودة فقط لأجل العودة بدون مفاعيل سياسية، فتخفف السعودية بذلك التوتر فقط، من دون الوصول إلى نتائج عملانية بما يتعلق بالشروط التي تضعها. خصوصاً ان النظام السوري هو صاحب الخبرة الأكثر في التهرب من الإلتزامات وعدم الإيفاء بها.
تعويم من دون محاسبة؟
نقطة ضعف أساسية أخرى، تتعلق بأي محاولة لتعويم النظام، وهي الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب السوري، وعملية التهجير الممنهج التي اعتمدها في سبيل إحداث التغيير الديمغرافي، وبالتالي أي تطبيع معه بدون محاسبة سياسية أو تقديم ثمن كبير فهذا يعني “مباركة” لما قام به، ومكافأة للجهات التي دعمته ورعته. وهذا بحال حصل يتعارض مع التصور الذي يُبنى حول السعودية باعتبارها تريد أن تكون صاحبة القرار العربي أو قائدة المنطقة، علماً أن ذلك لا بد من توفر مقوماته والتي تقتضي التوازن وليس تغليب طرف على آخر، كما سيحصل بموجب أي تعويم للنظام في دمشق.
هل تتراجع السعودية عن موقفها؟
لا يمكن إغفال إشكالية أساسية تحتاج إلى حلّ طلاسمها أيضاً، وهي أن السعودية تريد حلّ الأزمة اليمينة إنطلاقاً من دوافع الأمن القومي السعودي للتفرغ للإستثمار والشؤون الداخلية. وهذا ما يتطابق مع السعي إلى دمشق لوقف تهريب المخدرات وضبط الحدود، وهو أيضاً ما ينطبق على لبنان فقط. وبالتالي هل يكون الإهتمام السعودي بلبنان وسوريا ينطلق من هذا الهدف لا غير؟ ما يعني عدم تطابق ذلك مع أي اهداف سياسية.
بالإرتكاز إلى وجهة النظر هذه ثمة من يراهن في لبنان على عدم استمرار السعودية على شروطها الواضحة أو على المواصفات المطروحة حول الإستحقاق الرئاسي والتي حتى الآن تعيق وصول سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية على الرغم من تمسك حلفائه به وسعي موسكو وباريس إلى التسويق له.
هنا لا بد من ترقب الموقف الأميركي الذي لا بد أنه سيضع محددات واضحة حيال الوضعين في سوريا ولبنان.
المدن
——————————
حمّى الاقتراب من الأسد/ فاطمة ياسين
ازدادت اتصالات نظام بشار الأسد مع المحيط العربي بشكل محموم، مع قرب موعد انعقاد مؤتمر القمة العربي في الرياض، وانتشرت حمّى الاقتراب من النظام بين المسؤولين العرب، وبشكل متزامن، فتابعنا وزراء خارجية يزورون دمشق واتفاقيات إعادة علاقات، حتى امتلأت مفكّرة الوزير السوري، فيصل المقداد، بالمواعيد، ووجدت وزارة الخارجية السورية ما تفعله حيال ركود استمرّ أكثر من عقد، بعد أن كان الوزير السابق، وليد المعلم، يكيل التهديدات والوعيد إلى كل دول العالم، ولم يستثنِ التي تتحدث اليوم عن التطبيع. لا يبدو الأمر كأنه وليد هذه اللحظة، فالتحضير كان طويلا وشاقّا، وربما قادته روسيا، في وقت من الأوقات، تحت عناوين إعادة الإعمار. وقد تواصلت، وعلى مستويات عالية، مع قادة دول خليجية في الفترة ما قبل الحرب الأوكرانية، ولكن الولايات المتحدة كانت حينها حازمةً في الوقوف في وجه هذه المحاولات، من باب إحباط الخطط الروسية لإحداث اختراقاتٍ في الخليج العربي، وقد كانت لدى بعض الدول الخليجية أولويات أخرى. ويبدو أن الانحسار الظاهري للولايات المتحدة في الشرق الأوسط لصالح دور أهم لها في بحر الصين والتصدّي لأكبر تحدٍّ يمكن أن يواجه أميركا في الفترة المقبلة، جعل دول المنطقة تتجاوز بعض الخطوط مع الولايات المتحدة، كاتفاقيات خفض إنتاج النفط، وأيضا الاقتراب أكثر من النظام الذي تعدّه أميركا ساقطا، وتحث على مقاطعته، وتصدر التشريعات المتلاحقة لعزله تمهيدا لإسقاطه نهائيا.
بعد غزو أوكرانيا، توقفت المحاولات الروسية عن تسويق النظام، وتفرّغت للاهتمام بإدارة حربها العسكرية على الجبهات، وحربها السياسية مع أميركا وحرب الطاقة مع أوروبا. وأوجد هذا الانشغال الروسي ميدانا فارغا للصين لبداية نشاط سياسي دولي. وما زاد من الفرصة هو الإحجام الأميركي، فنشطت الصين، وأنتجت تقاربا بين قطبين هامين في المنطقة، السعودية وإيران. ومن المنطقي أن تنعكس عن هذا التقارب تأثيراتٌ كثيرة في اليمن وسورية ولبنان، وهي ميادين لكل من السعودية وإيران نفوذ كبير فيها، حيث يمكنهما أن يؤثّرا على مراكز اتخاذ القرار هناك. وظهر التأثر الأولي بهذا التقارب في سورية، مع بدء محاولات دمج النظام في محيطه من خلال تصريحات مسؤولي الدرجة الثانية في السعودية، بداية، ثم ارتفاع مستوى هذه التصريحات، إلى أن وصل إلى درجة استقبال وزير الخارجية السوري في مطار الرياض. سبقت ذلك، وفي وقت مبكّر قبل سنوات، محاولاتٌ إماراتية لم تجد صدى لها. ولكن مع ظهور الاهتمام السعودي والحماس المصري، صار الأمر يبدو حقيقيا أكثر، وبدأ النظام يشعر بأنه قريبٌ جدا من الجلوس مرة أخرى في مقعده القديم في جامعة الدول العربية.
تبدو السعودية راغبة في دورٍ أكبر في المنطقة، ولعل قيادتها الجديدة ترغب في لعب الدور الأول، وهو أمرٌ يتطلب حل عقباتٍ كثيرة مع دول الجوار العربي والإقليم كله، فهناك تركيا وإيران ومصر. وقد شهدت الدبلوماسية السعودية نشاطا على جبهة هذه الدول، وتحسّنت العلاقات بشكل مضطرد، وتعزّز ما كان منها جيدا في الأصل. وخلال محاولة احتلال الدور الأول، تم القفز فوق المشكلات الثنائية، وبقيت الشؤون الداخلية للدول التي ما زالت عالقة في تبعات الربيع العربي، وشكّلت أسواقا يمكن أن يجد فيها من يرغب في لعب الدور القيادي الأول ميدانا مناسبا. وبما يشبه الخروج من تحت الثوب الأميركي، عقدت السعودية اتفاقيات خاصة مع الصين، عرّابة إعادة علاقاتها مع إيران.
فيما يخصّ تنظيم البيت العربي، تعتقد السعودية أن إعادة سورية إليه سيعزّز مكانتها بوصفها لاعبا رئيسيا، ولكن تبنّي وجهة نظر النظام بأن دول الجوار هي سبب استمرار المعاناة السورية لن يفيد في حل المشكلة، لأن الحرب في سورية تتعلق ببنية النظام نفسه، والحقيقة أن “القيادي الأول” يجب أن يدفع في تغيير هذه البنية، ليتغيّر كل شيء بعدها.
العربي الجديد
————————–
كيف ستردّ المعارضة السورية حين تُدعى للتطبيع مع النظام؟/ عبدالناصر العايد
لم يتصاعد الدخان الأبيض من اجتماع دول مجلس التعاون الخليجي وبعض الدولة العربية في جدّة، بخصوص عودة نظام الأسد إلى الجامعة العربية، لكن يبدو أن ضغوطاً شديدة تُمارس على الأطراف التي ما زالت تُمانع وترفض إعادته، ما يرجّح أن يتم الأمر في النهاية. والتطبيع السعودي كاف بمفرده على كل حال، فهو من حيث المفاعيل يعادل تطبيعاً شاملاً، وبقي أن تُدعى المعارضة السورية، التي ما زالت خارج العملية حتى الآن، للانخراط في اللعبة، فما عساه يكون موقفها؟
من المؤكد أن لدى الدول المُطبّعة، وعلى رأسها السعودية، فئة من المعارضين السوريين، تأتمر بأمرها مسبقاً، لا سيما من المقيمين على أراضيها، وهؤلاء سيتم إبلاغهم بالقرارات مقرونة بتعليمات تنفيذية لما يتوجب عليهم القيام به من دون مناقشة أو مراجعة. وهؤلاء، عدا عن ارتباط قيمتهم السياسية باصطفاء الرياض وغيرها من العواصم لهم، فإنهم يعتقدون بأن مصالحهم تتمتع بأعلى ضمان ممكن بسبب تبنّي هذا الطرف القوي لهم. ومن نافل القول إنهم لا يكترثون للرأي العام السوري، فهو لم ولن يدفع رواتبهم، ولن يعينهم في المواقع التي رفعوا إليها، وسلوكهم اللاحق في ما لو تم زجهم في مصالحة مع النظام لن يتأثر حتى بشروط النظام وتعليماته، وسيتعاملون مع الوضع على أنهم مجرد موفدين لتمثيل سياسة الطرف الذي يتبناهم.
الجزء الثاني، هم الفئة والشخصيات التي انزلقت مواقفها طوال السنوات السابقة من موضع إلى موضع، بحثاً عن دور، وهؤلاء سيسارعون لتقديم أوراق اعتمادهم للطرف العربي على أمل إلحاقهم بقطار العملية السياسية. وفي إطار منافستهم للمحظيين السابقين، سيقدمون تنازلات كبيرة ورضوخاً كاملاً لما يطلبه “الماستر”، أو موزع الأدوار الجديد، وسلوكهم اللاحق سيكون خطيراً، إذ يجب أن تتوقع من الانتهازي السياسي أي خيانة يمكن تصورها.
وهناك فئة ثالثة في المعارضة السورية لن تقبَل حتى تُدعى، فإن عُرض عليها دور مع بعض الاحترام الشكلي، ستوافق. وإن عُرضت عليها مكاسب ما، ستنخرط بجدية. أهمية هذه الفئة تأتي من كونها تمثل فئات سكانية أو اجتماعية لها وزنها، مثل ممثلي بعض الطوائف والقبائل والإثنيات، وسلوك هذه الفئة لاحقاً سيكون مستقراً نسبياً بسبب التوازن في العلاقة، التي تستند إلى رأس مال حقيقي نوعاً ما، ومكاسب معقولة من جهة أخرى.
الفئة الرابعة هي من سيُعرض عليها الانخراط وترفضه، وهؤلاء خليط ممن يقيمون وزناً للرأي العام، ومن الآملين في نهاية أفضل لمسارهم السياسي. وهؤلاء يدركون أنهم عرضة للتهميش والإقصاء من المشهد، لكنهم سيشاغبون بكل قواهم للبقاء في صلبه. سلوكهم اللاحق سيتمثل في البحث عن حلفاء جدد وبدائل يواجهون بها الوضع المستجد، وهم لن يجدوا غضاضة في اللجوء إلى إثارة العنف إن استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.
وهناك السياسيون، وهذه فئة من المعارضة تمرنت خلال السنوات الماضية على العمل السياسي الحقيقي وفهمت بعض أبجدياته الأساسية، وبعضهم يمتلك مهارات معينة فيه. وهي ترى أن ظاهرة التطبيع هي مجرد “حالة” من حالات العمل السياسي، يتم التعامل معها مبدئياً وفق ميزان المغانم والمغارم، وموقفها هو خليط من الرغبة في السلطة، والبحث عن الحلفاء وتنويعهم، وتنمية موقف شعبي داعم. لكنها لا تغفل أبداً عن بناء موضع القوة في حالة مثل الحالة السورية، وهي الاستقلالية النسبية من أجل الاستمرار في ظل العواصف والتقلبات التي تشهدها منطقتنا، وردّ فعلها على التطبيع سيكون الانخراط مع الوقاية، أو خُذ وطالِب.
أما الفلاسفة، فهؤلاء فئة من السوريين المنغمسين في العمل السياسي على خلفيات مبدئية أو ايمانية، تقول إن الحرب ستُحسم في النهاية لصالح الشعوب المغلوبة على أمرها، أو أن “العُقبى للمتّقين”، أو أن الديموقراطية قدر محتوم، وأن التاريخ يسير في مسار تقدمي، حتى لو تراجع وانتكس في محطة هنا أو هناك. وهؤلاء لن ينخرطوا أو يقبلوا بالتنازل عما ينادون به حتى النهاية، ولن يدعوهم أحد لتسوية أو تفاهم بسبب وضوح موقفهم، الذي لا يشمل نظام الأسد وحده، بل الأطراف التي تحاول تعويمه وتسويقه عبر مبادرة التطبيع العربي.
أما الشعب السوري، قطب الرحى الذي تدور حوله الدوائر، فإنه منسيّ عن قصد وعمد، وهو لن يمتلك صوته وقادته الحقيقيين، ولن يكون طرفاً في ما يُحاك له، طالما أن الانتخابات الحرة لم يتم التطرق إليها من قريب أو من بعيد، مع أن تلك الانتخابات ستكون المَخرج الوحيد والنهائي للاضطراب الذي لن يهدأ، ليس في سوريا فحسب، بل في عموم الشرق الأوسط الذي تتحفز مجتمعاته لقفزة تاريخية تجري محاولات استباقها من طريق تصفير المشاكل بين أنظمته.
المدن
————————–
الانفجار السوداني والتطبيع العربي مع سوريا/ إبراهيم حميدي
الأحداث الأخيرة في السودان، تحديد إضافي للهوامش السورية. خلال العقد الأخير، جرى تداول كثير من السيناريوهات العربية والعالمية لمآلات سوريا، واختبار جراحات كثيرة لجروح السوريين. انهار خيار بعد الآخر، وتعمق جرح بعد آخر.
طُويت سيناريوهات “الانتقال السلمي” السلس بعباءة الساحات والهتافات في 2011. وانهارت رهانات التغيير من “داخل النظام” ومن “الرأس” أو “الانقلاب العسكري الأبيض” في 2012. واحترقت صفحة “النموذج العراقي” بتدخل أميركي مباشر، وخسر المراهنون على “السيناريو الليبي” بقيادة أميركية من الخلف بعد انهياره في مسقطه، وتراجع الرئيس باراك أوباما عن الخيار العسكري نهاية 2013.
أعاد التدخل العسكري الروسي في 2015، لدمشق الأطراف الخارجة من بين أصابعها، وبقيت الأمصار السورية متشظية في جيوب سيطرة، وانحدرت البلاد إلى “دويلات” صغيرة فيها جيوش أجنبية ومناطق حظر جوي ونفوذ جغرافي بدعم خارجي. فيها عسكر ومدنيون، فيها مركز وأطراف، فيها جيش مركزي وميليشيات محلية أو مستوردة، فيها حكومة معترف بها أممياً وإدارات مقبولة محلياً، فيها نازحون، وخرج منها لاجئون. هنا خراب ودمار وظلام ومعاناة، وهناك “أثرياء حرب” وحياة طبيعية.
ووسط الانسداد، في الأروقة الدبلوماسية هناك من تجرأ وطرح خياراً رغبوياً قد لا يكون واقعياً، بنسخ سيناريو “سودنة سوريا”، أي تشكيل مجلس سيادي يضم العسكر من جيش وميليشيات، والمدنيين ومن وراءهم ورعاتهم، لإدارة مرحلة انتقالية تهيئ لانتخابات، والولوج إلى حكم مدني، يجمع البلاد والعباد.
في الساعات الأخيرة، طُعن هذا الحل المشتهى من البعض والمرفوض من آخرين، على وقع الصدامات والغارات والضربات في الشوارع السودانية. الرهان وصل إلى جدار، كان وصل إليه “النموذج التونسي” ونماذج أخرى، تفاعلت الأحداث فيها بحكم تطورات داخلية وحسابات جيوسياسية.
لا شك أن النهاية السودانية، تعزز بالنسبة إلى سوريا خياراً كان موجوداً في الأصل على الطاولة العربية، وهو الانفتاح على دمشق وتعزيز “الدولة السورية”، لأسباب داخلية وخارجية. كل المؤشرات والمعلومات تشير إلى قناعة رسمية بضرورة عودة سوريا إلى المحيط العربي، سواء عبر استئناف العلاقات الثنائية أو العودة إلى الجامعة العربية. الخلاف حول سرعة حصول ذلك وشروط تحقيقه.
هذا ما كشفته الاتصالات العربية الأخيرة، وكان آخرها الاجتماع الوزاري لمجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق في جدة ليل الجمعة- السبت، استعداداً للقمة العربية المقررة في السعودية الشهر المقبل.
قطار التطبيع العربي انطلق في مرحلة جديدة. وجهته معروفة. محطاته محددة. الخلاف حول السرعة وما يحمله القطار من مسافرين واحتياجات عربية وسورية. هناك قبول عربي بالأمر الواقع في سوريا. النظام موجود. الحكومة موجودة. جيوسياسيا، يعتبر البعض، تقويتها ضرورية كي تكون قادرة على الحد من التموضع العسكري الإيراني وتشكيل “جبهة شمالية” أمام المد التركي. تعزيز المؤسسات السورية، مهم لاستعادة السيطرة ووقف سيطرة الميليشيات والإرهابيين وضبط الحدود وتفكيك شبكات المخدرات تهريبا وتصنيعا.
أما القرار الدولي 2254، فلم يعد هناك حديث عربي عن بند “الانتقال السياسي” فيه، إلا في سياق الإيحاء بالاهتمام بالوساطة الأممية والحل السياسي.
المطروح فقط، توفير الظروف الضرورية لعودة اللاجئين من الخارج والنازحين في الداخل إلى بيوتهم وتوفير لوازم البنية التحتية للعودة، والدعم والمساعدات الإنسانية للمحتاجين. هذه هي العناصر المطلوبة عربيا في القرار 2254.
هل يقدم العرب “إغراءات مسبقة” كي تنفذ دمشق المطلوب منها، أم تقوم دمشق بتنفيذ “شروط مسبقة”، كي ينتقل التطبيع العربي من ثنائي إلى جماعي؟
هذا هو السؤال العربي. ليس هناك جواب موحد عليه. لذلك، فإن الأمر أُحيل إلى مزيد من “المشاورات العربية” إلى حين إنضاج الظروف أو نضوجها. وحتى ذلك الحين، فإن المسار المطروح هو التطبيع الثنائي مع استمرار المساعي الجماعية. كل دولة تطور علاقاتها مع دمشق. حالياً، هذا المسار مريح للدول العربية. يعفيها حتى من ضرورات “ماء الوجه” ويعطي كل دولة فرصة كي تحصل من دمشق على ما هو مهم لمصالحها. كما أنه مريح لدمشق حيث يعفيها من تقديم تنازلات حتى لو كانت شكلية، ويعطيها فرصة كل تلعب بين التنافسات العربية.
هذا المسار، يسمح لدمشق كي تلعب بين مسارين: التطبيع العربي والتقارب التركي، كما أنها تلعب بين الحليفين الروسي والإيراني. لذلك، لم تكن صدفة، أنه بالتزامن مع تصاعد خطوات التطبيع العربية، تشددت دمشق في شروطها إزاء انتقال الاتصالات مع أنقرة من البعد الأمني إلى المستوى السياسي والموافقة على عقد اجتماع وزاري سوري- تركي– روسي– إيراني في موسكو، في الثاني من مايو/أيار، رغم ضغوط موسكو. هذا ما تريده دول عربية، على الأقل هذا هو فهم دمشق ورهانها.
من حسنات هذا المسار، أنه يبحر في هوامش الضغوطات الغربية، ذلك أن العقوبات الأميركية والأوروبية والبريطانية لا تزال قائمة. كما أن سيف “قانون قيصر” لا يزال مسلطا على المؤسسات الخاصة والحكومية. ولا تزال الغارات الإسرائيلية تلاحق الأصول العسكرية الإيرانية، بل إنها تصاعدت في الأيام الأخيرة، كما أن تبادل القصف الإيراني– الأميركي تصاعد وبشكل مباشر، على وقع التطبيع العربي والتفاهمات الإقليمية. وكأن “حرب الظل” بين إيران وكل من أميركا وإسرائيل، باتت مواجهة مباشرة بالأدوات العسكرية والتصريحات الإعلامية الرسمية.
قد يصح القول، إن “قوة” دمشق في ضعفها، في حال تسامحت الكلمات مع معناها الحقيقي لمنطوق حروفها. موسكو وطهران حليفتان، تكافح أو تتشاطر دمشق للإبحار بينهما. طهران وتل أبيب تتحاربان في الأجواء والأراضي السورية. أيضا وبدرجة أقل، أميركا وروسيا تتصادمان وتتفاهمان على ضفاف نهر الفرات. أنقرة وموسكو تربطان سوريا بأوكرانيا، كما هو حال الشراكة بين إيران وروسيا. العرب أيضا يربطون هجومهم التطبيعي على دمشق، بتفاهمات أو منافسات مع إيران وتركيا، ومع روسيا وأميركا.
سوريا مسألة جيوسياسية أكثر من أي وقت مضى. أما السوريون، فهم قضية منسية.
المجلة
————————-
قطر والتغريد خارج السرب/ رياض معسعس
نجحت قطر خلال ربع القرن الماضي في تحقيق مجموعة من الإنجازات جعلت من الدولة الصغيرة في حجمها كبيرة في موقعها الدولي، وربما كان هذا سببا أساسيا في خلافاتها مع بعض الدول العربية.
فقطر نجحت في تشييد بنى تحتية وصروح معمارية فذة جعلت من الدوحة مدينة عصرية بكل معنى الكلمة، وتمكنت بحنكة وذكاء استثمار أموال الغاز والنفط في مشاريع واستثمارات اقتصادية متينة، تضمن لها عائدات مالية كبيرة. وأبهرت العالم بتنظيم كأس العالم الكروي الذي كان عرسا كرويا عالميا وضع قطر على الخريطة العالمية كدولة لديها قدرة تنظيمية كأي دولة كبرى.
الحضور الإعلامي
لكن الإنجاز الأكبر بنظري هو الحضور الإعلامي الكبير عربيا ودوليا، فالإنجاز المعماري تقدمت به أكثر من دولة خليجية، لكنها لم تتمكن من بناء منظومة إعلامية تنافس الحضور الإعلامي القطري بقنواته المتعددة وعلى رأسها قناة “الجزيرة” وما تتميز به هذه القناة هو أنها تجرأت في التغريد خارج السرب الإعلامي العربي في إفساح المجال للمعارضات العربية التعبير عن نفسها ضمن شعار الرأي والرأي الآخر، وهذا ما تسبب بتوتر علاقات قطر مع أكثر من دولة عربية، اعتبرت استضافة معارضاتها على شاشة الجزيرة تدخلا في شؤونها الداخلية، ومنها من أغلق مكاتب الجزيرة واعتقل مراسليها. ثم إن قطر ورغم موقعها المحاصر من الدول المحيطة بها تمكنت من انتهاج سياسة خارجية مستقلة حكيمة تجعلها في معزل عن هزات سياسية مفتعلة كما حصل في الحصار الذي ضرب عليها من قبل السعودية، الامارات، البحرين، ومصر في الخامس من حزيران/يونيو 2017، كون هذه السياسة ربما تعارضت مع سياسات جيرانها في دول مجلس التعاون، والتي اتهمتها في دعم الجماعات المتطرفة والإرهابية، وإقامة علاقات وثيقة مع إيران، وتقويض أمن واستقرار دول الخليج، واستخدام الجزيرة كأداة دعائية. ووضعت قائمة مطالب على قطر تنفيذها في غضون عشرة أيام من أجل إنهاء المقاطعة.
ومن المطالب: قطع العلاقات مع إيران، وإغلاق القاعدة العسكرية التركية في قطر، وإنهاء الدعم والتمويل للجماعات الإرهابية، ودفع تعويضات للدول المتضررة، وإنهاء أي اتصال مع جماعات المعارضة في الدول العربية. (خلال هذه الأزمة وقفت الإدارة الأمريكية إلى جانب قطر باعتبارها حليفاً استراتيجياً من خارج حلف “الناتو” وهي صفة لم تمنح سوى للكويت في منطقة الخليج العربي) وخاصة فيما يتعلق في العلاقات مع إيران ومخاوف دول المقاطعة من علاقات قطر الوثيقة، وعودة لتطبيع علاقاتها الدبلوماسية معها التي اعتبرتها دول خليجية على أنها تغريد خارج السرب، حيث توجت هذه العلاقات بزيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لطهران في أيار/مايو 2022 (والملفت للنظر أن السعودية قامت بدورها بتطبيع علاقاتها مع إيران مؤخرا للخروج من أوحال اليمن بوساطة صينية أغضبت الإدارة الأمريكية وأرسلت مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية سي آي أيه وليام بيرنز بزيارة للرياض للتعبير عن ذلك).
وتأجج الموقف أيضا بعد تغطية قطر لثورات الربيع العربي التي كانت تؤيد بوضوح الانتفاضات الشعبية على عكس الدول التي تبنت الثورة المضادة منذ البداية وسعت جاهدة لإفشالها. في أيلول/سبتمبر تم الإعلان عن اتفاقيات إبراهيم للسلام بين كل من الإمارات والبحرين ودولة الاحتلال الإسرائيلي برعاية أمريكية، هذه الاتفاقية لم تحظ برضى بعض الدول العربية والتي لم تفصح عن رأيها صراحة ومنها من التزم الصمت، بينما صرحت قطر على لسان نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري (حاليا يتولى منصب رئيس الوزراء) محمد بن عبد الرحمن آل ثاني تقول: “إن اتفاقية إبراهيم لا تتلاءم مع سياسة الدوحة لأنها لا تقدم أي أفق لإنهاء الاحتلال، ولا يمكن التطبيع الاقتصادي مع إسرائيل ما دام الاحتلال قائما.. وحاليا لم نشهد السلوك والموقف المناسبين من إسرائيل للتوصل لحل سلمي مع الفلسطينيين، وهذا هو جوهر المشكل بين الدول العربية وإسرائيل، وهو احتلال الأراضي الفلسطينية، وطالما لا يوجد أي آفاق لإنهاء الاحتلال والتوصل لحل عادل لا أعتقد أن قطر ستتخذ هذه الخطوة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل” هذا الموقف القطري الثابت تجاه فلسطين ودعمها للحراك الفلسطيني يصطدم مع مواقف الدول المطبعة مع دولة الاحتلال ولا سيما في صلب مجلس التعاون الخليجي.
الموقف من النظام السوري
على ضوء التطورات الأخيرة فيما يخص التطبيع مع النظام السوري يبرز موقف قطر كتغريد خارج سرب الدول المطبعة، وعلى رأسها الإمارات والسعودية والبحرين وعمان، ففي الوقت الذي تتحضر فيه السعودية لاستقبال مؤتمر القمة العربية، وتنوي دعوة رأس النظام السوري بشار الأسد كخطوة للتطبيع مع النظام وعودته إلى حضن الجامعة العربية، تتمسك قطر في موقفها الثابت من النظام السوري وقد عبرت عنه على لسان المتحدث باسم الخارجية القطرية ماجد بن محمد الأنصاري “الموقف القطري ثابت، فلا يوجد تطبيع مع هذا النظام حتى تزول الأسباب التي دعت لمقاطعته، وأن “دولة قطر تتعامل مع هذه القضية باعتبارها من أولويات القضايا العربية، لذلك فإن الإجماع العربي فيها محل اهتمام، وحتى يتوافر هذا الإجماع الذي يأتي نتيجة تطورات إيجابية على الساحة السورية لا نراها ماثلة أمامنا، ونعتقد أنه لن يكون هناك أي تغير من الموقف القطري، وموقفنا واضح وثابت ولا يتأثر بما يدور في المشهد ما لم توجد تطورات حقيقية داخل سوريا بشكل يرضي تطلعات الشعب السوري”. الموقف القطري من الثورة السورية كان منذ البداية محل خلاف مع أكثر من دولة خليجية وعربية، إذ اشتبكت المواقف بين قطر والسعودية على الأراضي السورية بصراع مسلح بالوكالة بين فصيل جيش الإسلام المدعوم من السعودية التي كانت ترغب بقوة إسقاط النظام السوري (نشير هنا إلى أن النظام ولوصم الثورة السورية السلمية بالإرهاب أفرج عن كل الإسلاميين في السجون السورية ومنها زهران علوش الذي ترأس جيش الإسلام وتم اغتياله فيما بعد بظروف غامضة، واحتل أخوه محمد علوش منصب كبير المفاوضين في لجنة المفاوضات العليا قبل أن يصبح مستثمرا في شركات ومطاعم في تركيا)، وبين فيلق الرحمن المدعوم من قبل قطر.
وكان النظام يترنح تحت ضربات المعارضة التي كانت على بعد بضعة كيلومترات من القصر الجمهوري، وكان قاب قوسين أو أدنى من السقوط قبل أن يستجير بروسيا التي لعبت دورا كبيرا في القضاء على الفصائل المسلحة وحصرها في منطقة إدلب، وتحرير أجزاء كبيرة من الأراضي السورية باستخدام سياسة الأرض المحروقة، والأسلحة الكيميائية من قبل النظام التي اعتبرتها أكثر منظمة دولية وحقوق الإنسان جرائم حرب وضد الإنسانية، واعتبر الائتلاف الوطني للمعارضة السورية التطبيع مع نظام السوري، الذي اتبع سياسة القتل والتهجير ضد الشعب السوري أن يكون مصدر أمن واستقرار، وإن دعوته للجامعة العربية تصب في مصلحة نظام طهران وليس أبداً في مصلحة العرب، إن دعم الشعب السوري ضد قاتليه ومهجّريه من قبل الأشقاء والأصدقاء في كل العالم هو مسؤولية أخلاقية وإنسانية.
كاتب سوري
القدس العربي
————————
لا تصدّقوهم/ حسن النيفي
في مسعاها الهادف نحو ردم الشرخ المزمن مع إيران تحرص المملكة العربية السعودية على أن يكون مسار (تصفير) المشكلات مع الخصم التقليدي متزامناً مع (تصفير مماثل) مع أذرعه أيضاً، ربما ليقين الرياض بأن تلك الأذرع هي أدوات تنفيذية عضوية في الاستراتيجية السياسية الإيرانية وليست ذات أدوار وظيفية يمكن لطهران الاستغناء عنها أو استبدالها، ولا تبدو إيران أقل حرصاً كذلك على أن تكون تلك الأذرع ذات حضور وفعّالية في أية عملية تفاوضية مع خصومها في المنطقة. ربما في هذا السياق تندرج زيارة فيصل المقداد وزير خارجية الأسد إلى جدّة يوم الثاني عشر من الشهر الجاري بدعوة من الخارجية السعودية، وكذلك لقاء نائب وزير الخارجية السعودي مع القيادة الحوثية في اليمن، مزامنة مع لقاء سعودي إيراني في الرياض لبحث استكمال إجراء عودة افتتاح السفارات بين البلدين.
لعلنا لسنا بحاجة إلى المزيد من التأكيد على أن الاستراتيجية الأميركية حيال إيران والقائمة على مبدأ (المهادنة والاحتواء) كانت الدافع الأقوى إلى الاستدارة السعودية الجامحة تجاه الصين وإيران، بل ربما كان الخذلان السعودي من الإدارات الأميركية الثلاث الأخيرة المتعاقبة على البيت الأبيض كافياً لإجبار حكومة الرياض بالانعطاف إلى محاورة الخصوم والتفاوض معهم وفق معايير وموازين قوى غير متكافئة، فبالنظر إلى ما يريده كل طرف نجد أن ما تريده السعودية من إيران هو الأمن، والأمن أولاً وأخيراً، بينما لا تمنح إيران تقيّة شرّها من دون أن تفرض شروطها السياسية المتمثلة بإعادة دمج نظام الأسد في محيطه العربي وكذلك شرعنة الوجود الحوثي في اليمن، أضف إلى ذلك أن إيران ما تزال تحتفظ بكل أوراقها المتمثلة بأذرعها السورية واللبنانية واليمنية والعراقية، بينما لم تستطع الرياض الاحتفاظ بأيٍّ من أوراقها، على الأقل في الساحة السورية، إذ من المفيد التذكير بأن (جيش الإسلام) الذي كان القوة الضاربة في الريف الدمشقي والذي كانت تغذيه وتموله السعودية، استطاع الروس تدميره في العام 2018، ومن ثم ترويض قادته عبر التنسيق مع تركيا في مسار أستانا، وكذلك هيئة التفاوض التي كانت تتخذ من الرياض مقرّاً لها، فقد أصبحت مسلوبة الفاعلية بعد تشكيل اللجنة الدستورية التي باتت هي الطرف المفاوض مع نظام الأسد، فضلاً عن أنها باتت تخضع خضوعاً مباشراً للحكومة التركية.
لكن على الرغم من هذا كله، فما تزال الرياض حريصةً على أن تقرن خطوتها التطبيعية مع الأسد بالحديث عن حل سياسي للمسألة السورية، وذلك من خلال التصريحات التي تصدر عن الخارجية السعودية، الأمر الذي يدفع الكثير من السوريين للتساؤل: ما الذي تمتلكه الرياض من مفاتيح الحل في سوريا؟ هل لديها تصور تم إنضاجه بناءً على تفاهمات إقليمية أو دولية وقد حان طرحه الآن؟ وما الذي يدعو الرياض للتواصل مع المبعوث الدولي (غير بيدرسون ) تزامناً مع دعوة فيصل المقداد لزيارة رسمية إلى جدّة؟ ربما يجد المرء جانباً من الإجابة على التساؤلات السابقة فيما صدر عن الخارجية السعودية من تصريحات تؤكّد على ضرورة إيجاد حل للأزمة السورية مع ذكر بعض التفاصيل، كالإشارة إلى الحفاظ على سيادة الدولة السورية وسلامة أراضيها، وكذلك إلى ضرورة العودة الآمنة لللاجئين السوريين، ما يعني أن الرياض تريد إبلاغ الجميع أن عودتها نحو نظام دمشق لن تكون عودةً مجانية أي بمعزل عما يجري في سوريا منذ اثنتي عشرة سنة، إلّا أن هذا الهمّ السوري الذي تحمله السعودية على عاتقها بات مختلفاً عما عبر عنه سفيرها لدى الأمم المتحدة السيد عبد الله المعلمي الذي كان أكثر دقّة وحزماً في توصيفاته لنظام دمشق، إذ طالما شهدت الأروقة الدولية، ورواق الأمم المتحدة على وجه الخصوص مناكفات حادة بينه وبين مندوب الأسد إبراهيم الجعفري الذي جفل أكثر من مرة، حتى بات يخرج عن طوره نتيجة امتعاضه الشديد من مداخلات نظيره السعودي حين يتحدث عن جرائم الأسد كقصف المواطنين السوريين بالطيران وقتلهم بالسلاح الكيمياوي واعتقال عشرات الآلاف منهم في السجون.
بالمجمل فإن الموقف السعودي المُعلن طيلة السنوات السابقة كان متماهياً مع الموقف الأممي فضلاً عن تماهيه مع موقف معظم السوريين المطالبين بالتغيير، عبر تطبيق القرارات الأممية ذات الصلة بالقضية السورية وفي مقدمتها ما ينص على جوهر العملية السياسية المتمثل بإنشاء هيئة حكم انتقالي، إلّا أن ما يصدر عن الرياض اليوم بخصوص الحل السياسي بات مختلفاً عمّا ذي قبل، ذلك أن وحدة الأراضي السورية و عودة اللاجئين وحتى الإفراج عن عدد من المعتقلين، فهذه الأمور هي من تداعيات حرب النظام على السوريين ولم تكن من الأسباب الدافعة لانتفاضة السوريين، فالذي أتاح المجال للتدخل الدولي الذي جعل من الأرض السورية مناطق نفوذ منفصلة عن بعضها هو نظام الأسد وليس المواطنين السوريين، والسوريون الذين هُجّروا وشُرّدوا من بيوتهم سواء داخل البلاد في المخيمات أو في بلدان اللجوء إنما دفعهم إلى ما هم عليه هو الخوف من الموت الذي تحمله طائرات النظام وبراميله وغازاته السامة ولم يخرجوا من ديارهم نتيجة خيارات أخرى، وكذلك عشرات آلاف المعتقلين والمعتقلات، عدا عمّن تمت تصفيتهم في مجازر موثقة لدى أكثر من جهة دولية، إنما اعتقلوا أو قُتلوا بفعل النظام ولا أحد سواه، فهذه الجرائم وسواها إنما ارتكبها النظام بحق السوريين لأنهم طالبوا بالحرية والتغيير، ولا يمكن التعاطي مع تلك الجرائم إلّا عبر القضاء العادل، لمساءلة الفاعلين، وتأسيساً على ذلك فإن العودة إلى المجرم كطرف مفاوض هو انتشال له من قفص الاتهام وتمويه على الجريمة، بل هو مكافأة للمجرم على إجرامه، وما يمكن قوله على الموقف السعودي في هذا السياق يمكن أن يقال مثله عن جميع الأطراف العربية التي تتدافع لإعادة احتضان الأسد، وهي في هذا التدافع لا تسيء إلى السوريين من خلال اصطفافها إلى جانب من أجرم بحقهم فحسب، واعتبار من كان أصلاً في المشكلة طرفاً في الحل، بل تسيء إلى مجمل قيم العدالة والكرامة وحقوق الإنسان.
كان يمكن للمملكة العربية السعودية أن تفصح بوضوح عن رغبتها النابعة من مصالحها بإعادة احتضان الأسد، من دون الإساءة إلى عدالة القضية السورية وكذلك من دون الإساءة إلى تضحيات السوريين، ولا أحد يستطيع منعها من ذلك، وكذلك كان يمكنها أن تعلن ندمها أمام الأسد عن انحيازها إلى جانب معارضيه وتتبرأ من أي جهة مناهضة لحاكم دمشق، أمّا أن تصبح المعاناة المريرة للسوريين وتضحياتهم الهائلة على مذبح الحرية أقنعةً لمصالح الأنظمة التي يجمعها عداؤها المزمن لمصالح شعوبها، فتلك جريمة أخرى بحق السوريين، وفي هذه الحال ربما يصبح مضمون عبارة (لا تصدّقوهم) التي أطلقها في يوم ما ممثل السعودية في مجلس الأمن لا تعني خصمه آنذاك فحسب، بل ربما تعني الجميع.
تلفزيون سوريا
————————
نظام الأسد والجامعة العربية … وافق شنٌّ طبقة/ أسامة أبو ارشيد
عندما علقت جامعة الدول العربية عضوية سورية (نوفمبر/ تشرين الثاني 2011) لم يكن ذلك تضامناً خالصاً مع الشعب السوري، وإدانة لجرائم نظام بشار الأسد بحقه. معظم الأنظمة العربية حينها، ولا يزال الحال كذلك اليوم، لم يكن يقلّ قمعية وديكتاتورية عنه. ومن المفارقات، حينئذ، أن وزراء الخارجية العرب الذين اتخذوا القرار بحق نظام الأسد تغاضوا عن جرائم مماثلة كان يرتكبها نظام الرئيس اليمني الراحل، علي عبد الله صالح، بحقّ شعبه. ولم يكن جلّ من صوت على تعليق عضوية سورية حينها يعبأون بحرمة الدم السوري، ولا حتى اليمني، ولم يكونوا يؤمنون بقدسية أيٍّ منهما.
ببساطة، كان القرار حينها تصفية لحسابات قديمة مع نظام الأسد من بعض أنظمة عربية أغضبتها مواقف سابقة لدمشق اتّسقت فيها مع نبض الشارع العربي، كموقفها من العدوان الأنغلوسكسوني على العراق (2003) والعدوانين الإسرائيليين، على لبنان (2206)، وقطاع غزة (2009)، مع ضرورة الاستدراك هنا أن هذا لا يعطي للنظام رخصةً لسحق شعبه، ولا يتيح مجالاً لمحاولة تفهم دوافعه الإجرامية. أغلب تلك الأنظمة التي كانت، ولا تزال، جزءاً مما يسمّى “محور الاعتدال” العربي المتحالف مع أميركا وإسرائيل كانت غاضبة من انتماء دمشق إلى ما يسمّى “محور الممانعة” في المنطقة، والذي تتصدّره إيران، وتنضوي تحته حركات كحزب الله اللبناني وحماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين. وقد بلغ التوتر بين دمشق وبعض عواصم “محور الاعتدال” العربي، عام 2009، أن وصف الأسد بعض الزعماء العرب بـ”أشباه الرجال”. ومن ثمَّ، كان الانتقام من الأسد، بالنسبة لهم، تصفيةً لحسابات قديمة لا ترتبط بحرمة دماء الشعب السوري والغيرة عليه جرّاء بطش آلة القمع الإجرامية للنظام.
ما الذي تغير في طبيعة كُنْهِ النظام السوري وإجرامه بحق شعبه اليوم حتى تتحرّك بعض العواصم العربية بحماس منقطع النظير لـ”إعادة تأهيله” والعمل على إعادة عضويته في جامعة الدول العربية؟ هل انفطمت دمشق تحت حكم نظام الأسد عن الثدي الإيراني؟ أوَلم تُدن تحقيقاتٌ دولية وعربية ذلك النظام بنشر المخدّرات في المنطقة ككل؟ أجوبة هذه الأسئلة وغيرها معروفة معلومة للجميع، بل ويمكن الجزم أن النظام السوري أكثر إجراماً ودموية وخطورةً على استقرار المنطقة والأمن القومي العربي الجَمعِيِّ من الأمس. سورية الآن، عملياً، خاضعة، إلى حد كبير، لوصاية إيرانية بالإضافة إلى الروسية، فضلاً عن النفوذ الكبير للمليشيات الطائفية والإجرامية فيها.
من ثمَّ، ما يجري من تقارب بين بعض العواصم العربية مع دمشق والحديث عن إعادة سورية إلى جامعة الدول العربية لا يغدو أن يكون أكثر من إعادة نظامٍ مجرم إلى نادٍ يضم آخرين مثله، ولكنهم كانوا، وربما لا يزالون، يقفون على طرفي نقيضٍ في بعض القضايا. هذا لا يعني أن المواقف المتنافرة في الأمس قد تمَّ ردمها أو تجسيرها أو تقليصها. لا. ولكن الأمر تعبيرٌ عن توافق بينهم على الهدف الأكبر المشترك، ألا وهو شفط أوكسجين الثورة من رئة الشعوب العربية، وقد نجحوا في ذلك. وكلنا يعلم، أن أنظمة عربية كثيرة لم تدخل داعمة للثورة والشعب السوري، بل هي مارست تمزيقاً لتلك الثورة وقواها، وتشتيتا للمعارضة السورية فوق تشتيتها، وحوّلت بعض فصائلها وتياراتها إلى أدواتٍ تخدم أجنداتها التخريبية في المنطقة على حساب طموحات وآمال الشعب السوري، والشعوب العربية كذلك.
لا تستفزّني مسارعة بعض العواصم العربية لتبادل السفراء مع دمشق ولا حتى استعادة سورية عضويتها في الجامعة العربية. وإذا كان نظام الأسد غير مؤهّل لعضوية الجامعة بسبب سجله الإجرامي، فإن هذا حكم ينسحب على جلّ أنظمة العرب. وفي المحصّلة، هي تذكرة لنا، نحن الشعوب العربية، أن النظام الرسمي العربي، بمجمله، فاسدٌ، ينبغي اجتثاثه من جذوره، وإلا فإننا سنبقى ضحايا القمع والاستبداد، ورهائن التخلف والاستعباد.
العربي الجديد
————————-
التطبيع العربي مع الأسد/ رضوان زيادة
ربما كان متوقعا إلى درجة كبيرة موجة التطبيع العربي مع الأسد، ربما لعدة أسباب أهمها عدم فعالية وفشل الجامعة العربية في معالجة أي ملف داخلي وبالتالي تترك الأمور حتى تتعفن كما يقال وبعدها نختار أسوأ الخيارات، فالتطبيع مع الأسد لا يعني حلا للسيادة السورية ولا يعني حلا لملايين اللاجئين والمهجرين ولا يعني حلا لملايين النازحين داخل الحدود ويرفضون العودة إلى حضن الأسد.
والتطبيع مع الأسد لا يعني حلا للأزمة الاقتصادية والمالية التي أدخل الأسد فيها سوريا والسوريين، التطبيع مع الأسد تعني شيئا واحدا هو استمرار الأسد في الحكم مع دعم عربي لجرائمه وبالمناسبة لا أعتقد أن دولة عربية اليوم ربما باستثناء قطر تمانع عودة الأسد لأن كل الدول العربية تقريبا تتبنى نفس المقاربة في طريقة التعامل مع مجتمعها وشعوبها عبر الحكم بالقوة والقهر من أجل البقاء في الحكم ومضاعفة السنوات على الكرسي.
فربما لم يكن الموقف العربي فريداً، لكن ما يحزن هو متى تردى وضع القيم العربية فيما يتعلق بحقوق الإنسان لدرجة أنها تسمح لمجرم بحجم الأسد البقاء في الحكم بنفس الطريقة التي ارتكب جرائمه على مدى 12 سنة الماضية.
التطبيع العربي مع الأسد لا يضع شروطا من أي نوع فيما يتعلق بطريقة حكم الأسد أو حتى رهنه سوريا لإيران، حيث تعيث الميليشيات الإيرانية في كل الأراضي السورية وتسيطر على مناطق واسعة من المدن وتتحكم بها عبر الميليشيات المختلفة، فالحجة أن التطبيع مع الأسد يبعده عن إيران مجرد كذبة من الأفضل عدم ترديدها لأنها تخالف معطيات الواقع على الأرض تماماً.
أما الحجة الأخرى التي يتم ترديدها أنه يجب محاولة مقاربة أخرى للتطبيع مع الأسد من أجل حل القضية السورية، فهي أسوأ من الأولى لأن مشكلة سوريا الرئيسية هي الأسد ذاته واستمراره في الحكم تعميق لمشكلات سوريا ومشكلاتها على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكل يوم يبقى فيه في الحكم يعني مزيدا من الألم للسوريين ومزيدا من المعتقلين والمعذبين في سجونه ومعتقلاته السرية وغير السرية، إنه ببساطة حكم يقوم على الإبادة مع تلوينات طائفية تقوم على الحقد والإهانة لكل مخالف سياسيا أو طائفيا وما آلاف الصور في قيصر وغيرها من مثل مجزرة الكرامة إلا عينة بسيطة مما جرى ويجري يوميا بحق السوريين التي تقوم آلة الأسد في القتل والتعذيب بالتخلص منهم يوميا.
كان مؤلما لنا كسوريين أن نرى السجادة الحمراء تبسط للأسد مجددا في العواصم العربية حيث يتم الترحيب بمجرم وقاتل لمئات الألوف من السوريين المدنيين الأبرياء عبر البراميل المتفجرة أو السلاح الكيماوي أو التجويع عبر الحصار حتى الموت أو التعذيب داخل السجون وغيرها من طرق الموقت المختلفة التي ارتكبها الأسد بفخر ودون أي تردد، حيث لم تتم محاسبة شخص واحد على الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب السوري الذي دفع وما زال يدفع ثمنا غاليا على ثورته وكرامته.
التطبيع مع الأسد لن يغير شيئا من المعاناة بحق السوريين على أرض الواقع ولن يغير شيئا من سجل الأسد الإجرامي على مدى العقود الماضية، لكنه يعني شيئا واجدا أن العالم العربي فاسد سياسيا وأخلاقيا في قيمه وطريقة حكمه وأن التطبيع مع الأسد مؤشر آخر على مدى التأخر والتدهور الحقوقي على المستوى العربي حيث يتم الترحيب بقاتل ومجرم من طبيعة الأسد.
لذلك يمكن القول اليوم إن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يتحملان مسؤولية مضاعفة من أجل منع إعادة تأهيل الأسد بل والضغط عربيا من أجل وقف هذه المهزلة، أميركا وأوروبا مشغولتان ربما بأوكرانيا، لكن حليفا رئيسياً لبوتين هو في سوريا ويجب منعه من الظهور بوصفه رئيسا لبلد حطمه ودمره ودمر معه السوريين وشردهم في كل بقاع الأرض.
تلفزيون سوريا
—————————
اجتماع جدة يرفع بطاقة الحل السياسي الحمراء في وجه النظام السوري/ شادي علاء الدين
لم يخرج الاجتماع التشاوري في جدة بخلاصات تصب في صالح إعادة ضم نظام الأسد إلى الجامعة العربية، اتخذت الأمور مساراً مختلفاً رفع في وجه تلك العودة بطاقة الحل السياسي الحمراء.
لطالما كان أي حضور للنظام السوري، مهما غُلّف بعناوين متحايلة، مرتبطاً بنفي السياسة وإخراجها من المعادلة. الربط الذي بات رسمياً ومعبّراً عن موقف عربي عريض بين إعادته إلى الحضن العربي وبين شروعه في الاستجابة لمتطلبات السياسة وشروطها، إنما يعني في حقيقته إنشاء شبكة حصار محكمة حوله لا يبدو أنه يستطيع الفرار مما يمكن أن تفرضه عليه من إعادة إنتاج كاملة وشاملة.
الذي سيعود إلى الجامعة العربية إذا ما تم هذا الأمر لن يكون على الإطلاق ذلك النظام المعروف من قبل السوريين والعرب، الذي خبروا مواهبه في خلق المشكلات ونشر الخراب والمجازر وتفتيت شروط السياسة وإمكانياتها. الذي يمكن أن يعود هو النسخة المستحيلة من النظام السوري، والتي لا يمكنه تأمين الحد الأدنى من متطلباتها.
شبكة الأزمات التي يطالب بتأمين حلول لها أو الاستجابة للشروط الرامية إلى تحقيق انفراج في شأنها تشمل ضرورة تصفية كل تركته، وكل ما سببته حربه المفتوحة ضد الشعب السوري، وكأنّ المجتمع العربي يطالبه بإنشاء حركة تصحيحية ضد نظامه وممارساته.
البطاقة العربية الحمراء المرفوعة في وجهه تتضمن مطالبته بإيجاد حل للأزمة الإنسانية، وتوفير البيئة المناسبة والآمنة لوصول المساعدات لكل المناطق السورية، وتسهيل ظروف عودة اللاجئين والنازحين، والعمل على استقرار الأوضاع ومكافحة الإرهاب، وتهريب المخدرات، وتفعيل عمل مؤسسات الدولة وإخراج الميليشيات المسلّحة من البلاد.
كل واحد من هذه العناوين يشير إلى منتج من صناعة النظام السوري ويفترض به تصحيح الآثار السلبية الناتجة عنه، حسابه قبل الدخول في أي مسار شرعنة جدي.
ترجمة المطالب العربية إلى وقائع سياسية وميدانية تضع “الأسد” في موقع المدان بالتسبب في كل الأزمات العميقة التي يطالب بابتكار حلول لها، كما تضعه تحت وصايا عربية لا ترغب في تقديم هدايا مجانية له على الإطلاق، وتضعه في مواجهة مسار حلول مرعي دولياً تقوم بنوده العريضة على إخراجه من الصورة، وتحويل مؤسسات الدولة إلى بنى إدارية خاضعة للإشراف الدولي.
مسار شرعنة عودته إلى الجامعة العربية اصطدم بجدار الوحدة الخليجية الصلب الذي يعني أن دول الخليج تتخذ قراراتها في ما يخص السياسات الخارجية بالإجماع. وبدا هذا التوجه واضحاً في التعامل مع الموضوع الأسدي، فلم تتخذ أي دولة قراراً حاسماً في هذا الصدد بعد. وكل الخطوات في هذا الموضوع لا تعدو كونها أصداء ثانوية لمشروع التسويات الشاملة، وتصفير المشكلات والأزمات.
من هنا لا يمكن تصوّر خروج موقف خليجي مرحب بإعادة نظام الأسد إلى الجامعة العربية في ظل ممانعة مباشرة لدولتين وازنتين هما قطر والكويت لأي عودة من خارج منطق الحل السياسي الشامل، وكذلك لا تبدو السعودية معنية بهذا الأمر من خارج مشروع إنهاء المشكلات.
المشهد الطاغي في هذه الفترة والذي حوّل كل ما يتعلق بـ”الأسد” إلى حدث بلا وزن يتعلق بمشاهد إنهاء الأزمة اليمنية والمباشرة في الإفراج عن الأسرى والمعتقلين، وهو المسار الذي خلقت السعودية من أجل إنجازه شبكة تسويات كبرى طالت كامل محيطها المباشر مع تسويتها المشكلات مع إيران، وبذلك بات “الأسد” شأناً خارجياً لا يرتبط مباشرة بأمن السعودية ولا يؤثر على مشاريعها الاقتصادية واستثماراتها في التكنولوجيا وغيرها.
ولذلك قد تكون المقاربة في هذا الصدد ميّالة إلى إدراج الأمر في مسارين عربي ودولي ما من شأنه تكبيل النظام ومنعه من المناورة لاحقاً.
لقد وقع كل معارضي النظام من السوريين والعرب في فخ رمزية شخص “الأسد”، فكان أي ظهور له أو بادرة انفتاح على شخصه مدخلاً لإدانة أخلاقية ومؤشراً على انقلاب سياسي يصب في صالحه، وقد عملت آلة الإعلام الأسدية والروسية في مرحلة من المراحل على الاستفادة من هذه الرمزية وبيعها بأشكال عديدة مستفيدة من ذلك النفور الحاد من شخصه، والذي وُظّف بشكل كبير في التعمية على واقع جديد.
الجميع يتعاملون مع “الأسد” كصورة بينما لا ينظر إليه معارضوه كذلك، على الرغم من الشواهد الغزيرة التي تؤكّد هذه السمة في التعامل معه.
الأمور كما تجري على أرض الواقع تُناقض هذا التصور الانفعالي والعاطفي والذي قد يكون مفهوماً، ولكنه يفوّت فرصة التقاط لحظة السياسة التي رفعها المجتمع العربي في وجه “الأسد” ونظامه وزمانه.
يجب تحويل المطالب العربية إلى إطار وحيد لأي حوار مع “الأسد” وتركه يغرق في مستحيلاتها، وخصوصاً أن ما خرج به مؤتمر جدة يطلق إشارات واضحة لما يمكن أن تكون عليه الأمور في قمة الرياض. نظام الأسد لا يمكنه استيعاب أي جرعة من التسييس الفعلي من دون أن يتصدع تماماً، لا تسمح بنيته المغلقة والشمولية بعبور السياسة.
لا يجب أن ننسى أنه أطلق حرباً دموية ضد السوريين منعاً لإنجاز إصلاحات سياسية، لأنّه يعرف أن أي تغيير مهما كان طفيفاً في بنية الإغلاق التي يقوم عليها نظامه ستفتح الباب أمام تصدّعات عميقة ستقضي عليه بالكامل في نهاية المطاف.
من هنا يجب النظر إلى بطاقة الإنذار السياسي المرفوعة في وجهه بوصفها أحد إنجازات الثورة والتعامل معها بوصفها سلاح دمار شاملا قد يتفوق في أثره على كل استُخدم ضده من قبل، لأنّه يحمل سمات راديكالية وحاسمة قد تتيح للسوريين إنتاج انتصارهم الذي تكالبت أعتى القوى على حرمانهم منه.
التحوّلات التي نشهدها الآن تؤشر إلى انقلاب لصالحهم، فقد صار “الأسد” عائقاً أمام حركة التسويات وورشات الإعمار المنتظرة. قد تكون تلك لحظة السوريين وكذلك لحظة المنطقة، وعلى الجميع التقاطها من مدخل الإصرار على السياسة سيكون الاحتكام إليها بمنزلة المشنقة التي ستلتف على عنق “الأسد” ونظامه وتاريخه.
تلفزيون سوريا
————————
عن البيئة الجديدة للحوار التركي السوري/ محمود علوش
إذا كانت هناك نتيجة واضحة للاجتماع الرباعي، الذي جمع على مدى يومين نواب وزراء خارجية كلّ من تركيا وسورية وروسيا وإيران، في موسكو، فهي أنّ أنقرة ودمشق لا تزالان بعيدتين عن إمكانية التوصل إلى اتفاقٍ لإعادة إصلاح العلاقات في المستقبل المنظور. مع ذلك، مجرد تطوير اللقاءات الثنائية برعاية روسية وإيرانية من المستوى العسكري والاستخباراتي إلى مستوى سياسي يُعدّ خرقاً في مسار المفاوضات. هناك ملاحظتان مُهمتان يُمكن استخلاصهما من الاجتماع الرباعي. أولاً، المرونة الجزئية التي أبداها النظام السوري في المفاوضات، من خلال موافقته على المشاركة في الاجتماع قبل الحصول على ضمانات من تركيا بسحب قواتها من سورية ووقف دعمها فصائل المعارضة السورية، وهما شرطان سبق أن عبّر عنهما بشار الأسد بوضوح في زيارته أخيراً موسكو. وثانياً، نجاح ضغوط موسكو على دمشق للتخلّي عن الشروط المسبقة، والقبول بمبدأ أن الحصول على مثل هذه الضمانات يُمكن أن يأتي نتيجة عملية التفاوض، وليس كشرط مسبق لها. بهذا المعنى، تكمن أهمية انعقاد الاجتماع الرباعي في أنّه نقل الحوار التركي السوري إلى مرحلة جديدة أكثر إنتاجيةً، وأفسح المجال أمام الدبلوماسية بين الدول الأربع لتدوير الزوايا من أجل الوصول إلى أرضيةٍ مشتركةٍ تُحدّد معالم أي تسوية محتملة بين أنقرة ودمشق.
مع أن الظروف المحيطة بالمفاوضات التركية السورية في الوقت الراهن تُعدّ ملائمة لدفع مسار الحوار، خصوصاً في ضوء المنافع المختلفة التي يتطلّع إليها الطرفان في تحقيق المصالحة، وحاجة روسيا إلى تعزيز دورها ضابط إيقاع للتوازنات التركية الإيرانية في سورية، إلّا أن العقبة الأساسية التي تعترض المصالحة تتمثل، بشكل رئيس، بالانتخابات التركية. فمن جانبٍ، يسعى الرئيس التركي، أردوغان، لاستثمار المفاوضات مع النظام، لإظهار للداخل التركي أنه يمضي في إحداث تحول جذري في السياسة التركية في سورية، من دون أن يصل إلى حد التزام الانسحاب من سورية. ومن جانب آخر، يُراهن النظام السوري على أن تؤدّي الانتخابات التركية إلى فوز المعارضة، لاعتقاده أن حصول تحوّل سياسي في تركيا سيُضعف قدرة أنقرة على فرض شروطها في أي تسويةٍ مع دمشق. في ضوء ذلك، من غير المُرجّح أن يطرأ تطوّر كبير على مسار الحوار التركي السوري قبل الانتخابات، باستثناء إمكانية تطوير اللقاءات التركية السورية إلى مستوى وزراء الخارجية. يبرُز التناقض في الموقف من الانتخابات التركية بين كل من روسيا والنظام. بينما يُعوّل الأسد على هزيمة أردوغان، ترى موسكو أن فوزاً محتملاً للمعارضة التركية سيجعل تركيا قريبة من الغرب، وسيُقلص، على نحو كبير، انخراطها في الجهود الروسية لتسوية الصراع في سورية وفق معايير موسكو. لذلك، تبدو الأخيرة حريصةً على الاستعجال في إبرام تسوية تركية سورية قبل الانتخابات التركية، أو على الأقل قطع أشواط مهمة في طريق المصالحة. وتُدرك أيضاً أن أردوغان، في حال إعادة انتخابه، سيُصبح أقلّ مرونة في تقديم تنازلات لدمشق من أجل المصالحة.
منذ انطلاق المفاوضات المُعلنة بين أنقرة ودمشق برعاية روسية، برزت عقباتٌ عديدةٌ في طريقها. كان من المخطّط، بعد اجتماع موسكو الأول، أن يُعقد اجتماع آخر على مستوى وزراء الخارجية في فبراير/ شباط الماضي، تمهيداً لعقد قمة رئاسية بين الأسد وأردوغان، لتتويج المصالحة، لكنّه لم يُعقد. كذلك أدّى استبعاد إيران عن الآلية الثلاثية إلى بروز عقبةٍ جديدةٍ عولجت بعد ذلك بدعوة طهران إلى الانخراط في هذه الآلية لتُصبح رباعية. كذلك، فشلت جهود عقد اجتماع رباعي على مستوى نواب وزراء الخارجية منتصف الشهر الماضي (مارس/ آذار) في موسكو. لا يعني انعقاد الاجتماع الرباعي أن تفاهماً ما بين أنقرة ودمشق بخصوص قضية الوجود العسكري التركي قد حصل بالفعل، لأنّ مثل هذا التفاهم يُمكن أن يتحقق نتيجة للمفاوضات، وليس شرطاً مسبقاً لها. بقدر ما أن أردوغان حريصٌ على المصالحة، فإنه لا ينظر إليها غاية، بقدر ما أنها وسيلة لتحقيق بعض الأهداف العريضة لتركيا في سورية، ويُمكن تلخيصها بثلاثة أهداف: موافقة دمشق وموسكو وطهران على تعاون معها لإنهاء الإدارة الذاتية لوحدات حماية الشعب الكردية في شمال شرق سورية، ومساعدة أنقرة في تنظيم إعادة طوعية وآمنة للاجئين السوريين على أراضيها إلى بلدهم، فضلاً عن إيجاد أفق جديد لدفع عملية التسوية السياسية للصراع السوري.
نتيجة لتغيير جذري في موقفها تجاه الأسد، أصبحت تركيا تنظر إليه على أنّه طرف رئيسي على الطاولة، ولا يُمكن تجاهله في سياساتها السورية. ولم يكن هذا التحوّل التركي وليد الفترة التي بدأت فيها أنقرة تبنّي نهج إيجابي تجاه دمشق، بل ظهر بعد انضمام تركيا إلى منصّة أستانة الثلاثية مع روسيا وإيران في 2017. لذلك، فالحوار التركي السوري الراهن أحدث تطوّر في السياسة التركية الجديدة في سورية بعد النصف الثاني من العقد الماضي. بمعزل عن دوافع أردوغان في قرار الانفتاح على الحوار مع الأسد، وما إذا كان مرتبطاً بالفعل بظروفٍ انتخابيةٍ داخلية أو بطبيعة الشراكة الجيوسياسية المتنامية بين تركيا وروسيا منذ إعادة إصلاح العلاقات بينهما بعد أزمة إسقاط المقاتلة الروسية عام 2015، أو بكليهما، إلّا أنه لا يوجد ما يدعو إلى الاعتقاد أن تركيا مستعدّة للتخلي عن وجودها العسكري في سورية مقابل إصلاح العلاقات مع دمشق، وقبل تحقيق الأهداف الثلاثة التي تُشكل جوهر استراتيجيتها الجديدة في سورية. علاوة على ذلك، الحديث عن منافع محتملة لأردوغان في الانتخابات من محاولته إصلاح العلاقات مع دمشق مبالغ فيه إلى حد كبير. رغم أن جزءاً كبيراً من الأتراك يُريد إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، لكنّ مصالحة بين الأسد وأردوغان قبل الانتخابات لن تُحقق هذا الهدف فوراً. وبالتالي، لن تُساهم في إعطاء دفعة انتخابية قوية لأردوغان.
لا تزال أنقرة تنظر إلى وجودها العسكري في شمال سورية كورقة قوية لديها للضغط على دمشق وموسكو وطهران للقبول بتسوية شاملة للصراع السوري. مع ذلك، يعتقد الأسد أن المضي في الحوار مع حكومة أردوغان في هذه الفترة قد يُساعده في تقوية موقفه الانتخابي في الداخل، ويرى أنّ من مصلحته إبرام تسوية مع تركيا في ظل قيادة المعارضة لها، لأن خطاب الأخيرة يُعطي مؤشّرات على أنها راغبة في إصلاح العلاقات مع دمشق بأي ثمن. لكنّ هذا الاعتقاد يُمكن المجادلة به. حتى لو أحدثت الانتخابات التركية تحوّلاً سياسياً، فإن المقاربة التركية لمسألة الانسحاب من سورية لن تتغيّر جذرياً، وستبقى مرهونة بمعالجة الهواجس الأمنية لأنقرة إزاء وحدات حماية الشعب الكردية. كذلك، إن رغبة المعارضة في إعادة اللاجئين السوريين لا يُمكن أن تتحقق من دون تأمين ظروف آمنة وكريمة لإقناعهم بالعودة. وهنا تبرُز اتفاقية أضنة المبرمة بين تركيا وسورية عام 1998 كأرضية جيدة للمفاوضات بخصوص مستقبل الوجود العسكري التركي. يُمكن لموافقة دمشق على تعديل هذه الاتفاقية بشكلٍ يسمح لتركيا بالتدخل العسكري في الأراضي السورية بعمق 30 كيلومتراً لمحاربة أي تهديدٍ ناجم عن وحدات حماية الشعب الكردية، الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني، أن تشجع أنقرة على الموافقة على وضع جدول زمني لسحب قواتها. علاوة على ذلك، ستساعد موافقة النظام على عودة آمنة وكريمة للاجئين السوريين، أردوغان في معالجة قضية اللجوء التي تضغط عليه في الداخل.
——————————–
هل تداوي المصالحات العربية جراح الشعوب؟/ محمود الريماوي
من السهل القول إن الشرق الأوسط، وفي القلب منه منطقتنا العربية، يتّجه نحو إحلال السلام والمصالحة بين دوله، فيما يشهد العالم حالة حربٍ مدمّرة كالتي تمثلها الحرب في أوكرانيا، وتأزم مشكلة تايوان وزيادة نُذر نشوب صراع عسكري حولها، وإن شيوع ثقافة الحوار والتماس مساحاتٍ للتفاهم يمثل بارقة أمل كبيرة، بعد مضي أزيد من عقد على توتّرات عنيفة عصفت بمنطقتنا وشعوبها.
ومن الميسور استنتاج أن من شأن التقدّم نحو حالة يسودها ولو الحد الأدنى من الوئام السياسي أن يحدّ من المخاطر، ومن السباق على التسلح ومن التدخلات الخارجية، كما من شأنها أن تنعكس على أوضاع المعاناة لدى بعض الشعوب، كما هو حال شعب اليمن، بعد التفاهم السعودي الإيراني على وقف القطيعة واستئناف العلاقات بين البلدين، غير أن هذا الأمل الذي يلوح في الأفق يظلّ محفوفا بأوجه النقص، ففي حالة اليمن المنفردة ثمّة مشكلة خاصة بجنوب البلاد تنشب بين الحكومة المركزية والداعين إلى استعادة جمهورية جنوب اليمن، فضلا عن الحاجة إلى تسويةٍ متوازنةٍ في شمال اليمن تكفل عدم تغليب طرفٍ على طرفٍ مستقبلاً.
والحال أنه يصعب القول إن نهج المصالحات، في طوره الحالي، يكفي كي ينعكس إيجاباً على الشعوب، وبخاصة أن هذا النهج يتركّز بين الدول والأنظمة، ومع الأخذ في الاعتبار مبدأ عدم التدخّل في الشؤون الداخلية، الواجب المراعاة، فإن تساؤلاتٍ تثور بشأن أوضاع الشعوب ومصيرها، وما تتعرّض له أوطانها من تدخّلاتٍ خارجيةٍ في شؤونها الداخلية، وهو ما يستحقّ أخذه في الاعتبار راهنا ومستقبلا. إن جانبا أساسيا ومحوريا من الخلافات العربية مع إيران نجم عن التدخلات الإيرانية في أوضاع مجتمعات ودول عربية، وهو موقفٌ لطالما شدّدت عليه الرياض وعواصم عربية أخرى، وكذلك قوى اجتماعية وسياسية عربية على مدار سنين طويلة، ناهيك عن التساؤل بشأن انعكاسات الاتفاق على أوضاع شعب إيران نفسه الذي لطالما أطلق احتجاجات واسعة على مدار عقدين، من دون أن يستجيب النظام لأدنى المطالب الشعبية العريضة.
يصحّ ما تقدّم على خطوات التقارب مع النظام السوري، وموقع الشعب السوري من هذه السياسات الجديدة، فالنهج الجديد بالتقارب مع دمشق يتم حتى تاريخه بمعزلٍ عن الشعب الذي يواجه مختلف صنوف الويلات في الداخل والخارج، إلى درجة أن السوريين في مختلف المناطق يتعرّضون لأزمة معيشية طاحنة مع فقر مدقع يلامس حدود المجاعة ويطاول غالبية الشرائح الاجتماعية، فيما يعاني الملايين من ويلات النزوح في الداخل واللجوء في الخارج دونما أملٍ في وقف هذه المأساة المتطاولة. ويقبع عشرات الآلاف وراء القضبان، وتقفل العواصم العربية أبوابها في وجوه السوريين، فماذا يُجدي فتح السفارات وحده في وقف المعاناة العامة والشديدة، أو في الشروع بإعادة الإعمار، ما دامت أبواب الأزمة السياسية موصدة، وتتحدّى الحلول، بل إنه يتم إنكار هذه الأزمة المتشعّبة ووضع العراقيل أمام الحلول، كما هو الحال في المفاوضات العبثية الطويلة بشأن الوضع الدستوري، والتي رعتها الأمم المتحدة، ومن غير أية نتيجة تُذكر.
لا بأس في أن يتم التقارب العربي مع دمشق، على أن تؤخذ احتياجات ملايين السوريين الذين يعانون شتى أنواع الأهوال في الاعتبار، فما زال مئات منهم، وبصورة دورية، يقذفون أنفسهم مع عائلاتهم في قوارب متهالكة تمخر مياه المتوسّط بحثا عن أرض آمنة تمنحهم الحد الأدنى من أسباب العيش الكريم الآمن، وحيث سرعان ما سيصطدمون مع دولٍ تتخذ من العداء للاجئين سياسة لها. وهذا من دون التذكير بما آلت إليه أحوال آلاف العائلات من قاطني المخيمات الفلسطينية من كوارث مستمرّة في “قلب العروبة النابض”. ويعرف المرء أن جانبا مهما من مباحثات المصالحة العربية يتعلق بأحوال السوريين في الداخل وفي الشتات ووجوب السير على طريق الحلول الفعلية بغير مناوراتٍ وتسويف. والمأمول والمطلوب في هذا الاتجاه أن تُؤخذ آراء ممثلي السوريين المستقلين والناقدين في الاعتبار، وإشراكهم في هذه المباحثات، من أجل الوصول إلى حلول ناجعة تنعكس إيجابا على الجميع، وبحيث يقرّر السوريون مستقبل بلادهم بغير تدخّلات أجنبية شرسة، تتقاسم السطوة والنفوذ في أنحاء البلاد.
وينطبق ما يًقال عن مساعي المصالحة العربية مع دمشق على مساعٍ مماثلة لتركيا التي استضافت أكبر عدد من اللاجئين السوريين، من دون أن يولي النظام أهمية تُذكر لضمان عودةٍ آمنة لهم، إذ إن احتياجات هؤلاء لا بد أن تقع في صلب المباحثات بين أنقرة ودمشق، علاوة على وضع الملايين في شمال غربي سورية الذي يقع تحت النفوذ التركي، وعدم اختزال المشكلات بمشكلة الحركة الكردية المسلحة. وهذا من دون التقليل من أهمية هذه المشكلة، والحاجة إلى وضع حلولٍ سياسيةٍ لها بدل الاكتفاء بالحلول الأمنية. يقول المرء بذلك في أجواء الانتخابات التركية الرئاسية والبرلمانية المقرّر إجراؤها بعد أربعة أسابيع، والتي تشتدّ رياح المنافسة فيها، وحيث يلعب المكوّن الكردي داخل تركيا دورا مهما في تقرير وجهة الانتخابات ونتائجها، كما تقرّ بذلك نتائج مختلف الاستطلاعات التي تجري في بلاد الأناضول، والتي تسبر آراء شتى شرائح الناخبين. وقد كان لمساعي المصالحة التركية مع دمشق انعكاسها وتأثيرها في تسريع وتيرة جهود المصالحة العربية مع دمشق، من دون أن يبدو لذلك اي انعكاس إيجابي على أوضاع ملايين السوريين، وعلى إنهاء مشكلة وجودهم بأعداد كبيرة على الأرض التركية، حيث اشتدّت مشكلتهم ومعاناتهم بعد وقوع زلازل 6 فبراير/ شباط الماضي.
الهدف مما تقدّم ذكره عبور الطريق نحو مصالحاتٍ شاملة ذات أثر على الجميع دولاً وشعوباً، مصالحات لا تتوقف عند سطح الأزمات، بل تنفذ ما أمكن ذلك إلى أعماق هذه الأزمات، وتفكيك عناصرها الداخلية والبنيوية، حتى لا تنفجر مجدّداً، وحتى لا تدفع الشعوب المغلوبة الثمن الفادح مرّتين.. مرّة لدى نشوب الأزمات، ومرّة ثانية لدى إجراء مصالحاتٍ سريعة وجزئية.
العربي الجديد
———————————-
المقداد يقرّ باستحالة العودة للجامعة العربية:نضحي للمّ الشمل العربي
قال وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد إن عودة النظام إلى الجامعة العربية شبه مستحيلة.
وأضاف المقداد في مقابلة مع قناة “الجزائر الدولية”، أنه لمس خلال زياراته العربية “تفهماً لطبيعة ما مرّت به سوريا خلال الفترة الماضية، حيث من الممكن أن يتكرر في أي دولة عربية”. وقال إن النظام لا يفرض شروطاً على العرب من أجل عودة العلاقات إلى سابق عهدها معهم.
ورداً على سؤال حول عودة النظام إلى الجامعة العربية، اعتبر المقداد أن “العودة شبه مستحيلة قبل تصحيح العلاقات الثنائية”، قائلاً إن زيارته الأخيرة وكذلك زيارات المسؤولين في النظام إلى العواصم العربية “كانت برغبة مشتركة لاستعادة العلاقات الطبيعية مع تلك الدول وفتح صفحة جديدة في العلاقات العربية-العربية”.
وقال إنه “إذا كانت مسألة وجود سوريا في الجامعة العربية تريح من بعض المشكلات، فلا مانع من أن نضحي بسوريا لوقت قصير من أجل إعادة لم الشمل العربي”.
وتابع المقداد أن “تصحيح العلاقات بين الدول العربية بالبعد الثنائي شبه مستحيل”، مضيفاً أن “سوريا آمنت بالبعد العربي لكل قضايانا، وتطالب بتوحيد كل الدول العربية ومواقفها”.
والسبت، كشفت صحيفة “فاينشال تايمز” عن وجود خلاف عربي حاد بسبب التقارب السعودي مع النظام السوري، مشيرةً إلى أن معالمه اتضحت خلال اجتماع وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي في جدة الجمعة.
وكان هدف الاجتماع بحث عودة النظام إلى الجامعة العربية، لكن بيان الاجتماع الختامي لم يأتِ على ذكر الموضوع، ما يؤشر إلى أن لا اتفاق عليه. ونقلت “فايننشال تايمز” عن مسؤولين مطلعين على الاجتماع تأكيدهم أن هناك معارضة حادة للتقارب السعودي مع النظام من قبل دول عربية ضمنها قطر والكويت والأردن، والذين تساءلوا جميعهم عن المقابل الذي سيقدمه النظام إزاء هذا التقارب.
وحول كيفية تعامل النظام مع الضربات الإسرائيلية التي توقع قتلى سوريين، قال إن “إسرائيل معروفة بارتكابها للجرائم الكثيرة ولا يمكن الحديث عن التحديات التي يواجهها الشعب السوري والاعتداءات بمعزل عما يتم الآن على الساحة الفلسطينية”، زاعماً أن دعم النظام للشعب الفلسطيني هو رد على الهجمات الإسرائيلية.
واعتبر أن تل أبيب “تعرف وتعي أن الرد السوري على مثل هذه الاعتداءات وبشكل معلن قادم لا محالة”، مشيراً إلى أن النظام “سيرد” على إسرائيل في الوقت الذي يخدمه.
ووصل المقداد إلى الجزائر السبت، حيث التقى خلالها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ونقل إليه رسالة شفهية من رئيس النظام بشار الأسد، بحسب وكالة الأنباء الجزائرية، قبل أن ينتقل الى تونس المجاورة.
والأحد، قالت وزارة الخارجية التونسية في بيان، إن وزير الخارجية نبيل عمار وجّه دعوة لنظيره المقداد لأجل إجراء زيارة عمل إلى تونس تستمر ليومين ابتداءً من الاثنين، مضيفةً أنها في إطار “تكريس روابط الأخوة العريقة القائمة بين البلدين وإعادة العلاقات الثنائية مع النظام السوري إلى مسارها الطبيعي وذلك بعد قرار الجانبين إعادة فتح السفارات وتبادل تعيين السفراء”.
————————
هل يحق للمتعشِّمين السوريين الغضب على أشقائهم وجيرانهم؟/ أحمد جاسم الحسين
يراكم الملف السوري حدثاً إثر حدث، خيبات جديدة، وجروحاً واسعة وغضباً شديداً، بخاصة من جهة من اختاروا خيار الثورة والوقوف بوجه النظام الديكتاتوري، الذي يحفل سجله وفقاً للأمم المتحدة بآلاف الجرائم على مختلف أنواعها.
وعقب كل حدث سياسي أو تواصل إقليمي أو عربي مع النظام القاتل في سوريا، الذي نبذه الجميع ذات ثورة، تبرز موجات من الغضب والاتهامات ممن يرون في التطبيع خيانة لأرواح الضحايا على الأقل، ودفاع المطبعين معه. وغضبُ السوريين على من يعيدون علاقتهم مع النظام؛ مردّه في جانب كبير منه إلى الأخلاق، فكيف يمكن لمن وقفوا مع خيار الثورة وشجعوا السوريين على ثورتهم وقطعوا علاقاتهم مع النظام يعاودون الاتصال معه ثانية؟
تشير قراءات العلوم السياسية والاجتماعية إلى أن الأفراد يفكرون بطريقة مختلفة وبعيدة عن الطريقة التي تفكر فيها الدول، بخاصة في عصر الدولة الوطنية، التي تشير معظم تعريفاتها إلى أنها الدولة التي تحرص على تأمين مصالح مواطنيها ضمن حدودها أولاً، بما ينسجم مع محيطها الإقليمي والدولي وفي حدود المعطيات والظروف المحيطة.
لا يعرف تاريخ الدول الكثير من الثبات في مواقفها السياسية من أوضاع الدول الأخرى، ويشهد التاريخ المعاصر أمثلة عدة على التحولات في المواقف سواء للدول الفاعلة وأعضاء مجلس الأمن أو الدول المنشغلة بهمومها الذاتية، بل إن الأعم الأشمل في مواقف الدول هو التحول وفقاً لمصالح ومتغيرات محلية ودولية.
أكبرُ تحول سياسي عالمي، بعد أن طوي عقد الربيع العربي، هو إعصار الحرب الروسية على أوكرانيا وتبعاتها على المستويات كلها، بل إن المؤرخين يضعونها نقطة تحول قد لا تختلف كثيراً عن نهاية الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفييتي، أو هجمات 11 سبتمبر وكذلك غزو العراق، أو ظهور داعش وانطفاؤها. وقد فرضت حضورها وها هي تعيد تشكيل التحالفات والاستراتيجيات الغربية والشرقية على المستوى السياسي، بل وصل أثرها إلى لقمة عيش الناس في معظم بقاع العالم.
“العشم السوري” في من هم خارج حدود الدولة السورية كبير جداً دولاً وأفراداً، ويعود في جانب كبير منه إلى أن النظام السوري نفخ في الشخصية السورية وهم القومية العربية. والأحزاب الدينية نفخت فيهم “الحمية الدينية”. والمطلعون على الثقافة الغربية وشريحة من اليساريين نفخوا كثيراً في فكرة الدولي و”حقوق الإنسان”. فبات نفر كبير من السوريين على يقين بأن الحل للوضع السوري يكمن في الآخر، هذا الآخر الذي استثمر في وجعهم ذات يوم وأشعرهم أنه على قد “العّشم السوري” فيه، وقدم كل ما يجعل السوري مطمئناً إلى أن عشمه في مكانه، وبالتالي من المتوقع أن خيبة الأمل تكون ملائمة للعشم في الآخر!
المشكلة في جانب منها كانت أن هذا “العشم” يرتبط بالأخلاق والثوابت بصفته خصلة أفراد، أما الدول في مرحلة الدولة الوطنية خاصة فإنها تستمد قراراتها ليس من السجلات الأخلاقية بل من المصالح المتحركة والتحالفات المتغيرة والتكتيكات اليومية، ولعله مما يخفف على “أصحاب العشم” النظر إلى أن هذه الدول ذاتها عضَّتْ على جروحها وتواصلت مع من كانت تعده عدواً لها قبل شهور، بل إن سياسيين أميركيين تمترسوا قبل سنوات خلف مقولات إلغائية للآخر، وهاهم اليوم يتقاطرون إلى هذه الدولة أو تلك بهدف عقد صفقة أو إعادة إقامة علاقة، بعيداً عن تلك التصريحات الحادة!
تعالوا نتأمل الموقف التركي والسعودي والمصري مثلاً في السنوات الأخيرة، بعيداً عن الملف السوري، فإننا واجدون أنهم أحدثوا انقلابات كبيرة جداً في توجهاتهم السياسية وخياراتهم، ولو كانت الأخلاق مرجعهم كما نظن نحن السوريين المنحازين لقيم الثورة، لكان المشهد غير قابل للتصديق!
ما يراكم وجعنا نحن المنحازين لخيار الثورة أننا أيتام الله على الأرض، هِمنا نحو حلمنا، بذلنا له كل غال، وتشردنا، وقبلنا بالتخلي عن كل ما أنجزناه كأفراد لنبدأ من جديد ثانية حياة بعيدة عن الظروف الموضوعية للحياة الطبيعية، قبِلنا أن نبدأ بتعلم لغات جديدة مع أطفالنا، وضحَّينا بأمان أسرنا، واخترنا الحلم المؤجَّل منزلاً لما تبقى من أعمارنا!
من الطبيعي نحن أبناء الحلم الثوري التغييري أن ننتظر المدد ليس من الله فحسب، بل ممن نحسبهم أشقاء وجيراناً، وهذا عرف ثقافي ثابت على مستوى الأفراد، لكن هل يمكن تطبيقه على مستوى الدول؟
لا يخطرُ ببال مناصر أو معاد للحلم السوري بالتغيير قبل سنوات أن تأتي لحظة يغدو فيها أقصى طموحنا أن يتم تأجيل إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية سنة جديدة وربما أخيرة، لنلملم أكفاننا قليلاً ولنخصص وقتاً للاعتذار من الضحايا، ومن أرواح أمواتنا، ولنذرف دموعنا أمام نسائنا!
بعيداً عن غضب لحظة انكسار العشم السوري المرحلية الحالية، يبرز سؤال: ماذا أعددنا لما بعد ذلك أفراداً وهيئات مثلت الحلم أو أفادت منه أو ادعت تمثيله، أو تاجرت به أو انكسرت معه؟
هل بقي بيدنا شيء؟ وقد جربنا كل أنواع المرونة والتفاوض والتواصل والاستعطاف والقبول بأرباع الحلول؟ هل الحل يكمن في الانكسار والاستسلام لما يقوم به السياسي الذي ربط عمله بالظروف المحيطة والمتغيرات والمصالح؟
هنا بالذات يأتي دور المثقف، والاستراتيجي، والمفكر، والإعلامي صاحب الرسالة، والمبدع والفنان لن نطلب منه أن يناطح السحاب، أو يجترح حلولاً من بنيات أفكاره، لماذا لا ينظر إلى التجربة الفلسطينية مثلاً؟ كيف استطاع هذا الشعب أن يبقي حلمه مستيقظاً على الرغم من كل الجهود الدولية لإطفاء حلمه؟ هل عليه أن يمشي في طريق الإلغاء والتخوين ويبقى أسير لحظة الغضب وهي لحظة حق وصدق، أم يترك أبواب التواصل والحوار مع الآخر مفتوحة، ويحاول أن لا يغيب عن المشهد!
يبدو في لحظات كثيرة أن الاعتراف بالخسارة السياسية والمحاكمة الفردية للأخطاء مدخل جيد لاقتراح آليات جديدة، أو إنتاج الخطة (ب)، ومن غير المعقول أن نبقي اللوم على الآخر فحسب، وننسى أخطاءنا وعثراتنا وأننا لم نستثمر اللحظة الدولية والإقليمية التاريخية لإحداث التغيير حيث انشغل كثيرون بالغنائم قبل تحقق جزء من الحلم بخاصة في أعوام 2012-2013-2014؟
في الأحوال كلها، العشم يكون في الكرام وأصحاب القيم والأخلاق العالية، أما لحظة الغضب فهي ردة فعل طبيعية يقوم بها الأفراد عمن تخلوا عن حلمهم أو تواصلوا مع من هو بعرف الأخلاق ساقطٌ وبعرف القانون الدولي مجرمٌ، لكنه بعرف السياسة وتحولاتها هو قوة موجودة من وجهة نظر “كابتاغونية” ومن وجهة نظر ملف إصلاح العلاقة مع إيران مثلاً ومن وجهة هيئات المجتمع الدولي!
بعيداً عن لغة الاتهام والتخوين والرد عليها والوقوع في أسر براثنها، جديرٌ بنا نحن السوريين المنحازين لحلم التغيير ألا نراكم أخطاء وخسارات جديدة في مرحلة يمكن أن يقال عنها، مرحلة سائلة، وهي مرحلة العض على الأصابع سياسياً. فالمشهد العالمي برمته يبحث عن مخارج جديدة ومتداخلةٌ تفاصيلُه بشكل مؤلم؛ بحيث إن خرائطه غير واضحة.
وفي عودة إلى العنوان: نعم يحق للسوريين المتعشِّمين أن يغضبوا على إخوانهم وجيرانهم، ويغضبوا منهم، ويغضبوا لتشظي حلمهم، لكن من المهم وهم غاضبون ألا يصلوا إلى العدمية والتخوين وتدمير ما تمّ بناؤه، أو إلغاء خيوط التواصل وموجبات العشم، التي لولاها ماحدث الغضب!
أن تكون على حق لا يعني ألا يكون غضبك واعياً وباحثاً عن منافذ جديدة، وألا تحول المتعاطفين معك إلى غاضبين منك وعليك لأنهم ربما سيقولون لك: فرصُ التغيير في السياسة ليست بوقت مفتوح، وإن لم تستطع التقاطها فليس ذنب الآخر، الذي سيبحث عن مصالحه في ضوء تحولات المشهد السياسي العالمي، وربما سيضطر إلى تناسي وعوده وما قاله ذات يوم بأن نظام القمع في سوريا سيتم إسقاطه سياسياً أو عسكرياً. بل محافظة على ماء وجه من صرَّح تمّتْ إحالته إلى التقاعد أو تكليفه بملفات أخرى، بعيدة كلياً عن الملف السوري!
المشهد يتشكل من أربعة عناصر هي: الغاضبون من انكسار الحلم أو المتعشِّمون، والمغضوب عليهم أو المتعشَّم بهم، وأسباب الغضب أو العشم، والظروف السياسية المحيطة بالعشم.
لا بد من الأسئلة: كيف ندير هذا المشهد ولمن نتوجه؟ وكيف نضبط ردود أفعالنا وتوجهاتها ونواظمها؟ وكيف لا نجعل من التحولات خسارات جديدة مع إدراكنا أن المشكلة ليست بنا ونحن الذين لم نبادر بكسر العشم بنا أو زراعة خيبة الأمل! والغضب حقٌ لنا، لكن كيف نعبِّر عنه، وكيف نديره؟ هنا مربط الكلام!
المحافظة على ما بين يديك وما يحيط بك، حين لا تكون قادراً على الفعل، قد يكون أحد الخيارات، ولا يعني ذلك أن تنجرّ نحو التخلي عن قناعاتك أو أفكارك أو أحلامك! ومن المهم في هذا الظرف اللاإنساني القاسي علينا نحن المناصرين لقيم الثورة أن نجيد التوازن على مرحلة الصراط المستقيم سياسياً، كي لا نقع فيقع حلمنا معنا ويتكسر! والزمان دولٌ وتحولات ومراحل، ولكل زمان دولة ورجال ونساء…!
تلفزيون سوريا
—————————–
تطبيع مشروط أم خضوع وطلب للود؟!/ مصطفى إبراهيم المصطفى
في مقال سابق يحمل عنوان “التحرشات الإيرانية بالقواعد الأميركية وعلاقتها بأكاذيب الغرب” وردت وجهة نظر لا بد أنها أثارت استهجان البعض، ووجهة النظر هذه تقول: “فالوضوح القاطع الذي يصل إلى مستوى السذاجة البلهاء في السياسة الخارجية الأميركية وتأثير البيئة الداخلية على هذه السياسة هو مصدر الثقة لإيران وغيرها في تحديهم للمصالح الأميركية”. ولعل البعض ممن قرؤوا تلك الكلمات اتهموا كاتب المقال بالسذاجة التي تصل إلى مستوى البلاهة.
مشكلة البعض في منطقتنا العربية أنهم في عالم الثابت الوحيد فيه أن كل شيء متغير؛ تجدهم مصممين على التمسك بمعلومات أكل عليها الزمان وشرب، وهم إن سمعوا ما يخالفها يعتبرونه كذبا أو تضليلا، فعلى سبيل المثال كانت منطقة الشرق الأوسط في يوم من الأيام محط اهتمام القوى العظمى لكنها اليوم لم تعد كذلك، وتراجع أهمية الشرق الأوسط لم يكن مجرد تحليل أو تسريب استخباراتي أو ما شابه ذلك، وإنما جاء على لسان الرئيس الأميركي “باراك أوباما” وعلى رؤوس الأشهاد عندما أعلن أن الولايات المتحدة تخطط للتخفف من التزاماتها في الشرق الأوسط لأنها تريد إعادة توزيع مواردها بشكل يضمن لها حضورا أكبر في بحر الصين، وقد قالها بوضوح قاطع.
لأنهم لا يستطيعون تغيير قناعاتهم بسهولة، وربما لأنهم لا يرغبون بتصديق ذلك؛ استغرقت بعض الدول العربية فترة طويلة حتى اقتنعت أن الإدارة الأميركية تعني ما تقول، وأن ذلك التوجه يعبر عن استراتيجية أميركية جديدة أكثر مما يعبر عن موقف إدارة محددة. لذلك وجدت بعض الدول العربية التي كانت تعول على المظلة الأمنية الأميركية نفسها مضطرة لاجتراح حلول أو معادلات جديدة تقلص هواجسها الأمنية من خلالها. وضمن هذا السياق جاء التقارب المتصاعد مع كل من روسيا والصين، ومؤخرا المصالحة مع إيران. ورغم أن الحراك بدأ كنوع من التذكير بأهمية هذه الدول بالنسبة للولايات المتحدة، إلا أن عدم الاكتراث الأميركي سيوصل هذه الدول – إن لم يكن قد أوصلها بالفعل – إلى تبني نهج يشبه إلى حد بعيد النهج المتبع من قبل الحكومة التركية.
وضمن السياق ذاته جاءت عملية التطبيع مع النظام السوري (الحديث هنا عن بعض الدول العربية لأن بعضها الآخر كان سباقا إلى التطبيع والدفع نحوه لأسباب مختلفة)، ولأن هذه الدول وافقت على التطبيع نزولا عند رغبة الأصدقاء الجدد (روسيا والصين وإيران) تعتقد أن بإمكانها فرض بعض الشروط، أو أنها تلقت بعض الوعود والضمانات وهي تتحدث بناء على تلك الوعود. في المقابل يحاول النظام السوري أن يقنع نفسه والآخرين أن مسار التطبيع القائم على قدم وساق إنما هو نتيجة كونه أحد الأطراف المهمة في المعادلة الأمنية الجديدة التي تحاول هذه الدول صياغتها. لذلك هو يتحدث عن مجيء الكل صاغرا يخطب وده، بينما يتحدث الآخرون عن تطبيع مشروط.
في مجمل الأحوال، إذا صحت فرضية النظام السوري فسيكون بإمكان الدول المطبعة أن تفرض بعض الشروط التي هي أقرب إلى الاستجداء، من مثل: التوقف عن تكرار عبارة “جاؤوا صاغرين يطلبون الود”، والالتزام بعدم الإساءة للقادة العرب أثناء انعقاد القمم العربية، وإيقاف تجارة الكبتاغون مقابل مساعدات تقدم له تعويضا عن عائدات هذه التجارة، وهكذا… أما إن كانت الدول العربية صادقة فيما تروج له عن تطبيع مشروط فالقضية سوف تكون دخلت منعطفا خطيرا ووضعت النظام السوري في مأزق خطير يصعب تجاوزه.
إن ما يجعل الافتراض الثاني (التطبيع المشروط) أكثر رجحانا هو أن الدول – سواء منها العربية أو الإقليمية – التي كانت حتى الأمس القريب تعارض فكرة التطبيع مع النظام السوري غيرت موقفها بناء على رغبة ووساطة روسية، وهذا يعني أن روسيا قدمت ضمانات ووعود لهذه الدول جعلت موقفها أكثر مرونة، فالروس المتمسكون برأس النظام من أجل تكريس عقيدتهم الفكرية الجديدة المسماة “العقيدة النظامية” والتي تقوم على عدة مرتكزات فكرية، أهمها: أولوية الاستقرار على الديمقراطية، والانحياز الأيديولوجي للقانون الدولي، هم معنيون أيضا بالظهور بمظهر القادر على إحلال السلام على خلاف الدول الغربية التي أسقطت الدولة في كل من ليبيا والعراق على سبيل المثال. لذلك فالمقاربات الروسية للحل في سوريا دائما تتضمن بعض التنازلات التي لا بد منها من قبل النظام السوري.
من جهته، يعتقد النظام السوري أن بعض التعديلات الطفيفة على سلوكه بعد العام 2000 هي السبب باندلاع الثورة السورية، لذلك فرؤيته للحل هي أن يبسط سيطرته على كامل الجغرافية السورية والعودة بسلوكه إلى ما قبل العام 2000 وليس ما قبل العام 2011، ومن هنا يتضح كم هو البون شاسع بين الرؤية الروسية ورؤية النظام السوري للحل. ومن هنا أيضا يمكن تفسير بعض تصرفات النظام السوري كاحتضانه لحفل لجماعة الحوثي في دمشق، واستباق اللقاء الرباعي في موسكو بشروط تعجيزية، والخطاب الإعلامي المستفز بأنها ليست سوى وضع للعصي في العجلات.
سيحاول النظام السوري بكل ما أوتي من قوة ومن مهارة في المراوغة والخداع أن ينحرف بمسار التطبيع نحو الطريق الذي يناسبه. أي التطبيع المجاني أولا، ومن ثم يخلق الله ما لا تعلمون، ولعل مدخله إلى هذا الطريق هو طرحه القديم المتجدد: تأتي الإصلاحات كمحصلة لحوار سوري – سوري بعد أن تبسط الدولة نفوذها على كامل التراب السوري.
تلفزيون سوريا
—————————–
سراب الفصل بين نظام الأسد وإيران (1)/ عمار السمر
كثرت الحكومات العربية التي تريد التطبيع مع نظام الأسد مبررة ذلك بعدم ترك سوريا للهيمنة الإيرانية. حديث العرب هذا أقدم مما يظنه البعض، ولا يرتبط بما يجرى في سوريا بعد الثورة 2011 ودعم إيران اللامحدود لنظام الأسد مادياً ومعنوياً وعسكرياً لقمع الانتفاضة السورية. فقد حاولت بعض الدول العربية في الماضي إبعاد الأسد عن إيران وأغدقوا عليه الأموال لسنوات ولكنهم لم ينجحوا في مسعاهم في أي مرة بل تعرضوا لابتزازه. وربما يعلمون هذه المرة أنهم لن ينجحوا، لأن الأسد الابن بقي بفضل الدعم الإيراني والروسي الجدي، وتخاذل داعمي الثورة السورية ومحاولتهم استغلالها، ومعاداة البعض لها وللربيع العربي. أما وقد بقي الأسد مسيطراً على سوريا فيرى هؤلاء أنه لا بد من التعامل معه وترغيبه بالعلاقات والمال وإعادة الإعمار عله يبتعد عن إيران، مع أن هذه السياسة اُتبعت أيام حافظ الأسد وأثبتت فشلها في الفصل بينه وبين إيران، حتى في المواقف المفصلية التي لا تحتمل المناورة التي أتقنها.
ما لا يعرفه كثيرون أن العلاقة الاستراتيجية بين نظام الأسد -منذ الأب- وإيران وبالتحديد الملالي وعلى رأسهم آية الله الخميني وجماعته قديمةٌ. ويظن هؤلاء خطأً أنها بدأت بعد “الثورة الإيرانية” عام 1979، عندما قدم الأسد الدعم بما فيها العسكري لإيران ضد العراق في “حرب الخليج” على خلفية الصراع بين نظام البعث في العراق بقيادة صدام حسين وبعث سوريا.
والصحيح أن العلاقة بين الأسد الأب والملالي تعود إلى ما قبل الثورة الإيرانية التي شاركت فيها جميع شرائح وتيارات الشعب الإيراني قبل أن يستولي عليها الخميني ويقصي من شاركه الثورة. لم يكن الأسد في وارد التفكير في دعم ثورة شعبية ديمقراطية ضد حكم الشاه الديكتاتوري، لكنه كان قد بدأ بنسج علاقات في المنطقة على أسس طائفية قدم بموجبها الدعم للخميني وجماعته مع أنه، في الوقت نفسه، كان يضطهد التيارات الإسلامية في سوريا قبل أن يدخل في مواجهة مفتوحة معها وصولاً إلى مجازر الثمانينات.
يُرجح أن تكون العلاقة بين الأسد والخميني قد بدأت منذ أن كان الأخير لاجئاً في النجف بالعراق. عبد الحليم خدام، نائب الأسد، في مذكراته التي نشرتها جريدة الشرق الأوسط، يُرجع الفضل في نسج تلك العلاقة إلى الإمام موسى الصدر، الزعيم الشيعي اللبناني الذي كان على علاقة قوية مع الأسد منذ استيلائه على السلطة في سوريا. وعلى حد تعبير خدام أيضاً في كتابه الضخم “التحالف السوري الإيراني والمنطقة” فقد كان الأسد يثق بالصدر ثقة عميقة ويعتبر الطائفة الشيعية في لبنان الأكثر قرباً من نظامه واستجابة له. ومن المعروف أن الصدر، الشخصية المثيرة للجدل، هو من قاد الصعود السياسي للشيعة في لبنان وتكتلهم في بداية السبعينات في كيان طائفي سياسي كباقي الطوائف بعد أن كانوا ينتمون إلى التيارات القومية واليسارية. وفي الفترة نفسها، كما هو معروف، اعتمد الأسد التضامن الطائفي لسيطرته على السلطة. وفي هذا السياق قدم الصدر المساعدة للأسد للخروج من أزمة “شكلية” واجهته بداية حكمه، عندما رفض العلماء السُنة السوريون أن يكون الأسد رئيساً لأنه علوي بينما العرف والدستور السوري ينص أن يكون الرئيس مسلماً، ولتجاوز المشكلة أصدر الصدر فتوى تعتبر العلويين أتباعاً للمذهب الجعفري شأنهم شأن الشيعة الاثني عشرية.
لم يكن الصدر مجرد زعيم ديني محلي فهو من مراجع الشيعة المعتبرين وله امتدادته وسط العلماء الشيعة في لبنان والعراق وإيران التي ولد فيها. وقد قدم الدعم لرجال الثورة الإيرانية قبل قيامها، بل كان العديد من قياداتها يعتبرونه مرجعهم، ومنهم أول رئيس لوزراء إيران مهدي بازركان، ووزير الخارجية إبراهيم يزدي ونائبه صادق طبطبائي ابن أخت الصدر. وعندما أسس الصدر حركة أمل كأول تنظيم سياسي لشيعة لبنان ساهم معه في ذلك مساعده القيادي الإيراني مصطفى شمران (چمران) الذي أصبح أحد أعضاء مكتبها السياسي قبل أن يُعين كأول وزير دفاع في إيران بعد الثورة وقائداً للحرس الثوري. ومن المعروف الدعم الكبير الذي قدمه الأسد لـ”حركة أمل” والشيعة في لبنان في سياق عبثه بالمكونات الطائفية لتحقيق مصالحه. وفي تلك المرحلة استخدم الأسد إمكانات الدولة السورية لدعم جماعة الخميني قبل ثورته، فمما تسرب إلى الصحافة العالمية تزويد الأسد رجال الخميني بجوازات سفر دبلوماسية سورية، وبطاقات صحفية سورية، لتسهيل تنقلهم في العالم. كما عرض على الخميني الإقامة في سوريا بعد أن طلبت منه الحكومة العراقية عام 1978 مغادرة العراق، ولكنه فضل الذهاب إلى باريس.
وفي دليل على تلك العلاقة الحميمة كان حافظ الأسد أول زعيم عربي، وربما في العالم، يرسل تهنئة رسمية لآية الله الخميني في 12-2-1979 أي ثاني يوم انتصار ثورته، كما ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية، وهو ما لم يذكره عبد الحليم خدام في كتابه المذكور آنفاً. وبمقابل حماس الأسد للخميني صدرت مواقف مغايرة عن باقي الدول العربية، فقد نظر العراق بتوجس وريبة على الرغم من أن الخميني كان لاجئاً سياسياً في العراق منذ 1963 وحتى 1978. أما السعودية فقد عبرت عن قلقها خاصةً من نفوذ الشيوعيين في الثورة قبل أن يعلن الخميني عن رغبته بتصدير ثورته. أما منظمة التحرير الفلسطينية، المتألمة من اتفاقية كامب ديفيد، فقد أصدرت بياناً “تنبأت فيه بقيام حكم عظيم يضع المنطقة على حافة تغييرات مصيرية”، قبل أن ينقض أتباع الخميني على الفلسطينيين في لبنان رغم احتضان منظمة التحرير لهم في البداية وتدريبهم مع المعارضة الإيرانية في معسكراتها. كما رحب بالثورة الإيرانية في البداية كثير من الإسلاميين في البلاد العربية، ومنهم الإخوان المسلمون، على اعتبار أنها جاءت في سياق المد الإسلامي في المنطقة، قبل أن يكتشفوا التوجهات الطائفية لها.
إذا أردنا الذهاب في تفسير العلاقات الطائفية واستخدامها سياسياً سنجد لها امتدادات تعود إلى مئات السنين، وقد كتب عنها العديد من المؤرخين. أما حديثاً فمن الواضح أن نظام الخميني ونظام الأسد استخدما التضامن الطائفي كأحد أهم أسس حكمهما وتحقيق مصالحهما الاستراتيجية. لذلك اعتبرت عصبة الأسد العلاقات مع ملالي إيران وباقي ملالي المنطقة علاقة استراتيجية تساعدها في مواجهة أي تهديد لسلطاتها مستقبلاً، وهو ما ثبت بعد 2011. واستخدام الأسد وعصبته للتضامن الطائفي ليس بجديد، فقد كان أساسياً في نسج علاقاتهم ومصالحهم، وتوسع هذا التضامن من استخدام العصبية الطائفية العلوية الأصغر إلى الشيعية الأكبر، وتعداه إلى التضامن الأقلوي الأوسع ليشمل طوائف وأقليات أخرى لها امتدادتها المحلية والإقليمية والعالمية. وبذلك يلتقي نظام الأسد مع إيران بما أصبح معلوماً للجميع بالتضامن الطائفي لتحقيق نفوذها في المنطقة عن طريق دعم المكونات الشيعية، وحال لبنان والعراق واليمن والبحرين ليس بخافٍ على أحد. ومن أجل تحقيق مصالحها استطاعت المكونات السياسية الطائفية (ملالي إيران، نظام الأسد، الحوثيين، الأحزاب الشيعية العراقية واللبنانية) أن تتجاوز الخلافات المذهبية العميقة بينها.
ويبدو أن الأسد الأب استطاع في البداية إدارة علاقاته مع إيران بما يحقق مصالحه ومصالحها، ويستثمر علاقاته معها لتحقيق مصالحه العربية والدولية، قبل أن تصبح إيران لاحقاً الطرف الأقوى في العلاقة، ويصبح الأسد أحد أطراف شبكة تأثيرها ونفوذها في المنطقة، وهو ما سيتناوله المقال التالي.
—————————-
سراب الفصل بين نظام الأسد وإيران (2)/ عمار السمر
تناولت في المقال السابق علاقة نظام الأسد بالطائفة الشيعية وملالي إيران والخميني قبل الثورة الإيرانية عام 1979، في سياق سياسة الأسد الداخلية والخارجية في اعتماد التضامن الطائفي كأحد أسس وصوله واستمراره في السلطة. وسيتناول هذا المقال الفترة الأولى بعد الثورة الإيرانية مباشرة وتأثيرها في البلاد العربية، وعلاقات الأسد بإيران آنذاك وتأثير ذلك في المحيط العربي. في محاولة لاستكشاف أبعاد تلك العلاقة المتينة بين الأسد وإيران رغم حداثتها آنذاك، ما جعله يقدمها على علاقات الشام مع امتداداتها الجغرافية والتاريخية بوصفها أحد أهم مراكز العروبة والإسلام السنّي تاريخياً، وعلى الرغم من تداعيات ذلك على الداخل السوري والمنطقة.
الآن، وبعد مرور كل تلك السنوات، وبالنظر إلى ما حققته تلك العلاقة من نتائج للطرفين وخاصة إيران؛ يمكن الجزم بأنها كانت علاقات استراتيجية وتحولت إلى عضوية، استطاعت الصمود أمام الكثير من المتغيرات في المنطقة ولم تستطع أي قوة أو دولة ثني نظام الأسد عنها حتى في أحلك الظروف، وأن جل ما كان يقدمه عند الضغط عليه المناورة والتنازلات اللفظية والشكلية، غالباً بالاتفاق مع إيران، ودون المساس بأسس تلك العلاقة. واستطاع الطرفان تطويق حالات تضارب المصالح التي حدثت بينهما كما في الثمانينيات بسبب التزامات الأسد مع بعض الأطراف الدولية، لكن إيران بعد أن تمكنت كانت تظهر له العين الحمراء، قبل أن تصبح لها اليد الطولى في زمن الأسد الابن وخاصة بعد 2011.
الاختلافات الكبيرة بين سوريا وإيران من حيث البنية الاجتماعية والدينية والقومية، بالإضافة إلى طبيعة النظامين الأسدي البعثي الذي كان يسوّق نفسه بأنه الممثل الحقيقي للقومية العربية، والإيراني بطبيعته الطائفية الشيعية والقومية الفارسية، كل ذلك يدفعنا للتفكير ملياً بخلفية العلاقات المتشابكة بينهما، والتي لم تستطع أن ترقى وتتطور كأي علاقة بين شعبين أو دولتين مستقلتين تربطهما صلات ومصالح مشتركة، بل اقتصرت على أنها علاقة بين نظامين لأن جوهرها الأساسي مصلحة النظامين الحاكمين في البلدين بالدرجة الأولى، النظامان اللذان التقيا على اعتماد التضامن الطائفي كنهج أساسي في قيامهما واستمرارهما، وأحد أهم أدواتهم في سياستهما ومصالحهما الخارجية. وقد أثبت هذا التضامن جدواه بالنسبة للطرفين، خاصةً في الأوقات العصيبة لهما. ففي بداية حكم الخميني جعل الأسد سوريا منصة متقدمة لإيران في العالم العربي، كما كانت التسهيلات السورية أساسية في تصدير الثورة الإيرانية إلى لبنان، وسيطرة الطائفة الشيعية على القرار فيه. وكانت المساعدات العسكرية والسياسية السورية مهمة جداً لإيران لتحقيق التوازن في حربها ضد العراق. واستخدم الأسد علاقاته الجيدة مع إيران في ابتزاز دول الخليج العربي في الثمانينيات رغم إظهار نفسه كوسيط.
منذ السنة الأولى للثورة الإيرانية ظهرت التوجهات التي ذكرناها آنفاً. فبعد تهنئة الأسد للخميني بنجاح ثورته، وكان أول رئيس دولة يفعل ذلك، تابع ما كان قد بدأه قبل 1979 من مساعدة النظام الجديد في طهران بأوجه شتى، منها توظيف علاقات سوريا العربية والدولية لصالح النظام الجديد الذي فُرضت عليه عزلة إقليمية ودولية نتيجة سياساته التي دشنها بإعلانه تصدير ثورته “الإسلامية” للدول المجاورة، وجعله الدول العربية بمرمى أهدافه مباشرة، وكشف بشكل لا لبس فيه اتباعه التضامن الطائفي أساساً لتصدير ثورته. وكان زعماء إيران شديدي الصراحة في إظهار ذلك منذ البداية، فقد نقلت صحيفة دير شبيغل في تشرين الثاني 1979، أن آية الله حسين منتظري رئيس اللجنة الدستورية والمقرب من الخميني، قال “إن إيران سوف تصدر ثورتها إلى جميع الدول الإسلامية”، أما آية الله الخميني فقد وصف جميع رجال الدين الشيعة في الدول العربية المجاورة بأنهم “ممثلوه الشخصيون” المسؤولون أمامه وأمام ثورته، وكلفهم إفهام الشيعة بالقفزة الثورية الضرورية، وقد تلقت غالب الأوساط الشيعية هذه الرسالة بكل حماس كما ذكرت دير شبيغل. وبذلك يكون قد سعى لجعل الشيعة طابوراً خامساً في الدول التي يعيشون فيها، وبالتالي لم تكن أفكار وأهداف الخميني تهديداً للحكام فقط، بل تهديداً للتعايش في المنطقة بين الأكثرية السنية والأقلية الشيعية. ولكن لا بد من التذكير بأن الكثير من علماء الشيعة لم يستجيبوا لمساعي الخميني وخالفوه الرأي في مسألة الولي الفقيه، ورفضوا التبعية له.
سرعان ما بدأت نتائج أفكار الخميني بالظهور، مسببة صدمة فكرية وسياسية وانقسامات طائفية داخل بعض الدول العربية، لأنها شكلت توجهاً شيعياً عاماً جديداً اكتسح المجتمعات الشيعية فيها، واعتُبرت إيران ممثلة لهم. كيف لا، وآية الله منتظري يصف البحرين بالمقاطعة الرابعة عشرة من إيران، لتنتشر بعدها الاضطرابات الشيعية هناك. وفي الكويت انتشرت التجمعات الشيعية المؤيدة لثورة إيران، والخطب التحريضية، حتى اضطرت الحكومة الكويتية إلى طرد ممثل الخميني. أما السعودية، أكبر دول الخليج العربي، فاضطرت إلى إرسال قوات للبحرين لمساعدتها في ضبط الأمن، كما عقدت معاهدة للأمن مع العراق رغم الخلافات بينهما تحسباً من إيران. وفي مؤتمر القمة العربي في تلك السنة 1979 رفض الزعماء العرب الاستماع إلى الوفد الإيراني الذي حضر القمة طمعاً في الحصول على تضامن عربي. لم يكن هذا الحذر العربي بسبب الخلاف الشيعي السنّي بل لسبب سياسي هو أفكار الخميني التي حملت خليطاً متفجراً من التعصب الطائفي والقومي الفارسي. ولم يخفف من قلق الدول العربية إعلان الثورة الإيرانية عداءها للإمبريالية والشيوعية وإسرائيل. والآن وبعد كل هذه السنوات يبدو أن تلك المخاوف كانت في محلها، فقوة إيران ساهمت في خراب الكثير من البلاد العربية، وسيطرت على العراق بمساعدة الإمبريالية الأميركية التي ما تزال ترفع العداء لها، وحال بيروت ودمشق وصنعاء غني عن الشرح.
وحتى حافظ الأسد نفسه لمس ذلك في الطائفة الشيعية في لبنان التي أصبحت في معظمها موالية لإيران وأصبحت موالاتها لسوريا تتعزز وتتراجع في ضوء العلاقة بين البلدين كما يقول عبد الحليم خدام في كتابه “التحالف السوري الإيراني والمنطقة”. كان كل ذلك قبل أن تنشب الحرب العراقية الإيرانية التي ستزيد الوضع تأزماً بين إيران من جهة وأغلب الدول العربية التي ساندت العراق من جهة أخرى وخاصةً الخليجية منها. وحده حافظ الأسد ساند إيران سياسياً وعسكرياً مدفوعاً بعدائه السابق لنظام صدام حسين كما كان يروج.
عمل الأسد الأب على استغلال العلاقات المضطربة بين إيران والعرب عن طريق القيام بدور المرسال والوسيط بين الطرفين، فكان يُظهر للدول الخليجية كالسعودية والكويت أنه معها، وأنه يحاول تهدئة الإيرانيين، ومستعد لإرسال جيشه للدفاع عنها عند الضرورة! وهو ما لم يحدث أبداً. وفي الوقت نفسه كان يؤكد للإيرانيين وقوفه معهم، وهو ما حدث فعلياً بحجة عداء الطرفين لصدام حسين، وهو ما يؤكده عبد الحليم خدام في كتابه آنف الذكر، لكن خدام يفوت ذكر الخلفيات الأخرى لهذا التحالف، علماً أن الدعم كان قد بدأ قبل الثورة عندما كان الخميني لاجئاً في العراق. ووصل الأمر إلى تبني سوريا للمواقف الإيرانية والدفاع عنها في كل المنتديات والمؤتمرات الدولية والعربية، واستثمار علاقات سوريا العربية ومع السوفييت والدول الشرقية لدعم إيران، حتى أنه كان يتمّ توقيع عقود السلاح مع الدول الشرقية باسم سوريا، وتوريدها إلى ميناء اللاذقية قبل نقلها إلى إيران.
كل هذا جرى في الفترة الأولى بعد الثورة الإيرانية، لتبدأ إيران لاحقاً بالتنمر على الدول العربية وخاصة الخليجية وتهددها، وليمثل الأسد دور الوسيط المصلح، لكن المبتز في الوقت نفسه، ويزداد التصاقه بإيران رغم المساعدات السخية التي قدمتها الدول الخليجية. وهو ما ستتم مناقشته في مقالات لاحقة.
تلفزيون سوريا
——————-
أذرع التطبيع تدور في الفراغ/ يحيى العريضي
شَهِدَ هذا العام سلسلة من الزلازل في منطقتنا، بدأتها الطبيعة في السادس من شباط الماضي. وفي ظل رماد الزلزال حدثت “زليزلات” واهتزازات ارتدادية من صناعة بشرية وشبه بشرية تضيّق الخناق على القضية السورية، وتزيد من عذابات السوريين، وتطيل في مواجعهم، تمثّلت بهبّات “تطبيعية” تجاه “نظام الأسد”.
وإذا كان زلزال الطبيعة غير متوقّع، وتقبّله السوريون كقدر لا رادَّ له؛ فإن بعض هذه “الزليزلات” ولّدت خيبة مريرة، وخاصة أن مبرراتها وذرائعها وأسبابها واهية، وحتى خبيثة ومؤذية، ربما لأصحابها أكثر مما هي على السوريين، حيث لم يعد لديهم ما يخسرونه.
بداية، انطلق مشروع “التطبيع التركي” مع “النظام”، و هو الأكثر جاذبية، وخاصة للنظام؛ إلا أن التعقيدات التي تحيط به، والمتمثلة بتعاكس مصالح ونوايا المنخرطين فيه، تجعله لا يرى النور. فبقدر ما هو مغرٍ لإعادة تكرير منظومة الاستبداد، بقدر استحالة تحققه، حيث إن مجرد فوز أردوغان في الانتخابات يخمده، ويزداد العداء بين طرفيه الأساسيين.
يبقى الأخطر في عواصف التطبيع خطوات “الأهل” أو “الأسرة العربية”، التي ينطبق عليها المثل القائل: “ظُلمُ ذوي القربى…”. رأى السوريون زياراتٍ واستقبالاً حافلاً للأسد من قبل مَن طالبَ يوماً بإزاحته؛ وسمع السوريون الأسد، الذي كان يُشحَن بطائرة إلى موسكو، يناكف الروس الذين أنقذوه وحموه؛ سمعوه يُملي شروطاً على تركيا حليفة حاميته الرئيسية المأخوذة بحمأة الانتخابات؛ عَلِمَ السوريون أن مَن قال “سنزيحه بالقوة أو بغيرها” قد اتفق معَ المحتل الإيراني الذي يحرسه شخصياً، والذي هاجسه تثبيت منظومته. وكل ذلك في محاولة لإعادة تكرير منظومة إجرامية كبتاغونية، وكأن شيئاً لم يكن في سوريا المنكوبة.
تنوعت مبررات وذرائع وحجج المطبعين، وتلوّنت سردياتهم من المُعلَن، إلى ما يُسمّى “الواقعية السياسية”، مروراً بالمُسَرَّب قصداً، إلى المُسَرَّب خفية، وصولاً إلى الحقيقة التي لا تقع في أيٍ من سردياتهم. وأضحى هاجس الكل فجأة إنقاذ سوريا وشعبها. وليت هذا هو الحقيقة. في هذه السطور محاولة للبحث عن الدوافع الحقيقية وراء هذه الإرهاصات المحمومة المشبوهة، وإظهار ذلك لشعبنا وشعوب المطبعين؛ علّ صحوة حقيقية تحدث.
سادت سردية إخراج إيران من سوريا بنكهتها المطلوبة دولياً، خاصة الإسرائيلية والأميركية؛ وكأن مَن يهذر بهذا يجهل أنه لولا رغبة الأخيرتين، لما دخل الملالي وميليشياتهم أساساً إلى سوريا. تذرّع البعض بإهمال أميركا للملف السوري، مما تسبب باستنقاعه، واكتفاء أميركا بالعقوبات التي تؤذي الشعب السوري. هناك مَن استشعر إدارة الظهر الأميركي للمنطقة، فقرع الأبواب الروسية والصينية، وبطريقه وجد فرصةً للعودة الخبيثة للملف السوري، ليناكف الإدارة الأميركية بذريعة أن أميركا تجمّد الملف السوري، ولا تلتفت للمأساة السورية.
السردية الأكثر انتشاراً، والتي تجد صدى في الأذهان هي أن القوى الكبرى لا تريد التغيير. يريدون إقناعنا بأن “النظام” أمرٌ واقعٌ، وليس هناك مِن بديل، والمعارضة مفككة ومهترئة. معروف أن نصف الحقيقة أخطر من غياب الحقيقة. وفي هذه السردية نقرأ نصف الحقيقة. مَن قال إن روسيا لا تريد التغيير؟! روسيا تريد التغيير، وتحديداً تغيير حقائق ما حدث في سوريا؛ ومن هنا تدفع باتجاه التطبيع مع نظام الأسد كما هو، وكأن شيئاً لم يكن. أميركا تريد التغيير، على الأقل “تغيير سلوك النظام”، الذي تَفرِضُ بسببه العقوبات. وعندما يقول المطبعون إن “النظام” أمر واقع، هل يعني ذلك الاستسلام لكل الجرائم التي ارتكبها، وقبول نشره للمخدرات، وإفراغه سوريا من أهلها، ورهنها للاحتلالات؟! وإذا كانت المعارضة هي المشكلة، ولا بديل للأسد؛ فهل يمكن تصغير الشعب السوري وإهانته إلى هذه الدرجة، ليُختَصَر بعاهات كالأسد والمعارضة؟!
وفي البحث عن الأسباب الحقيقة لخطوات التطبيع المشبوهة التي نشهدها من اتفاقات وزيارات لوزراء ولوفد برلمانيين “عرب”؛ يتجاوز السوريون الطرح الذي أصبح مكروراً بأن المطبعين يريدون ما حدث للسوريين أن يكون درسًا لشعوبهم حيث السلطات تبقى، ويُطَبَّع معها، مهما ارتكبت. وفي هذا السياق تبرز في أذهان السوريين جملة من الأسئلة الحساسة: – هل فعلاً يفكر المطبعون بسحب هذه المنظومة من الحضن الإيراني؟ – هل عجزوا عن المساهمة الفعلية في إزاحتها، فقرروا التعامل معها كما هي؟ – هل هم معجبون بمنظومة الإجرام وقوتها واستمرارها الإعجازي؟ وهل “نظام الأسد” قوي لهذه الدرجة حتى يتم استرضاؤه بهذا الشكل المهين لهم؟
في إجاباتهم عن هذه الأسئلة يقول السوريون: ليتذكر هؤلاء أنهم بدلاً مِن أن يسحبوا المنظومة من الحضن الإيراني، ها هي تسحبهم إلى الحضن الإيراني. وإذا كان المطبعون قد وصلوا إلى درجة اليأس معتقدين أن هذا “النظام” محميٌّ من إسرائيل وأميركا، فقد يكونون محقّين، إلا أنه ليس أكثر من أداة انتهت فاعليتها وصلاحيتها، بحكم ما تراكم عليها من جرائم يصعب مسحها؛ وبحكم أن أميركا ذاتها هي مَن أصدر قوانين تجريمها /قيصر والكبتاغون/.
وبخصوص قوة النظام أو ضعفه، ليعلم هؤلاء أن هذا “النظام” هش وضعيف أكثر من التصور؛ فهو يعيش على ريع الكبتاغون، وما سرقه من خيرات سوريا. وما يسيطر عليه من جغرافيا سورية هي فعلياً وبالمطلق تحت السيطرة والإدارة الروسية والإيرانية. حتى مقدرات البلد الكامنة ليست بيده بل رهينة بيد الروسي والإيراني. ليتذكر هؤلاء أنهم يتعاملون مع منظومةِ قَتَلَة يحمل السوريون مئات آلاف وثائق الإدانة في وجهها بانتظار تفعيل وتفاعل العدالة.
وأخير، يذكِّر السوريون المطبعين بأن القضية السورية لم تعد فقط قضية عربية أو إقليمية وإنما قضية دولية، وتعويم النظام لا يكون إلا بقرار دولي. وإذا كانت روسيا، محرك العملية وراعيها الأساسي، فسيكون مصيرها حتما ًالفشل؛ فهناك مَن لا يسمح لروسيا بتحقيق أي منجز سياسي، لأن هاجس الأقوياء الآن إزاحة روسيا عن المسرح السياسي الدولي كلياً. ومن هنا ستدور أذرع التطبيع في الفراغ.
—————————-
“التطبيع” مع الأسد: ملف اللاجئين هو امتحان سوريا ولبنان/ منير الربيع
وسط تفاعل القراءات السياسية لمسار انفتاح دول عربية على النظام السوري، يبقى لبنان غائباً عن المشهد. هو أصلاً بحكم المراقب والمنتظر لتلقي التداعيات أو التفاعلات، علماً أنه معني بشكل مباشر بأي تطور يتعلق بالمسار السوري، سواء من البوابة السياسية والتأثير التاريخي لسوريا على الملف اللبناني، او من بوابة العلاقات المستمرة بين قوى لبنانية متعددة مع دمشق، أو من البوابة الأكثر أهمية، وهي ملف اللاجئين السوريين.
“الانتقال السياسي” مرفوض
حتى الآن لا تزال محاولات إعادة سوريا إلى الجامعة العربية متعثرة، بفعل معارضة عدد من الدول. بينما في المقابل، يقول رئيس النظام السوري بشار الأسد إنه غير معني بالعودة إلى الجامعة، لأنه يعلم أنها لن تقدم ولن تؤخر، وليس فيها أي فوائد أو مكتسبات. ويؤكد حرصه على العلاقات الثنائية. وهذا الكلام أبلغه الأسد صراحة لوزير الخارجية المصري سامح شكري، وهو أيضاً ما تم إبلاغه للمسؤولين السعوديين.
ومما قاله الأسد أيضاً، أنه يهتم إلى حدود بعيدة بالعلاقة مع السعودية، وهي التي تغنيه عن دول أخرى أو عن الجامعة العربية. ومما تسرب أيضاً من المباحثات بين مسؤولين سوريين ومسؤولين عرب، يرد ما جرى التداول به في لقاء وزير الخارجية السوري فيصل المقداد بوزير الخارجية المصري سامح شكري، خلال زيارة الأول إلى القاهرة. إذ نقل المقداد رسالة واضحة من الأسد بأن سوريا ترفض البحث معها في مسألة الانتقال السياسي أو اتفاق جنيف أو القرار الدولي 2254. علماً أن القاهرة شددت على هذا الأمر وذكرته في البيان الختامي للزيارة.
وعلى الأرجح أن الموقف السوري نفسه تكرر مع المسؤولين السعوديين. إذ لم تظهر أي اشارة تتعلق بالقرار 2254 في البيان السعودي السوري، لا بل جرى الحديث عن حلّ سياسي للأزمة، بالإضافة إلى معالجة أزمة اللاجئين، وتوفير ظروف عودتهم بالإضافة إلى مكافحة تهريب المخدرات وضبط الحدود.
ملف اللاجئين
على وقع هذه التطورات، وفي ظل انشغال اللبنانيين بالتداعيات السياسية لمسار العلاقات العربية مع دمشق، وكيف يمكن لذلك أن ينعكس في الاستحقاقات المقبلة، وخصوصاً انتخاب رئيس للجمهورية في ضوء ترشيح سليمان فرنجية. فإن ما يغيب عن اللبنانيين هو مواكبة ما يجري إنطلاقاً من مقاربة ملف اللاجئين السوريين. هنا لا بد من الإشارة إلى أنه في السابق كان سليمان فرنجية واضحاً في موقف أعلنه من على منبر بكركي، بأنه الوحيد القادر على الوصول إلى حلّ بشأن ملف اللاجئين والسعي لإعادتهم إلى أراضيهم بالتنسيق مع سوريا، وإنطلاقاً من علاقته معها. يتعاطى فرنجية مع هذا الملف وكأنه في صلب برنامجه الانتخابي، وهو ملف ربما حضر في المباحثات الأخيرة التي جرت خلال اللقاء بين فرنجية والأسد الأسبوع الفائت، لا سيما في ضوء هذه التطورات الحاصلة على الخطّ العربي السوري.
ورقة لبنان
بمعزل عن عدم توجيه الدعوة إلى الأسد للمشاركة في الجامعة العربية، فإن الملف السوري سيكون مطروحاً بقوة في المباحثات، خصوصاً في ضوء البيانات التي صدرت عن القاهرة، الرياض وأبو ظبي، حول الوضع السوري ومعالجة ملف اللاجئين السوريين. وهذا ما يفرض على لبنان العمل على إعداد ورقة شاملة وكاملة لطرحها خلال اجتماع الجامعة العربية، كمدخل أساسي للبحث في العلاقات مع دمشق.
وهذا يفترض به أن يكون رداً عملانياً وامتحاناً أول لدمشق حول استعدادها للانتفاح على الحلّ، وتقديم التنازلات المطلوبة، وفتح الأبواب أمام عودة آمنة للاجئين إلى أراضيهم.
عملياً، يعيش لبنان انقساماً سياسياً حيال الملف السوري، وليس في البلد سياسة خارجية موحدة، لا سيما في ظل حماسة فريق لتطبيع العلاقات مقابل معارضة الفريق الآخر. ملف اللاجئين يمكن أن يشكل فرصة أولى لتكوين رؤية سياسية لبنانية حيال السياسة الخارجية، وآلية التعاطي مع دمشق، في مقابل أن تكون هذه السياسة مستندة على ضمانات عربية ودولية وكامتحان أول للأسد.
المدن
—————————
تطبيع ينهي الثورة السورية؟/ عبسي سميسم
جاء الاجتماع الوزاري الذي ضم وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ونظراءهم من مصر والعراق والأردن، ليل الجمعة-السبت، في مدينة جدة، في ظل توجّه دول عربية على التطبيع مع نظام بشار الأسد، بدأت تسير تباعاً نحو استعادة العلاقات الثنائية التي تحكمها المصالح الخاصة للدول الساعية للتطبيع، وأحياناً الأوهام بتحصيل مكاسب على المستوى الاقتصادي والأمني، وعلى مستوى سحب النظام من تحت العباءة الإيرانية.
إلا أن اللافت في موضوع التطبيع مع نظام الأسد أن جميع حلقاته، بما فيها اجتماع جدة الأخير، جاءت من دون أن يتغير أي سبب من الأسباب التي دفعت تلك الدول لقطع علاقاتها مع النظام. وفي مقدمة هذه الأسباب، مواجهة النظام للمواطنين السوريين المطالبين بالتغيير بالرصاص الحي، وقتل واعتقال وتعذيب الآلاف منهم.
وعلى العكس من ذلك، أصبحت هناك أسباب إضافية لزيادة عزلته، إذ قام النظام باستخدام الجيش بكل أنواع أسلحته من دبابات وطائرات لقتل المدنيين وتدمير المدن فوق رؤوس ساكنيها، وإغراق دول العالم بما فيها الدول الساعية للتطبيع بالمخدرات، التي باتت جزءاً أساسياً ورئيسياً من الموارد التي يعتمد عليها لبقائه.
كما ارتكب مجازر بأسلحة كيماوية محرمة دولياً، واستقدم مليشيا أجنبية من المرتزقة لقمع السوريين، وقتل عشرات الآلاف في المعتقلات تحت التعذيب.
كما أنّ الأمر اللافت في موضوع التطبيع العربي مع النظام هو تجاهله قرارات الشرعية الدولية الناظمة للحل السياسي، وفي مقدمتها قرار مجلس الأمن 2254 الخاص بالحلّ السياسي، وتبنّي مصطلحات النظام نفسها عن المصالحة الوطنية التي يفسرها النظام على أنها توقيع المعارضين الذين فقدوا عائلاتهم وممتلكاتهم على تعهد تسوية مع النظام يعلنون فيه ندمهم على معارضتهم له، ورغبتهم بالعودة إلى حضن الوطن. ومن مفارقات البيانات التطبيعية أيضاً أنها كانت تعلل خطواتها بدافع الحرص على السوريين وعودة اللاجئين.
التوجّه الجديد نحو التطبيع ووأد ما تبقّى من الثورة السورية، وإعادة النظام إلى جامعة الدول العربية، لا يزال يصطدم برفض بعض الدول العربية، التي ترى أن الأسباب التي دفعت لعزل النظام لا تزال قائمة، إضافة إلى عدم الرغبة الغربية خلال المرحلة الحالية بتعويم الأسد من دون توافر إرادة جدية لفرض حل سياسي.
ولكن على الرغم من كل الظروف السياسية التي تشي بالتخلي تدريجياً عن ثورة السوريين لصالح النظام المستبد، فإن إصرار السوريين على المواجهة ورفض الاستبداد قد يغير كثيراً من هذه المعادلات.
العربي الجديد
————————–
المعارضة السورية محبطة من تقارب بشار الأسد مع الخليج/ مصطفى رستم
الشارع الدمشقي متفائل بتطبيع العلاقات مع السعودية لإنقاذ الاقتصاد المتأزم
يبدو الفريق الموالي للمصالحة أكثر غبطة مما يحدث تيمناً بخروج سوريا من عزلتها وإعادة إعمارها (اندبندنت عربية)
يبدو أن بيان وزارة الخارجية السعودية الذي صدر، الأربعاء 12 أبريل (نيسان)، عقب زيارة شخصيات دبلوماسية سورية إلى الرياض سيحمل بشارة خير بعودة المياه لمجاريها في علاقات البلدين بعد 12 سنة عجافاً، كما يحمل معه أولى خطوات طريق الحل السياسي في سوريا عما قريب.
ويمكن تلخيص البيان المشترك لاجتماع وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان ونظيره السوري فيصل المقداد بإجراءات لاستئناف الخدمات القنصلية والرحلات الجوية وخطوات لتحقيق المصالحة الوطنية.
وفي حين استقبل الشعب السوري على اختلاف المشارب والاتجاهات السياسية الموالية والمعارضة أو حتى الجمهور الواقف على الحياد حيال الصراع السوري الدائر تلك الزيارة كل بحسب رؤيته، فإنها بالتأكيد كسرت جليد العلاقات ووضعت المنطقة بأسرها على طريق مصالحة جديدة طلباً لاستقرار شامل.
مشوار الـ 1000 ميل
ومع تفاوت ردود فعل الشارع السوري حيال الزيارة فإن الفريق الموالي يبدو أكثر غبطة مما يحدث، تيمناً بفتح صفحة جديدة بين البلدين ستقلب الموازين وتخرج دمشق من عزلتها الطويلة وتسهم في إعادة إعمار البلاد المدمرة.
وأتت الزيارة كما قالت مصادر لـ “اندبندنت عربية” قبل حلول عيد الفطر وقبل أيام من اجتماع مقرر لدول مجلس التعاون الخليجي اليوم الجمعة في جدة بمشاركة كل من مصر والأردن والعراق، لبحث إمكان عودة سوريا لمجلس الجامعة العربية.
ويرجح الباحث في السياسة الخارجية محمد هويدي عودة المسار الدبلوماسي كون الجلسة المغلقة بين وزيري الخارجية أتت بعد جهود واجتماعات أمنية لم تنقطع.
أما الشارع السوري فيعتبر أن تطبيع العلاقات مع دولة عربية مؤثرة مثل السعودية بمثابة ضخ ماء الحياة إلى الواقع الاقتصادي المتأزم الذي يعيشه السوريون جراء الحصار وضعف العملة وتراجع القوة الشرائية للمواطنين، فضلاً عن هجرة رؤوس الأموال المتزايدة بسبب الحرب وعدم الاستقرار الأمني.
وإزاء ذلك يرجح متابعون دعوة الرياض لرئيس النظام السوري بشار الأسد إلى حضور قمة الجامعة العربية في مايو (أيار) المقبل، لا سيما بعد تفاهمات وزيارة دبلوماسية بين البلدين وترحيب بالعمل المشترك.
وفي المقابل يبقى عدد من الدول مثل قطر والكويت والمغرب متحفظاً في شأن اتخاذ هذا القرار ما لم يسبقه حل سياسي داخلي ينهي معاناة الشعب السوري، لكن التوقعات تتجه نحو إجماع بات يتشكل نحو عودة دمشق للحضن العربي الذي غادرته منذ عام 2011، علاوة على قطيعة أوروبية وعقوبات أميركية مما خلق أزمات اقتصادية يكابدها السوريون منذ ذلك الحين.
وحاولت دمشق أن تكسر عزلتها بعد كارثة زلزال السادس من فبراير (شباط) الماضي، إذ رأى حقوقيون أن السلطات استغلت ذلك للإسراع بالتطبيع مع الدول المقاطعة لها، بينما زار الأسد سلطنة عمان والإمارات في جولة رسمية هي الأولى من نوعها منذ اندلاع النزاع المسلح عام 2011، فضلاً عن زيارات لوزراء خارجية الأردن ومصر واتحاد البرلمانات العربية، وصولاً إلى تعيين تونس سفيراً لها في دمشق في الثالث من أبريل الجاري.
المعارضة لديها موقفها
وإزاء هذا التطور الجديد تراقب قوى المعارضة السياسية والعسكرية ما يحدث في شبه الجزيرة العربية منذ فتحت أبوظبي سفارتها بالعاصمة السورية عام 2018 إلى حين حلول وزير الخارجية السوري ضيفاً على المملكة في زيارة مفاجئة.
واعتبر فريق المعارضة ما حدث بمثابة هزيمة لهم ونصر لمصلحة السلطة، ولم يصدر عن الائتلاف الوطني المعارض أي مواقف حيال هذا التقارب، لكنه طالب في بيان صحافي سابق الدول العربية بإجراءات محاسبة للسلطة من دون إغفال الثناء لمواقفها حيال دعم الحراك الشعبي منذ بدايته، مطالبة بعدم التطبيع مع نظام الأسد.
وجزمت عضو اللجنة الدستورية السورية عن المجتمع المحلي سميرة مبيض لـ “اندبندنت عربية” بأن “التطبيع في هذا التوقيت هو مسار ينهي بديهياً المعارضة التي تأسست طوال عقد مضى عبر دمجها بالمقايضات السياسية ضمن المنظومة الحالية لقاء ضمانات تطلبها من الطرف السوري”.
وأردفت، “يأتي ذلك وسط تدافع النفوذ والقضايا المعلقة بين دول الخليج وإيران بشكل رئيس بعيداً من أية أولوية سورية، ويدل ذلك البيان المتعلق بأولى تجليات هذا التطبيع، والذي يعطي الأهمية القصوى لما سمي إعادة سوريا لمحيطها العربي”.
وترى مبيض أنه على رغم أن البيانات الصادرة عن الخارجية السعودية قد تشير نظرياً إلى ضرورة التزام دمشق بالحل السياسي المطلوب، فإن “استمرار الحراك بالنسبة إلى المعارضة اليوم يكمن في المناطق الخارجة عن سيطرة السلطة، وهي خارجة عن المقايضات بحكم الواقع الذي يتطلب وجود نطاق جغرافي سوري يضمن أمن ملايين المدنيين المهددين بالملاحقة والتصفية في حال سيطرة النظام عليها”.
تطبيع العلاقات
ومع ذلك تبنت أوساط سياسية محايدة رأياً وسطاً يختصر ردود الفعل المتناقضة حول تطبيع العلاقات في أنها لا تصب فقط في مصلحة السلطة، بل هي أيضاً مكسب للمعارضة التي تعاني التخبط والخسارات المتلاحقة خلال السنوات القليلة الماضية بعد دعم روسي وإيراني لا محدود للجيش النظامي، مما أهله لإعادة السيطرة على ما يزيد على 60 في المئة من الأراضي، وهو اليوم أمام مفاوضات مع الجانب التركي لإعادة سيطرته على الشمال الشرقي، وبالتالي ستتيح الرياض حلولاً وسطاً لتسوية سياسية شاملة تمنح الاستقرار للمنطقة برمتها تزامناً مع تقارب تركي – سوري يحدث بشكل متسارع قبل الانتخابات التركية المقبلة.
وفي الوقت ذاته يعتقد متخصصون في السياسة السورية أن الرياض تستطيع لعب دور العراب لمصالحة وطنية بين الفرقاء السوريين، وهذا التقارب الحاصل لن يشكل “ويلاً ولا ثبوراً” على المعارضين، إذ تشي المعلومات الواردة من السعودية بأنها ستضع نقاط تفاهم تضمن فيها عودة اللاجئين بطريقة لائقة وكريمة مع تحقيق ضمانات حول العودة، فضلاً عن الإسهام الواسع سعودياً وعربياً في إعادة إعمار بلد أنهكته الحرب وباتت حواضره أشبه بمدن الأشباح.
اندبندنت عربية
————————
هل ستتأجل عودة دمشق الى الجامعة العربية ؟/ علي حمادة
جميع الدلائل كانت تشير الى أن طريق النظام السوري الى الجامعة العربية فتحت الى حد أن التقديرات أشارت الى احتمال كبير لكي تتم دعوة الرئيس السوري بشار الأسد الى القمة العربية المقررة في 19 أيار (مايو) المقبل في الرياض.
إنما أتت زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد الى السعودية للقاء وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، ثم البيان الذي صدر في أعقاب الزيارة لتثير الشكوك حول الأمر. وبدا واضحاً أن وزارة الخارجية السعودية هي التي أعدت المضمون فتغير الانطباع السابق الذي كان يرجح عودة النظام الى الجامعة بمناسبة انعقاد قمة الرياض. لماذا؟ لأن البيان الذي صدر تضمن ما يشبه خارطة طريق متدرجة لعودة دمشق الى “الحضن العربي”.
فقد بدا أن البيان يمكن تقسيم بنوده ومرحلتها إلى قسمين، الأول المتعلق بما هو مطلوب من دمشق بصفة مسبقة كمقدمة لما “يسهم في عودة سوريا الى محيطها العربي واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي” كما ورد في البند ما قبل الأخير من البيان، والثاني ما هو مرتبط بالعلاقات الثنائية والخطوات التنفيذية الفورية التي تتعلق بعودة الخدمات القنصلية فقط والرحلات الجوية بين البلدين!
في القسم الأول يمكن التوقف عند البنود الآتية وهي اشبه بشروط سعودية مسبقة:
1- حل سياسي للازمة السورية يحافظ على وحدة سوريا وأمنها واستقرارها وهويتها العربية وسلامة أراضيها و يحقق الخير لشبعها الشقيق.
2- حل الصعوبات الإنسانية وتوفير البيئة المناسبة لوصول المساعدات لجميع المناطق السورية.
3-تهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين والنازحين السوريين الى مناطقهم وانهاء معاناتهم، وتمكينهم من العودة بأمان الى وطنهم واتخاذ المزيد من الإجراءات التي من شأنها المساهمة في استقرار الأوضاع على كامل الأراضي السورية.
4-تعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب بكافة اشكاله و تنظيماته.
5-تعزيز التعاون بشأن مكافحة تهريب المخدرات والاتجار بها.
6-دعم مؤسسات الدولة السورية لبسط سيطرتها لانهاء تواجد المليليشيات المسلحة والتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي السوري.
7-تسوية سياسية شاملة للازمة السورية تنهي كافة تداعياتها وتحقق المصالحة الوطنية وتساهم في عودة سوريا الى محيطها العربي واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي.
تؤشر هذه اللائحة الطويلة من المطالب السعودية وأبعد من السعودية ربما الى أن امام دمشق طريقاً طويلاً قبل أن يتم التعامل معها كدولة طبيعية. إنها لائحة مطالب مرتبطة بالحل السياسي الشامل الذي يمثل حسب تسلسل البنود والأفكار المعبر الى “عودة سوريا الى محيطها العربي واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي”.
وجميع البنود الواردة يمكن قراءتها على أنها واقعة في خانة المطلوبات من النظام لا سيما بنود مرتبطة باللاجئين والنازحين السوريين الذين لم يفعل النظام شيئاً من اجل “تمكينهم من العودة بأمان الى وطنهم”! أو الإشارة الى “تعزيز التعاون بشأن مكافحة تهريب المخدرات و الاتجار بها” ! إن اهم من كل ذلك أن البيان لم يشر الى ما هو أبعد من عودة الخدمات القنصلية والرحلات بين البلدين. لقد كان البيان في مكان ما أشبه بمضبطة اتهام .
مع ذلك، ثمة توجه من عدة دول عربية تريد تسريع عودة دمشق الى الجامعة العربية، ولا تربطها بخارطة طريق. بيد ان تريث عدد من الدول الأخرى في الموضوع قد يرحل الامر الى ما بعد قمة الرياض. والخبر اليقين سيأتي في اعقاب الاجتماع التشاوري العربي الذي يعقد اليوم في جدة لبحث الموضوع. ففي أي اتجاه ستهب رياح جدة ؟
النهار العربي
——————-
تآزر إيديولوجي وراء عودة علاقات تونس مع الأسد
رغم أن تونس كان جزءاً من الحراك العربي المتنامي لصالح تطبيع العلاقات مع النظام السوري، إلا أن خلفيات ما أقدمت عليه بشكل متسارع يبدو لافتاً على نحو أكبر من زاوية الأسباب، وقياساً بباقي الدول العربية.
وفي شهر مارس/آذار الماضي أعرب الرئيس التونسي، قيس سعيد عن رغبته في رؤية بلاده وسورية يعينان سفراء بشكل متبادل، وسرعان ما أمر في الثالث من أبريل الحالي وزارة الخارجية بـ”الشروع في إجراءات تعيين سفير لتونس في دمشق”.
بعد ذلك أعلن النظام السوري، الأربعاء، في بيان مشترك مع تونس أنه سيعيد فتح بعثته الدبلوماسية في تونس ويعين سفيراً له.
وفي أعقاب ثورة الياسمين عام 2011، سعت الحكومة المنتخبة ديمقراطياً في تونس إلى جعل “مناهضة الاستبداد” أحد أعمدة سياستها الخارجية.
وكان أول رئيس دولة في شمال إفريقيا بعد الربيع العربي، الرئيس محمد منصف المرزوقي، مناهضاً للأسد بشدة، فيما استجابت تونس للانتفاضة السورية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع دمشق في فبراير/شباط 2012.
وكما أكد المرزوقي في ذلك الوقت، فإن “الحل الوحيد (للعنف في سورية) هو انسحاب بشار الأسد من السلطة، وبدء عملية انتقال ديمقراطي”.
ولكن بعد أن تحول الوضع في سورية بشكل حاسم لصالح الأسد بعد التدخل العسكري الروسي والإيراني المكثف، بدأت تونس “تتجه ببطء لقبول حقيقة انتصار حكومة دمشق في الحرب الأهلية”.
وبحلول يناير/كانون الثاني 2017، أعادت تونس مهمة دبلوماسية محدودة في دمشق، ما قسّم التونسيين بين المتعاطفين مع الأسد وأولئك الذين أرادوا أن تحافظ تونس على موقفها المتشدد من النظام السوري.
ومع ذلك، مع انضمام آلاف المواطنين التونسيين إلى صفوف تنظيم “الدولة الإسلامية” في بلاد الشام، وضع المسؤولون التونسيون التطبيع الجزئي تحت راية مكافحة الإرهاب وحماية مصالح الأمن القومي التونسي.
“مرحلة ما بعد سعيّد”
ومنذ انقلاب سعيد عام 2021، سرّعت تونس حركتها نحو إعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع النظام السوري.
وقد “أظهر سعيّد الإرادة لتغيير واضح في المسار لصالح الأسد”، وفق الدكتورة فيديريكا سايني فاسانوتي الزميلة غير المقيمة في مركز الأمن والاستراتيجية والتكنولوجيا في برنامج السياسة الخارجية في “معهد بروكينغز”.
بالنسبة لسعيد، يرى الباحث جورجيو كافيرو هو الرئيس التنفيذي لشركة تحليلات الخليج أن “إعادة العلاقات الدبلوماسية مع سورية هي أولوية قصوى”.
ويوجد حالياً أكثر من 30 سفارة تونسية في جميع أنحاء العالم بدون سفير أو رئيس بعثة لأن رئيس الدولة الشمال إفريقية لم يعينهم.
وتشمل ما سبق، على سبيل المثال، السفارات التونسية في العواصم الكبرى مثل بكين وبرلين وروما.
ولذلك يضيف الباحث في مقال تحليلي نشر، اليوم الجمعة، أن “تركيز سعيّد طاقته على تعيين سفير إلى سورية يتحدث كثيراً عن مدى تقديره لعلاقات تونس بدمشق”.
“تآزر إيديولوجي”
وعلى عكس الأردن والإمارات العربية المتحدة والدول العربية الأخرى، التي لديها مصالح اقتصادية أو أمنية يمكن تحديدها بسهولة في إعادة تطبيع العلاقات مع النظام السوري، فإن الحكومة التونسية تفعل ذلك في الغالب لأغراض أيديولوجية.
ومن المهم أيضاً، حسب الباحث كافيرو ملاحظة أن “قرار تونس ليس نتيجة ضغوط من الإمارات أو دول الخليج الأخرى”.
وتقول الدكتورة مونيكا ماركس، الأستاذة المساعدة لسياسة الشرق الأوسط في جامعة نيويورك إن “قيس سعيد لديه أسبابه الأيديولوجية المستقلة لرغبته في إقامة تلك العلاقات مع حكومة الأسد”.
وتضيف أن نظام سعيد يفتقر إلى “مصالح واضحة من النوع التقليدي، مثل التجارة أو المصالح الجيوستراتيجية” تجاه سورية.
“قيس سعيد ومجموعة صغيرة من الأيديولوجيين من حوله متجذرون بشكل كبير في مزيج أيديولوجي انتقائي للغاية له نغمات قومية عربية عميقة”.
وتوضح ماركس أن “تلك النغمات القومية العربية العميقة هي التي تحدد البوصلة هنا”.
وتشير إلى أنه من بعض النواحي، فإن “المدرسة البعثية القديمة” ترسم مسار العلاقات التونسية السورية دون “أي مصلحة وطنية تقليدية واضحة” من جانب الدولة التونسية.
“الدفاع عن السيادة”
ولفهم نهج سعيد تجاه سورية بشكل أفضل، من المهم أن ننظر إلى بعض فئاته الانتخابية وأجنداتهم.
حافظ بعض اللاعبين المؤثرين في تونس الذين أشادوا في البداية بسباق 2021 لسعيد، مثل الاتحاد العام التونسي للشغل (UGTT) والرابطة التونسية لحقوق الإنسان (LTDH)، على مواقف مؤيدة للأسد بقوة لسنوات.
ومن كتابة رسائل تعبر عن التعاطف مع حكومة النظام إلى إرسال وفود إلى سورية للاجتماعات مع الأسد، أوضحت هذه المؤسسات دعمها لبشار الأسد.
وقد بدأ هذا قبل توجه المنطقة العربية لصالح إعادة تطبيع العلاقات مع سورية، واكتسب زخماً منذ عدة سنوات.
ويورد المقال التحليلي: “غالباً ما تؤطر مثل هذه المنظمات دعمها لحكومة دمشق في سياق دعم النضال الفلسطيني، معتبرة نظام الأسد مدافعاً عن فلسطين وقوة مقاومة ضرورية ضد الصهيونية والإمبريالية الغربية”.
“نبذ حقوق الإنسان”
ولطالما كان الرئيس سعيّد ومن حوله لا يرحبون بانتقاد تراجع تونس إلى السلطوية.
ويشير المقال التحليلي إلى أن “القيادة التونسية حازمة في موقفها بأن الدول العربية يجب ألا تتلقى محاضرات من المسؤولين الغربيين حول حقوق الإنسان أو الديمقراطية”.
وفي هذا السياق، فإن “اتخاذ خطوات لتعزيز صورة حكومة الأسد على أنها شرعية يخدم أجندات سعيد في تونس، في وقت تثير فيه العديد من منظمات حقوق الإنسان والمشرعين في الغرب ناقوس الخطر بشأن استيلاءه على السلطة النابليونية وإساءة معاملة المهاجرين في البلاد”.
وتوضح الدكتورة فيديريكا سايني فاسانوتي: “لقد أوضح سعيد أن ما يحدث في سورية يؤثر فقط على السوريين. ربما كان هذا ما يرغب سعيد في حدوثه فيما يتعلق ببلده. وبهذه الطريقة سيكون له الحرية في زيادة القبضة الاستبدادية على البلاد، دون أي مؤسسة دولية مستعدة للتدخل”.
————————————-
اجتماع جدة: خارطة كويتية ومبادرة أردنية ولا تغيّر قطري
أصدرت 3 دول عربية بيانات في أعقاب الاجتماع الذي استضافته مدينة جدة السعودية، يوم أمس الجمعة، من أجل بحث الأوضاع في سورية، وملف عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية.
وكانت الرياض قد نشرت بياناً ختامياً، قبل ساعات، جاء فيه أن وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق تشاوروا وتبادلوا وجهات النظر حول الجهود المبذولة من أجل التوصل لحل سياسي للأزمة السورية.
واتفقوا على أهمية حل الأزمة الإنسانية وتوفير البيئة المناسبة لوصول المساعدات لجميع المناطق المتضررة من الزلزال، وتهيئة الظروف المناسبة لعودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مناطقهم.
كما أكد الوزراء العرب على أن “الحل السياسي هو الحل الوحيد للأزمة السورية، وأهمية أن يكون هناك دور قيادي عربي في الجهود الرامية لإنهاء الأزمة، ووضع الآليات اللازمة لهذا الدور، وتكثيف التشاور بين الدول العربية بما يكفل نجاح هذه الجهود”.
ولم يتطرق بيان الرياض الذي نشرته الخارجية السعودية إلى مقعد سورية في الجامعة العربية، وما إذا كان وزراء الخارجية العرب قد اتفقوا على عودة النظام السوري أم لا.
في غضون ذلك نقلت صحيفة “فايننشال تايمز”، السبت، عن مسؤولين قولهم إن “قطر والكويت عارضتا بشدة عودة النظام إلى الجامعة”.
وقبل ذلك كانت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية قد أشارت إلى أن 5 دول عربية على الأقل تعارض عودة النظام إلى الجامعة، من بينها قطر والكويت والمغرب ومصر وليبيا واليمن.
#بيان من وزارة خارجية المملكة العربية السعودية في ختام الاجتماع التشاوري لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والمملكة الأردنية الهاشمية وجمهورية مصر العربية وجمهورية العراق pic.twitter.com/rWIvkwPib6
— وزارة الخارجية 🇸🇦 (@KSAMOFA) April 14, 2023
“خارطة كويتية”
وبعدما كان موقف دولة الكويت من الحراك العربي باتجاه النظام السوري مثار تكهنات وجدل لأشهر وأسابيع جدد وزير الخارجية، سالم عبد الله الجابر الصباح موقف بلاده “المبدئي والثابت الداعي إلى الحفاظ على وحدة وسيادة سورية وسلامة أراضيها ورفض التدخل في شؤونها الداخلية”.
وذكرت وكالة الأنباء الكويتية بعد اجتماع جدة أن “وزير الخارجية بيّن أن دولة الكويت منذ بداية الأزمة اتخذت موقفاً مبدئياً في عدم تقديم أي دعم لطرف ضد طرف آخر في سوريا سواء سياسياً أو مالياً أو عسكرياً”.
كما “ساندت منذ البداية الحل السياسي والسلمي للأزمة، وركزت سياستها على تقديم الدعم الإنساني لتخفيف المعاناة الإنسانية عن الأشقاء في سورية”.
وأكد الصباح “على ضرورة التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية ينهي كافة تداعياتها ويحافظ على وحدة سورية وأمنها واستقرارها وهويتها العربية بما يحقق الخير لشعبها الشقيق”.
وأشار الوزير إلى ما يشبه بـ”خارطة طريق”، وبينماقال إن الكويت “لن تخرج عن الإجماع والتوافق العربي”، شدد “على أهمية أن تسير هذه العملية وفق الأسس والأطر السليمة واحترام قرارات جامعة الدول العربية، التي من بينها أهمية اتخاذ الحكومة السورية خطوات حقيقة وملموسة نحو إجراءات بناء الثقة”.
ومن بين الإجراءات “إطلاق سراح السجناء والمعتقلين والكشف عن مصير المفقودين، وتسهيل عودة اللاجئين والنازحين وتسهيل عملية وصول المساعدات الإنسانية لكافة المحتاجين في مختلف المناطق السورية واستئناف أعمال اللجنة الدستورية وصولاً إلى المصالحة الوطنية”.
“مبادرة أردنية”
في غضون ذلك قالت وزارة الخارجية الأردنية، إن الوزير أيمن الصفدي استعرض خلال اجتماع جدة المبادرة الأردنية “القائمة على انخراط عربي سوري مباشر، للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية”.
و”يحفظ الحل وحدة سورية وتماسكها وسيادتها، ويعيد لها أمنها واستقرارها ودورها، ويهيئ ظروف العودة الطوعية للاجئين، ويخلصها من الإرهاب”.
وأضافت الوزارة في بيان لها أن “مبادرة المملكة التقت مع الطروحات التي قدمتها المملكة العربية السعودية والدول العربية المشاركة، والتي عكست توافقاً على ضرورة التوصل لحل سياسي للأزمة، وتفعيل الدور العربي القيادي في جهود التوصل لهذا الحل”.
وأشار بيان الخارجية الأردنية إلى أن الوزراء المجتمعين “اتفقوا على الاستمرار في التشاور والتنسيق للاتفاق على آليات العمل، والخطوات القادمة لإطلاق الدور العربي القيادي في جهود حل الأزمة”.
شارك @AymanHsafadi، مساء أمس، في اجتماع عربي تشاوري دعت إليه #السعودية، وشاركت فيه #مصر و #العراق ودول #مجلس_التعاون_لدول_الخليج_العربية، بحث سبل تعزيز العمل العربي المشترك في مواجهة التحديات المشتركة ومعالجة الأزمات العربية، وركز على القضية الفلسطينية وجهود حل الأزمة السورية. pic.twitter.com/z8Kbz9zIDI
— وزارة الخارجية وشؤون المغتربين الأردنية (@ForeignMinistry) April 15, 2023
“لا تغيّر قطري”
ولم يطرأ أي جديد على الموقف القطري في أعقاب اللقاء الذي حصل في جدة، وذكر بيان لوزارة الخارجية القطرية، يوم السبت، أنه “تم التشاور وتبادل وجهات النظر حول الجهود المبذولة من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية”.
وهذا الحل “يجب أن يضع حداً لمعاناة الشعب السوري الشقيق، ويعالج كافة تداعياتها، ويحافظ على وحدة التراب السوري”، بحسب بيان الخارجية.
والخميس اعتبر رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في مقابلة تلفزيونية أن عودة سورية إلى جامعة الدول العربية “مجرد تكهنات”، مشدداً على أن “أسباب تعليق عضوية دمشق لا تزال قائمة” بالنسبة للدوحة.
وقال المسؤول القطري لتلفزيون قطر الحكومي: “لا يوجد شيء مطروح وكلها تكهنات حول (عودة) سورية” إلى الجامعة العربية، مضيفاً: “كانت هناك أسباب لتعليق عضوية سورية ومقاطعة النظام السوري، وهذه الأسباب لا تزال قائمة بالنسبة لدولة قطر”.
ولم يتغير موقف قطر من النظام خلال السنوات الماضية، بحسب حديث المسؤولين القطريين، على رأسهم وزير الخارجية، الذي سبق وأن تحدث عن الجرائم التي ارتكبها النظام بحق السوريين.
قطر تشارك في الاجتماع الوزاري التشاوري بين دول مجلس التعاون والأردن ومصر والعراق#الخارجية_القطرية pic.twitter.com/1Y4QPVWGLo
— الخارجية القطرية (@MofaQatar_AR) April 15, 2023
السورية.نت
————————————–
اتفاق السعودية – إيران يلقي بظلاله على 3 ملفات معقدة
بدأ الاتفاق السعودي- الإيراني يلقى بظلاله على ملفات المنطقة التي استعصى حلها، خلال السنوات الماضية، نتيجة الصراع المستمر بين الخصمين التقليدين كونهما يمتلكان من النفوذ فيها.
ومنذ توقيع الاتفاق بين الرياض وطهران في العاصمة بكين، منتصف الشهر الماضي، وما تبعه عقب ذلك من اتصالات واجتماعات بين وزير خارجية البلدين، بدأت وتيرة حلحلة الملفات تتسارع بشكل غير متوقع.
ورغم أن الأضواء تسلطت على الملف اليمني على نحو أكبر، حظي الملف السوري بنصيب، وكذلك الأمر بالنسبة لفلسطين.
ماذا حصل في اليمن؟
وبعد أيام من توقيع الاتفاق، وصل مفاوضون من المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان إلى العاصمة اليمنية صنعاء الخاضعة لسيطرة “الحوثيين”، بهدف التفاوض للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار شامل ودائم.
واستمرت المباحثات مدة ستة أيام، حسب وكالة “فراس برس”، التي نقلت عن مسؤولين حوثيين بأن “المحادثات انتهت من دون اتفاق نهائي، وإنما بتفاهم مبدئي حول هدنة وعقد جولة من المحادثات”.
ونقلت عن مسؤول حوثي قوله إن “هناك اتفاقاً مبدئياً على هدنة قد يتم الإعلان عنها لاحقاً إذا تم التوافق حولها بشكل نهائي”، مضيفاً أن “هناك اتفاق على عقد جولة أخرى من المحادثات لبحث نقاط الاختلاف”.
وتزامن ذلك مع بدء عملية تبادل الأسرى بين الحوثيين والحكومة اليمنية، في إطار الاتفاق الذي توصلا إليه، الشهر الماضي، خلال مفاوضات انعقدت في العاصمة السويسرية، وقضى بتبادل أكثر من 880 أسيراً، بينهم 706 من الحوثيين و181 أسيراً من الحكومة اليمنية.
وشملت عملية تبادل الأسرى إطلاق سراح اللواء ناصر منصور هادي، شقيق الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي.
وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، كشفت منتصف الشهر الماضي عن صفقة بين الرياض وطهران بشأن اليمن.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين وسعوديين، بأن “إيران وافقت على وقف إرسال شحنات الأسلحة إلى حلفائها الحوثيين في اليمن”.
وقال المسؤولون، إن “توقف طهران عن توريد الأسلحة إلى الحوثيين قد يضغط على الجماعة للتوصل إلى اتفاق لإنهاء الصراع”.
ودخلت المملكة العربية السعودية الصراع في اليمن بشكل مباشر عام 2015، ودعمت الحكومة الشرعية في البلاد وشكلت ما أطلقت عليه “عاصفة الحزم”، في حين دعمت إيران المتمردين الحوثيين الذين استولوا عام 2014 على العاصمة صنعاء.
“تطبيع في سورية”
وعلى الرغم من تقليل كثير من المحللين من أهمية تأثير الاتفاق السعودية وإيران على الملف السوري، واعتباره “ثانوياً” ضمن الملفات المعقدة، إلا أن تسارع التطبيع بين الرياض ونظام الأسد كان مفاجئاً للجميع.
وخلال الأيام الماضية، وفي أعقاب الاتفاق بين إيران والسعودية بدأت خطوات إعادة تطبيع العلاقات تأخذ منحى متسارعاً.
إذ بدأ بتأكيد بيان رسمي للخارجية السعودية بإجراء مباحثات مع نظام الأسد لأول مرة منذ عقد على قطع العلاقات الدبلوماسية.
ولاحقاً أعلنت صحيفة “عكاظ” السعودية عن زيارة رئيس الأمن الوطني في سورية، علي مملوك، ومدير المخابرات العامة حسام لوقا، زارا الرياض، للرياض وإجرائهما محادثات مع مسؤولين سعوديين حول العودة التدريجية للعلاقات بين البلدين.
وفي الوقت الذي كان متوقعاً فيه زيارة وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، إلى دمشق، جاءت الزيارة المفاجئة لوزير خارجية النظام، فيصل المقداد، إلى جدة.
وأصدر الطرفان بياناً مشتركاً تضمن عدة قضايا أبرزها “ضرورة دعم مؤسسات الدولة السورية، لبسط سيطرتها على أراضيها لإنهاء تواجد الميليشيات المسلحة فيها، والتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي السوري”.
وتحاول الرياض تسريع التطبيع مع النظام بهدف إعادته إلى الجامعة العربية، الأمر الذي يلاقي اعتراضاً من دول أخرى في مقدمتها قطر والكويت.
واحتضنت الرياض اجتماعاً، الجمعة الماضي، لوزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق بهدف التشاور وتبادل وجهات النظر حول الجهود المبذولة من أجل التوصل لحل سياسي للأزمة السورية.
ونقلت صحيفة “فايننشال تايمز”، عن مسؤولين قولهم إن “قطر والكويت عارضتا بشدة عودة النظام إلى الجامعة”.
كما اعتبر رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في مقابلة تلفزيونية أن عودة سورية إلى جامعة الدول العربية “مجرد تكهنات”، مشدداً على أن “أسباب تعليق عضوية دمشق لا تزال قائمة” بالنسبة للدوحة.
وستمثل إعادة العلاقات بين الرياض ودمشق أهم تطور حتى الآن في تحركات الدول العربية لتطبيع العلاقات مع الأسد، والذي نبذته العديد من الدول الغربية والعربية بعد حملة القمع الدامية التي شنها ضد المنتفضين على حكمه، وفق “رويترز”.
لكن وحتى الآن لا يعرف المسار الذي قد تتخذه الرياض حيال النظام السوري، وما إذا كانت مباحثاتها ستفضي إلى إعادة تطبيع العلاقات بشكل كامل أم جزئياً.
“حماس وفتح”
الملف الثالث كان بين حركتي حماس وفتح ومحاولة المملكة العربية السعودية لعب دور الوسيط بين الطرفين، وإحياء لـ”اتفاق مكة”.
ولأول مرة منذ سنوات يزور وفداً رفيع المستوى من حركة حماس العاصمة السعودية، برئاسة رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية.
كما يضم الوفد مسؤول العلاقات الدولية موسى أبو مرزوق، ومسؤول مكتب الجرحى والأسرى زاهر جبارين، ورئيس الحركة في الخارج خالد مشعل.
وقال القيادي موسى أبو مرزوق إن مساعي الحركة مستمرة في طي الخلافات مع السعودية، في حين نقل موقع “عربي 21” عن مصدر بأن الحركة تأمل من الزيارة أن “تكون بوابة لتحسين العلاقات مع الجانب السعودي وتحريك المياه الراكدة”.
ويعود انقطاع العلاقات بين حماس والرياض إلى 2007 عندما دعا الملك السعودي، عبد الله بن عبد العزيز، حركتي حماس وفتح إلى السعودية للتحاور عقب اندلاع اشتباكات بين الطرفين.
ووقعت اتفاقية بين الطرفين فيما يعرف بـ”اتفاق مكة” في فبراير/شباط 2007، نصت على تشكيل حكومة وحدة وطنية يترأسها إسماعيل هنية.
إلا أن الاتفاق لم يصمد طويلاً واندلعت اشتباكات مجداً بين الطرفين في مايو/ أيار 2007، وانتهت بسيطرة حركة حماس على قطاع غزة في 14 يونيو/حزيران 2007.
ومع انفتاح “حماس” على إيران بشكل كبير وتعمق الخلافات، شنت الرياض حملة اعتقالات طالت العديد من نشطاء وقياداتها البارزين في السعودية.
ونقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مسؤولين سعوديين بأن مسؤولي “حماس” يأملون كجزء من المحادثات، في إطلاق سراح عشرات السجناء الفلسطينيين المحتجزين في السعودية.
ويتزامن زيارة وفد حماس مع وصول رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، إلى السعودية برفقة أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، حسين الشيخ، ورئيس جهاز المخابرات الفلسطينية ماجد فرج، كما نقلت صحيفة “عربي 21″عن مصادر.
وقال مسؤولون سعوديون لصحيفة “وول ستريت جورنال” إن “التوسط في اتفاق مصالحة بين الفصائل الفلسطينية في نهاية المطاف هدف طويل الأجل لولي العهد السعودي”.
—————————
“الكبتاغون” ورقة مساومة للأسد.. هل يتخلى عنها؟
باتت تجارة المخدرات وحبوب “الكبتاغون” بالنسبة للنظام السوري في الوقت الحالي ورقة مساومة و”بطاقة” يفاوض عليها دول الخليج، التي تحاول تطبيع العلاقات معه.
ورغم أن هذه الصورة كانت سائدة منذ سنوات، إلا أنها تكشفت على نحو أكبر خلال الأيام الماضية، وهو ما بدا من سلسلة البيانات الرسمية التي تضمنت عبارة “مكافحة تهريب المخدرات”، والتقارير الإعلامية التي نشرتها وسائل إعلام أجنبية.
وأصدرت البيانات خارجيات دول عربية على رأسها المملكة العربية السعودية، التي تعتبر السوق الأبرز لحبوب “الكبتاغون”، وأكثر المتضريين من هذه التجارة التي تدر المليارات على نظام الأسد.
وفي الوقت الحالي وبينما تواصل الدول العربية إعادة تطبيع علاقاتها مع النظام السوري تطلق تساؤلات بشأن ملف الكبتاغون، وما إذا كان النظام السوري جاداً في تقديم أي تنازلات بخصوصه.
ولا تعتبر حبوب “الكبتاغون” ورقة مساومة فحسب، بل هي صنبور يدر القطع الأجنبي على النظام السوري بالمليارات.
“شرط للتفاوض”
مع بدء المحادثات بين نظام الأسد والسعودية كان إيقاف تهريب المخدرات على رأس قائمة المباحثات وهو ما أكدته وسائل الإعلام والبيانات الصادرة عقب الاجتماعات.
في 27 مارس/ آذار الماضي، قالت صحيفة “عكاظ” السعودية في تقرير لها إن “رئيس الأمن الوطني في سورية علي مملوك ومدير المخابرات العامة حسام لوقا، زارا الرياض، وأجريا محادثات مع مسؤولين سعوديين حول العودة التدريجية للعلاقات بين البلدين”.
وأضافت الصحيفة أن عودة العلاقات مشروطة بتعهد النظام بحزمة من الإصلاحات الداخلية والعلاقة مع المعارضة السورية، إضافة إلى “تعهد دمشق ألا تكون مصدرا لتصدير الكبتاغون إلى الأردن ودول الخليج”.
كما تطرق البيان المشترك الصادر عقب لقاء وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، ووزير خارجية النظام، فيصل المقداد، خلال زيارته الأخيرة إلى الرياض، إلى إيقاف تهريب المخدرات.
وأكد البيان على “أهمية تعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب بكل أشكاله وتنظيماته، وتعزيز التعاون بشأن مكافحة تهريب المخدرات والاتجار بها”.
وفي البيان الصادر عقب اللقاء “التشاوري” الذي استضافته مدينة جدة، الجمعة الماضي، وحضره وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي ومصر الأردن والعراق، أكد على “مكافحة تهريب المخدرات والاتجار بها”.
وتقول شبكة “CNN” الأمريكية في تقرير لها، الأسبوع الماضي، إنه “من المرجح أن يكون الكبتاغون على رأس جدول الأعمال في محاولات التطبيع”.
ونقلت الشبكة عن كبيرة المحللين في معهد “نيو لاينز” الأمريكي، كارولين روز، أن الكبتاغون أصبح “بطاقة” في محادثات التقارب بين النظام السوري ونظرائه العرب الذين يسعون للتطبيع معه.
وأضافت: “كان النظام يستفيد من قوته في تجارة الكبتاغون، مرسلاً إشارات إلى الدول التي تفكر في التطبيع بأنه يمكن أن يقلل من تجارة الكبتاغون كبادرة حسن نية”.
“شريان حياة”
على مدى السنوات الماضية، تم ضبط عشرات الشحنات من المواد المخدرة القادمة من سورية وخاصة حبوب “الكبتاغون”، في العديد من الدول خاصة المجاورة لسورية والخليجية.
كما صدرت العديد من التحقيقات التي تؤكد بأن نظام الأسد حقق من تجارة المخدرات أرباحاً بمليارات الدولارات.
وحسب تقديرات الحكومة الخارجية البريطانية، فإن 80% من إنتاج الكبتاغون عالمياً يأتي من نظام الأسد، ويشرف ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام بشار، شخصياً على التجارة.
وصدرت تحقيقات ودراسات أخرى، حول تحول تجارة المخدرات إلى مصدر اقتصادي أساسي لتمويل نظام الأسد.
وحسب دراسة صادرة عن مركز “COAR” للتحليل والأبحاث (كوار)، في نهاية أبريل/ نيسان 2021، فإن “قيمة صادرات سورية السوقية من الكبتاغون فقط، أكثر من 3.46 مليار دولار أمريكي في 2020”.
في حين أصدر “مركز الحوار السورية” ورقة بحثية عن تجارة المخدرات في سورية، في مارس/ آذار الماضي، قال فيها إن “حجم الاتجار بالمخدرات بحسب التقديرات وصلت إلى 16 مليار دولار سنوياً، وهذا ما يوازي ضعفي ميزانية حكومة نظام الأسد”.
وفي أبريل/ نيسان العام الماضي، أصدر معهد “نيو لاينز” الأمريكي تقريراً حول تجارة “الكبتاغون” في الشرق الأوسط، قال فيه إن حجم تجارة “الكبتاغون” بالتجزئة في الشرق الأوسط، خلال عام 2021 وحده، بلغ 5.7 مليار دولار.
هل يتخلى عنه؟
ونقلت صحيفة “فايننشال تايمز” عن مسؤولين مطلعين على اجتماع جدة، أن نقطة الخلاف في اجتماع جدة بين المشاركين هي “تجارة الكبتاغون لنظام الأسد”.
ونقلت عن أحد المسؤولين قوله إن “سورية أصبحت دولة مخدرات، ولا يمكن تعويض النظام عن الأموال التي يجنيها من المخدرات وهي أربعة أو خمسة مليارات دولار سنوياً”.
واستبعد خبراء لشبكة “CNN” الأمريكية تخلي الأسد عن تجارة الكبتاغون وإيقاف تصديرها بشكل كامل، في حال الاتفاق مع الدول المجاورة على إعادة العلاقات.
وتقول فاندا فيلباب براون، الزميلة بمعهد “بروكينغز” بواشنطن للشبكة، إنه “يُطلب من التاجر الرئيسي أن يوقف عمله، من المستبعد جداً أن يتخلى نظام الأسد عن مصدر دخله الحيوي”.
ويقول الخبراء للشبكة إن النظام “قد يقدم في أحسن الأحوال حلولاً تجميلية للمشكلة، واعداً بفرض قيود أكثر صرامة وإنفاذ قانون أكثر حزماً في الداخل على المنتجين والتجار، الذين ينفي النظام تورطه معهم”.
بدورها أكدت روز من معهد “نيو لاينز” على أن “النظام قد يحافظ على أعمال الكبتاغون الخاصة به كشكل من أشكال النفوذ طويل الأمد ضد جيرانه”.
كما أكد أن النظام سينكر تجارة الكبتاغون، كما سيلقي باللوم على قوى المعارضة والجهات الفاعلة غير الحكومية، في حين “يقوم بموجة من عمليات تجميلية في الداخل لإبعاد اللوم عن الحكومة”.
وحسب ما نقلت صحيفة “المدن” اللبنانية فإن “النظام السوري يجري تغييرات واسعة على مستوى مديرية الجمارك والمراكز الحدودية مع لبنان والأردن”.
وأشارت الصحيفة إلى أن الهدف من هذه التغييرات هو “إيهام” بعض الدول العربية بضبط الحدود ومكافحة تهريب المخدرات.
——————————-
التقارب العربي مع الأسد.. مبادرة للحل أم “إعادة تعويم”؟
بزيارة وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد إلى العاصمة المصرية القاهرة، يوم السبت، تكون الخطوات العربية اتجاه الأسد قد ازدادت واحدة، بعدما شهدت الأيام الماضية الكثير من التحركات، انعكس البعض منها ضمن “إطار المبادرات والمباحثات”، بينما ترجمت أخرى على نحو أكبر باستقبال رسمي، تخلله “سجاد أحمر وطلقات ترحيب”.
ومن المقرر أن يجري المقداد ونظيره المصري، سامح شكري “مباحثات ثنائية تهم البلدين”، بحسب البيانات الرسمية، ومع ذلك تأتي هذه الخطوة المصرية تجاه النظام السوري ضمن جو عربي عام، كان آخر مستجداته بإعلان المملكة العربية السعودية بدء مباحثات رسمية مع دمشق، من أجل استئناف الخدمات القنصلية.
وفي حين تعتبر زيارة وزير خارجية الأسد إلى القاهرة الأولى منذ أكثر من عقد كان التأكيد الرسمي من جانب الرياض هو الأول من نوعه أيضاً منذ انطلاقة الثورة. وقبل هاتين الخطوتين كانت دولة الإمارات قد استقبلت رأس النظام، بشار الأسد وزوجته، بعد أسبوعين من استقباله في سلطنة عُمان.
وفي غضون ذلك وفي أعقاب كارثة الزلزال المدمّر قصد وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي دمشق والتقى المقداد وبشار الأسد، في وقت كان الوزير المصري سامح شكري قد اتخذ مساراً مشابهاً، بالتزامن مع الاتصال الهاتفي الذي أجراه عبد الفتاح السياسي مع رأس النظام.
ورغم أن هذه الخطوات العربية اتجاه نظام الأسد باتت أكثر ما يتصدّر المشهد السوري بشقّه السياسي، إلا أن النقطة التي ستصل إليها لا تبدو معالمها واضحة حتى الآن، وكذلك الأمر بالنسبة للأسباب التي دفعت هذه الدول لهكذا تقارب في الوقت الحالي، وما إذا كانت تمضي بناء على شروط ومحددات أم بسياق “أشبه للمجان”.
“توافق لا اتفاق”
على مدى الأشهر الماضية لطالما ردد الأردن مصطلح “المبادرة العربية” الخاصة بالحل السياسي في سورية في أثناء تحركاته للتواصل مع النظام السوري، وبينما لم يكشف التفاصيل والبنود المتعلقة بذلك، أوضح وزير الخارجية الصفدي أن “المبادرة تتمثل بقيام العرب بحوار سياسي مع النظام يستهدف حل الأزمة، ومعالجة تداعياتها الأمنية والسياسية والإنسانية”.
وأشار خلال اجتماعه مع المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسون في العاصمة عمّان إلى أن الأمم المتحدة مطلعة على تفاصيلها، وأن “التنسيق مع العرب حول موعد إطلاقها وآليات عملها مستمر”.
وليس من الواضح ما إذا كانت “المبادرة” التي تقودها الأردن تشمل الخطوات التي أعلنت عنها السعودية، وقبلها الإمارات وسلطنة عمان، ومصر في الوقت الحالي، فيما يقول خبراء ومحللون لموقع “السورية.نت” إن لكل دولة مسار منفرد، ومع ذلك “تتوافق مع بقية الدول بعيداً عن أي اتفاق”.
ويعتقد الخبير الأمني والاستراتيجي الأردني، عمر الرداد أن “هناك توافقاً بين كثير من الدول العربية على فكرة إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية، في ظل مقاربة تقول إن هذه الإعادة ستسهم في إبعاد سورية عن التاثير والسيطرة الإيرانية”.
لكن “هذا التوافق لم يصل لدرجة أن يكون اتفاقاً وقراراً بالإجماع من قبل الحكومات العربية”، حسب ما يضيف الرداد لموقع “السورية.نت”.
ويشير إلى أنه من الواضح “أننا أمام مقاربات بمرجعيات مختلفة”، و”يبدو معها أن لكل دولة أهدافها وسياقاتها المرجعية”.
وفي حين كانت علاقة الأسد بإيران أكثر ما يثير اهتمام الدول العربية ويقف عائقاً أمام أي محاولة لإعادة تطبيع العلاقات باتت هذه القضية خافتة على نحو كبير، في المسار المتسارع الذي شهدته الأيام الماضية.
ومن الرياض إلى عمّان وصولاً إلى القاهرة وأبو ظبي تركّزت جميع تصريحات المسؤولين العرب على أن خطواتهم اتجاه دمشق تهدف بالأساس إلى دعم “وصول المساعدات الإنسانية”، في أعقاب كارثة الزلزال، إلى جانب تسوية قضية اللاجئين وعودتهم بسلام إلى بلادهم.
ورغم ما يقال عن وجود “مبادرات”، إلا أن الباحث في العلاقات الدولية، محمود علوش يعتقد أن “التحركات العربية تجاه سورية لا تحمل مبادرة جوهرية يمكن أن تفضي إلى نهاية الصراع”.
ويقول لـ”السورية.نت”: “الدول العربية بدأت في إعادة علاقاتها مع نظام الأسد وهذا الانفتاح لو كان مشروطاً بمبادرة ما لما بدأ يظهر فعلاً”.
و”لا تملك أي دولة عربية تصوراً واضحاً لسبل دفع التسوية السياسية في سورية، ومن غير المرجح أن تكون بعض الدول تعتقد أن بإمكانها إقناع الأسد بقبول حل سياسي بينما هو الآن في موقع قوة”.
ويوضح علوش: “الإماراتيون لديهم أهدافهم ومصالحهم الخاصة في سورية، وكذلك الحال بالنسبة للسعوديين والمصريين”.
“إعادة تعويم”
وكانت مسألة “عودة دمشق” أو النظام السوري إلى الحضن العربي قد طرحت قبل الزلزال المدمّر الذي ضرب سورية وتركيا بسنوات وأشهر.
وفي أعقاب الكارثة عادت هذه المسألة لتتصدر المشهد السوري، في وقت ترجمت على الواقع بزيارات واتصالات ولقاءات، وتصريحات مستجدة حملّت نفساً مغايراً ومتسارعاً عن الماضي، ووضعها مراقبون ضمن إطار “دبلوماسية الكوارث” من جانب.
ومن جانب آخر يرجّح مراقبون أن الخطوات العربية تهدف إلى “إعادة تعويم النظام السوري”، على الرغم من تأكيد الدول صاحبتها على القرارات الأممية الخاصة بالحل السياسي في سورية، من بينها قرار مجلس الأمن 2254.
وبينما هناك تنسيق بين الأردن والإمارات وجمهورية مصر في المسار المستجد حيال الأسد، لدى السعودية حسابات أخرى أظهرتها المصالحة الأخيرة بين الرياض وطهران، حسب ما يقول الخبير الأردني، عمر الرداد.
ويقول إنه وبالرغم من كل ذلك فإن إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية “سيبقى مرهوناً بمواقف الأطراف الفاعلة في الملف السوري، وتحولاتها بعد الحرب في أوكرانيا، لاسيما وأن هناك موقفاً أمريكاً وأوروبياً ما زال يتحفظ على الانفتاح العربي على دمشق، بوصف القيادة السورية متهمة بجرائم حرب وضد الإنسانية”.
من جهته لا يعتقد الباحث محمود علوش أن هناك تنسيقاً واضحاً في المواقف العربية بشأن سورية، وأنه “قد يبدو ظاهرياً وجود مثل هذا التنسيق لكن لكل بلد دوافعه وحساباته الخاصة”.
ويرى علوش أن “ما يجري الآن هو إعادة تعويم بشار الأسد عربياً وإقليمياً وليس مبادرة لتسوية سياسية حقيقية للصراع”، موضحاً أن “لدى العرب مصالح في سورية وانفتاحهم على الأسد ليس مجانياً”.
ويتابع: “لكن هذه المصالح لا تتعلق بشكل جوهري بالتسوية السياسية. هناك من يأمل أن تؤدي عودة الدور العربي إلى تقليص نفوذ إيران وبعض الدول تريد التعاون مع النظام لوقف تهريب المخدرات”.
ويعتقد الباحث علوش أن “الترويج لفكرة المبادرة وبكثرة يهدف إلى إضفاء مشروعية على الانفتاح العربي على النظام السوري”.
———————————
فايننشال تايمز: خلاف حاد بشأن التقارب “السعودي السوري” والكبتاغون أحد أسبابه
كشف تقرير أوردته صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، عن خلاف عربي حاد بشأن التقارب السعودي الأخير مع النظام السوري، اتضحت معالمه عقب اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي عُقد الجمعة في مدينة جدة السعودية، لمناقشة إعادة قبول “سوريا” في جامعة الدول العربية.
وكان الاجتماع الوزاري قد انتهى بدون اتفاق، بحسب التقرير
، لتبرز انقسامات عميقة في جميع أنحاء المنطقة بعد ما يقرب من 12 عامًا من انزلاق البلاد في حرب طاحنة.
وبينما تحركت بعض الدول لتطبيع العلاقات مع النظام السوري، تعارض دول أخرى بشدة، قائلة إن بشار الأسد لم يفعل شيئًا يذكر لإعادة تأهيل نفسه.
وجاءت محادثات جدة يوم الجمعة، بعد أيام من زيارة وزير خارجية النظام السوري للمملكة العربية السعودية التي تدرس دعوة الأسد لحضور قمة جامعة الدول العربية الشهر المقبل.
وقالت وزارة الخارجية السعودية، السبت، إن الوزراء اتفقوا على مواصلة النقاش بشأن حل سياسي للصراع في سوريا وشروط للسماح بإعادة ملايين اللاجئين السوريين.
ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورئيس النظام السوري بشار الأسد
السعي السعودي لإعادة النظام السوري للجامعة العربية يواجه مقاومة من 5 دول
معارضة حادة للتقارب السعودي مع النظام
ونقل التقرير عن مسؤولَين مطلعَين على الاجتماع إن هناك معارضة حادة للتقارب السعودي من دول، من بينها قطر والكويت والأردن، التي تساءلت جميعها عن المقابل الذي يمكن أن يمنحه النظام السوري لقاء ذلك التقارب، بحسب أحد المسؤولَين.
إحدى نقاط الخلاف كانت حبوب “الكبتاغون”، العقار المخدر الذي يسبب إدمانًا شديدًا، إذ أصبحت تجارته شريان الحياة الاقتصادي لنظام الأسد، وفق المسؤول الذي قال: “لقد أصبحت (سوريا) دولة مخدرات، بتجارة تصل إلى أربعة أو خمسة مليارات (دولار) سنويًا… لا يمكننا دفع (ثمن) ذلك”.
إلى الجامعة العربية..
ماذا حدث في #جدة بين وزراء خارجية الدول العربية؟#تلفزيون_سوريا #نيو_ميديا_سوريا pic.twitter.com/9exa88cWH6 — تلفزيون سوريا (@syr_television) April 15, 2023
“نخلع ملابسنا لإيران”
المسؤول الثاني، أفاد بدوره بأن إعادة قبول النظام السوري في الوقت الذي تنتشر فيه القوات الإيرانية وميليشياتها في البلاد، وتمارس نفوذًا على الأسد، من شأنه أن يكافئ طهران. وقال: “نحن نخلع الملابس للإيرانيين”، على حد وصفه.
وكان وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان قد صرّح في شباط الماضي أن هناك إجماعًا متزايدًا في المنطقة على أن عزل سوريا لا يجدي نفعًا. كما زار الأسد كلاً من الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان في وقت سابق من هذا العام.
من جهته، قال علي الشهابي، المعلّق والسياسي السعودي المقرّب من الديوان الملكي: “السعودية ترى بشار على أنه واقع مفروض الآن على الأرض، ويجب التعامل معه في العديد من القضايا، ليس أقلها مئات الآلاف من اللاجئين السوريين في السعودية، والذين يريدون العودة إلى ديارهم، بالإضافة إلى المخدرات وقضايا أخرى”.
مسؤولون مطلعون آخرون، قالوا إن مصر التي تضمّ مقر جامعة الدول العربية، تخلت بشروط عن معارضتها للأسد لكنها تريد على الأقل إظهار التقدم في حل سياسي.
وفي اجتماع جرى الأربعاء الماضي، قال وزيرا الخارجية السعودي والنظام السوري إنهما بحثا شروط الحل السياسي وعودة اللاجئين، وكذلك التصدي لتهريب المخدرات.
موقف الولايات المتحدة
وبحسب التقرير، فإن ذوبان الجليد في العلاقات العربية مع نظام الأسد، قد يؤدي إلى إثارة غضب الولايات المتحدة، التي فرضت عقوبات على ذلك النظام، على الرغم من أن واشنطن لم تتخذ إجراءات ضد حليفتها الإمارات لاستضافتها الأسد هذا العام وكذلك في عام 2022.
ومؤخرًا أيضًا، تحركت السعودية إلى جانب الإمارات العربية المتحدة، لنزع فتيل التوترات مع إيران ولحل حرب طويلة الأمد في اليمن ضد ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران. كما تبادلت السعودية مع الحوثيين، أمس الجمعة، مئات الأسرى.
———————————-
==================
تحديث 10 نيسان 2023
——————————
عقابيل تكرير العصابة المارقة/ د. يحيى العريضي
يشهد السوريون سباقاً محموماً تقوده بعض الدول لإعادة تكرير منظومة استبدادية قتلت “شعبها”، واعتقلت مئات الآلاف منه، وأزهقت أرواحهم في معتقلاتها، واستخدمت الأسلحة المحرّمة دولياً، واستدعت الاحتلالات، وشرّدَت الملايين، وجوّعت وأذلّت مَن بقي في الداخل؛ واستمرت بعنجهيتها وادعائها النصر ببهلوانية وانفصام كامل عن الواقع. فأي غاية لتلك “الدول”، عندما تسعى لسحق حقِ شعبٍ جريمته أنه أراد أن يحيا بكرامة وحرية وإنسانية! وأي مفاعيل وعقابيل ستكون لإعادة تكرير هذه المنظومة الاستبدادية، التي تكشّف إجرامها حتى للحجر؟
أولئك الذين يتسابقون لإعادة “النظام” يتذرعون بضرورة إنقاذ سورية وشعبها من المعاناة، وفك ارتباطها بإيران، وضرورة وجودها في الجامعة العربية كقوة ومنعة للعرب. وللأسف عكس ذلك تماماً سيكون المآل؛ وخاصة أن الأسباب التي أدت لنبذ النظام وتعليق عضويته في الجامعة لا تزال قائمة وتتفاقم. ما مِن عاقل إلا ويرى أن “فكَّ ارتباط النظام بإيران” مسألة مستحيلة، فالتوأم السيامي ينتهي، بفصله. ولو كان هذا النظام متأكداً أن هاجس المتسابقين “رفع معاناة الشعب السوري”، لمَا التفت إلى المتسابقين المحمومين، رغم توقه لالتفاتةٍ من مسؤول دولي، مهما صغر شأنه؛ أمّا بخصوص ذريعة “قوة العرب ومنعتهم”، فإجرام المنظومة وخيانتها لسورية، دمغة عار وهزيمة، يستحيل زوالها.
بسبب وجود إيران وبدفع منها، وبكل بجاحة يقدّم نظام الاستبداد نفسه كمنتصر، يستحق الاستمرار. ورغم أن سورية الآن تحت خمسة احتلالات، وعدد من ميليشيات الأمر الواقع؛ ومنظومة الاستبداد ليست إلا مجرد واحدة منها، فالتصاقه بإيران يهبه هذه المنعة التي يحلم المطبّعون بفصمها. ألا يرى هؤلاء أن التغيير الديموغرافي أضحى علنياً، حيث يحتل بيوت السوريين أفغان وباكستانيون وإيرانيون، تمّ منحهم الهُويّة السورية؟!
مع إعادة تكريره أو تدويره، وفي ظل جملة من الاحتلالات؛ سيكون نظام الأسد المشرعن للاحتلال والتقسيم، شاهداً على ضياع سيادة سورية، مبرراً لاستمرار حالة الدمار والضياع فيها. وجوده سيحول دون عودة ملايين السوريين الذين تبعثروا في أصقاع الأرض؛ ولن تتجرأ أو تقدِم جهة على إعادة الإعمار، لأن من دمّر أول مرة، سيدمّر مرة أخرى.
باستمراره ستستمر العقوبات، التي يعمل على جعل مَن تبقى حوله ضحية لها؛ كي يبقوا عبيداً له، متمسكين به. بوجوده، سيكون التقسيم أقل المآسي؛ وهو يريده، علّه يبقى متسلطاً، ولو على شبر واحد، ليشبع غريزة حيوانية في التسلّط قلَّ نظيرها. استمراره شرعنة للجريمة حتى دولياً، بحكم غياب العدالة وعدم محاسبة المُدان على الجرائم التي اقترفها بحق السوريين . بوجوده سيضيع مزيد من الأجيال دون علم أو تربية أو أخلاق.
ليبشر المتحمسون والمحمومون المتسابقون لإعادة منظومة الاستبداد إلى الجامعة العربية، تحت ذريعة أن (العرب سيكونون أكثر قوة ومَنَعة بوجود سورية)، بأنه بوجود المنظومة سيزداد التبعثر والضعف العربي ، والتوترات والمآسي الجديدة ستلد، والأمراض البينية ستتفاقم، والاستباحة الخارجية ستزداد. إقليمياً لن يكون الحال أفضل؛ فالتوترات الإقليمية لا تحتاج إلى مزيد من تنابذ وتضارب المصالح اللازمة إلى اشتعال حروب، الكل فيها خاسر. وبحكم تحوُّل عالمنا إلى ما يشبه القرية، فإنه باستمرار علّة كهذه في جسد هذه القرية، فالسلام العالمي في خطر حقيقي. فلا يغيب عن الأذهان عودة ظلال الحرب الباردة التي لا يمكن عدم اعتبار التنافر الحاصل بين القوى الموجودة على الساحة السورية خارج المسببات أو السياق.
طريق الخلاص يستلزم جهود الجميع، والبداية باقتلاع هذه الآفة. ولا يكون ذلك عبر البدعة القديمة – الجديدة والفاشلة سلفاً “خطوة – بخطوة” بل بالاستمرار بنبذ ورفض عضوية هذه العصابة الإجرامية المارقة؛ ليس فقط في “الجامعة العربية”، بل في كل محفل دولي.
أخيراً، ورغم قَتامة المشهد، بالنسبة للسوريين، لا بد للسوري أن يعطي أهمية للحقائق التالية، ويبني عليها خطواته القادمة: – الغليان الداخلي في إيران وإسرائيل؛ – النقمة اللبنانية على الملالي وأداتهم؛ – غرق بوتين في أوكرانيا/ العالم يخنقه؛ – تعري المنظومة الإجرامية أمام حاضنتها بسبب الوضع المزري الذي أوصلها إليه انفصامها وإجرامها؛ – دمغة الكبتاغون القاتلة ومفاعيل قانون قيصر؛ فهناك مائة سبب وسبب تجعل إعادة تكريرها مستحيلة. من جانب آخر، إنها فرصة للسعودية تأتيها على طبق من ذهب كي يلتف العرب حولها وتمضي بمشروع ٢٠٣٠، وتنهي حالة الازدراء والاستضعاف والاعتمادية ، ويكون للعرب مشروعهم ويتحولون إلى رقم عالميٍ يستحيل تجاوُزه. لا يجوز ترك الحبل على الغارب لأذرع إيران ومشروعها الخبيث، حيث ستكون السعودية على رأس قائمة الخاسرين.
—————————————-
العقوبات الأميركية..محاولات يائسة لكبح التطبيع مع النظام/ مصطفى محمد
لم تعد ردود الفعل الأميركية إزاء توسع قائمة الدول المطبعة مع النظام السوري مقتصرة على معارضة تلك التحركات والدعوة إلى وقفها، وإنما بادرت واشنطن إلى فرض عقوبات على أشخاص من دائرة النظام المقربة مع كل تطبيع جديد، وكأنها محاولة لكبح هذا المسار من خلال التذكير بحضور وقوة العقوبات المفروضة على النظام من خلال قانون “قيصر”.
العقوبات الأميركية
فبعد أيام من انتشار الأنباء عن توجه السعودية لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على ستة أشخاص بينهم اثنان من أقارب رئيس النظام السوري بشار الأسد، على خلفية تهريب المخدرات (الكبتاغون).
وتستهدف العقوبات التي فرضت بشكل مشترك مع بريطانيا، سامر كمال الأسد ووسيم بديع الأسد، أبناء عمومة الأسد، بهدف تجميد الأصول المحتملة للأشخاص ومنع وصول الكيانات المدرجة على اللائحة السوداء إلى الأسواق العالمية والخدمات المالية.
ويبدو أن واشنطن قد اضطرت إلى تغيير طريقة تعاملها مع زيادة الانفتاح العربي والإقليمي على النظام السوري، بعد أن بدت كأنها مكتوفة اليدين، وهو ما يؤكد عليه الباحث في المركز العربي في واشنطن رضوان زيادة ل”المدن”.
ويقول زيادة إن “فرض العقوبات على شخصيات مقربة من الأسد، يعني إرسال رسالة واضحة للدول التي تنوي التطبيع فحواها أن قانون قيصر، وقانون مكافحة المخدرات المرتبطة بنظام الأسد موجودان”. ويضيف أن العقوبات في هذا التوقيت تعني أن النظام السوري لم يعد يشكل أي قيمة للدول التي ستطبع معه، لأنه نظام اتجار بالمخدرات، ويشكل خطراً على المنطقة.
ويُقرأ من الموقف الأميركي هذا أن واشنطن غير قادرة على وقف مدّ التطبيع مع النظام، وخاصة بعد انخراط أطراف وازنة في هذا المسار، مثل تركيا والسعودية. ويتفق زيادة مع تلك القراءة ويقول: “قد تكون الولايات المتحدة قد طلبت من هذه الدول وقف التطبيع، لكن طلبها يقابل بالرفض كما فعلت الإمارات، التي فتحت هذا المسار”.
تخفيف حرج الإدارة الأميركية
ورغم أن المواقف الأميركية حيال التطبيع مع النظام السوري تبدو ضعيفة، إلا أن العقوبات والقوانين التي تصدر من وقت لآخر المتعلقة بمخدرات النظام السوري لا تدلّ على عودة الملف السوري إلى أولويات إدارة الرئيس جو بايدن.
ويقول السياسي والمعارض السوري المقيم في الولايات المتحدة أيمن عبد النور إن إدارة بايدن تتعامل مع الملف السوري ضمن ملف الشرق الأوسط، أي العلاقات مع إيران والخليج وتركيا، ويبدو أن الاتفاق السعودي-الإيراني برعاية صينية قد تسبب بحرج للإدارة، وخاصة بعد تسلم الحزب الجمهوري الأميركي الأغلبية في مجلس النواب.
ويضيف ل”المدن”، أن الحديث في واشنطن يتركز عن تسبب تراخي الإدارة الأميركية بدفع السعودية إلى الحضن الصيني والإيراني، ولذلك تبدو هذه القرارات “غير المؤثرة على نحو كبير” لكسب ود النواب الديمقراطيين الذين وقفوا مع مطالب الحزب الجمهوري المتعلقة بالعقوبات.
ويقول عبد النور: “فشلت الولايات المتحدة في وقف مدّ التطبيع مع النظام السوري، ولم يبقَ أمامها سوى تناول مواضيع وملفات خفيفة مثل المخدرات، وهو ما يمكن تلمسه من خلال فشل الإدارة الأميركية بإضافة بند متعلق بعدم التطبيع مع النظام السوري في بيان اجتماع عمان الذي شاركت فيه 12 دولة أوروبية وعربية حول الوضع في سوريا، قبل أسبوعين”.
الحراك المعارض في واشنطن
ثمة تفسيرات أخرى للحراك الأميركي المتعلق بالمخدرات في سوريا، إذ يؤكد رئيس قسم التخطيط في المجلس السوري الأميركي محمد علاء غانم، أن كل ما يصدر عن واشنطن مؤخراً يأتي ثمرة للحراك من جانب السوريين في واشنطن.
ويوضح غانم ل”المدن”، أنه قبل أسبوع خضع وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن للمساءلة في الكونغرس من قبل السيناتور فرنش هيل حول التطبيع والمخدرات. ويقول: “خططنا مع هيل وغيره من المشرعين قبل الجلسة لطرح هذه الأسئلة على بلينكن”.
ويتابع غانم أن الإدارة تتعرض منذ فترة لضغوط من الكونغرس بخصوص تفعيل قانون قيصر، ويبدو أن ذلك أدى إلى صدور العقوبات بالتنسيق مع بريطانيا.
بدوره، يشيد الباحث المختص بالشأن الأميركي عبد الرحمن السراج خلال حديثه ل”المدن” بحراك المجتمع المدني السوري المعارض في واشنطن، ويقول ل”المدن”: “قد يكون هذا الضغط أحد أهم عوامل صدور هذه العقوبات والقرارات السابقة”.
لكن كل ذلك لا يعني من وجهة نظر السراج، أنه لا وجود لأجندة لدى الإدارة الأميركية تعمل على زيادة عزلة النظام السوري، ويقول: “هذه الأجندة قد لا تكون على أولويات الإدارة، لكنها موجودة ولذلك نرى من حين لآخر قرارات على هذه الشاكلة”.
المدن
—————————–
هل سيمنح النظام السوري الدول الساعية للتطبيع الحد الأدنى من مطالبها؟/ سامر القطريب
بعد 12 عاما تغيّر النظام السوري، ولكن ليس كما يريد السوريون والمطبّعون الذين يحاولون سحب بشار الأسد صاحب دولة الميليشيات والكبتاغون من حضن إيران إلى الحضن العربي، فهل يملك النظام قراره وهل يستطيع العرب فتح الأبواب المغلقة في وجه الأسد من دون موافقة واشنطن؟
اجتماع رباعي “بارد” في موسكو
حتى نهاية شهر رمضان وبداية الانتخابات التركية، يرجح حصول تطورات في سياق التطبيع مع النظام السوري قد تقوده الرياض التي بدأت بفتح الباب مع طهران العدو الاستراتيجي. التحركات السعودية هذه مازالت تحت رقابة الولايات المتحدة خاصة في سوريا، حيث وجه أعضاء في الكونغرس الأميركي انتقادات لاذعة لإدارة بايدن بسبب تراخيه في الملف السوري.
أما فيما يخص التقارب بين النظام وتركيا، استبعد رئيس النظام السوري بشار الأسد في آذار الماضي أي لقاء مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حتى تبدي تركيا استعدادها لسحب قواتها من شمالي سوريا.
وفي المقابل صرح مسؤول تركي كبير لوكالة رويترز أنه سيتم بحث الوضع على الأرض في سوريا خلال الثالث والرابع من نيسان في موسكو. وأضاف أنه “من المتوقع أن يكون هذا الاجتماع استمرارا للاجتماعات على مستوى الوزراء التي بدأت خلال عملية استئناف العلاقات”.
وتابع قائلا “مع هذا، وبما أنه لن تكون هناك مشاركة على مستوى الوزراء وسيكون الاجتماع على المستوى الفني، فمن غير المتوقع اتخاذ قرارات مهمة”.
المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري (القدس العربي)
وبموازة الحراك التركي الذي خف زخمه مع التحضير للانتخابات الرئاسية التركية المقررة في 14 من أيار المقبل، أعلنت المملكة العربية السعودية عن اتفافها مع النظام على إعادة فتح سفارتيهما في الرياض ودمشق واستئناف الخدمات القنصلية، وقبل ذلك شهدت المنطقة تطورا مفاجئا عبر بدء تطبيع العلاقات السعودية الإيرانية.
إلا أن واشنطن كشفت “ببرود” عن معرفتها بالخطوة السعودية مع إيران والتي ستقربها من النظام، لتأتي لاحقا دفعة جديدة من العقوبات الأميركية والبريطانية على النظام السوري، أما فيما يخص تطبيق العقوبات الأميركية فقد فرضت سلطات اتحادية أميركية، الخميس، غرامات مالية على بنك ويلز فارجو آند كو بنحو 97.8 مليون دولار بسبب عدم فرضه الرقابة الكافية على احتمالات عدم امتثاله لعقوبات مفروضة على إيران وسوريا والسودان بما أدى إلى انتهاكها، بحسب رويترز.
وكانت واشنطن جددت تأكيدها الرافض للتطبيع مع النظام السوري، كذلك قال دان ستوينيسكو رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي إلى سوريا، إن الاتحاد الأوروبي يدافع عن فكرة التوصل لحل سياسي بما ينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم 2254، مرحباً بأي مبادرات عربية تمهد الطريق لمواصلة المفاوضات بشأن سوريا وتخرج بنتائج ملموسة.
“دبلوماسية ما بعد الزلزال” العربية
استغل النظام السوري الزلزال سياسيا حتى آخر رمق، ساعيا إلى رفع العقوبات والتي ستعطي دفعة قوية لسردية التطبيع التي ظهرت في السنوات القليلة الماضية والمتعلقة بجهود إعادة الإعمار. وجاءت المساعدات الإنسانية من الإمارات والسعودية إلى مطار دمشق كما زار وزير الخارجية المصري سامح شكري دمشق تحت عنوان العمل الإنساني، واليوم السبت يرد وزير خارجية النظام فيصل المقداد الزيارة المصرية، ولكن ما يبدو واضحا هو أن مصر لم تستطع ضخ الغاز في أنانيب “الخط العربي” إلى لبنان مرورا بسوريا لأن المفتاح بيد واشنطن والضوء الأحمر مازال يومض.
مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف زارت الأردن ومصر وليبيا وتونس ولبنان في الفترة من 15 إلى 25 آذار الجاري، وقالت إن إدارة بايدن تهدف إلى منع استئناف الصراع في سوريا وأضافت خلال إيجاز صحفي إن نهج الولايات المتحدة تجاه سوريا لم يتغير. وتابعت “نحن لا نؤيد التطبيع ولا ننوي أن نطبّع نحن مع النظام. وإذا نظرت إلى الإجراءات التي اتخذناها هذا الأسبوع، لوجدتها تسلط الضوء على الإجراءات والعقوبات التي أعلناها في 28 آذار ضد ستة أفراد وكيانين مملوكين لأحد هؤلاء الأفراد المقربين من النظام وأفراد الأسرة وما إلى ذلك. سترى مجموعة أخرى من القضايا التي تدخل في صميم سبب اعتقادنا أن هذا النظام يمثل كارثة لشعبه، ولكن أيضا لجواره”.
وأشارت إلى أن أميركا أصدرت العقوبات مع المملكة المتحدة بسبب إنتاج وتصدير الكبتاغون في سوريا ولبنان، وتابعت “هو بلاء جديد ومخيف في جميع أنحاء المنطقة. ولذا يمكنني العودة إلى قرار مجلس الأمن رقم 2254 واستشهد بكل الأشياء التي فشل النظام في القيام بها، ثم يأتي الربح الذي يجنيه النظام من تجارة الكبتاغون هو مجرد مثال فظيع آخر على لماذا يستحق هذا النظام أن يعامل كمارق”.
وحول مساعي التطبيع العربية قالت ليف “بما أني ذكرت ذلك، فسأضيف إننا نجري مناقشات منتظمة مع شركائنا حول مسار عملهم والتحول الجاري في السياسة. بعضهم قال بصراحة شديدة، بعضهم في السر وبعضهم علنا، إن العزلة، من وجهة نظرهم، لم تنجح ولذلك فهم يريدون تجربة المشاركة. ومنهجنا في هذا الصدد هو أن على المرء أن يتأكد من حصوله على شيء مقابل هذه المشاركة. وأود أن أضع إنهاء تجارة الكبتاغون في المقدمة جنبا إلى جنب مع المشاكل الأخرى المذكورة في قرار 2254 والتي تهدف إلى توفير الإغاثة للشعب السوري من العقد الرهيب من القمع الذي عانوه”. وبناء على ذلك مازالت مفاتيح الأبواب المغلقة بيد الولايات المتحدة وهي لن تسلمها مجاناً، حتى وإن تحدث تقارير عن تراجع اهتمامها بالشرق الأوسط وحشد قوتها لمواجهة الصين وروسيا في آسيا وأوروبا.
الحد الأدنى للمطالب العربية.. سقف مرتفع عند النظام
بحسب مصدر خليجي فإن المطالب العربية حملها وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي وطرحت خلال اللقاءات الأمنية بين النظام ومسؤولين في الرياض وجاءت كالتالي، بدء العمل على الحل السياسي تحت قرار مجلس الأمن الدولي 2254، وتعديل طبيعة العلاقة القائمة بين النظام السوري وإيران والحد من نفوذها العسكري والأمني والسياسي في سوريا.
وإطلاق سراح الموقوفين المُعارضين من سجون النظام السوري، وكشف مصير عشرات آلاف المفقودين.
إضافة لفتح قنوات التواصل الجدي مع المُعارضة السورية وتسهيل وصول المُساعدات الإنسانية إلى الشمال السوري وضمان العودة الآمنة للنازحين السوريين، وعدم التعرض للمُعارضين.
وأيضا وقف تصدير المُخدرات من مناطق الساحل والجنوب السوري إلى الدول العربية عبر الأردن، وتفكيك الشبكات المسؤولة عن هذه العمليات. فهل سينفذ النظام الحد الأدنى من المطالب العربية والتي دعت الدبلوماسية الأميركية ليف الدول العربية إلى تحصيلها؟
النظام السوري أكد مرارا أنه لن يقطع ولن يغير من طبيعة علاقته مع إيران التي رسخت نفوذها العسكري وباتت تتعامل مع سوريا كمقاطعة إيرانية يتجول فيها الوزراء وقادة الميليشيات، كما أن النظام وروسيا يدوران منذ 12 عاما حول القرار الأممي 2254 دون الاقتراب منه.
أما بالنسبة للكبتاغون فيذكر أنه تزامنا مع مبادرات التطبيع العربي الشهر الماضي، تم ضبط ثلاث شحنات مخدرات وكبتاغون خلال يوم واحد، وهي في طريقها إلى الأردن والخليج العربي ورغم العقوبات الأميركية وقانون الكبتاغون، وبحسب آخر التقارير للحكومة البريطانية فإن عائدات تجارة الكبتاغون لدى النظام السوري وصلت إلى نحو 57 مليار دولار أميركي سنوياً، “أي من ما يقرب من 3 أضعاف تجار مخدرات جميع الكارتالات المكسيكية معاً، كما أنها تمثل 80 في المئة من إمدادات العالم من هذا المخدر”.
وبالنسبة لبند إطلاق سراح المعتقلين في السجون فالجميع يذكر مسرحية النظام عندما بث أخبارا كاذبة حول إفراجه عن المعتقلين واكتظت شوارع دمشق بالعائلات المنكوبة، وأما العودة الآمنة بضمانات دولية وهو مطلب تركي أيضا، فيذكر هذا العنوان بمشهد من أحد المسلسلات الأميركية الشهيرة، حيث يخرج رئيس الأغلبية في الكونغرس ليرى مشردا قيده الأمن إلى عامود كهرباء بعد محاولة الاحتجاج أمام مبنى الكابيتول، فيقول له “لا أحد يمكنه سماعك لا أحد يبالي بك لا شيء سينتج عن هذا.. لم لاتدع هؤلاء السادة يرافقونك إلى المنزل”. وبالعودة إلى سوريا هل يستطيع سادة البيت الأبيض فعلها وإعادة السوريين إلى بيوتهم؟
تلفزيون سوريا
—————————-
ماذا يعني التطبيع العربي مع نظام الأسد؟/ زياد ماجد
تتسارع منذ أشهر وتيرة تطبيع أنظمةٍ عربية مع دمشق، بحجج مختلفة، آخرها «إنساني» بعد الزلزال المدمّر الذي ضرب الجنوب التركي والشمال السوري.
وإذا كانت الإمارات العربية المتّحدة قد استهلّت التطبيع المذكور العام 2018 مدّعية أنه يهدف إلى إيجاد حضور عربي في بلد باتت تحتلّه وتدير النزاع والمفاوضات فيه روسيا وإيران وتركيا، فإن السعودية تبدو اليوم مرشّحة لاستهلال جولة ثانية في مساره، متخلّية عن معظم شروطها أو متراجعة عن أبرز ما كرّرته خلال السنوات الماضية.
فما الجديد الذي يدفع عواصم المنطقة إلى مصالحةٍ مع نظامٍ عادَتهُ سابقاً لاضطرارٍ وقسرٍ أو لتحالفه العضوي مع إيران؟
يمكن ذكر ثلاثة أسبابٍ لتفسير ذلك.
السبب الأول، يرتبط بخريطة التموضعات الإقليمية الجديدة والتنافس بين عدد من الدول على أدوار سياسية واقتصادية في مرحلةٍ يستمرّ فيها الانكفاء الأمريكي عن بعض ملفّات المنطقة واكتفاء واشنطن بتجميد نزاعات من دون السعي لإيجاد حلول فيها.
وسوريا هي راهناً البلد الأكثر عرضة لهذا التنافس، بعد تعذّر إسقاط النظام نتيجة الدعم الإيراني والروسي له، بموازاة تعذّر الوصول إلى تسوية شاملة تمكّنه من إعادة بسط سطوته على كامل البلاد نتيجة الواقع الميداني شرقها وفي شمالها الشرقي حيث القوات الكردية محميّة من واشنطن، وفي شمالها وشمالها الغربي حيث بعض فصائل المعارضة برعاية القوات التركية تسيطر على الأرض والحدود.
وهذا يدفع عدداً من الدول إلى التصرّف في سوريا بوصفها ساحة مفتوحة لتصفية حسابات أو تَوَسُّعِ أدوار. فإسرائيل تضرب فيها القوات الإيرانية والحليفة لها التي تعمل من جهتها على تعزيز مواقعها وبناء شبكاتها. والإمارات تحاول الدخول كطرفٍ نجح في قيادة الثورات المضادة لإرجاع «الأحوال العربية» إلى ما كانت عليه قبل العام 2011، واعدةً بالاستثمار في عملية إعمارٍ منشودة.
أما السعودية، فتبدو الآن بعد «تطبيعها» مع إيران جاهزة قنصلياً أولاً ثم ديبلوماسياً لتطبيع مع دمشق يجعلها عرّابة عودةٍ سوريا إلى جامعة الدول العربية ومصالحات تستبق القمّة المقبلة في الرياض (أو تليها) لتتويج دور زعامتها المُستعاد.
السبب الثاني، عطفاً على الأول، يتأسّس على توهّمٍ لدى الإماراتيين والسعوديين مفاده امتلاك قدرة تأثيرٍ على نظام الأسد الذي لم ينفع إنقاذه العسكري روسياً وإيرانياً في فكّ الحصار الغربي عنه حتى الآن، ولم يوفّر له استثمارات أو مساعدات تمكّنه عبر ذريعة «إعادة الإعمار» من تمويل قواعده الزبائنية وأجهزته الأمنية والسياسية.
وهذا يوحي للدافعين باتجاه التطبيع بأنهم يستطيعون مقابل إعادة فتح الأبواب العربية لدمشق تقريبها منهم على حساب طهران، وتحجيم دور تركيا، كقوّة إقليمية «سنيّة» وحيدة كانت تنافس إيران «الشيعية»، وإقناع الغربيين ببدء الانفتاح على دمشق بمعيّتهم وضماناتهم المُلزِمة للأخيرة.
على أن التدقيق في هذه المزاعم أو المقولات يظهر تهافتها. فلا أبو ظبي والرياض تملكان قوات عسكرية في سوريا تحمي محاولاتهما لعب أدوار سياسية فيها، ولا طهران بوارد التراجع عن نفوذها هناك وليس ثمة ما يدفعها لذلك، ولا الأسد يقدر أصلاً أن يحجّم الدور الإيراني الذي يدينُ له جزئياً بالنجاة، ولا تركيا ستُخلي الشمال السوري دون «تسوية» مُرضية لها للمسألة الكردية لا يبدو أن واشنطن بوارد القبول بها في المستقبل القريب.
وهذا يعني أن الانفتاح الخليجي (العربي) على الأسد سيكون على أرض الواقع من دون مقابل سياسي فعلي كبير.
السبب الثالث يتعلّق بما سبق ذكره، أي ما يُسمى إعادة الإعمار وصفقاتها، في ظل عجز اقتصادي إيراني وروسي عن إطلاق ورشها، وتمنّع غربي عن الدخول في معتركها، وعدم رغبة صينية في التورّط فيها لأسباب عديدة تتّصل بأولويات بكين في السنوات المقبلة.
وهنا أيضاً لا تبدو الرياض بعد أبو ظبي مدركةً كفاية لقدرة نظام الأسد (وحليفيه الإيراني والروسي) على ابتلاع الأموال وفرض الخوّات على المشاريع والتشارك في الأرباح (من دون مساهمات في رؤوس مالها)، بما يحول دون الاستفادة الخليجية اقتصادياً منها، ودون ترجمة عملية «الإعمار» ذاتها إلى دور سياسي «عربي» فاعل. هذا حتى قبل الإشارة إلى العقوبات التي يمكن أن تطال المستثمرين الخليجيين في سوريا نتيجة آليات «قانون قيصر» وغيره من الآليات العقابية الأمريكية…
التطبيع مع القتل
بناءً على ما تقدّم، يصبح أمر التطبيع مع نظام الأسد مجرّد تطبيع بلا شروطٍ قابلة للتحقيق مع مجازر أردت أكثر من نصف مليون شخص وطردت من سوريا سبعة ملايين «مواطن» تحوّلوا إلى مشرّدين ولاجئين، وتبدّلت بخروجهم خصائص الديموغرافيا الاجتماعية والمذهبية السورية، ومع عمليات تعذيب واغتصاب واحتجاز وتهجير داخلي طالت ستة ملايين آخرين، ومع سياسة ابتزاز بواسطة مخدّرات «الكبتاغون» التي تتّهم الرياضُ دمشقَ بتصديرها عبر حدود الأردن إليها…
ويصبح أمر التطبيع كذلك تطبيعاً مع واقعٍ فرضه احتلال بلدٍ عربي من قبل العديد من القوى الخارجية، في طليعتها روسيا وإيران.
لكن هذ التطبيع مع الأسد سيبقى لفترة طويلة محصوراً في إطارٍ عربيّ جزئي. وحتى لو انخرطت تركيا فيه بعد انتخاباتها الرئاسية، فسيبقى إقليمياً. ذلك أن ترسانة العقوبات الأمريكية والأوروبية على الشركات والأفراد المرتبطين ببنية النظام السوري وعلى بعض المؤسسات العامة التي تسمح له بتمويل آلته القمعية، مضافةً إلى العقوبات المفروضة لأسباب أوكرانية على روسيا ونووية على إيران وتداعياتها السياسية سورياً، تؤجّل احتمالات التطبيع دولياً مع دمشق.
كما أن تلاحُق القضايا المرفوعة من حقوقيين سوريين وأوروبيين ضد الأسد وأجهزته أمام المحاكم المختصّة في ألمانيا وفرنسا وهولندا والسويد وسواها يزيدُ من الضغط على دُعاة التطبيع وأنصاره الغربيّين، ويؤجّل حملاتهم برمّتها.
مصالحة المملكة السعودية للنظام السوري ستبقى إذاً في المرحلة المقبلة محكومةً بسقوف معيّنة، الأوهام فيها أكبر من المعطيات المادية أو الواقعية. وهي تشير في أيّ حال، كما المصالحة مع إيران والوساطات العُمانية والإماراتية، إلى خيارات إقليمية ما زالت كثرة من معالمها مرتبطة بإيقاعات السياسة الأمريكية حضوراً في المنطقة أو غياباً أو انكفاءً مؤقّتاً…
*كاتب وأكاديمي لبناني
القدس العربي
————————-
سوريا: إرهاب وسلاح كيميائي وكبتاغون/ بكر صدقي
في الوقت الذي تتواصل فيه حركة دبلوماسية عربية نشطة باتجاه دمشق، أطلقت المتحدثة باسم الحكومة البريطانية تغريدة قالت فيها إن عائدات النظام السوري من الكبتاغون بلغت 57 مليار دولار، وهو ما يعادل ثلاثة أضعاف ما تنتجه مجموع الكارتيلات المكسيكية للاتجار بالمخدرات!
يبدو الرقم المذكور مهولاً بالمقاييس السورية على الأقل، إذا قارناه، على سبيل المثال بالناتج المحلي الإجمالي في سوريا للعام 2020 الذي بلغ أكثر من 11 ملياراً بقليل، أي أقل من خُمس الرقم الذي أشارت إليه المتحدثة البريطانية. في حين بلغت ميزانية حكومة الأسد للعام 2023 ما يعادل 5,3 مليار دولار أمريكي. قد يمكن التشكيك في رقم الكبتاغون أعلاه واعتباره نوعاً من المبالغة، لكنه يصبح قابلاً للتصديق إذا كان يتعلق بمجمل عائدات النظام من هذه المادة المخدرة على مدى السنوات السابقة، لا كمعدل سنوي كما فسره البعض.
على أي حال ارتفعت وتيرة الشكاوى من هذه التجارة في الأردن ودول الخليج وعلى مستوى العالم، بل إن الولايات المتحدة أصدرت قانوناً خاصاً بشأنه، نتجت عنه إلى الآن عقوبات اقتصادية على عدد من مسؤولي النظام وشخصيات لبنانية محسوبة على حزب الله، وقد تلي ذلك إجراءات أخرى في الفترة القادمة. الخلاصة أن موضوع اتجار النظام بالكبتاغون قد قفز إلى الواجهة في الأخبار المتعلقة بالنظام السوري، بعدما كانت تحتلها عناوين أخرى كالحرب الداخلية والانهيار الاقتصادي والالتحاق الذيلي بروسيا وإيران والسلاح الكيميائي، وفي فترات أقدم دعم الإرهاب. وذلك بصورة متزامنة مع محاولات دول عربية فتح قنوات مع النظام وصولاً إلى تطبيع العلاقات معه بدرجات متفاوتة بين دولة وأخرى. ويدور الحديث الآن عن إعادته إلى جامعة الدول العربية واحتمال دعوته إلى حضور القمة العربية في 19 أيار القادم. فهل هناك علاقة بين الكبتاغون والتطبيع؟
إذا عدنا إلى عدد من المحطات في علاقات النظام مع الدول الأخرى يمكننا تلمس أنها قامت على مبدأ الابتزاز. المثال الأقرب تاريخياً والأبرز هو صفقة السلاح الكيميائي. فبعدما ضرب منطقة الغوطة بغاز الخردل، في شهر آب 2013، بحصيلة مروعة من الضحايا، نحو 1500 قتيل وعدد كبير من الإصابات، أبرمت إدارة أوباما صفقة يتخلى النظام بموجبها عن مخزونه من السلاح الكيميائي مقابل تراجع واشنطن عن معاقبته كما سبق وتوعدت. أي عملياً مقابل استمراره في قمع الثورة الشعبية بجميع الأسلحة التقليدية التي بحوزته، بما في ذلك البراميل المتفجرة وأسلحة أخرى محرمة دولياً كالقنابل العنقودية وغيرها. وكانت النتيجة أن النظام استمر بعد ذلك في استخدام غاز السارين والكلور في عدد من الضربات لمناطق تسيطر عليها المعارضة في ذلك الحين، أبرزها هجوم نفذه طيران النظام على بلدة خان شيخون في نيسان 2017 أدى إلى مقتل مئة مدني بينهم أطفال. وتعرض النظام لعقاب محدود على تلك الجريمة من قبل إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
بالهجمات الكيميائية العديدة التي نفذها النظام بعد العام 2013، ثبت للعالم أنه لم يلتزم بتسليم كل مخزونه من هذا السلاح المحرم دولياً، لكن شيئاً لم يترتب على هذا الإخلال، وبمرور السنوات وتوالي هجماته بالسلاح الكيميائي تم عملياً «تطبيع» امتلاكه واستخدامه!
استغربنا جميعاً أن الهجوم على الغوطة الشرقية قد تم أثناء وجود لجنة من المراقبين الدوليين في دمشق في إطار مهمة السلام الأممية المعروفة بخطة كوفي أنان، وكأن النظام يجازف برأسه. لكن ما تلا ذلك من تهديد أمريكي ثم صفقة تسليم المخزون الكيميائي أكد أن للموضوع وجهاً آخر هو الابتزاز، ابتزاز المجتمع الدولي بهذا السلاح بهدف الحصول على إجازة ضمنية لاستخدام كافة أنواع السلاح الأخرى في قمع الثورة، وهو ما كان.
ومثل ذلك في عهد حافظ الأسد الذي استثمر في الإرهاب لابتزاز مماثل يتعلق بسكوت المجتمع الدولي عن استمرار احتلاله لبنان وتحكمه في التفاعلات السياسية فيه. فأثناء الحرب الأهلية في لبنان وما تلاها من حروب لاحقة نشطت ميليشيات مرتبطة بأجهزة مخابراته في اختطاف دبلوماسيين وصحافيين أوروبيين، فكانت وفود غربية تأتي إلى دمشق للتفاوض مع الأسد على إطلاق سراحهم. وفي مطلع الألفية الجديدة، بعدما انتقل الحكم من حافظ إلى نجله بشار الأسد، واحتلت القوات الأمريكية العراق في العام 2003، عاد النظام إلى لعب ورقة الإرهاب عن طريق الجهاديين من سوريا ودول عربية أخرى، لترسلهم إلى العراق حيث انضموا إلى حركة أبي مصعب الزرقاوي التي قامت بإنهاك القوات الأمريكية. كذلك قامت وفود من الكونغرس الأمريكي بزيارات إلى دمشق، العام الماضي، في محاولة لتأمين إطلاق سراح صحافيين أمريكيين معتقلين في أقبية المخابرات السورية.
وفي الصراع مع إسرائيل، طوال العقود الماضية، كان «الرد في الزمان والمكان المناسبين» الذي طالما توعد به النظام كلما تعرض لهجوم إسرائيلي في عمق الأراضي السورية، يأتي من خلال عمليات تقوم بها مجموعات مسلحة فلسطينية أو لبنانية. وكان الطرفان الإسرائيلي والأسدي يفهمان بعضهما بعضاً وبينهما نوع من التوافق الضمني على هذا الشكل من «قواعد الاشتباك».
تأتي اليوم «حرب الكبتاغون» في الإطار نفسه من سياسة الابتزاز، إلى جانب العوائد المالية المهولة التي يحققها النظام وميليشياته وهو بأمس الحاجة إليها لتأمين استمراره في الحكم. الفائدة الإضافية من هذا الابتزاز هي أن تتخلى الدول المستهدفة بحرب الكبتاغون عن مطالبها السابقة المتعلقة بشرط ابتعاده عن إيران مقابل التطبيع معه، لتنحصر مطالبها في وقف تدفق هذه المادة المخدرة.
يبدو، إلى الآن، أن هذا الابتزاز يعطي النتائج المطلوبة.
كاتب سوري
القدس العربي
——————————
رجوع سوريا وأخذ القرارات والأفعال/ علي محمد فخرو
أهلاً بسوريا الانصهار الكلي في متطلبات هوية العروبة، سوريا الحمل النضالي لكل التزام قومي تجاه كل خطر يتهدد أي قطر عربي. هذا ما تبشر به اللقاءات والاتصالات والتصريحات، سواء من قبل سوريا من جهة، أو من قبل العديد من الأقطار العربية الحاملة لهم الموضوع السوري والمنادية بحل عُقده.
لكن ما إن بدا واضحاً أن محاولات حل الموضوع لن تكون في هذه المرة عابرة، أو إجرائية، وأنها ستمهد الطريق لمزيد من تنقية الأجواء العربية الملبدة بالغيوم والعواصف، حتى انبرى العديد من الدوائر الأمريكية، المتخصصة في إبقاء الوطن العربي في حالات دائمة من الاضطرابات والصراعات والضعف، أمام كل عدو للأمة، لتضع الشروط والخطوط الحمر وإثارة الشكوك الكاذبة والأسئلة العبثية.
ومع الأسف جارتها في ذلك بعض الجهات العربية، التي أصبح بعضها متخصصاً في لعب دور الوكيل المخلص للمصالح الأمبريالية الأمريكية في كل الشرق الأوسط.
من هنا إبراز ما نعتقد أنها نقاط مفصلية بالنسبة لهذا الموضوع.
*أولاً، إن عودة سوريا لمكانها الطبيعي في الجامعة العربية، وهي التي كانت في مقدمة مؤسسي الجامعة وداعميها طيلة تاريخها، يجب أن يكون قراراً عربياً مستقلاً عن أية إشارات من أي نوع كان، تدل على منة وتفضل من هذه الدولة غير العربية أو تلك، وعلى الأخص ما تحاول أن تدعيه بعض الدوائر الأمريكية.
*ثانياً: ولتأكيد استقلالية وقومية هذا القرار، تحتاج الجامعة العربية أن تصدر، مع الترحيب بعودة سوريا، قراراً عربياً جمعياً بكسر الحصار الاقتصادي والمالي الجائر المفروض على الشعب العربي السوري، الذي أوصل هذا القطر إلى حدود الفقر والمجاعة وهروب الملايين من مواطنيه إلى منافي الهجرة والشتات. ومن دون اتخاذ مثل هذا القرار سيكون من العبث التحدث عن إعادة بناء ما دمرته الصراعات والتدخلات الإمبريالية، وما أحدثه الحصار الجائر الذي أرغمت أمريكا العالم على تبنيه والسير في ركاب جنونها ومجونها السياسي، وعن تعويض ما سرقته أمريكا من بترول وغاز الشمال السوري طيلة العقد الماضي.
*ثالثاً: ولما كانت القيادة الحالية في المملكة العربية السعودية الشقيقة تحاول جاهدة كسر أو على الأقل إضعاف شتى الهيمنات الأمريكية الاقتصادية والمالية والسياسية والأمنية على الوطن العربي، فإن الإنسان يأمل في أن تبادر إلى طرح موضوع إصلاح الجامعة العربية من جديد، لتكون مماثلة على الأقل للاتحاد الأوروبي من حيث الاندماج الاقتصادي العربي الشامل والسياسات العربية المتناسقة المتعاضدة والتعاون العلمي والتكنولوجي المشترك، ومن حيث التنسيق القوي مع التجمعات العربية الجزئية مثل مجلس التعاون الخليجي. اجتماع القمة هذه المرة في عاصمة عربية تموج باتخاذ قرارات جريئة وطنية مستقلة، هو فرصة لتبني صفات تلك التجربة، من حيث الاستقلالية والالتزام بمحددات اقتصادية وسياسية جديدة، لتصبح تجربة قومية تساهم في حل إشكالات عربية مستعصية، كما هو الحال مثلاً في لبنان وليبيا واليمن وبالطبع في فلسطين المحتلة.
*رابعاً: وسيكون المشهد ناقصاً وقابلاً للانتكاس لو أن قوى المجتمعات المدنية الفاعلة وقفت تتفرج على ذلك المشهد، من دون أن تبدأ بتنظيم نفسها في الاتجاه التنسيقي التضامني نفسه في ساحات النضال، من أجل جعل الشعارات الوحدوية العروبية الكبرى شعارات تتحسسها الجامعة العربية في حللها الجديدة.
في كل ما نقوله ستستطيع سوريا العروبة والالتزامات القومية، العائدة إلى مكانها الطبيعي، المتعافية من كل ما أصابها من جراحات ومآس، أن تلعب دوراً محورياً في تحقق الكثير منه. ومن هنا أهمية أن تتنادى قوى المجتمعات العربية المدنية لتبعث إلى مؤتمر القمة المقبل رسالة مطالبة جماهيرية واسعة لعودة سوريا إلى مكانها العربي والإقليمي والدولي، الذي كانت تحتله ولعودة شعبها إلى وطنه ولتحرير رقبتها من القبضة الأمريكية والصهيونية وغيرهما.
نتطلع إلى مؤتمر قمة قرارات تجديدية وأفعال شجاعة تحرر الحاضر العربي الكسيح لتنقله إلى مستقبل أفضل.
كاتب بحريني
القدس العربي
—————————–
النظام السوري أمام القضاء: عدالة فرنسية وتطبيع عربي
رأي القدس
في خطوة قانونية وحقوقية نوعية أصدر قاضيا تحقيق فرنسيان أوامر بمحاكمة ثلاثة من كبار المسؤولين الأمنيين في النظام السوري، بتهمة التواطؤ في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية والتورط في جناية حرب في سوريا. وشملت الإحالات اللواء علي مملوك رئيس مكتب الأمن القومي، واللواء جميل حسن الرئيس السابق لإدارة المخابرات الجوية، والعميد عبد السلام محمود رئيس فرع التحقيق في مطار المزة الواقع تحت إدارة المخابرات الجوية.
ورغم أن مملوك وحسن يخضعان أصلاً للعقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي منذ أيار/ مايو 2011 على عدد من ضباط الأجهزة الأمنية في النظام السوري، وأن محمود يشترك معهما في مذكرة توقيف أصدرها القضاء الفرنسي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، فإن تطور الملف إلى المطالبة بمحاكمة المسؤولين الثلاثة يعد نقلة نوعية يمكن أن تكون لها تبعات قضائية فارقة على العديد من القضايا المرفوعة في أوروبا ضد كبار رجال النظام السوري.
صحيح أن الملف الذي استند إليه القاضيان الفرنسيان في طلب المحاكمة يخص قضية محددة، هي التواطؤ في قتل مواطنين اثنين فرنسيين من أصول سورية هما مازن دباغ ونجله باتريك في واقعة تعود إلى عام 2013، إلا أن القرار القضائي يشكل سنداً قانونياً قوياً لمتابعة مبدأ أساس في الدبلوماسية الفرنسية الراهنة يخص مكافحة الإفلات من العقاب.
كذلك يساهم هذا التحول الهام في تقوية أعمال لجنة التحقيق الدولية الخاصة بتوثيق جرائم الحرب في سوريا، والتي أنشئت بموجب قرار مجلس حقوق الإنسان في سنة 2011، خاصة وأن سلطات النظام السوري تمنع مندوبي اللجنة من دخول الأراضي السورية ومقابلة الضحايا. كما أن الإحالة إلى المحكمة تفسح مجالات أوسع أمام الآلية الدولية المحايدة والمستقلة التي تأسست سنة 2016 بموجب قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وإضافة إلى تشجيع المنظمات الدولية الحقوقية وهيئات المجتمع المدني المعنية بمناهضة طرائق الإفلات من العقاب، فإن الارتقاء بملفات اتهام بارتكاب جرائم الحرب إلى مستويات أعلى من المقاضاة يُفشل بعض الآثار السلبية لحقّ النقض (الفيتو) الذي استخدمته وتستخدمه روسيا والصين في مجلس الأمن الدولي لقطع الطريق أمام إحالة النظام السوري إلى محكمة الجنايات الدولية. وجدير بالتذكير أن هذه الإشكاليات وسواها كانت موضوع مؤتمر دولي متميز احتضنته العاصمة القطرية الدوحة، في ربيع 2019، وبحث المساءلة عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وأساليب العمل من أجل مكافحة الإفلات من العقاب.
المعطيات الموثقة في السجل الإجرامي للنظام السوري تشير إلى أكثر من 15 ألف وفاة تحت التعذيب، و112 ألف اختفاء قسري، و154 ألف اعتقال تعسفي، وفي وقت يشهد مبادرة القضاء الفرنسي إلى فتح نافذة عدالة أولى أمام ضحايا فإن جهود بعض الأنظمة العربية تتهافت على إعادة تأهيل النظام. وكأن قرار مجلس الجامعة العربية لعام 2011، القاضي بتعليق مشاركة وفود النظام السوري في مختلف اجتماعات الجامعة والذي وافقت عليه 18 دولة مع امتناع العراق واعتراض سوريا ولبنان واليمن، صار نافلاً لصالح موجبات الاستبداد والفساد والتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.
——————————-
الاتفاق السعودي الإيراني والمسألة السورية/ برهان غليون
استعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وسورية هي اليوم محور النقاش في القضية السورية التي استعصت على الحل بين المعلقين السوريين والعرب. يخشى كثيرون من المحلّلين القريبين من المعارضة أن تكون هذه الخطوة بداية الطريق لإنهاء العزلة التي فرضت على نظام الأسد منذ بداية الأحداث السورية عام 2011، وتسليماً بالأمر الواقع ودفن مسألة التغيير والإصلاح أو الانتقال السياسي الذي وعدت به القرارات الدولية، وفي مقدمها قرار مجلس الأمن 2254. ويأمل آخرون ألّا تخدع الرياض بالمناورة الإيرانية وسياسة الخداع والتقية التي برعت فيها وتقبل التطبيع مع نظام لم يعد هناك من يجهل حقيقته والوسائل الوحشية التي استخدمها للحفاظ على بقائه وتبعيته لطهران وخدمته في مشروع توسّعها الاستراتيجي العسكري والثقافي والمذهبي معا.
أولاً، أبعد من التطبيع والتعويم: … بالتأكيد، لا تقوم حكومة باي خطوة سياسية ما لم ترتبط بمصالح تخصّها. والرياض تنطلق في خطوتها هذه، مثل جميع الدول، من حساباتها الوطنية التي لا يصعُب التعرّف إليها ولا تفهم شرعيتها أيضاً، فهي في صراع مع الزمن لتعيد بناء قوتها الاستراتيجية في عالم متغيّر وإقليم متفجر مليء بالمخاطر والانهيارات، ومن ثم بالمفاجآت. ومن بين هذه المصالح الاستراتيجية، وأهمها السعي للخروج من مناخ المواجهة الذي سيطر على المنطقة بأكملها منذ تبوّؤ أنصار ولاية الفقيه السلطة في طهران، وتبني حكوماتهم سياسة تصدير الثورة الإسلامية، التي تحوّلت إلى فتنة مذهبية في أكثر من بلد، وفي ما وراء ذلك البحث عن استقرار إقليمي، هي في أشد الحاجة إليه لإنجاح ما يمكن تسميتها الثورة التحديثية التي أطلقها وليّ العهد محمد بن سلمان. وهي تشكّل مشروعاً يتناقض مباشرة مع مشروع التوسّع الجغرافي والمذهبي والاستراتيجي الإيراني ويصطدم به. وفي مركز هذا الاصطدام، تقع سورية التي فقد شعبُها سيطرته على مقدّراته وأصبحت بلاده رهاناً مفتوحاً تتنازع عليه قوى خارجية وداخلية متعدّدة لم تعد منظومة حكم الأسد الأمنية والعسكرية إلا واحدة منها، بالرغم من أن الحفاظ عليها لا يزال ضرورياً للإبقاء على تحييد الشعب السوري أو السوريين كشعب، واستمرار الصراع على تقاسم المواقع والنفوذ والمصالح على حسابه من جميع الأطراف المتنازعة وقوى الاحتلال.
ولم يعد يخفى على أحد أن هذا الصراع المستمر منذ أكثر من نصف قرن، واتخذ شكلاً دراماتيكياً بعد اندلاع الثورات الشعبية، أدّى إلى دمار أقطار عديدة وتهجير ملايين السكان وتشريدهم من أكثر من قُطر عربي. كذلك أدخل جميع الأطراف في نفق طويل، ووضع جميع مشاريعها في طريق مسدود، فلم يعد الخراب من نصيب طرف دون آخر، ولكنه عمّ الجميع، وتحول إلى عبء ثقيل على دول المنطقة، قضى على أي أمل في التقدّم، بما في ذلك داخل الدول الإقليمية الكبرى المشاركة فيه.
ومن الطبيعي أن يدفع هذا الوضع المستعصي على التغيير والمهدّد بزعزعة أكبر لاستقرار المنطقة وحياة شعوبها، من دون أي أمل بالانتصار لأي طرف، بعض عواصم المنطقة المعنية مباشرة بالصراع، إلى البحث عن مخرجٍ للمأزق، ولو كان ذلك من خلال مسارات جانبية أو جزئية. وفي هذا الإطار، انتعشت مساعي دولٍ عربية عديدة لفتح الأبواب المغلقة مع نظام الأسد الذي لا يزال يرفض أي تسوية سياسية أو إصلاح. وربما يعتقد بعضها أن الانفتاح على الأسد وتقديم بعض المكاسب الاقتصادية والسياسية لنظامه يمكن أن يساعد على حلحلة الأزمة السورية التي يشكل اليوم حلها المفتاح لأي تهدئة إقليمية، مثلما كان الصراع على سورية في صلب الصراع الإقليمي لحسم معركة الهيمنة الأقليمية، ولا يزال استمرارُه يشكّل أحد أكبر براكينها الملتهبة.
ومما لا شك فيه، أن هذا التوجّه العربي الذي يمثل الاتفاق السعودي الايراني ذروته إزاء نظام لا تغيب عن أيٍّ من الحكومات العربية طبيعته السياسية ونشاطاته المخرّبة للاستقرار، ورعايته تجارة المخدّرات المدمّرة لمجتمعات المنطقة لا ينفصل عن تخاذل الغرب وتخلّيه عن التزاماته الدولية السابقة في الدفاع عن استقرار المنطقة ودولها وخضوع حكوماته للابتزاز الإيراني على حساب دول الخليج. كذلك ساهم فيه أيضاً مناخ الأزمة التركية الداخلية المرتبطة بالانتخابات الرئاسية، وأخيراً التحسّن المطّرد في العلاقات العربية والروسية الصينية في إطار الصراع الجديد المتفاقم على إعادة توزيع مواقع الهيمنة العالمية.
هل يقود ذلك إلى التطبيع الفعلي بين الدول العربية الرئيسية ونظام الأسد، ويحسم لصالحه القضية السورية، وأعني بها، ببساطة، الخروج من نظام الحرب الأهلية، والانتقال نحو نظام سياسي جديد يضمن حياة السوريين وأمنهم وحقوقهم الأساسية؟
بداية، لا أعتقد أن الانفتاح الإيراني الموعود سيلغي أسباب الصراع الذي سيستمر طويلاً بين قوى المنطقة الأكبر، وفي مقدمها إيران على الهيمنة الإقليمية، فهو تغيير في السياسة أملته الظروف القاسية والإخفاقات والوصول إلى طريق مسدودة. وليس هناك ما يمنع من التخلّي عنه في أي لحظة قوة. بالإضافة إلى ذلك، لا أعتقد أن لدى العواصم العربية أية أوهام بشأن وجود إرادة طيبة إيرانية، وأن من السهل عليها تصديق أن طهران تخلّت أو قد تتخلّى عن مشروعها التوسّعي التي استثمرت فيه طاقاتها المادية والبشرية أكثر من أربعين عاماً، وأنها أصبحت الآن مستعدّة للانكفاء على حدودها، والانغماس في البحث عن وسائل إرضاء شعوبها ومجتمعاتها.
ولا أشك في أن العرب، وفي مقدمتهم العاصمتان الأكثر تاثيراً، الرياض والقاهرة، حتى في حال ثبات التهدئة المحتملة أو الهدنة السعودية الإيرانية، سيتحملون العيش إلى جانب نظامٍ لا يكفّ عن تهديد أمنهم واستقرارهم. وليس ذلك من باب التضامن مع الشعب السوري، وهذا عاملٌ لا ينبغي تجاهله أيضاً، وإنما أكثر من ذلك، لأن النظام السوري أداة رئيسية من أدوات الحرب الإقليمية الدائرة منذ عقود، التي يسعون جاهدين لإنهائها، وهو صاحب مقولة أشباه الرجال الشهيرة. كذلك فإنني لا أعتقد أن سياسياً عاقلاً في أي منطقة في العالم يقبل أن يستثمر في نظامٍ أصبح جثة متفسّخة تزكم رائحتها الأنوف، ويوصف رأسها بأنه زعيم أكبر كارتيل لتهريب المخدّرات على مستوى المعمورة، أو أن يراهن على أن تخرُج من هذه الجثة روحٌ جديدة عاقلة، وقابلة للتعامل بمسؤولية واتّزان، وتقبل الاحتكام لأساليب التفاوض والحوار. ولا أعتقد أن من مصلحتهم أن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام دولة محورية في المنطقة تتفكّك وتصبح مسرحاً لاستقطاب الصراعات الإقليمية ومستنقعاً لتفريخ الحركات التخريبية. ولعل موقف مصر، كما عبّر عنه وزير خارجيتها في اجتماعه مع مبعوث الأسد، وتأكيده لحتمية التوصل إلى حلّ سياسي بمرجعية الأمم المتحدة والقرار 2254 هو الذي يعبّر عن مصالح الدول العربية، ولا يمكن التفريط به في مواجهة نظامٍ لا يعبأ بأي مفهوم للشرعية، وطنيةً كانت أو عربية أو دولية.
ثانياً: واجب السوريين … ليس هناك من يمانع تبنّي العرب مقاربات جديدة للأزمة الشرق أوسطية، وبالتالي للمسألة السورية. بالعكس، هذا ما يطلبه السوريون المحاصرون كعصفورٍ في قفص تحيط به الأفاعي من كل الجهات. وهم أحوج ما يكونون لتدخّل عربي قوي يساعدهم على الخروج من العزلة التي وضعهم فيها تخلّي المجتمع الدولي عنهم. ما يخشاه السوريون من انفتاح العرب على النظام السوري في المقابل، أن يتحوّل إلى دعم سياسي، وربما مالي مجاني، لنظام يرفض الاعتراف بخطئه، ويصرّ على ادّعاء انتصاره في الحرب الكونية التي شارك فيها، بنظره، العرب جميعهم، وعليهم وحدهم يقع عبء التعويضات ودفع الثمن. وهو يحاول إقناع العرب بضرورة الفصل بين العلاقات الاقتصادية والعلاقات السياسية، بمعنى أن تطبيع العلاقات لا يعطي للعرب أي حقّ في مناقشة الوضع السياسي، ولا الحديث عن أزمة، ولا عن تسوية سياسية، ولا عن قرارات دولية. في هذه الحالة، لن تعني إعادة العلاقات العربية مع الأسد سوى مساعدته على إسقاط القرارات الدولية وتبرئته من التهم الموجّهة إليه، وتلميع صورته بوصفه زعيماً عربياً قومياً ومقاوماً ومنافحاً عن قيم السيادة والوطنية والاستقلال. ومن المفيد أن يعرف العرب أن الأسرة التي حكمت سورية منذ أكثر من نصف قرن، واحتكرت السلطة بكل مستوياتها وأشكالها، أصبحت تعتقد فعلاً أن سورية ملكيتها الخاصة، وأنها وحدها صاحبة الشرعية في الإمساك بمقاليد الحكم والتصرّف بالبلاد والشعب أيضاً حسب ما تراه مناسبة لخدمة مصالحها واستمرارها.
من هنا، حتى يكون لمثل هذه المقاربة العربية الجديدة نتائج ملموسة، ينبغي أن تتوافر لها على الأقل ثلاثة شروط: الأول أن تكون للدول العربية المؤثرة، بموازاة الانفتاح على طهران، مبادرة عربية أكثر تماسكاً تجمع عليها وتضع ثقلها فيها، وتسعى لنيل دعم الدول الكبرى في المنظومة الدولية لها: أوروبا والولايات المتحدة والصين وروسيا، وأن ترتبط المساعدات والإغراءات بضمانات ألّا تذهب المساعدات إلى غير أصحابها أو لتمويل المليشيات وأجهزة القمع والأسلحة الكيميائية والمعتقلات، وأن ترتبط بأجندة واضحة لتطبيق قرار مجلس الأمن 2254، بدءاً بإطلاق معتقلي الرأي وبلورة مشروعٍ مشترك يضمن عودة اللاجئين والمهجّرين والتعويض عن المنكوبين.
الثاني أن يكون هذا التدخّل جزءاً أو تمهيداً للحلّ الشامل لأزمة المنطقة المشرقية بأكملها، وهي الأزمة التي نجمت عن سلسلة من السياسات الخاطئة الغربية والإقليمية والعربية، فلا يوجد حل نهائي ودائم للأزمة السورية التي يجسّدها إصرار النظام القائم على رفض أي تسوية سياسية أو حوار مع الشعب، من دون إخراج المشرق من وضعه الراهن بوصفه ساحة للصراع الإقليمي والدولي. ولن يكون هناك سلام واستقرار في سورية من دون أن يكون هناك تفاهم على بناء علاقات إقليمية على أسس واضحة وقانونية، وتصفية الخلافات المتعدّدة الأيديولوجية والسياسية بين دول المنطقة. ولن يمكن تحقيق ذلك كما حصل في أوروبا بعد الحربين العظميين، ما لم يتم التفاهم بين حكوماتها على تأكيد احترام حدود الدول وسيادتها والحدّ من نفوذ الدول الأجنبية وتحكمها بقرارات الحكومات المحلية، ومن ثم إيجاد مناخ إقليمي يطمئن الدول الصغيرة والكبيرة على أمنها وسلامة حدودها وتكريس جهودها لخدمة شعوبها وتقدّمها.
والثالث أن تستعيد النخب المحلية في البلدان العربية موقعها في المعركة الفكرية والسياسية والتنموية، وتخرج عن صمتها وتتجاوز انقساماتها، وتعود إلى شعوبها للعمل على تعبئة طاقاتها لتغيير الأوضاع اليائسة التي تسود في معظم بلدانها، حتى لدى بلدانٍ تملك الكثير من الموارد الطبيعية والبشرية، بسبب سوء التفاهم والتناحر الفكري والسياسي والتبعية للقوى الأجنبية وغياب مفهوم المسؤولية الجماعية.
وبالنسبة إلى المسألة السورية، تقع على النخب الفكرية والسياسية والاجتماعية مسؤولية أكبر، ليس في إيجاد الشروط التي تمنع من تحويل التطبيع الدبلوماسي إلى تأهيل النظام، بل في تقصير زمن المعاناة وتجهيز المجتمع لخوض معركة الحرية والتغيير، فمهما كانت تحوّلات السياسة الإقليمية، ستبقى المعركة في سورية طويلة وقاسية، ونجاحها مرتبط بقدرة السوريين على بناء قطب ديمقراطي شعبي قادر على إقناع الرأي العام السوري أولاً، ثم الرأي العام الدولي والعربي ثانياً بقدرته على إعادة صياغة مستقبل بلده وإقامة النظام الذي يستحقه لقاء تضحياته. وقد حان الوقت كي تلتقي المبادرة العربية من أجل الخلاص من تدخلات الدول الأجنبية وتهديد أمن الدول والشعوب العربية بمبادرة سورية وطنية وشعبية، تعيد بناء التفاهم السوري وإخراج البلاد من مناخ الحرب الأهلية الدموية التي راهن عليها نظام العائلة الأسدية للبقاء والاستمرار. فكما يزيد وقوف العرب مع السوريين من ثقتهم بأنفسهم والانخراط في المعركة الطويلة من أجل تقرير مصيرهم بأنفسهم وتحقيق تطلعاتهم واستعادة حرّيتهم، يشجّع وجود قيادة سورية ذات صدقية القادة العرب على احترام إرادة السوريين وعدم التضحية بحقوقهم، وربما تقديم العون لهم في معركتهم النبيلة.
وقد تكون هذه هي الفرصة المناسبة لمبادرة وطنية سورية وعربية طال انتظارُها، تعمل على تجميع شتات النخبة السورية واستنهاض قوى المجتمع والأخذ بيد الشعب، وتوحيد صفوفه، للخروج من المصيدة التي وضع فيها، فيما وراء خطوط الفصل بين الموالاة والمعارضة. هذه هي الخطوة الأولى والضرورية على طريق الخروج من الأزمة المستعصية القائمة، فما لم يكن للشعب السوري حضوره أو من ينطق باسمه على طاولة المفاوضات إلى جانب الأطراف الأخرى، لا توجد هناك أي ضمانة كي تؤخذ مصالحه وحقوقه بالحسبان، مهما كانت قرابة الأطراف ومشاعر ممثليها.
العربي الجديد
——————————
حدود التطبيع مع النظام السوري/ عمار ديوب
لا تنتهي أحاديث تعويم السلطة السورية هذه الأيام، فكلما تعثّرت مبادرة نسمع عن ثانية: مبادرة تركية، عُمانية، أردنية، سعودية، وهناك الإماراتية، وحتى الطبيعة أهدتها مبادرة من خلال الزلزال في فبراير/ شباط الماضي، والخبر أخيرا دعوة الرئيس بشّار الأسد إلى القمة العربية المقبلة في الرياض. ولكن هل يمكن تعويم سُلطةٍ تتقاسمها إيران وروسيا؟
مشكلة السلطة السورية ليس في محاولات تعويمها، ولا في الرفض الأميركي والأوروبي لها، ولا حتى في التقاسم المذكور أعلاه. لا، المشكلة تكمن في طبيعة السلطة ذاتها، فهي غير قابلة للإصلاح وتعديل سلوكها، وهذا ما تعيه دول المبادرات، وبالتالي لا يمكنها أن تتورّط بدعمٍ ماليٍّ يصل إلى حدود إعادة الإعمار ومعاداة الغرب. لم تدعم الإمارات قيس سعيّد في تونس مالياً، ولا حتى الأردن، فهل يمكن لها (ولغيرها) إيداع المليارات في خزينة الدولة السورية، وهي تعلم أنّها ستنُهب!
لا يمتلك النظام في سورية، بحالته الراهنة، من أمره استقلالية، والنهب قانون أساسي لديمومته. أمّا الإصلاح والتغيير فيتطلب إرادة، هي مسلوبة منه، ورؤية وطنية، تمنع الانقسامات السورية الواقعيّة تحققها. أقصى ما يستطيع فعله النظام السوري تدوير الزوايا، عسى أن تأتيه الأموال. إعلام النظام يؤكد سعادته العارمة ببدء العلاقات مع بعض دول الخليج أو مصر وتركيا، ولكنه لا يملك أيّ قدرةٍ على استعادة وحدة سورية بجهوده الذاتية، فمن أين سيؤمّن احتياجات إدلب أو الحسكة او أرياف حلب، وكيف سيدفع الأميركان والأتراك للخروج، وكيف سيفكّك هيئة تحرير الشام.
لا يمكن لدولة عربية أن تقيم علاقات اقتصادية قويّة مع هذا النظام، هي بالأحرى “تريد كفّ بلاه عنها”، تريد ضبط الحدود، منعاً لاستمرار تهريب الكبتاغون، وقد أصبح مشكلة عربية وعالمية، وهذا لن يتحقّق، فوفقاً لتقريرٍ بريطانيٍّ، يسيطر مقرّبون من السلطة على أكثر من 80% من هذه التجارة، وعائداتها المالية تصل إلى 57 مليار دولار، وبغض النظر عن المبالغات، فإن بعض تلك المليارات لا يمكن تعويضها عبر التعويم، أو الانفتاح، وهناك العقوبات الأميركية الرافضة فكرة التعويم الاقتصادي. وبالتالي، لن يتجاوز التعويم فتح السفارات أو القنصليات، ولن يتطوّر إلى علاقاتٍ طبيعية، فهذه قُطِعَت بعد 2011، ولن تعود إلى سابق عهدها.
بعد فشل الاجتماع الرباعي (ايران، وتركيا، والنظام وروسيا)، في موسكو قبل أسابيع، ها هي تعاود اللقاء في موسكو، من أجل الاتفاق على التطبيع بين النظام وتركيا، ولكن دخول إيران على خطّ التطبيع هذا سيعيق تطوّره؛ فتركيا المجاورة لسورية لا يمكن أن تفاوض إيران، “المزروعة” في سورية وتبقى قوات الأخيرة فيها، وسيكون من الصعب أن تفاوض على خروج قواتها قبل حل مشكلة ملايين اللاجئين داخل تركيا وعلى الحدود وقبل شطب جيش “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) الكردي، وكذلك، ذكرنا، ليس هناك مصلحة للسلطة السورية في حل هذه المشكلة، وثرثراتها عن خروج القوات التركية، تعتبر نوعا من التذاكي وتمرير الوقت إلى حين الخلاص من الانتخابات التركية وسقوط أردوغان، كما يشتهي النظام السوري؛ ولكن لنفترض أنه تمّ البدء بمسار التطبيع التركي، فكيف ستطُوى الملفات أعلاه؛ ستأخذ وقتا طوًيلاً، ولن تكون نتائجها لصالح النظام، الذي يعاني في درعا، وفي السويداء، وفي أرياف حمص الشمالية. وبالتالي، ستتعقد أوضاعه أكثر فأكثر، ولهذا نكرّر إن التعويم لا يساوي العودة إلى ما قبل 2011، وهذا تعلمه جيدا الدول المطبّعة معه.
تنتظر الدول التي تسيطر على قرار النظام قدوم المليارات لسرقتها، ولن تأتي. هذه الدول مضطرّة، في مرحلةٍ لاحقة، لإعادة طرح المسألة السورية وفقاً للقرارات الدولية، والمساومة مع الأميركان بما يخصّ قانوني قيصر والكبتاغون، وهذا يبدو متعذّراً بسبب الحرب في أوكرانيا. وبالتالي، لن تكون نتائج التطبيع ذات قيمة كبيرة، ولن يتخلّى النظام عن تسهيل تجارة الكبتاغون، وهذا سيعيد العلاقات إلى ما قبل التعويم والتطبيع معه؛ وهو لن يذهب بعيداً أيضاً في سياسة الخطوة خطوة “المبادرة الأردنية”، حيث إنه غير قابلٍ للإصلاح، والخطوات هذه تقتضي البدء بمسار الإصلاح والتغيير.
رَفَضَ النظام، بشكل قاطع، أيّ انفتاحٍ على المعارضة، ولا تتضمّن المبادرات بصورتها المتداولة ذلك الانفتاح، وهذا عامل إضافي لتعقيد مسار التعويم، أو دفع أوروبا وأميركا للتهاون مع سياسة الخطوة خطوة؛ ولكن لنفترض أنّه وافق على المصالحة مع المعارضة، فكيف سيبدأ الحوار، فهل سيُعلن إيقاف إطلاق النار، أو الإفراج عن المعتقلين، أو عودة اللاجئين بشكل آمن، أو إبعاد قادة أمنيين أو عسكرين عن مفاصل حسّاسة في الأجهزة الأمنية أو قيادة الجيش. أيّ خطوة من هذا القبيل ستعني نهاية النظام، ولهذا يتمسّك بالرفض القاطع، ويعمل على تمرير الوقت، ولكن الدول المطبّعة لن تقطع شوطاً بالتطبيع قبل أن يلتزم بمسار الخطوة خطوة، وتطبيق قرار مجلس الأمن 2254، وهو ما اتفِقَ عليه، أخيرا، في الأردن، في اجتماعٍ حضرته مجموعة دول عربية عديدة، ودول أوروبية، ومنها أميركا.
تحاول كل من إيران وروسيا الضغط على القوات الأميركية في شرق سورية، وقد حدثت مناوشاتٌ في الأسابيع الأخيرة، وتجاهلت كل من القوات الأميركية والروسية إخبار بعضها عن مواعيدٍ للطلعات الجوية في السماء السورية، وهذا خرقٌ للاتفاق السابق بينهما بشأن التحرّكات في الجو. ردّت أميركا، بوضوح، ضد القوات الإيرانية أو الروسية، وضاعفت من دعم “قسد”، وهذا يعني أن محاولات إيران وروسيا فشلت، ولن يتمكّنا من جذب تركيا لهما في هذا التصعيد بكل تأكيد، رغم أن تركيا تعتبر نفسها المستفيدة الأكبر من خروج القوات الأميركية، وتفكيك “قسد”. نعم، هناك علاقات متأزّمة بين الدولتين، تركيا وأميركا، ولكن لا يمكن أن تتخلّى عن التنسيق الأمني والعسكري بينهما، وهذا يقتضي، بالضرورة، عدم التحالف مع إيران أو روسيا ضد القوات الأميركية في شرق سورية. القضية هنا أن التعويم لا يعني إدارة الظهر لأميركا، والحال ذاته مع دول الخليج، بل إن أميركا ليست ضد التعويم “الدبلوماسي”، فالنظام لم يُطرد من هيئات الأمم المتحدة منذ 2011، ولكن المسألة أصبحت تقتضي تغييراً كبيراً في طبيعته، وهو ما تنصّ عليه القرارات الدولية والقوانين الأميركية المناهضة له.
غياب التوافق الأميركي الروسي، وحرب أوكرانيا، يضعان حدوداً للتطبيعين العربي والتركي، ولن يتجاوز الدبلوماسي “الخفيف” والأمني الأوّلي. وبالتالي يظلّ تشكيل هيئة كاملة الصلاحيات في سورية المدخل إلى إعادة علاقاتها مع العالم، وعلى أرضية القرار 2254، ومجمل القرارات الدولية الخاصة بالوضع السوري، وهذا مؤجّل حاليا. وبخلاف ما ذكرنا، سيظلّ التطبيع محدوداً، وستخفت حدّته “المحدودة”، وستتأزّم العلاقات مستقبلاً، وإيران لن تتقارب مع السعودية على حساب تمدّدها الإقليمي، والسعودية لن تخطب ود النظام السوري أو الحوثيين أو حزب الله من دون خطواتٍ إصلاحية في اليمن وسورية ولبنان، وحتى العراق، وهذا دونه عقباتٌ كثيرة، وبيان بكين للتقارب بين الدولتين السعودية وإيران لن يتطوّر بسلاسة؛ وبالتالي، ليست هذه الأمور بالسهولة السائلة، التي يجري الحديث عنها عن التطبيع والتعويم واستئناف التاريخ من 2011.
العربي الجديد
——————————————–
تساؤلات سورية مشروعة حول الاتفاق السعودي الإيراني/ عبد الباسط سيدا
السؤال الذي يفرض نفسه وبإلحاح من المراقبين المتابعين أوضاع المنطقة، هو الذي يتمحور حول انعكاسات الاتفاق الإيراني السعودي بوساطة صينية على الأزمات المستعصية التي تعاني منها مجتمعات المنطقة ودولها (خصوصا في العراق وسورية ولبنان واليمن) نتيجة التدخّلات الإيرانية المباشرة وغير المباشرة، وهي تدخلاتٌ تشمل الجوانب العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية والمجتمعية بكل ميادينها، وبأوسع صيغها.
فهل ستكون هناك مقاربة مشتركة تهدف إلى بلورة معالم حلول، أو حتى مشاريع حلول، لقضايا المنطقة، أو على الأقل توافقات أولية من الدولتين، الهامتين على مستوى الإقليم، وحتى على المستوى الدولي، في ظل المعادلات والاصطفافات الدولية المستجدّة التي تشكّلت، أو هي في طريقها إلى التشكّل، بفعل الحرب الروسية على أوكرانيا واحتمالات استمراريتها وتصاعدها وتوسّع نطاقها؟ أم أن الاتفاق المعني لا يتعدّى حدود اتفاق مرحلي تكتيكي، أمْلَته ظروف كل دولة والتحدّيات التي تواجهها في الداخل والخارج؛ واستفادت الصين من الوضع في أجواء انشغال الروس بحربهم الإمبراطورية العقائدية على الأوكرانيين، وتبعثر اهتمامات الأميركان وأولوياتهم بين التركيز على الحرب في أوكرانيا، ومعاينة الأوضاع عن كثب، وتطوّرها، في جنوب شرق آسيا، والشرق الأقصى، خصوصا في أجواء تحرّكات كوريا الشمالية الوظيفية التي تتمثّل في رفع وتيرة تجارب الأسلحة الاستراتيجية، والتحرّش بدول الجوار، وهو الأمر الذي قد يكون في سياق تخفيف الضغط الغربي والأميركي تحديداً على الروس في أوكرانيا؛ هذا إلى جانب حرص الولايات المتحدة على تأكيد وجودها في الشرق الأوسط (الزيارات أخيرا لكل من رئيس الأركان ووزير الدفاع الأميركيين إلى دول المنطقة، والقصف الأميركي أخيرا لمواقع إيرانية في سورية)، رغم كل ما قيل عن نيّاتها بخصوص الانسحاب بناء على تبدّل الأولويات. هذا إلى جانب انشغال الإدارة الديمقراطية الراهنة بمحاولات استيعاب الانقسامات الحادّة التي يشهدها المجتمع الأميركي، وهي الانقسامات التي تؤثر في واقع التوازنات السياسية الداخلية بين الحزبين المتنافسين، واستعداداتهما للانتخابات الرئاسية المقبلة 2024؟
وبالنسبة إلى السوريين النازحين في داخل بلدهم، واللاجئين في الجوار الإقليمي، ما زال هذا الاتفاق لغزاً يوحي بكل الاحتمالات المتناقضة، فالذي يثير قلق السوريين المنتظرين مآلات الاتفاق المذكور أكثر من غيره يتمثّل في مساعي الانفتاح على سلطة بشار الأسد من بعض الدول العربية وتركيا، ومن دون تأكيدات واضحة تطمئنهم من جهة أن ما يجري لن يكون على حسابهم؛ وإنما سيكون لصالح الوصول إلى حلٍّ لقضيتهم. بل هناك من السوريين المناهضين للسلطة الأسدية ممن يرون أن دائرة ما جرى الاتفاق حوله بين السعوديين والإيرانيين لن تشمل أكثر من تحديد مناطق النفوذ، فبالنسبة إلى السعودية، هناك تركيز واضح على اليمن بعد سنوات الحرب التي استنزفت طاقات وإمكانات كثيرة، ولم تسفر عن نجاحات مستدامة على صعيد حل مشكلات اليمنيين، وتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة. هذا في حين أن إيران ما زالت تحرص على مشروعها التوسّعي باتجاه المتوسّط عبر العراق وسورية ولبنان.
وعلى الضفة الأخرى، تسعى حكومة أردوغان إلى تفاهمات مع سلطة بشّار الأسد انطلاقا من اعتبارات داخلية لها علاقة بتحوّل قضية اللاجئين السوريين في تركيا إلى قضية رأي عام مؤثرة في الانتخابات، سيما في أجواء تصاعد وتيرة النزعة العنصرية في المجتمع التركي تجاه هؤلاء اللاجئين، حتى بات السوريون بصورة عامة يعانون من الضغوط النفسية الهائلة نتيجة النظرة الدونية إليهم، والمطالبات العلنية بتريحلهم؛ تماماً كما هو عليه الحال بالنسبة إلى أشقائهم في لبنان، حيث تحاول السلطات الفاشلة هناك، وحتى بعض القوى السياسية في المعارضة، تعليق دور فسادها في تفاقم الأزمة المعيشية على مشجب اللاجئين السوريين.
والسؤال الآخر الذي يفرض نفسه هنا: هل ستكون هناك صيغة من التوافق والتلاقي بين المساعي التركية بوساطة روسية وبمشاركة إيرانية في الانفتاح على سلطة بشار الأسد والجهود العربية، سيما الخليجية والمصرية؟ أم أن الجانب الإيراني سيفصل بين المسارين، ليكون حاضراً في كليهما، وذلك أسوة بما فعلته إسرائيل في ملف التطبيع مع الدول العربية؟
ويتناول السؤال الثالث الذي لا يمكن تجاهله في هذا المجال حقيقة الموقف الغربي عموما، والأميركي تحديدا، من كل ما يجري، بغض النظر عن الصيغ العامة المعلنة. واللافت على هذا الصعيد، هو ما يتجسّد في التصريحات الإيرانية والروسية المكرّرة عن الوجود الأميركي غير الشرعي في منطقة شرق الفرات السورية، وفي المطالبة الإيرانية الصريحة بالانسحاب الأميركي من هناك. ولعلّ هذا ما يفسّر واقع التحرّشات الروسية والإيرانية بالقواعد الأميركية الموجودة في المنطقة المعنية، بل وحتى قصف الإيرانيين وأذرعهم لها بالمسيّرات، والرد الأميركي على ذلك.
كما أن سلطة بشار الأسد من ناحيتها ما زالت، على الأقل إعلامياً، تجعل من ضرورة خروج القوات التركية من الأراضي السورية شرطاً لأي مباحثاتٍ سياسية على مختلف المستويات مع الجانب التركي؛ في محاولة لكسب تأييد السوريين والدول العربية.
وبالنسبة إلى الصين، من الواضح أنها تريد أن تأخذاً دوراً يتناسب مع مكانتها الاقتصادية الراهنة وتطلعاتها المستقبلية على المستوى العالمي. وهي تستغلّ مناخات (واحتمالات) الحرب الروسية على أوكرانيا التي لم تتحوّل بعد إلى طرف فيها؛ هذا مع وجود مؤشّرات عدة تبيّن أنها أقرب إلى روسيا منها إلى العالم الغربي وحلفائه، وذلك بناءً على حساباتها الاستراتيجية التي تتعارض مع الحسابات الأميركية. والتناغم الصيني الروسي اليوم ليس جديداً، فقد استخدمت الصين حق النقض في مجلس الأمن مراراً إلى جانب روسيا لتعطيل مشاريع القرارات الخاصة بالوضع السوري التي لم تصبّ في صالح السلطة الأسدية.
وبناء على ما تقدّم، لا يمكن للسوريين، الذين ينتظرون حلاً شاملاً ينصفهم، عقد آمال كبيرة على الدور الصيني في الاتفاق السعودي الإيراني، وهو دورٌ لم يكن له أن يكون، على الأغلب، لولا التفاهم مع الروس.
من جهة أخرى، هناك احتمال أقرب إلى الواقع، استناداً إلى ما توحي به الحسابات والتصريحات الخاصة بالأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة في الملف السوري، مضمونه أن الاتفاق المعني لن يؤدّي إلى توسيع النطاق الجغرافي لسلطة بشارالأسد، رغم إمكانية تعويمها عربياً. وهذا فحواه أن الوجود الأميركي في شرق الفرات سيستمر في المدى المنظور؛ وسيستمر كذلك الوجود التركي في غرب الفرات وصولا إلى منطقتي تل أبيض ورأس العين، ومن المرجّح له أن تبقى الأوضاع على حالها إلى حين التوافق على المعادلات الإقليمية المستجدّة في ضوء الاصطفافات الراهنة والمتوقعة. فتركيا مثلاً، رغم حرصها الحالي على التزام موقف متوازن تجاه الصدام غير المباشر بين روسيا والغرب في أوكرانيا، ستضطرّ، عاجلاً أم آجلاً، في في حال تطوّر الأحداث وتفاقم الصراع، إلى تحديد موقفها، خصوصاً أنها عضو مهم في حلف الناتو. كما أن مصالحها الاستراتيجية في آسيا الوسطى والشرق الأوسط، وحتى أوضاعها الداخلية، لن تجعلها متّفقة مع إيران على طول الخط، وربما يمكننا هنا اعتبار توتر العلاقات بين أذربيجان وإيران من جهة، والتقارب التركي الأذربيجاني من جهة أخرى، من المؤشّرات التي تستوقف في هذا المجال.
ما يمكن استنتاجه مما تقدّم أن الاتفاق السعودي الإيراني لن يكون البلسم السحري القادر على معالجة سائر المشكلات في المنطقة، وهي المشكلات التي تسبّب النظام الإيراني الحالي في القسم الأعظم منها، عبر تدخله السافر بكل أشكاله في شؤون الدول والمجتمعات. ونجاح هذا الاتفاق مرتبط بجملة عوامل داخلية وإقليمية ودولية، منها مدى مصداقية النظام الإيراني، ودرجة استعداده للتخلّي عن مفهوم تصدير الثورة لصالح التوجّه نحو بناء العلاقات المستقرّة بين الدول والكفّ عن التدخل في شؤونها، وكذلك القطع مع نهج تفجير المجتمعات من خلال إثارة النزعات المذهبية.
وفي حال عدم تحقّق هذا التحوّل الجذري في السياسة الإيرانية، فسيكون التفسير الأقرب إلى الواقع لهذا الاتفاق أنه قبولٌ بمخرجات التدخّل الإيراني في كل من العراق وسورية ولبنان واليمن، مقابل هدنة وقتية تكتيكية غير مضمونة العواقب.
العربي الجديد
———————————
لماذا التطبيع مع النظام السوري؟/ سميرة المسالمة
تتقدّم خطوات التطبيع العربية مع النظام السوري بالتزامن مع ترميم جسور التواصل مع الدول الإقليمية في المنطقة، وهي خطواتٌ سابقةٌ على ذريعة التحوّل في العلاقات لأسباب إنسانية، بعد سلسلة الكوارث التي أحدثتها الزلازل المدمّرة التي بدأت في السادس من فبراير/ شباط الماضي في سورية وتركيا. ولا تعني هذه الاستعادة العربية للنظام السوري أنها قادرة على نزع فتيل الصراع الدائر في سورية بين أطرافه المتعدّدة، أو على أرضها، سواء بين روسيا والولايات المتحدة، أو بين إسرائيل وإيران، أو بين تركيا والكرد.
كذلك فإن التقارب العربي مع النظام السوري لا يسعى لنزع أسباب الثورة الشعبية على النظام، أي وقف تغوّله على حقوق السوريين، كما كان مسعى المبادرة العربية عام 2011، والأطراف “المطبّعة” لا تقدّم نفسها قادرةً على فرض حلّ سياسيٍّ وفق قرار مجلس الأمن 2254، من شأنه أن يرضي الأطراف السورية المتنازعة من المعارضات بكل أشكالها وأهدافها مع النظام، فهل تسعى الدول العربية والإقليمية من خلال التطبيع للاستثمار في أزمة العلاقات الروسية – الأميركية، وإبقاء الأرض السورية ساحة تصفيةٍ للحسابات الدولية والإقليمية تجنّباً للإصابة بشظاياها؟ أم أن النظام جرّهم إلى صفقاته من دون مقابل؟
من جهة، يأتي التطبيع العربي مع النظام السوري في ظل تعنّت رئيس النظام ورفضه تقديم أي إشاراتٍ إلى تغير سلوكه، سواء الداخلي تجاه الشعب الذي ادّعت الدول مناصرته، وكان ذلك السبب المعلن لقطيعتها له عام 2011، أو تغير سلوكه الخارجي، حيث لم يقدّم أي بيان يستدرك من خلاله نظرته الدونية إلى الأنظمة العربية، أو يحمي تلك الدول من عصابات المخدّرات التي تتلاعب باقتصادها وشعوبها، ما يعني أن الأنظمة التي تتسارع في خطوات التطبيع معه تدرك مكانتها لديه، وتتعامل معه ضمن حدود ما تعتقده أن رئيس النظام، بشار الأسد، بواقعه الحالي، ووفق رؤيتها له، وكل ما نسبته إليه من صفات، من قاتل إلى مجرم إلى مهرّب، هو من تريد التطبيع معه، أي إنها ترى في شخصه وسياسته ما يخدم مآربها من هذه العودة العربية إلى نظامه، كما يروّج الأسد والمسؤولون لديه في تصريحاتهم، وليس استعادة نظامه إلى الحضن العربي، كما يُروَّج في إعلام الأنظمة “المطبّعة”.
ومن جهة مقابلة، التطبيع السوري – التركي الذي وضع النظام انسحاب تركيا من أراضيه شرطاً لقبوله، ما يعني أن تركيا هي التي تسعى له تحت الوصاية الروسية. وبالتالي، عليها قبول شروط النظام، إلا أن الواقع يقول إن شرط النظام سقط مع بقاء أسباب الوجود التركي في سورية، وهو حربها على الكرد، وإنهاء وجودهم من على حدودها، وهو ما لن يتحقّق مع تجديد الولايات المتحدة تصريحاتها عن رغبتها في البقاء في سورية عبر بيان للبيت الأبيض يوم 27 الشهر الماضي (مارس/ آذار) بعد سلسة حوادث استهدفت مقاتلين أميركيين في سورية، حيث قال: “الحوادث لن تؤدّي إلى سحب القوات الأميركية المنتشرة منذ نحو ثماني سنوات في سورية، حيث تقاتل إلى جانب شركاء محليين يقودهم الأكراد فلول تنظيم الدولة الإسلامية”، أي إن التطبيع التركي – السوري الذي يتطوّر اليوم بعقده محادثات في موسكو على مستوى نواب وزراء خارجية الدول بحضور إيراني ورعاية روسية سيكون من دون دفع أي فاتورة تركية أو أميركية في سورية.
وأيضاً، لا يمكن النظر إلى خطوات التطبيع مع النظام السوري بمعزلٍ عن العلاقات العربية المستجدّة مع إسرائيل، وانتقال موقعها من دولة احتلال إلى دولة جوار. وبالتزامن أيضاً مع استعادة العلاقات العربية مع إيران، ما يعني الرغبة في إبقاء الصراع محصوراً بين إسرائيل وإيران من دون أن يؤدّي ذلك إلى تبعاتٍ تتحمّلها الدول القريبة لطرفي الصراع، وهذا ما يجعل إبعاد الحرب عن ساحتها الجغرافية في كلا البلدين (إسرائيل وإيران) مصلحة لكل الأطراف في المنطقة. ويمكن إرجاع مسألة تقوية النظام السوري من دون إنهاء ملف الصراع إلى إرادة مشتركة ببقاء أرض سورية ساحة معركة “مقفلة”، أو حسب التعبير الشعبي “مضبضبة”، تفرغ من خلالها إسرائيل غضبها في سورية، من دون أن يتحوّل هذا الغضب إلى حربٍ معلنةٍ قد تنشأ فيما لو تمدّدت الضربات لتنال من عمق الأراضي الإيرانية، وبالتالي لن ينجو منها الخليج العربي برمته.
ويمكن النظر إلى الصمت الأميركي أيضاً من زاوية أن محاصرة نيران الصراع الإسرائيلي – الإيراني في سورية مصلحة أميركية داخلية في المقام الأول، حيث لا يرغب الأميركيون في دخول جيشهم حرباً جديدة تجرّهم إليها إسرائيل معها، فقد جرّبوا نيرانها في العراق سابقاً على جنودهم، ولا تزال تأثيراتها تضغط على السياسة الأميركية، كذلك فإنها مصلحة غربية اقتصادية، حيث تُدفع تكلفتها من جيوب دافعي الضرائب في الغرب، سواء لجهة تمويل إسرائيل، أو لجهة استقبال مزيد من وفود اللاجئين المتأثرين بواقع حروب الدول، ما يعني أن الصمت الأميركي – الغربي تجاه تطوّرات ملف التطبيع في المنطقة العربية مع نظام الأسد من جهة، ونظام الملالي من جهة ثانية، هو تابع لمباركتهما وسعيهما لتوسيع خطوات التطبيع العربي مع إسرائيل.
في الوقت نفسه، لا تؤثر خطوات المصالحات التركية – العربية – السورية بخريطة النفوذ الحالية للدول في سورية. فمن جهة، ستبقى تركيا في مواقعها الحالية شماليّ سورية، بذريعة أمنها القومي وبقاء القوات الكردية تحميها القوات الأميركية، أي إن المصلحة التركية عسكرياً مصونة. كذلك، يحقّق التطبيع مصالح داخلية للحزب الحاكم برئاسة رجب طيب أردوغان، وذلك بنزع ملف الصراع مع سورية وآثاره من يد المعارضة التركية.
كذلك ليس في نية بشار الأسد، ولا بمقدرته، تخفيف النفوذ الإيراني في سورية، ولا يبدو أن هذا هو المطلوب منه، بل يمكن النظر إلى الأمر على أن الرغبة العربية تقديم نموذج تعاون مثمر مع إيران في سورية لاستثمار نفوذهم فيها، وحماية مشاريعهم المستقبلية من فساد النظام الذي اختبروه لمصلحة إيران، التي تتقاطع مصالحهم مع استتباب الأمن معها، وليس تقليصه. كذلك إن تحقيق الرغبة الروسية في التقارب العربي مع النظام السوري يمكنه أن يقوّي علاقة بعض هذه الأنظمة مع روسيا التي تدّعي نزع هيمنة القطب الواحد الأميركي، وتعدّد مصادر القوة الدولية، بعد أن أصبح الدعم الأميركي “المزعوم” للديمقراطيات يهدّد استقرار الأنظمة الحالية، علماً أن هذا الدعم لم يُحدِث أي فارق لمصلحة الشعوب التي طرق أبوابها ما سمي الربيع العربي.
رغم حقيقة أن الواقع السوري لا يُغري بأرباح استثمارية، حتى لو صمتت الولايات المتحدة عن محاولات التحايل عليه بغطاء المساعدات الإنسانية، وعطّلت تنفيذ قانون العقوبات (قيصر) ضد المخالفين له، ولكن الاستثمار في إبقاء النظام السوري مركز عمليات عسكرية لإسرائيل ضد إيران، وتجنيب منطقة الخليج من ارتدادات دخول حربٍ لا ناقة لهم فيها ولا جمل، هو استثمارٌ بحد ذاته، ولا تمانع هذه الدول من دفع الرأسمال المطلوب من أجل تحقيقه، ما يعني أن النظر إلى التراجع عن مقاطعة النظام السوري وإعادة العلاقات معه لا يجب أن يكون تحت باب التخوين للقيم الأخلاقية التي قامت على أساسها هذه المقاطعة، والتي يدفع المحافظون على مواقفهم ثمنها، بل هي تحت عناوين المصالح التي يفهمها أيضاً النظام، ويعايرها بميزان مصالحه، ويحقّق منها صفقات رابحة على حساب الشعب السوري وتضحياته من أجل الحرية.
العربي الجديد
——————————
المبادرة الأردنية تُسعف الأسد/ غازي دحمان
لم يحصل أن استجاب نظام الأسد لأي مبادرةٍ للحل السياسي في سورية، ولم يعلّق، رسميا، على أي مشروع للحل السياسي. لذا كان مفاجئا إعلان مسؤول في السفارة السورية في عمّان ترحيب النظام بأي مبادرة من شأنها إيجاد حلّ سياسي في سورية، وهذا ليس ردّا عفويا، بل جرى التدقيق في هذه الكلمات وتمحيصها، وهي نتاج أوراق سياسية قدّمها خبراء النظام للأسد.
يكشف السياق الذي أنتج هذا الردّ من النظام، عن الدوافع الحقيقية لهذا الترحيب، إذ ليس سرّا أن نظام الأسد وصل إلى أقصى درجةٍ من الإفلاس الاقتصادي، جرّاء التضخّم وهبوط سعر الليرة واستملاك روسيا وإيران الأصول الاقتصادية السورية، وبات على عتبة أوضاعٍ يبدو أن ضبط الشارع لن يكون سهلا فيها، في مواجهة الجوع الذي تجاوز كل حدود القدرة على التحمّل.
في المقابل، ليست لدى نظام الأسد خيارات ذات قيمة لمعالجة هذه الأوضاع، فكذبة الحصار وتداعياته على حياة الناس لم يعد لها قدرة على إسكات الجوع، وسردية الانتصار على المؤامرة الكونية لم تعد تساوي قشور البصل الذي بات الحصول عليه بمثابة حلم، ولم يعد لدى حلفائه ما ينجدونه به، بدليل أن زيارة الأسد موسكو، أخيرا، انتهت بخيبة أمل كبيرة، ولم تقدّم روسيا أي مساعدات لنظامه، وجل ما قدموه له النصح بالانفتاح على تركيا والمحيط العربي، لعله يستفيد اقتصاديا، للخروج من أزمته التي وصلت إلى حدود الكارثة.
معروفٌ أن المعروض دوليا، أي قرار مجلس الأمن 2254، هو في نظر نظام الأسد الطريق المعبّد إلى سقوط النظام، إذ يعتقد الأسد ودائرته الصلبة أن مجرّد القبول بالانخراط في تطبيقات القرار يعني أنه وضع نفسه تحت الوصاية الدولية. صحيح أن القرار لا يتضمّن ذلك بشكل صريح، لكن الاصطفافات الدولية الراهنة، ومزادات بيع الأوراق في اللعبة الدولية المفتوحة قد تطيحه ببساطة، نظرا إلى ضعف وزنه وهامشية أوراقه في لعبة دولية معقّدة، لذا لن يكون في مأمن، حتى من أقرب حلفائه، المقصود هنا روسيا التي ترزح تحت وطأة ضغوط مصيرية، لا تعرف موسكو كيف ستخرُج منها.
على خلفية هذه المعطيات، تبدو المقاربة الأردنية لحلّ الأزمة السورية بمثابة بارقة أمل لنظام لم يبق منه طافيا على السطح سوى رأسه، دعك من اللغة الانتصارية التي يتحدّث بها هو وحلفاؤه، هذه ليست أكثر من مكابرة. وفي كل الأحوال، لم يعد ثمّة إمكانية لإخفاء الحقائق في بلد أصبحت وجبة الغداء، حتى لو كانت مكوناتها هندباء، أكبر من قدرة أكثر من 70% من الشعب.
لكن لماذا المبادرة الأردنية تشكل مخرجا بات حلما لنظام الأسد؟ أولا: استجابة نظام الأسد لها سيعني طي صفحة قرار مجلس الأمن 2254 نهائيا. فالمبادرة، وحسب ما تسرّب منها، تطبيقٌ مبستر إلى حد بعيد للقرار، بل هي صيغة مختلفة، تتأبّطه فقط للحصول على الشرعية، لكن القرار في بنودها ليس سوى صدى بعيد، حيث سيتخلّص نظام الأسد من فكرة تأسيس هيئة حكم انتقالي وانتخابات حرّة بمراقبة دولية واستفتاء على دستور جديد أو معدّل، وتأتي هذه المسائل في المبادرة الأردنية على الهامش.
ثانيا: تمنح المبادرة الأردنية “خطوة بخطوة” مساحات أمان شاسعة لنظام الأسد، وتوفر له وسائد أمنية يحتاجها جدا في هذه المرحلة، إذ سيسوّق استجابته لها بداية مسارٍ لحل الأوضاع المأزومة في الداخل، ولن تتأخّر كثيراّ التدفقات المالية على سورية، بل سيهيئ النظام للسوريين أن الدول الخليجية بدأت بعدّ رزم النقود التي سترسلها، والتجهيز لمشاريع الإعمار والاستثمار في سورية. وفي الوقت نفسه، يكون نظام الأسد قد استعاد علاقاته الدبلوماسية مع معظم الدول العربية، وعادت الحياة إلى شرايين العلاقات الاقتصادية والتبادلية مع هذه الدول، إلى درجة تصبح حتى المبادرة نفسها قد أصبحت من زمن قديم، وغير ذات معنى في ظل التطورات الحاصلة.
ثالثا: تمنح المبادرة الأردنية إيران وحزب الله فرصة سهلة للتخفي، والقول إنهما ملتزمان بالسيادة السورية، وما تمليه مصالح النظام السوري، وسيبيعون الوهم للسوريين والعرب بأنهم انسحبوا، في حين أنهم لن يفعلوا سوى تغيير الرايات والأعلام وإلباس عناصرهم لباس أجهزة الأمن السورية، ذلك أن المبادرة لا تتضمّن أي آليات لمراقبة تنفيذ شروطها، وستعتمد، بدرجة كبيرة، على ما يقوله النظام ويصدّره من قرارات ومراسيم، وما ستصوره وسائل إعلامه.
قد يستغرق اكتشاف كذب النظام ومناورته سنتين على الأقل، لكن الدول العربية لن تتأخر أكثر من شهر لتطبيع العلاقات كاملة مع نظام الأسد، بعد إعلانه الموافقة على المبادرة. ويبدو أن رئيس تونس، قيس سعيّد، قد نطق بما يجول في فكر أغلب الأنظمة العربية، من أن مشكلة النظام مع شعبه مسألة داخلية لا تعنينا. وتكاد المبادرة الأردنية تقول الشيء نفسه، إنما بلغة دبلوماسية، إذ تقول بالصريح إن المشكلة في تجارة المخدّرات ومليشيات إيران التي تهدّد أمن دول عربية كثيرة، والباقي مجرّد زوائد إن حضرت وإن غابت لن تؤثر على الطبخة الإقليمية الجاري إعدادها.
ليس أصعب من أن يصبح الرفض الأميركي طوق نجاة السوريين، ليس من العصابة التي تحكمهم وحسب، بل ومن أشقائهم الذين يستعجلون قذفهم في فم الوحش الفالت.
——————————–
في مسار التحوّل السعودي نحو النظام السوري/ حسين عبد العزيز
صرّح رئيس هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية، رياض حجاب، في 3 أغسطس/ آب 2017، بعيد اجتماع جرى بين الهيئة ووزير الخارجية السعودية عادل الجبير، أن الأخير طالب الهيئة بضرورة الخروج برؤية جديدة للأزمة السورية، تتماشى مع الوقائع على الأرض والوضع الدولي الجديد. وكان ذلك الاجتماع ثم التصريح الذي أعقبه، مؤشّراً على بداية تحوّل في الموقف السياسي السعودي تجاه الملف السوري عموماً، ومستقبل بشار الأسد خصوصاً، بعدما كانت الرياض تصرّ على أن أي حلٍّ سياسي للأزمة السورية يجب أن يتم باستبعاد الأسد حتى من المرحلة الانتقالية.
لم يكن التحول السعودي الذي عبّر عنه حجاب وليد اللحظة آنذاك، بقدر ما كان حصيلة مراجعات للملف السوري بدأت منذ نهاية عام 2015. ومرّ الموقف السعودي من الثورة السورية بثلاث مراحل رئيسية: بدأت الأولى مع انطلاق الثورة، وأخذت خطاً متصاعداً إلى الدعم الكامل والقوي للثورة بعد أشهر قليلة من اندلاعها، فكانت السعودية إلى جانب قطر وتركيا أحد الحوامل الإقليمية الرئيسية الداعمة للثورة السورية على الصعيدين السياسي والعسكري والاقتصادي. ووصل الدعم السياسي السعودي إلى ذروته حين ضغطت، بكل قواها مع دول أخرى، لتغيير الصيغة السياسية التي خرج بها مؤتمر “فيينا 1” في 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2015 “تشكيل حكومة ذات مصداقية وشاملة وغير طائفية على أن يعقب تشكيلها وضع دستور جديد وإجراء انتخابات”.
وتحت ضغط دولي، يضم السعودية، استبدلت هذه الصيغة بصيغة عامة في مؤتمر “فيينا 2” في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام ذاته “… تأكيد دعم وقف إطلاق النار، وعملية بقيادة سورية، من شأنها إقامة حكم شامل ذي مصداقية وغير طائفي، في غضون ستة أشهر، ووضع جدول زمني وعملي لإعداد مسوّدة دستور جديد، على أن تجري انتخابات عادلة وشاملة بحسب الدستور الجديد خلال 18 شهراً”. ورفضت الرياض أية صيغة لاعتبار الأسد جزءاً من الحل السياسي، وضغطت بقوة واستمرار لجعل مخرجات “جنيف 1” مندرجة في أي قرار دولي أو وثيقة دولية، في وقت واصلت دعمها العسكري فصائل معارضة على الأرض.
جاءت المرحلة الثانية مع التدخل العسكري الروسي في سورية، إما بموافقة أميركية مضمرة، أو بغضّ نظر أميركي، وكان يعني هذا التدخل، ليس ضرب المعارضة المسلحة فحسب، بل أيضاً إخراج الداعمين الإقليميين للمعارضة من المعادلة، وهذا ما حدث فعلياً، حين جرى التفاهم على إنشاء أربع مناطق آمنة في سورية، من أجل وضع مسار زمني لحصر المعارضة المسلحة في بقعة جغرافية واحدة وتحت هيمنة دولة إقليمية واحدة هي تركيا بحكم الجغرافيا. وهكذا، بدأت السعودية وقطر تخرجان تدريجياً من معادلة الصراع المسلح في سورية، لتبقى أربع دول فقط (الولايات المتحدة، روسيا، تركيا، إيران).
وكان التدخل العسكري الروسي مؤشراً على متغيّرات كبرى في الملف السوري، ظهرت على شكل صفقة عسكرية، تُوقف تركيا بموجها دعمها المعارضة المسلحة في حلب، مقابل السماح لها بدخول الأراضي السورية والسيطرة على مناطق من ريف حلب الشمالي (درع الفرات). وكان التوسّع التركي في سورية يقابله تراجع في حضور السعودية التي بدأت تدخل مرحلة اضطراب سياسي في محيطها الجغرافي: فشل العملية العسكرية في اليمن وارتفاع أعداد القتلى المدنيين، قطيعة سياسية مع قطر، شبه قطيعة مع تركيا، حرب باردة مع إيران، ضعف سياسي واضح في لبنان، غياب شبه كلي في الساحة العراقية. إضافة إلى ذلك، شكل وصول دونالد ترامب إلى سدة البيت الأبيض تحوّلاً في الموقف الأميركي الذي بدأ يركّز على محاربة الإرهاب، مع ما يتطلبه ذلك من إعادة ترتيب العلاقات الأميركية الدولية مع حلفائها لهذا الهدف. واستطاعت الإمارات ومصر إقناع السعودية بالانقلاب على تحالفها السابق المضادّ للنظام السوري (قطر، تركيا، السعودية)، والتركيز على محاربة الإرهاب، وكان من نتائج ذلك حصول أول تقارب بين السعودية والأكراد في الشمال السوري.
دفعت كل هذه المعطيات الرياض إلى إجراء تعديل في مقاربتها السياسية لسورية، مع إدراكها أن إسقاط النظام عسكرياً أو سياسياً أصبح من المستحيل، فلجأت إلى مقاربة أخرى مفادها التخفيف من حدّة الخطاب السياسي للمعارضة السورية، على أمل أن يؤدّي ذلك إلى انطلاق مسار للحل السياسي. ومن نتائج هذه المقاربة الجديدة الضغط السعودي على المعارضة السورية لإدخال منصتي القاهرة وموسكو في هيئة التفاوض، وقد نجحت في ذلك بفعل الضغوط الدولية (الأميركية، الأوروبية) المؤيدة.
بدأت المرحلة الثالثة نهاية 2018، وهو العام الذي انتهت فيه معركة الجنوب السوري (آخر المعارك العسكرية الكبرى)، وأصبحت المعارضة المسلحة، بموجب ذلك، محصورة في الشمال الغربي من سورية. ونجم عن انتهاء الأعمال العسكرية في سورية تبلور مقاربة جديدة لا تكتفي بإيجاد حل سياسي يشمل النظام والمعارضة، بل ضرورة التفاوض مع النظام مباشرة من أجل تخفيف القبضة الإيرانية في سورية، فأعلنت الإمارات نهاية 2018 بدء العمل في سفارتها في دمشق، وما كان هذا التطور ليحدث من دون موافقة سعودية ضمنية.
أخذت هذه المقاربة زخماً كبيراً مع وصول بايدن إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة، فبدأت الرياض تعيد ترتيب علاقاتها الإقليمية، ثم جاء انطلاق المفاوضات الأميركية ـ الإيرانية ليجعل من المقاربة الجديدة حيال النظام السوري مسألة في غاية الضرورة. وفي عام 2021، عيّنت البحرين، بمباركة سعودية، أول سفير لها في دمشق منذ خفضت مستوى العلاقات قبل حوالى عشر سنوات مع بدء الثورة السورية. وفي الأثناء، بدأت لقاءات جانبية بين مسؤولين سعوديين ومسؤولين لدى النظام، منها زيارة وزير السياحة السوري، محمد رضوان مارتيني، المملكة في مايو/ أيار 2021، في أول زيارة من نوعها منذ قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ما دفع المستشارة الخاصة للأسد، بثينة شعبان، إلى القول في اليوم التالي لهذه الزيارة: “هناك جهود تُبذل لعلاقات أفضل بين دمشق والرياض، وقد نشهد في الأيام القادمة نتائج بهذا الموضوع”. وفي الشهر ذاته، كشفت صحيفة الغارديان البريطانية أن رئيس المخابرات السعودية، اللواء خالد حميدان، التقى رئيس مكتب الأمن القومي علي مملوك في دمشق، وناقشا تطبيع العلاقات.
أخذ مسار التطبيع السعودي الناعم مع النظام السوري انعطافة جديدة مع اندلاع الحرب الأوكرانية ونشوء اصطفافات سياسية ـ اقتصادية جديدة، كانت دول الخليج العربي (السعودية، الإمارات، قطر) ركناً أساسياً فيه، عندما قدّمت استراتيجية سياسية ـ اقتصادية تجاه روسيا يخالف السائد منذ عقود. ومع وقوع الزلزال المدمّر في جنوب تركيا وشمال سورية في 6 فبراير/ شباط الماضي، حدث أول تماسّ رسمي بين الرياض ودمشق، عبر إرسال الأولى مساعدات إنسانية مباشرة إلى النظام السوري، ثم أعقبه تصريح رسمي لوزير الخارجية فيصل بن فرحان، قال فيه “إن إجماعاً بدأ يتشكل في العالم العربي على أنه لا جدوى من عزل سورية، وأن الحوار مع دمشق مطلوبٌ في وقت ما حتى تتسنّى على الأقل معالجة المسائل الإنسانية، بما في ذلك عودة اللاجئين ومعالجة مسألة سوء الأوضاع الإنسانية والدفع بمسار الحل السياسي”. ثم كان للاتفاق السعودي ـ الإيراني في بكين أكبر الأثر في نقل العلاقات بين السعودية والنظام السوري من المستوى الخجول إلى المستوى العلني، لتعلن الرياض في الـ23 من الشهر الماضي (مارس/ آذار) أنها تجري محادثات مع النظام السوري لاستئناف تقديم الخدمات القنصلية بين الطرفين، لتسدل بذلك ستارة قطيعة دامت 12 عاماً.
توصل صنّاع القرار في الرياض، بعد هذه السنوات الطويلة من الحروب والتوترات السياسية في المنطقة، إلى قناعة بأن حل الملفات الشائكة لن يحصل إلا بالطرق السياسية، وخصوصاً الملفين اليمني والسوري، اللذين أثقلا كاهل المملكة. وهي تعتقد أن تقوية العلاقة مع روسيا من جهة، وإعادة ترتيب العلاقة مع إيران من جهة أخرى، كفيلان بحلحلة الملفين، مع ما في ذلك من تقديم الرياض تنازلاتٍ مؤلمة في اليمن ومن ثم في سورية. ومع أن الثورة السورية أصبحت بكل حمولاتها الثقيلة ملفاً خاسراً من الناحية الاستراتيجية، فليس معروفاً بعد ما هو المقابل الذي ستحصل عليه السعودية من النظام السوري.
العربي الجديد
——————————–
نتنياهو منبوذاً والأسد في أفضل أحواله/ زياد بركات
يتلقّى نتنياهو الرسالة الخشنة تلو الأخرى من الرئيس الأميركي. ويتظاهر ضده في شوارع تل أبيب عشرات الآلاف. زوجتُه تُحاصَر في صالون نسائي بينما يهتف المتظاهرون “البلد تحترق وسارة تقصّ شعرها”. يزوره وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، ويجري مباحثات معه في المطار بسبب مخاوف أمنية، أما هو فيزور برلين ولندن، فيجد المتظاهرين في استقباله، وفي واشنطن غير مرحّب به حالياً لزمن قد يطول. تُظهره الصور ممتقع الوجه، بنظراتٍ تائهة وغاضبة، وهو يصعد درجات مبنى رئاسة الوزراء، فالرجل مُحاصَر من المعارضة الموحّدة ضده ومن حلفائه في الائتلاف الحكومي، وتحديداً بن غفير وسموتريتش، وكلاهما يجرّه مع المجتمع الإسرائيلي إلى ثقب اليمين الأسود، وهو عاجزٌ عن تمزيق المعارضة أو حتى كبح حلفائه الذين يتنازل لهم كل مرّة، بحيث أصبحوا هم من يقوده والحكومة الإسرائيلية معاً.
تُستحضَر في المناسبة مقولة الروائي الإسرائيلي، عاموس عوز، وهو الأكثر شهرة، تقول إن “اليهود سيحرقون العالم لكن إذا جمعتهم معاً في مكان يمزّقون أنفسهم”. تبدو المقولة نبوءة قيامية، فإسرائيل تواجه خطر النهاية والحرب الأهلية كما سبق وحذّر رئيس الدولة إسحق هيرتزوغ ورئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك، وذلك كله بسبب رجل واحد، هو نتنياهو الذي يقول معارضوه إن شؤون الإسرائيليين كانت تُدار من زوجته ونجله يئير في السابق، وأصبحت تدار حالياً من بن غفير وسموتريتش … متى ينهار نتنياهو ويغادر الساحة السياسية؟ ذلك رهنٌ بانفجار جديد للأزمة التي أطفأ فتيلها المشتعل، مؤقتاً، البيت الأبيض بالطبع.
نتنياهو في أسوأ أوضاعه. وللمفارقة، لا ينطبق هذا على زعيم آخر في المنطقة نفسها، يعيش أفضل أحواله في الأسابيع الأخيرة الماضية، وهو بشّار الأسد، الذي فشلت الثورة والمعارضة السوريتان وضغوط الإقليم والغرب طيلة 12 سنة في إطاحته. فخلال شهرين أو أقل، سافر الأسد واستُقبل في عدة دول، والتقى في دمشق ببرلمانيين ووزراء خارجية عرب، وجرى الاتفاق على إعادة فتح سفارات بعض الدول في بلاده. وثمّة من يؤكد، استناداً إلى تقرير لوكالة رويترز، أن السعودية لن تعيد العلاقات مع نظامه وحسب، بل وستوجّه إليه الدعوة لحضور القمّة العربية التي تستضيفها الشهر المقبل (مايو/ أيار)، فما الذي يحدُث في المنطقة حقاً، بحيث تنقلب الأمور على هذا النحو، فيصبح نتنياهو منبوذاً والأسد مرحّباً به؟
في الإجابات المفترضة، هناك إيران وأوكرانيا. وتذهب فرضياتٌ إلى أن طهران، بتوقيعها مع الرياض اتفاقاً لإعادة العلاقات الدبلوماسية برعاية صينية، نجحت في تحييد دول الخليج، وتحديداً السعودية، في لعبة الاصطفافات الدولية والإقليمية ضدها، فلا تحالف عسكرياً أو ما كان يسمّى “الناتو العربي” سيكون موجوداً، أو يجرى تشكيله ضدها، فيما لو قرّرت تل أبيب شنّ حربٍ عليها. يحدُث هذا فيما يراهن بعضهم في المنطقة على فكرة أو وهم “تحييد إيران” في المقابل، وتقليص نفوذها في الجوار، وعلى إمكانية إبعاد الأسد عن طهران بالاقتراب منه وإعادة تأهيله.
هناك أوكرانيا أيضاً، فالأميركيون لا يريدون نفوذاً روسياً أكبر في سورية، فالمطلوب محاصرة بوتين في كل مكان، ما يفسّر توالي الضربات الأميركية والإسرائيلية لمواقع يُعتقد أنها تابعة لإيران وحزب الله هناك، ما يعني إخلاء الساحة السورية من الوجود العسكري الإيراني، أو على الأقل إضعافه، ويجرى هذا في موازاة غضّ واشنطن النظر عن فتح حلفائها في المنطقة قنواتٍ مع الأسد وإعادة تأهيله، على أمل إعادة الشرق الأوسط إلى “الحضن الأميركي” بخطوات متدرّجة، تقوم على إعادة تفكيك بعض العداوات البينية فيه وتشكيلها من جديد، خصوصا أن الحرب الأوكرانية قد تمتدّ سنوات، ما يتطلب الحرص على محاصرة النفوذين، الروسي ولاحقاً الصيني، في بعض المناطق الحيوية، ومنها منطقتنا.
إذا صحّت مقاربة كهذه، فإنها قد تفسّر هذه الهرولة تجاه دمشق والنفور من نتنياهو الذي يشعل حروباً داخلية ذات طابع تفكيكي، ليس هذا وقتها، تحول دون الاصطفاف الكامل خلف الأميركيين بشأن روسيا، فالرجل كسابقه نفتالي بينت لا يريد أن يخسر بوتين في معركةٍ لا ناقة ولا جمل له فيها.
العربي الجديد
————————————
إعادة اصطفاف تكتيكيةٍ أم خياراتٌ استراتيجية؟/ مروان قبلان
تشهد المنطقة العربية وعموم الشرق الأوسط منذ مطلع عام 2021 (وصول إدارة الرئيس بايدن الى السلطة في الولايات المتحدة)، عملية إعادة اصطفافٍ تكاد تكون غير مسبوقة بشموليتها، إذ تفكّكت التحالفات والمحاور التي ميّزت العقد السابق وتمحورت في جوهرها حول الموقف من ثورات الربيع العربي. تشكّلت خلال الانتفاضات العربية ثلاثة محاور إقليمية، حلّت محل المحورين اللذين ظهرا بعد الغزو الأميركي للعراق (محوري الاعتدال والمقاومة). وكان أحد المحاور الثلاثة يسعى، بوضوح، إلى تغيير الوضع القائم وإنشاء نظام إقليمي جديد عبر دعم الانتفاضات العربية والمجيء بنخب حكم جديدة في دول عربية مهمة (مصر، سورية، ليبيا). وقد مثّل هذه الموقف كل من تركيا وقطر. أما المحوران الآخران فقد كان موقفهما يختلف من مكان إلى آخر، اعتمادا على ما إذا كان التغيير أو الاستقرار يخدم مصالحهما. بناء عليه، ساندت السعودية والإمارات والأردن التغيير في سورية وليبيا، لكنها رفضته في مصر واليمن، أما إيران (قائد المحور الثالث)، فقد دعمت التغيير في مصر واليمن، ورفضته في سورية، ولم تستسغه في ليبيا.
انتهت هذه الاصطفافات الآن أو في طريقها إلى ذلك، حيث تحاول دول المنطقة جميعا تبنّي مقاربة جديدة توحي بتجاوزها مرحلة الانتفاضات العربية، بعدما سقطت المنطقة، نتيجة صراعات المحاور الثلاثة، في براثن الفشل والفوضى. ورغم “النجاح” الذي حقّقته دول الخليج العربية في إنقاذ حكم العسكر في مصر وتمكّن إيران، بدعم روسي، من إنقاذ نظام الأسد في سورية، إلا أن تكاليف هذه “النجاحات” كانت باهظة، كما تبقى استمراريتها موضع شك كبير، نظرًا إلى التحدّيات الكبرى التي يواجهها النظام المصري في إدارة اقتصاد بلد مهدّدٍ بالانهيار، والدمار الذي لحق بسورية والتمزّق الذي طاول فيها الدولة والمجتمع، وصار عصيًا على الرتق.
تركيا التي فشلت في تحقيق غاياتها من ثورات الربيع العربي، وحصدت نتيجة ذلك أوضاعا اقتصادية صعبة وعلاقات خارجية معقّدة، كانت أول من بدأ الاستدارة نحو روسيا أولا ثم إيران، فغيّرت سياستها السورية اعتبارا من عام 2016، ثم راحت تُصلح علاقاتها بدول الخليج التي نازعتها مصر اعتبارا من عام 2020، قبل أن تشرع أخيرا بإنهاء خلافها مع القاهرة بإقرار الأمر الواقع. أما السعودية، التي كبّدتها حرب اليمن تكاليف باهظة، فقد وافقت على مقترح لإطلاق حوار مع إيران في بغداد منذ ابريل/ نيسان 2021، توصل أخيرا، بوساطة صينية، الى اتفاق ينهي القطيعة الدبلوماسية مع طهران، ومع نظام الأسد أيضا بوساطة روسية. إيران هي الأخرى تحاول منذ وصول إبراهيم رئيسي الى الحكم صيف عام 2021 استعادة العلاقات مع دول الخليج، وتلمّح إلى استعدادها لتسوياتٍ في اليمن وسورية، بعدما طحنتها الأزمات والعقوبات، ويواجه نظامها حركة احتجاجات تكاد لا تتوقّف (4000 نقطة احتجاج فقط خلال عام 2022).
واضحٌ أن قادة المحاور الثلاثة التي نشأت في مرحلة الربيع العربي (إيران وتركيا والسعودية) باتوا، بعد عقد من الصراعات المدمّرة، التي زادها سوءا تضافر أزمات عديدة (كوفيد 19، التضخّم، ارتفاع أسعار الغذاء، التغير المناخي، حرب أوكرانيا، تصاعد التنافس الدولي … إلخ)، مستنزفين إلى درجة اضطرّوا معها إلى إعادة النظر في سياساتهم، والانتقال من مقاربات صفرية (رابح – خاسر) إلى مقاربات أكثر ليبرالية في السياسة الخارجية، تتعاون بموجبها الدول في إطار تنافسي وفق معادلة (رابح – رابح). إذا كان هذا ما باتت تؤمن به نخب الحكم في منطقتنا فهذا يعدّ بحق تطورا كبيرا وتغيرا عميقا في طريقة تفكيرها التي تحيلنا عادة إلى سياسات القرن الثامن عشر الأوروبية القائمة على القوة والصراع وزئبقية التحالفات. لكن هناك مسألتين كبيرتين يمكن أن تجعلا هذا التحوّل مثار شكوك: أنه يتم بمعزل عن الإرادة الأميركية وأحيانا بطريقة تعاكس مصالحها، مثل رعاية الصين الاتفاق السعودي الإيراني، الذي يعزز دور الصين في منطقة نفوذ أميركي، وأن الشرق الأوسط يتجه نحو مقاربة “ليبرالية” في السياسة الخارجية، في حين يتجه المستوى الأعلى في النظام الدولي نحو مقاربة “واقعية”، حيث تتزايد احتمالات المواجهة بين القوى الكبرى (روسيا والولايات المتحدة والصين). وتبرُز هنا تساؤلاتٌ حول قدرة النظم الإقليمية على سلوك مسلك معاكس لمسلك النظام الدولي، في حين أنها تعد تقليديا مرآة له.
العربي الجديد
———————————
إخوان سوريا يستنكرون التطبيع مع النظام:الأسد بين يدي إيران
استنكرت جماعة “الإخوان المسلمين” في سوريا، سعي بعض الدول العربية للتطبيع مع النظام السوري وإعادته إلى الحضن العربي، مؤكدةً أن النظام لا يملك القدرة أو الإرادة لفك ارتباطه مع إيران.
وقالت الجماعة في بيان حمل عنوان “تطبيع مع نظام بشار الأسد.. أم مع الاستبداد والإجرام؟!”، إن الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا في شباط/فبراير، وفّر فرصة لمن أراد التطبيع مع الأسد، وذلك عبر الدخول تحت لافتات إغاثية وإنسانية.
وأضافت أنها تتفهم مصالح وسياسات الدول لكنها اعتبرت أن الأسباب التي أدت إلى القطيعة مع الأسد لاتزال قائمة، إذ إن عملياته العسكرية لاتزال جارية في المناطق التي يستطيع الوصول إليها، ولم يستثنِ من ذلك قصف شمال غرب سوريا بالتزامن مع محاولة المسعفين إخراج ضحاياهم من تحت أنقاض الزلزال.
واعتبر البيان أن سوريا الحضارة والثقافة التي يريدها العرب لا يمثلها نظام قاتل وبالتالي التطبيع معه يعني التطبيع مع القتل والاجرام.
وأكدت أن رئيس النظام بشار الأسد بين يدي روسيا وإيران، كما لا يملك القدرة ولا الإرادة لفك ارتباطه بطهران التي تغولت بالاقتصاد السوري واخترقت مؤسسات النظام الأمنية والعسكرية.
وإذ قالت إن التفاهمات التي تزيل الفرقة والخلافات العربية هدف نبيل وضروري، اعتبرت التطبيع مع بشار الأسد هو استهانة بدماء الشعب السوري وآلامه وتكريس للظلم التاريخي الواقع عليه.
وشددت الجماعة على أن النظام لا يملك القيم الأخلاقية ولا سعة الأفق السياسي ليقدم أي حل لسوريا، وتاريخه شاهد على اعتقاده أن ما لم يتم إنجازه بالقتل والإجرام، سوف يتم تحقيقه بالمزيد من القتل والإجرام.
وأكدت أن الثورة السورية مستمرة وكذلك آلام شعبها، مشيرةً إلى أن التطبيع مع الأسد الذي لا يحكم أكثر من 59 في المئة من سوريا، لن يؤدي إلى الاستقرار وإنما لمزيد من التصعيد، لأنه مصدر للجريمة والمخدرات.
وفيما قالت إن النظام خطر على سوريا والمنطقة، إذ أنه يعمل على تغيير النسيج الاجتماعي والتركيب الديموغرافي السوري، أكدت أنه لن ينسى الدول العربية المؤيدة للثورة وسيسعى للانتقام.
وطالب البيان المجتمع الدولي بفرض حل سياسي وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254، والذي يضمن إخراج المعتقلين وعودة آمنة للاجئين وصون حقوق السوريين وكرامتهم وحريتهم.
وشكرت الجماعة الدول التي وقفت مع مطالب السوريين وشجبت الدول التي جلبها الأسد لقتلهم وتشريدهم، مؤكدة أن شرعية الأنظمة تمنح من قبل الشعوب.
وقالت: “نحن مع شعبنا في مطالبته بحقوقه (…)، ونحن مستعدون لنعمل مخلصين مع أبناء هذا الوطن والأشقاء العرب والأصدقاء الأحرار في المجتمع الإقليمي والدولي، والانتقال من دولة القمع والاستبداد والإبادة إلى دولة العدل والحرية والقانون، مستفيدين من تجارب الماضي وفرص المستقبل”.
——————————-
أردوغان والأسد:إما اعتراف متبادَل أو لا/ عمر قدور
انفضّ الاجتماع الرباعي بلا نتائج معلنة، باستثناء الاتفاق على استمرار المشاورات، والتي يُفترض أن تنقلها إلى مستوى وزراء الخارجية من مستوى نوابهم الذين اجتمعوا يوم الثلاثاء في موسكو. التزمت أنقرة الصمت في ما يتعلق بتفاصيل المباحثات، وتجاهلت على نحو خاص تصريحات نائب وزير خارجية الأسد أيمن سوسان، وفيها طالب بإعلان صريح عن نية أنقرة سحب قواتها من الأراضي السورية، وربط التطبيع بين الجانبين بالبدء بالانسحاب الذي يريد الأسد أن يبدأ خلال ستة شهور.
تجاهُلُ أنقرة تصريحات مندوب الأسد لا يحتاج شروحات مطوَّلة، بما أنها تنتظر المواقف والإشارات من موسكو وطهران؛ صاحبتَي القرار النهائي. لكن هذا فيه قدر غير قليل من التبسيط، وكذلك هو حال التبسيط في الفكرة الرائجة عن سعي أردوغان للتطبيع مع الأسد لحصد مكاسب انتخابية، مع التركيز على كون المكاسب متعلقة خاصة بأخذ موافقته على إعادة اللاجئين السوريين إلى بيوتهم وأراضيهم، بالإضافة إلى مقايضات تتعلق بالإدارة الذاتية وقسد خارج المظلة الأمريكية.
ربطاً بالعامل الأخير، من الملاحظ “والصادم حينها لأوساط معارضة” إعلان أنقرة عن أن وجودها في سوريا متعلق فقط بخطر حزب العمال الكردستاني وجناحه السوري، بمعنى أنه غير متصل بالصراع السوري، أو بمساندة المعارضة ضمن هذا الصراع. هذا الإعلان في الواقع متعدد الوجهات، فقَبْل أن يكون رسالة إلى المعارضة كان رسالة إلى الداخل التركي الذي لم يعد يريد انخراطاً غير اضطراري في الشأن السوري، وهو رسالة إلى الأسد فحواها أن القوات التركية باقية ما بقي التهديد الكردي من وجهة نظر أنقرة. وهذا يتضمن بقاء أي جزء من قوات قسد، أو بقاء أي مظهر من مظاهر الإدارة الذاتية، بما فيها ما لا يستطيع الأسد وحلفاؤها التصرف إزاءه بسبب الدعم الأمريكي.
قبل أسبوع أعلن سنان أوغان، مرشّح تحالف “أتا” إلى الانتخابات الرئاسية التركية، عن استعداده للقاء الأسد في حال فوزه. وقال أوغان في مقابلة مع وكالة سبوتنيك الروسية، تعليقاً على شروط الأسد لتطبيع العلاقات مع تركيا: “يجب على الأسد اتخاذ بعض الخطوات قبل أن يضع شروطا لتطبيع العلاقات مع أنقرة، فوجود القوات التركية في سوريا ليس احتلالاً”. وأردف بالقول: “على الأسد أن يعرض علينا التعاون لإنهاء وجود حزب العمال الكردستاني، بدلا من اشتراط انسحاب القوات التركية من سوريا. وبعد القضاء عليه ستنسحب القوات التركية من شمال سوريا”.
في أقوال أوغان توضيحات لما لا يعلنه أردوغان ومسؤولوه صراحة، فشروط الأسد للقبول بالتطبيع هي ردٌّ على طلب أنقرة التطبيع معه على قاعدة الاعتراف المتبادل: أي أن تعترف أنقرة بشرعيته مقابل اعترافه “ولو ضمناً بموجب تفاهمات التطبيع” بشرعية الوجود التركي في سوريا. الوعد بانسحاب تركي لاحق “عندما تنتفي مبررات وجوده المتعلقة بالأكراد” لا يكفي الأسد، لا لعدم الثقة بالوعود التركية، ولكن لأن السقف الزمني للوعود لن يكون أدنى من انسحاب القوات الأمريكية، والأخيرة قد تبقى ما لم تكن هناك تسوية نهائية في سوريا.
عملياً ليس هناك ما تقدّمه أنقرة مباشرة سوى رمزية اعترافها بشرعية الأسد، وهذا مطلب روسي أكثر من كونه مطلباً لبشار نفسه، خاصة مع الأخذ في الحسبان سعي موسكو لإعادته إلى الجامعة العربية. الثمن الذي لا يريد الأسد دفعه، ومن المحتمل جداً أن تؤيده طهران في رفضه ولو سراً، التفريط بالورقة الكردية تماماً. فما تطلبه أنقرة لقاء انسحاب قواتها هو عزل حزب العمال الكردستاني وفرعه السوري عن الدعم الإقليمي. حسابات موسكو مختلفة على هذا الصعيد، فهي لم تستثمر في الورقة الكردية كما فعلت سلطة الأسد وسلطة الملالي ضد أنقرة تحديداً.
عطفاً على أقوال المرشّح سنان أوغان، من المرجّح أن مطالب أردوغان هي مطالب تحظى بغالبية تركية كبيرة، ودعم حزب الشعوب الديموقراطي مرشّحَ الطاولة السداسية وحزب الشعب كمال كليتشدار أوغلو لا يعني أن الأخير في حال فوزه سيكون أكثر تساهلاً فيما تتفق الأغلبية على اعتباره أمناً قومياً. وبهذا المعنى فإن أهمية التطبيع مع الأسد انتخابياً بالنسبة لأردوغان هي في تحصيل اعتراف بشرعية الوجود التركي، وإلى أن يزول ما تعتبره نسبة كبيرة من جمهور الناخبين تهديداً كردياً، وهو ما يتقدّم على وعود إعادة اللاجئين السوريين رغم بروز المتاجرة بهم في الدعاية الانتخابية. في حال موافقة بشار على الاعتراف المتبادل سيُصوَّر ذلك إنجازاً حصل عليه أردوغان من أجل تركيا، بخلاف الفكرة الشائعة عن أنه ذاهب لتقديم التنازلات.
لبوتين مصالح مع أردوغان تتجاوز الملف السوري، وفي رأسها حالياً الدور التركي على خلفية حربه في أوكرانيا، ولا يُستبعد أن يرغب بوتين في تقديم خدمة انتخابية لأردوغان. رفْضُ بشار الأسد الصفقة حتى الآن حقيقي على الأغلب، وليس من ضمن تقاسم أدوار بينه وبين موسكو. هو على الأقل يريد كسب الوقت حتى تُجرى الانتخابات التركية ويُعرف الفائز فيها، وقد لا يُمانع بعدها في تقديم التنازلات المطلوبة للفائز، وإن كان يفضّل خسارة أردوغان بعدما تمت شيطنته لدى جمهور موالاته.
في ما يخص المعارضة فإن مجرد انعقاد الاجتماع الرباعي يُعتبر خطوة عديمة الرأفة بها من راعيها الأكبر، فحضور وفد الأسد في موسكو مختلف عن تأويل الاجتماعات المخابراتية التركية-الأسدية على أنها تدابير أمنية تتعلق بالأكراد فقط. الاعتراف المتبادل ينطوي أيضاً على المقايضة: يتخلى بشار تماماً عن الورقة الكردية وتتخلى أنقرة “عندما يفعل ذلك” عن ورقة المعارضة. الخلاف بين الطرفين هو على التوقيت، إذا يطالب الأسد أنقرة بهذه الخطوة قبل الانسحاب الأمريكي من سوريا، وألا تكون مرتبطة به.
من المؤكد حتى الآن أن زخم الحديث عن التطبيع قد تراجع بعد تأجيل اجتماع وزراء الخارجية، ودعوة طهران ليكون اللقاء رباعياً لها حدّان، فهي قد تكون مفيدة لجهة أن حضورها المباشر أفضل من حضورها في كواليس الأسد، لكن هذا الفائدة قد لا تغطّي على أنها صارت جزءاً أساسياً من المسار. لذا قد تعطّل طهران اللقاء الرباعي المقبل بين وزراء الخارجية، ولو بذرائع تقنية تتعلق بالتوقيت المناسب لها، وقد يكون التعطيل الإيراني-الأسدي مدعوماً هذه المرة من دول عربية ذاهبة إلى التطبيع مع طهران والأسد.
المدن
————————–
سوريا:خطوتان إلى الأمام..خطوة إلى الوراء/ عبدالناصر العايد
تصدى السوريون لموجة التطبيع مع نظام الأسد، شأنهم في كل انكسار، بنظرية المؤامرة، بمعنى أن هناك تواطؤاً بين أطراف، تتغير حسب الظروف، تسعى لهزيمة الثورة وتعويم النظام. والحقيقة التي لا يمكننا تجاهلها، مع المناهضة المتواصلة لفكرة المؤامرة، هي أن ثمّة تواطؤاً غير معلن بين قوى بعينها، تنتمي إلى محورين رئيسيين في عالم اليوم، كلاهما لا يجد له مصلحة في انتصار “الثورة” السورية. بل إنهما يرفضان، صراحة أو بإضمار، فكرة الثورة بحدّ ذاتها، بمعنى أنهم أنتي-ثورة، أي ضد كل تغيير فجائي مرتهن لقوى اجتماعية أو شعبية بطموحاتها واساليبها. وهذا يختلف عن مصطلح الثورة المضادة الذي يتم اللجوء إليه أحياناً لوصف القوى التي أفشلت موجة الربيع العربي. لكن، ومع الفارق الكبير بين المحتوى الشعبوي لفكرة المؤامرة ومعنى “ضد- ثورة” التي يمكن أن يعتمدها المثقفون ومحترفو السياسة، إلا أن النتائج الملموسة لكليهما في المدى المنظور، واحدة، ولا فائدة من التمييز بينهما ما لم يكن بالمنظور الاستراتيجي.
لم تنجم المسألة السورية عن صراع المحاور الإقليمية، ولا بسبب السياسات الخارجية لهذه الدولة أو تلك، وتصادمها مع سياسات نظام الأسد. على العكس، كانت لحظة تفجرها مرحلة تناغم وانسجام، خصوصاً مع تركيا ودول الخليج العربي. لقد تفجرت الثورة السورية في سياق الربيع العربي وبفضل دينامياته المستجدة التي منحت شعوب المنطقة الوسائل والأدوات والرؤية لأخذ زمام المبادرة وتحويل واقعها، على قواعد أخلاقية غير مختلف عليها، مثل الحرية، والعدل، والكرامة الإنسانية، والمساواة. وكان هذا يعني ببساطة نزع الشرعيّة عن كافة أنظمة المنطقة وتقويض أسسها التي قامت عليها على مدى نحو قرن من الزمان. خذ تيمة المساواة مثلاً، وضع نفسك مكان شخص من نخب الحكم في أيما دولة شرق أوسطية، واختبر ما تثيره فيه من فزع تلك الكلمة التي تعني أن يتساوى الحكّام بأفراد الشعب!
من المنطقي إذن أن تتآزر نخب السلطات القائمة في المنطقة، لتقضي على هذا المنزع المتصاعد للحراك الشعبي الواسع في مرحلة الربيع العربي، ووأد التحولات التي يبشر بها. لكن خلافاً، طارئاً، نشب بين بعض الأنظمة على خلفية الفوضى العارمة التي خلّفها سقوط بعضها، أو تخالف الرؤى حول سبل المعالجة والمواجهة، ولعبت عوامل شخصية، مثل صلف ورعونة بشار الأسد، دوراً في إثارة العداء له هنا وهناك. لكن الخطر الحقيقي المشترك بقي كامناً في العمق، وهو نزعة الشعوب إلى تحرير نفسها من السلطات التقليدية، وهو ما يجب أن يُطوَّق وأن تستعاد السيطرة عليه بكل الطرق الممكنة. ومن بين تلك الطرق، دعم بعض مكونات الثورات، وإغداق المال عليها، وتدجين النخب الجديدة، وعزلها عن جمهورها، ووضع الجميع في صراع مع الجميع على طريق التدمير الذاتي وتشويه وتقويض فكرة الثورة ذاتها.
هكذا مرّ عقد من الزمان، فشلت خلاله كافة ثورات الربيع العربي، واستعادت الأنظمة الشرق أوسطية توازنها والقدرة على التفكير بعقلانية، وتجاوز الخلافات الطارئة التي اعترت علاقاتها، بعضها ببعض، والبدء بتنسيق جهودها إزاء جمهور غاضب ومتحفز ما زال يمتلك القدرة للوثوب مجدداً إلى الساحات والميادين.
يتماشى هذا التيار الإقليمي، أو المحلي، مع سياق دولي مشابه تمثله الصين وروسيا، اللتين وقفتا بحزم وعلى نحو موحد بشكل استثنائي في مجلس الأمن، واستخدمتا الفيتو المزدوج ضد كافة القرارات التي كان من شأنها أن تدعم المجتمع أمام حاكميه، خصوصاً في القرارات الخاصة بسوريا، على اعتبار أن ذلك البلد هو المكان الذي نجحت سلطته الحاكمة في كسر موجة الربيع العربي.
وفي الأفق الغربي، كانت هناك مناهضة “للثورة” من منطلقات مختلفة. فما طرحه الربيع العربي من شعارات، هو في الواقع القيم التي يقوم عليها الغرب المعاصر، وليس بوسع حكومات تلك الدول إلا أن تؤيد مطالب الحرية والعدل والمساواة، أي “الديموقراطية” التي نهضت بفضلها مجتمعاتها. لكنها، من ناحية أخرى، حاذرت أن يؤول دعمها ذاك إلى بروز القوى الحقيقية للمجتمعات، وهي ما تتصور أنها قوى دينية عنيفة ومعادية للغرب وقيمه، وقد سُجّلت إشارات واضحة لهذه الإمكانية مثل ظهور تنظيم “داعش”، لذلك سلك الغرب سلوكاً مراوغاً لا ينكر أحقية الشعوب في تغيير الأنظمة القائمة، لكنه لا يدعم تغييراً فورياً وجذرياً. وفضّل الغرب، بدلاً من ذلك، التحولات التدريجية البطيئة، بمعنى دمقرطة المجتمعات الشرق أوسطية في العمق أولاً، حيث تسرّع التكنولوجيا الحديثة وثورة الاتصال والتواصل عمليات دمج سكان تلك المنطقة في المنظومة الغربية، بينما تتكفل الأنظمة الحاكمة مؤقتاً بمواجهة الجانب المظلم لتلك المجتمعات والمتمثل في النزعة الراديكالية الدينية وتنظيماتها الدموية.
يفيد التحليل السابق بأن مجتمعاتنا، وفي خضم تحولاتها الداخلية العنيفة، تواجه أيضاً سياسات لأطراف خارجية متعددة، تناهض في مجموعها فكرة الثورة، لكنها تتميز عن بعضها البعض في كون سياسات الأطراف الاقليمية، وهي هنا السلطات القائمة، قلقة وآنية وتتسم بالتقلب. فهي تتعامل مع مجموعة كبيرة من المعطيات الصغيرة والكبيرة دائمة التغير، وحتى إن استطاعت أن تتكيف وتتعامل مع ما هو ظاهر منها، إلا أنها عاجزة عن مجرد التنبؤ بتيارات الأعماق، وهي مهددة على الدوام بانفجار كبير غير محسوب مثل أحداث الربيع العربي.
وعلى العكس من ذلك، تتمتع الرؤية الغربية، المناهِضة أيضاً للتغير الفجائي، بالاستقرار والاتساق. فالمبادئ الكبرى لا بد من الاعتراف بها في المجتمعات الشرق أوسطية عاجلاً أم آجلا، لا بسبب الضغط الخارجي، بل بفعل تطور ونضج المجتمعات ذاتها عبر مسار تراكمي. ومساهمة الغرب في دفع عجلة التاريخ بهذا الاتجاه، يمكن أن تقتصر على مواصلة التقدم الذاتي، والسماح بتساقط ثمار التطور التقني المربوطة بالقيم الغربية في الاتجاهات كافة، لتوليد الكتلة الحرجة التي ستقلب الموازين في نهاية المطاف من دون اهتزازات عنيفة.
بوسع المرء في شرقنا الأوسط المتقلب، أن يركن إلى عيش هادئ نسبياً في ظل الأنظمة الحاكمة الحالية بشعاراتها القديمة. لكنه يستطيع أيضاً، مع تحمل الكلفة، أن يختار الوجهة التي بشّر بها الربيع العربي، أي اعتناق القيم الأخلاقية الكبرى كبديل من سلة الأيديولوجيات السلطوية الآخذة في التآكل. وهي الوجهة التي يبدو أن تاريخنا البشري ينحو صوبها، لكن بلا ثورة صاخبة، وانقلابات دراماتيكية، بل بأسلوبه المتردد الخجول: التقدم خطوتين، والتراجع خطوة واحدة.
المدن
—————————–
أردوغان وبوتين… وبشّار/ خيرالله خيرالله
في نهاية المطاف هناك عاملان مهمان أولهما يخص المعادلة السورية – التركية وثانيهما قدرة بشار الأسد على رفض ما يطلبه بوتين الذي يعتبر أن المصالحة السورية – التركية تصب في مصلحته.
الاثنين 2023/04/10
هل من دور لبشار في إسقاط أردوغان أو نجاحه؟
واضح أنّ هناك رهانا لدى النظام السوري على سقوط رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية التركية المتوقعة في 14 أيّار – مايو المقبل. واضح أكثر أنّ الرئيس فلاديمير بوتين يدعم أردوغان ويرغب في بقائه رئيسا لتركيا. إلى الآن، استطاع بوتين إجبار بشّار الأسد على إرسال من يمثله إلى اجتماع رباعي على مستوى نواب وزراء الخارجية انعقد حديثا في موسكو. بمجرد انعقاد الاجتماع الرباعي في موسكو يكون بشّار تراجع عن كلّ الكلام العلني الذي صدر عنه في العاصمة الروسيّة أخيرا عن شروط مطلوبة كي يقبل بحوار سوري – تركي.
لم يعد لدى بشار الأسد ما يفعله غير السعي إلى تفادي عقد لقاء مع الرئيس التركي قبل موعد الانتخابات. لدى رئيس النظام السوري ما يكفي من الأوهام التي تجعله يعتقد أنّه يتحكّم بالانتخابات الرئاسيّة التركيّة وأنّه قادر على حرمان أردوغان من الوصول إلى الرئاسة بمجرد التمسك بشروط معيّنة لا علاقة لها بالواقع. من بين هذه الشروط انسحاب عسكري تركي غير مشروط من الأراضي السوريّة. يبدو مثل هذا الشرط المحدد تعجيزيا أكثر من أيّ شيء نظرا إلى أنّ ليس في استطاعة أي مسؤول تركي القبول به من جهة وحرّية التدخل في الشمال السوري الذي يضمنه اتفاق أضنه، الموقع في العام 1998، لتركيا على طول حدودها مع سوريا من جهة أخرى.
◙ بالنسبة إلى قدرة بشّار على رفض ما يطلبه منه بوتين، سيتبيّن مع الوقت أنّه لا يستطيع ذلك. ستجبره إيران، التي تتحكّم بقرارات النظام السوري، على مراعاة الرئيس الروسي
يستطيع الرئيس الروسي التفاهم مع أردوغان، فيما يعتبر بشّار الأسد أن التخلص منه بمثابة انتصار شخصي له. لا يبدو رئيس النظام السوري مستعدا لأخذ العلم بأنّه عاجز عن لعب دور في الداخل التركي وفي الانتخابات الرئاسيّة تحديدا. أكثر من ذلك، يبدو واضحا أنّه يرفض أن يأخذ في الاعتبار المصالح الشخصيّة لفلاديمير بوتين. لا يمكن تجاهل كون الرئيس التركي يراعي الرئيس الروسي إلى حد كبير في كلّ ما له علاقة بحرب أوكرانيا. يأتي ذلك في وقت بات مصير بوتين مرتبطا بما ستؤول إليه هذه الحرب.
فوق ذلك كلّه، لا يستوعب بشّار أنّ أقصى ما يستطيع عمله الامتناع عن تقديم هديّة ما للرئيس التركي تحول دون إعادة انتخابه رئيسا. سيستعين من أجل ذلك بكلّ الحجج التي في متناوله لتفادي لقاء مع أردوغان قبل موعد الانتخابات. سيكون الاعتماد على إيران سلاحه الأوّل والأخير في لعبة التسويف هذه. ليس معروفا إلى أي مدى ستذهب “الجمهوريّة الإسلاميّة” في دعم موقف رئيس النظام السوري، خصوصا أنّ لديها حسابات خاصة بها إن في ما يخصّ بوتين وإن في ما يخصّ أردوغان الذي دعمها من تحت الطاولة في مجال تجاوز العقوبات الغربيّة عموما والأميركيّة خصوصا.
في نهاية المطاف، هناك عاملان مهمّان أوّلهما يخص المعادلة السوريّة – التركيّة وثانيهما قدرة بشّار الأسد على رفض ما يطلبه بوتين الذي يعتبر أن المصالحة السوريّة – التركيّة تصب في مصلحته. يسعى بوتين إلى تفادي حلول رئيس يؤمن بحلف شمال الأطلسي (ناتو)، مكان أردوغان الذي باتت تربطه به علاقة قويّة منذ اشترى منظومة صواريخ روسية مضادة للطائرات من نوع “أس –400” متحديا الولايات المتحدة.
بالنسبة إلى المعادلة السوريّة – التركيّة، قدّم أردوغان بسبب مواقفه المتذبذبة خدمات كبيرة للنظام السوري، وذلك منذ ثار الشعب السوري بأكثريته الساحقة على الحكم الأقلّوي لبشار الأسد ونظامه في آذار – مارس من العام 2011. أدّى تأخر أردوغان في دعم المعارضة السورية بالشكل المناسب إلى التقاط إيران أنفاسها ورميها بثقلها، عبر ميليشياتها المذهبيّة، لدعم بقاء بشّار الأسد في دمشق. يجهل الرئيس التركي، الذي كان يخوض منذ سنوات عدة معركته الداخليّة للتخلص من خصومه داخل حزب العدالة والتنميّة، أنّ اللغة الوحيدة التي يفهمها النظام السوري هي لغة توازن القوى التي مارستها تركيا معه بنجاح ليس بعده نجاح في الماضي القريب. كان تهديد تركيا بدخول جيشها من حلب وخروجه من الجولان وراء تسليم الزعيم الكردي عبدالله أوجلان الذي كان يقيم في دمشق في العام 1998. تلا ذلك توقيع اتفاق أضنه الذي اعترف بموجبه النظام السوري بأن لواء الإسكندرون تركيّ وأن وصفه بـ”اللواء السليب” لم يعد واردا.
◙ لا يبدو رئيس النظام السوري مستعدا لأخذ العلم بأنّه عاجز عن لعب دور في الداخل التركي وفي الانتخابات الرئاسيّة تحديدا. أكثر من ذلك، يبدو واضحا أنّه يرفض أن يأخذ في الاعتبار المصالح الشخصيّة لفلاديمير بوتين
لجأ وقتذاك حافظ الأسد إلى التسويف. رفض في البداية تسليم أوجلان بحجة أنّه غير موجود في دمشق. قدم الجانب التركي الدليل وراء الآخر على وجود الرجل، المطلوب من أنقرة، في العاصمة السوريّة. وصل الأمر بالأتراك أن قدموا للجانب السوري اسم الشارع الذي يقيم فيه أوجلان ورقم البناية والطابق الذي يسكن فيه. وصل بهم الأمر أيضا أن زودوا الأجهزة السورية برقم الهاتف الذي يستخدمه الزعيم الكردي المطلوب ولائحة الأشخاص الذين يتصل بهم ويتصلون به. لم تنفع في نهاية المطاف سوى لغة القوّة. كان تحرّك الجيش التركي عند نقطة حدودية معيّنة كافيا كي يقتنع حافظ الأسد بأنّ لا بديل عن الاستسلام لمطالب أنقرة…
بالنسبة إلى قدرة بشّار على رفض ما يطلبه منه بوتين، سيتبيّن مع الوقت أنّه لا يستطيع ذلك. ستجبره إيران، التي تتحكّم بقرارات النظام السوري، على مراعاة الرئيس الروسي. لكن السؤال الذي سيطرح نفسه عاجلا أم آجلا، هل من دور لبشار في إسقاط أردوغان أو نجاحه؟ الجواب عن السؤال أن اللعبة التركيّة أكبر بكثير من أوهام رئيس النظام السوري، خصوصا في ظلّ وجود رغبة روسية في دعم أردوغان خشية وصول كمال كليتشدار زعيم حزب الشعب الجمهوري إلى الرئاسة. صحيح أنّ كليتشدار من الطائفة العلوية التركيّة، لكنّ الصحيح أن هذه الطائفة تختلف عن الطائفة العلويّة السورية. صحيح أن كليتشدار يميل مع آخرين إلى دعم النظام السوري، لكنّ الصحيح أيضا أنّه لا يمكنه التمرّد على ما يطلبه منه الأميركيون. هؤلاء يصرّون، إلى إشعار آخر، على مثول رئيس النظام السوري أمام محكمة دولية!
بشّار الأسد في تركيا أمام خيارين أحلاهما مرّ…
العرب
——————————–
تساؤلات عن الموقف الأميركي.. هل تنجح المبادرة الأردنية في إعادة تأهيل نظام الأسد؟
سوريا.. مبادرة أردنية برسم الدعم الأمريكي تعيد إنتاج النظام السياسي من البوابة العربية
إبراهيم قبيلات
عمّان- تنشط هذه الأيام الخارجية الأردنية وما حولها من مطابخ السياسة في العاصمة الأردنية، مدفوعة بهاجس تحقيق اختراق سياسي ينهي حالة الفتور مع النظام السوري، وذلك عبر وضع حد للقطيعة بين دمشق والدول العربية، بما يريح خاصرة الأردن الشمالية من خطر انتشار العصابات المسلحة، وتهريب الأسلحة والمخدرات.
إضافة إلى ذلك، تتطلع عمّان إلى تصدير الطاقة الكهربائية إلى لبنان وسوريا، وهو الملف الذي شهد خطوات متسارعة قبل نحو عام، في أعقاب تفجير ميناء بيروت، إلى جانب سعي الأردن للحصول على استثناءات من عقوبات قانون “قيصر” الأميركي بحق نظام الرئيس السوري بشار الأسد والمتعاونين معه.
الحرب في أوكرانيا، وتشابك المصالح التركية الروسية في المنطقة، والإعلان عن قرب استئناف العلاقات السعودية الإيرانية برعاية صينية، وتسارع وتيرة التقارب العربي مع دمشق؛ تلك أسباب أجملتها مصادر سياسية للجزيرة نت بوصفها ظروفا أسهمت في خلق بيئة مناسبة لنجاح المبادرة الأردنية لحل سياسي في سوريا.
يأتي ذلك في الوقت الذي أعلن فيه التلفزيون السعودي الرسمي مساء الخميس أن المملكة تجري محادثات مع سوريا لاستئناف تقديم الخدمات القنصلية بين الطرفين.
وكانت وكالة رويترز للأنباء نقلت عن مصادر -وصفتها بالمطلعة- قولها إن سوريا والسعودية اتفقتا على إعادة فتح سفارتيهما، بعد قطع العلاقات الدبلوماسية قبل أكثر من عقد.
أهداف الأردن من المبادرة
رغم تسارع الدبلوماسية فإنه لا أحد يمتلك تصورا واضحا بشأن “المبادرة العربية للحل في سوريا”، التي أعلنها وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في سبتمبر/أيلول الماضي، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
كما أن الغموض يكتنف دعمها من جهات دولية، لكن التعاطي الغربي -خصوصا الأميركي- انتعش بعد الاستثناءات التي مُنحت للنظام السوري بعد الزلزال الذي ضرب شمالي سوريا وجنوبي تركيا الشهر الماضي.
وبالنسبة لمدير الأمن السابق الفريق المتقاعد حسين الحواتمة، فإن “التعايش مع النظام السوري الضعيف أفضل من بروز قيادة سورية غير ناضجة وبدء صراعات عربية-عربية، في وقت يعاني فيه الأردن من أزمة اقتصادية وجمود عملية السلام”، حسب حديثه للجزيرة نت.
أما المحلل السياسي عامر السبايلة، فيرى أن الأردن هو المتضرر الأكبر من الأزمة السورية، معبّرا عن تفهمه سعي الأردن الرسمي -بمختلف مستوياته- إلى حماية أمنه الداخلي، إذ تجاوز الضرر المحاور الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية، إلى الجريمة والمخدرات، فضلا عن التغيرات التي أصابت الأولويات الدولية، في ضوء حرب أوكرانيا، وإخفاق قمة الجزائر في إعادة سوريا إلى الجامعة العربية.
وفي حديثه للجزيرة نت، أشار السبايلة إلى أن الأردن يقود المبادرة بوصفه “شريكا جغرافيا لسوريا، ومتأثرا على كل المستويات؛ اقتصاديا وديموغرافيا وأمنيا، وحليفا للولايات المتحدة، ولديه تواجد عسكري أميركي، مما يمنحه فرصة عرض مخاوفه على الولايات المتحدة بوضوح ودون قيود”.
ولا يعتقد السبايلة أن الأردن يعرف ما الذي يستطيع تقديمه تحت عنوان “المبادرة العربية لحل سياسي في سوريا”، بل إنها أقرب لفكرة مجسات وبالونات اختبار، يستخدمها ليعرف مدى مرونة كل طرف، وقدرة السوريين على التنازل؛ فالصيغة النهائية غير واضحة، لا سيما أن النظام السوري يعتقد أنه بلا معارضة، أو للدقة “المعارضة فقدت زخمها واهتمامها الدولي، وبالتالي فإن النظام السوري ليس مضطرا لتقديم تنازلات”.
الموقف الأميركي
ولفت عامر السبايلة إلى أن أهم معوقات المبادرة تكمن فيما تراه العين الأميركية في سوريا، والتي تتركز على الوجود الروسي العسكري.
في موازاة ذلك، يفصل رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب خلدون حينا بين نجاح المبادرة العربية وضرورة توفر الدعم والإسناد الأميركي.
وفي حديثه للجزيرة نت، يقول حينا إن “زيارة بشار الأسد لبعض الدول العربية دليل واضح على قدرة المبادرة على الحياة من دون الدعم الأميركي”، وهو ما يناقض قول السبايلة، الذي يجزم بأن “ما يحدد نجاح المبادرة من عدمه هو قوة الدعم الغربي والأميركي”.
ويتكتم خلدون حينا على بنود المبادرة وتفاصيلها، ويرجع ذلك إلى أهمية سرية التباحث بين الأطراف المعنية، متوقعا للمبادرة النجاح، وقبول ها من قبل النظام السوري فور إعلانها.
وفي هذا السياق، أبلغت مصادر سياسية الجزيرة نت أن “من المبكر جدا الحكم على نجاح المبادرة من عدمه، لكن هناك تواصل عربي-عربي، على مختلف المستويات، أما دوليا فهناك أزمات أثرت سلبا على فرص التوافق الدولي في سوريا؛ مثل الملف النووي الإيراني والحرب الأوكرانية.
تباين المواقف الغربية من الحل السياسي في سوريا حتى اللحظة، وتشدد موقف الاتحاد الأوروبي من النظام السوري؛ يدفعان الدول العربية للتفكير في مصالحها بعيدا عن الاعتبارات الخارجية، حسب ما ترجحه المصادر.
وكان بشار الأسد زار سلطنة عُمان، في سلوك فُهِم أنه محاولة لفتح خطوط أميركية، لكن الزيارة لم تنجح على ما يبدو، حسب ما يقوله السبايلة، الذي يقرأ زيارة الأسد لروسيا، والحديث عن قواعد عسكرية روسية جديدة في سوريا؛ بمثابة الرد برسائل متعددة الاتجاهات.
والثلاثاء الماضي، أكدت الولايات المتحدة معارضتها تطبيع العلاقات مع بشار الأسد بعد أن أجرى زيارة -الأحد الماضي- هي الثانية له خلال سنتين إلى دولة الإمارات.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيدانت باتيل -في تصريح للصحفيين- “لن نطبع العلاقات مع نظام الأسد”، مشددا على أن الإدارة الأميركية لا تشجع أحدا على هذا التطبيع في ظل غياب أي تقدم حقيقي نحو حل سياسي.
وتابع المتحدث الأميركي “نحض جميع المنخرطين مع دمشق على التفكير بصدق وتمعن في الكيفية التي يمكن أن يساعد بها انخراطهم في تلبية احتياجات السوريين أينما كانوا يعيشون”.
المصدر : الجزيرة
———————————-
واشنطن تدعو لعدم التطبيع مع الأسد وتركيا تطمئن المعارضة السورية
دعت الولايات المتحدة -أمس الثلاثاء- دول العالم للامتناع عن تطبيع علاقاتها مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وذلك تعليقا على التقارب التركي الأخير مع هذا النظام برعاية روسية، كما جددت أنقرة وعودها للمعارضة السورية بعدم الخذلان.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس للصحفيين “نحن لا ندعم الدول التي تعزّز علاقاتها أو تعرب عن دعمها لإعادة الاعتبار لبشار الأسد الدكتاتور الوحشي”.
وطالب برايس دول العالم بأن تدرس بعناية سجل حقوق الإنسان “المروّع” لنظام الأسد على مدى السنوات الـ 12 الماضية، في الوقت الذي يواصل فيه ارتكاب فظائع ضد الشعب السوري ويمنع وصول مساعدات إنسانية منقذة للحياة إلى محتاجيها في المناطق الخارجة عن سيطرة قواته، حسب قوله.
ويأتي ذلك بعدما شهدت موسكو الأربعاء الماضي اجتماعا ضمّ وزراء الدفاع ورؤساء المخابرات لكل من روسيا وتركيا والنظام السوري، وهو أول لقاء رسمي يعقد على مستوى وزاري بين أنقرة ونظام الأسد منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011.
“لم نخذل المعارضة”
من جهة أخرى، قال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن إن اللقاء الأخير في موسكو كان الأول وستتبعه لقاءات أخرى، موضحا أن موقف بلاده يتلخص في مواصلة المسار الدستوري والمفاوضات السياسية في ضوء قرار الأمم المتحدة ذات الصلة.
وأضاف أن المخاوف الرئيسية لتركيا بشأن سوريا تتمثل في استمرار الحرب والتهديدات الإرهابية وتفاقم الأزمة الإنسانية، وأن بلاده حريصة على ضمان العودة الآمنة والطوعية والكريمة للاجئين السوريين في إطار معايير الأمم المتحدة.
واعتبر قالن أن التوصل إلى نتائج إيجابية يتعلق بالخطوات التي سيقدم عليها النظام السوري ونواياه ومنظوره بعد الآن، وفي حال تجاوب هذا النظام مع “النوايا الحسنة” لتركيا فإنه يمكن الإقدام على خطوات فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب وعودة اللاجئين عبر التنسيق مع موسكو.
كما أكد دعم تركيا للمعارضة السورية منذ بداية الأزمة وحتى الآن، وأنها “لم تخذلها إطلاقا” لافتا إلى أن وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو التقى الثلاثاء مع قيادات من المعارضة لطمأنتهم مجددا.
وكان جاويش أوغلو قد التقى أمس في أنقرة رئيس الائتلاف الوطني السوري سالم المسلط بحضور رئيس هيئة التفاوض السورية بدر جاموس ورئيس الحكومة السورية المؤقتة عبد الرحمن مصطفى.
ووفق الدائرة الإعلامية للائتلاف الوطني السوري، بحث الجانبان مستجدات الملف السوري، وأكد المسلط أن تركيا حليف قوي لقوى الثورة والمعارضة السورية، وداعم كبير لتطلعات السوريين في تحقيق الحرية والكرامة والديمقراطية.
وأكد المسلط أن “قوى الثورة والمعارضة السورية معنية وحريصة كل الحرص على تفعيل العملية السياسية، وهو ما تطالب به دائما، من أجل إنهاء معاناة الشعب السوري عبر الوصول إلى الانتقال السياسي الكامل الذي يؤسس لمرحلة جديدة في سوريا قائمة على العدل والمساواة، ويعيد الأمن والاستقرار لسوريا وبلدان المنطقة”.
وحمل رئيس الائتلاف الوطني السوري نظام الأسد “كامل المسؤولية” عما حدث ويحدث في البلاد، وشدد على “التمسك بمطالب الشعب السوري ومبادئ الثورة السورية”.
المصدر : الجزيرة + وكالات
———————————-
لا ترموا المال العربي الجيد وراء السيئ في سوريا/ أندرو تابلر
تتفهم واشنطن أن دولا عربية تريد من الأسد أن وقف الكبتاغون
بعد مضي شهرين على الزلزال المدمر، الذي ضرب جنوبي تركيا وشمالي سوريا يوم 6 فبراير/شباط الماضي، يبدو أن عودة سوريا إلى “الحضن العربي” مجددا باتت محل ترحيب. فقد زار بشار الأسد سلطنة عُمان، والإمارات العربية المتحدة (وبين من كانوا معه زوجته أسماء)، كما زار وزير الخارجية السوري فيصل المقداد القاهرة، واستقبلت دمشق تسعة وفود مختلفة من المسؤولين العرب، بينهم وزراء خارجية مصر والأردن والإمارات.
واشارت “رويترز” إلى أن المملكة العربية السعودية، المعروفة بثقلها الكبير في الخليج، ربما تدعو الاسد الى القمة العربية في الرياض في مايو/أيار المقبل.
وبعيدًا عن محيطه العربي، زار الأسد أيضا حلفاءه في موسكو، ورحب بوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، وقائد “فيلق القدس” التابع لـ “الحرس” الإيراني إسماعيل قاآني، ليس مرة واحدة، بل مرتين.
وبعد مضي فترة قصيرة على تولي الرئيس الأميركي جو بايدن منصبه عام 2021، بدأت الأردن وأبوظبي جهودا منفصلة للتواصل مع الأسد، على أن نضع في الاعتبار الاختلاف الطفيف في أهداف كل منهما. فقد أعاد الأردن فتح معبر جابر- وهو أهم معبر على حدوده الشمالية مع سوريا- بعدما عانت المملكة الأردنية تحت وطأة مئات الآلاف من اللاجئين السوريين، بالإضافة إلى اللاجئين من العراق ومن أماكن أخرى.
كما أن حدود الأردن الشمالية المغلقة قيدت حركة عبور البضائع ( الترانزيت) المربحة من بلاد الشام إلى الخليج العربي. بالإضافة إلى أن الأردن ومصر معا، قدمتا أيضا مشروعا لنقل الغاز الطبيعي المصري والإسرائيلي، والكهرباء المولدة في الأردن عبر سوريا إلى لبنان، التي انهار فيها قطاع الطاقة بشكل أساسي.
وفي مقابل ذلك، سيحصل الأسد على 8 في المئة دفعة عينية من الغاز والكهرباء، اللذين يعانيان بدورهما من شح شديد، بسبب ما ألحقته الحرب من أضرار في البنية التحتية، بالإضافة إلى العقوبات التي قيدت الحصول على قطع الغيار اللازمة. لكن كلتا المقاربتين لم تسفرا عن شيء. فسرعان ما غرقت حدود الأردن الشمالية في التهريب غير المشروع للكبتاغون والأسلحة، مما أدى إلى عدة عمليات اعتراض بارزة في الأردن. بينما عُلّق مشروع الغاز والكهرباء لأن السياسيين اللبنانيين فشلوا في الاتفاق على الإصلاحات الضرورية للحصول على تمويل من البنك الدولي.
وبدا تواصل أبوظبي مع الأسد مفاجئاً، لكنه مستمد مما يريده الأسد حقاً- المال مع قليل من الالتزامات الواجب الوفاء بها. لقد سعت الإمارات طيلة الحرب منافسة قطر، وكذلك وحليفتها في سوريا، أي تركيا، التي تسيطر على مساحة معتبرة في شمال غربي سوريا. كما حاولت أبوظبي إعادة فتح سفارتها في دمشق عام 2018، اعتقاداً منها أن التواصل مع الأسد سيجعل وضع تركيا في سوريا بالغ الصعوبة. غير أن أبوظبي، مع انحسار التوتر بينها وبين كل من قطر وتركيا، باتت تركز على الحد من النفوذ الإيراني- الميليشيات والأسلحة- في سوريا.
تدرك أن الأسد بحاجة ماسة إلى المال، الذي لا يمكن أن تقدمه له سوى دول عربية غنية، لإعادة بناء سوريا. وكما يقضي المنطق، يمكن استخدام القليل من الاعتراف وشيء من الدولار لإعادة الإعمار، يمكن استخدامهما كجزرة لتغيير منطق بشار على طاولة المفاوضات مع المعارضة، وربما تقليص اعتماده على إيران، وهو الأهم، لصالح الدول العربية- التي بات العديد منها متحالفا مع إسرائيل كجزء من “اتفاقيات إبراهام”.
وبالطبع، ما يكبح كلا المجهودين هو العقوبات الأميركية والأوروبية والعربية المفروضة على سوريا. وقد يؤدي الارتباط العربي مع الأسد إلى إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية، التي عُلّقت عضويتها منذ عام 2011، كرد على ما فعله الأسد بالانتفاضة- وقد تؤدي هذه العودة، إلى رفع العقوبات العربية عن سوريا، وهي عقوبات تعيق التجارة وغيرها من القضايا.
ولكن من الناحية العملية، يستحيل رفع العقوبات الأميركية والأوروبية دون تغيير جوهري في سلوك الأسد. وإذا كانت العقوبات الأميركية على سوريا تعود إلى عام 1979، فإن النصيب الأكبر من هذه العقوبات سببه رد فعل نظام الأسد تجاه الانتفاضة، وقانون “قيصر”، الذي سمي على اسم ذلك المصور الشجاع لدى النظام، الذي قام بتهريب المئات من صور الدولة السورية للضحايا، بعد أن تعرضوا للتعذيب في معسكرات (غولاغ) الأسد، هذا القانون بعقوباته الأشد قوة، يمنع مباشرة تمويل أنشطة إعادة الإعمار في سوريا. والأهم من ذلك، أن هذه العقوبات لها آثار ثانوية، بمعنى أنها تنطبق على أي شخص تلمس يده هذه الأنشطة.
يتضح من شلال الزيارات، التي قام بها مسؤولون عرب ومسؤولون إقليميون آخرون إلى دمشق، أنهم يرون فرصة لتعليق الجزرة أمام ناظري الأسد، ويعود سبب ذلك إلى إصدار الترخيص العام لمدة 180 يومًا، أو الإعفاء المؤقت من العقوبات، الذي أصدرته وزارة الخزانة الأميركية يوم 9 فبراير الماضي تحت عنوان “السماح بالمعاملات المتعلقة بجهود إغاثة ضحايا الزلازل في سوريا”. ولماذا لا يفعلون ذلك؟ فقد قال المسؤولون الأميركيون صراحة، إن الترخيص صدر استجابة لطلبات “الحكومات الإقليمية” التي لا تريد أن تتعرض للعقوبات. كما سمحت واشنطن بتنفيذ معاملات الإغاثة لضحايا الزلزال، التي لم تُحدد، مباشرة مع “الحكومة السورية”- المعروفة أيضا بنظام الأسد.
لكن هذا لا يعني أن سياسة الولايات المتحدة الخاصة بسوريا قد تغيرت، أو أن العقوبات على وشك رفعها، من أجل إعادة الإعمار. لا فرصة لحدوث ذلك. فالترخيص العام ينتهي في أغسطس/آب المقبل، وبينما يحل “غروب” مفعول “قانون قيصر” عام 2024، فمن المؤكد تقريباً أنه سيمدد، كما يتضح من تصويت على قرار الكونغرس يوم 27 فبراير الماضي، الذي يدين “جهود نظام الأسد لاستغلال الكارثة في التهرب من الضغط والمساءلة الدوليين”.
وحتى لو انتهى “قانون قيصر”، فستبقى طبقات متعددة من العقوبات على صادرات النفط السوري والتصنيفات؛ بغض النظر عن الحزب الذي يسيطر على البيت الأبيض. وهناك عقوبات جديدة على الطريق، حيث يقضي قانون تفويض الدفاع القومي لعام 2023 بأن تضع إدارة بايدن استراتيجية مشتركة بين الوكالات لتفكيك وتعطيل إنتاج نظام الأسد للمخدرات والإتجار بها.
الطريقة الوحيدة لتخفيف العقوبات الأميركية على سوريا- ناهيك عن رفعها- هي أن يغيّر الأسد سلوكه بشكل جذري. وتتفهم واشنطن أن دولا عربية تريد من الأسد أن يوقف تدفق الكبتاغون من سوريا جنوباً إلى الأردن ثم إلى الخليج والدول العربية، حيث يقول مسؤولون عنه إنه “يدمن جيلاً”.
لكن واشنطن كانت واضحة في أن على الأسد أن يهيئ الظروف لعودة السوريين إلى ديارهم دون خوف من التجنيد أو الاحتجاز أو الاختفاء. وعلى الأسد أن يمضي قدمًا في عملية قرار مجلس الأمن رقم 2254، بما في ذلك التحرك في موضوع اللجنة الدستورية، دون الاقتصار عليها وحدها.
أما إذا لم يكن هناك تقدم، فإن الدول العربية، التي تطبّع علاقاتها مع الأسد، وتنخرط في إعادة الإعمار، ستتعرض بالتأكيد لعقوبات من وزارة الخزانة. وما لم تحدث تغييرات كبيرة في الطريقة التي يحكم بها الأسد البلد ويدير شؤونه، بما في ذلك تساهله مع الميليشيات والأصول الإيرانية الموجودة على الأراضي السورية ومنشآت إنتاج الكبتاغون، فستكون هذه محاولة أخرى لإلقاء أموال عربية جيدة وراء سيئ، لتعويض خسائرهم المستمرة مقابل نفوذ إيران في بلاد الشام.
المجلة
——————————-
ما بعد الكارثة/ مارك بييريني و فرانشيسكو سيكاردي
في حقبةٍ من العمل الدبلوماسي الذي يركّز على الإعلام، شكّل مؤتمر المانحين لدعم متضرّري الزلزال، الذي انعقد في 20 آذار/مارس في بروكسل، بدعوة من رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيس وزراء السويد أولف كريسترسون، عرضًا في السياسة من جميع الأطراف، بدءًا من مؤسسات الاتحاد الأوروبي، والدول الأعضاء في الاتحاد، ومرورًا بمنظمة الأمم المتحدة، ووصولًا إلى القيادة التركية، وحتى السلطات السورية الغائبة عن المؤتمر. وبلغت قيمة الأموال التي تعهّد المانحون بتقديمها نحو 7 مليارات يورو (ما يعادل نحو 7.5 مليارات دولار)، وهذا مبلغ لا يستهان به، لكن هذا المؤتمر كان الجزء السهل، إذ ينبغي الآن تنفيذ هذه التعهدات بحذر.
بدا المؤتمر مُلفتًا من نواحٍ عدة، عند مشاهدته من غرف الأخبار. فقد دُعيت الحكومة التركية للمشاركة، لكن سورية لم تشارك لأن الاتحاد الأوروبي لا يعترف بشرعية حكومة الأسد، ما أدّى إلى احتجاج دمشق. ونجحت أنقرة في جعل الرئيس رجب طيب أردوغان يتحدّث من خلال مداخلة عبر الفيديو، وهي خطوة ذكية نظرًا إلى سياق الانتخابات المرتقبة في تركيا. كان كريسترسون حاضرًا، آملًا ربما في إجراء محادثات جانبية مع المشاركين الأتراك حول انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهي خطوة ما زالت أنقرة تعطّلها، لكنه لم ينجح في ذلك. وطلبت تركيا واليونان غرفة خاصة لعقد جلسة ثنائية في إطار دبلوماسية الزلزال، أدّت إلى تبادل مبادرات دبلوماسية مرتبطة بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والمنظمة البحرية الدولية.
ونجحت فون دير لاين، وهي المسؤولة الوحيدة المشاركة من الذراع التنفيذي للاتحاد الأوروبي، في إظهار أن من الممكن التعامل مع كارثة مهولة بكرامة وسرعة، على الرغم من الاعتداء على أوكرانيا والتحدّي الكبير الذي يهدّد أمن الطاقة الأوروبي. وأعلنت قائلةً: “بالتعاون مع شركائنا، قمنا بجمع 7 مليارات يورو إجمالًا لدعم شعبَي تركيا وسورية، في أعقاب الزلازل المدمّرة… لقد أظهرنا للعالم أننا ندعم المحتاجين. ونحن دائمًا نقف إلى جانب شركائنا”.
المُلفت في التعهدات هو التفاوت بين المبلغ الذي جُمع لسورية (911 مليون يورو على شكل مِنح)، وذلك الذي خُصِّص لتركيا (أي مِنح بقيمة 1.7 مليار يورو وقروض بقيمة 4.29 مليارات يورو). يمكن تفسير ذلك جزئيًا من خلال أسباب ثلاثة هي: أولًا، تكبّدت تركيا الأضرار الأكبر من جرّاء الزلزال. وثانيًا، تخضع منطقة شمال شرق سورية لسيطرة أطراف سياسية عدّة، ما يزيد من تعقيد عملية صرف الأموال هناك. وثالثًا، تبدي معظم المنظمات الدولية تردّدًا حيال تقديم قروض إلى النظام السوري المُفلس والفاسد. وستتولّى منظومة الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية المُعترف بها دوليًا إدارة المنح المُخصَّصة لسورية.
سيستخدم الاتحاد الأوروبي مجموعة من الأدوات المالية، إذ سيقدّم مساعدات إنسانية من المديرية العامة للمساعدات الإنسانية والحماية المدنية التابعة للمفوضية الأوروبية لسورية وتركيا على السواء، ومن صندوق التضامن الأوروبي وآلية المساعدة لمرحلة ما قبل الانضمام وبنك الاستثمار الأوروبي لتركيا. لكن الطريق طويل من مبنى شارلمان البرّاق اللامع في بروكسل، وصولًا إلى أكوام الأنقاض في تركيا وسورية. واقع الحال هو أن المسائل التي ينبغي معالجتها في إطار عمليات إعادة تأهيل البنى التحتية المتضرّرة وإعادة إعمار المنازل المدّمرة تنطوي على صعوبات جمّة.
ستكون مهمّة المسؤولين عن تنفيذ التعهدات مليئة بالتحديات، نظرًا إلى تعدُّد الجهات المانحة، التي يمتلك كلٌّ منها إجراءاته الخاصة حول “المساعدات الإنسانية” أو “التعافي المبكر” أو “إعادة التأهيل” أو “إعادة الإعمار”. وقد يؤدّي واقع أن المشاركين في المؤتمر لم يُبلوروا رؤية واضحة لمشاريع ما بعد الزلزال إلى نقص الشفافية في عملية التنفيذ. وهذا الخطر قائم في أي عمليات دعم في أعقاب الكوارث، لأن حكومات الدول المتضرّرة تحرص على إظهار أنها تتّخذ إجراءات فورية. وينطبق ذلك بشكل خاص على تركيا التي من المقرّر أن تُجري انتخابات رئاسية وتشريعية في شهر أيار/مايو. أما النظام السوري المنخرط في عملية مصالحة سياسية مع دول الخليج، فيتوقّع ربما الحصول على تمويل إضافي من المنطقة في إطار هذا التقارب الناشئ.
تتمثّل إحدى المهامّ البديهية للجهات المانحة الدولية، ولو كانت صعبة، في ضمان الالتزام بمواصفات تشييد مبانٍ مقاومة للزلازل واستخدام موادّ بناء مطابقة للمعايير والحرص على حسن تنفيذها. فعشرات الآلاف من الضحايا وملايين السكان المتضرّرين في تركيا وسورية على السواء يستحقون بذل هذه الجهود. تُضاف إلى ذلك مسألة أخرى ينبغي التنبّه إليها، وهي المخاطر المُحدقة بصحة الإنسان والبيئة، إذ إن الافتقار إلى المياه الصالحة للشرب وخدمات الصرف الصحي يشكّل مصدر قلق بديهيًا، وكذلك كمية الأنقاض الهائلة (بما فيها مادة الأسبستوس والمواد الكيميائية) التي يتم التخلّص منها على عجل ومن دون أخذ الاحتياطات الللازمة.
في تركيا، قدّرت الأمم المتحدة بأن 15 مليون شخص تضرّروا بشكل مباشر جرّاء الزلزال، من بينهم 3 ملايين من دون مأوى، فيما انتقل مليونَي شخص آخرين إلى أجزاء أخرى من البلاد لتأمين فرص عمل والحصول على الرعاية الصحية والالتحاق بالمدارس. تحرم عمليات الانتقال الطوعية هذه مدنًا تركية كبرى مثل غازي عنتاب وكهرمان مرعش وشانلي أورفة من أفضل قواها العاملة، ما يشكّل خطرًا على قطاعَي التجارة والصناعة في المنطقة. في هذا الإطار، قد يتمكّن بعض اللاجئين السوريين في المنطقة من تولّي بعض هذه الأعمال الشاغرة، ما سيحدّ من طموحات أنقرة بإعادتهم إلى بلادهم.
أما في سورية، فقد ناهز عدد السكان المتضرّرين من الزلازل 9 ملايين شخص، ولا سيما في محافظتَي حلب وإدلب، بحسب وكالات الأمم المتحدة. وتأتي مهمة مساعدة ضحايا الزلزال لتُضاف إلى تداعيات حرب أهلية عمرها عقد من الزمن في شمال غرب سورية، حيث البنى التحتية لقطاع الرعاية الصحية مدمّرة أساسًا، ناهيك عن انتشار عدد كبير من النازحين داخليًا. وستُلقى مسؤولية تطبيق الرزمة الجديدة من المساعدات عقب الزلزال بشكل كبير على عاتق منظمات الأمم المتحدة العاملة أساسًا في المنطقة. لكن من الضروري توخّي الحذر لتفادي إحداث أي شكل من أشكال الهندسة الديموغرافية قي المناطق المحاذية للحدود مع تركيا.
عمومًا، كان التضامن الدولي قويًّا لمدّة ستة أسابيع بعد وقوع الزلزال. والآن، سيتطلّب تنفيذ التعّهدات البالغة قيمتها 7 مليارات يورو عزمًا ومثابرةً من الوكالات المعنية، التي ستواجه تاعيات الكارثة الهائلة من جهة، ومجموعة واسعة من القيود السياسية من جهة أخرى.
لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.
—————————–
تطبيع برسم التخريب/ صبا مدور
وسط الأضواء يدخل بشار الأسد قاعة اجتماع القمة العربية في الرياض، محاطا باهتمام عدسات التصوير، والحاضرين، يسير محاطا بمرافقيه وموظفي البروتوكول إلى مقعد سوريا الفارغ منذ أكثر من عقد، ويجلس حيث لا ينبغي له أن يكون، في حين يتابع عشرات الملايين الحدث عبر الشاشات متسائلين، عما إن كان هذا المشهد القريب من السريالية، هو إعلان نهائي بانتصار القاتل على ضحاياه، أم أنه مجرد مرحلة في درب آلام سوري طويل، لن يقدر له أن ينتهي، لا هو ولا الثورة التي ولدت لتنهيه.
لن نستبعد مثل هذا المشهد، فهو يبدو أقرب اليوم من أي وقت مضى منذ انطلقت الثورة بدعم شعبي عربي، تماهى معه النظام الرسمي، حينما قام بعزل النظام المجرم، ورفض أن يقبل وسطه عصابة مجرمة تقتل السوريين وتتعامل معهم كما تعاملت مع اللبنانيين من قبل بطريقة العصابات وقطاع الطرق لا كرجال دولة وحكم. حينها شعر السوريون أنهم ليسوا وحدهم، وكان أن حققوا منذ وقت مبكر تقدما على عدوهم في الميدان كاد أن يطيح به لولا انتكاسة، ما زال أمرها مشوشا، وستحتاج بعد كل ما حدث إلى فضح، هو أبسط ما يستحقه الشعب وضحاياه.
عودة الأسد للنظام العربي، ليست مفاجئة ولا شاذة عن طبيعة السياسة وتقلبات الأحوال، فقد طال بالثورة الأمد، وتعقدت أوضاع المنطقة، وعلاقات الدول الكبرى، وبات بعض الرسميين العرب يتحدثون عن مقاطعة نظام الأسد بوصفه نمطا من ترف جيوسياسي لا تحتمله الأوضاع المستجدة، ولا تطوراتها المحتملة، وهو ما برر به هؤلاء تطبيع العلاقات مع النظام.
وسيكون من المربك أن يبادر نظام عربي للتقارب من الأسد من دون أن يحسب حسابا لما فعل مع سوريا وشعبها، بل حتى النظام العربي بأكمله، وما كبده من خسائر جوهرية، تضمنت خصوصا، تمكين إيران وتحويل سوريا إلى قاعدة متقدمة لمشروعها العدواني في المنطقة، وفتح الأبواب للإرهاب، فكل ذلك سيتعدى التعامل مع قاتل ورأس رمح إيراني، ليبلغ حد التواطؤ معه، ومشاركته جرائمه، ولن يقدم نظام سياسي عاقل حريص على مصالحه، ناهيك عن سمعته الإنسانية على أن يفعل ذلك، لكن عجلة التطبيع تجري بعكس هذا الاتجاه والاعتبارات.
وقد ذهبت بعض التحليلات والتسريبات إلى أن التطبيع مع النظام في دمشق هو مجرد بداية لـ (احتواء) النظام وفصل ارتباطه مع إيران، وربما يكون هناك (مشروع) عربي لإيجاد حل للقضية السورية، أو على الأقل أن يكون للعرب مقعد على طاولة الحل الذي يبدو أنه يحث الخطى بقيادة روسية وبمشاركة إيران وتركيا إلى جانب النظام، لكن أيا من هذه الرؤى الافتراضية، لا تبدو منطقية أو قابلة للتحقق في ظل تسارع التطبيع من دون ضمانات واضحة، ولا تغيير من أي نوع في سلوك النظام أو مقارباته الداخلية والخارجية، بل إنها يمكن أن تقدم رسائل خاطئة توحي للأسد بأنه قد (انتصر) على النظام العربي، وليس في وارد الاستجابة لأي من المطالبات الخاصة بفك ارتباطه مع إيران أو التوقف عن قمع شعبه.
ليس متوقعا أن المطبعين قد فاتهم أن نظام الأسد بعد 12 سنة من المقاطعة قد تحول من عنصر عبث بالأمن العربي إلى حجر زاوية في المشروع الإيراني ضده، ولن تخدعنا بالطبع حالة المصالحة الحالية في المنطقة، فطهران تعتبر سوريا خط دفاعها المتقدم، ومحور مشروعها التوسعي، وهي لن تضحي بذلك تحت أي ظرف، فذلك بعيد تماما عن الاستراتيجية الإيرانية المتواصلة منذ 44 عاما، وهو ما يخلق تشويشا واسعا عند السوريين عن المكاسب التي يمكن أن يحققها المطبعون لبلدانهم، فضلا عن أن الأمل بتعديل سلوك النظام تجاه شعبه هو نمط من الوهم المطلق، لا يستقيم أبدا مع طبيعة النظام، ومع تغول نظامه الأمني الإجرامي بل وسيطرته على الدولة بكل مرافقها، وتحوله إلى شبكة محكمة مرتبطة بشبكات الإرهاب، وتجارة المخدرات.
القضية الملحة اليوم، هي أن سوريا مهمة بذاتها ولا غنى عنها بسبب موقعها ودورها الاستراتيجي والمركزي في المنطقة، وهذا هو العنصر الجوهري الذي تركز عليه النظم المطبعة، لكن في حقيقة الأمر أن سوريا الحالية لا يمكن أبدا أن تكون عنصر دعم للنظام العربي مهما كانت مغريات الحفاوة بالأسد وأركان نظامه، فهؤلاء لم يعودوا أصلا أصحاب قرار مستقل حتى لو كان لمصلحة النظام دون مصالح سوريا، وقد ارتهنوا لإيران وبعدها روسيا، نظير دعم النظام ضد شعبه، وتثبيت سلطته كأمر واقع يبدو النظام الرسمي العربي كأنه يخضع له اليوم.
لقد تبدى بوضوح لسوء الحظ أن البعض يمكن أن يطبع مع النظام السوري دون اعتبار لما قام به تجاه شعبه، متذرعا بغلبة المصالح، والواقعية السياسية، لكن المشكلة هي في أن بعض الساعين للتعامل مع الأسد يجب ألا ينتظروا من الأخير أن يكون لحضوره في القمة العربية المقبلة أهمية في تغيير أقدار المنطقة أو تعزيز قوتها، وما سيحصل هو العكس تماما، ولن تخدعنا مظاهر البروتوكول والأضواء وحفاوة استقبال رئيس النظام، في اليقين من أنه لن يمثل سوريا بقدر تمثيله لمصالح المحور الذي يعمل لصالحه، محور إيران وتجار الكبتاغون.
تلفزيون سوريا
——————————
خطاب الأسد في القمة المقبلة/ عمر قدور
حسب الأخبار الواردة يوم الأحد، صار في وسع بشار الأسد إعداد خطابه أمام القمة العربية المقبلة التي ستستضيفها الرياض في التاسع عشر من الشهر المقبل. حسب الأخبار أيضاً، سيزور دمشق وزير الخارجية السعودي قريباً لتسليم الأسد رسمياً الدعوة إلى حضور القمة، وكان فيصل مقداد وزير خارجية الأسد قد زار القاهرة يوم السبت، في إشارة أخرى على مدّ التطبيع العربي مع الأسد، أو في ما قد يكون إشارة إلى انخراط مصري في الوساطة بين الأسد والرياض.
تأخرت دعوة الأسد إلى محفل القادة العرب، إذ لم تكن دعوته مستبعدةً إلى مؤتمر قمة الجزائر في بداية شهر نوفمبر 2022، وحينها انقسم القادة العرب بين متحمس وبين من يطلب التمهّل ليس إلا، ولم تُسجَّل معارضة معلنة سوى القطرية. في المحصلة يبدو ذلك من حسن حظ الأسد، فدعوته من قبل الجزائر ليس فيها من الرمزية ما تحمله دعوة الرياض، ولو كانت قد حدثت فهي لن تدشّن الدفء في العلاقات بينه وبين الدول التي حسمت أمرها أخيراً، وأهمها السعودية.
إذاً، سيكون الأسد مدعواً من البلد الذي كان قبل عشر سنوات من أهم داعمي الثورة عليه، وذلك من ضمن الصراع الشيعي-السنّي في المنطقة، مع عدم استبعاد الجذور الثنائية للقطيعة على خلفية دور الأسد “قبل الثورة” في لبنان والعراق لصالح النفوذ الإيراني. يُذكر أن وزير خارجية السعودية الأسبق عادل الجبير استمر تقريباً حتى نهاية عهده في التأكيد على أن الأسد سيرحل عسكرياً أو سياسياً، رغم حدوث التدخل العسكري الروسي بعد شهور قليلة من استلامه المنصب، بما عناه ذلك التدخل من طي صفحة إسقاط الأسد عسكرياً.
بناءً على المواقف السابقة للبلد المضيف، يدخل الأسد الرياض منتصراً، فهو لم يتغير على الإطلاق، والذي تغيّر هو موقف أعداء الأمس منه. وإذا كانت دعوته ثمرة المطالب الروسية القديمة من الرياض تحديداً، أو ثمرة إنهاء القطيعة بين الأخيرة وطهران، فهذا لا يبدّل أو يقلل من انتصاره بجهود حلفائه، فهو بقي في منصبه بجهودهم كما أعلن مسؤولون روس وإيرانيون في العديد من المناسبات، وذلك لم يؤثّر في خطابه تجاه خصومه السوريين أو الإقليميين. بمعنى أن الأسد لا يرى نفسه ضعيفاً بموجب الظروف وموازين القوى التي أبقت عليه، ومن المرجح أن يرى نفسه يستهل مرحلة جديدة من النصر وهو يعود إلى مكانه بين القادة العرب، وكأنه ليس صاحب أفظع إبادة وتهجير في هذا القرن.
نجزم، بحكم معرفة مبنية على تجارب مسبقة، أن الأسد بحضوره القمة العربية سيلقي خطاباً يُفهم على أنه خطاب نصر على أولئك الذين قبلوا التطبيع معه. وسيكون خطاباً يعوّض به خطابات اثني عشر عاماً لم يحضر فيها مؤتمرات القمة، ومهما تحاشى الإشارات المباشرة إلى مجريات تلك السنوات فستكون حاضرة. من المستبعد مثلاً ألا يتحدث الأسد عن “المؤامرة الكونية” التي تعرّض لها حكمه، وصموده في وجهها ثم انتصاره، ومن الصعب “ولو على نحو غير مباشر” فهمُ أنه يستثني العرب من المشاركة في المؤامرة المزعومة، أما الفهم الأقرب إلى المقصود فهو أنه انتصر عليهم بوصفهم جزءاً من المؤامرة.
مع اعتباره هؤلاء جزءاً من التآمر عليه، قد يحضر استعلاؤه بإشارة ما إلى أسياد المؤامرة الكونية، وهو لا يقبل بأن يكون السادة أقل من مستوى الدول العظمى، وأن يكون الباقون تابعين أو مغرَّراً بهم. هو سيعيد سرد الرواية التي دأب على تكرارها منذ اندلاع الثورة، وإذا كان قد شتم العرب مراراً فهو في العديد من المناسبات أسقط عنهم استحقاقهم العروبة، أي أنه في أحسن الأحوال يرى عودته إلى الجامعة العربية تصحيحاً لخطأ ارتكبه مَن هم أقل أحقية بالتواجد فيها. ليس الأمر أن الأسد ذاهب إلى القمة بنيّة إهانة نظرائه، لكن بطبيعته لا خيار أمامه سوى الإصرار على سرديته المعروفة، وقد يظهر ما سبق مكبَّراً وفاقعاً “كما كان في قمم سابقة” في حال الارتجال والخروج عن النص.
المفاوضات الحقيقية ستكون في الكواليس، وهناك ستكون لهجة الجميع غير محكومة بدواعي البروتوكول، خاصة إذا كان النقاش سيتطرق إلى تمويل إعادة الإعمار وفق ما ينقله موقع الميادين عن صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية. وهي مفاوضات لن تتجاوز في أقصى الأحوال تمويل مشروعات توافق عليها واشنطن تحت عنوان الإنعاش المبكر، والرياض ليس لديها أوراق ضغط أو مقايضة في سوريا، باستثناء استضافتها هيئة التفاوض بموجب تفاهمات فيينا، ولن يكون ذا تأثير يُذكر رميُها ورقة الهيئة، أو العودة “بسبب التفاهم مع الأسد” لمزاحمة أنقرة عليها.
لا بأس بالتذكير بأن التحرك العربي برمّته غير مطروح كواجهة لتحرك دولي تجاه الأسد، وفي أحسن أحواله بالنسبة للأخير قد يكون بمثابة اختبار لنواياه وطريقة تعاطيه مع التطبيع العربي. يُستحسن على هذا الصعيد قراءة تحرك الرياض كمحاولة لإحياء النظام العربي الذي كان لها فيه دور القيادة، ولا يمكن إحياؤه من دون رأب الانقسام المتعلق بالموقف من الأسد ومن حلف الممانعة الإيراني عموماً. أي أن الرياض تنظر إلى التطبيع معه من ضمن مقاربة أوسع، تريد فيها الحصول على مكاسب أو حل أزمات في بؤر أخرى غير سوريا.
لقد تأذى النظام الرسمي العربي كثيراً منذ انطلقت الثورات في أواخر عام 2010، ومن المؤكد أن معظم القادة العرب يريدون الانتهاء من ذيول الربيع العربي، والتعايشُ مع الأسد بكل ما يرمز إليه لا يؤرّقهم، ولن تؤرّقهم بينما يستعدون لمصافحته أو عناقه أن قاضية فرنسية ستصدر حكماً غير قابل للاستئناف على اثنين من كبار قادة مخابرات الأسد. أما النصف الآخر من التطبيع فهو مع سوريا كما هي عليه الآن، سوريا المقسَّمة إلى ثلاث مناطق رئيسية يسيطر الأسد على واحدة منها بحماية روسية-إيرانية. ومثلما يستطيع المتابع التنبؤ بخطاب الأسد يستطيع توقع ما سيسفر عنه بيان القمة تجاه هذا الوضع، إذ سيؤكد القادة بعمومية على وحدة وسيادة سوريا، وعلى تنفيذ قرارات الأمم المتحدة من دون تدخل خارجي، وللجولان والمطالبة بانسحاب إسرائيل منها حصة قديمة من الإنشاء المعتاد.
يكسب الأسد من القمة على قدر المساعدات الموعودة، بينما لا تخسر المعارضة شيئاً في السياسة لأن المطبّعين معه لا فعالية لهم في الملف السوري. الأهم أن عيون السوريين ستكون على نتائج الانتخابات التركية التي تسبق القمة بخمسة أيام، فمن أنقرة قد يصحّ الحديث عن تحول ذي وزن وتأثير على الأراضي السورية.
المدن
——————————
“واشنطن بوست”: إدارة بايدن يبدو أنها نسيت أمر سورية هذه الأيام
نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية مقالاً تحليلاً لكاتب العمود جوش روجين تطرق فيه إلى سلوك إدارة بايدن اتجاه سورية في الوقت الحالي، وكيف أنها باتت تغض النظر عن الكثير من “الأحداث المفصلية”، على رأسها محاولات إعادة تعويم الأسد والتحرشات المكثفة التي تنفذها ميليشيات إيران.
يقول كاتب المقال بحسب ما ترجمت “السورية.نت”، اليوم الجمعة: “يبدو أن إدارة بايدن قد نسيت أمر سورية هذه الأيام”، إذ أن التحركات الوحيدة التي اتخذتها خلال الأيام الماضية كانت ضمن ردود الفعل على الزلزال المدمّر أو الهجمات الأخيرة التي نفذتها الميليشيات الإيرانية.
كما “تخلت الإدارة عن القيادة الدبلوماسية لموسكو، في وقت تغض الطرف عن ترحيب دول الخليج بنظام الأسد مرة أخرى في الحظيرة الدبلوماسية”.
ويشير كاتب العمود روجين إلى أن أحد مسؤولي بايدن أخبره في السر أنهم “لا يرون أي خيارات جيدة للسياسة الأمريكية”.
ومع ذلك يضيف المقال أن “هناك العديد من الأشياء التي يمكن ويجب على حكومة الولايات المتحدة القيام بها لمنع الكارثة في سورية من أن تزداد سوءاً”.
وكان العشرات من المسؤولين الأمريكيين السابقين والخبراء وقادة المنظمات السورية قد أرسلوا، هذا الأسبوع إلى الرئيس بايدن ووزير الخارجية أنطوني بلينكين قائمة طويلة بالأشياء التي يجب على الإدارة القيام بها الآن.
وجاء في الرسالة: “لم يتم حل أي من القضايا التي تسببت في الصراع السوري، وأبرزها فظائع نظام الأسد وعدم قدرته أو رفضه للإصلاح”.
وأشارت إلى أن “العديد من أعراض الصراع تزداد سوءاً، من المعاناة الإنسانية، والاتجار بالمخدرات على نطاق صناعي، وتدفقات اللاجئين، والإرهاب، والصراع الجيوسياسي، والأعمال العدائية العرقية والطائفية”.
“مخطئة بشدة”
ويرى مقال الكاتب الأمريكي أن “واشنطن مخطئة بشدة إذا اعتقدت أن السماح للاعبين الإقليميين بإعادة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع بشار الأسد سيؤدي إلى مزيد من الاستقرار”.
وتدّعي الإدارة أن سياستها في معارضة تطبيع الأسد “لم تتغير”، لكن السوريين لا يشترون هذا الكلام، بينما يقولون إن التصريحات الأخيرة لمسؤولي بايدن ترقى إلى مستوى الموافقة الضمنية لشركاء الولايات المتحدة المفترضين الذين يتعاملون مع الديكتاتور السوري.
وعلى سبيل المثال، قالت باربرا ليف، كبيرة مسؤولي الشرق الأوسط في وزارة الخارجية في 9 من مارس/ آذار الحالي: “رسالتنا الأساسية كانت أنه إذا كنت ستتعامل مع النظام، فاحصل على شيء من أجل ذلك”.
في 19 مارس، استقبل حاكم الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد آل نهيان الأسد في أبو ظبي بتحية تضمنت طلقات مدفعية، ومثّلت رمزية مزعجة بشكل خاص في الذكرى الثانية عشرة للانتفاضة السورية، وفق المقالأ.
ولم يكن هناك ما يشير إلى أن الإمارات ربحت أي مزايا للشعب السوري مقابل الزيارة.، فيما امتنعت وزارة الخارجية الأمريكية عن انتقاد هذه الخطوة.
وقال معاذ مصطفى، المدير التنفيذي لمجموعة الطوارئ السورية، وهي مجموعة مساعدات أميركية سورية إن “إدارة بايدن خذلت الشعب السوري”.
وأضاف أن “خطر تهاون إدارة بايدن ودعمها الكامن للتطبيع مع الأسد هو أنها ستدعو دكتاتوريين آخرين لاتباع نفس السياسات”.
وتجاهلت وزارة الخارجية إلى حد كبير أقوى أداة متاحة لها لعزل الأسد – أي قانون قيصر، الذي سمح بفرض عقوبات على أي شخص يساعد النظام السوري.
وكان استخدامهم الأول والوحيد لهذه العقوبات هذا الأسبوع ضد مهربي المخدرات، في مخالفة للوعد الذي قال بلينكن خلال حملة عام 2020 إن إدارة بايدن ستنفذ القانون بالكامل.
وكتب زعماء لجنتي العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ ولجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب إلى بلينكن، الأسبوع الماضي، للتعبير عن أسفهم “للوتيرة البطيئة المخيبة للآمال للعقوبات”، بموجب قانون قيصر.
وأعرب السناتور روبرت مينينديز (ديمقراطي من نيوجيرسي)، رئيس لجنة العلاقات الخارجية، عن أسفه لافتقار إدارة بايدن لاستراتيجية شاملة لسورية، وحثّها على أخذ قائمة الخبراء على محمل الجد.
كما أوصوها بزيادة حجم المساعدات والوصول إلى المناطق المحررة، وتكثيف الدبلوماسية، وإعادة العلاقات مع تركيا، ومعالجة أزمة معتقلي “داعش”، ومواصلة الضغط على الأسد لوقف الفظائع المستمرة مع متابعة المساءلة.
“إهمال سلبي”
و”من المغري لأي إدارة أمريكية أن ترفع يدها عندما يتعلق الأمر بسورية”، لكن الاستراتيجية الحالية للإهمال السلبي ليست مستقرة ولا مستدامة، وفق ما يقول كاتب العمود الأمريكي جوش روجين.
ويوضح في مقاله: “إذا استمرت الاتجاهات الحالية، فسيتم إحياء تنظيم الدولة الإسلامية، وستمتد التوترات بين القوات المدعومة من تركيا والقوات المدعومة من الأكراد في شمال سورية إلى المزيد من إراقة الدماء”،
كما ستوسع إيران وروسيا نفوذهما، وسيعاني ملايين السوريين النازحين داخلياً ولن يعود ملايين اللاجئين إلى ديارهم أبداً.
في غضون ذلك “سيستمر الشركاء الخليجيون في التقرب من الصين، بينما سيستمر الأسد في الذبح، وسيتعلم القتلة الجماعيون في المستقبل أنه لا توجد مساءلة في انتظارهم”.
ويختم روجين مقالته بالقول: “من الصعب أن نتخيل أن سورية يمكن أن تزداد سوءاً – لكن يمكن أن يحدث ذلك وسيحدث إذا استمر تضاؤل اهتمام الولايات المتحدة وانخراطها”، مضيفاً أن “افتقار إدارة بايدن إلى الإستراتيجية لا يعفيها من المسؤولية عن العواقب القادمة لتقاعسها عن العمل”.
———————–
التقارب العربي مع الأسد.. مبادرة للحل أم “إعادة تعويم”؟
بزيارة وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد إلى العاصمة المصرية القاهرة، يوم السبت، تكون الخطوات العربية اتجاه الأسد قد ازدادت واحدة، بعدما شهدت الأيام الماضية الكثير من التحركات، انعكس البعض منها ضمن “إطار المبادرات والمباحثات”، بينما ترجمت أخرى على نحو أكبر باستقبال رسمي، تخلله “سجاد أحمر وطلقات ترحيب”.
ومن المقرر أن يجري المقداد ونظيره المصري، سامح شكري “مباحثات ثنائية تهم البلدين”، بحسب البيانات الرسمية، ومع ذلك تأتي هذه الخطوة المصرية تجاه النظام السوري ضمن جو عربي عام، كان آخر مستجداته بإعلان المملكة العربية السعودية بدء مباحثات رسمية مع دمشق، من أجل استئناف الخدمات القنصلية.
وفي حين تعتبر زيارة وزير خارجية الأسد إلى القاهرة الأولى منذ أكثر من عقد كان التأكيد الرسمي من جانب الرياض هو الأول من نوعه أيضاً منذ انطلاقة الثورة. وقبل هاتين الخطوتين كانت دولة الإمارات قد استقبلت رأس النظام، بشار الأسد وزوجته، بعد أسبوعين من استقباله في سلطنة عُمان.
وفي غضون ذلك وفي أعقاب كارثة الزلزال المدمّر قصد وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي دمشق والتقى المقداد وبشار الأسد، في وقت كان الوزير المصري سامح شكري قد اتخذ مساراً مشابهاً، بالتزامن مع الاتصال الهاتفي الذي أجراه عبد الفتاح السياسي مع رأس النظام.
ورغم أن هذه الخطوات العربية اتجاه نظام الأسد باتت أكثر ما يتصدّر المشهد السوري بشقّه السياسي، إلا أن النقطة التي ستصل إليها لا تبدو معالمها واضحة حتى الآن، وكذلك الأمر بالنسبة للأسباب التي دفعت هذه الدول لهكذا تقارب في الوقت الحالي، وما إذا كانت تمضي بناء على شروط ومحددات أم بسياق “أشبه للمجان”.
“توافق لا اتفاق”
على مدى الأشهر الماضية لطالما ردد الأردن مصطلح “المبادرة العربية” الخاصة بالحل السياسي في سورية في أثناء تحركاته للتواصل مع النظام السوري، وبينما لم يكشف التفاصيل والبنود المتعلقة بذلك، أوضح وزير الخارجية الصفدي أن “المبادرة تتمثل بقيام العرب بحوار سياسي مع النظام يستهدف حل الأزمة، ومعالجة تداعياتها الأمنية والسياسية والإنسانية”.
وأشار خلال اجتماعه مع المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسون في العاصمة عمّان إلى أن الأمم المتحدة مطلعة على تفاصيلها، وأن “التنسيق مع العرب حول موعد إطلاقها وآليات عملها مستمر”.
وليس من الواضح ما إذا كانت “المبادرة” التي تقودها الأردن تشمل الخطوات التي أعلنت عنها السعودية، وقبلها الإمارات وسلطنة عمان، ومصر في الوقت الحالي، فيما يقول خبراء ومحللون لموقع “السورية.نت” إن لكل دولة مسار منفرد، ومع ذلك “تتوافق مع بقية الدول بعيداً عن أي اتفاق”.
ويعتقد الخبير الأمني والاستراتيجي الأردني، عمر الرداد أن “هناك توافقاً بين كثير من الدول العربية على فكرة إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية، في ظل مقاربة تقول إن هذه الإعادة ستسهم في إبعاد سورية عن التاثير والسيطرة الإيرانية”.
لكن “هذا التوافق لم يصل لدرجة أن يكون اتفاقاً وقراراً بالإجماع من قبل الحكومات العربية”، حسب ما يضيف الرداد لموقع “السورية.نت”.
ويشير إلى أنه من الواضح “أننا أمام مقاربات بمرجعيات مختلفة”، و”يبدو معها أن لكل دولة أهدافها وسياقاتها المرجعية”.
وفي حين كانت علاقة الأسد بإيران أكثر ما يثير اهتمام الدول العربية ويقف عائقاً أمام أي محاولة لإعادة تطبيع العلاقات باتت هذه القضية خافتة على نحو كبير، في المسار المتسارع الذي شهدته الأيام الماضية.
ومن الرياض إلى عمّان وصولاً إلى القاهرة وأبو ظبي تركّزت جميع تصريحات المسؤولين العرب على أن خطواتهم اتجاه دمشق تهدف بالأساس إلى دعم “وصول المساعدات الإنسانية”، في أعقاب كارثة الزلزال، إلى جانب تسوية قضية اللاجئين وعودتهم بسلام إلى بلادهم.
ورغم ما يقال عن وجود “مبادرات”، إلا أن الباحث في العلاقات الدولية، محمود علوش يعتقد أن “التحركات العربية تجاه سورية لا تحمل مبادرة جوهرية يمكن أن تفضي إلى نهاية الصراع”.
ويقول لـ”السورية.نت”: “الدول العربية بدأت في إعادة علاقاتها مع نظام الأسد وهذا الانفتاح لو كان مشروطاً بمبادرة ما لما بدأ يظهر فعلاً”.
و”لا تملك أي دولة عربية تصوراً واضحاً لسبل دفع التسوية السياسية في سورية، ومن غير المرجح أن تكون بعض الدول تعتقد أن بإمكانها إقناع الأسد بقبول حل سياسي بينما هو الآن في موقع قوة”.
ويوضح علوش: “الإماراتيون لديهم أهدافهم ومصالحهم الخاصة في سورية، وكذلك الحال بالنسبة للسعوديين والمصريين”.
“إعادة تعويم”
وكانت مسألة “عودة دمشق” أو النظام السوري إلى الحضن العربي قد طرحت قبل الزلزال المدمّر الذي ضرب سورية وتركيا بسنوات وأشهر.
وفي أعقاب الكارثة عادت هذه المسألة لتتصدر المشهد السوري، في وقت ترجمت على الواقع بزيارات واتصالات ولقاءات، وتصريحات مستجدة حملّت نفساً مغايراً ومتسارعاً عن الماضي، ووضعها مراقبون ضمن إطار “دبلوماسية الكوارث” من جانب.
ومن جانب آخر يرجّح مراقبون أن الخطوات العربية تهدف إلى “إعادة تعويم النظام السوري”، على الرغم من تأكيد الدول صاحبتها على القرارات الأممية الخاصة بالحل السياسي في سورية، من بينها قرار مجلس الأمن 2254.
وبينما هناك تنسيق بين الأردن والإمارات وجمهورية مصر في المسار المستجد حيال الأسد، لدى السعودية حسابات أخرى أظهرتها المصالحة الأخيرة بين الرياض وطهران، حسب ما يقول الخبير الأردني، عمر الرداد.
ويقول إنه وبالرغم من كل ذلك فإن إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية “سيبقى مرهوناً بمواقف الأطراف الفاعلة في الملف السوري، وتحولاتها بعد الحرب في أوكرانيا، لاسيما وأن هناك موقفاً أمريكاً وأوروبياً ما زال يتحفظ على الانفتاح العربي على دمشق، بوصف القيادة السورية متهمة بجرائم حرب وضد الإنسانية”.
من جهته لا يعتقد الباحث محمود علوش أن هناك تنسيقاً واضحاً في المواقف العربية بشأن سورية، وأنه “قد يبدو ظاهرياً وجود مثل هذا التنسيق لكن لكل بلد دوافعه وحساباته الخاصة”.
ويرى علوش أن “ما يجري الآن هو إعادة تعويم بشار الأسد عربياً وإقليمياً وليس مبادرة لتسوية سياسية حقيقية للصراع”، موضحاً أن “لدى العرب مصالح في سورية وانفتاحهم على الأسد ليس مجانياً”.
ويتابع: “لكن هذه المصالح لا تتعلق بشكل جوهري بالتسوية السياسية. هناك من يأمل أن تؤدي عودة الدور العربي إلى تقليص نفوذ إيران وبعض الدول تريد التعاون مع النظام لوقف تهريب المخدرات”.
ويعتقد الباحث علوش أن “الترويج لفكرة المبادرة وبكثرة يهدف إلى إضفاء مشروعية على الانفتاح العربي على النظام السوري”.
——————————-
هل يمكن أن يسقط الهلال الشيعي؟/ د. فيصل القاسم
هذا المصطلح (الهلال الشيعي) أطلقه عام ألفين وأربعة العاهل الأردني عبد الله الثاني كتحذير للعرب من الغزو الإيراني للمنطقة العربية عبر العراق وسوريا ولبنان واليمن، وقد نجح هذا الغزو حتى وقت قريب في احتلال أربع عواصم عربية بشهادة المسؤولين الإيرانيين أنفسهم. لكن على ما يبدو أن الهلال يعيش أزمة وجودية، لا بل كان كارثياً على إيران نفسها وعلى كل البلدان التي انضوت تحت ذلك الهلال، فقد أصبحت الدول التي تسيطر عليها إيران في المنطقة مثالاً للدول الفاشلة والمارقة والمنهارة والجائعة، فبيروت التي كانت مضرباً للمثل في أناقتها وجمالها وحضارتها تحولت تحت حكم حزب الله (الإيراني) إلى أكبر مزبلة في الشرق الأوسط، لا بل انهار نظامها المالي وصارت عملتها برخص التراب وبات السيد حسن يناشد دول الخليج كي تتبرع للبنان بقليل من الدولارات التي تنفقها على لاعبي كرة القدم بعد أن توقف تدفق ما كان يسميه بـ«المال النظيف» إلى الضاحية الجنوبية في بيروت. وقد تحول لبنان كله إلى رمز للفساد بكل أشكاله، وصار غالبية اللبنانيين غير قادرين على تأمين رغيف الخبز في ظل السطوة الإيرانية على البلاد.
وحدث ولا حرج عن سوريا التي غزتها إيران بضوء أخضر أمريكي إسرائيلي وبمناشدة من النظام الذي كان آيلاً للسقوط، فاشترى بقاءه بتسليم البلد للميليشيات الإيرانية كي تحمي عرشه الذليل. لكن كما ترك النظام الإيراني محميته اللبنانية بلا أدنى مقومات العيش، ها هو وقد تخلى عن مستعمرته السورية التي لن تجد لها مثيلاً في العالم على مدى التاريخ الحديث في البؤس والانهيار والدمار في كل مناحي الحياة.
أما اليمن فلا يقل سوءاً عن سوريا ولبنان في ظل حكم الميليشيات المدعومة إيرانياً، فالفقر يضرب أطنابه في عموم البلاد، بينما يموت الأطفال من الجوع، وصار المرتزقة اليمنيون بشهادة مجلة نيوزويك الأمريكية أرخص مرتزقة في العالم.
وعلى الرغم من أن المستعمرة الإيرانية في العراق كان يجب أن تكون أفضل حالاً بسبب مليارات النفط باعتبار العراق ثاني أقوى منتج للبترول في العالم، إلا أن الوضع العراقي أصبح بدوره مضرباً للمثل في الانحطاط والسقوط والفساد، فبالرغم من وجود ميزانية هائلة تزيد على مائة وخمسين مليار دولار سنوياً، إلا أن العراقيين لا يجدون الكهرباء ولا الماء النظيف في ظل الغزو الإيراني، وبدل أن تذهب مليارات النفط لترفيه الشعب العراقي، كانت إيران وعملاؤها في العراق يوزعونها على الميليشيات الإيرانية الأخرى في لبنان واليمن وسوريا بالإضافة إلى دعم الاقتصاد الإيراني الذي بدوره صار رمزاً لكل ما هو ساقط وبائس ومنهار. لكن حتى ذلك قد توقف بعد أن دخلت أمريكا على الخط ووضعت حداً لتبذير المليارات العراقية على أدوات إيران في المنطقة بوضع قيود على التحويلات العراقية، فانهارت العملة العراقية واللبنانية والسورية والإيرانية. وصار الطومان الإيراني ينافس الليرة اللبنانية في السقوط الحر.
وبينما كانت تعيش مستعمرات إيران في لبنان وسوريا والعراق في جحيم لا يطاق، انطلقت انتفاضات شعبية عارمة من أقصى إيران إلى أقصاها مطالبة بالحرية وأبسط أساسيات العيش، بعد انهيار العملة ووصول معدلات الفقر إلى مستويات قياسية، خاصة وأن أكثر من ثمانين بالمائة من الشعب الإيراني يعيش أصلاً تحت خط الفقر، فما بالك بعد أن انهارت العملة والاقتصاد بشكل مرعب، وبات ملايين الإيرانيين يرفعون أصواتهم في وجه الملالي طالبين منهم أن يتوقفوا عن تصدير الثورة واحتلال العواصم العربية وتوجيه الأنظار إلى الداخل الإيراني الغارق في التعاسة، وقد ازداد وضعه سوءاً بعد انهيار العملة الإيرانية بشكل لم يسبق له مثيل في التاريخ الإيراني الحديث. ويرى البعض أن الانتفاضة الإيرانية المستمرة حتى الآن بعيداً عن أعين الإعلام الدولي لعبت دوراً أساسياً في الضغط على نظام الملالي كي يبدأ بالتقارب مع جيرانه العرب على مضض لتخفيف وطأة الوضع المعيشي الكارثي في البلاد.
والسؤال اليوم: ما مصير الهلال الشيعي في ظل هذا الانهيار الرهيب داخل إيران ومستعمراتها العربية في دمشق وبغداد وبيروت وصنعاء؟ يقول مستشار روسي قريب من الدوائر الإيرانية إن إيران بدأت تفكر جدياً في التخلي عن طموحاتها التوسعية والالتفات إلى الداخل رافعة شعار: «إيران أولاً». لكن آخرين يعتبرون هذا الكلام ضرباً من الأوهام، وأن المصالحات التي تنشدها طهران مع محيطها العربي مجرد استراحة محارب، فالمشروع التوسعي الإيراني ليس مشروعاً تكتيكياً، بل مشروع استراتيجي، خاصة وأن وقوده الحقيقي ليس الإيرانيين، بل السوريون واللبنانيون والعراقيون واليمنيون والعصابات الأفغانية والباكستانية الطائفية التي تجندها إيران خدمة لمخططاتها في المنطقة، إذا لا مانع لدى طهران أن تقاتل في اليمن وسوريا ولبنان والعراق حتى آخر سوري ولبناني ويمني وعراقي لتنفيذ مشروعها القومي، طالما أن الضحايا عرب وليسوا إيرانيين.
كاتب واعلامي سوري
القدس العربي
———————————-
=====================
تحديث 30 أذار 2023
———————–
بطاقة حمراء أميركية في وجه التطبيع مع الأسد/ حازم الأمين
هل العقوبات الأخيرة هي بطاقة حمراء أميركية في وجه التطبيع الخليجي مع النظام السوري؟ وهل سيربك القرار دول التطبيع، أم أن العلاقة مع واشنطن مؤجلة إلى ما بعد الانتخابات الأميركية.
لا يمكن إشاحة النظر عن تزامن سلة العقوبات الأميركية الأخيرة بحق أقرباء رئيس النظام السوري بشار الأسد، مع خطوات التقارب التي أقدمت عليها أنظمة في الخليج على رأسها الإمارات العربية المتحدة والسعودية، مع هذا النظام. العقوبات هي أيضاً جواب أميركي على هذا التقارب، وتمكن ملاحظة أن بيان العقوبات لحظ ثلاثة عناصر متصلة بالتطبيع مع النظام في دمشق، أولها طبعاً شمولها اسمين من الأقارب المباشرين لبشار الأسد هما سامر كمال الأسد ووسيم الأسد، وثانيها تذكير المطبعين بالدور الذي يلعبه النظام بتجارة الكبتاغون، إذ ربط القرار بين النظام وبين مافيات الإتجار بالمخدرات، لا سيما تلك التي تعمل على تصديره إلى دول الخليج، العنصر الثالث تذكيري عبر شمول القرار شخصيتين أشارت وزارة الخزانة الأميركية إلى علاقتهما بـ”حزب الله”، وهما تاجرا المخدرات اللبنانيان حسن دقو ونوح زعيتر، مع ما يمثله هذا الربط من حساسية خليجية.
غالباً ما يكون خلف قرارات العقوبات الأميركية ما هو أعمق من المشهد السياسي بوصفه وقائع تجري وفق وتيرة مختلفة عن تلك التي تملي قرار العقوبات، إلا أن خطوات من نوع الذهاب إلى التطبيع مع نظام من نوع النظام السوري، من المرجح أنها تستدعي التذكير بعمق الموقف الدولي من هذه المسألة، ذاك أننا هنا حيال طبيعة خارجة تماماً عما هو ممكن في إدارة العلاقات السياسية. القرار الأميركي الأخير حمل في متنه الكثير من الإشارات التي يجب إيصالها في لحظة التطبيع. ربط القرار بين آل الأسد وبين تجارة الكبتاغون، بشكل مباشر. وهنا إشارة تذكيرية تأخذنا إلى قناعة لدى الإدارة بتشابه بين النظام السوري وبين عائلات مافياوية لطالما حفلت بها الأنشطة الخارجة عن القانون في أوروبا.
والحال أن مسارعة دول خليجية للتطبيع مع النظام السوري والمتمثلة باستقبال بشار الأسد في أبو ظبي، ثم ما رشح من معلومات عن خطوات سعودية موازية، منها تسريب خبر استقبال شقيق بشار، ماهر الأسد في الرياض، تمت في ظل انكفاء أميركي واضح شعرت دول الخليج أن بإمكانها التحرك بناء عليه، لكن يبدو أن الذهاب الى التطبيع مع الأسد كان قفزة أعلى مما يتيحه هذا الانكفاء، لا بل هو أبعد من التطبيع مع طهران. فجاء قرار العقوبات محملاً بهذا القدر من الوقائع.
غالباً ما يكون خلف قرارات العقوبات الأميركية ما هو أعمق من المشهد السياسي بوصفه وقائع تجري وفق وتيرة مختلفة عن تلك التي تملي قرار العقوبات
واشنطن قالت لدول الخليج “أنتم ذاهبون إلى من هذا حاله”، إعلان اتفاق مع طهران يبقى ضمن ما يمكن تفهمه، لا بل والاستفادة منه، أما تعويم بشار الأسد فهو ما لا يمكن هضمه، ذاك أننا هنا أمام طبيعة مافيوزية لا يمكن إيجاد مكان لها في العلاقات المقبولة بين الدول. ثم إن بشار ونظامه يشكلان تكثيفاً لكل أنواع النفوذ التي تصطدم بمشاريع واشنطن في الإقليم، فعند هذا النظام يتقاطع النفوذان الروسي والإيراني، وعنده أيضاً يشكل “حزب الله” جسراً للفصائل الولائية في العراق، ناهيك بتحول سوريا إلى ساحة استهداف يومي للطائرات الإسرائيلية. التطبيع مع النظام، بالنسبة إلى واشنطن، هو تطبيع مع كل عناصر هذا المشهد.
لا شك في أن توتراً عميقاً تشهده العلاقات بين واشنطن والرياض، والأخيرة تريد أن تبلغ الإدارة الأميركية تذمرها، والاتفاق مع طهران عبر بكين هو نوع من هذا السلوك أيضاً، ويبدو أن واشنطن لم تمتعض كثيراً من هذه الخطوة، لا سيما أن واشنطن شعرت بأن الاتفاق لن يكون طويل الأمد؟ أما أن تنتقل الرياض تحديداً من طهران إلى دمشق، فهذا ما يبدو أنه غير مقبول بالنسبة إلى الغرب عموماً والولايات المتحدة الأميركية تحديداً.
قرار العقوبات الأخير يرسم خريطة شديدة الوضوح موازية لوقائع التطبيع. تضمن القرار إشارات في أكثر من موضع إلى شقيق بشار الأسد، ماهر، الذي استقبلته الرياض سراً وحمّلته “شروطها للتطبيع”. هذا الرجل بحسب واشنطن هو على رأس تجارة الكبتاغون. أما اللبنانيان حسن دقو ونوح زعيتر، فقد كشف القرار عن وقائع تقول واشنطن إنها تثبت حجم تورطهما بنقل المخدرات إلى دول الخليج.
فهل العقوبات الأخيرة هي بطاقة حمراء أميركية في وجه التطبيع الخليجي مع النظام السوري؟ وهل سيربك القرار دول التطبيع، أم أن العلاقة مع واشنطن مؤجلة إلى ما بعد الانتخابات الأميركية.
وهنا علينا أن نلاحظ أن صعوبات بدأت تواجه الاتفاق السعودي- الإيراني، لا سيما في اليمن.
درج
————————–
نظام الأسد يرسّخ تموضعه الاستراتيجي/ بكر صدقي
أثناء زيارته إلى موسكو قبل أسبوعين، برز بين اللغو الكثير الذي أدلى به بشار الأسد، كلامه عن المستوى الجديد لعلاقة نظامه مع نظام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فقد أكد على انحيازه التام لموقف موسكو من الحرب في أوكرانيا، وقال إن هذا الانحياز لا ينبع فقط من شعور نظامه بالامتنان تجاه روسيا بسبب دورها الحاسم في «القضاء على الإرهاب» في سوريا، بل بسبب الانقسام الدولي الحاد الذي تشكّل في أعقاب اندلاع الحرب في أوكرانيا. وقال ما معناه أن ساحات الحرب المباشرة ليست كافية بالنسبة للدول العظمى، بل هي في حاجة لنشر نفوذها العسكري (والمقصود هنا روسيا) خارج حدودها لمواجهة النفوذ الغربي. وكان ذلك في إطار رده على سؤال إعلامي روسي بشأن احتمال زيادة عدد القواعد العسكرية الروسية في سوريا.
نعم، كلام صريح من بشار بأنه اتفق مع زميله الروسي بوتين على وضع سوريا (بالأحرى مناطق سيطرة نظامه من الجغرافيا السورية) في خدمة الانتشار العسكري الروسي خارج الحدود في مواجهة الغرب الأطلسي، في إطار الصراع الدولي القائم اليوم بين الطرفين انطلاقاً من أوكرانيا.
هذا جديد حقاً، يختلف عن العلاقة السابقة التي قامت على أساس تدخل عسكري روسي في سوريا لإنقاذ نظام الأسد من احتمال السقوط في الحرب الداخلية بين النظام ومعارضيه. فمن جهة أولى يشكل هذا التطور نوعاً من الاعتراف باكتفاء النظام بما حققه في حربه الداخلية إلى الآن، وما يتضمن ذلك من الإقرار بخريطة توزع النفوذ القائمة بين مختلف الدويلات السورية؛ ومن جهة أخرى إلحاق القسم الذي يسيطر عليه من البلد بمناطق الانتشار العسكري الروسي خارج الحدود بصورة نهائية؛ ومن جهة ثالثة القطع التام مع الغرب الأطلسي، بدلاً من محاولة كسب شيء من القبول في المجتمع الدولي ولو بمجرد الكلام، وعلى سبيل المثال التظاهر بأنه غير معترض على الحل السياسي في سوريا مع العمل الحثيث لإفشاله. لقد تخلى الأسد عن هذه الازدواجية بين القول والفعل باصطفافه الصريح مع موسكو فيما يسمى تلطفاً بـ«الحرب الباردة الجديدة». وهو موقف لم تتخذه الصين نفسها ـ إلى الآن ـ برغم إدراكها أنها مستهدفة من الغرب بدرجة أكثر من روسيا.
بهذا الاصطفاف ربما تكون «سوريا الأسد» هي الدويلة الوحيدة التي تعلن نفسها حليفاً عسكرياً استراتيجياً لروسيا بعد بيلاروسيا التي أعلن بوتين قبل أيام عن خطته لنشر أسلحة نووية تكتيكية على أراضيها، بعدما فتحت أراضيها المتاخمة لأوكرانيا امام القوات الروسية منذ ما قبل بداية الحرب في شباط 2022.
الدولة الثالثة المشاركة في الحرب الروسية على أوكرانيا هي إيران التي ساهمت من خلال طائراتها المسيرة في ضرب أهداف اوكرانية، وبذلك ينتهي الجدل القديم حول تعارض المصالح الروسية والإيرانية في سوريا، في الوقت الحالي على الأقل، لترتسم معالم تحالف عسكري روسي ـ إيراني في الحرب الساخنة ضد الغرب الأطلسي، مع مناطق نفوذ الدولتين في كل من سوريا وبيلاروس التابعتين. وقد شهدنا، قبل أيام، أول صدام عسكري بين طهران والولايات المتحدة في شرق سوريا، يختلف عن حوادث مشابهة في السنوات القليلة الماضية في أنها تندرج في إطار الصراع الدولي القائم بين روسيا والغرب. وحدث الصدام الجديد هذا بصورة متزامنة مع تصعيد القوات الروسية في منطقة باخموت شرق أوكرانيا.
في عودة إلى موقع النظام السوري من هذا التحالف، فهو لا يعدو كونه مجرد ساحة جانبية للصراع الدولي القائم، أي مجرد أرض للمواجهة بين روسيا وإيران من جهة، والولايات المتحدة وحلفائها من جهة ثانية، في حين أن رأس النظام يحاول الظهور بمظهر «الحليف»! وساعده بوتين في هذا التظاهر من خلال الاستقبال الرسمي الذي نظم له في مطار موسكو، أو من خلال الاهتمام الإعلامي به.
أمام هذه اللوحة لا يسع المراقب إلا أن يستغرب التهافت العربي على نظام بشار، سواء من خلال زيارتيه إلى كل من سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة، أو ما تسرب أخيراً عن نية المملكة السعودية في استعادة التبادل الدبلوماسي مع النظام بعد 12 عاماً من القطيعة. لا يأتي الاستغراب من إدارة هذه الدول ظهرها بالكامل لآلام وتطلعات الشعب السوري التي لم تكن أصلاً مهتمة بها، بل بسبب العلاقات الاستراتيجية التاريخية لها مع الولايات المتحدة تحديداً. صحيح أن هذه الدول طورت علاقاتها الإيجابية في السنوات الأخيرة مع روسيا، بهدف تنويع مروحة خياراتها الدولية، وبخاصة بعد الفتور الذي اعترى علاقاتها مع الولايات المتحدة، لكنها لم تصل بعد إلى نقطة تبتعد فيها عن واشنطن إلى حد الاصطفاف ضدها. وإذا كان تطبيع بعض الدول العربية علاقاتها مع نظام الأسد، في السنوات السابقة يتم تبريره بالسعي لإبعاده عن طهران، فقد تغير الوضع الان إلى حد كبير. فمن جهة أولى يعلن رأس النظام في كل مناسبة أن تحالفه مع إيران ثابت واستراتيجي، وهو ما عاد إلى تأكيده أثناء زيارته الأخيرة لموسكو؛ ومن جهة ثانية خرج تحالفه مع روسيا عن إطاره المحلي (بهدف حماية النظام) وبات ملتحقاً بروسيا في صراعها الشامل مع الغرب. فما الفائدة المرتجاة من تعويم النظام عربياً وهو الذي اختار اصطفافه بكل وضوح في الحرب الساخنة الجديدة بين روسيا والغرب؟
كاتب سوري
القدس العربي
——————–
سورية 2023/ مروان قبلان
بعد أن حجبتها غيوم الحرب في أوكرانيا، وسلسلة أزمات دولية بدأت بكوفيد 19، وتوالت بعدها لتطاول الغذاء والطاقة والتضخّم، والمناخ، واحتدام التنافس الدولي، وأزمة إيران وملفها النووي، عادت المسألة السورية منذ مطلع عام 2023 إلى مركز الاهتمامين، الإقليمي والدولي، نتيجة أحداث وتطورات بدأت بالزلزال الذي ضرب جنوب تركيا مطلع فبراير/ شباط الماضي، وأصاب أجزاء من شمال غرب سورية، وأسفر عن سقوط الآلاف. كشف الزلزال المدمّر عن جوانب أخرى للأزمة السورية، منها تفاوت الاهتمام الدولي تبعا لهوية الضحايا، لكنه مثّل، من جهة أخرى، مناسبة جرى استثمارها على نطاق واسع، لتسريع مسار تطبيعيٍّ كان بدأ قبل ذلك على استحياء بين دول عربية والنظام السوري، وبلغ ذروته في اتفاق إعادة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بين دمشق والرياض منذ عام 2012، الذي توسّطت فيه روسيا، استكمالا، على ما يبدو، لوساطة صينية أسفرت عن نتيجة مماثلة بين طهران والرياض. وقد شكّل التقارب العربي مع النظام السوري نقطة افتراق جديدة بين الدول العربية والحلفاء الغربيين (واشنطن وبرلين ولندن وباريس) حول أفضل الطرق للتعاطي مع انسداد الأفق في الأزمة السورية. ويدور النقاش حاليا حول مستقبل “مبادرة الخطوة مقابل خطوة” التي طرحها الأردن صيف عام 2021، وتميل الرياض على ما يبدو إلى تبنّيها بما يسمح بتحريك مسيرة الحل السياسي، والمقاربة الإماراتية التي تميل الى تطبيع غير مشروط مع النظام. في الأثناء، يستمر مسار التطبيع بين أنقرة ودمشق، بمواكبة روسية، في التأرجح، حيث يستشرف النظام السوري فرصةً محتملةً في الانتخابات التركية إذا خسرها الرئيس أردوغان، ما يمثل نقطة تحوّل ليس فقط في الصراع السوري، إنما في مجمل السياسة الإقليمية والدولية أيضا، وهو ما تخشاه روسيا على نحو خاص.
التطور اللافت الثاني الذي شهدته سورية في الآونة الأخيرة، وأثار اهتماما، كان مسرحه شمال شرق البلاد، حيث تنامت حدّة التوتر الإيراني الأميركي بعد قصفٍ متبادلٍ أسقط قتلى في الجانبين. هنا يبدو أن إيران المستاءة من فشل مفاوضات إحياء الاتفاق النووي، وتعاظم الضغوط السياسية والاقتصادية الغربية عليها، بعد تورّطها في حرب أوكرانيا، تتلمّس فرصة لإخراج الأميركيين من المنطقة، حيث يشكّل الوجود العسكري الأميركي شرق الفرات وفي قاعدة التنف عقبة رئيسة أمام اكتمال هلال النفوذ الإيراني، بعد أن استعاد حلفاء طهران السيطرة على السلطة في بغداد. وتعتقد إيران أن الضغوط التي يمارسها أعضاء في الكونغرس لسحب القوات الأميركية من سورية قد تدفع، مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية، الرئيس بايدن إلى التجاوب مع مطلب إعادة الجنود الأميركيين الى الوطن. وما يشجّع طهران على المضي في هذا المسار أيضا وجود توافق في بين شركاء مسار أستانة على ضرورة إخراج القوات الأميركية من شمال شرق سورية. وترى إيران أن بإمكانها أن تنتهج في سورية الاستراتيجية نفسها التي انتهجتها في العراق، حيث قد يولّد وقوع خسائر في صفوف الأميركيين ردود أفعال أميركية عنيفة، لكنه سيؤدّي، في نهاية المطاف، الى خروج الأميركيين، خصوصا أنه لا توجد في سورية مصالح أميركية مهمة. لكنْ هناك احتمال أن تذهب الأمور في الاتجاه المعاكس أيضا، وقد تخرج عن السيطرة، خصوصا أن الأميركيين يبدون أكثر استعدادا لمعاقبة إيران، بسبب موقفها من حرب أوكرانيا.
التطور اللافت الذي شهدته الساحة السورية أخيرا تصاعد التوتر الروسي الأميركي، حيث أعلنت القيادة الوسطى الأميركية، المسؤولة عن مسرح العمليات في سورية، أن الطلعات الجوية الروسية فوق القاعدة الأميركية في التنف زادت بمعدلات كبيرة في شهر مارس/ آذار الجاري، وأنها وصلت إلى 24 طلعة في الأسابيع الثلاثة الأولى من الشهر الجاري، ارتفاعا من صفر في شهر فبراير/ شباط و13 طلعة في شهر يناير/ كانون الثاني، ما يضع اتفاقية 2019 التي تمنع وقوع احتكاك بين الطرفين في دائرة الخطر. والواضح أن التوتر المتصاعد في العلاقات الأميركية الروسية بشأن أوكرانيا يجد صدى كبيرا له في سماء سورية.
تبدو سورية، في المحصلة، على موعد مع تطورات مهمّة ميدانية وسياسية خلال 2023، قد تفتح الباب على حلّ سياسي، أو تصعيد كبير، لكن المؤكد أن استمرار الوضع الراهن ما عاد مقبولا لجميع الأطراف.
العربي الجديد
————————
بدايات تحرك جيوبوليتيكي عربي!/ جمال الشوفي
شهد العالم في عقده الأخير عودة بروز الجيوبوليتيك الدولي، وتحكمه بمسارات التحالفات الدولية وتغيير محتوياتها، هذا مع اشتداد الصراع الدولي في الهيمنة على محاوره المتعددة مائيًا وبحريًا وعسكريًا. وإذ يبرز في هذا السياق الجيوبوليتيك الروسي الأشد خطرًا ووضوحًا على السلام العالمي لليوم، خاصة في تمحوره في قلب أوروبا عبر أوكرانيا. لكن ثمة أطر جيوبوليتيكية مرقوبة التحرك في الوقت ذاته كالتحرك الإيراني الواضح في منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية في العراق وسوريا واليمن. ومع أنه دون مستوى الجيوبوليتيك الروسي لكن له من الآثار الجسيمة والكارثية على المنطقة، فهل يقود هذا لتشكيل مقابل عربي له؟ وهل تمتلك الدول العربية مقومات العمل الجيوبوليتيكي وأسسه النظرية والتطبيقية؟ وهل يعتبر هذا التحرك العربي قابلاً لأن يكون محوريًا أو طرفيًا في المعادلة العالمية اليوم؟
عدة أسئلة وإجاباتها لليوم غامضة، خاصة وأن تحركات العمق العربي لليوم تخضع لردة الفعل أكثر منها للمبادرة والتحرك الأولي. كما أن معادلات الجيوبوليتيك الدولية تحتكم لقواعد عمل تطبيقية يمكنها التمييز بين التحالف الطويل الأمد، وبين سياسة الإرضاء والتجنب أو ما سمّاه دوغين الرّشوة الجيوبوليتيكية، وبين الزوايا الهشة (الأماد الصغرى) القابلة للقضم من قبل الآماد الكبرى بحسب مصطلحات دوغين ذاتها. فأيّ المحاور يمكن أن تنطبق على التحرك العربي في الآونة الأخيرة؟ وهل هي بصدد تشكيل محور جيوبوليتيكي قابل لأخذ زمام المبادرة في المنطقة؟ أم مجرد رد فعل على مجريات الحدث العالمي وتعقد مشكلاته سواء الإقليمية المتأزمة في العراق واليمن وسوريا، ودوليًا في أوروبا؟ خاصة مع اتضاح بوادر أزمة عالمية اقتصادية متعددة المستويات ماليًا وغذائيًا وعلى مستوى الطاقة، وقابلة للتحول لحرب عسكرية واسعة!
من حيث المبدأ، من المستغرب الحديث عن جيوبوليتيك عربي، تفتقد مراكزه البحثية وصناع قراره لنظرياته التطبيقية والعلمية. كما أن المنطقة لليوم تعرف بالساحة العربية المنفعلة بالأحداث، والتي تُنفذ على ساحتها العديد من المخططات الدولية، منها ما كان موصوفًا بأنه فعل جيوبوليتيكي مباشر كامل المعالم. كما حدث في غزو العراق أميركيًا وبتحالف دولي واسع عام 2003 دون الحديث عن سياسات جيوبوليتيكية حينها، أو بعودة روسيا للفعل الجيوبوليتيكي المباشر والمحدث في سوريا عام 2015 وبدء الحديث الدولي عن عودة الجيوبوليتيك للساحة العالمية؛ مقابل الحديث عن صفقات سياسية دونها، كانت تعتبر نماذج علاقات دولية تدرس من بوابة السياسات الخارجية وتقاطع المصالح وحسب.
في الأعوام المنصرمة، شهدت المنطقة العربية عدة متغيرات في مستويات تفاعلها مع الأحداث الجارية على الساحة المحلية في الشرق الأوسط، تلك التي واكبت ثورات الربيع العربي وتحول مناطق عربية واسعة لساحة حرب متعددة الأطراف، بدأت توصف بدوائر فعل جيوبوليتيكي تتغير معه قواعد التحالف العسكري والأهداف الراهنة والاستراتيجية وما تؤول إليه من نتائج، كما حدث ويحدث في ليبيا واليمن وسوريا. وتبدو المسألة أكثر وضوحًا في سوريا وذلك لاتضاح الدور الروسي العالمي فيها وتوسعه لليبيا نسبيًا، ومن ثم امتداده لأوكرانيا ومحاولته الهيمنة على البحار الدافئة والممرات البرية الواصلة اليها، وفتح بوليفار روسيا حسب تصريحات منظريها، وعودة روسيا للقطبية العالمية. فيما برز الدور الإيراني المباشر إقليميًا والمتوسع في اليمن وسوريا وقبلها العراق.
العمق العربي المتمثل بدول الخليج العربي، بادرت برد الفعل الأولي في معادلة اليمن عسكريًا من خلال إعلانها الحرب المباشرة على قوى الحوثيين الخارجة عن الشرعية اليمنية في 25/3/2015 تحت عنوان عاصفة الحزم، وذلك استجابة لطلب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي عند هجوم الحوثيين على العاصمة عدن. في حين بدت بقية التحركات العربية في المسألة السورية والليبية تحركات سياسية غير مباشرة الفعل.
العمق العربي اليوم يجد نفسه أمام نتائج خاسرة على مستويات متعددة، فبعد أعوام على استنقاع الواقع العربي، وعدم إحراز نتيجة محددة في استقراره، تتضح بوادر فقدان المبادرة والقدرة على التحرك العربي في شتى ملفات المنطقة. فاليمن لم تحرز به نتيجة لليوم، وليبيا في السياق ذاته، فيما سوريا وقبلها العراق انفتحت على ساحة متداخلة من النزاعات البينية تتحكم فيها إيران وميليشياتها بشكل أوضح من غيرها بحكم الوجود على الأرض. بينما تمسك كل من أميركيا وروسيا ملفات المنطقة بطريقة اليد العليا، تدير ملفاتها بحسب مصالحها، والأهم من هذا ترسيم وتحديد نقاط التمركز الجيوبوليتيكي ذات الأثر الفعال في المعادلة الإقليمية والشأن الدولي في آن. فروسيا تتمركز في سوريا وعلى ساحل المتوسط مباشرة، وأميركيا في نقاط متعددة أهمها نقطة الوصل العراقية السورية، هذا عدا العديد من الصفقات على مستويات الأسلحة والبترول والاقتصاد والسياسية، بينما تفقد الدول العربية أية قدرة على الفاعلية إزاء كليهما.
يبرز في الآونة الأخيرة الدور الصيني، الذي لم يتخذ لنفسه دورًا جيوبوليتكيًا واضحًا بعد في المعادلة العالمية، ويبدأ بتحريك ملفات المنطقة على قاعدة المصالح المشتركة بتخفيف حدة النزاع الإقليمي وتخفيض أدواره لمستوى العلاقات السياسية، وهو ما يبدو أنه قراءة أولية للاتفاق السعودي الإيراني والمبادرة العربية تجاه سوريا، فهل يشير ذلك لبدء حلول ما في المسألتين اليمنية والسورية من بعدها؟ وهل يخرج هذا عن مصالح أي من روسيا وأميركيا؟
تشير القاعدة الجيوبوليتيكية الروسية التطبيقية إلى أنه حين التمركز في محور دولي بعيد المدى ثمة طرق متعددة للعمل: فالفعل العسكري المباشر للمنطقة الهشة سياسيًا وعسكريًا كسوريا، وتحييد الفاعلين المحيطين بها بالصفقات السياسية والعسكرية كما حدث مع دول الخليج ومصر. لكن عينها بالنتيجة على تشكيل محور تحالفي واسع قابل للتحكم بأدواره في المعادلة العالمية. وبينما تدرك أميركيا هذه المعادلة جيدًا، حاولت في المقابل الحفاظ على مسافة قريبة من المحور الخليجي العربي، ولكن النتيجة المقروءة عربيًا اليوم خسارة عمومية للمنطقة لعدم تقدم أميركيا في المساهمة الفعلية بحل أي مشكلة عالقة فيها، ما يفقد العمق العربي توازنه العام!
الطرق الجيوبوليتيكية سيئة السمعة، وتنذر شرًا بالمنطقة والعالم، لكنها باتت مفروضة في محاور متعددة فيه، خاصة مع احتداد شدة التحالفات الدولية. لتقع المنطقة العربية بين عدة متناقضات تؤدي بالنتيجة لضرورة تحرك عربي خارج حدود ردة الفعل والأخذ بالمبادرة على مستوى التحالف والجدية في إرساء الحلول والوضوح فيها، خاصة بعد استفراد إيران في محاورها الحيوية المحيطة بالعرب، مقابل مواربة تركية بين الروس والأميركان. فهل تتشكل بوادر جيوبوليتيك عربي على أساسه؟ سؤال يفتح البوابة على تحديات جديدة من حيث القدرة والإمكانية أولاً، والمحاور المترسمة ثانياً، والأمن الإقليمي وخاصة الخليجي ثالثًا، والنتائج والأهداف رابعًا وخامسًا… ويضعنا أمام دراسات ومقالات قريبة تحاول الإجابة الأولية عليها..
تلفزيون سوريا
————————-
فرص ومعوّقات “دبلوماسية الزلازل” في تعويم رأس النظام السوري/ عبد الله تركماني
كان لكارثة زلزال 6 شباط/ فبراير آثار متعددة، وفي هذا التقدير للموقف سنتوقف عند الآثار السياسية، من حيث تموضع الدول في مساوماتها مع رأس النظام السوري، الذي كان يترقّب إشارات الدول الأكثر تأثيرًا في المسألة السورية: المملكة العربية السعودية ومصر والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، آملًا الخروج من عزلته وشرعنة نظامه الاستبدادي، وإعطاءه قوة دفع سياسية في سورية والمنطقة.
ولكن ثمّة شكوك، لدى أغلب الدول الفاعلة، في مدى رغبة النظام في الحلّ، ومدى قدرته على الانخراط في حلّ سياسي يساعد في فتح آفاق للتعاطي المجدي مع نتائج كارثة الزلزال. ثم إنّ أغلب تلك الدول تدرك أنّ زلزال 6 شباط/ فبراير لم يكن بداية الكارثة السورية، وإنما الأمر يعود إلى اثنتي عشرة سنة، حيث تعرّض الشعب السوري للزلازل التي أحدثتها قوات النظام وحلفائه الروس والإيرانيين: البراميل المتفجرة، والكيمياوي الذي ضرب غوطتي دمشق، والتهجير القسري، وتدمير المدن والقرى، وتحويل الحياة إلى جحيم.
أولًا. مرتكزات محاولة التطبيع العربي مع النظام السوري
كان لعطالة المجتمع الدولي، في الضغط على النظام وحلفائه لإيجاد حلّ سياسي للكارثة السورية، سببٌ مباشر لسعي بعض الدول العربية للتطبيع مع النظام السوري وتعويم رأسه؛ بعضها تحت وهم إمكانية تراجعه عن خياراته وتحالفاته المهددة للأمن العربي، وبعضها الآخر بحثًا عن مصالحها الضيقة، بعيدًا عن مصالح الشعب السوري المنكوب منذ اثني عشر عامًا، وأغلبها تشبه النظام السوري، في إجهاض نضالات شعوبها من أجل الحرية والكرامة خلال موجتي ربيع الثورات العربية. ولكنهم جميعهم وجدوا في الزلزال مناسبةً لإعادة الحديث عن تنازلاتٍ، على النظام السوري تقديمها، تتعلق بالحلّ السياسي للوضع الداخلي، إلى جانب الحد من نفوذ إيران، مقابل إعادته إلى الحضن العربي.
فهل يكون أحد دوافعها للتطبيع انشغال الدول الغربية، المتحفظة على التطبيع مع النظام، بأولوية الحرب الروسية على أوكرانيا، لتحقيق التوازن مع روسيا التي تعمل، حتى قبل الزلزال، على تعويم نظام الأسد؟ ولذلك قد ترى الدول الساعية للتطبيع أنّ الوقت مناسب للسير بخطوات هادئة وثابتة نحو التطبيع.
وبناء على ذلك، فقد ظهر بين الدول العربية، بشأن التطبيع مع النظام، ثلاث توجهات: أوّلها، يسير بخطى ثابتة نحو التطبيع مع النظام؛ وثانيها يرهن التطبيعَ بتحقيق تقدم في مسار الحل السياسي، ويمثل هذا التيار عربيًا دولة قطر، وغربيًا الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي؛ وثالثها يراقب الوضع في انتظار جلاء الصورة حتى يحدد موقفه، وتمثله السعودية ومصر والكويت والمغرب. ولكنّ الاتفاق السعودي-الإيراني الأخير قد جعل هذا التوجه أقرب إلى التوجه الأول.
وفي الواقع، فإنّ التوجّه الأول برز منذ عام 2018 (الإمارات والأردن)، إضافة إلى الدول التي لم تقطع علاقتها الدبلوماسية مع النظام منذ 2012 (الجزائر والعراق ولبنان)، واستغل هذا التوجه “دبلوماسية الكوارث”، للدعوة إلى عودة سورية إلى الجامعة العربية، ومن ثمّ دعوتها إلى مؤتمر القمة العربية المزمع عقده في السعودية، بعد عيد الفطر في أيار/ مايو القادم، فهل سيشهد انعقادها دعوة بشار الأسد، أم تستمر الصعوبات والموانع إزاء ذلك؟
بالنسبة إلى الإمارات، فإنها تسعى لطيّ صفحة ربيع الثورات العربية نهائيًا، وإذا كان من مصلحة النظام الانفتاح على الإمارات، كإحدى قنوات تمرير الرسائل للجانبين الإسرائيلي والأميركي، فإنه ليس مستبعدًا اعتماده كأحد قنوات الرسائل في اتجاه إيران.
أما التوجه الثاني، فقد أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، أنّ موقف بلاده من النظام السوري لم يتغيّر. وأوضح أنّ “الأسباب التي دعت لتجميد عضوية سورية في جامعة الدول العربية لا تزال قائمة”، مضيفًا: “إذا لم يكن هناك حل سياسي حقيقي، فلن يكون هناك تغيير في الموقف القطري من هذه المسألة”[1]. وربما تربط قطر تغيير موقفها بتغيير السعودية موقفها، ويمكن أن تتحفظ، إذا اتُخذ قرار جماعي بعودته إلى جامعة الدول العربية.
من جانب آخر، حذّرت الولايات المتحدة الأميركية من التطبيع مع النظام، وأبدت اقتناعها بعدم جديته بتطبيق أية مبادرة عربية، لكنها في الوقت نفسه لم تمانع من الاستمرار فيها، وربما تكون لديها شروط لإعادة تطبيع العلاقات العربية والدولية مع النظام، مع التشديد على أنه لا ينبغي أن يكون هناك تطبيع مجاني.
أما التوجه الثالث، فقد مثّلت كارثة الزلزال فرصةً له من أجل المبادرة في الانفتاح على النظام، وإذا كانت مصر أكثر حماسًا للمبادرة، فإنّ السعودية فضّلت التدرج في إعلان موقفها، واعتبرت، في البداية، أنّ العودة إلى دمشق عبر بوابة المساعدات الإنسانية مناسبة معقولة جدًا. ولا شك في أنّ المملكة هي الرقم الأهم في ميزان الدول العربية، فقد كانت مصر متشددة تجاه عودة النظام إلى الجامعة العربية، خلال قمة الجزائر الأخيرة، تماشيًا مع موقف الرياض.
أما الانفتاح الأردني على الأسد، فقد تلازم مع المبادرة للتوصل إلى حلول للأزمة السورية، وفق مبدأ “خطوة مقابل خطوة”. وفي الواقع، منذ انطلاق الحراك الشعبي السوري في عام 2011، حرص الأردن على التظاهر بالتزام موقف الحياد ما أمكن، بحكم الترابط الجغرافي والديموغرافي مع سورية. ولكنّ العلاقات شهدت تطبيعًا ملحوظًا، بعد التدخل الروسي في عام 2015.
أما بالنسبة إلى السعودية، فقد كشف وزير الخارجية، في مؤتمر ميونيخ للأمن، أنّ إجماعًا بدأ يتشكل في العالم العربي حول “لا جدوى من عزل سورية”، وأنّ الحوار مع دمشق مطلوبٌ “في وقتٍ ما”، وأنه في ظل غياب سبل تحقيق الأهداف القصوى من أجل حلّ سياسي، فقد “بدأ يتشكل نهج آخر لمعالجة مسألة اللاجئين السوريين في دول الجوار ومعاناة المدنيين”، بخاصة بعد الزلزال المدمّر. وبدا للوهلة الأولى أنّ النهج السعودي الجديد، إزاءَ التدرج في التطبيع مع النظام، يقوم على أولويات البعد الإنساني بعد كارثة الزلزال، على اعتبار صعوبة تحقيق الحل الدائم بسبب تداخل عوامل عديدة، من أهمّها تعدد القوى الفاعلة في تطورات المسألة السورية، ولكنّ الموقف قد اتجه نحو التطبيع مع النظام، بعد إعلان الاتفاق السعودي-الإيراني في بكين.
وبالرغم من ذلك، فإنّ خلفيّة الموقف السعودي من نظام الأسد تتخطّى جرائمه الموصوفة ضد الشعب السوري، إلى الموقف من علاقته بإيران وأذرعها في لبنان والعراق واليمن على وجه الخصوص، لذا من المستبعد أن ينقلب الموقف السعودي دفعة واحدة، وإنما بالتدريج، وهنا من المفيد متابعة التجاذبات التي سنشهدها خلال الفترة القادمة، قبيل مؤتمر القمة العربية في السعودية. إذ إنّ العرب يدركون ضعف حضورهم في سورية، التي تتقاسمها مناطق نفوذ متعددة: النظام السوري موجود بفعل الحماية الروسية والنفوذ الإيراني، وهناك نفوذ للولايات المتحدة الأميركية، ولتركيا، ولهيئة تحرير الشام.
وبالتزامن مع الاتفاق السعودي-الإيراني، برزت مؤشرات سعودية تنطوي على بداية تحوّل تجاه النظام السوري، حيث قال وزير خارجية السعودية، فيصل بن فرحان، في تصريحات لقناة العربية: “لا بدَّ أن نجد سبيلنا لتخطّي التحديات التي يفرضها الوضع القائم، في ما يتعلق باللاجئين والوضع الإنساني داخل سورية، ولذلك لا بدَّ أن نجد مقاربة جديدة، وهذا سيتطلب لا محالة حوارًا مع الحكومة في دمشق.. ونحن والدول العربية نعمل على الصياغات المناسبة، بالتشاور مع شركائنا في المجتمع الدولي”[2].
وكان أمين عام جامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، قد أكد أنّ عودة سورية إلى الجامعة لم تُحسم بعد، إذ قال: “بالرغم من مناقشة عودة مقعد سورية إلى الجامعة العربية، خلال اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب في 9 آذار/ مارس، لم يكن هناك توافق أو معارضة، ولم تُحسم عودة سورية، بسبب مواقف بعض الدول”[3].
ثانيًا. دخول مجموعة آستانة على خط محاولة تعويم النظام
تسارعت اللقاءات الثلاثية (تركيا، النظام، روسيا) بوتيرة سريعة بعد الزلزال، قبل أن تنضم إليها إيران، حيث كانت زيارة إسماعيل قآني (قائد فيلق القدس) إلى حلب، قبل وصول بشار الأسد، رسالة للمجتمعين أنّ التفاهمات المنبثقة لا يمكن أن تمرّ دون موافقة إيران. وقد أعلن وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو، في 8 آذار/ مارس، انضمام إيران رسميًا إلى اجتماعات اللجنة الفنية الثلاثية، لاستكمال خطوات التطبيع بين أنقرة ودمشق.
وقد بدا أنّ تركيا تمضي قدمًا في التطبيع مع النظام السوري، للمساعدة في تثبيت الوضع القائم في الشمال لتسريع عودة اللاجئين، ولكنّ العودة “الطوعية” للاجئين يمكن أن تحقق المطلوب جزئيًا، خاصة أنّ النظام لا يرغب في عودتهم، ولا يرغب في تقديم خدمة مجانية لأردوغان قبل الانتخابات التركية. ولكن، بالرغم مما حققته تركيا من مكاسب، من خلال فتح المعابر ومرور الآلاف من اللاجئين، فإنّ المسألة الأمنية، أي وجود منطقة الإدارة الذاتية لـ “قسد”، قد تدفع تركيا إلى التطبيع مع الأسد، بعد الانتخابات التركية، وربما قبلها إذا تم التوافق في الاجتماعات الرباعية القادمة في موسكو.
أما إيران، فقد رحّبت بالتوجه العربي للتطبيع مع النظام، حيث قال وزير الخارجية عبد اللهيان، في مؤتمر صحفي عقده مع نظيره في حكومة النظام السوري فيصل المقداد، في 9 آذار/ مارس: “نشعر بالارتياح، لأنّ الدول الإقليمية أصبحت تتمتع بالواقعية، واتخذت مواقف واقعية بالنسبة للدور الهام للنظام السوري وموقعه الحقيقي”، مضيفًا أنّ إيران “ترحب بالاجتماعات الرباعية أو الصيغة الرباعية موسكو طهران دمشق وأنقرة، بهدف الوصول إلى تعاون متزايد والخروج من الأزمات”[4].
ثالثًا. أهم المعوّقات التي تواجه التطبيع مع النظام السوري
إنّ محاولة التطبيع مع النظام السوري كانت مطروحة في قمّة الجزائر، ولكنها فشلت. واليوم، بعد زيارات بشار الأسد لعُمان والإمارات العربية المتحدة ومستجدات الموقف السعودي، لنا أن نتساءل عن مدى مصداقية الموقف الأميركي المعلن من التطبيع مع النظام، وإلى أيّ مدى يمكن أن يلجم الاندفاعة العربية نحوه؟!
ثمة شكوك حول إمكانية نجاح التطبيع، بسبب صعوبة تجاوب النظام مع مطالب الدول العربية، سواء بالنسبة إلى علاقته بإيران، أو بالنسبة لانخراطه في عملية الانتقال السياسي تجاوبًا مع قرارات مجلس الأمن الدولي. ويبدو ذلك واضحًا في إعلامه الذي يتعاطى مع التطورات من زاوية رضوخ العرب له، والإقرار بانتصار النظام على شعبه.
وفي الواقع، تصطدم استعادة سورية من بوابة النظام بعقبات عديدة: فهل يمكنه الكشف عن مصير 132 ألف شخص من المفقودين والمغيّبين قسرًا، وضمان عودة المهجّرين والنازحين إلى مناطقهم، وإعادة الممتلكات المسروقة للغائبين؟ فضلًا عن سيطرته على شبكات صناعة مخدرات كبتاغون وتهريبها، وعجزه عن إخراج إيران وحزب الله من سورية. بل إنه يعمل على التماهي المطلق مع إيران، لابتزاز دول الخليج وإجبارها على الاستمرار في الشعور بالحاجة إليه، وهي ذاتها الإستراتيجية التي ورثها عن أبيه خلال الحرب العراقية-الإيرانية (1980 – 1988).
وبعيدًا عن المحاولات العربية للتطبيع، يبدو أنّ النظام يبذل جهودًا لفكِّ عزلته على الساحة الدولية، مستغلًا كارثة الزلزال، وذلك بعد إبداء دول عديدة استعدادها لتقديم المساعدة، رغم تصنيفها للأسد كمجرم حرب، وكزعيم عصابة لتهريب المخدرات، فالكارثة أكبر بكثير، والوقت أضيق من التفكير في كل ذلك.
ولكنّ المواقف الغربية، وإن كانت بدافع إنساني، قد تمهّد إلى كسر عزلة الرئيس السوري، وتخفف العقوبات الدولية المفروضة على نظامه، بما يؤشر إلى بعض التحوّل في هذه المواقف، وإن كان لا يزال من المبكّر الحكم على المدى الذي يمكن أن تبلغه، خاصة في ضوء الموقف الأميركي المعلن حول معارضته التطبيع مع النظام. ففي 23 آذار/ مارس، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، أنّ الولايات المتحدة “تدعم البلدان في جميع أنحاء العالم، لبذل كل ما في وسعها لإيصال أكبر قدر ممكن من المساعدات الإنسانية إلى سورية بأسرع ما يمكننا بشكل جماعي، ولكن ما لا تدعمه هو تطبيع العلاقات مع نظام الأسد”[5]. وذلك انطلاقًا من قناعة الإدارة الأميركية بأنّ إعادة تعويم الأسد تصبّ في مصلحة الرئيس الروسي بوتين الغارق في المستنقع الأوكراني، وأنها لن تعطيه ورقة رابحة بشكل مجاني، لتعزيز الوجود الروسي في شرق البحر المتوسط، حيث الصراع على موارد الغاز.
وممّا يؤكد الموقف الأميركي أنّ وزارة الخارجية الأميركية نظمّت في 3 آذار/ مارس حملةً، بالتنسيق مع الشبكة السورية لحقوق الإنسان، حملت اسم “دون وجه حق”، تهدف إلى زيادة الوعي الدولي بمحنة جميع المعتقلين السياسيين وتأمين الإفراج عنهم. كما أطلقت الولايات المتحدة حملتها “شهر المحاسبة”، التي تتجدد مع كل بداية آذار/ مارس، للتذكير بجهودها في محاسبة نظام الأسد على الانتهاكات والجرائم التي ارتكبها بحق الشعب السوري. وجاء في بيان السفارة الأميركية في دمشق: “يصادف شهر آذار/ مارس السنة الثانية عشرة التي يواجه فيها السوريون مأساة على نطاق لا يمكن تصوّره.. لم ننسَ معاناة السوريين على أيدي نظام الأسد وداعميه (..) نبقى واضحين في سياستنا أنه من غير المقبول أن يستغل النظام هذه الكارثة الطبيعية لمصلحته، بينما لم يُحاسب على فظائعه”.
وخُتم البيان معتبرًا أنّ إفلات النظام السوري من العقاب هو “أمر غير مقبول. بينما ندعم ضحايا الزلزال في تعافيهم من هذه الكارثة الطبيعية، سنواصل الضغط من أجل المساءلة في كل مكان في سورية”[6]. وكان مجلس النواب الأميركي قد وافق، في 27 شباط/ فبراير، على قرار نعي ضحايا سلسلة الزلازل التي ضربت تركيا وسورية، وأدان بشدة نظام بشار الأسد، بسبب جهوده لاستغلال الكارثة، للتهرب من الضغط والمساءلة الدوليين. وتمت الموافقة بأغلبية 412 صوتًا مقابل 2 من الحزبين.
أما المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، بيتر ستانو، فقد أكد أنّ موقف الاتحاد من النظام “لا يزال كما هو، هذا النظام ليس له شرعية، وهذا ليس الوقت المناسب لتطبيع العلاقات”، وتابع أنّ “استعداد الاتحاد الأوروبي لمساعدة ضحايا الزلزال في سورية لا يعني فتح الأبواب للتطبيع مع النظام، إنما يُثبت ما كنا نفعله طوال الوقت، نحن نقف إلى جانب الشعب السوري، ونواصل دعمه، وحتى قبل الزلزال المأساوي كان الاتحاد الأوروبي أكبر مانح للشعب السوري”[7].
وبالرغم من كل المواقف الأميركية المعلنة، يبدو أنّ الإدارة ما زالت تتبع طريق “إدارة الأزمة”، لتحقيق أفضل ما يمكن من المصالح الأميركية، فهل تلجم الإدارة التوجّه العربي للتطبيع مع الأسد؟ أم أنّ مصالحها تقتضي عدم إزعاج حلفائها في المنطقة، ومراقبة النتائج على ضوء دعوتها إلى “تغيير سلوك النظام”؟ وفي هذا السياق، ليس مستبعدًا أن تسعى إلى توظيف الميل العربي للتطبيع مع الأسد، لعلّه يفتح في المجال لإيجاد بدائل للنفوذين الروسي والإيراني، إضافة إلى اتخاذه إجراءات إيجابية لسلوكه تجاه إسرائيل والأردن.
رابعًا. خاتمة
لقد انتظر السوريون المجتمع الدولي اثني عشر عامًا، ليساعدهم في تفعيل قرارات مجلس الأمن الدولي التي تنطوي على عملية انتقال سياسي، ولكنّ هذا الانتظار لم يكن في مكانه، إذ إنّ الكارثة السورية لم تعد أولوية لدى القوى الرئيسة المؤثرة في سورية، بل باتت تلك الدول، بعد أن حصلت كل واحدة منها على ما تريده في الأرض السورية، تستخدم المسألة السورية صندوق بريد لتبادل الرسائل، وورقة ضغط تستخدمها وقت اللزوم في المفاوضات في ملفات أخرى. وبناء على ذلك، لا يمكن التكهّن بالمستقبل بعد “دبلوماسية الزلزال”، أي لا يمكن ضمان عدم ارتفاع أصوات غربية تنادي بالحوار مع الأسد، على أمل “تغيير سلوكه”.
أما نظام الأسد، فهو يعيش في عالمه الخاص، مفصولًا عن الواقع الدولي، وما زال يَعتقد أنّه ممكن توظيفه غربيًا للنيل من إيران وروسيا، وأنّه ماهر باللعب على الاستقطابات الدولية والإقليمية، خاصة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، ويبدو أنه لم يدرك أنّ مصيره بات مرتبطًا بمصير بوتين في حربه على أوكرانيا، وبمصير النظام الإيراني.
أما المحاولات العربية لتعويم الأسد، دون شرط تفعيل عملية الانتقال السياسي، فستشكل مغامرة عربية تنطوي على كثير من المخاطر على الأمن العربي، إذ إنّ الدول العربية ليس من مصلحتها الانتظار أكثر قبل أن تقدِم على انتهاج مقاربة جديدة حيال الكارثة السورية، تُنصف الشعب السوري، وتستجيب لمطالبه في الحرية والكرامة.
ومن المؤكد أنّ حراك بعض الدول العربية من أجل تعويم الأسد مرهونٌ بمساومات السعودية ومصر مع القوى الإقليمية والدولية المؤثرة في سورية، ولعلَّ هذا ما يفسر تلكؤهما في إعلان موقف واضح من مسار التطبيع مع النظام. فإذا بقيت الإدارة الأميركية عند مواقفها المعلنة من النظام، ولم تهرول أوروبا، خاصة ألمانيا وفرنسا، إلى التطبيع معه، فسيصعب على العرب أن يعيدوا نظام الأسد إلى جامعة الدول العربية، وبالتالي إلى القمة العربية في السعودية.
ولكنّ المستجد أخيرًا، وهو الاتفاق السعودي-الإيراني، قد فتح المجال لمرونة سعودية، بشأن التطبيع مع النظام، إذ نقلت قناة الإخبارية السعودية الرسمية، في 23 آذار/ مارس، عن مصدر في وزارة الخارجية السعودية أنه “في إطار حرص المملكة على تقديم الخدمات القنصلية الضرورية للشعبين، فإن البحث جارٍ بين المسؤولين في المملكة ونظرائهم في سورية، حول استئناف تقديم الخدمات القنصلية”. وكانت وكالة “تسنيم” الإيرانية قد استبقت الإعلان السعودي، إذ نقلت عن وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، في 22 آذار/ مارس، قوله إن “هناك اتفاقات بناءة تجري في المنطقة، ونرحّب بالاتفاق بين السعودية وسورية لتطبيع العلاقات وإعادة فتح القنصليات”[8].
[1] عبد الله سليمان علي، موقف قطر من دمشق: مؤشرات تنبئ بمقاربة جديدة للملف السوري، النهار العربي، آذار/ مارس 2023، الرابط https://2u.pw/pYAO43، شوهد بتاريخ 3 آذار/ مارس 2023.
[2] وزير الخارجية السعودي: لا بد من مقاربة جديدة في سورية وهذا سيتطلب حوارًا مع دمشق، موقع تلفزيون سوريا، 11 آذار/ مارس، الرابط https://2u.pw/es3MJA، شوهد بتاريخ 11 آذار/ مارس 2023.
[3] أحمد أبو الغيط: لا رؤية واضحة للتعامل مع الملف السوري في إطار الجامعة العربية، “تلفزيون سوريا”، في 9 آذار/ مارس، الرابط https://2u.pw/KGPmv0، شوهد بتاريخ 9 آذار/ مارس.
[4] بشار الأسد: المحادثات مع تركيا يجب أن يكون لها أجندة محددة وواضحة، موقع تلفزيون سوريا، 10 آذار/ مارس، الرابط https://2u.pw/md5rXY، شوهد بتاريخ 10 آذار/ مارس 2023.
[5] الخارجية الأميركية لـ “العربي الجديد”: نعارض التطبيع مع الأسد، العربي الجديد، في 23 آذار/ مارس. الرابط https://2u.pw/8TUzlk، شوهد في 23 آذار/ مارس.
[6] “شهر المحاسبة”.. حملة أميركية للضغط باتجاه مساءلة النظام السوري وداعميه، موقع تلفزيون سوريا، 5 آذار/ مارس، الرابط https://2u.pw/9LNiqk، شوهد بتاريخ 5 آذار/ مارس 2023.
[7] ديانا رحيمة، مساعدة الاتحاد الأوروبي ضحايا الزلزال لا تعني التطبيع مع الأسد، صحيفة “العربي الجديد”، 3 آذار/ مارس، الرابط https://2u.pw/UZTfeF، شوهد بتاريخ 3 آذار/ مارس 2023.
[8] مباحثات بين السعودية والنظام السوري لاستئناف الخدمات القنصلية، صحيفة “المدن” الإلكترونية، 23 آذار/ مارس. الرابط https://2u.pw/BvFYLa، شوهد بتاريخ 23 آذار/ مارس.
مركز حرمون
————————————
سراب الفصل بين نظام الأسد وإيران (1)/ عمار السمر
كثرت الحكومات العربية التي تريد التطبيع مع نظام الأسد مبررة ذلك بعدم ترك سوريا للهيمنة الإيرانية. حديث العرب هذا أقدم مما يظنه البعض، ولا يرتبط بما يجرى في سوريا بعد الثورة 2011 ودعم إيران اللامحدود لنظام الأسد مادياً ومعنوياً وعسكرياً لقمع الانتفاضة السورية. فقد حاولت بعض الدول العربية في الماضي إبعاد الأسد عن إيران وأغدقوا عليه الأموال لسنوات ولكنهم لم ينجحوا في مسعاهم في أي مرة بل تعرضوا لابتزازه. وربما يعلمون هذه المرة أنهم لن ينجحوا، لأن الأسد الابن بقي بفضل الدعم الإيراني والروسي الجدي، وتخاذل داعمي الثورة السورية ومحاولتهم استغلالها، ومعاداة البعض لها وللربيع العربي. أما وقد بقي الأسد مسيطراً على سوريا فيرى هؤلاء أنه لا بد من التعامل معه وترغيبه بالعلاقات والمال وإعادة الإعمار عله يبتعد عن إيران، مع أن هذه السياسة اُتبعت أيام حافظ الأسد وأثبتت فشلها في الفصل بينه وبين إيران، حتى في المواقف المفصلية التي لا تحتمل المناورة التي أتقنها.
ما لا يعرفه كثيرون أن العلاقة الاستراتيجية بين نظام الأسد -منذ الأب- وإيران وبالتحديد الملالي وعلى رأسهم آية الله الخميني وجماعته قديمةٌ. ويظن هؤلاء خطأً أنها بدأت بعد “الثورة الإيرانية” عام 1979، عندما قدم الأسد الدعم بما فيها العسكري لإيران ضد العراق في “حرب الخليج” على خلفية الصراع بين نظام البعث في العراق بقيادة صدام حسين وبعث سوريا.
والصحيح أن العلاقة بين الأسد الأب والملالي تعود إلى ما قبل الثورة الإيرانية التي شاركت فيها جميع شرائح وتيارات الشعب الإيراني قبل أن يستولي عليها الخميني ويقصي من شاركه الثورة. لم يكن الأسد في وارد التفكير في دعم ثورة شعبية ديمقراطية ضد حكم الشاه الديكتاتوري، لكنه كان قد بدأ بنسج علاقات في المنطقة على أسس طائفية قدم بموجبها الدعم للخميني وجماعته مع أنه، في الوقت نفسه، كان يضطهد التيارات الإسلامية في سوريا قبل أن يدخل في مواجهة مفتوحة معها وصولاً إلى مجازر الثمانينات.
يُرجح أن تكون العلاقة بين الأسد والخميني قد بدأت منذ أن كان الأخير لاجئاً في النجف بالعراق. عبد الحليم خدام، نائب الأسد، في مذكراته التي نشرتها جريدة الشرق الأوسط، يُرجع الفضل في نسج تلك العلاقة إلى الإمام موسى الصدر، الزعيم الشيعي اللبناني الذي كان على علاقة قوية مع الأسد منذ استيلائه على السلطة في سوريا. وعلى حد تعبير خدام أيضاً في كتابه الضخم “التحالف السوري الإيراني والمنطقة” فقد كان الأسد يثق بالصدر ثقة عميقة ويعتبر الطائفة الشيعية في لبنان الأكثر قرباً من نظامه واستجابة له. ومن المعروف أن الصدر، الشخصية المثيرة للجدل، هو من قاد الصعود السياسي للشيعة في لبنان وتكتلهم في بداية السبعينات في كيان طائفي سياسي كباقي الطوائف بعد أن كانوا ينتمون إلى التيارات القومية واليسارية. وفي الفترة نفسها، كما هو معروف، اعتمد الأسد التضامن الطائفي لسيطرته على السلطة. وفي هذا السياق قدم الصدر المساعدة للأسد للخروج من أزمة “شكلية” واجهته بداية حكمه، عندما رفض العلماء السُنة السوريون أن يكون الأسد رئيساً لأنه علوي بينما العرف والدستور السوري ينص أن يكون الرئيس مسلماً، ولتجاوز المشكلة أصدر الصدر فتوى تعتبر العلويين أتباعاً للمذهب الجعفري شأنهم شأن الشيعة الاثني عشرية.
لم يكن الصدر مجرد زعيم ديني محلي فهو من مراجع الشيعة المعتبرين وله امتدادته وسط العلماء الشيعة في لبنان والعراق وإيران التي ولد فيها. وقد قدم الدعم لرجال الثورة الإيرانية قبل قيامها، بل كان العديد من قياداتها يعتبرونه مرجعهم، ومنهم أول رئيس لوزراء إيران مهدي بازركان، ووزير الخارجية إبراهيم يزدي ونائبه صادق طبطبائي ابن أخت الصدر. وعندما أسس الصدر حركة أمل كأول تنظيم سياسي لشيعة لبنان ساهم معه في ذلك مساعده القيادي الإيراني مصطفى شمران (چمران) الذي أصبح أحد أعضاء مكتبها السياسي قبل أن يُعين كأول وزير دفاع في إيران بعد الثورة وقائداً للحرس الثوري. ومن المعروف الدعم الكبير الذي قدمه الأسد لـ”حركة أمل” والشيعة في لبنان في سياق عبثه بالمكونات الطائفية لتحقيق مصالحه. وفي تلك المرحلة استخدم الأسد إمكانات الدولة السورية لدعم جماعة الخميني قبل ثورته، فمما تسرب إلى الصحافة العالمية تزويد الأسد رجال الخميني بجوازات سفر دبلوماسية سورية، وبطاقات صحفية سورية، لتسهيل تنقلهم في العالم. كما عرض على الخميني الإقامة في سوريا بعد أن طلبت منه الحكومة العراقية عام 1978 مغادرة العراق، ولكنه فضل الذهاب إلى باريس.
وفي دليل على تلك العلاقة الحميمة كان حافظ الأسد أول زعيم عربي، وربما في العالم، يرسل تهنئة رسمية لآية الله الخميني في 12-2-1979 أي ثاني يوم انتصار ثورته، كما ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية، وهو ما لم يذكره عبد الحليم خدام في كتابه المذكور آنفاً. وبمقابل حماس الأسد للخميني صدرت مواقف مغايرة عن باقي الدول العربية، فقد نظر العراق بتوجس وريبة على الرغم من أن الخميني كان لاجئاً سياسياً في العراق منذ 1963 وحتى 1978. أما السعودية فقد عبرت عن قلقها خاصةً من نفوذ الشيوعيين في الثورة قبل أن يعلن الخميني عن رغبته بتصدير ثورته. أما منظمة التحرير الفلسطينية، المتألمة من اتفاقية كامب ديفيد، فقد أصدرت بياناً “تنبأت فيه بقيام حكم عظيم يضع المنطقة على حافة تغييرات مصيرية”، قبل أن ينقض أتباع الخميني على الفلسطينيين في لبنان رغم احتضان منظمة التحرير لهم في البداية وتدريبهم مع المعارضة الإيرانية في معسكراتها. كما رحب بالثورة الإيرانية في البداية كثير من الإسلاميين في البلاد العربية، ومنهم الإخوان المسلمون، على اعتبار أنها جاءت في سياق المد الإسلامي في المنطقة، قبل أن يكتشفوا التوجهات الطائفية لها.
إذا أردنا الذهاب في تفسير العلاقات الطائفية واستخدامها سياسياً سنجد لها امتدادات تعود إلى مئات السنين، وقد كتب عنها العديد من المؤرخين. أما حديثاً فمن الواضح أن نظام الخميني ونظام الأسد استخدما التضامن الطائفي كأحد أهم أسس حكمهما وتحقيق مصالحهما الاستراتيجية. لذلك اعتبرت عصبة الأسد العلاقات مع ملالي إيران وباقي ملالي المنطقة علاقة استراتيجية تساعدها في مواجهة أي تهديد لسلطاتها مستقبلاً، وهو ما ثبت بعد 2011. واستخدام الأسد وعصبته للتضامن الطائفي ليس بجديد، فقد كان أساسياً في نسج علاقاتهم ومصالحهم، وتوسع هذا التضامن من استخدام العصبية الطائفية العلوية الأصغر إلى الشيعية الأكبر، وتعداه إلى التضامن الأقلوي الأوسع ليشمل طوائف وأقليات أخرى لها امتدادتها المحلية والإقليمية والعالمية. وبذلك يلتقي نظام الأسد مع إيران بما أصبح معلوماً للجميع بالتضامن الطائفي لتحقيق نفوذها في المنطقة عن طريق دعم المكونات الشيعية، وحال لبنان والعراق واليمن والبحرين ليس بخافٍ على أحد. ومن أجل تحقيق مصالحها استطاعت المكونات السياسية الطائفية (ملالي إيران، نظام الأسد، الحوثيين، الأحزاب الشيعية العراقية واللبنانية) أن تتجاوز الخلافات المذهبية العميقة بينها.
ويبدو أن الأسد الأب استطاع في البداية إدارة علاقاته مع إيران بما يحقق مصالحه ومصالحها، ويستثمر علاقاته معها لتحقيق مصالحه العربية والدولية، قبل أن تصبح إيران لاحقاً الطرف الأقوى في العلاقة، ويصبح الأسد أحد أطراف شبكة تأثيرها ونفوذها في المنطقة، وهو ما سيتناوله المقال التالي.
تلفزيون سوريا
————————–
تعويم بشار الأسد مدخلاً لإغراقه/ شادي علاء الدين
يحق للسوريين ما لا يحق لغيرهم في ما يخص مواقفهم من مشاهد الانفتاح العربي والدولي على بشار الأسد. مطالبتهم بالتوقف لأخذ مسافة من الحدث والنظر إليه بعقلانية لا تستقيم في ظل مجزرة جارية.
ما يبدونه من غضب إزاء مشاهد الاحتفاء به ينطوي على قدر كبير من الإيمان بفكرة الثورة، والإصرار على تصور مستقبل للبلاد لا مكان فيه للأسد والأسدية.
مسار التأهيل إذا ما أمعنا النظر إليه يكشف أن عمليّة التعويم ليست في حقيقتها سوى إغراق وإخراج للأسد من وضعية رئيس إلى وضعية مدير شؤون نفوذ دولي تتنازعه دول كبرى وقوية، لا يستطيع أن يفعل شيئا في مواجهتها. وجل ما يستطيعه هو السعي لتمرير صيغة ما قد تبقيه في الصورة لفترة، ولكنّها تنزع عنه كلّ ثوب السلطة والحق في اتخاذ القرارات.
استقبال الأسد جاء في لحظة خرج فيها من الصورة. الاحتفاء عمليّا ليس به بل بالدور الذي صنعته تلك الدول لنفسها في إطار استعدادها لإنهاء مرحلة الحرب في اليمن وتبعاتها، والنهوض لقيادة ثورة تكنولوجيّة واقتصاديّة كبرى.
لا شك في أن الاندفاع السعودي في هذا المجال ساهم في تسريع مبادرة دول الخليج للانفتاح على الدول المؤثرة في المنطقة والتعاون معها في ملفات تهدف إلى إنهاء الصراعات، والتفرغ لحروب انتزاع دور في عالم الاستثمار في التقنيات المتطورة.
السعودية ما زالت تبدي عداء شديدا للأسد وترفض أي تقارب معه، وقد أصدرت موقفا حاسما برفض الإتيان برئيس أسدي في لبنان.
ليس انفتاحها على إيران والميل إلى إنهاء الصراعات معها سوى عامل يصب في خدمة مشروع التطوير العام، والمرتبط بسوق التكنولوجيا الفائقة الذي لا شك في أنه سيحكم مسارات الاقتصاد والأمن والسياسة في المرحلة القادمة متفوقاً على النفط وغيره من السلع.
في هذه الظروف كان التعامل مع الأسد حدثا جانبيا لا وزن له، ولا يعدو كونه ترتيبا لعلاقة مع دول كبرى، ولا يحمل سمات العلاقات بين الدول سوى في الشكل.
لو كانت الأمور غير ذلك لكنا قد شهدنا حجز مقعد له في القمة العربية التي تستضيفها السعودية بشكل واضح ومباشر. لا يوجد حتى الآن إشارات واضحة لانفتاح سعودي على الأسد. وما يتم تناقله لا يعدو كونه إشارات مبهمة تتحدث عن تنسيق أمني ومخابراتي أفضى إلى إنتاج اتفاق بإعادة فتح السفارات بعد فترة قريبة. المفارقة في كلّ هذه التحليلات، التي صدرت تباعا قياسا على الانفتاح الخليجي على الأسد، أنها تربط الموضوع بتحسن العلاقات السعودية مع إيران، والشروع في إنهاء الخلافات معها، وترى أن تفعيل العلاقة مع الأسد ستكون النتيجة الحتمية للمسار التصالحي مع إيران.
في الحقيقة لا يخرج الاتفاق السعودي مع إيران عن ترتيبات سعودية خاصة بالشأن اليمني، ومن الواضح أن انعكاساته ترتبط بالشؤون الداخلية للبلدين حصرا.
وعليه لا يمكن النظر إليه خارج ما يقوله مباشرة، والذي يمكن تحديده بأنه صيغة ضبط، تنهي الصراعات المباشرة بما يفيد السعودية التي تجتهد لتقوية موقعها الاقتصادي في العالم، وتمكّن إيران المتهالكة من العودة إلى الداخل الملتهب، والسعي للحفاظ على تماسك نظام الحكم فيها، أما تدخلاتها الخارجية غير المتعلقة مباشرة باليمن فهي غير مدرجة في الاتفاق.
الدليل على ذلك أن السعودية لم تبد إثر الاتفاق اندفاعا إلى التدخل في الشأن اللبناني، وتالياً فإن الخطاب الذي يجعل من القمة العربية المزمع عقدها في الرياض في الـ 19 من أيار القادم قمة شرعنة الأسد يخالف مسارات الأمور. عنوانها المباشر كما صرح الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط سيكون “اقتصاديا، ويتناول كيفية مساعدة الأقاليم العربية المحتاجة”.
ينسجم الموقف السعودي مع صلابة الموقف القطري الذي لا يزال رافضا لأي شرعنة للأسد، كما أن المواقف السعودية من محاسبة مجرمي الحرب في سوريا ومرجعية قانون قيصر لا تزال ثابتة.
يعني ذلك أنه لا تطبيع فعليا مع الأسد في المرحلة المنظورة، وأن أي انفتاح مستقبلي عليه سيكون مرتبطا بمعادلات لا يملك القدرة على تحريكها أو التحكم فيها، ما يعني أن حضوره سيقتصر على التفاهم مع عمليات تقاسم النفوذ التي تجري من خلاله.
الإصرار الروسي على الدفع به إلى الواجهة جاء ضمن خطة تسريع الأمور في سوريا، من أجل التوصل إلى حلول تمكّن روسيا من تحقيق عائدات من استثمارها العسكري والميداني في الحرب السورية. هذا المشروع يتطلب استرضاء الدول التي ستتولى تمويل عمليات إعادة الإعمار التي تنظر إليها روسيا بوصفها الرافعة الاقتصادية الكبرى لها.
الانتقال إلى المرحلة التنفيذية يتطلب إغراق الأسد في دائرة من التسويات الإلزامية التي تقصّ نفوذه، وتحد من إمكانياته، وتقلص دوره ووزنه، وتخرجه من ساحة التأثير لتحوله إلى موظف تنفيذي وحسب، تقتصر مهمته على الحفاظ على الشكل الإداري للدولة ومؤسساتها.
ملامح المرحلة القادمة تفترض تجميد الأسد وتحويله إلى مترجم لنص النفوذ الروسي وتفاهماته المتشعبة عربيا ودوليا.
في نهاية المطاف لا بد من التأكيد أن الأسد لا يستطيع اكتساب شرعية وحضور خارج المجزرة لأنه لا يملك مشروعا خارجها. من هنا فإن كلّ المسارات التي تدفع في اتجاه سحبها من التداول لصالح حلول سياسية، مهما كانت صيغتها، ستجعل من هذا التعويم الظاهر على سطح الحدث عملية إغراق متكاملة الأركان، من شأنها إخراجه التام من الصورة، بعد أن يصبح مادة غير صالحة لأي نوع من أنواع التوظيف والاستهلاك.
تلفزيون سوريا
—————————–
أحداث وفقّاعات ومؤشّرات/ كمال عبد اللطيف
ليس كل ما يحصل في المجال السياسي وفي العلاقات الدولية اليوم، وتتداوله وكالات الأنباء، قابلاً للفهم والتعقل. إنه في كثير من أبعاده يشير إلى جملةٍ من المعطيات، ما تزال في أطوار تشكّلها، رغم كل ما تستوعبه من تصوُّرات ومواقف. ونَفترض أن تسمح صيرورة تطوّره بإدراك بعض أبعاد ودلالات ما يحمله من معطيات. كما يُمكن أن يسمح بإمكانية ذوبانه واندثاره، أو اتّخاذه مظاهر وأوجُهاً أخرى مختلفة عن الوِجهة التي كان عليها. ولهذا السبب، اعتبرنا، ونحن نُواجِه بعض الأحداث السياسية الجارية في مجال العلاقات الدولية، أننا بصدد وقائع سيكون لها ما بعدها في النظام الذي يحكم العالم اليوم. وتحمل هذه الأحداث العلامات الأولى التي يمكن أن تُولِّد، بالفعل، مؤشّرات مُحدَّدة، في دوائر الصراع المشتعلة في عالمنا، كما تحمل جوانب أخرى، منها طابع الفُقاعات والبالونات المستخدمة لقياس مستويات الوعي المرتبطة بها، إذ لم يعد من السهل في عالم مركَّب من عوالم متعدّدة ومتصارعة، ولم تعد تحكمُه ضوابط متوافَق بشأنها، إصدار أحكام قاطعة في موضوعات تتسم بكثير من التعقيد السياسي والتاريخي، وترتبط بأنماط من الصراع السياسي الدائرة اليوم في العالم.
الإشارة هنا إلى الأحداث والتعليقات، التي أُثيرت بمناسبة زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أخيراً، إلى بعض البلدان الأفريقية، وكذلك إلى ظاهرة هجرة أو تهجير بعض الأفارقة من جنوب الصحراء إلى بعض الدول في شمال أفريقيا، والنقاش الذي فَجَّره هذا الموضوع في فضاءات التواصل الاجتماعي، في كل من تونس والمغرب والجزائر، عن السكان الأصليين لشمال أفريقيا. ويرتبط الموضوع بأفق مشروع النهوض الأفريقي، كما يرتبط بالبحث في كيفيّات التخلص من الميراث الاستعماري، الجاثم فوق القارّة الأفريقية بأشكال وصور جديدة. أما الحدث الثاني الذي تريد هذه المقالة التوقف أمام بعض الإشارات التي يحملها، فيتعلق بالمبادرة التي أقدمت عليها الصين في ملفٍّ للمصالحة بين والسعودية وإيران، ونضيف إليها الخطاب الذي ألقاه الرئيس الصيني، شي جي بينغ، عن بعد، يوم 15 مارس/ آذار الحالي، في اجتماع ضَمَّ عديدين من قادة الأحزاب والمنظمّات السياسية لأكثر من 150 دولة، وذلك لمناقشة مشروع الطريق نحو التحديث ومسؤولية الأحزاب السياسية.
ويرتبط الجامع المركزي بين هذه الأحداث بمسألة التحوّلات الجارية في العلاقات الدولية. ونتصوَّر أنه يمكننا ربطها أيضاً بمجموع الأسئلة التي أثارتها وما تزال تثيرها الحرب الروسية على أوكرانيا، وقد دخلت سنتها الثانية، رَاسِمَةً أسئلةً عديدة في مجال تحوّلات النظام العالمي وكيفيات تطوُّره. ففي مختلف الأحداث أعلاه، نقف على أحداث وفقّاعات، كما نعثر على ملامح عامة لمؤشّرات مرتبطة بنظام التحوُّل الجاري في ميدان العلاقات الدولية.
إذا كنا نعتقد أن التحرّكات السياسية الصينية أخيراً ترتبط بالحرب الروسية على أوكرانيا بطابعها المُركَّب، فإنها، قبل ذلك، ترتبط بحضورها الاقتصادي الكبير في العالم اليوم، وسعيها إلى بلوغ مكانة تُناسب هذا الحضور، الذي يشمل كُلّاً من أوروبا وأفريقيا وأميركا. وترسم تحركاتها هذه شكلاً من أشكال مواجهتها أميركا، وهي تعبّر بواسطته عن حاجتها للمشاركة في بناء بعض أوجُه النظام الدولي الجديد. إنها عندما تُشرف على المصالحة الإيرانية السعودية تواجه التصعيد الأميركي ضد طهران، وتزاحم الولايات المتحدة في مواقعها في الخليج العربي، وتنطلق من وعيها بالدور الإقليمي لطرفي النزاع ومكانتهما في المشرق وفي الخليج.
تَرتَّب على المصالحة بين السعودية وإيران الحاصلة في اللقاء الثلاثي في مارس/ آذار الحالي بيان ثلاثي أعلن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران خلال الشهرين المقبلين، كما عمل على تفعيل بنود اتفاقية التعاون الأمني المعطّلة بينهما منذ 2001. ونفترض أن يشرع الطرفان في بناء علاقات جديدة، من أجل المساهمة في تطوير نظام العلاقات الدولية في عالم مُتغيِّر، عالم متعدِّد الأقطاب يسمح بفتح الأبواب أمام أنماط جديدة من العلاقات الدولية.
نجاح الصين اليوم في القيام بتحرّكات سياسية عديدة، مع روسيا ومع دولٍ عديدة في كل من أوروبا وأفريقيا، ونجاحها اليوم، في الإشراف والعناية بتدبير وساطة جغرافية سياسية، ذات صلة بالنفوذ الأميركي والصراع الإقليمي في المشرق وفي الخليج العربيين، دليل على فعالية الخطوات التي تمارس من أجل موقع في دوائر الصراع العالمي. أما تطوير علاقاتها مع إيران فيتمثل في الاتفاقية التي أبرمت معها في موضوع التعاون الاستراتيجي في قطاع الطاقة، الأمر الذي يساهم بدوره في تقليص الدور الأميركي في هذا المجال بالذات.
لم تكتف الصين ضمن تحرّكاتها السياسية أخيراً بما ذكرنا، بل انخرطت في تقديم تصوُّرها للتحديث، حيث رسمت في خطاب التحديث الذي قدّمه رئيسها أمام عديد من قادة الأحزاب السياسية وممثليها في العالم، تصوُّرها للتحديث والتنمية والشراكة والتقدّم، إذ أعلن أنها لن تسلك طريق النهب التي اختارت الدول الاستعمارية في القرن 19، واقترح مبادرة الحضارة العالمية، مؤكّداً أن عقلية الحرب الباردة متواصلة، وأن تحديث البشرية يقف اليوم أمام مفترق طرق، حيث تُظهر أحداث اقتصادية وسياسة ومالية أننا في بدايات عالم جديد، رغم كل الفجوات التي تتّسع كل يوم في مجال التنمية، ورغم مختلف مظاهر التدهور الإيكولوجي الناتجة عن أشكال تطوّر الصناعات، وتطوُّر علاقة الإنسان بالطبيعة في عالم متغيِّر.
لا يتردد الخطاب في استعمال مفردات مألوفة في تاريخ التمهيد للهيمنة الأميركية والغربية على العالم، رغم أنه يتوخّى إصلاح ما يسميه “نظام الحكم العالمي” وتطويره. يتعلق الأمر بالحديث عن “نظام دولي أكثر عدلاً وإنصافاً … يدفع عجلة تحديث البشرية في بيئةٍ تسودها المساواة في الحقوق وتكافؤ الفرص والقواعد المنصفة للجميع”. وهو لا يتردّد، أيضاً، في اقتراح حلول لتضييق الفجوة بين الشمال والجنوب، وتحقيق التنمية المشتركة. إلا أن ما نُعاينه خارج الخطاب المعلن وحوارها المتواصل مع روسيا وإيران، واستمرار مواجهتها للمصالح الغربية، وسعيها إلى مزيدٍ من تعزيز علاقاتها السياسية والدبلوماسية في أفريقيا وفي الخليج العربي، وقيامها اليوم بمصالحة إيران مع السعودية، إذ تتغنّى بالتحديث والتسامح والتعايش والتبادل، وتقترح مبادرة الحضارة العالمية! فهل نقف اليوم أمام أحداثٍ أم أمام خطاباتٍ تمهّد لما نقترب من رؤيته فعلاً في عالم متغيِّر؟
العربي الجديد
—————————-
كبتاغون نظام الأسد.. “رسالة باتجاهين” وراء العقوبات الأميركية-البريطانية/ ضياء عودة
توجه العقوبات الأميركية – البريطانية المزدوجة التي استهدفت، الثلاثاء، شبكات الكبتاغون والمخدرات التابعة للنظام السوري رسالة باتجاهين، بحسب ما يقول خبراء ومراقبين لموقع “الحرة”، الأولى تتعلق بالتحديد بمسار هذه التجارة التي باتت تدر مليارات الدولارات على عائلة الأسد، والثانية ترتبط بما يشهده المحيط العربي اتجاه دمشق، من “مباحثات تطبيع وإعادة تعويم”.
وكان لافتا في هذا الإجراء أنه جاء في توقيت واحد من جانب واشنطن والمملكة المتحدة، فيما استهدف شخصيات وكيانات ضالعة في تجارة “الكبتاغون”، ليس في سوريا فحسب، بل في لبنان، ليلاحق من يمررون الشحنات عبر الحدود، من أبناء عمومة رأس النظام السوري، وصولا إلى الجنوب مع الأردن، عبر قياديين سابقين في فصائل المعارضة، وانضما مؤخرا إلى شعبة المخابرات العسكرية.
وعزت وزارة الخزانة الأميركية، فرض عقوبات على مرتبطين بالنظام السوري، شملت كيانين و6 أشخاص، بينهم لبنانيان، إلى علاقة هؤلاء الكيانات والأشخاص بتجارة مخدرات تدر عوائد هائلة على النظام السوري، وذكرت أن التقديرات تشير إلى أن تجارة الكبتاغون، وهي من المنشطات الخطرة، أصبحت تدر مليار دولار على الأخير.
واعتبرت “الخزانة الأميركية” أن هذه العقوبات تسلط الضوء على الدور المهم لمهربي المخدرات اللبنانيين، الذين يحتفظ بعضهم بعلاقات مع “حزب الله”، لتسهيل تصدير الكبتاغون، فيما أبرزت “هيمنة عائلة الأسد على الاتجار غير المشروع بالكبتاغون وتمويل عمليات القمع في البلاد”، إذ شملت القائمة سامر كمال الأسد، ووسيم بديع الأسد، وخالد قدور الشخصية الواجهة لشقيق رئيس النظام، ماهر الأسد.
وفي غضون ذلك فرضت المملكة المتحدة عقوبات على عدد من المسؤولين عن تجارة “الكبتاجون” غير المشروعة في سوريا، مقدرة قيمتها بما يصل إلى 57 مليار دولار لصالح النظام، وهو ما يقارب ثلاثة أضعاف تجارة المخدرات الإجمالية للعصابات المكسيكية.
وقالت الناطقة باسم الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، روزي دياز، إن 80 بالمئة من إنتاج “الكبتاغون” في العالم يصدر من سوريا، وإن ماهر الأسد يشرف شخصيا على هذه التجارة في الخارج.
ماذا تعني العقوبات؟
يوضح الباحث الأول في “البرنامج السوري للتطوير القانوني” ومقره لندن، إياد حميد، أن العقوبات الأميركية على مصنعي وتجار الكبتاجون في سوريا ولبنان صدرت تحت عدة قوانين.
ومنها الأوامر التنفيذية، التي جرت العادة أن تصدر الإجراءات بموجبها، مثل 13572 و 13582، إضافة إلى 13886 والخاص بمكافحة الإرهاب.
لكن اللافت للانتباه ضمن قائمة الأسماء المستهدفة هو إدراج كل من سامر الأسد وخالد قدور بموجب “قيصر”، إذ يقول حميد لموقع “الحرة” إن القانون لم يستخدم ضد الأفراد إلا في حالات قليلة جدا (أربعة أسماء في صيف 2020 وعدد من الشركات المرتبطة بهم).
ويضيف أن العقوبات الأميركية لم تصدر بموجب قانون “الكبتاغون”، الذي حصل على توقيع الرئيس الأميركي في ديسمبر الماضي، ولكنه “بانتظار استراتيجية متكاملة من الدوائر المعنية في الحكومة الأميركية، والتي يتوقع أن تتم بحلول يونيو المقبل”.
وفي غضون ذلك تأتي قائمة العقوبات البريطانية بموجب قانون العقوبات الخاص بسوريا، وتشمل أسماء إضافية، كانت ذكرت في تحقيقات صحفية مرتبطة بضبط شحنات الكبتاغون في أوروبا.
ويشير حميد إلى أن العقوبات الحالية جاءت نتيجة لجهد متواصل على مدى العامين الماضيين على الأقل، منذ تبين حجم التجارة، وإلى أنه “هناك عدد من الباحثين السوريين وغير السوريين ممن بذلوا جهودا كبيرة في التحقيقات التي سلطت الضوء على المشكلة”.
وتعتقد المحللة السياسية في مركز “نيو لاينز” للاستراتيجيات والسياسات بواشنطن، كارولين روز، أن “العقوبات سيكون لها تأثير كافٍ في كبح العناصر التي يرعاها النظام في تجارة الكبتاغون، بالنظر إلى مدى إنتاج الحبوب في المناطق التي يسيطر عليها”.
وتقول المحللة لموقع “الحرة”: “القوائم المستهدفة واسعة النطاق تشير إلى الدور المتنامي للفرقة الرابعة السورية، والمسؤولين ورجال الأعمال المتحالفين مع النظام، وحزب الله والميليشيات المدعومة من إيران”.
وفي حين لا تتوقع روز أي عقوبات إضافية في المستقبل القريب، ترى أنه و”مع ظهور المزيد من الأدلة التي تحدد جهود تهريب الكابتاغون ستكون هناك أسبقية لفرض عقوبات”.
“رسالة باتجاهين”
وعلى مدى السنوات الماضية أصبحت سوريا بنظر دول عربية وغربية “دولة مخدرات”، وارتبط ذلك بكم الشحنات الكبيرة التي خرجت منها، وعبرت الحدود لتصل إلى مصر والسعودية والأردن ودول أبعد، كإيطاليا واليونان ورومانيا.
وتنوعت هذه الشحنات ما بين “حبوب الكبتاغون” و”أكف الحشيش”، بينما اختلفت طرق تهريبها. تارة بعلب الحليب وأوراق الشاي، وأخرى ضمن لفافات الورق المقوّى وأطباق البيض وحبات الفواكه.
وبحسب تقارير أمنية لعدة دول، فإن النظام السوري يعتبر المسؤول الأول عن تهريب وتصنيع ما تحتويه هذه الشحنات، والتي تحولت شيئا فشيئا إلى “مكسب تجاري كبير”، يعود بالفائدة الاقتصادية عليه من جهة، وعلى “حزب الله” اللبناني الذي ينتشر وكلاؤه في مناطق متفرقة داخل سوريا من جهة أخرى.
وبينما لم تتوقف الشحنات تارة إلى الشرق وأخرى إلى الغرب أقر مجلس النواب الأميركي مشروع قانون ووقع عليه الرئيس بايدن، في سبتمبر العام الماضي لـ”تعطيل وتفكيك شبكات إنتاج المخدرات والاتجار بها”.
ويهدف القانون، بحسب بنوده، إلى تعطيل وتفكيك شبكات إنتاج المخدرات المرتبطة برئيس النظام السوري، بشار الأسد.
وحتى الآن لا تعرف الآليات التي قد تترجم بناء على التشريع المذكور.
كما من غير الواضح الأثر الذي ستشكله العقوبات الأميركية – البريطانية على صعيد التجارة العابرة للحدود، وخاصة أن من يقودها “أناس خارجون عن القانون”.
وبدورها تشير المحللة السياسية كارولين روز إلى أن “العقوبات الأخيرة توجه رسالة بشكل ساحق إلى النظام السوري بأن العالم يراقبه، وبالتالي يحذره مع مسؤوليه”.
وبالإضافة إلى ذلك “فإن توقيت هذه العقوبات ملحوظ وسط موجة جهود التطبيع بين اللاعبين الإقليميين”، لإعادة العلاقات مع نظام الأسد، حسب ما تقول روز.
وكانت الأسابيع الماضية شهدت تحركات عدة من جانب دول عربية لإعادة تطبيع علاقاتها مع النظام السوري، ورغم أن ذلك حصل في أعقاب كارثة الزلزال المدمّر، إلا أن مراقبين وتصريحات مسؤولين أشارت إلى موقف مستجد قد يطوي صفحة العواصم العربية مع الأسد.
وارتبطت هذه التحركات بدولة الإمارات ومصر وسلطنة عمان والأردن، وصولا إلى المملكة العربية السعودية، التي تعتبر الأكثر تضررا من تجارة الكبتاغون، ولطالما أعلنت عن ضبط شحنات مصدرها سوريا ولبنان.
ويعتبر الدكتور في الاقتصاد والزميل الأول في “نيو لاينز” كرم شعار أن “العقوبات أثرها محدود لكنه إيجابي”، بينما “ترسل رسائل واضحة للدول الساعية باتجاه التطبيع مع النظام السوري وللمنتجيين الحاليين والمحتملين للمخدرات”.
ومفاد هذه الرسالة، وفق ما يقول شعار لموقع “الحرة” أن “الدول الغربية مثل بريطانيا والولايات المتحدة على وعي كامل بدرجة انتشار المخدرات ودور النظام السوري المحوري فيها”.
من جانب آخر يشير الباحث إلى “أهمية رمزية أكثر من أهمية على أرض الواقع”، ويوضح أنه “وعند النظر على مشكلة من هذا النوع يتم تقسيمها لشقين الأول له علاقة بعرض المخدرات والثاني بالطلب”.
“التأثير على الطلب صعب نظرا لمسار وتبعات الإدمان”، ولذلك تتوجه السياسات على نحو أكبر للتعامل مع العرض بشكل أنجح، سواء بالقوة أو بالترغيب، حسب ذات المتحدث.
من جهته يرى الباحث القانوني، إياد حميد، أن العقوبات المفروضة “تعكس تطور الاستراتيجية الأميركية لمكافحة تجارة الكبتاغون وجديتها، وخاصة بعد إصدار القانون الخاص بها نهاية العام الماضي”.
ويضاف إلى ذلك “الضغوط السياسية المتواصلة في واشنطن والتصريحات من قبل النواب الجمهوريين المطالبة بتحريك قوانين العقوبات ضد نظام الأسد، وخاصة قانون قيصر”.
وتصاعدت هذه المطالب، وفق حميد، في الفترة الأخيرة أيضا، بعد موجة التطبيع الآتية من الدول العربية في الشهرين الماضيين.
ولكن استهداف أفراد منخرطين في شبكات التهريب وتصنيع الكبتاغون يشدد على محورية التجارة في العقوبات الصادرة من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا.
وبينما لا يزال من غير الواضح الأثر الذي قد تشكّله العقوبات، وكيف ستستطيع أن تشمل أنشطة غير قانونية ولا تمر عبر الأطر التجارية والمالية القانونية، ويشير الباحث حميد إلى أنها “رسالة واضحة للأطراف المعنية داخل سوريا وفي المنطقة بعدم الرضا عن هذه التجارة”.
واعتبر أنه يفترض بأن تكون استراتيجية واشنطن لمكافحة الكبتاغون شاملة وتحمل خطوات أبعد من العقوبات فقط، منها على سبيل المثال تعزيز العمل الدبلوماسي والتنسيق الأمني مع حلفاء واشنطن في مكافحة هذه التجارة، فيما يظل الحل الأنجع هو تطبيق حل سياسي في البلاد.
الحرة
——————————–
رغم تقارب سوريا وجيرانها.. لا تغيير بموقف واشنطن تجاه الأسد
وزارة الخارجية الأميركية لـ”العربية.نت”: معارضتنا للتطبيع لم تتغيّر.. ونحن كنّا واضحين حول هذا الموضوع
عبّرت الولايات المتحدة على لسان وزير الخارجية أنتوني بلينكن عن غضب واضح تجاه النظام السوري ورئيسه بشار الأسد، عندما علّق بلينكن على العقوبات التي فرضتها الحكومة الأميركية، يوم الثلاثاء، على أقارب للرئيس السوري.
ربط بلينكن مباشرة بين أفراد عائلة الأسد وشخص الرئيس وتجارة المخدرات، فيما ربط بيان وزارة الخزانة الأميركية بين هذه المجموعة من أفراد أسرة الأسد وتجارة المخدرات وحزب الله الذي تصنّفه الولايات المتحدة “تنظيماً إرهابياً”.
مديرة مكتب العقوبات الأميركية قالت أيضاً إن “سوريا أصبحت في واجهة إنتاج الكبتاغون الذي يتسبب بالإدمان وأغلبه يهرّب من لبنان”.
مأساة سوريا
يعبّر الكلام الأميركي عن موقف لدى الإدارة الأميركية الحالية من النظام السوري، وعند التحدّث إلى موظفي الإدارة الأميركية من السهل ملاحظة كلامهم الممزوج بالعاطفة، فهم يقولون إنه لا يمكن أن ننسى ما شهدناه من أحداث غير معقولة في السنوات الـ12 الماضية، ولا يمكن نسيان صور الاعتداءات على الإنسانية، حسب تعبيرهم.
يشدّد الأميركيون على أنه من الضروري أن تكون هناك محاسبة، وأن حدوث الزلزال ووقوع الضحايا “لا ينسيان ما فعله نظام الأسد”، ويضيفون أنه لو كان بشار الأسد جدّياً في معالجة المشاكل فإن القرار 2254 موجود، ويستطيع الالتزام به، والمقصود دائماً الوصول إلى حل سياسي في سوريا.
تشدد الإدارة الأميركية الحالية على أنه لا يمكن وليس من الطبيعي أن يتم استغلال قضية الزلزال للتفلّت من المحاسبة، والمحاسبة في صلب المقاربة الأميركية للوضع في سوريا، ويشدد الأميركيون على أنه لا يجب أن يستفيد الأسد من الوضع الحالي.
معارضة التطبيع
كما تؤكد الإدارة الأميركية أنها لا تشجع الزيارات إلى سوريا أو زيارات المسؤولين السوريين إلى الدول العربية. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية في تصريح لـ”العربية.نت”: “معارضتنا للتطبيع لم تتغيّر، ونحن كنّا واضحين حول هذا الموضوع”.
وقد شعرت الإدارة الأميركية بأن الأوضاع ذهبت خلال الأسابيع الماضية لمصلحة النظام السوري، وحاولت بقوة لكن من دون الكثير من الدعاية، ضبط هذه الاندفاعة بين دمشق والدول الجارة، سواء كانت تركيا أو الأردن أو غيرهما.
وقد عقد اجتماع للدول المهتمة بالوضع السوري في عمّان يوم 21 مارس/آذار الحالي وصدر بعد يومين، أي في يوم 23 مارس/آذار، بيان مشترك تحدّث عن ضرورة إيصال المساعدات إلى كل السوريين المتضررين من الزلزال، وقد تضمّن البيان فقرة أخيرة تشير إلى أن كل الدول الحاضرة تدعم تطبيق القرار 2254.
كان الدبلوماسيون الأميركيون قلقين خلال الاجتماع، وبحسب معلومات “العربية” و”الحدث” سعى الأميركيون إلى إقناع الدول المشاركة بضرورة إعادة الالتزام بالقرار الدولي وبالعملية السياسية في سوريا، وقد أخذ الأمر يومين بعد انتهاء الاجتماع ليصدر البيان.
ربما يكون الزمن بين انتهاء الاجتماع وصدور البيان مؤشرا على العراقيل التي تواجهها واشنطن في تأكيد الالتزام بالقرار، لكن مصادر الاجتماع ومصادر “العربية.نت” في واشنطن تقول إن السبب تقني فقط ويعود إلى كون المشاركين ذهبوا إلى بلدانهم وإلى مناطق مختلفة، وأخذ الأمر وقتاً للتأكد من الموافقات.
المراوحة والمحاولات
ربما نجح الأميركيون في إصدار البيان، لكنهم لا يبدو أنهم نجحوا في إعادة الأمور إلى حالها، فوزير خارجية الأردن أيمن الصفدي قال في لندن منذ أيام، إنه ستكون هناك تحركات جديدة، وإن الأمور ستكون مبنية على أساس “خطوة مقابل إنجاز”.
لم يفصّل وزير الخارجية الأردني كل الخطوات وما هو مطلوب لكن معلومات “العربية.نت” تشير إلى أن الأردن وتركيا متوافقان على أن الولايات المتحدة ليس لديها في المدى المنظور أي حل في سوريا، فيما قضية اللاجئين السوريين على أراضي الدولتين ضاغطة على حكومات هذه الدول وميزانيتها، وتريد كل من عمّان وأنقرة المبادرة لحل المشاكل ولا تريدان انتظار واشنطن.
ما تطرحه العاصمتان على الأميركيين هو أن يتم الوصول إلى خارطة طريق، وكلما حقق النظام السوري مطلباً يقدّم الطرف الآخر خطوة دبلوماسية. ويشمل أحد السيناريوهات أن تعيد سوريا أرقاماً من اللاجئين أو تمنع تهريب المخدرات فيقوم الطرف الآخر بخطوة رسمية تجاه النظام السوري.
أجنحة الإدارة
لا يعترض الأميركيون على أنه من الضروري تحسين أوضاع المواطنين السوريين، وأن على دول العالم والجوار مساعدتهم على تحسين أوضاعهم، وهذا ما أكده المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية لهذا التقرير، لكنهم ما زالوا عاجزين عن قيادة مسار يكسر الجمود في الوضع السوري، كما أنهم عاجزون عن ضبط خيارات دول المنطقة في حل مشاكلها.
بعض المعلومات في العاصمة الأميركية تشير إلى أن هنا اختلافاً في مقاربة “أجنحة” الإدارة الأميركية للوضع في سوريا، فوزارة الخارجية تبدو أكثر تشدداً مع النظام السوري، فيما يبدو العاملون قرب الرئيس الأميركي أكثر براغماتية، بمعنى أن العاملين في البيت الأبيض لا يرفضون محاولة تركيا والأردن حل مشاكلهما بالتحدّث إلى النظام السوري، ويرى المقرّبون من الرئيس جو بايدن أن واشنطن لا يجب أن تعترض على هذه المسارات، “فالنظام السوري لن يقدّم لهذه الدول الحلول التي تحتاجها على أي حال”.
———————-
جنوب سوريا: ليس بالعقوبات وحدها يقضى على «الكبتاغون»/ رياض الزين
قادة محليون شددوا على عمل عسكري ضد المروجين
قلل قادة محليون في جنوب سوريا من تأثير العقوبات التي فرضتها أميركا وبريطانيا على شخصيات سورية، بعضها من الجنوب، متورطة بالعمل مع النظام السوري في تجارة الكبتاغون، مؤكدين أن مكافحة هذه الظاهرة تتطلب التوجه إلى المنطقة مباشرة بقوة عسكرية وإطلاق مشاريع خدمية وتنموية تولد فرص عمل للناس.
وكانت وزارة الخزانة الأميركية أعلنت في بيان، الثلاثاء، أنها فرضت عقوبات على 6 أشخاص، سوريين ولبنانيين وشركتين، حلفاء للنظام السوري وميليشيات «حزب الله». وذكرت في بيانها اسم القيادي المحلي في محافظة درعا عماد أبو زريق المتحدر من بلدة نصيب شرق درعا على الحدود السورية الأردنية، من ضمن الأسماء التي أدرجتها بالعقوبات.
وبدورها، أعلنت الحكومة البريطانية، الثلاثاء، فرض عقوبات على 11 كياناً مرتبطاً بالنظام السوري بينهم ثلاثة من قادة مجموعات محلية؛ اثنان من درعا هما: عماد أبو زريق ومصطفى المسالمة الملقب بـ«الكسم»، وآخر من محافظة السويداء وهو راجي فلحوط. وذكر البيان أن هذه الأسماء متورطة في عمليات تهريب وصناعة الكبتاغون في جنوب سوريا.
«الشرق الأوسط» سألت، أمس (الأربعاء)، أحد القادة المحليين في درعا عن تأثير العقوبات البريطانية والأميركية الأخيرة على تجارة وتهريب المخدرات من جنوب سوريا، فرأى أن «العقوبات الجديدة التي شملت شخصيات محلية جنوب سوريا تبدو غير مؤثرة على المعضلة التي تعاني منها المنطقة بتفشي المخدرات، وتحويل الجنوب إلى منطقة عبور لدول الجوار، نتيجة لعدة أسباب منها أن العقوبات جاءت على شخصيات هامشية في الجنوب، فالأسماء المطروحة لا تعدو كونها أدوات بيد جهات أمنية نافذة». وأضاف المتحدث، وهو من المشاركين في العمليات العسكرية الأخيرة ضد خلايا «داعش» وتجار المخدرات في المنطقة: «كما أن الأمر بعيد التنفيذ في الوقت الحالي؛ إذ لا تملك الإدارة الأميركية أو البريطانية أي وسيلة ضغط لتسليم المعاقبين الذين ذكروا أو إيقافهم، ولا يملك هؤلاء القادة أي مصالح أو علاقات أو ممتلكات تربطهم مع دول الجوار يمكن أن تكون أدوات للضغط عليهم»، مضيفاً أن «المنطقة الجنوبية فيها العشرات من الضالعين في تجارة وترويج وتهريب الكبتاغون، ومنهم من هو أهم من الأسماء المستهلكة والمشهورة أساساً التي ذكرت بالعقوبات الأخيرة، حيث هناك العديد من المجموعات والقادة العاملين في هذه التجارة أبرزهم في منطقة اللجاة شمال درعا، وبلدة خراب الشحم غربي درعا على الحدود السورية الغربية مع الأردن، وبلدة الشعاب جنوب شرقي السويداء على الحدود السورية الشرقية مع الأردن، وتتغطى هذه المجموعات بالعلاقة مع الأجهزة الأمنية وخاصة أن كثرة الفاسدين في هذه الأجهزة الأمنية ينظرون للحال السورية الحالية، وكأنها مرحلة الجني تحت أي ظرف وطريقة، والقادة المحليون الذين يتم تجنيدهم مثل أبو زريق والكسم وغيرهم العشرات، يجدون من هذه المشاريع وسيلة يحققون بها منفعة سلطوية بوسط عشوائي غير أمن وغير مستقر، ومنفعة مادية وسط ظروف اقتصادية ومعيشية متردية».
ورجح المصدر أن «تكون هذه العقوبات الجديدة بداية لتطبيق قانون مكافحة الكبتاغون الذي أصدرته أميركا مؤخراً، وقد تشهد المنطقة عمليات محدودة عبر أشخاص يتم تجنيدهم تحارب هذه الشخصيات، لكن من الممكن عودة أسماء وتجار جديدة باعتبار أن المنطقة ووضعها الأمني والاقتصادي والمعيشي، تعتبر بيئة خصبة لإنتاج مثل هذه الشخصيات والمجموعات والمشاريع». وأوضح أن «الحل بالتوجه للمنطقة بشكل مباشر، وتركيز القوة العسكرية لفصيل تقع عليه ثقة كل الأطراف يكون صاحب قوة ونفوذ وسلطة بالمنطقة، بمعنى يجب تطوير العمل الأمني وتفكيك الشبكات المختصة في تهريب المخدرات باستخدام القوة، كما يجب تقديم الدعم الاجتماعي وإطلاق مشاريع خدمية وإنعاشية بالمنطقة تحقق فرص عمل ودخلاً مناسباً، ومساعدات تقدم للمنطقة تعيل العاطلين عن العمل والعائلات، وتوفير البرامج العلاجية والتأهيلية. ويتطلب ذلك جهوداً مشتركة من المجتمع والحكومة والمنظمات الدولية، وتنسيق الجهود وتكثيفها للوصول إلى نتائج فعالة.
ويرى محمد الزعبي، الناشط في جنوب سوريا، أن الأسماء المستهدفة في محافظة درعا بالعقوبات الأخيرة، وهم: عماد أبو زريق ومحمد مسالمة (الكسم) وراجي فلحوط، كانوا قبل تسويات عام 2018 من القادة الذين اعتمدت عليهم غرفة الموك وممن كانوا على صلات جيدة بالطرف الأميركي والأردني، ومع إغلاق غرفة الموك فقدت دول المنطقة أي تواصل لها مع هذه القيادات السابقة، وبالتالي فقدت أدواتها في إمكانية السيطرة أو فرض الإملاءات عليهم، الأمر الذي أعطى مادة جاهزة للنظام وحلفائه لاستثمارهم بعد التسويات فوضعت هذه القيادات نفسها هي وفصائلها تحت تصرف الجهات الأمنية أو ميليشيات «حزب الله»، وإدراجها ضمن العقوبات يؤدي إلى زيادة ارتباطها العضوي بالنظام باعتباره الملجأ الوحيد لها، ولن تكون العقوبات عليهم بالرادع والمؤثر؛ لغياب وسائل الضغط والتدخل بهم، إلا من خلال النظام نفسه.
– أبو زريق
ويعتبر عماد أبو زريق من ذوي الاحتياجات الخاصة، وهو قيادي سابق في المعارضة ضمن ما كان يسمى «جيش اليرموك» ثاني أكبر فصيل معارض في جنوب سوريا قبل عام 2018، وبعد أن فرضت التسويات على المنطقة عاد عماد أبو زريق من الأردن عبر وساطة مع جهاز الأمن العسكري بدرعا، وتسلم قيادة مجموعته السابقة وإدارة أمن القرى والبلدات الشرقية من ريف درعا الجنوبي المحاذي للأردن؛ انطلاقاً من معقلها في بلدة نصيب المتاخمة لمعبر نصيب – جابر على الحدود، وفي بلدات أم المياذن، وأم ولد، وصيدا، والنعيمة.
– «الكسم»
مصطفى المسالمة الملقب بـ«الكسم» كان غير معروف أو صاحب سلطة مثل عماد أبو زريق قبل عام 2018 في فصائل المعارضة، وكان يقود مجموعة صغيرة في مدينة درعا البلد تسمى «كتيبة أحفاد خالد بن الوليد»، ومع سيطرة النظام برعاية روسية على المنطقة عام 2018 تحولت إلى قوات تابعة لجهاز الأمن العسكري وصارت تعرف محلياً باسم «مجموعة الكسم»، وشاركت في معظم عمليات النظام الأمنية والعسكرية على مدينة درعا بعد التسويات، واتُّهمت مجموعته بعمليات اعتقال واغتيال وخطف، وامتلاكها مصنعاً لإنتاج حبوب الكبتاغون في أحد مقراتها بضاحية مدينة درعا.
– فلحوط
أما راجي فلحوط فهو قيادي لمجموعة محلية في مدينة السويداء كانت تعرف باسم «قوات الفجر» التابعة لشعبة المخابرات العسكرية في سوريا في بلدة عتيل بريف السويداء، بعد عدة انتهاكات نفذتها مجموعته من عمليات قتل وخطف وسلب وتجارة بالمخدرات والسلاح، تعرضت مقراته لهجوم عنيف شارك فيه معظم فصائل محافظة السويداء المحلية، وتمكنت حينها من القضاء على قادة مجموعة «قوات الفجر» ودخول مقراتهم، وعثر على معمل لإنتاج المخدرات في مقره ببلدة عتيل وتم تدميره وتفكيكه من قبل حركة رجال الكرامة في 28 يوليو (تموز) 2022 الماضي، فيما لا يزال مصير راجي مجهولاً حتى الآن.
الشرق الأوسط»
————————-
الجنائية الدولية: لماذا بوتين… وليس الأسد؟/ محمد كريشان
اقترح المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرة توقيف دولية ضد الرئيس السوري بشار الأسد، مشيرًا إلى «وجود ملف صلب ضده». وأضاف في حديث لشبكة التلفزيون الرسمية الكندية أن «تنفيذ هذه المذكرة يمكن أن يعهد به الى قوات دولية ومحلية». وأعرب المدعي العام عن أسفه قائلا «لكن لم نخطط لوضع ذلك موضع التنفيذ» مشددًا على أن «إرسال قوات أجنبية لاعتقال الأسد لن يشكل اجتياحًا لكنه يحقق العدالة» مؤكدا أن «الأسد لايزال يتحدى لأننا لا نفعل شيئا غير الكلام».
ولأننا «لا نفعل شيئا غير الكلام» فإنه لا بد من المسارعة إلى الإشارة إلى أن هذا التصريح لم يأت على لسان المدعي العام الحالي للمحكمة كريم خان بل سلفه لويس مورينو أوكامبو، كان أدلى به تحديدا في نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، أي بعد أقل من عامين من اندلاع الثورة ضد حكم بشار الأسد، وقبل أن تصل الفظاعات التي ارتكبها إلى الدرجة التي يعرفها القاصي والداني.
وإذا كان أوكامبو استعمل عبارة «صلب جدا» لوصف ملف الانتهاكات والجرائم التي ارتكبها الأسد بعد 20 شهرا فقط فترى أي وصف يمكن أن يطلق على حصيلة 12 عاما كاملة من الدماء والدموع دفعت بنصف الشعب السوري بين نازح أو لاجئ؟! ومع كل ذلك، لم تر محكمة الجنايات الدولية وجاهة في إصدار مذكرة توقيف في حق الرئيس السوري لكنها مع ذلك سارعت إلى إصدار واحدة ضد الرئيس الروسي بعد عام واحد فقط من اندلاع حربه على أوكرانيا.
لا فائدة طبعا في تكرار «مناحة» عدم التحرك ضد رؤساء غربيين ارتكبوا فظاعات موثّقة في العراق وأفغانستان وغيرهما، ولا فائدة كذلك من الهتاف ضد «المعايير المزدوجة» التي جعلت كل رؤساء الوزراء الإسرائيليين في مأمن من أية ملاحقة دولية صغيرة أو كبيرة، لأن الإجابة معروفة وهي أن هؤلاء «يحقّ لهم ما لا يحق لغيرهم» وأنهم فوق القانون الدولي رغم أنف الجميع. لا فائدة أيضا من التساؤل عن سبب ما تبديه الآن العدالة الدولية مثلا من «رحابة صدر» واضحة في مطالبة حكام السودان بضرورة التسليم الفوري للرئيس المخلوع عمر البشير للمحاكمة عن الجرائم المنسوبة إليه في إقليم دارفور لأن هؤلاء الحكام، بفضل علاقاتهم مع إسرائيل والولايات المتحدة، استطاعوا مراعاة نوع من «ظروف التخفيف» إلى حد الآن على الأقل.
غض نظر محكمة الجنايات الدولية عن الجرائم التي يتهم بها بشار الأسد، وعدم إصدار مذكّرة توقيف بحقه، هو تحديدا ما جعل العالم يقبل تدريجيا، وبدرجات متفاوتة، فكرة بقائه «في حالة سراح» لا تلاحقه سوى تقارير منظمات حقوق الإنسان الوطنية والدولية وبعض المحاولات التي لا حظ لها من النجاح مثل تلك القضية التي رفعتها ضده في مارس/آذار 2019 مجموعة محامين لتكون أول قضية ترفع ضد الأسد، في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي باسم 28 لاجئا سوريا في الأردن، قالوا إنهم أجبروا على الخروج من بلدهم، مطالبين المحكمة بالتحقيق في جرائم محتملة ضد الإنسانية منذ بداية الاحتجاجات ضد النظام السوري عام 2011.
صحيح أن سوريا ليست طرفا في محكمة الجنايات الدولية، وكذلك هي روسيا أيضا، لكن ذلك لم يمنع من تجاهل الأولى والانقضاض على الثانية، وفقط عندما فعلت ما فعلته في أوكرانيا، وليس في سوريا مثلا التي دخلتها في سبتمبر/ أيلول 2015 لتكون شريكة حقيقية في كل الجرائم المرتكبة هناك.
هذا التراخي الدولي، لاسيما منذ أن تراجع باراك أوباما عن خطوطه الحمراء حين استعمال بشار الكيمياوي ضد شعبه، ثم تهديدات دونالد ترامب الفارغة من بعده، هو الذي ميّع القصة كلها فتقدمت الدول العربية بخطى حذرة في البداية، ثم بخطى حثيثة مؤخرا، للتطبيع معه في استهانة مؤلمة للغاية بنصف مليون ضحية، وفي نوع من وضع الملح في الجرح ثم تحريك السكين داخله.
هذا التطبيع لا يختلف، في البعد الأخلاقي على الأقل، مع التطبيع مع إسرائيل، فمن لا يحرجه أن يضع يده في يد من فعل ما فعل بالفلسطينيين، لا شيء يحول دون أن يٌقدم على الشيء ذاته مع من بطش بشعبه دون رحمة. هذا التطبيع مع نظام دمشق قد لا يقبله أي سوري حر إلا عن مضض شديد، ولكن ما لم يستطع قبوله هو أن يبادر أخاه الفلسطيني الذي يعرّف نفسه بأنه «مقاوم» ودائما ما يستصرخ ضمائر القريب والبعيد لنصرته، بمصالحة آل الأسد رغم ما ارتكبوه في حق شعبه السوري، بل وفي حق الفلسطينيين أنفسهم، قديما وحديثا، بما لا يقل، وقد يفوق، ما ارتكبه الاحتلال الإسرائيلي.
في النهاية، لا مجرم من ساسة هذا العالم إلا من يراه الغرب كذلك، ومن يريد إبعاده عن المحاسبة فمغفور له، وفي نفس الوقت لا ضحايا حقا بالنسبة لذات الغرب سوى من يراهم كذلك، أما غيرهم فلا بواكي لهم.
كاتب وإعلامي تونسي
القدس العربي
—————————–
أوراق الأسد… بشارة قمح أم زؤان!/ موفق نيربية
مناسبة هذا المقال هي ما يجري من إعادة تحديث للعلاقات مع النظام السوري وتبييض رأسه الأسد. والطريقة هنا هي معرفة ما يملكه النظام السوري ورأسه من» أوراق» تجعل الآخرين يُقبلون بهذا الحماس المفاجئ في فورته على إعادة العلاقات معه، بغضّ النظر عن تناول مصلحة الشعب السوري بعد كلّ ما جرى له.
قديماً، في عهد الديكتاتور الأب، كانت له سياسته الفريدة في التعامل مع أوراق اللعب، وتجميعها أيضاً، بطرق مشروعة وغير مشروعة، كما يحصل في اللعب من مناورات وخِدَع. من تلك المشروعة مثلاً، استنباط خاص لطريقة في الحصول على رضا أو تأييد الأطراف المتناقضة. كان على رأس تلك الأطراف في أيام الحرب الباردة كلٌّ من الاتّحاد السوفييتي والولايات المتحدة، أو الشرق والغرب. وصل العداء للإمبريالية في وقتٍ ما إلى مستوى مهم من المشاركة مع الولايات المتحدة في تحرير الكويت من القوات العراقية، كذلك أيضاً التعامل بمرونة خاصة مع إسرائيل واحتلالها للجولان والقضية الفلسطينية، بحيث تكون الاستراتيجية هنا قائمة على التزام المطالب القصوى، ورفض ما ينقص عن الحق الكامل، والبروباغندا الكفاحية المرافقة؛ ومن جهة أخرى التزام قرارات الشرعية الدولية، والاتفاق مع إسرائيل على ما يقلّ عن السلام في اتفاقات فصل القوّات، ويزيد عنه من حيث الواقع الدائم، الذي سكتت به النيران عقوداً طويلة، واستراح «العدوّ» من الصداع على هذه الجبهة، واعتبرها مثالاً وضماناً يُحتذى به.
وفي ما يتعلّق بالعلاقات مع الدول العربية، التزم الخيار المماثل، مع مراعاة السياسات التي تؤمّن دعماً مادياً مباشراً من دول الخليج، يُموّل به اقتصاده المُرهق وأدوات قمعه الهائلة في كلّ أشكالها وتفرّعاتها؛ إضافة إلى الدعم السياسي وعين الرضا. هذه أمثلة في لعب أوراق أقرب إلى صفة «المشروعة»، شكلياً على الأقل. من ناحية أخرى، لم يمنعه ذلك من الابتزاز بممارسة الضغوط باسم معاداة الرجعية والعمالة والاتهامات بهما، الأمر الذي يفيد في تنشيط الهمّة على بذل العطاء بين مرحلة وأخرى. في القضية الفلسطينية كان البدء بالسقف العالي وبالدعم الحيويّ، مع الصراع منذ اللحظة الأولى على الأولوية في تملّك الورقة، منذ بدء فتح بعملها المسلّح، ثم بتسهيل المرور إلى جنوب لبنان بعد أيلول الأسود الأردني في عام 1970، واجتياح لبنان للجم منظّمة التحرير والحركة الوطنية اللبنانية، ثمْ التحوّل إلى إقامة دائمة.. مروراً بمعارك طرابلس اللاحقة وتصفية وجود المنظمة عملياً هناك. الابتزاز كان صفة السياسة الخارجية الأبرز في عهد الأب. كان ونظامه يبتزّان طرفاً معيّناً عن طريق تنشيط الطرف المقابل، وأحياناً «تشغيله». كأن يستخدم القوى الفلسطينية، أو قدرته على تهدئتها والتأثير في مواقفها، في معاركه العديدة هنا وهناك؛ أو يستخدم «حزب الله» لتوجيه مسار سياساته في لبنان، أو الضغط على الغرب، أو على دول الخليج. تلك كانت من بين أوراق» الأب – البطريرك»، التي احتفظ الديكتاتور الابن بما يستطيع منها، مع احتفاظه بحرس أبيه القديم المختصّ في تلك السياسات، ولو لفترة من الزمن. بين ذلك أهم سلاح متغيّر وكالحٍ للنظام، كان وما زال «الإرهاب»، أو التشدّد أو كلّ ما يخيف ويحرج الأطراف الأخرى؛ حيث انتبه إلى أهميتها ووجّه اهتمامه إلى احتضان قواها المتعدّدة، إضافةً إلى حزب الله، وحزب العمال الكردستاني والجيش الأرمني وكارلوس وتشكيلة عريضة منها. في عام 2003، قام بتوجيه وتسهيل انتقال «المقاتلين» الإسلاميين إلى العراق مثلاً، ثمّ اعتقل معظمهم عند عودتهم. كان بينهم شريحة من عناصر «القاعدة»، أو ممّن حولها. الابتزاز في هذا الحقل اختصاص رهيب وجريء اعتمده الأسد الأب والابن، تجارةً رابحة يشغّلانها في الاتّجاهين: من خلال تأثيرها التخريبي، أو بتسليم قواها أو لجمها، حسب واقع الحال. أصبح النظام معتمداً كوكيل في هذه الحالات، وكمتنفّس لما تحتاجه القوى الدولية من أعمال «غير مشروعة» أحياناً، اكتسب استمراريّته أحياناً من هذه المصادر. أولئك الإسلاميّون المتشدّدون المتنوعون الذين اعتقلهم النظام على مراحل عدّة مثلاً، أطلقهم بشار الأسد في مايو 2011، مدركاً أن تطرّفهم ولجوءهم للسلاح، طريق ممتاز لتأكيد كون الثوّار عليه «إرهابيون». كان يذكر أحداث في الحادي عشر من سبتمبر في معظم مقابلاته ذلك العام، استجداءً للدعم والتأييد أو تحريضاً على الثوار ومعركة التغيير.
أوراقه الحالية – التي يُحتمل أن لها دوراً في انعطاف بعض «الخارج» نحوه حالياً – بالية وشفافة، يراها الجالس أمامه على «طاولة اللعب بالورق»، ويبدو «وجه لاعب البوكر» الجامد الذي يرتديه من غير فائدة. لكنّ الآخرين يمشون في اللعبة المكشوفة حتى الآن. لا يمكن أن تكون من بين هذه الأوراق علاقته مع روسيا ولا إيران، حتّى يكون له دور في النزاع الدولي مع الأولى حالياً حول حربها على أوكرانيا، أو مع الثانية في ما يتعلّق بالاتّفاق النووي، أو تمدّدها في المنطقة من أدناها إلى أقصاها أيضاً. قد يضمن شيئاً من خلال الوجود الإيراني المباشر وغير المباشر، وتمدّده حتى أصبح أقوى من النظام نفسه. قد يضمن أيضاً شيئاً من ذلك بالوجود الروسي المسلّح والمشرَّع باتفاقات وقوانين تكاد تكون مؤبّدة. لكنه لا يحصد بالمقابل إلّا الاستضعاف والاستلحاق، وإلّا حاجة الطرفين لوجوده ولو كان هشّاً وبالحدود الدنيا. وبالنتيجة هو عاجز عن استرضاء الغرب بإبداء الاستعداد لإخراج الإيرانيين أو الروس، ولا يخرج من حنجرته المخنوقة، إلّا كلمات تتعلّق بخروج الأتراك. هنالك ورقتان تستجلبان له غالباً هذا الإقبال على التطبيع معه:
أولاهما الاستفادة من النموذجين الروسي والإيراني وعقد اتفاقات «قانونية» تضمن رأس جسر وموقعا في المستقبل، وفي ملكية ذلك البلد الذي حوّله الأسد والقوى الخارجية إلى ما يشبه الأشلاء. تبقى لسوريا مكانتها الجيواستراتيجية المهمة في أي ظرف وشرط رغم كلّ شيء، كذلك إن لإمكانيات تنشيطها اقتصادياً في مشاريع رابحة دوراً ربّما يتخيّله المهرولون المتسابقون.
وثانيتهما حجز موقع متميّز في إعادة الإعمار بثمارها المغرية، التي ستأتي حتماً في وقت لاحقٍ ما، بعد أن استنفد الصراع نفسه حتى الثمالة، وحين يكون لدى العالم بعض وقت في زحمة الاهتمام بالتوتّر في أوروبا/ أوكرانيا مع روسيا، والتوتّر في الشرق الأقصى مع الصين.
هنالك ورقة الترانزيت، والحاجة إلى فتح طرق انتقال البضائع بين الشمال والجنوب خاصة، تحتاج هذه المسألة إلى شروط مختلفة قد لا يتوفّر بعضها بسهولة، كما أن ورقة أخرى تتعارض معها، ويحتاج الآخرون- الأردن والسعودية والإمارات خصوصاً – إليها، وهي ورقة الكبتاغون، الذي تقوم جماعة الأسد بتصنيع معظم إنتاج الكرة الأرضية منه وتوزيعه في كلّ اتّجاه، لتحصيل الأموال الضرورية من جهة، وربّما لجعله ورقة تجبر الآخرين على التعامل معها، تلك سياسة قديمة لا حياء فيها ولا تردّد. ما قيل عن زيارة خاصة لماهر الأسد – قائد الفرقة الرابعة ومدير شؤون الكبتاغون الرئيس – إلى السعودية يصبّ في هذا الاتّجاه غالباً. لكلٍّ من تلك الأطراف كذلك أسبابه الخاصة، وتركيا أفضل مثال في حاجتها إلى «أمنها القومي»، وتهوّر حكومتها الحالية في مبادرات غير محمودة العواقب بسبب الطمع حتى في إجراء تغيير ديموغرافي يسترجع سياسات كانت قبل قرن وأكثر، وفي الضغط على اللاجئين السوريين لإعادتهم في شروط غير صحية ولا صحيحة. وربّما ينبغي للأشقّاء والأصدقاء أن يأخذوا بعين الاعتبار فقدان الأهلية الكافية لقنونة التصرّفات الحالية، وحاجة العالم إلى الحجر على أصحابها بسبب السفه أو الغفلة، وهما من بين الأسباب القانونية الأربعة لإقامة الحجر، ما يجعل أي تصرف – مهما كان – باطلاً ما لم يثبت نفعه للشعب السوري صاحب العلاقة في المستقبل. دافعت باربرا وولترز عن الأسد في أواخر 2011 بعد إجرائها مقابلة تلفزيونية مهمة، ونفت عنه قوة وتجهّم حسني مبارك، وجنون ووحشية معمّر القذّافي، ووصفته بأنه «منفصل»، وهي صفة في التحليل النفسي يمكن الرجوع إليها. وقد يرى البعض في أوراق الأسد براعم تبشّر بربيع مقبل مزدهر، كما قد يرى البعض الآخر فيها أوراق خريف وذبول. ستحكم الأيام في ذلك!
القدس العربي
—————————
مصالحات إقليمية بالجملة: أوهام وصراعات على وقع الغياب الأميركي/ هلا نهاد نصرالدين
ممّا لا شكّ فيه أنّه ليس من مصلحة أميركا وجود تعاون عميق بين الصين وإيران والسعودية ومن خلفهم روسيا، إنّما تصنيف هذه الاتفاقية كضربة طويلة الأمد للدبلوماسية الأميركية أمر سابق لأوانه.
أصبحنا على موعد يومي مع مفاجأة إقليمية.
مصالحات بالجملة شملت أقطاب الصراعات التي حكمت المنطقة في العقد الأخير. الخصومة التي سيطرت على توازنات المنطقة بين إيران والسعودية، تأخذ اليوم منعطفاً جديداً بعد إعلان التقارب بين البلدين.
قبل ذلك، شهدنا مصالحات عربية وإقليمية بين مصر وقطر وتركيا، كما برز تقارب خليجي- خليجي وانفتاح على روسيا والصين.
على جبهة الإمارات- سوريا نشهد غزلاً مفرطاً وحفاوة إماراتية تحديداً من الشيخ محمد بن زايد، في رئيس النظام السوري بشار الأسد الذي زار أبو ظبي راهناً، وهي أول زيارة له إلى دولة عربية منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011.
طائرات حربية إماراتية وطلقات مدفعيّة رحّبت بالرئيس المحتفى به، بشار الأسد، في مشهد أقلّ ما يقال عنه أنّه غرائبي.
أمّا السعوديّة، فتستعدّ لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد، فهناك مفاوضات سعودية سورية لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد انقطاع دام أكثر من عقد، في ظلّ موقف أميركي “لم يتغيّر” من التطبيع مع الأسد، بحسب وزارة الخارجية الأميركية.
سنوات من الحروب، آلاف الضحايا، الكثير من الدم والتهجير والعنف والتعذيب والتطرّف، انتهت وكأنّ شيئاً لم يكن! وحدها أعداد وعائلات الضحايا والمقابر الجماعية وظواهر النزوح واللجوء والدمار والخسائر الاقتصادية، تذكّر بالمجازر التي وقعت والأرواح التي أزهقت والعائلات التي تشتتت والبيوت التي قُصفت ودُمّرت على رؤوس ساكنيها. وها هم قادة الحروب والأزمات والاستقطابات اليوم يتصالحون، يتصافحون ويحتفلون. الطائرات الحربية الاماراتيّة التي استُخدمت في الحرب في اليمن، هي نفسها احتفلت بوصول الأسد.
لكن بعيداً من مشهد زعماء يلتقون ويتصافحون ويبتسمون، ما هي الكلفة الحقيقية لصراعات حكمت المنطقة وتسببت بالكثير من المعاناة للملايين في سوريا واليمن، وأي أثمان تكبدتها تلك المجتمعات؟
“لا يوجد عصر ذهبي في العلاقات السعودية- الإيرانية… أي شخص يعتقد أننا على أعتاب عصر ذهبي بين طهران والرياض عليه أن يستلقي وينتظر بهدوء حتى يمر الشعور”
مآسي الحرب السورية
سنوياً تمرّ ذكرى اندلاع الثورة السورية في 15 آذار/ مارس 2011، بالمزيد من اليأس والحزن، أما هذا العام فقد تُوجت بتعويم نظام الأسد الهائل من مختلف الأطراف. فزلزال 6 شباط/ فبراير 2023 استُخدم ذريعة للكثير من الدول من أجل التضامن مع الأسد، ودعم النظام وإعادة بناء الجسور والعلاقات المنقطعة منذ ندلاع الثورة السوريّة.
بحسب تقديرات الأمم المتّحدة، تسبّبت الحرب السورية بشكل مباشر بمقتل أكثر من 300 ألف شخص على مدى 10 سنوات، أي 1.5 في المئة من سكان سوريا. أمّا المرصد السوري لحقوق الإنسان، فوثّق مقتل 389 ألف شخص.
“شهدت سوريا أضخم أزمة نزوح في العالم، إذ اضطر أكثر من 13 مليون شخص إما للفرار خارج البلاد أو النزوح داخل حدودها. لا يزال أكثر من 6.9 مليون شخص في عداد النازحين داخل البلاد، ويحتاج 14.6 مليون شخص إلى مساعدة إنسانية وغيرها من أشكال المساعدة”، وفقاً لأرقام المفوضيّة السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR في آذار 2022.
آثار الحرب اليمنيّة
أمّا الحرب اليمنيّة، فبحسب تقديرات منظّمة الأمم المتّحدة، تسبّبت في مقتل 377 ألفاً حتى أواخر عام 2021. ما يقرب من 60 في المئة من تلك الوفيات- أي 223 ألفاً- هي وفيات غير مباشرة وناجمة عن قضايا مرتبطة بالنزاع مثل عدم الوصول إلى الغذاء، المياه والرعاية الصحية.
قال مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أخيم شتاينر: “في حالة اليمن، نعتقد أن عدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم نتيجة النزاع يتجاوز عدد الذين لقوا حتفهم في ساحة المعركة”.
من المرجّح أنّ المصالحة السعوديّة – الإيرانيّة ستضمن تمديد الهدنة في اليمن وترسيخها، بعد الحرب التي بدأت عام 2014، وتدخّلت السعوديّة بعدها مع عدد من الحلفاء في ما عُرف بعاصفة الحزم التي انطلقت في آذار 2015 واستمرت لسنوات.
لكن برغم الهدنة، “لا ينبغي لأحد أن يتوهم أن استئناف العلاقات الدبلوماسية سينهي كل الصراع بين السعودية وإيران… الاتفاق خطوة إيجابية وضرورية، لكنه خطوة صغيرة يمكن التراجع عنها بسهولة. ومع ذلك، فإن المزيد من التواصل بين إيران والمملكة العربية السعودية قد تتجنب حدوث صراع أكبر”، بحسب مقال تحليلي على مجلّة Foreign Policy، خصوصاً أنّ طموح إيران النووي ما زال يشكّل تهديداً للمنطقة والمملكة على وجه الخصوص، وبالتالي ما زالت الثقة مفقودة بين الطرفين.
أمّا في خصوص الجماعات المسلّحة التابعة لإيران في المنطقة، كـ”حزب الله” اللبناني، و”حركة أنصار الله” في اليمن (الحوثيين)، و”الحشد الشعبي العراقي” وغيرها، فيرى الباحث السياسي ومدير التواصل في “مركز كارنيغي الشرق الأوسط” مهند الحاج علي في مقابلة مع موقع “درج”، أنّ أياً من البلدين لن يتخلّى عن مواقعه أو يسلّم أسلحته وجماعاته، وقد تكون هذه الفترة فرصة لتعزيز المواقع وإعادة ترتيب هذه الجماعات وتنظيمها، وهذه ليست المرّة الأولى التي نشهد هذا النوع من جولات التهدئة.
المصالحة الإيرانيّة – السعودية
على خلفية اتفاق المصالحة بين البلدين في 10 آذار 2023، أرسل العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز دعوة للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لزيارة الرياض والأخير رحّب بها. حصل ذلك بعد انقطاع دام سبع سنوات منذ عام 2016، عندما هاجم محتجون إيرانيون البعثات الدبلوماسية السعودية في أعقاب إعدام السعودية رجل الدين الشيعي نمر النمر، وبعد اشتداد حدّة التوتّر بين البلدين.
غرّد محمد جمشيدي نائب رئيس ديوان الرئيس الإيراني للشؤون السياسية على “تويتر”، “في رسالة إلى الرئيس رئيسي… رحب ملك السعودية بالاتفاق بين البلدين الشقيقين (و) دعاه إلى الرياض”، و”رئيسي رحب بالدعوة”. تهدف اتفاقية المصالحة إلى إعادة فتح سفارتي الدولتين والبعثات الدبلوماسيّة في غضون شهرين، إضافة إلى إعادة إحياء اتفاقيات التعاون الأمني والاقتصادي الموقّعة منذ أكثر من 20 عاماً.
إلا أنّ أهميّة الحدث لا تكمن بالمصالحة وحسب، بل بظروفها، ورعايتها الصينيّة، فهذه المرّة الأولى التي تلعب فيها الصين دور وسيط لاستعادة علاقات دبلوماسيّة تحديداً في الشرق الأوسط، في خطوة اعتبرها محللون سياسيون ضربة قويّة للنفوذ الأميركي في المنطقة.
بحسب مقال على الـ CNN، بعنوان “حطمت الصين فرضية الهيمنة الأمريكية على الشرق الأوسط” (China has shattered the assumption of US dominance in the Middle East)، إنّ إعادة إحياء العلاقات الدبلوملسيّة بين الرياض وطهران هو نتيجة “تراكم منطقي لمحدوديّة القدرات الدبلوماسيّة الأميركيّة وسعي الصين المتزايد لتغيير العالم في مدارها”.
لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الصين هي أكبر مستوردي النفط السعودي لذا فهناك الكثير من المصالح المشتركة على المستوى المالي والاقتصادي. فأظهرت بيانات جمركية أن المملكة العربية السعودية شحنت نحو 87.49 مليون طن من الخام إلى الصين في عام 2022.
تظهر بيانات الحكومة الصينية أنّ روسيا كانت المورد الأكبر للنفط في أول شهرين من عام 2023، بنحو 15.68 مليون طن وبزيادة 23.8 في المئة من الفترة نفسها عام 2022، وذلك بسبب تراجع الخصومات الكبيرة على النفط الروسي المعاقب دولياً، يليها السعودية بـ13.92 مليون طن، بحسب موقع “الجزيرة” إنكليزي. علماً أنّ السعودية كانت المورد الأكبر للنفط الخام للصين عام 2022 بحيث باعتها 87.49 مليون طن خلال العام.
تراجع الدور الأميركي؟
بحسب مقال الـ CNN، فإنّ المملكة العربية السعودية وتحديداً محمد بن سلمان
يئس من تقلّب السياسة الأميركيّة وعلاقتها بالمملكة. فأدّت التناقضات إلى تركيز السعودية على مصالحها على حساب المصالح الأميركية في المنطقة.
وفي الأشهر الأخيرة الماضية، كثرت التصريحات عن احتمال عودة إيران إلى الاتفاق النووي، خصوصاً بعدما أعلن رئيس الوكالة النووية التابعة للأمم المتحدة في أوائل آذار 2023 أنّ إيران تعهدت بإعادة الكاميرات ومعدات المراقبة الأخرى في مواقعها النووية والسماح بمزيد من عمليات التفتيش في منشأة تم فيها الكشف عن جزيئات من اليورانيوم المخصب إلى درجة قريبة من إنتاج الأسلحة.
في مقال تحليلي على مجلّة Foreign Policy بعنوان: “كيف يمكن للصفقة الصينية الإيرانية أن تخدم المصالح الأمريكية”، يناقش المحلّلان مايكل ماكفول، مدير معهد فريمان سبوجلي للدراسات الدولية بجامعة ستانفورد، وعباس ميلاني، مدير الدراسات الإيرانية في جامعة ستانفورد، أنّه بالرغم من أنّ ظاهر الاتفاق هو انتصار صيني على حساب الولايات المتّحدة الأميركيّة، وقد يضرّ موقتاً ببعض مصالحها في المنطقة، إلا أنّه على المدى البعيد، قد تخدم هذه الخطوة المصالح الأميركية وتحقّق عدداً من الأهداف الأمنية الأميركية في المنطقة، لا بل على المدى الطويل، يمكن أن تعيق الأهداف الصينية. ففي نهاية المطاف، تريد أميركا شرق أوسط أكثر استقراراً، والاتفاقية الجديدة- بغض النظر عمن توسط فيها- هي خطوة إيجابية نحو هذا الهدف، وفقاً للمقال.
ممّا لا شكّ فيه أنّه ليس من مصلحة أميركا وجود تعاون عميق بين الصين وإيران والسعودية ومن خلفهم روسيا، إنّما تصنيف هذه الاتفاقية كضربة طويلة الأمد للدبلوماسية الأميركية أمر سابق لأوانه، بحسب تحليل الكاتبين اللذين يرون أنّه لا يجب على أميركا، ولا يمكنها، احتواء الصين في شتى أصقاع العالم، لا بل عليها انتقاء معاركها والتركيز على أولويّاتها تحديداً في آسيا.
وفي هذا السياق، يقول الحاج علي إنّ “الولايات المتّحدة هي التي خطت الخطوة الأولى” في الابتعاد عن الشرق الأوسط خصوصاً بسبب تبعات التدخّل الأميركي في دول المنطقة وعدم أخذ مصالح الخليج في عين الاعتبار، ممّا دفع السعودية إلى التركيز على مصالحها وتنويع علاقاتها.
يتّفق الحاج علي مع ماكفول وميلاني في أنّ الولايات المتّحدة حقّقت أرباحاً ومصالحاً في تدخّلها في الشرق الأوسط، الّا أنّها أيضاً تحمّلت فاتورة وأعباء هذا التدخّل لعقود، وبالتالي لا بدّ أن تبدأ الصين اليوم بتحمّل تبعات سياساتها الاقليميّة، وهنا يرى الحاج علي أنّ هذه الخطوة الصينيّة تعني تغيّر دور الصين من “الـ free-rider of the international system أي راكب بالمجّاني ومستفيد من الاستقرار الاقليمي العالمي دون أن تدفع الفاتورة”، إلى دور أكثر نشاطًا.
“بعد هذا الاتفاق، ستشارك الصين الآن بعبء الحفاظ على السلام في الشرق الأوسط. هذه ليست مهمة سهلة، كما تعلمت الولايات المتحدة بمرارة على مدى عقود. يمكن أن تفشل الاتفاقية الجديدة بسهولة”، بحسب مقال الـ Foreign Policy.
لا بدّ من الإشارة إلى أنّ السعودية لن يمكنها الاستغناء عن الولايات المتحدة الأميركية وستستمر في الاعتماد عليها في الجانب الأمني لعقود قادمة، وستبقى أميركا أيضاً وسيطاً أساسيّاً بينها وبين إسرائيل.
رغم أنّ الرئيس جو بايدن أعلن خلال اجتماع مع قادة الشرق الأوسط في السعودية في عام 2022 أنه “لن ننسحب ونترك فراغاً تملأه الصين أو روسيا أو إيران [و] سنسعى للبناء على هذه اللحظة”، الّا أنّ الحرب الأوكرانية أظهرت أن واشنطن لا تستطيع الاعتماد على تحالفاتها في المنطقة دون تعزيزها بشكل دائم. فكما قال وزير الخارجية الأميركي السابق جورج شولتز “إذا زرعت حديقة وذهبت بعيداً لمدة ستة أشهر ، فما الذي ستحصل عليه عندما تعود؟ الأعشاب. وأي بستاني جيد يعلم أنه يجب عليك إزالة الأعشاب الضارة على الفور. الدبلوماسية تشبه ذلك”.
في أعقاب السياسة الخارجية الأميركية القائمة على عدم التدخل واستراتيجية التوازن الخارجية offshore balancing، التي اعتمدتها إدارتا أوباما وبايدن، والحدّ من الاهتمام بالشرق الأوسط من قبل إدارة بايدن منذ كانون الثاني/ يناير 2021، بدا أن نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة انحسر ممّا خلق مجالاً لقوى أخرى للتدخل في شؤونها، ممّا غيّر موازين القوى في المنطقة وأدّى لانحسار القوة الأميركية، وصعود نظام متعدد الأقطاب.
وفي هذا السياق، يقول أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة هارفارد، ستيفان والت، في مقال له على مجلّة Foreign Policy، أنّ هذه الاتفاقية هي دعوة لاستيقاظ إدارة بايدن، لأنها تكشف عن شلل السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، مقابل محاولة الصين تقديم نفسها كقوة لتحقيق السلام، وهي عباءة تخلت عنها الولايات المتحدة إلى حد كبير في السنوات الأخيرة.
الدرس الواضح لإدارة بايدن، بحسب والت، هو “تكريس المزيد من الاهتمام لنزع فتيل التوترات، ومنع الحروب، وإنهاء النزاعات، بدلاً من تحديد نجاح السياسة الخارجية من خلال عدد الحروب التي نربحها، أو عدد الإرهابيين الذين نقتلهم، أو عدد الدول التي نغيّرها”.
أمّا الباحث مهند الحاج علي فيعتبر أنّ الدور الصيني في هذه الاتفاقية مضخّم، “خصوصاً أنّ الصين ليس لديها أدوات النفوذ الّا أنّه هناك تحوّل داخل الصين فهي تريد التحوّل إلى قوّة أكثر اندفاعاً في اقتناص الفرص”، فاستفادت من بعض الفراغات الأميركيّة في المنطقة.
المصالحة – والمناكفة- الخليجية
في كانون الثاني/ يناير 2021، أعلنت الدول الخليجية عن عودة العلاقات والمصالحة بين قطر ودول المقاطعة الأربع: أي السعودية والامارات ومصر والبحرين وذلك بعد أن انقطعت العلاقة منذ عام 2017، عندما اتّهمت دول المقاطعة قطر بدعم الإرهاب.
على المقلب الآخر، تظهر معالم انقسام جديد في العالم العربي ودول الخليج على وجه التحديد، بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتّحدة. كتبت جريدة الـ Wall Street Journal أنّّه أكبر اقتصادَين في العالم العربي كانا يوماً أصدقاء الّا أنّهما اليوم في تنافس متزايد على المال والسلطة. فعندما استضافت أبو ظبي قمة لقادة الشرق الأوسط في كانون الثاني/ يناير 2023، كان هناك غياب صارخ لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. قبل شهر من ذلك، لم تحضر الإمارات قمة صينية عربية رفيعة المستوى في الرياض. فتختلف القوتين الإقليميتين على أصعدة عدّة، أهمّها حرب اليمن وتتنافس على الاستثمار الأجنبي والنفوذ في أسواق النفط العالمية.
يربط الحاج علي كل هذه التغيّرات في فترة توطيد سلطة ولي العهد محمد بن سلمان. وهنا يرجّح الحاج علي أنّ المناكفات بين الدولتين لم تتخطّى كونها منافسة اقتصادية خصوصاً وأنّ الإمارات كانت سبّاقة في التطوّر الذي حقّقته الّا أنّ رؤية 2030 لبن سلمان تشكّل منافسة شرسة للإمارات. إنّما الحاج علي لا يرى في الأفق أي توتّر مقلق أو صراع بين الدولتين بل “حساسيّات بسيطة على الأرض”.
“لا يوجد عصر ذهبي في العلاقات السعودية- الإيرانية… أي شخص يعتقد أننا على أعتاب عصر ذهبي بين طهران والرياض عليه أن يستلقي وينتظر بهدوء حتى يمر الشعور”، بحسب مقال “4 استنتاجات رئيسية من الصفقة السعودية الإيرانية التي توسطت فيها الصين” على مجلّة الـ Foreign Policy. المبدأ نفسه ينطبق على الدور الصيني مقارنة بالدور الأميركي في المنطقة، فمن يعتقدون أنّ الصين سوف تحلّ مكان الولايات المتّحدة الأميركية كقوة دبلوماسيّة أساسيّة في المنطقة في العقود المقبلة، فهم بعيدون جدّاً من الواقع إذ إنّ الوجود الأميركي ما زال قويّاً جدّاً في الشرق الأوسط. أمّا بالنسبة إلى تبعات هذه التغيّرات الكبيرة، فعلينا أن ننتظر حتى تتبلور الصورة الواضحة لكيف سينعكس كلّ هذا على موازين القوى الإقليمية والدوليّة في الشرق الأوسط.
——————————–
تعويم “الأسد” في سوريا.. سيولة إقليمية لتمرير مصالح الشركاء وليس تجديد شرعية نظام “الكبتاغون”/ ثائر الأحمدي
ثمّة محاولات محمومة لتعويم بشار الأسد. هذه المحاولات جرت بواسطة أطراف إقليمية كانت على عداء مباشر مع نظام البعث في فرعه السوري كما في الفرع العراقي، بل مثّل تهديداً لتلك الأنظمة في الخليج، لدرجة جعلت هذه الممالك تنعطف قليلاً تجاه إيران التي تراجعت في مستوى التهديد أمام بغداد وأمست الأخيرة أولوية قصوى.
المفارقة أن كل منهما، سواء الأسد أو صدام حسين “مجرم حرب” بلغة القانون والتقارير الحقوقية الأممية والمحلية. وهذا توصيف ليس فيه مبالغة سياسية. غير أن التحولات البراغماتية التي تجري بالمنطقة وتبعث باصطفافات إقليمية جديدة تؤشر إلى وجود قوى مثل الصين وروسيا تقود مصالحات مجانية في دمشق على حساب الشعوب التي تقع تحت وطأة الموت اليومي الذي أصبح عادياً أو بتعبير أدق أمام “وقائع موت معلن”. كل ذلك لتحقيق أهداف اقتصادية وأمنية وملء فراغ واشنطن في مناطق نفوذها التقليدية.
المصالحة التي تقودها موسكو بين الأسد ورجب طيب أردوغان تماثل الاتفاق الثلاثي الذي نجم عنه هذا التقارب بين طهران والخليج وانفتاح سياسي بينهما وقد امتدت تداعياته على الملف السوري ثم أعلنت المملكة العربية السعودية شروعها في فتح سفارة بدمشق. نظرة مباغتة وفاحصة ستجد أن الأطراف التي تقف على قمة هذه التفاهمات الإقليمية يتشاركون في صفة هي دعم الاحتلالات بسوريا. بالتالي، يحتاج كل طرف إلى إعادة تقسيم أو بالأحرى إيجاد آلية لتوزيع عائدات الحرب وإدارة الصراع.
الصراع في سوريا والحرب المتوحشة التي قادها الأسد ووكلاؤه المحليون والإقليميون، تصل إلى درجة “صدام الهمجيات” على حد تعبير المفكر اللبناني جلبير الأشقر، وهي الحرب التي أدارها وحرف مسارها الرئيس السوري من خلال تطييفها منذ أفرج عن الجهاديين في سجونه القمعية وأطلق سراحهم لـ”دعشنة الثورة” التي بدأت مدنية علمانية ديمقراطية وبالتالي يجد فرصة بفتح جيوب عنف طائفي للتشويش على جرائمه الحقوقية. غير أن هذا الصراع الذي نجم عنه أزمات إقليمية وتنافس دولي هائل بفعل تدخلات هؤلاء اللاعبين في الأزمة السورية تقع تحت وطأة معضلات عديدة، وتباينات متفاوتو، بداية من مناطق النظام، ووكلائه الروس والإيرانيين، مروراً بالمعارضة المسلحة في شمال غربي سوريا والمدعومة من تركيا، وحتى مناطق سيطرة الإدارة الذاتية المدعومة من أميركا.
وفيما يبدو أن الخرق الإقليمي الذي يحدث له تفاصيل وملابسات عديدة، فالرياض تسعى لإنهاء الحرب اليمنية التي كبدتها خسائر تتجاوز مئة مليار دولار، ومن ثم، تجد نفسها مستجيبة لمبادرة الصينية الديبلوماسية، لا سيما أن إدارة جو بايدن رفعت من طاقة الضغط على حلفائها في ظل الانسحاب من المنطقة، وتخفيض عدد القوات، بالإضافة لتراجع الدعم العسكري للعمليات الهجومية التي تنفذها الإمارات والسعودية باليمن، بمجرد مجيء بايدن للحكم، ومن بينها مبيعات الأسلحة. وثمة رغبة إيرانية في الانفتاح على دول الخليج، أهم أسبابها تشتيت جهود إسرائيل التي تستهدف بناء تحالف لضرب المشروع النووي.
وتعد الشراكات الاقتصادية في منطقة الخليج بموقعها الجيوستراتيجي المهم أولوية قصوى لدى طرفي الصراع سواء إيران أو الرياض. فأبو ظبي هي الشريك التجاري الثاني لإيران بعد الصين. فتم استيراد بضائع بقيمة 13.6 مليار دولار بما يعد 31 بالمئة من كافة الواردات على مدار الأشهر العشرة الأولى من العام الإيراني الذي سينتهي قريباً، وفق الإحصائيات الرسمية الإيرانية.
ووفق الأرقام ذاتها لدى الجمارك الإيرانية، فإن حجم التبادل التجاري بين البلدين قد بلغ نحو 21 ملياراً و400 مليون دولار في الفترة بين عامي 2021 و2022، وصل
وعليه، يمكن القول إن التفاهمات الأخيرة التي تصب في صالح الأسد وتؤدي إلى تعويمه في نطاقات محدودة بالدرجة التي تسمح بسيولة من حوله دون تجديد شرعيته التي فقدها، أو استعادة سمعته الدولية التي تحفل بجرائم تماثل وقائع عنف قروسطية، تهدف إلى تخفيض حالة الصراع بالمنطقة، وحلحلة القضايا المأزومة، مع التضييق على الميليشيات والجماعات المسلحة.
والنظام السوري يتفوق في جرائمه الموثقة وخروقاته الحقوقية من خلال استمرار دعمه وتحالفه مع شبكات من تجار الكبتاغون وقد أصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية بالتنسيق مع الحكومة البريطانية، عقوبات استهدفت مسؤولين كباراً في النظام السوري ومقربين من الرئيس بشار الأسد وعدداً من اللبنانيين المرتبطين بعلاقات مع حزب الله، لقيامهم بإنتاج والاتجار في مخدر “الكبتاغون” غير المشروع في سوريا للحصول على مليارات الدولارات.
وقالت أندريا جاكي، مديرة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة الأمريكية: “أصبحت سوريا رائدة عالمياً في إنتاج (الكبتاغون) الذي يسبب الإدمان، ويتم تهريب الكثير منه عبر لبنان”. وشددت على التعاون بين الولايات المتحدة وحلفائها لمحاسبة أولئك الذين يدعمون نظام بشار الأسد بإيرادات المخدرات غير المشروعة وغيرها من الوسائل المالية التي تمكن النظام من القمع المستمر للشعب السوري.
وأدرجت الخزانة الأمريكية على قائمة العقوبات سامر كمال الأسد (ابن عم الرئيس الأسد) الذي يشرف على منشآت إنتاج “الكبتاغون” الرئيسة في اللاذقية التي يسيطر عليها النظام، بالتنسيق مع الفرقة الرابعة وبعض المنتسبين لحزب الله. وقال بيان وزارة الخزانة إنه في عام 2020، تم ضبط 84 مليون حبة “كبتاغون” منتجة في مصنع يملكه سامر الأسد في مدينة اللاذقية، تقدر قيمتها بنحو 1.2 مليار دولار في ميناء ساليرنو الإيطالي، كما يمتلك سامر الأسد مصنعاً لإنتاج “الكبتاغون” في منطقة القلمون بالقرب من الحدود السورية – اللبنانية. وفرضت الخزانة عقوبات ضد وسيم بديع الأسد (ابن عم الرئيس الأسد) المعروف بدعم الجيش العربي السوري في أدوار مختلفة، تشمل قيادة ميليشيا “كتائب البعث”، وهي وحدة شبه عسكرية تحت قيادة الجيش العربي السوري، ودعوته علناً إلى تشكيل ميليشيات طائفية لدعم النظام. وقالت الخزانة الأميركية إن وسيم الأسد كان شخصية رئيسية في شبكة تهريب المخدرات الإقليمية؛ إذ دخل في شراكة مع موردين رفيعي المستوى لتهريب المواد المهربة و«الكبتاغون» ومخدرات أخرى في جميع أنحاء المنطقة، بدعم ضمني من النظام السوري.
وطالت العقوبات عماد أبو زريق، وهو قائد سابق في الجيش السوري الذي يقود ميليشيا تابعة للمخابرات العسكرية السورية، وقالت الخزانة الأمريكية إن أبا زريق كان له دور مهم في تمكين إنتاج المخدرات وتهريبها في جنوب سوريا. وكان يقود مجموعة ميليشيا تسيطر على معبر “نصيب” الحدودي المهم بين سوريا والأردن، واستخدم سلطته في المنطقة لبيع البضائع المهربة، وتهريب المخدرات في الأردن.
هذه الحمولات السياسية يمكن رؤيتها في حديث المصالحة المتكرر مع أردوغان. إذ إن الأسد لا يفوته في موسكو أن يبعث برسائل لنظيره التركي، ثم يؤكد على احتياجه المتزايد للقوات والقواعد الروسية في دمشق. مرة أخرى، اشتهاء الاحتلالات بين أنظمة مافياوية ونخبة أوليغاركية تسعى وراء الثروة والسلطة. لكن هذا التحول وتلك الانعطافات ستؤدي إلى ضغوط جمة على الملف الكردي، تحديداً مناطق الإدارة الذاتية، في شمال شرقي سوريا. ولن يجد الأكراد في مناطق الاحتلال الكردي مفراً من البحث عن بدائل خارجية للحصول على حقوقهم السياسية والاحتماء من قبضة العنف الخشن القادم والمحتمل.
ولا يمكن بعد ذلك إغفال التحركات الخارجية من زيارة أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني للإمارات ثم العراق، وقبلها وزير الخارجية الإيراني الى تركيا، والمتزامنة مع زيارة وزير الخارجية التركي الى واشنطن، بهدف الوصول للمقاربة الآمنة لتعويم الأسد وعودته للحاضنة العربية. وهناك الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد إلى دمشق في الوقت ذاته، وعرضه استضافة قمة تجمع بين الرؤساء السوري والتركي والروسي. وكل ذلك يكشف عن انخراط استكشافي لأطراف إقليمية بينما تتقاطع بينها المصالح.
ليس ثمة شك أن القضاء على الكرد هو هدف مشترك بين روسيا وإيران وتركيا. فأنقرة تصف الأكراد بأنهم يمثلون “تهديداً لأمنها القومي”، وتصنف “وحدات حماية الشعب الكردية” منظمة “إرهابية”، بينما تعتبرها ضمن “حزب العمال الكردستاني” الذي يخوض صراعاً مع تركيا، منذ ثمانينات القرن الماضي.
ولروسيا في هذا السياق أهداف براغماتية متمثلة في تصفية الكرد باعتباره الحليف المحلي لواشنطن. لكن الأسد اشترط إنهاء “الاحتلال” التركي ليحل محله احتلال آخر إيراني روسي. فالمناطق الغنية بالنفط، في شمال شرقي روسيا يسيل عليها لعاب فلاديمير بوتين كما يشتهي الآيس كريم في شوارع موسكو بصحبة ضيفة التركي ولا ينسى دفع النقود القليلة والذي سوف تلتقطه عدسات الصحافة.
ولا يمكن بعد ذلك إغفال التحركات الخارجية من زيارة أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني للإمارات ثم العراق، وقبلها وزير الخارجية الإيراني الى تركيا، والمتزامنة مع زيارة وزير الخارجية التركي الى واشنطن، بهدف الوصول للمقاربة الآمنة لتعويم الاسد وعودته للحاضنة العربية. وهناك الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد إلى دمشق في الوقت ذاته، وعرضه استضافة قمة تجمع بين الرؤساء السوري والتركي والروسي. وكل ذلك يكشف عن انخراط استكشافي لأطراف إقليمية بينما تتقاطع بينها المصالح.
ليفانت – ثائر الأحمدي
————————————–
نظام الأسد يرحب بتسارع زيارات مسؤولين أممين كبار إلى دمشق
تسارعت زيارة مسؤولي الأمم المتحدة إلى سورية ولقاءاتهم مع مسؤولي نظام الأسد، بعد الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وسورية في السادس من الشهر الماضي.
ويصرح مسؤولو الأمم المتحدة بأن هذه الزيارات تأتي لمواجهة كارثة الزلزال ومساعدة المتضررين، في حين يشكك ناشطون، بأن الزلزال شكل ذريعة للانفتاح على نظام الأسد.
وخلال الأسابيع الثلاثة الماضية، زار مسؤولون أممييون كبار سورية، والتقوا رئيس النظام بشار الأسد وزوجته أسماء.
لقاء “مقلق” مع نظام وحشي
الزيارة الأولى كانت للمفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، في 9 من الشهر الحالي.
وأكد غراندي، خلال لقائه بشار الأسد بأن “المفوضية ستكثف أعمالها وجهودها في سورية لدعم الاستجابة الإنسانية التي تقوم بها الدولة السورية في مواجهة كارثة الزلزال وما خلفته من أضرار بشرية ومادية كبيرة”.
وانتقد ناشطون سوريون لقاء غراندي بالأسد، إذ وصفت مجموعة “مواطنون من أجل أميركا آمنة”، الاجتماع بأنه “مقلق للغاية”.
وقالت المجموعة، التي تضم ناشطين سوريين وأميركيين، إنه “من خلال التواصل مع هذا النظام الوحشي، تقوم الأمم المتحدة بإضفاء الشرعية عليه بشكل فعال، وإرسال رسالة مفادها أنه سيتم التسامح مع مثل هذا السلوك”.
رسائل سياسية تتماشي مع التطبيع
الزيارة الثانية لوكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث، الذي التقى الأسد ووزير خارجيته فيصل المقداد في دمشق في 21 من الشهر الحالي.
وفي 27 من الشهر نفسه قالت “رئاسة الجمهورية” إن أسماء الأسد استقبلت مينة التنفيذية للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا)، رولا دشتي.
وبحثت دشتي في دمشق مسارات التعاون بين المؤسسات السورية و”الإسكوا”، في مجال تطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر، والتحديات التي تواجه هذا القطاع.
وأضافت دشتي خلال لقائها أسماء الأسد أن “الإسكوا” مستعدة لتطوير التعاون مع سورية في مجال “التنمية المستدامة”، سواء مع المؤسسات الرسمية أو المنظمات غير الحكومية المعنية.
كما التقت دشتي مع وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، وبحثا خطط “التعافي المبكر” من آثار الزلزال المدمر الذي ضرب سورية الشهر الماضي.
وآخر هذه الزيارات اليوم الخميس، حيث استقبل وزير الخارجية في حكومة الأسد، فيصل المقداد، المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى «أونروا» فيليب لازاريني.
وحسب وكالة “سانا” فإن المقداد نوه خلال اللقاء على “أهميّة زيارات المسؤولين الأمميين المستمرة إلى سورية”.
واعتبر المقداد أن أهمية الزيارة تأتي من أجل حصول المسؤولين الأمميين على “رؤية أوضح للتأثير اللاإنساني للعقوبات الاقتصادية أحادية الجانب على الشعب السوري واللاجئين الفلسطينيين، وخصوصاً بعد الزلزال”.
ويرى سوريون أن زيارات كبار المسؤولين في الأمم المتحدة إلى دمشق ولقائهم الأسد، هي رسائل سياسية تتماشى مع دعوات التطبيع مع النظام.
وتأتي زيارة المسؤولين الأمميين في ظل وجود عشرات التقارير والقرارات الأممية التي تدين نظام الأسد، خلال السنوات الماضية، في ارتكاب جرائم حرب واستخدام البراميل المتفجرة والكيماوي ضد الشعب.
——————————-
القصة الكاملة لتورّط نظام الأسد بالمخدرات… أبرز تجّاره وخطوط الإنتاج والتهريب/ عدنان عبد الرزاق
قلّل عضو اتحاد غرف التجارة السورية السابق، نبيه السيد علي، من جدوى العقوبات الاقتصادية بحق نظام بشار الأسد، على خلفية تجارته بالمخدرات، مستدلاً بأن شيئاً لم يتغيّر، ولم نرَ تأذياً لمصالح هؤلاء أو أعمالهم، حتى خارج سورية، كاشفاً لـ”العربي الجديد” أن من أسماهم “حيتان نظام الأسد الاقتصاديين” رُفعَت العقوبات عنهم بعد صدورها، رغم تورطهم بدعم النظام حتى اليوم، ومنهم نزار الأسعد مثلاً.
وتزامناً مع فرض الحكومة البريطانية عقوبات على 11 كياناً مرتبطاً بالنظام، فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية، أول من أمس الثلاثاء، عقوبات على ستة أشخاص، بينهم اثنان من أقارب رأس النظام السوري بشار الأسد، لدورهم في إنتاج المخدرات “حبوب الكبتاغون” أو تصديره، هما سامر كمال الأسد ووسيم بديع الأسد، ولدا عم رئيس النظام السوري، إضافة إلى شركتين تنتجان المخدرات وأسماء لبنانيين يتعاونون بإنتاج المخدرات وتصديرها مع نظام الأسد عبر توريد مادة “الحشيش” أو حبوب الكبتاغون من معامل بمنطقة البقاع بلبنان، التي يسيطر عليها حزب الله.
ويرى السيد علي أن نصوص العقوبات “تثير الغرابة والسخرية” لأنها عادة ما تركز على حجز أموال المعاقبين في المصارف الأوروبية أو الأميركية، والمنع من السفر، وكأن إيداعات هؤلاء في مصرف “جيه بي مورغان تشايس” أو يقضون عطلهم في لاس فيغاس، لكنه مع ذلك يعتقد أن العقوبات تبقى لها أهمية، ولو معنوية، تتعلق باستمرار تعرية النظام، فضلاً عن أهمية التوقيت المتزامن مع عودة الزيارات والتطبيع مع النظام.
ويستدل الاقتصادي السوري على أن التطبيع العربي، وحتى الأوروبي، مع نظام الأسد تصاعد بعد قانون “مكافحة انتشار وتهريب المخدرات للأسد” أو “قانون الكبتاغون” الذي أقره مجلس النواب الأميركي في سبتمبر/ أيلول العام الماضي، ومن ثم وقّعه الرئيس جو بادين في ديسمبر/ كانون الأول، لكنه رغم النص الواضح الهادف إلى تعطيل الإنتاج وملاحقة النظام، فإنه لم يحقق أياً من هدفيه، إن بتضييق الخناق على مصادر تمويل نظام بشار الأسد، أو فرض مزيد من العزلة السياسية عليه.
وكان الرئيس الأميركي قد وقّع في الـ23 من ديسمبر العام الفائت، ميزانية الدفاع الأميركية لعام 2023 التي قدمها الكونغرس، وتضمّنت قانوناً لمحاربة الكبتاغون الذي يصنعه النظام السوري.
ويتضمن مشروع القانون أن تجارة المخدرات المرتبطة بنظام الأسد تعتبر “تهديداً أمنياً عابراً”، ويطالب الوكالات الأميركية بوضع استراتيجية مكتوبة خلال مدة أقصاها 180 يوماً، لتعطيل وتفكيك إنتاج المخدرات والاتجار بها، والشبكات المرتبطة بنظام الأسد في سورية والدول المجاورة.
وتنتشر المخدرات في مناطق سيطرة بشار الأسد، حتى ضمن الصفوف المدرسية ومواقع العمل بحسب ما تؤكد مصادر لـ”العربي الجديد”، مضيفة أن الحصول على الحبوب المنشطة أو المخدرات من نوع العدسة وأم هلالين “أسهل بكثير من الحصول على العدس أو ربطة خبز”.
وعن مصدر حصول الشباب السوري على المخدرات، كشفت مصادر خاصة أن الأكشاك في دمشق تبيع الحشيش والكبتاغون، وأن المصدر الرئيس يصل من درعا (فيها معامل) أو من لبنان، ويوزع بدمشق والسويداء، كاشفة أن منطقة جرمانا بريف دمشق الجنوبي “هي المركز” ويباع فيها كيلو الحشيش “كبشة” بنحو 625 ألف ليرة و”مشد الحب” أي 200 حبة كبتاغون بنحو 300 ألف ليرة.
واكتفى بالقول إن “رؤوسا كبيرة” تنقل وتبيع للموزعين، وإن المصدر في جنوب سورية يأتي من السويداء عبر راجي فلحوط، قائد مليشيا محلية، وأدرج اسمه أمس الأول بالعقوبات، أو من مدينة درعا عبر قائد المليشيا أيضاً ولاعب كرة القدم المعروف، عماد أبو زريق، الذي أُدرج أيضاً ضمن العقوبات.
التهريب إلى الخليج عبر الأردن
ويأخذ نظام الأسد من الأردن، عبر محافظة درعا الحدودية، طريقاً لإيصال المخدرات إلى دول الخليج العربي، إذ أُحبطت مطلع الشهر الجاري آخر محاولة تسلل وتهريب كميات من المواد المخدرة إلى أراضي المملكة من الجانب السوري.
ويكشف الباحث السوري محمد حاج بكري، المنحدر من مدينة اللاذقية، مسقط رأس المعاقبين أول من أمس، سامر ووسيم الأسد، أن موارد النظام السوري خلال الأعوام الأخيرة تعتمد بشكل رئيس على عائدات تجارة المخدرات “التي يشرف عليها شخصياً”، وبمقدمتها الحبوب المخدرة “كبتاغون وكريستال”.
وكشف لـ”العربي الجديد” أن الاعتماد على المخدرات تعاظم بعد أن تراجعت عائدات الصادرات إلى أقل من 600 مليون يورو، فيما تزيد الواردات على 5 مليارات دولار.
وهذا، برأيه، ما دفع نظام الأسد منذ عام 2015 إلى الطلب إلى شركات الأدوية المرخصة بسورية زيادة مستوردات مادة “فينيثيلين”، وهي مادة منشطة والاسم العلمي للكبتاغون، لتزدهر تجارة المخدرات، أو تكشف للعلن، عام 2019 وقت إحباط تهريب أطنان من حبوب الكبتاغون عُثر عليها في اليونان، تلتها شحنات مخدرات إلى الإمارات، ليصبح نظام الأسد منذ ذاك تحت الضوء.
لكن عام 2020 كان الأكثر إنتاجاً وتهريباً، بحسب الباحث حاج بكري، وقت العثور في ميناء بورسعيد المصري على كميات “كبتاغون” مهربة بعبوات حليب مصنعة بشركة “ميلك مان”، لتأتي الفضيحة الكبرى، بحسب وصف المتحدث، حين ضبطت إيطاليا أكبر شحنة من مخدر الكبتاغون على مستوى العالم “14 طناً وتقدَّر قيمتها بمليار يورو” في مرفأ ساليرنو جنوب مدينة نابولي.
الأسد يشرف مباشرة على تصنيع المخدرات وتجارتها
ويؤكد الباحث السوري أن نظام بشار الأسد يشرف شخصياً على صناعة المخدرات وتجارتها، عبر أطراف أربعة: القصر، الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد، الحرس الثوري الإيراني وحزب الله.
وبيّن أنه في سورية عشرات المنشآت لتصنيع المخدرات، ولكن أهمها وأكبرها في منطقة “البصة” بريف اللاذقية غربي سورية، يشرف عليه سامر الأسد، ابن عم رئيس النظام، كذلك يأتي معمل “ميديكو” في محافظة حمص، الذي تشرف عليه إيران، كثاني أكبر منشأة، بعدها معمل التضامن التابع للفرقة الرابعة، ومعامل عدة بمنطقة القصير، تتبع لحزب الله.
وقال: “لدينا معلومات تفيد بأن بعض المعامل بمدينة حسياء الصناعية، تنتج حبوب المخدرات لصالح النظام، وتتبع لرجال أعمال من مدينة حمص”.
وتقاطعت مصادر سألها “العربي الجديد” عن أن عمليات التهريب الكبرى، تجري بحراً من مرفأ اللاذقية بإشراف من ضباط الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد، ولكن هذا لا يقلل من كميات وعائدات التهريب البري، عبر الأردن، إلى دول الخليج بشكل خاص، سواء من سورية أو عبرها، للشحنات القادمة من لبنان، وخصوصاً عبر المواد الغذائية.
وتبيّن المصادر أن الأرقام الصادرة عن “الصحافة والمراكز” تقديرية، نظراً لصعوبة حصر الكميات والأسعار والعائدات “لكن المخدرات أهم عائدات النظام” بعد تراجع الإنتاج الصناعي والزراعي، وتحول سورية إلى بلد مستورد للنفط والقمح والإنتاج الحيواني.
وكان مركز تحليل العمليات والبحوث “COAR” قد قدّر بدراسة عام 2020، قيمة صادرات الكبتاغون من سورية، بنحو 3.46 مليارات دولار، موضحاً أن سورية صارت مركزاً عالمياً لإنتاج الكبتاغون، وأنها أصبحت أكثر تصنيعاً وتطوراً تقنياً في تصنيع المخدرات من أي وقت مضى.
التطبيع مع النظام وعودته إلى الإنتربول أنعشا التهريب
ويرى اقتصاديون أن “أمرين ساعدا في زيادة تهريب المخدرات من سورية”: الأول التطبيع العربي، وحتى بعض الدولي، مع نظام بشار الأسد، والثاني إعادة عضويته في الشرطة الجنائية الدولية (الإنتربول).
وتأتي عائدات تصديق الوثائق الرسمية للسوريين خارج البلاد ورسوم الحصول على جوازات السفر، كثاني مورد لنظام الأسد بعد المخدرات، إذ اعترف مدير إدارة الهجرة والجوازات في دمشق، اللواء أحمد خميس، بأن إيرادات الإدارة من خارج سورية بلغت العام الماضي أكثر من 521 مليون دولار.
وأشار مدير إدارة الهجرة خلال تصريح سابق نقلته جريدة “الوطن” المقربة من النظام، إلى أن حكومة الأسد حققت دخلاً بنحو 500 مليون دولار أميركي، جراء ارتفاع الطلب على جوازات السفر، وسلمت سلطات الأسد 829 ألف جواز سفر داخل البلاد وخارجها منذ مطلع عام 2022 بمعدل 3 آلاف جواز سفر يومياً.
وكان النظام قد سمح في إبريل/ نيسان العام الماضي لسفاراته وبعثاته الدبلوماسية بإصدار وتجديد جوازات السفر للسوريين المقيمين في الخارج، من دون مراجعة الأجهزة الأمنية في دمشق.
وحددت حكومة الأسد الرسم القنصلي لمنح جواز السفر بمبلغ 400 دولار والتجديد أو التمديد بمبلغ مئتي دولار للمقيمين خارج البلاد، فيما تبلغ كلفة الحصول على جواز سفر في الداخل ما يعادل 17 دولاراً.
ويعقب الاقتصادي نبيه السيد علي بأن ترك الصلاحية لنظام بشار الأسد لاستصدار جوازات السفر وعدم اعتراف دول العالم، إلا بالجوازات الصادرة عن النظام، هي خدمة له وجريمة بحق السوريين الذين يدفعون ثمن مواقفهم، قد لا تقلّ عن جرائم المخدرات.
العربي الجديد
——————————–
عودة الرياض إلى دمشق “الإيرانية”… انقلاب تام أم خلف الأكمة ما خلفها؟/ عمار جلّو
“مباحثات الرياض ودمشق، حول استئناف الخدمات القنصلية بين البلدين، خطوة كبيرة تقرّب دمشق إلى الصف العربي، بعد أكثر من عقد على القطيعة بينهما”، هكذا تختصر الأمر فرانس24. فـ”في إطار حرص المملكة على تسهيل تقديم الخدمات القنصلية الضرورية للشعبين، فإن البحث جارٍ بين المسؤولين في المملكة ونظرائهم في سوريا حول استئناف تقديم هذه الخدمات”، وفقاً لقناة الإخبارية الحكومية السعودية.
قبلها، صرّح وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، خلال مؤتمر ميونيخ للأمن، بأن “إجماعاً بدأ يتشكل في العالم العربي حول لا جدوى عزل سوريا، وأن الحوار مع دمشق مطلوب في وقت ما”، مضيفاً: “لذلك، ينبغي أن يمر ذلك عبر حوار مع حكومة دمشق في وقت ما، بما يسمح على الأقل بتحقيق الأهداف الأكثر أهميةً، خاصةً في ما يتعلق بالزاوية الإنسانية وعودة اللاجئين وما إلى ذلك”، رابطاً الأمر بغياب سبيل لتحقيق “الأهداف القصوى”، على طريق الحل السياسي، فـ”بدأ يتشكل نهج آخر، خاصةً بعد الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا”.
وكانت العلاقات الدبلوماسية قد انقطعت بين الجانبين في آذار/ مارس 2012، بعد أن سحبت الرياض جميع الدبلوماسيين والعاملين في سفارتها لدى دمشق في ذلك التاريخ، رداً على السلوك الوحشي لنظام الأسد ضد المنتفضين على نظامه، وتفريغه للمبادرة العربية-الأممية من مضمونها. بعدها دعمت الرياض جهود المعارضة الهادفة إلى إسقاط الأسد.
وفقاً لصحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، فإن الوقود الروسي يُسيّر قطار المصالحة السعودية-السورية، إذ تقول في تقرير مطوّل لها إنّه “في حال التوصل إلى اتفاق، سيتم وضع عودة النظام السوري على جدول أعمال القمة العربية المقبلة المتوقعة في أيار/ مايو المقبل، في السعودية”، ووفقاً لمسؤولين حكوميين في كلا البلدين، يقترب الجانبان من التوصل إلى اتفاق ترعاه موسكو، إذ شهدت الأسابيع الماضية جولات عدة من المفاوضات في موسكو والرياض لتقريب الأخيرة من دمشق.
وكانت الصحيفة قد تحدثت سابقاً، عن عروض عربية من شأنها إعادة العلاقة مع دمشق، بدايةً بالعرض الأردني، وتضمن محفزات بمليارات الدولارات لإعادة بناء سوريا، مع تعهد بممارسة الضغط على واشنطن وبروكسل لرفع عقوباتهما المفروضة على الأسد، مقابل انخراط الأخير في العملية السياسية مع المعارضة السياسية، وقبول قوات عربية لحماية اللاجئين العائدين، مع وضع قيود صارمة ضد تهريب المخدرات، وتوقف إيران عن توسيع وجودها في البلاد.
والنقطة الأخيرة تشكل مشجب العروض العربية لإعادة التطبيع من الأسد، بحجة “الحد” من النفوذ الإيراني، وهي افتراض خطأ، كما يقول الباحثان علا الرفاعي وهارون زيلين في تقرير لهما في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى. إذ يدين الأسد ببقائه في الحكم إلى روسيا وإيران والميليشيات التابعة للأخيرة. وعليه، هل يثق الأسد بالدول الساعية إلى تطبيع علاقاتها معه، وهي التي كانت تسعى إلى إسقاط حكمه؟ وما هي آليات إخراج إيران من سوريا بالتعاون مع الأسد، في ظل مساعدته لطهران في السيطرة على العديد من مفاصل الدولة السورية وأراضيها؟
ما بعد الزلزال، أم …؟
استغلّت حكومات المنطقة كارثة الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا مطلع شباط/ فبراير الماضي، كغطاء سياسي لتعميق علاقاتها مع الأسد، كما تذكر منى يعقوبيان، في تقرير لها في معهد السلام الأمريكي.
وزار دمشق خلالها وزراء خارجية مصر والأردن والإمارات. كما قام الأسد بزيارة لسلطنة عمان. وهبطت طائرة سعودية محملة بالمساعدات في مطار حلب لأول مرة منذ عام 2011. وفي وقت سابق، أعرب الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن اهتمامه بالاجتماع مع الأسد، بعد لقاء جمع وزيري الدفاع السوري والتركي في موسكو أواخر العام الماضي. وكان من المقرر أن يجتمع نواب وزراء الخارجية السورية والتركية والإيرانية في موسكو هذا الشهر، للتمهيد لاجتماع وزيري خارجية البلدين، في إطار الجهود الرامية إلى التطبيع الكامل بينهما.
وخلال شهر آذار/ مارس الحالي، أجرى الأسد زيارتين إلى الاتحاد الروسي والإمارات، استُقبل خلالهما استقبالاً رسمياً لأول مرة منذ عام 2011.
يقول جيل كيبيل، في المونيتور إن “صفة المنبوذ، التي دمغتها الأنظمة الغربية على الأسد، أصبحت على المقعد الخلفي لدول المنطقة، نتيجة تفسّخ العلاقة مع الحلفاء الغربيين التقليديين، لا سيما لدى الرياض وأبو ظبي. وفي هذه البيئة، أصبح الأسد رمزاً لسياسة عربية حديثة وحازمة، تتنافس خلالها دول الخليج الغنية مع شركائها العالميين على أساس تعاقدي لا ينطوي على التبعية، ضمن طموحاتها لارتقاء المقاعد العالمية للقوة الاقتصادية الخاصة بها”، مشيراً إلى الاتفاق الإيراني السعودي بوساطة صينية، والذي وفّر ضمانات أمنيةً للرياض لم تكن لتحصل عليها من الغرب.
تطاولُ الزمن، عامل أساسي، وفق منظور الكاتبة السياسية عالية منصور. تقول: “بعد 12 عاماً على انطلاق الثورة السورية والحرب المفتوحة من قبل نظام الأسد على السوريين، لا حلول تلوح في الأفق، مع غياب موقف أمريكي فاعل وتداخلات إقليمية ودولية. وهذه جميعها عوامل دفعت بالمملكة إلى التحرك، خصوصاً في ظل وطأة أزمة اللاجئين على عدد من الدول المتواجدين فيها، بالإضافة إلى عمليات التهريب التي تتم بإشراف نظام الأسد، في مجالي المخدرات والسلاح، وهو ما شهدناه مرات عدة في الأردن”.
وتضيف: “السعودية كغيرها من الدول، رأت أن ثمة ضرورةً للتحرك لإحداث مسار حل لبعض الملفات. ولكن باعتقادي لا أظن أن هناك إمكانية حل للمسألة السورية من دون موافقة أمريكية، وهذا على افتراض تمكّن الدول العربية والإقليمية من إيجاد أرضية مشتركة مع الأسد لحل بعض الملفات ووقف نشاطه التخريبي ضدها”.
ترى منصور في حديثها إلى رصيف22، أن “إيران دولة إقليمية لها أذرع وتهدد أمن المنطقة، والخلاف مع السعودية هو على نقاط محددة بين البلدين، من ضمنها أمن الحدود السعودية-اليمنية، والملاحة البحرية، والصين صاحبة مصلحة في التهدئة. بينما في الوضع السوري الأمر أكثر تعقيداً، ولا يرتبط فقط بما يسببه نظام الأسد من مشكلات لدول الإقليم، بل هناك عامل سوري داخلي، والعلاقة مع بشار الأسد قُطعت بسبب ارتكابه جرائم وحشيةً بحق السوريين”.
وتضيف: “مع ذلك، من الممكن أن نشهد مصالحةً مع نظام الأسد كالمصالحة التي تمت في قمة الكويت 2009 (مصالحة رعاها الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، ونشأت على إثر قمة الدوحة ومطالبة إيران ونظام الأسد بسحب المبادرة العربية ودعم “المقاومة” الفلسطينية)، ولكن هل يلتزم الأسد بأي مصالحة إن تمّت؟ لدي فائض من الشك في ذلك”.
دور الاتفاق السعودي-الإيراني
في تغريدة على حسابه على تويتر، كتب رئيس تحرير إندبندنت عربية، المقرب من الحكومة السعودية، عضوان الأحمري: “مؤشرات عودة العلاقات السعودية-السورية بدأت منذ عام 2015، حين زار رئيس مخابرات دمشق علي مملوك المملكة. غضب إيران على الزيارة دفعها إلى تسريبها لإعلام حزب الله في لبنان، ثم تلت هذه الزيارة زيارة لمسؤول سعودي في تشرين الأول/ أكتوبر 2021، وجرت عمليات صيانة لمقر سفارة الرياض في سوريا. كانت العقبة إيران، وانتهت العقبة بالاتفاق برعاية الصين. والآن أصبحت المحادثات السعودية-السورية علنيةً”.
ووفقاً لدبلوماسي خليجي، تحدث إلى وكالة رويترز، فإن “الاختراق المفاجئ مدفوع بالاتفاق السعودي الإيراني، والذي قد يرخي بظلاله على أزمات أخرى شكلت ساحةً للتنافس بين طهران والرياض سابقاً”، مشيراً إلى زيارة مسؤول المخابرات السورية، حسام لوقا، إلى الرياض، التي مكث فيها أياماً عدة، ناقش خلالها مع المسؤولين في الرياض الأمن على الحدود السورية-الأردنية، وتهريب الكبتاغون. وتوصل في ختامها إلى اتفاق فتح السفارات في القريب العاجل.
“لنتفق أولاً على أن السعودية دولة صاحبة وزن وتأثير في المنطقة والعالم”، يقول المحلل السياسي العراقي، المقيم في بلجيكا، ربيع الشعار، لرصيف22، ويضيف: “وعليه، من حقها أن تعقد الاتفاقات وتقيم العلاقات مع من تشاء من الدول، خاصةً تلك التي تؤثر على مصالحها القومية والإقليمية والإستراتيجية، ومن هنا كان اتفاقها مع إيران لإعادة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة منذ سبع سنوات، على خلفية تدخّل إيران في الشؤون الداخلية السعودية واقتحام السفارة والقنصلية السعوديتين في طهران ومشهد، وفق شروط أمنية معينة”.
ويتابع: “من هنا نفهم التفاهم السعودي مع نظام الأسد المجرم لإعادة افتتاح القنصليات، والتي هي ضرورية لتقديم خدمات إنسانية للمواطنين المغتربين، ففي السعودية ثلاثة ملايين ونصف مليون سوري محرومون تماماً من الخدمات القنصلية عكس إخوانهم في تركيا وأوروبا، برغم قطع العلاقات الدبلوماسية بين هذه الدول وحكومة الأسد”.
من جهة أخرى، فإن “التركيز الأخير من قبل ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة، على إصلاح الخلافات مع الجيران، يعكس رغبته في التركيز على التغييرات الاجتماعية والاقتصادية المحلية”، وفقاً للباحث في مجموعة يورو آسيا أيهم كامل، لأن “أجندة التطوير الاقتصادي المحلي تتطلب بيئةً أكثر استقراراً”.
خمسون عاماً ولم يتغير
بجهود بطيئة ومتقطعة، شرعت الحكومات في المنطقة في التطبيع مع نظام الأسد على مدى السنوات القليلة الماضية. ويرجح القادة الإقليميون، وفقاً ليعقوبيان في معهد السلام الأمريكي، أن الأسد باقٍ في السلطة في المستقبل المنظور. لذا، يسعون إلى دمج سوريا في المنطقة وفقاً لشروطهم. فبالنسبة إلى بعض البلدان، يُنظر إلى التطبيع على أنه ثقل موازٍ لتعميق النفوذ الإيراني في سوريا، في حين تتطلع دول أخرى إلى إعادة بناء العلاقات الاقتصادية إذ تعاني اقتصادات بلدانها من انكماش كبير.
في المقابل، يرى مسؤول مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، ومركزه واشنطن، جون ألترمان، أن التطبيع الخليجي، والقائم على تحفيز الأسد على الابتعاد عن إيران، سيقيّد الأموال الخليجية المنسابة بموجبها إلى سوريا ضمن القيود الكافية لتقويض قبضة إيران، من دون توسيع تدفقها ليشمل إنقاذ سوريا، مشيراً إلى خطأ الولايات المتحدة الأمريكية، في عدم لعب دور كبير في كيفية حل الصراعات العديدة في سوريا، مع أنها تنفق مليارات الدولارات على إغاثة اللاجئين السوريين، ويبدو أنها مصممة على هذا الخطأ.
ووفقاً لمنصور، فإن “أمر حضور الأسد للقمة العربية غير محسوم بعد، فقد تم تأجيل انعقاد القمة التي كان من المفترض أن تُعقد نهاية شهر آذار/ مارس إلى شهر أيار/ مايو، وهذا يعطي مزيداً من الوقت لترتيب عودة الأسد إلى الجامعة، وبالتأكيد هناك شروط لعودته، ولا أعرف إن كان من الممكن تلبيتها قبل موعد انعقاد القمة في الرياض”.
خلال خمسين عاماً لم يغير نظام الأسد سلوكه بناءً على الدبلوماسية الخارجية، بحسب الرفاعي وزيلين، فحتى في أضعف لحظاته، خلال الصراع العسكري الداخلي، بقي الأسد مخلصاً لسبب بقائه في السلطة، ويشيران في تقريرهما إلى “تآكل معايير الشرعية الدولية، جراء عمليات الانفتاح على الأسد، فأي شكل من أشكال التطبيع معه سيقوّض إمكانية تقديمه إلى العدالة بسبب جرائمه المستمرة، ويمدّه بجرأة أكبر على الاستمرار فيها، مما يجعل الدول الساعية إلى الانفتاح عليه متواطئةً في هذه الجرائم، نتيجةً لدعمها المالي له”.
وبحسب جيل كيبيل في المونيتور، بإمكان الرياض، إبقاء نظام الأسد في مأزق وانتظار تنازلات كبيرة في لبنان، حيث عزز التحالف الإيراني السوري حزب الله على حساب شركاء الرياض السنّة. وأما عن الإمارات، فإن ضخّ أموال المساعدات هو تذكير لنظام الأسد بأن إيران التي تعاني من ضائقة مالية لا يمكنها فعل الكثير في هذا الصدد. وعليه، فإن إعادة سوريا إلى الحضن العربي وسيلة لإضعاف “سياسة الهلال الشيعي” الإيرانية، مشيراً إلى أن سياسة إحراج الشركاء العرب في اتفاقات حفظ السلام الإقليمية التي تتوسط فيها الولايات المتحدة، أفضل سبيل للتحول عنها، استقبال الأسد.
وخلال حديثه إلى رصيف22، يُشير مدير مركز نورس للدراسات، إياد حمود، إلى أن سياسة النأي بالنفس التي تنتهجها الرياض على الصعيد الخارجي، نابعة من رغبتها في تحقيق الأمن والاستقرار الداخليين، بمعزل عن المنافسة والصراع الإقليميين. لذا، تسعى إلى اتفاق مع حركة أنصار الله اليمينة (الحوثيين)، يوقف الحرب في اليمن، التي بدأت تُشكّل ضغطاً كبيراً على المملكة، مقابل تنازلات لإيران في ملفات أخرى في المنطقة.
يضيف: “ومن إيقاف الحوثيين عند مكتسباتهم، وتوقّف إيران عن إمدادهم بالسلاح، تلاقت مصالح الرياض مع طهران، على مساحة تجريبية لشهور عدة، وقد قابلت الرياض ذلك بتطبيعٍ مع نظام الأسد، مع تنازلات أخرى في لبنان”.
برأيه، “تصاعد أولوية التنمية، وتراجع الأولوية الجيو-سياسة لدى المملكة، مع ما تعنيه من تجنّب المنافسات/ الصراعات الإقليمية، يؤديان بالضرورة إلى تثقيل وزن اللاعبين الإقليميين، إسرائيل وإيران وتركيا، على حسابها”
رصيف 22
——————————
==================
تحديث 27 أذار 2023
——————–
مصالحات إقليمية بالجملة: أوهام وصراعات على وقع الغياب الأميركي/ هلا نهاد نصرالدين
ممّا لا شكّ فيه أنّه ليس من مصلحة أميركا وجود تعاون عميق بين الصين وإيران والسعودية ومن خلفهم روسيا، إنّما تصنيف هذه الاتفاقية كضربة طويلة الأمد للدبلوماسية الأميركية أمر سابق لأوانه.
أصبحنا على موعد يومي مع مفاجأة إقليمية.
مصالحات بالجملة شملت أقطاب الصراعات التي حكمت المنطقة في العقد الأخير. الخصومة التي سيطرت على توازنات المنطقة بين إيران والسعودية، تأخذ اليوم منعطفاً جديداً بعد إعلان التقارب بين البلدين.
قبل ذلك، شهدنا مصالحات عربية وإقليمية بين مصر وقطر وتركيا، كما برز تقارب خليجي- خليجي وانفتاح على روسيا والصين.
على جبهة الإمارات- سوريا نشهد غزلاً مفرطاً وحفاوة إماراتية تحديداً من الشيخ محمد بن زايد، في رئيس النظام السوري بشار الأسد الذي زار أبو ظبي راهناً، وهي أول زيارة له إلى دولة عربية منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011.
طائرات حربية إماراتية وطلقات مدفعيّة رحّبت بالرئيس المحتفى به، بشار الأسد، في مشهد أقلّ ما يقال عنه أنّه غرائبي.
أمّا السعوديّة، فتستعدّ لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد، فهناك مفاوضات سعودية سورية لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد انقطاع دام أكثر من عقد، في ظلّ موقف أميركي “لم يتغيّر” من التطبيع مع الأسد، بحسب وزارة الخارجية الأميركية.
سنوات من الحروب، آلاف الضحايا، الكثير من الدم والتهجير والعنف والتعذيب والتطرّف، انتهت وكأنّ شيئاً لم يكن! وحدها أعداد وعائلات الضحايا والمقابر الجماعية وظواهر النزوح واللجوء والدمار والخسائر الاقتصادية، تذكّر بالمجازر التي وقعت والأرواح التي أزهقت والعائلات التي تشتتت والبيوت التي قُصفت ودُمّرت على رؤوس ساكنيها. وها هم قادة الحروب والأزمات والاستقطابات اليوم يتصالحون، يتصافحون ويحتفلون. الطائرات الحربية الاماراتيّة التي استُخدمت في الحرب في اليمن، هي نفسها احتفلت بوصول الأسد.
لكن بعيداً من مشهد زعماء يلتقون ويتصافحون ويبتسمون، ما هي الكلفة الحقيقية لصراعات حكمت المنطقة وتسببت بالكثير من المعاناة للملايين في سوريا واليمن، وأي أثمان تكبدتها تلك المجتمعات؟
“لا يوجد عصر ذهبي في العلاقات السعودية- الإيرانية… أي شخص يعتقد أننا على أعتاب عصر ذهبي بين طهران والرياض عليه أن يستلقي وينتظر بهدوء حتى يمر الشعور”
مآسي الحرب السورية
سنوياً تمرّ ذكرى اندلاع الثورة السورية في 15 آذار/ مارس 2011، بالمزيد من اليأس والحزن، أما هذا العام فقد تُوجت بتعويم نظام الأسد الهائل من مختلف الأطراف. فزلزال 6 شباط/ فبراير 2023 استُخدم ذريعة للكثير من الدول من أجل التضامن مع الأسد، ودعم النظام وإعادة بناء الجسور والعلاقات المنقطعة منذ ندلاع الثورة السوريّة.
بحسب تقديرات الأمم المتّحدة، تسبّبت الحرب السورية بشكل مباشر بمقتل أكثر من 300 ألف شخص على مدى 10 سنوات، أي 1.5 في المئة من سكان سوريا. أمّا المرصد السوري لحقوق الإنسان، فوثّق مقتل 389 ألف شخص.
“شهدت سوريا أضخم أزمة نزوح في العالم، إذ اضطر أكثر من 13 مليون شخص إما للفرار خارج البلاد أو النزوح داخل حدودها. لا يزال أكثر من 6.9 مليون شخص في عداد النازحين داخل البلاد، ويحتاج 14.6 مليون شخص إلى مساعدة إنسانية وغيرها من أشكال المساعدة”، وفقاً لأرقام المفوضيّة السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR في آذار 2022.
آثار الحرب اليمنيّة
أمّا الحرب اليمنيّة، فبحسب تقديرات منظّمة الأمم المتّحدة، تسبّبت في مقتل 377 ألفاً حتى أواخر عام 2021. ما يقرب من 60 في المئة من تلك الوفيات- أي 223 ألفاً- هي وفيات غير مباشرة وناجمة عن قضايا مرتبطة بالنزاع مثل عدم الوصول إلى الغذاء، المياه والرعاية الصحية.
قال مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أخيم شتاينر: “في حالة اليمن، نعتقد أن عدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم نتيجة النزاع يتجاوز عدد الذين لقوا حتفهم في ساحة المعركة”.
من المرجّح أنّ المصالحة السعوديّة – الإيرانيّة ستضمن تمديد الهدنة في اليمن وترسيخها، بعد الحرب التي بدأت عام 2014، وتدخّلت السعوديّة بعدها مع عدد من الحلفاء في ما عُرف بعاصفة الحزم التي انطلقت في آذار 2015 واستمرت لسنوات.
لكن برغم الهدنة، “لا ينبغي لأحد أن يتوهم أن استئناف العلاقات الدبلوماسية سينهي كل الصراع بين السعودية وإيران… الاتفاق خطوة إيجابية وضرورية، لكنه خطوة صغيرة يمكن التراجع عنها بسهولة. ومع ذلك، فإن المزيد من التواصل بين إيران والمملكة العربية السعودية قد تتجنب حدوث صراع أكبر”، بحسب مقال تحليلي على مجلّة Foreign Policy، خصوصاً أنّ طموح إيران النووي ما زال يشكّل تهديداً للمنطقة والمملكة على وجه الخصوص، وبالتالي ما زالت الثقة مفقودة بين الطرفين.
أمّا في خصوص الجماعات المسلّحة التابعة لإيران في المنطقة، كـ”حزب الله” اللبناني، و”حركة أنصار الله” في اليمن (الحوثيين)، و”الحشد الشعبي العراقي” وغيرها، فيرى الباحث السياسي ومدير التواصل في “مركز كارنيغي الشرق الأوسط” مهند الحاج علي في مقابلة مع موقع “درج”، أنّ أياً من البلدين لن يتخلّى عن مواقعه أو يسلّم أسلحته وجماعاته، وقد تكون هذه الفترة فرصة لتعزيز المواقع وإعادة ترتيب هذه الجماعات وتنظيمها، وهذه ليست المرّة الأولى التي نشهد هذا النوع من جولات التهدئة.
المصالحة الإيرانيّة – السعودية
على خلفية اتفاق المصالحة بين البلدين في 10 آذار 2023، أرسل العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز دعوة للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لزيارة الرياض والأخير رحّب بها. حصل ذلك بعد انقطاع دام سبع سنوات منذ عام 2016، عندما هاجم محتجون إيرانيون البعثات الدبلوماسية السعودية في أعقاب إعدام السعودية رجل الدين الشيعي نمر النمر، وبعد اشتداد حدّة التوتّر بين البلدين.
غرّد محمد جمشيدي نائب رئيس ديوان الرئيس الإيراني للشؤون السياسية على “تويتر”، “في رسالة إلى الرئيس رئيسي… رحب ملك السعودية بالاتفاق بين البلدين الشقيقين (و) دعاه إلى الرياض”، و”رئيسي رحب بالدعوة”. تهدف اتفاقية المصالحة إلى إعادة فتح سفارتي الدولتين والبعثات الدبلوماسيّة في غضون شهرين، إضافة إلى إعادة إحياء اتفاقيات التعاون الأمني والاقتصادي الموقّعة منذ أكثر من 20 عاماً.
إلا أنّ أهميّة الحدث لا تكمن بالمصالحة وحسب، بل بظروفها، ورعايتها الصينيّة، فهذه المرّة الأولى التي تلعب فيها الصين دور وسيط لاستعادة علاقات دبلوماسيّة تحديداً في الشرق الأوسط، في خطوة اعتبرها محللون سياسيون ضربة قويّة للنفوذ الأميركي في المنطقة.
بحسب مقال على الـ CNN، بعنوان “حطمت الصين فرضية الهيمنة الأمريكية على الشرق الأوسط” (China has shattered the assumption of US dominance in the Middle East)، إنّ إعادة إحياء العلاقات الدبلوملسيّة بين الرياض وطهران هو نتيجة “تراكم منطقي لمحدوديّة القدرات الدبلوماسيّة الأميركيّة وسعي الصين المتزايد لتغيير العالم في مدارها”.
لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الصين هي أكبر مستوردي النفط السعودي لذا فهناك الكثير من المصالح المشتركة على المستوى المالي والاقتصادي. فأظهرت بيانات جمركية أن المملكة العربية السعودية شحنت نحو 87.49 مليون طن من الخام إلى الصين في عام 2022.
تظهر بيانات الحكومة الصينية أنّ روسيا كانت المورد الأكبر للنفط في أول شهرين من عام 2023، بنحو 15.68 مليون طن وبزيادة 23.8 في المئة من الفترة نفسها عام 2022، وذلك بسبب تراجع الخصومات الكبيرة على النفط الروسي المعاقب دولياً، يليها السعودية بـ13.92 مليون طن، بحسب موقع “الجزيرة” إنكليزي. علماً أنّ السعودية كانت المورد الأكبر للنفط الخام للصين عام 2022 بحيث باعتها 87.49 مليون طن خلال العام.
بحسب مقال الـ CNN، فإنّ المملكة العربية السعودية وتحديداً محمد بن سلمان
يئس من تقلّب السياسة الأميركيّة وعلاقتها بالمملكة. فأدّت التناقضات إلى تركيز السعودية على مصالحها على حساب المصالح الأميركية في المنطقة.
وفي الأشهر الأخيرة الماضية، كثرت التصريحات عن احتمال عودة إيران إلى الاتفاق النووي، خصوصاً بعدما أعلن رئيس الوكالة النووية التابعة للأمم المتحدة في أوائل آذار 2023 أنّ إيران تعهدت بإعادة الكاميرات ومعدات المراقبة الأخرى في مواقعها النووية والسماح بمزيد من عمليات التفتيش في منشأة تم فيها الكشف عن جزيئات من اليورانيوم المخصب إلى درجة قريبة من إنتاج الأسلحة.
في مقال تحليلي على مجلّة Foreign Policy بعنوان: “كيف يمكن للصفقة الصينية الإيرانية أن تخدم المصالح الأمريكية”، يناقش المحلّلان مايكل ماكفول، مدير معهد فريمان سبوجلي للدراسات الدولية بجامعة ستانفورد، وعباس ميلاني، مدير الدراسات الإيرانية في جامعة ستانفورد، أنّه بالرغم من أنّ ظاهر الاتفاق هو انتصار صيني على حساب الولايات المتّحدة الأميركيّة، وقد يضرّ موقتاً ببعض مصالحها في المنطقة، إلا أنّه على المدى البعيد، قد تخدم هذه الخطوة المصالح الأميركية وتحقّق عدداً من الأهداف الأمنية الأميركية في المنطقة، لا بل على المدى الطويل، يمكن أن تعيق الأهداف الصينية. ففي نهاية المطاف، تريد أميركا شرق أوسط أكثر استقراراً، والاتفاقية الجديدة- بغض النظر عمن توسط فيها- هي خطوة إيجابية نحو هذا الهدف، وفقاً للمقال.
ممّا لا شكّ فيه أنّه ليس من مصلحة أميركا وجود تعاون عميق بين الصين وإيران والسعودية ومن خلفهم روسيا، إنّما تصنيف هذه الاتفاقية كضربة طويلة الأمد للدبلوماسية الأميركية أمر سابق لأوانه، بحسب تحليل الكاتبين اللذين يرون أنّه لا يجب على أميركا، ولا يمكنها، احتواء الصين في شتى أصقاع العالم، لا بل عليها انتقاء معاركها والتركيز على أولويّاتها تحديداً في آسيا.
وفي هذا السياق، يقول الحاج علي إنّ “الولايات المتّحدة هي التي خطت الخطوة الأولى” في الابتعاد عن الشرق الأوسط خصوصاً بسبب تبعات التدخّل الأميركي في دول المنطقة وعدم أخذ مصالح الخليج في عين الاعتبار، ممّا دفع السعودية إلى التركيز على مصالحها وتنويع علاقاتها.
يتّفق الحاج علي مع ماكفول وميلاني في أنّ الولايات المتّحدة حقّقت أرباحاً ومصالحاً في تدخّلها في الشرق الأوسط، الّا أنّها أيضاً تحمّلت فاتورة وأعباء هذا التدخّل لعقود، وبالتالي لا بدّ أن تبدأ الصين اليوم بتحمّل تبعات سياساتها الاقليميّة، وهنا يرى الحاج علي أنّ هذه الخطوة الصينيّة تعني تغيّر دور الصين من “الـ free-rider of the international system أي راكب بالمجّاني ومستفيد من الاستقرار الاقليمي العالمي دون أن تدفع الفاتورة”، إلى دور أكثر نشاطًا.
“بعد هذا الاتفاق، ستشارك الصين الآن بعبء الحفاظ على السلام في الشرق الأوسط. هذه ليست مهمة سهلة، كما تعلمت الولايات المتحدة بمرارة على مدى عقود. يمكن أن تفشل الاتفاقية الجديدة بسهولة”، بحسب مقال الـ Foreign Policy.
لا بدّ من الإشارة إلى أنّ السعودية لن يمكنها الاستغناء عن الولايات المتحدة الأميركية وستستمر في الاعتماد عليها في الجانب الأمني لعقود قادمة، وستبقى أميركا أيضاً وسيطاً أساسيّاً بينها وبين إسرائيل.
رغم أنّ الرئيس جو بايدن أعلن خلال اجتماع مع قادة الشرق الأوسط في السعودية في عام 2022 أنه “لن ننسحب ونترك فراغاً تملأه الصين أو روسيا أو إيران [و] سنسعى للبناء على هذه اللحظة”، الّا أنّ الحرب الأوكرانية أظهرت أن واشنطن لا تستطيع الاعتماد على تحالفاتها في المنطقة دون تعزيزها بشكل دائم. فكما قال وزير الخارجية الأميركي السابق جورج شولتز “إذا زرعت حديقة وذهبت بعيداً لمدة ستة أشهر ، فما الذي ستحصل عليه عندما تعود؟ الأعشاب. وأي بستاني جيد يعلم أنه يجب عليك إزالة الأعشاب الضارة على الفور. الدبلوماسية تشبه ذلك”.
في أعقاب السياسة الخارجية الأميركية القائمة على عدم التدخل واستراتيجية التوازن الخارجية offshore balancing، التي اعتمدتها إدارتا أوباما وبايدن، والحدّ من الاهتمام بالشرق الأوسط من قبل إدارة بايدن منذ كانون الثاني/ يناير 2021، بدا أن نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة انحسر ممّا خلق مجالاً لقوى أخرى للتدخل في شؤونها، ممّا غيّر موازين القوى في المنطقة وأدّى لانحسار القوة الأميركية، وصعود نظام متعدد الأقطاب.
وفي هذا السياق، يقول أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة هارفارد، ستيفان والت، في مقال له على مجلّة Foreign Policy، أنّ هذه الاتفاقية هي دعوة لاستيقاظ إدارة بايدن، لأنها تكشف عن شلل السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، مقابل محاولة الصين تقديم نفسها كقوة لتحقيق السلام، وهي عباءة تخلت عنها الولايات المتحدة إلى حد كبير في السنوات الأخيرة.
الدرس الواضح لإدارة بايدن، بحسب والت، هو “تكريس المزيد من الاهتمام لنزع فتيل التوترات، ومنع الحروب، وإنهاء النزاعات، بدلاً من تحديد نجاح السياسة الخارجية من خلال عدد الحروب التي نربحها، أو عدد الإرهابيين الذين نقتلهم، أو عدد الدول التي نغيّرها”.
أمّا الباحث مهند الحاج علي فيعتبر أنّ الدور الصيني في هذه الاتفاقية مضخّم، “خصوصاً أنّ الصين ليس لديها أدوات النفوذ الّا أنّه هناك تحوّل داخل الصين فهي تريد التحوّل إلى قوّة أكثر اندفاعاً في اقتناص الفرص”، فاستفادت من بعض الفراغات الأميركيّة في المنطقة.
المصالحة – والمناكفة- الخليجية
في كانون الثاني/ يناير 2021، أعلنت الدول الخليجية عن عودة العلاقات والمصالحة بين قطر ودول المقاطعة الأربع: أي السعودية والامارات ومصر والبحرين وذلك بعد أن انقطعت العلاقة منذ عام 2017، عندما اتّهمت دول المقاطعة قطر بدعم الإرهاب.
على المقلب الآخر، تظهر معالم انقسام جديد في العالم العربي ودول الخليج على وجه التحديد، بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتّحدة. كتبت جريدة الـ Wall Street Journal أنّّه أكبر اقتصادَين في العالم العربي كانا يوماً أصدقاء الّا أنّهما اليوم في تنافس متزايد على المال والسلطة. فعندما استضافت أبو ظبي قمة لقادة الشرق الأوسط في كانون الثاني/ يناير 2023، كان هناك غياب صارخ لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. قبل شهر من ذلك، لم تحضر الإمارات قمة صينية عربية رفيعة المستوى في الرياض. فتختلف القوتين الإقليميتين على أصعدة عدّة، أهمّها حرب اليمن وتتنافس على الاستثمار الأجنبي والنفوذ في أسواق النفط العالمية.
يربط الحاج علي كل هذه التغيّرات في فترة توطيد سلطة ولي العهد محمد بن سلمان. وهنا يرجّح الحاج علي أنّ المناكفات بين الدولتين لم تتخطّى كونها منافسة اقتصادية خصوصاً وأنّ الإمارات كانت سبّاقة في التطوّر الذي حقّقته الّا أنّ رؤية 2030 لبن سلمان تشكّل منافسة شرسة للإمارات. إنّما الحاج علي لا يرى في الأفق أي توتّر مقلق أو صراع بين الدولتين بل “حساسيّات بسيطة على الأرض”.
“لا يوجد عصر ذهبي في العلاقات السعودية- الإيرانية… أي شخص يعتقد أننا على أعتاب عصر ذهبي بين طهران والرياض عليه أن يستلقي وينتظر بهدوء حتى يمر الشعور”، بحسب مقال “4 استنتاجات رئيسية من الصفقة السعودية الإيرانية التي توسطت فيها الصين” على مجلّة الـ Foreign Policy. المبدأ نفسه ينطبق على الدور الصيني مقارنة بالدور الأميركي في المنطقة، فمن يعتقدون أنّ الصين سوف تحلّ مكان الولايات المتّحدة الأميركية كقوة دبلوماسيّة أساسيّة في المنطقة في العقود المقبلة، فهم بعيدون جدّاً من الواقع إذ إنّ الوجود الأميركي ما زال قويّاً جدّاً في الشرق الأوسط. أمّا بالنسبة إلى تبعات هذه التغيّرات الكبيرة، فعلينا أن ننتظر حتى تتبلور الصورة الواضحة لكيف سينعكس كلّ هذا على موازين القوى الإقليمية والدوليّة في الشرق الأوسط.
درج
———————
عودة سوريا إلى “الحضن العربي”.. خطوات فردية أم جماعية؟/ ضياء عودة
باتت الخطوات المتعلقة بـ”عودة سوريا إلى الحضن العربي” أكثر ما يتصدر الأخبار والتطورات الخاصة بالملف السوري، وما بين تحركات أكدتها السعودية رسميا، وأخرى ترجمتها دولة الإمارات لأكثر من مرة، وما بينهما من “مبادرة أردنية” وزيارة مصرية تطلق تساؤلات بشأن ما إذا كانت هذه الجملة من المواقف تنطلق بسياق جماعي أم بشكل فردي.
ولأكثر من مرة أعلن الأردن عن “مبادرة عربية للحل في سوريا”، وبعدما رددها لأول مرة وزير الخارجية، أيمن الصفدي، في أكتوبر العام الماضي، عاد ليكررها، قبل أيام، في أثناء لقائه المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، موضحا أنها “تتمثل بقيام العرب بحوار سياسي مع النظام يستهدف حل الأزمة، ومعالجة تداعياتها الأمنية والسياسية والإنسانية”.
ولم يحدد الصفدي ما إذا كانت المبادرة تشمل الخطوات التي أقدمت عليها السعودية مؤخرا، وقبلها الإمارات والبحرين ومصر وسلطنة عمان، فيما أشار حسب وكالة “عمون” إلى أن الأمم المتحدة مطلعة على تفاصيلها، وأن “التنسيق مع العرب حول موعد إطلاقها وآليات عملها مستمر”.
في غضون ذلك لا يعرف أيضا السياق الذي تندرج فيه خطوات الدول العربية تجاه النظام السوري والمحددات القائمة عليها والأسباب والدوافع، ولاسيما من جانب السعودية، التي أكدت رسميا، قبل أيام، أنها تجري مباحثات مع دمشق من أجل استئناف الخدمات القنصلية، وهو أول اتصال علني منذ انطلاق الثورة السورية.
وبعدما كانت إيران حجز عثرة أمام إعادة علاقات سوريا بمحيطها العربي، وهو ما أشار إليه مسؤولون سعوديون في وقت سابق، كان لافتا خلال الأسابيع الماضية غياب ذكرها على لسانهم، مؤكدين على “جانبين سوريين فقط يتطلبان الحل”، الأول: يتعلق بعودة اللاجئين، والثاني ضمان إيصال المساعدات الإنسانية إلى المتضريين من كارثة الزلزال.
وشمل التأكيد على هذه الجوانب إلى جانب السعودية دولة الإمارات التي استقبلت رأس النظام السوري، بشار الأسد، مع زوجته الأسبوع الماضي، ومصر التي اتصل رئيسها، عبد الفتاح السيسي، مع الأخير وأجرى وزير خارجيته زيارة إلى دمشق، بعد كارثة الزلزال.
وفي حين تتسلط الأضواء على “وجود إجماع عربي لعودة سوريا” وإعادة العلاقات مع النظام بشكل مختلف عما كان سائدا خلال السنوات السابقة، ما تزال التكهنات تثار بشأن الموقف الخاص بقطر، وعما إذا كانت ستنضم إلى الركب العربي أم ستشذّ عنه.
فردية أم جماعية؟
فيما يتعلق بآخر وأبرز الدول العربية التي أعلنت عن أولى خطواتها الدبلوماسية تجاه النظام السوري يقول أستاذ الإعلام السياسي في جامعة الإمام بالسعودية، الدكتور عبد الله العساف، إن وزير الخارجية، فيصل بن فرحان، سبق وأن أشار إلى “وجود وجهة نظر عربية تبلورت وتكونت بضرورة الحوار مع سوريا”.
ومع ذلك يوضح العساف لموقع “الحرة” أن “هذا الإجماع منفرد، أي تكوّن لدى كل دولة على حدى”، وأنه “لو أنه جماعيا لتبنته الجامعة العربية”.
وتقود وجهة نظر أستاذ الإعلام السياسي إلى أنه لا يوجد تنسيق كامل بين الدول العربية للبدء بالعلاقة مع النظام السوري، ولا وجود لجدول أعمال وتنسيق بينها.
ويضيف العساف أن ما يحصل في الوقت الحالي يرتبط بسلسلة من المؤشرات والمعطيات، و”أجواء التصالحات التي سادت في المنطقة مع إيران ومصر وتركيا والإمارات وسوريا”، وصولا إلى كارثة الزلزال المدمّر، وما تبعها من تصريحات أبرزها تأكيد الوزير بن فرحان عن ضرورة “الانفتاح على دمشق”.
من جهته اعتبر الخبير الأمني والاستراتيجي الأردني، عمر الرداد، أن “هناك إجماعا عربيا على عودة النظام السوري إلى الجامعة، وفق مقاربة بأن عودة سوريا للحضن العربي سيجعلها بعيدة عن إيران”.
لكن هذا “الإجماع” حسب ما يقول الرداد لموقع “الحرة”: “ليس متخذا ضمن قرار جماعي وتنسيق أدوار”.
ويوضح أنه “في الأصل كانت الدول العربية على عدة مواقف خلال السنوات الماضية، ما بين معارضة ومتحفظة ومندفعة لاستعادة سوريا إلى الحضن العربي”، لكن ومع التطورات في أوكرانيا وتداعياتها على المشهد الدولي والمشهد الإقليمي “بات لها مرجعيات مختلفة”.
ويقول الرداد: “الآن لكل دولة ربما تنسيق على مستوى ثنائي وثلاثي، وليس شاملا، رغم أنه يصب في تحقيق الهدف النهائي في إعادة بناء العلاقة مع النظام السوري”.
ويضيف أن “مقاربة الأردن تتعلق بأنه يمكن إعادة النظام للحضن العربي بشكل متدرج، وكان الملك قد طرحها في البيت الأبيض العام الماضي، لكن على ما يبدو أن واشنطن لم تقدم دعما كافيا لها، فيما أتاحت لها الفرصة للتطبيق”.
ويوضح الرداد أن “الأردن ينسق بخصوص ذلك ربما مع الإمارات في إطار العلاقة الخاصة، ومع مصر”، بينما تأتي خطوات السعودية بشكل متأخر، ومرتبطة بما تم الاتفاق عليه مع إيران.
“سلاح الحوار”
والنظام السوري معزول إلى حد بعيد عن بقية العالم العربي في أعقاب الحملة الدامية التي شنها على الاحتجاجات المناهضة لحكم بشار الأسد في 2011.
وعلى إثر ذلك قبل 12 عاما علّقت الجامعة العربية عضوية سوريا، في وقت سحبت العديد من الدول العربية مبعوثيها من دمشق، على رأسها السعودية.
لكن، وفي أعقاب الزلزال المدمّر استفاد النظام السوري من تدفق الدعم من الدول العربية، فيما كان حريصا على تقديم نفسه على أنه يتمتع بالشرعية الدولية، وسلط الضوء على جميع رسائل التعازي التي تلقاها من قادة العالم جراء الكارثة.
ومن المنتظر انعقاد القمة العربية في دورتها الـ32، في السعودية، في 19 من أيار المقبل، حسب ما أعلن الأمين العام المساعد المشرف على شؤون مجلس الجامعة العربية، حسام زكي.
وصرّح، الأحد، أن “تحديد الموعد جاء بعد مشاورات أجراها الأمين العام للجامعة، أحمد أبو الغيط، مع الحكومة السعودية، والتي رحبت بعقدها في التاريخ المذكور”.
ولا يعرف ما إذا كان النظام السوري سيكون حاضرا في القمة المرتقبة، ولاسيما في ظل الحديث عن زيارة قد يجريها وزير خارجية السعودية، فيصل بن فرحان، إلى دمشق، بعد عيد الفطر، وفق ما ذكرت وسائل إعلام روسية.
لكن ووفق تقدير أستاذ الإعلام السعودي، عبد الله العساف “إن لم تعد سوريا في الدورة المرتقبة ربما ستكون حاضرة في الدورة التالية. بالتالي سنرى عقد الجامعة العربية قد اكتمل، وقد استفادت من الدروس السابقة”.
ومن وجهة نظر الرياض يقول العساف: “يجب أن يكون هناك حوار مع دمشق، وأن لا تترك كما كانت في السابق، لأنه خلال العقد الماضي رأينا 3 دول غير عربية تتحكم بالمصير السوري، سواء تركيا أو إيران أو روسيا”.
ويضيف: “مضى أكثر من عقد من الزمان والحرب دائرة بين الحكومة والشعب، وفي اعتقادي لم ينتصر أحد على أحد والجميع خاسر إذا استمر في هذا النهج”.
وبذلك “يجب الانتقال من حوار السلاح إلى سلاح الحوار، وهذا هو الأنفع لسوريا والشعب العربي السوري وهوية البلاد وعروبتها ووحدتها وتقليل التدخلات الأجنبية في سوريا”، حسب تعبيره.
ويشير العساف إلى أن “الحل السياسي في سوريا سيكون صاحب الأولوية”، وأن “هذه المرحلة قد تكون بمشاركة سعودية صينية إيرانية روسية، بعيدا عن قرار 2254 وجنيف 1 و 2 و 3 وتفاهمات أستانة”.
و”ربما ستعيد المقاربات الجديدة والرباعية الجديدة الأمور إلى نصابها ويصبح الحل السياسي هو سيد الموقف خلال المرحلة المقبلة”، وفق ذات المتحدث.
لكن الخبير الأمني والاستراتيجي الرداد يرى أنه لا يمكن الحديث عن عودة سوريا للجامعة بمعزل عن القوى الفاعلة الرئيسية في الملف السوري، كما أن “المواقف العربية التي تدعو لإعادة النظام السوري ما تزال تصطدم بموقف أميركي وغربي”.
ويوضح الرداد أن “أميركا والغرب لديهم قناعات أنه لا يمكن تأييد المصالحة مع النظام دون إنجاز عدة ملفات، من بينها المحاسبة على جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية وما يتعلق باستخدامات السلاح الكيماوي”.
“خلق مبادرة وابتزاز”
في غضون ذلك تعتبر الكاتبة والناشطة السورية، عالية منصور، أنه “لا توجد مباردة عربية بخصوص سوريا”، وأن “الدول العربية تحاول خلقها في الوقت الحالي”.
وتقول لموقع “الحرة”: “لا يوجد شيء متبلور. هناك ضياع ويحاولون إيجاد رؤية، ولذلك تأخرت القمة التي كان من المفترض أن تكون أواخر هذا الشهر”.
وباعتقاد الناشطة السورية فإن “هناك خطوطا عريضة، فيما لا توجد مبادرة شاملة يتم البناء عليها”. وتضيف أن “الجميع يدور في حلقة مفرغة، ومع ذلك هناك نية غير منظّمة لإيجاد حل وتدخل بسبب غياب الموقف الأميركي والدولي عن الوضع في سوريا”.
ولم تتضح الصورة العامة عما إذا كانت الخطوات المتعلقة بإعادة نظام الأسد لـ”الحضن العربي” ستنجح بالفعل في المرحلة المقبلة، لاسيما مع المعارضة التي أبدتها الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبية لهذا المسار.
وكذلك الأمر بالنسبة لمستقبل علاقة إيران بالنظام، الذي تعزز بالزيارات المكوكية من جهة، وبالتصريحات الرسمية التي تضعهما في “خندق واحد”، وهو ما سبق أن أثاره مسؤولون خليجيون مرارا.
وبوجهة نظر الكاتبة منصور فإن “إيران باتت أمرا واقعا في سوريا والعراق، والدول العربية تعي ذلك ولا تتوهم، وبالتالي لا تريد الانسحاب الكامل بل القليل من الاستقلالية في القرار لسوريا”.
وتقول منصور إنه “عندما نتحدث عن انسحاب إيران من سوريا ونفوذها من لبنان نكون قد بنينا تحليلاتنا على سنوات سابقة وليس على الوضع الحالي. لكل دولة الآن أولوياتها، من بينها السعودية وملف اليمن والحوثيين”.
أما بالنسبة لرئيس النظام السوري، تشير منصور إلى أنه “يتبع سياسة الابتزاز التي سار عليها أبيه حافظ الأسد. يبتز العالم بما يملك، وهو ما حصل إزاء الأردن من خلال السلاح والبكتاغون”.
وتعتقد منصور أن “السعوديين سيحاولون فرض حل لضبط الحدود وأمنها بشكل ليس كامل. الحل الكامل لا يصبح أمرا واقعا، بسبب وجود أطراف أخرى لاعبة في سوريا من بينها أميركا وتركيا”.
وكانت وكالة “رويترز” نقلت عن ثلاثة مصادر مطلعة، الأسبوع الماضي، القول إن سوريا والسعودية اتفقتا على معاودة فتح سفارتيهما بعد قطع العلاقات الدبلوماسية قبل أكثر من عقد، في خطوة من شأنها أن تمثل خطوة كبيرة إلى الأمام في عودة دمشق إلى الصف العربي.
وقال مصدر إقليمي موال لدمشق إن الاتصالات بين الرياض ودمشق اكتسبت زخما بعد اتفاق تاريخي لإعادة العلاقات بين السعودية وإيران، وهي الحليف الرئيسي للرئيس السوري بشار الأسد.
وبعد ذلك نقلت صحيفة “عكاظ” السعودية عن مصادر قولها إن “رئيس الأمن الوطني في سورية علي مملوك ومدير المخابرات العامة حسام لوقا أجريا زيارة للرياض مطلع الأسبوع الماضي، وأجريا محادثات مع مسؤولين سعوديين حول العودة التدريجية للعلاقات بين البلدين”.
وقالت المصادر: “وذلك بعد أن تتعهد دمشق بحزمة من الإصلاحات على مستوى الوضع الداخلي والعلاقة مع المعارضة السورية، إضافة إلى تعهدها ألا تكون مصدرا لتصدير الكبتاغون إلى الأردن ودول الخليج”.
ووفق الصحيفة فقد بدأ النظام السوري “على أرض الواقع بملاحقة خلايا تعمل في مجال صناعة وتصدير الكبتاغون إلى الأردن، وأحبطت سلطاته عدة عمليات الأسبوع الحالي في بادرة حسن نية لتحسن العلاقات مع الرياض”.
ضياء عودة
الحرة
———————-
جدل في واشنطن حول التوتر العسكري مع إيران في سوريا.. ما علاقة روسيا بإعادة تأهيل الأسد؟/ محمد المنشاوي
واشنطن – بالتزامن مع تزايد التوتر العسكري في سوريا، يبدو أن دوائر الحكم الأميركية باتت ترى الأزمة السورية في مفترق طرق للصراع في الشرق الأوسط.
يأتي ذلك بعدما توعد الرئيس الأميركي جو بايدن بإجراءات إضافية لوقف الهجمات التي تستهدف القواعد الأميركية في سوريا، في حين هددت طهران بالرد عقب القصف الأميركي لمجموعات موالية لها هناك.
وتتعرض القواعد الأميركية في شمال شرقي سوريا لهجمات بالصواريخ والطائرات من دون طيار من ناحية، ومن ناحية أخرى بدأت روسيا تحليق مقاتلات مسلحة فوق القواعد الأميركية هناك، التي يوجد فيها ما لا يقل عن 900 جندي أميركي.
ويشعر الإيرانيون بأنهم إذا تمكنوا من إلحاق خسائر كافية بالمواقع الأميركية، فإن إدارة بايدن ستغادر سوريا كما فعلت مع أفغانستان، كما يشعر الأميركيون بأنهم إذا ردوا بطريقة قوية فسيكون ذلك رادعا لإيران عن مزيد من الهجمات.
في هذا السياق، يرى البروفيسور في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا بجامعة الدفاع الوطني الأميركية جودت بهجت أنه “لا جديد في هذه الاشتباكات الأخيرة بين إيران والولايات المتحدة في شمال شرقي سوريا، ولا ينبغي للمرء أن يقرأها كثيرا”، وفق حديثه للجزيرة نت.
في حين أكد منسق الاتصالات الإستراتيجية في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي أن بلاده لا “تسعى إلى حرب مع إيران، نحن لا نبحث عن صراع مسلح مع ذلك البلد أو حرب أخرى في المنطقة، نحن نسعى لحماية مهمتنا في سوريا، والتي تتعلق بهزيمة تنظيم الدولة”.
بدورها، تقول الخبيرة بالشؤون الإيرانية في معهد ستيمسون بواشنطن باربرا سلافين -للجزيرة نت- إنها ليست متأكدة من السبب الذي أثار الاشتباكات الأخيرة، لكن “إيران سعت منذ مدة طويلة إلى الحد من البصمة العسكرية الأميركية في المنطقة، ويبدو أنها وافقت على وجود 2500 مدرب أميركي في العراق، لكن المليشيات المدعومة من إيران تلاحق على نحو متزايد الوحدة الأميركية الصغيرة من القوات في سوريا”.
وفي جلسة استماع أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الخميس الماضي، قال قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال إريك كوريلا إن إيران ووكلاءها أطلقوا طائرات من دون طيار أو صواريخ 78 مرة على القوات الأميركية منذ بداية عام 2021، أي ما يقرب من هجوم واحد كل 10 أيام.
ويعتقد المسؤول السابق بالبنتاغون والمحاضر في كلية الدفاع الوطني بواشنطن ديفيد دي روش أن “إيران لم تخف رغبتها في رؤية الولايات المتحدة تغادر منطقة الشرق الأوسط بأكملها”.
وفي حديثه للجزيرة نت، يقول روش إن “الوجود الأميركي في سوريا -التي تحولت إلى دولة عميلة لإيران- يثير غضب الإيرانيين بشكل خاص، حيث يمنع الوجود الأميركي الإيرانيين من إنشاء جسر بري من إيران عبر العراق وسوريا نحو حزب الله في لبنان، كما يمنع نظام بشار الأسد من تصفية المعارضة السورية في منطقة جيب التنف”.
ويضيف “يشعر كل من الإيرانيين ونظام الأسد بأن قوات سوريا الديمقراطية الكردية ستنهار بسرعة في غياب الدعم الأميركي، وذلك يسمح للأسد باستعادة المحافظات المنتجة للنفط، وتصوير نفسه على أنه حصن ضد التهديد الدولي لتنظيم الدولة، لذلك قدم الإيرانيون الأسلحة (والتوجيه في بعض الحالات) لمختلف المليشيات السورية لمهاجمة المواقع الأميركية في سوريا”.
هدوء أم تصعيد؟
يقول روش إن “هناك مؤشرات على أن مختلف المليشيات السورية التي ترعاها إيران ربما تكون قد وزعت قدراتها العسكرية بين المنشآت المدنية، وذلك لردع الولايات المتحدة عن شن هجمات كبرى من شأنها أن تتسبب في سقوط ضحايا مدنيين، وهذه هي الممارسة التي يستخدمها حزب الله اللبناني وربما تكون قد ردعت ضربة كبيرة عاجزة ضد المصالح الإيرانية”.
ويتابع “مع ذلك، فإن كلا الجانبين قد حصر عمله في سوريا، وإذا ضربت إيران المصالح الأميركية في العراق أو في أي مكان آخر فمن المحتمل أن ترد الولايات المتحدة مباشرة ضد هدف إيراني خارج سوريا كعلامة على وجود ردع. وكما حدث سابقا، سيعلن الوكلاء الإيرانيون تحديهم للشيطان الأكبر ويعودون إلى الظل”.
وتربط باربرا سلافين هذا التصعيد مع تزايد الدلائل على أن سوريا سيعاد تأهيلها وقبولها في المنظومة العربية، ويبدو أن هذه المليشيات اعتقدت أن هذا هو الوقت المناسب لتذكير واشنطن بأنها تتدخل في سوريا ضد رغبات نظام الأسد ورعاته الإيرانيين.
وتشير كذلك إلى أن “من المحتمل أن يكون الاتفاق الإيراني السعودي الذي أعلن أخيرا والوعد السعودي باستعادة العلاقات مع سوريا بعد شهر رمضان من العوامل المؤثرة في التوقيت”.
وتتوقع سلافين “مزيدا من الاشتباكات في المستقبل القريب؛ بعد أن انتهت هذه الحلقة من الاشتباكات في الوقت الحالي”.
ويشير جودت بهجت إلى أن القادة الإيرانيين “لطالما دعوا إلى انسحاب القوات الأميركية من الشرق الأوسط بأكمله واستخدموا دائما طائراتهم من دون طيار وصواريخهم وزوارقهم السريعة وقدراتهم السيبرانية لإثبات وجهة نظرهم، وفي الوقت نفسه أصر كبار المسؤولين الأميركيين، بمن فيهم الرئيس بايدن، دائما على أن الولايات المتحدة ستحافظ على وجود قوي في الشرق الأوسط”.
ويؤكد جودت أن “كلا من طهران وواشنطن لا تسعى إلى حرب شاملة، ومن المرجح أن تحاولا تهدئة الأزمة الحالية ومن غير المرجح أن توقفا هجماتهما وهجماتهما المضادة. والتحدي هو أن هذه البيئة المهتزة يمكن أن تثبت أنها غير مستدامة وتفتح الباب أمام سوء التقدير”.
وعند سؤاله عن الهجمات المتبادلة بين المليشيات التابعة لإيران وواشنطن، رد وزير الدفاع السابق مارك إسبر بالقول إن “السؤال الأكبر الذي يلوح في الأفق هو: ما الذي يحدث مع إيران وجهودها النووية؟ وقد سمعنا بعض الأخبار المقلقة اليوم بأنها ربما تقترب أكثر فأكثر من امتلاك يورانيوم عالي التخصيب، وربما تكون قد تمتلك بالفعل القدرة على إنتاج قنبلة نووية”، وذلك في حديث مع شبكة “سي إن إن” (CNN) الأميركية.
المصدر : الجزيرة
———————–
أهداف التصعيد الأميركي-الإيراني الأخير في سوريا/ خالد حماده
واشنطن وطهران أعلنتا المسؤولية عن القصف وسط تهدئة اقليمية
أصدر الرئيس جو بايدن تعليماته للرد “بشكل سريع” على استهداف قاعدتين أميركيتين في سوريا يوم الخميس من الأسبوع المنصرم، وأضاف في رسالة للكونغرس السبت، أنّ الولايات المتّحدة على استعداد لاتّخاذ مزيد من الإجراءات بحسب الضرورة، للتّصدي لمزيد من التهديدات أو الهجمات، وأنّ قواته شنّت غارات دقيقة على منشآت في سوريا تستخدمها جماعات تابعة لـ “الحرس الثوري” الإيراني من ضمن حق الولايات المتّحدة في الدفاع عن النفس.
وصفت وسائل إعلام إيرانية الهجمات على القواعد الأميركية في حقليّ “كونيكو” و”العمر” النفطيين في محافظتيّ دير الزور والحسكة بالساخنة، وأتت الردود الأميركية على مواقع في شمال شرقي سوريا تستعملها المجموعات المواليّة لإيران كمحاور رئيسة لنقل الأسلحة والمقاتلين، وهي غالباً ما يتمّ استهدافها بغارات تتبنّى القوات الأمريكية عدداً منها ويُنسب بعضها إلى إسرائيل.
أعادت الولايات المتّحدة إهتمامها بهذه المنطقة حيث زارها رئيس هيئة الأركان الأميركية الجنرال مارك ميلي في 4 مارس/آذار الجاري لتفقد القوات الأميركية، وهي الزيارة الأولى له منذ تسلمّه منصبه في عام 2019. وبالتزامن قام وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، بجولة بدأها في 5 مارس 2023 بزيارة إلى الأردن ثم مصر وإسرائيل، بهدف تعزيز التعاون والشراكة الأمريكية مع الدول الثلاث وإبداء الدعم والمساندة في مواجهة التهديد الإيراني. هذا الإهتمام الأميركي بشمال شرقي سوريا قابله تزايد في نشاط “داعش” إعتباراً من بداية العام، حيث شنّ التنظيم نحو 14 هجوماً خلال الأسبوعين الأوليْن من عام 2023، أدت إلى سقوط نحو 12 قتيلاً من قوات سوريا الديمقراطية، علاوة على إصابة أربعة جنود أميركيين في فبراير/شباط 2023. وبالمقابل كشف بيان للقيادة المركزية الأمريكية، نُشر في 4 مارس 2023، أنّ التحالف الدولي وشركاؤه الأكراد، نفذوا 48 عملية ضد التنظيم، بالإضافة الى كثافة مشهودة للضربات الإسرائيلية على مواقع تابعة للمليشيات الإيرانية.
يبدو التصعيد الأخير في شمال شرق سوريا هو الأخطر منذ العام 2019، مما يبعث على محاولة إلتقاط الرسائل التي يحملها في ضوء المستجدات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وأهمها الإتّفاق الذي اتّخذت فيه القوتان الإقليميتان المتقابلتان إيران والسعودية خطوات نحو التقارب وتهدئة التوترات في جميع أنحاء الشرق الأوسط الأوسع.
قال الجنرال مايكل كوريلا قائد القيادة الوسطى الأميركية أمام لجنة القوات المسلّحة في مجلس النواب الخميس،ـ إنّ “القوات الإيرانية الضخمة والمزودة بموارد كبيرة تنشر عدم الإستقرار في جميع أنحاء المنطقة وتهدد شركائنا الإقليميين…. لقد أصبحت الطائرات دون طيار جزءاً من تهديد سريع التطور ينفذه وكلاء إيران في سوريا، حيث تقوم ميليشيات متخصصة بتشغيل أسلحة أكثر تطوراً لضرب أهداف أميركية هامة متجنبة الدفاعات الأمريكية”.
يبدو أنّ طهران تحاول الإستثمار في الإنشغال وربما الإرباك الأميركي، حيث تبدو الإدارة الأميركية منهمكة كلياً في الحرب الروسية على أوكرانيا، هذا بالإضافة الى إنشغالها بالصعود الصيني وما يرتّبه إنفتاح “بكين” على العديد من القوى الإقليمية والدولية، واحتمال الدخول في مواجهة معها. وبهذا المعنى فإنّ إيران ترى أنّ قدرات الولايات المتّحدة للتورط في المزيد من الصراعات تبدو محدودة. كذلك تريد طهران الفصل بين صراعها مع الولايات المتّحدة وصراعها مع الدول العربية، وبالتالي فإنّ الإتّفاق مع السعودية لن يمنعها من الإستمرار في توجيه الرسائل للولايات المتّحدة عبر سوريا. من جهة أخرى تريد إيران القول أنها لا زالت تمتلك العديد من الأوراق التي يمكن استخدامها لقلب الموازين. ومن هنا تكتسب هجمات الميليشيات المدعومة من إيران أو مقاتلي الدولة الإسلامية على القوات الأميركية أهمية محوريّة في أكثر الأوقات الأميركية حراجة.
ومن قبيل المزيد من التوظيف في الإرباك الأميركي، تحاول إيران من خلال تكثيف الهجمات إعطاء المزيد من الأوراق للجمهوريين الذين سعوا خلال الأسابيع المنصرمة إلى محاصرة بايدن، ودفع الكونغرس لإنهاء التفويض باستخدام القوات الأميركية بالشرق الأوسط وسحبها من دول الخليج والعراق وسوريا. هذا بالإضافة الى محاولة إيران الدائمة العودة الى دائرة الإهتمام الاميركي علّ ذلك يؤدي الى إعادة الحياة لملفها النووي.
أما على الصعيد الأميركي، فإنه لا يمكن فصل المواجهة الأخيرة في شمال شرقي سوريا عن السياق السياسي في المنطقة، وبالتالي ليس أمام الولايات المتّحدة من خيار سوى الإستمرار بالضربات الجويّة لاستعادة ثقة حلفائها الإقليميين وتبديد فكرة خروجها من المنطقة والتأكيد على دورها في مكافحة الإرهاب والتمسّك بحلفائها الأكراد ولا سيما قوات سوريا الديمقراطية.
من هنا يبدو التماهي بين الأهداف الإسرائيلية والأهداف الأميركية في تكثيف الهجمات في سوريا واستهداف الميليشيات الإيرانية لتحجيم نفوذ طهران أو جعل التحالف معها مكلفاً سواء على صعيد المكتسبات السياسية أو العسكرية. هذا بالإضافة أنّ الخارجية الأميركية التي رحّبت بالإتّفاق السعودي الإيراني وبأي إتفاق يؤدي الى استقرار المنطقة تثابر على إعلان تشكيكها بنوايا إيران في الإلتزام بعدم دعم ميليشياتها.
لا شك إنّ الضربات الإنتقامية الأميركية بالرغم من ضراوتها فهي ليست مرجحة بما يكفي لردع سلوك إيران أو تصرفات وكلائها أو لجعلها تستشعر أنّ هذه الهجمات ستؤدي إلى عواقب لا يمكن تحمّلها. وهذا يجعل التساؤل حول مدى إستعداد الرئيس بايدن المضي بشكل أكثر إصراراً لتأكيد فعاليّة الردع الأميركي، واستعادة ثقة حلفائه في المنطقة رهاناً محفوفاً بالمخاطر.
—————————–
تصعيد في سوريا… وهدنة في الاقليم/ إبراهيم حميدي
لم يكن جديدا تبادل الضربات بين أميركا وايران في شمال شرق سوريا. فتنظيمات طهران قرب دير الزور، كانت تعرضت سابقا لـ”غارات غامضة” شنّتها قوات واشنطن وتل أبيب. وكان سبق للقوات الأميركية أن ردت بقصف مدفعي أو من “مسيرات”.
في السنوات الماضية، كانت هذه “الرسائل” تقليدية، لكن أمورا جديدة تحدث في هذه الجولة من الضربات، من حيث اللغة والتوقيت والمآلات، وكأن “سوريا الروسية- الايرانية” تتمدد وتختبر أميركا وعزمها على ابقاء قواتها.
الأمر الأول، ان أميركا وايران أعلنتا بوضوح مسؤوليتيهما عن الضربات، من أعلى المستويات. مواقع أميركية تعرضت للقصف مما أدى إلى قتل “متعاقد” وجرح آخرين، ردت عليها أميركا بغارات نفذتها طائرات انطلقت من قاعدة العديد في قطر، ثم ردت إيران على رد أميركا التي ردت بدورها.
الادانة الإيرانية لـ”الهجوم الارهابي العدواني” لم تكن غامضة بدورها، بل جاءت بلسان الناطق باسم حكومة طهران، فيما جاء الموقف الأميركي مباشرة من الرئيس جو بايدن حين صرح بأن “الولايات المتحدة لا تسعى إلى صراع مع إيران، لكنّها مستعدّة للعمل بقوة لحماية شعبها”. أميركا تقول إنها لاعب في “المسرح” السوري. إيران تقول إنها طرف في “اللعبة” السورية.
الأمر الثاني، ان هذه الجولة الأميركية – الإيرانية اشتعلت وسط تهدئة في العراق، حيث بعثت تنظيمات موالية لإيران برسائل إلى دول غربية أعربت فيها عن رغبتها بالتهدئة. بالفعل، التزمت هذه التنظيمات عدم استهداف المصالح الغربية، وحيدت المسرح العراقي عن التوتر بين طهران وواشنطن. وهكذا لم يعد العراق في الأشهر الأخيرة، “صندوق بريد” بين أميركا وإيران.
ثالثاً، لا بد من الإشارة هنا، إلى النقاش الحاصل في الكونغرس الأميركي ازاء الغاء تفويض “استخدام القوة العسكرية في العراق”. في حال إلغاء هذا التفويض، فإن السند القانوني للوجود الأميركي شرق سوريا، هو دعم الحملة في العراق، ضد تنظيم “داعش” وليد “القاعدة”، الذي كان الكونغرس قد خوّل الادارة ملاحقته بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001.
رابعاً، في الصورة الأوسع، جاءت هذه الضربات وسط تهدئة اقليمية: غزل عربي مع العراق لإعادته إلى “الحضن العربي”، مصالحة مصرية – تركية، اتفاق سعودي – إيراني لاستئناف العلاقات الديبلوماسية في رعاية صينية، وخطوات عربية للتطبيع مع دمشق لإعادتها إلى “الحضن العربي”، مع قبول بـ”سوريا الروسية- الإيرانية” بدلاً من الرهان على “سوريا الروسية” لاخراج ايران من سوريا.
خامساً، هناك خطوات أخرى استبقت التصعيد. ذلك أن طائرات روسية حلقت خلال شهر مارس/آذار لأكثر من 25 مرة فوق قاعدة التنف الأميركية في جنوب شرق سوريا، حيث باتت الطائرات الروسية، تتصرف بطريقة مختلفة عن التفاهمات بين موسكو وواشنطن.
للعلم، ان اميركا وروسيا اتفقتا في منتصف 2017، على مذكرة “منع الصدام” بما يتضمن التنسيق بين جيشي البلدين في الأجواء والأراضي السورية بحيث لا يحصل صدام بين القوتين العظميين. وعندما خففت أميركا انتشارها في 2019، جرى تأكيد التزام الاتفاق. لكن هذا لم يعد موجودا. فقبل أسابيع، زار قائد الأركان الاميركي مارك ميلي قواته في شمال شرق سوريا، في خطوة تمثل أرفع زيارة لمسؤول أميركي إلى هذه المناطق.
ربما أراد ميلي، الذي يغادر منصبه قريبا، تأكيد التزام استمرار وجود قواته. رسالة إلى دمشق وطهران وموسكو. لكن واقع الحال، أن كثيرا من الاحتكاكات والاختبارات يقوم بها الجانب الروسي منذ بدء الحرب في أوكرانيا في بداية العام الماضي. سوريا التي كانت ساحة لتهدئة أميركية – روسية بعد حرب أوكرانيا، تخضع لاختبار جديد وسط تصاعد المواجهة الغربية – الروسية في أوكرانيا. هذا كله يأتي أيضا وسط تحالف بين المسيرات الإيرانية والصواريخ الروسية في الأرض الأوكرانية.
سادساً، الاختبار الأخير، لا يمكن عزله عن رغبات دمشق المنتعشة برياح التطبيع التي تهب من دول عربية، وتلك التي تنتظر مواسمها من قبل الرئيس رجب طيب أردوغان، الساعي إلى تجديد انتخابه في مايو/أيار بدعم اقليمي وعربي وروسي. وضعت دمشق في أولوياتها مطلب “انهاء الاحتلالات”، ردا على دعوات الرئيس فلاديمير بوتين الأسد إلى لقاء أرودغان. وربما يكون الضغط على الأميركيين شرق الفرات، هو نقطة التلاقي السوري – الايراني – الروسي، طالما أن انهاء “الاحتلال التركي” مطلب خلافي بين دمشق وطهران وموسكو. هنا ننتقل، إذاً، من “سوريا الروسية – الايرانية” إلى “سوريا الروسية – الايرانية – التركية” ضد الجيب الأميركي.
خلاصة الرسائل، انه إذا كان لا بد من “انسحاب” وانهاء لـ”وجود غير شرعي”، فليكن في شمال شرق سوريا. على الأقل، وضع هذه العبارات في الخطاب واللغة والضربات حاليا.
المجلة
————————–
تقارب الرياض ودمشق: هل هناك ملف معتقلين سعوديين؟/ أمين العاصي
العديد من الملفات يُتوقع أن تحضر على طاولة التفاوض بين النظام السوري والسعودية، بعد مؤشرات حول استعداد الرياض لاستئناف علاقاتها مع هذا النظام، إثر قطيعة دامت 12 عاماً، وإن كانت العلاقات الدبلوماسية ستبقى على نطاق محدود في البداية، يقتصر على الجانب القنصلي.
وبرز ما ذكرته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، الخميس الماضي، نقلاً عن “مستشارين للحكومة السورية”، لم تسمهم، من أن الرياض تريد حل قضية المعتقلين السعوديين الذين تم أسرهم بعد انضمامهم إلى الجماعات الجهادية المتورطة في الحرب السورية.
هذا الأمر يفتح الباب أمام التعامل مع هذا الملف الشائك، فمعتقلات النظام تضم آلاف المعتقلين العرب قبل الثورة السورية في عام 2011 وأثناءها، وفق تقارير حقوقية وشهادات معتقلين ناجين.
وكان رئيس إدارة المخابرات العامة لدى النظام السوري حسام لوقا قد زار الرياض أخيراً للاتفاق على خطوات تطبيع العلاقات، ومن المرجح أن مسألة المعتقلين السعوديين كانت في صلب محادثاته مع المسؤولين الأمنيين في المملكة، وسط ترجيحات بافتتاح القنصلية السعودية في دمشق، بعد عيد الفطر (في الأسبوع الأخير من شهر إبريل/نيسان المقبل).
المعتقلون السعوديون والعرب في سجون النظام السوري
لا توجد إحصائيات يمكن الركون إليها لعدد المعتقلين السعوديين والعرب في سجون النظام السوري، إلا أنه من المؤكد أن معتقلات النظام تضم المئات من لبنانيين وفلسطينيين وسعوديين، بعضهم كان معتقلاً قبيل انطلاق الثورة السورية والبعض الآخر أثناءها.
من جهتها، وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان ما لا يقل عن 2887 شخصاً ممن يحملون الجنسيات العربية، بينهم 19 طفلاً و28 سيدة، ومنهم 58 شخصاً يحملون الجنسية السعودية، لا يزالون قيد الاعتقال أو الإخفاء القسري لدى قوات النظام منذ مارس/آذار 2011.
وفي السياق، توقع مدير الشبكة فضل عبد الغني، في حديث مع “العربي الجديد”، ألا يتعاون النظام السوري “مع ملف المعتقلين العرب في سجونه”، مضيفاً: هؤلاء رهائن لديه، من المرجح أنه سيحتفظ به لمراحل متقدمة من المفاوضات مع مختلف الأطراف.
وتابع أن “النظام السوري لديه خبرة في الإرهاب مع مختلف الدول، عبر ابتزازها بالمعتقلين لديه، وعبر المخدرات مثل الكبتاغون وغيرها من المواد المخدرة. ووصف عبد الغني اعتقال العرب من قبل النظام بـ”التعسفي”، مشيراً إلى أنهم يندرجون ضمن “المختفين قسرياً”، موضحاً أن التواصل مقطوع معهم.
وكان السفير السعودي في الأردن فهد بن عبد المحسن الزيد قد أكد، في تصريحات صحافية عام 2013، أن عدد السعوديين في سورية بعد مرور عامين من بدء الثورة بلغ 2500 سعودي، مشيراً إلى أن عدد السجناء منهم “قليل”. وأكد أن عدم خروجهم من سورية يأتي بسبب استيطانهم هناك منذ قرابة 60 عاماً، إضافة إلى وجود استثمارات لهم وعلاقات نسب تربطهم بعائلات سورية.
وقال إن السفارة السعودية لم تتأكد من سجن السعوديين بسبب جنسيتهم في سورية، مؤكداً أن السفارة تلقت من أهالي السجناء معلومات تفيد بأن أبناءهم سجنوا بسبب جنسيتهم.
ولفت الزيد إلى أن سفارتي السعودية في عمّان وبيروت تسعيان إلى إطلاق السجناء السعوديين من السجون السورية. وكان النظام السوري اعتقل في عام 2011 عدداً من المقيمين العرب والأجانب، من أجل الضغط على حكوماتهم في سياق محاولاته القضاء على الثورة.
من جهته، أوضح مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “هناك معتقلين سعوديين في سجون النظام السوري، ولكن لا توجد إحصائيات دقيقة عن عددهم”.
وأشار إلى أن “جل المعتقلين السعوديين قبل الثورة في عام 2011 كانوا جهاديين قصدوا سورية للعبور إلى العراق وجرى اعتقالهم”، مضيفاً: لدينا معلومات مؤكدة عن وجود معتقلين أردنيين وفلسطينيين في سجن عدرا (ريف دمشق) منذ 40 سنة.
وفي السياق، أوضح الناشط الحقوقي السوري عبد الناصر حوشان، في حديثٍ مع “العربي الجديد”، أنه “لا يمكن التحقق بدقة من عدد المعتقلين السعوديين في سجون النظام، نظراً لصعوبة التواصل مع ذويهم”.
غير أنه أشار إلى أن العدد التقريبي يصل إلى نحو 700 معتقل. وكانت السعودية قد أغلقت سفارتها في سورية في مارس 2012، وقد سبقها تجميد عضوية النظام في الجامعة العربية أواخر عام 2011.
وقادت الرياض الدول العربية الرافضة لأي عودة للنظام إلى “الحضن العربي”، ولكن تغييرات طرأت على السياسة السعودية في العام الحالي، ومنها التقارب مع الجانب الإيراني، ربما تدفع الرياض إلى مراجعة موقفها حول عودة النظام إلى الجامعة العربية في القمة العربية المقررة فيها في مايو/أيار المقبل.
النظام مستعد لمناقشة كل شيء مع السعودية
وعلى الرغم من أن الرياض قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع النظام، إلا أنها أبقت على قنوات اتصال استخبارية معه، إذ تحدثت وسائل إعلام تابعة له عن زيارة قام بها في مايو 2021 رئيس المخابرات السعودية، خالد الحميدان، إلى العاصمة السورية دمشق.
ويرجح أن يكون النظام مستعداً لمناقشة كل الملفات مع الجانب السعودي، بما فيها ملف المعتقلين السعوديين، لأنه يعتقد أن عودة “الدفء” إلى العلاقة مع الرياض مقدمة لإعادة تأهيله إقليمياً وربما دولياً، على الرغم من الاعتراض الأميركي.
من جهته، رأى غزوان قرنفل، مدير تجمع المحامين السوريين، وهي منظمة حقوقية، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “النظام جاهز للمساومة بملف المعتقلين السعوديين لديه، إن وُجدوا، لتحقيق أعلى مستوى من المكاسب السياسية”.
وحول خشية النظام من تبعات قانونية في حال فُتح هذا الملف، أعرب عن اعتقاده أن “النظام لا يخشى شيئاً في هذا الملف”، مضيفاً أنه “سيجد دائماً ما يبرر اعتقالهم من قبيل أنهم جهاديون أو أنهم دخلوا البلاد بطريقة غير مشروعة وقدموا الدعم للعصابات الإرهابية… وإن اقتضى الأمر سيغطي اعتقالهم الطويل بأحكام قضائية صادرة عن محكمة الإرهاب، أما من قضى منهم فسيجد لهم تقريراً طبياً يبيّن أنهم ماتوا باحتشاء عضلة قلبية أو سينكر وجودهم لديه أصلاً”.
وكان الصراع الدائر في سورية اجتذب آلاف الجهاديين العرب للانضمام إلى تنظيمات متشددة من قبيل “جبهة النصرة” ولاحقاً تنظيم “داعش” وسواهما من التنظيمات. ومن المرجح أن قوات النظام اعتقلت العديد منهم خلال المعارك الكثيرة التي دارت في عموم سورية بينها وبين هذه التنظيمات.
ولعل عبد الله المحيسني من أبرز السعوديين الذين ظهروا في المشهد السوري، إذ كان من أبرز “الشرعيين” في “هيئة تحرير الشام” (النصرة سابقاً) مع مواطنه مصلح العلياني.
العربي الجديد
————————-
الأسد وسجادة أبو ظبي الحمراء/ رضوان زيادة
فرشت أبو ظبي السجادة الحمراء بلون دم الضحايا للأسد، صورة آلمت الملايين من ضحايا الأسد وآذت شعورهم، أن يروا قاتلهم يرحَّب به في القصور، أن يشاهدوه وهو يمثل كأنه لم يفعل شيئا أو يقم بشيء، تلتقط له الصور في ضيافة قصر أبو ظبي مرحَّبا به على ما قام به بحق سوريا والشعب السوري حيث قتل وشرّد الملايين ورهن البلاد ومستقبلها لصالح دول أجنبية لم ترد لسوريا وشعبها يوما خيرا كروسيا وإيران.
صور تكررت على شاشات التلفزة الأسبوع الماضي لكنها ستبقى محفورة في ذاكرة الملايين من الضحايا السوريين من دون أن ينبس حاكم أبو ظبي بكلمة بحق الملايين من الضحايا السوريين، يتم محوهم من الذاكرة بسرعة البرق ويتم الدعس على حقوقهم ومشاعرهم.
في دولة المؤسسات الديمقراطية ثلاثة عوامل تؤخذ بعين الاعتبار دوما عند اتخاذ أي قرار يتعلق بالسياسة الداخلية والخارجية، العامل الأول هو بالطبع الدعم الشعبي لهذا القرار بحكم أن أية سلطة منتخبة تكون قد وصلت إلى السلطة لتحقيق مصالح الشعب أو على الأقل كي تعكس مصالح الناخبين الذين انتخبوها، العامل الثاني هو العقلانية في اتخاذ القرار فالمؤسسات الديمقراطية بكل تأكيد تبطِئ اتخاذ أي قرار لأن عليه أن يمر بكثير من المؤسسات التي عليها أن توافق عليه من مثل مجلس الوزراء مجتمعا أو الحكومة ومن مثل البرلمان وأحيانا القضاء ممثلا في المحكمة الدستورية العليا إذا وجدت المعارضة في هذا القرار خرقا دستوريا، أما العامل الثالث فهو تبرير أو تسويق هذا القرار للشعب برمته وهو ما يعني كسب الإعلام لصالحك إذا كنت تريد الفوز في الانتخابات المقبلة فحصولك على الدعم الشعبي مهم جدا في هذا الإطار.
لكن في دول تغيب عنها كل هذه المؤسسات كالإمارات نجد غيابا كاملا لكل هذه العوامل بل إن السلطة حينئذ تعمل بعكس هذه العوامل كلية، ولذلك تجد العشوائية في اتخاذ القرارات، وعدم احترام الرأي العام، وعدم احترام المصالح العليا للشعب، ويصبح الهدف الوحيد هو مصالح النخبة الحاكمة، والأسوأ من ذلك أن السياسة الخارجية تصبح عشوائية بشكل يصعبُ فيه تصوُّرُ أنّ قيما ما تحكمها أو تحدد بوصلتها، إذ يمكن أن تصحو صباحا وتجد الإمارات وقد استضافت الأسد من دون أية ممهدات أو مبررات لهذه الزيارة وفي تحدّ واضح لسياسة الولايات المتحدة الحليف القوي للإمارات.
سابقا قام وزير الخارجية الإماراتي برحلة بطائرته إلى دمشق للقاء مجرم الحرب الأسد رغم أنه يعرف أن الأسد هو حليف إيران الموثوق في المنطقة بل وأكثر من ذلك استدعى مئات الألوف من مرتزقتها من أجل قتل السوريين في وطنهم، وهو يقول لنا إن سياسته الخارجية تقوم على محاربة إيران في المنطقة، من الصعب أن نفهم إذا ماهيّةَ القيمِ التي تعكسها هذه السياسة الخارجية، تحالف مع إسرائيل التي تقصف الأسد يوميا وتحالف جديد مع الأسد الذي هو تحت العقوبات الأميركية والأوروبية بسبب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها بحق الشعب السوري.
هذه السطور السابقة تعكس تماما فوضى السياسة الخارجية الإماراتية وفوضى القرار العقلاني الذي يحكمها فأصبحت قائمة فقط على العشوائية والتخبط بهدف تحقيق اهتمامات شخصية أكثر منها وطنية أو عربية، إنها انشقاق كامل عن المحيط العربي وتحول باتجاه سياسة عشوائية تقوم على الفائدة الشخصية، إنها انهيار كامل لفكرة أن القيم هي من يحكم أية سياسة داخلية أو خارجية وتحويل هذه القيم إلى مجرد ربح مادي يبحث عن العائد والفائدة بدل أن تكون السياسة كما هي في صلبها احترام المصالح القريبة والبعيدة للمواطنين.
بالطبع لا يحتاج حاكم أبو ظبي إلى تبرير سياسته الخارجية هذه، فلا وجودَ لبرلمان ولا وجودَ لمؤسسات حكومية ولا وجودَ لانتخابات ديمقراطية يمكن أن تحاسِبَ المسؤول على أفعاله وقراراته، ولذلك يقال دوما إن الديمقراطية هي ترشيد للسياسة الداخلية والخارجية وتطعيمها بالعقلانية الضرورية التي يمكن أن تبرر قرارات السياسة الداخلية والخارجية.
لكن عندما تغيب هذه المؤسسات الديمقراطية تكون النتيجة سياسة عشوائية متخبطة يقررها فرد فننام على سياسة ونصحو على سياسة معاكسة تماما وهو ما يجعل الحلفاء والأصدقاء قبل الأعداء يشكّون في مدى موثوقية هذه السياسة وجدواها على المديَين القريب والبعيد.
تلفزيون سوريا
————————
نحن والثورة المضادة/ حسام جزماتي
لم يكد بشار الأسد يعود من رحلة إلى روسيا الاتحادية قبل أيام حتى بدأ زيارة للإمارات العربية المتحدة. وما إن رجع منها حتى نقلت وكالة رويترز خبراً عن قرب عودة العلاقات الديبلوماسية بين نظامه وبين المملكة العربية السعودية، التي صرّحت وزارة خارجيتها أنها تبحث مع نظيرتها في دمشق استئناف تقديم الخدمات القنصلية.
هذه ذروة في علاقات النظام الخارجية، سبقتها زيارات بعد الزلزال الذي تأثرت به الأراضي السورية وتضررت جدياً وأدى إلى ضحايا ودمار كبير، مما كان فرصة لإظهار تعاطف عدد من الدول التي رغب بعضها في ما هو أكثر من مجرد المؤازرة العارضة.
وقد بات من نافل القول إن السوريين الثائرين وجدوا قضيتهم جزءاً من تعقيدات عالم عريض اصطف فيه كثير من الأعداء في مواجهتهم، بعضهم أصلي بموقف ثابت ودعم فاعل للنظام، كإيران وروسيا، وبعضهم من الدول العربية التي أخذت تتبنى سياسة متزايدة الوضوح ضد الربيع العربي، والسوري ضمناً.
من جهته لم يطوّر جمهور الثورة وعياً سياسياً نامياً رغم انخراطه في السياسة منذ أن هدف إلى تغيير الحكم. ولذلك أسباب يرجع بعضها إلى التاريخ العميق الذي أورثنا ذهنية النصر المطلق أو الهزيمة الساحقة، فنحن «أناس لا توسط بيننا» ولا مسايسة، ويعود بعضها الآخر إلى الماضي القريب لسوريا التي لم تعرف الحياة السياسية إلا لوقت قصير، وأضيفت إلى ذلك ظروف الحاضر من الإنهاك والتعرض الطويل للوحشية مما يدفع إلى الخيارات الحدية.
ومن هنا فإن ردة فعلنا الأكثر شيوعاً على تحركات كالتي حصلت هي القنوط والإحباط والشلل. فما يجري «قدر» قاس ينبع من مؤامرة تتكشف خيوطها تباعاً، أطرافها أقوى منا بكثير، ستطبِق علينا دون أن نتمكن من فعل شيء حيالها سوى «الاستشهاد» أو الاستعداد للعودة صاغرين إلى حظيرة الأسد المتأهبة بدورها لقتلنا.
في المقابل نعتقد أن علينا أن نضع كلمة «أصدقائنا» بين قوسين، أو أن نصفهم بالمزعومين، بما أنهم لم يخوضوا إلى جانبنا معركة وجود صفرية. وأن نوبّخهم على ما نرى أنه خيانة لما يزعمونه من دفاع عن الحريات وحقوق الإنسان، التي نعلن أننا لا نشاركهم الإيمان بها لكننا نودّ الاستفادة منها فقط ونطلب منهم دفع ثمنها الأعلى.
باختصار، نريد منهم أن يهبّوا لنجدتنا بحالة من «الفزعة» أو يحتوونا بنوع من «الإجارة»، وإلا سنسلقهم بألسنة حداد صارت أقوى ما نملك بعد تراجعنا العسكري وتعثرنا الصارخ في بناء البديل المدني.
ولإحكام طوق اليأس على أنفسنا نلجأ إلى آليات متعددة. ففي قراءة الأخبار نعمد إلى إهمال المعلومات التي في صفنا، معتبرين أنها «مجرد كلام» لا يغني ولا يسمن من جوع، والتقاط ما قد يؤدي إلى الانفتاح على الأسد أو تعويمه، رافعين هذا النوع من التصريحات أو التسريبات إلى رتبة الحقائق الثابتة التي لها ما بعدها مما جرى الاتفاق عليه في السر، بغرامٍ لا نستطيع الانفكاك عنه مع ما هو «تحت الطاولة» أو «وراء الكواليس» أو «خلف الأكمة»، دون اكتراث بما يُطرح على الطاولة من معطيات.
الآلية الثانية هي علاقتنا مع جدلية الحق والقوة. ففي حين نُعلي من شأن الحق ونؤكد حتمية انتصاره في القصائد وفي ما تيسر من «كلمات نارية» في المناسبات؛ فإننا ننجذب فعلياً إلى القوة سواء أكانت في أيدينا أو في حوزة خصومنا، ظالمة معظم الأحيان وعادلة في أوقات قليلة. لا نعتقد أن للحق حلفاء طالما أننا نرى أن العالم متاهة من الصفقات الخفية والتحالفات الشيطانية في الغرف المظلمة. أما من يؤمن منا بقوة الحق فيفعل ذلك بمعنى مطلق وفوق بشري، حين لا يتطلب انتصاره أي نوع من السياسة بل يتناقض معها، فالنصر يتنزّل بلا أسباب سوى الثبات على الموقف الذي يعتنقه المرء. وهي الحالة التي ظهر تجليها الأبرز في داعش التي انتظرت تدخلاً إلهياً في معقلها الأخير في الباغوز.
حصيلة ذلك أننا نؤمن بالضربة القاضية ونزهد في تسجيل النقاط، في حين أن السياسة إحراز تطورات متراكمة، والحرب نتيجة مجموعة من المعارك، والنصر ابن مسار طويل من الجهد الذي غالباً ما يكون مضنياً ومستمراً.
في الواقع يبدو ما حققه الأسد في الآونة الأخيرة محدوداً، فهو مشروط بما لا يقدر عليه من تقليص النفوذ الإيراني مقابل الانفتاح العربي، ومحدود بسقفٍ تناور تحته بعض الدول بما لا يكسر العقوبات الأميركية المحددة بقانون قيصر، وهو ما يشدد عليه سياسيون أميركيون ينتقدون تراخي إدارة الرئيس جو بايدن في تطبيقها، ويؤازره موقف أوروبي صارم لا يقرأ شتائمنا للعالم على وسائل التواصل ولا يبني سياساته بأخذ «غضبتنا المضرية» في الاعتبار.
لا بد من السياسة في نهاية المطاف. ولا شك أن أحد أهم أسباب خلو مقعدنا في الاجتماعات المخصصة لسوريا هو ضعفنا في السياسة، إذ نفهمها خطباً تؤنب ممثلي الدول أو تقارير نرفعها لمقامهم، مراوحين بين الاستعداء والارتهان. لكل ذلك أسبابه لكننا مضطرون إلى تجاوز عطالتنا للإسهام في إخراج بلدنا من الاستعصاء وإدارته من جديد. فقوى الثورة المضادة عارضة تاريخياً ولو كانت «طويلة العمر».
————————
ما هي فرص نجاح الانفتاح العربي على النظام السوري؟/ عدنان أحمد
على الرغم من عدم صدور أي إعلان رسمي حتى الآن عن الجانبين، إلا أن المؤشرات والتسريبات تتوالى بشأن استعداد السعودية لاستئناف علاقاتها مع النظام السوري، بعد قطيعة دامت 12 عاماً، لتنضم بذلك إلى مجموعة من الدول العربية التي اختارت تطبيع العلاقات مع النظام في دمشق، من دون ربط ذلك على نحو واضح بالحل السياسي الشامل، بل مجرد حديث عن “مبادرة عربية”، أردنية الأصل، للانفتاح العربي على النظام مقابل انخراطه في الحل السياسي.
وذكرت مصادر مطلعة لوكالة “رويترز”، الخميس الماضي، أن السعودية والنظام السوري اتفقا على إعادة فتح سفارتيهما، وذلك بعد محادثات في الرياض أجراها مسؤول استخباراتي سوري رفيع المستوى.
ووفق المصادر التي تحدثت للوكالة من دون ذكر اسمها، فإن مدير المخابرات العامة السورية، اللواء حسام لوقا، مكث أياماً عدة في الرياض، وتم التوصل إلى اتفاق لإعادة فتح السفارات في القريب العاجل، مشيرة إلى أن المحادثات شملت الأمن على الحدود السورية مع الأردن، وتهريب المخدرات إلى الخليج.
ووفق الوكالة، فإن إجراءات إعادة فتح السفارتين بعد قطع للعلاقات الدبلوماسية استمر أكثر من عقد، ستبدأ بعد عيد الفطر (الأسبوع الأخير من إبريل/نيسان المقبل). وأضافت الوكالة، نقلاً عن مصدر إقليمي قريب للنظام السوري، لم تسمّه، قوله إن الاتصالات بين الرياض ودمشق اكتسبت زخماً بعد “اتفاق تاريخي” لإعادة العلاقات بين السعودية وإيران، الحليف الرئيسي للنظام.
ورأت “رويترز”، أن إعادة العلاقات بين الرياض ودمشق، يُعدّ أهم تطور حتى الآن في تحركات الدول العربية لتطبيع العلاقات مع رئيس النظام، بشار الأسد، الذي نبذته العديد من الدول الغربية والعربية بعد اندلاع الاحتجاجات ضد النظام في سورية عام 2011.
غير أن المصادر السعودية التي علقت على هذه الأنباء، لم تتحدث عن استئناف للعلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري. وأوضحت أن الاتصالات الجارية هدفها فقط استئناف تقديم الخدمات القنصلية.
ونقلت قناة “الإخبارية” السعودية الخميس الماضي، عن مصدر في الخارجية السعودية، قوله “في إطار حرص المملكة على تسهيل الخدمات القنصلية الضرورية للشعبين، فإن البحث جار بين المسؤولين في المملكة ونظرائهم في سورية حول استئناف تقديم الخدمات القنصلية”.
من جهتها، أشارت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، الخميس الماضي، إلى أن النظام السوري والسعودية يقتربان من توقيع اتفاق بعد مفاوضات توسطت فيها روسيا.
وقالت المصادر الحكومية في سورية والسعودية، إن الأسابيع الماضية شهدت جولات عدة من المفاوضات في موسكو والرياض، هدفت إلى تقريب العلاقات بين الطرفين. وقال مسؤولون من السعودية وحكومة النظام السوري ودول عربية أخرى، إن الحكومة الروسية توصلت إلى اتفاق مبدئي عندما زار رئيس النظام السوري بشار الأسد موسكو، بين 14 و15 مارس، بعد زيارات لمسؤولين في النظام السوري إلى السعودية خلال الأسابيع الأخيرة.
ودعا الكاتب السوري المعارض محي الدين اللاذقاني، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى التريث في استخلاص النتائج بشأن ما يُقال عن قرب استئناف العلاقات بين السعودية والنظام السوري.
وقال إن الصورة غير واضحة بعد، وهل تتضمن هذه الخطوة إعادة افتتاح سفارات، وتبادل السفراء أم مجرد تسهيلات قنصلية؟ ورأى أنه “علينا عدم الإفراط في التحليلات والقفز إلى النتائج، قبل صدور تأكيد من المملكة العربية السعودية، وهي دولة ذات وزن إقليمي ودولي، ولا يمكن أن تقدم على مثل هذه الخطوة مع نظام مجرم من دون شروط، وهذا ما يجب أن نعرفه منها لا من أعدائها”، على حد وصفه.
رصد
“وول ستريت جورنال”: دور روسي في التقارب بين النظام السوري والسعودية
مواقف سعودية مستجدة من النظام السوري
وبغض النظر عن طبيعة أو مستوى الانفتاح السعودي المستجد على النظام في دمشق، فقد صدرت في الآونة الأخيرة مواقف سعودية جديدة، تجلت في التصريحات المتعاقبة لوزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، حول ضرورة التوصل إلى مقاربة جديدة للتعامل مع الوضع في سورية.
وقد أوضح ذلك في 18 فبراير/شباط الماضي، خلال جلسة حوارية في مؤتمر “ميونخ للأمن” 2023، معتبراً أن “هناك إجماعاً عربياً على أن الوضع الراهن في سورية لا يجب أن يستمر”.
ومنذ بداية الثورة السورية عام 2011، اتخذت السعودية موقفاً قوياً إزاء النظام السوري وقطعت العلاقات معه، كما دعمت وما زالت، تيارات من المعارضة السورية. لكن الخطاب السعودي العلني شهد منذ مطلع العام الحالي تبدلات عدة، برزت خصوصاً مع وقوع الزلزال في سورية وتركيا في 6 فبراير الماضي، إذ بادرت السعودية لأول مرة إلى إرسال مساعدات إلى مناطق سيطرة النظام السوري عبر طائرات سعودية حطت في مطار حلب، شمالي سورية.
وشكّل الزلزال فرصة سياسية للنظام في دمشق، فتحركت علاقاته السياسية مع العديد من الدول مثل السعودية ومصر وتونس والجزائر، فيما قادت دولة الإمارات جهوداً إغاثية وسياسية أعطت زخماً للانفتاح على النظام في دمشق.
الدول العربية ونظام الأسد: ثلاث مجموعات
ويمكن تقسيم مواقف الدول العربية من النظام السوري إلى ثلاث مجموعات: المجموعة الأولى، حافظت على العلاقات مع النظام طيلة السنوات الماضية رغم قرار المقاطعة العربي، وإن التزم بعضها شكلياً بإغلاق السفارات في دمشق، ثم عاودت فتحها. مثلاً، لم تقطع سلطنة عمان العلاقات قط مع النظام.
وزار رئيس النظام بشار الأسد مسقط، الشهر الماضي. كما أن العراق لم يقطع علاقاته مع النظام السوري، وكان إلى جانب الجزائر تحفظ على قرار وزراء الخارجية العرب نهاية عام 2011، حول تعليق عضوية سورية في الجامعة العربية. وظلت بغداد على المستوى الرسمي تسير بحذر في علاقاتها مع النظام السوري. كذلك حافظ لبنان على علاقاته مع النظام السوري.
أما المجموعة الثانية، فقطعت علاقاتها مع النظام لبعض الوقت ثم عاودتها أو تفكر حالياً في استئنافها. وجزء من بلدان هذه المجموعة يختلط بشدة مع المجموعة الأولى، ذلك أن دول مثل الإمارات والبحرين لم تقطع علاقاتها فعلياً مع النظام.
وعلى الرغم من قرار إغلاق السفارات، إلا أن هذه الدول أبقت على الاتصالات مع النظام على مستويات عدة. وكان الأردن أيضاً من بين الدول العربية التي أبقت على علاقاتها مع اتصالات محدودة، إذ توقفت الزيارات الرسمية بين البلدين لسنوات عدة، قبل استئنافها في عام 2021، فيما التقى وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي نظيره السوري فيصل المقداد خلال اجتماعات دولية عدة، وزار دمشق بعد الزلزال. كما أعلنت البحرين في ديسمبر/كانون الأول 2021، تعيين أول سفير لها في سورية منذ نحو عقد. وعقب الزلزال، اتصل ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة بالأسد معزياً في الضحايا.
وبالنسبة إلى مصر، فقد شهدت علاقاتها مع النظام جموداً منذ عام 2011، تخللتها فترة دعم قوي للثورة في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي، ثم العودة مجدداً إلى الحذر، مع وجود اتصالات على مستوى متدن نسبياً. وشكّل الزلزال فرصة أيضاً لرفع مستواها، مع إجراء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مكالمة هاتفية مع الأسد هي الأولى بين الطرفين، فيما زار وزير الخارجية المصري سامح شكري العاصمة السورية واجتمع مع رئيس النظام.
وتندرج تونس أيضاً في ركب الساعين للتطبيع مع نظام الأسد، وخلال الزلزال أعلن رئيسها قيس سعيد عزمه على إعادة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة مع النظام منذ 2012.
أما المجموعة الثالثة التي كانت تقف على رأسها السعودية، فلم تعد تضم اليوم سوى دول قليلة مثل قطر والكويت، وبدرجة أقل وضوحاً المغرب الذي اختار الابتعاد نسبياً عن هذا الملف.
وتدعو هذه الدول إلى حل الأزمة من خلال قرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي يطالب جميع الأطراف بالتوقف عن شن هجمات ضد أهداف مدنية، ويطلب من الأمم المتحدة جمع الطرفين للدخول في مفاوضات وإجراء انتخابات تحت إشراف أممي، وصولاً إلى الانتقال السياسي السلمي.
ما هي فرص نجاح الانفتاح على النظام؟
ويأتي الانفتاح العربي على النظام في دمشق، على الرغم من عدم صدور أية تبدلات في مواقف الأخير من القضايا الخلافية والتي أدت أساساً إلى قطع العلاقات معه، كما يبدو في إطار مبادرة عربية، كشف عنها وزير الخارجية الأردني في سبتمبر/أيلول الماضي.
وبدا الوزير الأردني متفائلاً في التغلب على تأثير العقوبات الأميركية المحتمل على هذه المبادرة، قائلاً إن الجميع يريد أن يرى نهاية للأزمة السورية. وأوضح الصفدي في حينه أن السعودية ودولاً عربية أخرى، ستكون منخرطة في هذه العملية التي يتم تنسيقها مع شركاء آخرين في الساحة الدولية.
وتقضي المبادرة بالشروع في عملية سياسية يقودها العرب، تهدف إلى حل الأزمة السورية استناداً لقرار مجلس الأمن 2254، فضلاً عن مطالبة النظام السوري بالبدء أولاً بمكافحة تهريب المخدرات عبر الحدود باتجاه الأردن ودول الخليج، وإظهار خطوات جدية وملموسة لمعالجة الوجود العسكري الإيراني في سورية.
وفي المقابل، ينخرط العرب بشكل محدود في البداية بتقديم المساعدات المالية والإنسانية، على أن يلي ذلك تنفيذ خطوات بناء الثقة مع المعارضة، وعلى رأسها إطلاق سراح المعتقلين السياسيين والكشف عن مصير المفقودين، وتوفير ضمانات لعودة من يرغب من اللاجئين والنازحين إلى ديارهم، من أجل الشروع في مفاوضات جدية مع المعارضة، للوصول إلى حل سياسي شامل على أساس القرار الدولي 2254.
ورأى المحلل السياسي غازي دحمان، في حديث مع “العربي الجديد”، أن العديد من دول الخليج، بما فيها السعودية، باتت ترى أن مواصلة ترك سورية ساحة للتنافس بين تركيا وإيران لا يتماشى مع المصالح العربية، خصوصاً أنه لا تلوح في الأفق أية حلول سياسية جدية، فيما تكتفي الولايات المتحدة بفرض بعض العقوبات على النظام والتي اتضح أنها لم تكن فعالة في التأثير على النظام.
وحول فرص نجاح هذه الجهود، اعتبر دحمان أن النظام في دمشق سيحاول ولا شك، كما فعل في الماضي، إفراغ المبادرة من مضمونها، والإبقاء فقط على العناصر التي تخدم مصالحه، مثل الانفتاح السياسي والمساعدات والاستثمارات، بينما يتهرب من الاستحقاقات السياسية، التي يعتقد جازماً أنها ستؤدي في النهاية إلى إزاحته من السلطة.
وأضاف أن النظام لن يقبل مثلاً بالابتعاد عن إيران، وهو ما أشار إليه الأسد في تصريحاته الأخيرة لوسائل الإعلام الروسية، بقوله إن ما عرض عليها هي مجرد أفكار، وليس من بينها ابتعاد نظامه عن إيران، وأن هذه القضية غير مطروحة.
العربي الجديد
—————————
ما الذي يعد في المطبخ السوري الإماراتي؟..
وهل يقتصر الأمر على المساعدات الإنسانية؟
لم يتوقف الدور الإماراتي في الأزمة السورية منذ اندلاعها عام 2011، لكنه كان يتبدل حسب الظروف وموازين القوى. حتى استقر منذ سنوات في دعمه المعلن للقيادة السورية، وسعيه لحشد دول عربية في ذلك المسار. ومؤخراً بدأت العلاقات تتطور بسرعة لافتة، وكانت كارثة الزلزال الذي ضرب أجزاء من سوريا وتركيا، مؤشراً يحمل أكثر من دلالة. فما الذي يجري على محور دمشق وأبو ظبي؟ وهل نشهد بداية تحول في الأزمة السورية؟
حول الزيارات المتبادلة بين الإمارات وسوريا ودلالاتها، يقول المحلل السياسي سيمون الرمحين (اسم مستعار)، لنورث برس، إنه كان من المؤشرات المهمة وذات الدلالة، أن تكون الإمارات أول دولة عربية يزورها الرئيس السوري بشار الأسد، (آذار 2022)، وقبل تلك الزيارة، كان وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، هو أول مسؤول عربي رفيع يزور دمشق منذ القطيعة العربية التي قادت إلى إغلاق السفارات العربية في سوريا.
موافقة حليفتها
أضاف “الرمحين” أن الزيارات كانت “مؤشراً قوياً على بداية اعتراف عربي بنظام دمشق”، وإن بقيت السعودية بعيدة عن ذلك المسار، ويعتقد أنها تركت لحليفتها أن تقوم بذلك الدور في انتظار نتائجه، فطوال الأزمة السورية شكلت الإمارات والسعودية محوراً، يعمل في مسارات متباينة عن المحور القطري التركي في سوريا.
وأشار المحلل السياسي إلى تزايد الزيارات بين وفود البلدين، وكان أبرزها مؤخراً زيارة الأسد إلى الإمارات، التي تأتي هذه المرة تزامناً مع الإعلان عن عودة العلاقات السعودية الإيرانية، وأيضاً عن إعادة العلاقات بين الرياض ودمشق.
وقال “الرمحين” إنه بدا واضحاً أن الإمارات تحتفي بالأسد أكثر مما فعلت خلال زيارته السابقة إليها، فقد وصل الرئيس السوري إلى أبو ظبي، واستقبل بحفاوة واضحة في رسالة تقول إن “الإمارات تستقبل زعيماً ورئيساً تربطها به علاقات وطيدة، طوت الخلافات التي أعقبت الأزمة السورية عام 2011، حين كانت الإمارات تعلن موقفاً معارضاً للأسد، وداعماً للمعارضة، وحتى المسلحة منها كالجيش الحر”.
رهن التطورات
ويبقى السؤال عن نتائج تلك الزيارات وما إذا كانت ستثمر في الواقع، رهن التطورات القادمة، إلا أن المؤشرات تقول إن أبو ظبي ومن خلفها السعودية، “تستثمر علاقاتها الجيدة بجميع أطراف الأزمة السورية في محاولة لبلورة حل يبدأ بإعادة سوريا إلى الجامعة العربية، وهو ما قد يكون شبه محسوم، خاصة بعد استعادة العلاقات بالرياض”، حسب رأي “الرمحين”.
وأضاف أن الوساطة الإماراتية لن تقتصر على حل كذاك، “فكل حل أمام النظام السوري سيكون رهناً بتنازلات يقدمها، وتحديداً فيما يتعلق بالدور الإيراني في سوريا، وهو ما يشكل عقبة كبيرة أمام أي حل في سوريا، إذ إنه ورغم التقارب السعودي الإيراني، ستبقى الولايات المتحدة، لا تريد أي دور لإيران في سوريا”.
وفيما إذا كانت المساعدات الإماراتية لسوريا نوعاً من الالتفاف على العقوبات الأميركية (بموجب قانون قيصر)، قال إعلامي مختص في الشؤون السياسية لنورث برس، إنه لا يعتقد ذلك، “لأن الإمارات ليست في موقع من يريد أن يعارض السياسات الأميركية في المنطقة”.
كما أن تلك المساعدات ومهما بلغ حجمها ستبقى دون ما تحتاجه سوريا من متطلبات نهوض، واستمرار، في واقع تجاوز فيه الفقر كل حدود، ووصلت البلاد إلى مرحلة تفتقر فيها لكل شيء.
ويعتقد المصدر أن تلك المساعدات لا تتعدى أن تكون بوادر “حسن نية” من الإمارات، كما أنها تحمل رسائل تقول إنها “مؤشرات على دعم سخي من الدول العربية، والخليجية تحديداً، لسوريا إن اختارت أن تكون في الحضن العربي، وهي عبارة لا تعني بالنسبة للدول العربية الفاعلة سوى الابتعاد عن إيران”.
بوابة جامعة الدول
ويرى دبلوماسي سابق أن تكثيف الاتصالات والزيارات بين الإمارات وسوريا لا يشير فقط إلى تطور متسارع في العلاقات بين البلدين، قدر ما يشير إلى تسارع باتجاه عودة العلاقات مع الدول العربية، عبر بوابتها “جامعة الدول العربية”.
وقال الدبلوماسي، الذي رفض ذكر اسمه، لنورث برس، إن الزيارات بين المسؤولين الإماراتيين ونظرائهم السوريين، تأتي وسط تطورات عربية أبرزها مؤخراً الإعلان عن البدء بترتيبات إعادة فتح السفارات بين السعودية وسوريا، وقبل ذلك كانت دمشق تستقبل لأول مرة منذ اندلاع الأزمة السورية، وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، ثم وبعد أيام حط نظيره المصري سامح شكري رحاله في دمشق، ثم اتصال الرئيس السوري بشار الأسد، بنظيره المصري.
وأضاف أن الإمارات التي تحاول المحافظة على علاقات جيدة بمعظم الدول العربية، كانت الأكثر قدرة على لعب دور الوسيط والمحاور، على أكثر من صعيد، من عودة سوريا إلى “محيطها العربي”، إلى عودة اللاجئين، وفتح قنوات تواصل بين تركيا وسوريا، وكذلك بين الرياض ودمشق، وصولاً إلى بلورة حل للأزمة التي طالت لأكثر من عقد.
وأشار الدبلوماسي أن كل هذه التطورات، وإن جاءت بغطاء إنساني بعد كارثة الزلزال في سوريا، “إلا أنها تعد جزءاً في سلسلة محاولات لإيجاد مخرج للأزمة السورية”، فهذه ليست المرة الأولى التي تحاول فيها الدول التي تتقاسم النفوذ في سوريا أن تجد حلاً، لكن ذلك الحل كان يصطدم دوماً بتضارب مصالح تلك القوى.
ولفت الدبلوماسي النظر إلى أن المساعدات العربية، والإماراتية بشكل خاص، كان لها دور مهم بالنسبة لسوريا، التي تعاني من حصار وعقوبات، وشح في جميع مواردها، وتلك المساعدات هي جزء من “سلة حلول قد نلمح تباشيرها في الفترة القصيرة القادمة، وربما تبدأ بإعلان فتح السفارات بين الرياض ودمشق، وبعدها عودة سوريا إلى الجامعة العربية”.
إعداد: ليلى الغريب ـ تحرير: قيس العبدالله
نورث برس
————————
“تعهدات بإصلاحات”.. صحيفة سعودية تكشف تفاصيل المباحثات مع نظام الأسد
كشفت صحيفة “عكاظ” السعودية تفاصيل “المباحثات” مع النظام السوري، بعدما أكدتها الرياض بشكل رسمي خلال الأيام الماضية على لسان مصدر دبلوماسي في وزارة الخارجية.
وقالت الصحيفة في تقرير لها، اليوم الاثنين، إن “رئيس الأمن الوطني في سورية علي مملوك ومدير المخابرات العامة حسام لوقا قد زارا الرياض مطلع الأسبوع الماضي، وأجريا محادثات مع مسؤولين سعوديين حول العودة التدريجية للعلاقات بين البلدين”.
وتابعت: “وذلك بعد أن تتعهد دمشق بحزمة من الإصلاحات على مستوى الوضع الداخلي والعلاقة مع المعارضة السورية، إضافة إلى تعهدها ألا تكون مصدراً لتصدير الكبتاغون إلى الأردن ودول الخليج”.
ووفق الصحيفة فقد بدأ النظام السوري “على أرض الواقع بملاحقة خلايا تعمل في مجال صناعة وتصدير الكبتاغون إلى الأردن، وأحبطت سلطاته عدة عمليات الأسبوع الحالي في بادرة حسن نية لتحسن العلاقات مع الرياض”.
وكان مصدر في الخارجية السعودية قد أكد، الأسبوع الماضي، أن الرياض والنظام السوري يجريان محادثات لاستئناف الخدمات القنصلية، بعد قطيعة دبلوماسية دامت 12 عاماً.
وجاءت ذلك بعدما كشفت وكالة “رويترز” عن هذه المباحثات، وأنها بدأت بزيارة أجراها رئيس مخابرات النظام، اللواء حسام لوقا إلى المملكة العربية السعودية، فيما قضى عدة أيام، والتقى مسؤولين.
وستمثل إعادة العلاقات بين الرياض ودمشق أهم تطور حتى الآن في تحركات الدول العربية لتطبيع العلاقات مع الأسد، والذي نبذته العديد من الدول الغربية والعربية بعد حملة القمع الدامية التي شنها ضد المنتفضين على حكمه، وفق “رويترز”.
وتحدثت “عكاظ” أنها علمت من مصادر خاصة أن القنصلية السعودية في دمشق بدأت بأعمال ترميم مقرها الكائن في مزة فيلات شرقية في دمشق.
وقالت إن إن “المحادثات السعودية السورية قد تمهد الطريق للتصويت على رفع تعليق عضوية سورية خلال القمة العربية القادمة المتوقع عقدها في السعودية في أبريل القادم”.
وكان الأمين العام المساعد المشرف على شؤون مجلس جامعة الدول العربية، حسام زكي قد صرّح، الأحد، أنه من المنتظر انعقاد القمة العربية في دورتها الـ32، في المملكة العربية السعودية، في 19 من أيار المقبل.
وذكر الموقع الرسمي للجامعة العربية أن تحديد الموعد جاء بعد مشاورات أجراها الأمين العام للجامعة، أحمد أبو الغيط، مع الحكومة السعودية، والتي رحبت بعقدها في التاريخ المذكور.
ومن المقرر أن يسبق القمة اجتماعات تحضيرية على مستوى كبار المسؤولين والوزراء تمهيداً لانعقادها على مدار خمسة أيام.
وحتى الآن لا يعرف المسار الذي قد تتخذه الرياض حيال النظام السوري، وما إذا كانت مباحثاتها ستفضي إلى إعادة تطبيع العلاقات بشكل كامل أم جزئياً.
وكانت العلاقات بين نظام الأسد والسعودية شهدت توتراً وقطيعة دبلوماسية منذ آب/ أغسطس 2011، عندما أمرت الرياض بسحب سفيرها من دمشق، بسبب تصاعد المجازر التي كان ارتبكها نظام الأسد ضد المدنيين في المناطق السورية التي ثارت لتغييره.
ومنذ تلك الفترة لم يطرأ أي تغير على موقف الرياض من النظام، مؤكدة على لسان مسؤوليها أنها تؤيد حلاً سياسياً في سورية بموجب قرار مجلس الأمن 2254، إلى أن جاءت كارثة الزلزال المدمّر لتتلوها سلسلة تصريحات ومواقف حملت نبرة مستجدة من جانب الرياض اتجاه نظام الأسد.
——————————
“اتصالات ومباحثات” لاستئناف “الحوار” بين تركيا ونظام الأسد
تجري مباحثات واتصالات في الوقت الحالي بحسب وسائل إعلام ومسؤولين أتراك من أجل استئناف عملية “بناء الحوار” بين أنقرة والنظام السوري، بعدما تعثر مؤخراً عقد اجتماع رباعي على مستوى نواب وزراء الخارجية في موسكو.
وذكرت صحيفة “الوطن” شبه الرسمية، اليوم الاثنين، أن “اتصالات مكثفة للوصول إلى صيغة خاصة بانعقاد اجتماع اللجنة الرباعية لمعاوني وزراء خارجية سورية وروسيا وإيران وتركيا”.
وكانت آخر هذه الاتصالات بين وزير خارجية النظام، فيصل المقداد ونظيره الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، أمس الأحد.
وجاء ذلك بعدما أوضح المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين، يوم السبت، أن الاجتماع على مستوى نواب وزراء الخارجية للأطراف الأربعة سوف يعقد، وأن التفاصيل الإضافية حول تطورات هذا المسار ستظهر قريباً.
وقال المتحدث إن هناك 3 قضايا رئيسية مطروحة على طاولة البحث، وهي التنسيق في الحرب على “الإرهاب” ودفع العملية السياسية لمواصلة محادثات “أستانة”، والعودة الكريمة للاجئين السوريين إلى وطنهم، مشيراً إلى أن النظام السوري ما زال “يجرّب بعض الطرق لتخريب هذه العملية”.
وتابع المتحدث باسم الرئاسة التركية: “الغرض من هذه الاجتماعات هو حماية وحدة أراضي سورية، إضافة إلى إنشاء نظام يأخذ في الاعتبار مخاوفنا الأمنية”.
وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان قد أجرى اتصالاً هاتفياً، يوم السبت، مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وأكد الاثنين على ضرورة استكمال عملية بناء الحوار بين أنقرة والنظام السوري.
في غضون ذلك نقلت صحيفة “الوطن” القريبة من النظام، عما وصفته بمصدر دبلوماسي غربي، قوله إن المشاورات بشأن انعقاد اجتماع نواب وزراء الخارجية متواصلة، وإن “هناك تقارباً حيال عدد من النقاط التي منعت حصول الاجتماع حتى الآن”.
وأضافت الصحيفة، الأحد، أن “الضمانات” التي أصر عليها النظام بشأن الانسحاب التركي من الأراضي السورية “ما زالت على الطاولة، وستشكل أرضية للانطلاق إلى أي مباحثات بين الجانبين”.
وكان من المقرر أن تشهد موسكو في يومي 15 و16 مارس الحالي اجتماعاً على مستوى نواب وزراء خارجية تركيا وروسيا والنظام السوري وتركيا.
وبينما أكدت وسائل إعلام تركية هذا التوقيت لم تؤكده روسيا وإيران، بينما ألمح بشار الأسد في مقابلة مع قناة “روسيا اليوم”، إلى أن سبب التأجيل عدم قبول وفد النظام حضور الاجتماع لعدم وجود جدول أعمال واضح.
وقال رأس النظام السوري إن “الوفد التركي اقترح من أجل الاجتماع الرباعي، ألا يكون هناك جدول أعمال للقاء، وألا يكون هناك شروط أو أية توقعات”، مضيفاً: “نحن نصر إما أن يكون هناك جدول أعمال واضح، أو أن نقوم بالتأكيد على بند الانسحاب”.
واعتبر رئيس النظام أن حضور الاجتماع، لن يكون قبل اتفاق الأطراف المشاركة على وضع جدول أعمال واضح يقوم على انسحاب القوات التركية من سورية.
وبعد هذه الكلمات كشف وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو عن أسباب تأجيل الاجتماع الرباعي، وقال: “قال الروس: لم نتمكن من الاستعداد لذلك، فلنؤجله. لكن النظام السوري كان حاضراً وربما اتخذواً قراراً مشتركاً”.
وتابع: “ثم قالوا (الروس): سنفعل ذلك في المستقبل، وقلنا حسناً”.
ورداً على سؤال حول الزيارة التي أجراها رأس النظام السوري، بشار الأسد إلى موسكو أضاف الوزير التركي أنه لا يمكنه التعليق على المحادثات بين الجانبين، مشيراً إلى أن “اللقاء الرباعي كان عرضاً روسياً وأنهما ينتظران تاريخ من روسيا”.
————————–
==================
تحديث 26 أذار 2023
———————-
ماذا يعني التطبيع العربي مع نظام الأسد؟/ زياد ماجد
تتسارع منذ أشهر وتيرة تطبيع أنظمةٍ عربية مع دمشق، بحجج مختلفة، آخرها «إنساني» بعد الزلزال المدمّر الذي ضرب الجنوب التركي والشمال السوري.
وإذا كانت الإمارات العربية المتّحدة قد استهلّت التطبيع المذكور العام 2018 مدّعية أنه يهدف إلى إيجاد حضور عربي في بلد باتت تحتلّه وتدير النزاع والمفاوضات فيه روسيا وإيران وتركيا، فإن السعودية تبدو اليوم مرشّحة لاستهلال جولة ثانية في مساره، متخلّية عن معظم شروطها أو متراجعة عن أبرز ما كرّرته خلال السنوات الماضية.
فما الجديد الذي يدفع عواصم المنطقة إلى مصالحةٍ مع نظامٍ عادَتهُ سابقاً لاضطرارٍ وقسرٍ أو لتحالفه العضوي مع إيران؟
يمكن ذكر ثلاثة أسبابٍ لتفسير ذلك.
السبب الأول، يرتبط بخريطة التموضعات الإقليمية الجديدة والتنافس بين عدد من الدول على أدوار سياسية واقتصادية في مرحلةٍ يستمرّ فيها الانكفاء الأمريكي عن بعض ملفّات المنطقة واكتفاء واشنطن بتجميد نزاعات من دون السعي لإيجاد حلول فيها.
وسوريا هي راهناً البلد الأكثر عرضة لهذا التنافس، بعد تعذّر إسقاط النظام نتيجة الدعم الإيراني والروسي له، بموازاة تعذّر الوصول إلى تسوية شاملة تمكّنه من إعادة بسط سطوته على كامل البلاد نتيجة الواقع الميداني شرقها وفي شمالها الشرقي حيث القوات الكردية محميّة من واشنطن، وفي شمالها وشمالها الغربي حيث بعض فصائل المعارضة برعاية القوات التركية تسيطر على الأرض والحدود.
وهذا يدفع عدداً من الدول إلى التصرّف في سوريا بوصفها ساحة مفتوحة لتصفية حسابات أو تَوَسُّعِ أدوار. فإسرائيل تضرب فيها القوات الإيرانية والحليفة لها التي تعمل من جهتها على تعزيز مواقعها وبناء شبكاتها. والإمارات تحاول الدخول كطرفٍ نجح في قيادة الثورات المضادة لإرجاع «الأحوال العربية» إلى ما كانت عليه قبل العام 2011، واعدةً بالاستثمار في عملية إعمارٍ منشودة.
أما السعودية، فتبدو الآن بعد «تطبيعها» مع إيران جاهزة قنصلياً أولاً ثم ديبلوماسياً لتطبيع مع دمشق يجعلها عرّابة عودةٍ سوريا إلى جامعة الدول العربية ومصالحات تستبق القمّة المقبلة في الرياض (أو تليها) لتتويج دور زعامتها المُستعاد.
السبب الثاني، عطفاً على الأول، يتأسّس على توهّمٍ لدى الإماراتيين والسعوديين مفاده امتلاك قدرة تأثيرٍ على نظام الأسد الذي لم ينفع إنقاذه العسكري روسياً وإيرانياً في فكّ الحصار الغربي عنه حتى الآن، ولم يوفّر له استثمارات أو مساعدات تمكّنه عبر ذريعة «إعادة الإعمار» من تمويل قواعده الزبائنية وأجهزته الأمنية والسياسية.
وهذا يوحي للدافعين باتجاه التطبيع بأنهم يستطيعون مقابل إعادة فتح الأبواب العربية لدمشق تقريبها منهم على حساب طهران، وتحجيم دور تركيا، كقوّة إقليمية «سنيّة» وحيدة كانت تنافس إيران «الشيعية»، وإقناع الغربيين ببدء الانفتاح على دمشق بمعيّتهم وضماناتهم المُلزِمة للأخيرة.
على أن التدقيق في هذه المزاعم أو المقولات يظهر تهافتها. فلا أبو ظبي والرياض تملكان قوات عسكرية في سوريا تحمي محاولاتهما لعب أدوار سياسية فيها، ولا طهران بوارد التراجع عن نفوذها هناك وليس ثمة ما يدفعها لذلك، ولا الأسد يقدر أصلاً أن يحجّم الدور الإيراني الذي يدينُ له جزئياً بالنجاة، ولا تركيا ستُخلي الشمال السوري دون «تسوية» مُرضية لها للمسألة الكردية لا يبدو أن واشنطن بوارد القبول بها في المستقبل القريب.
وهذا يعني أن الانفتاح الخليجي (العربي) على الأسد سيكون على أرض الواقع من دون مقابل سياسي فعلي كبير.
السبب الثالث يتعلّق بما سبق ذكره، أي ما يُسمى إعادة الإعمار وصفقاتها، في ظل عجز اقتصادي إيراني وروسي عن إطلاق ورشها، وتمنّع غربي عن الدخول في معتركها، وعدم رغبة صينية في التورّط فيها لأسباب عديدة تتّصل بأولويات بكين في السنوات المقبلة.
وهنا أيضاً لا تبدو الرياض بعد أبو ظبي مدركةً كفاية لقدرة نظام الأسد (وحليفيه الإيراني والروسي) على ابتلاع الأموال وفرض الخوّات على المشاريع والتشارك في الأرباح (من دون مساهمات في رؤوس مالها)، بما يحول دون الاستفادة الخليجية اقتصادياً منها، ودون ترجمة عملية «الإعمار» ذاتها إلى دور سياسي «عربي» فاعل. هذا حتى قبل الإشارة إلى العقوبات التي يمكن أن تطال المستثمرين الخليجيين في سوريا نتيجة آليات «قانون قيصر» وغيره من الآليات العقابية الأمريكية…
التطبيع مع القتل
بناءً على ما تقدّم، يصبح أمر التطبيع مع نظام الأسد مجرّد تطبيع بلا شروطٍ قابلة للتحقيق مع مجازر أردت أكثر من نصف مليون شخص وطردت من سوريا سبعة ملايين «مواطن» تحوّلوا إلى مشرّدين ولاجئين، وتبدّلت بخروجهم خصائص الديموغرافيا الاجتماعية والمذهبية السورية، ومع عمليات تعذيب واغتصاب واحتجاز وتهجير داخلي طالت ستة ملايين آخرين، ومع سياسة ابتزاز بواسطة مخدّرات «الكبتاغون» التي تتّهم الرياضُ دمشقَ بتصديرها عبر حدود الأردن إليها…
ويصبح أمر التطبيع كذلك تطبيعاً مع واقعٍ فرضه احتلال بلدٍ عربي من قبل العديد من القوى الخارجية، في طليعتها روسيا وإيران.
لكن هذ التطبيع مع الأسد سيبقى لفترة طويلة محصوراً في إطارٍ عربيّ جزئي. وحتى لو انخرطت تركيا فيه بعد انتخاباتها الرئاسية، فسيبقى إقليمياً. ذلك أن ترسانة العقوبات الأمريكية والأوروبية على الشركات والأفراد المرتبطين ببنية النظام السوري وعلى بعض المؤسسات العامة التي تسمح له بتمويل آلته القمعية، مضافةً إلى العقوبات المفروضة لأسباب أوكرانية على روسيا ونووية على إيران وتداعياتها السياسية سورياً، تؤجّل احتمالات التطبيع دولياً مع دمشق.
كما أن تلاحُق القضايا المرفوعة من حقوقيين سوريين وأوروبيين ضد الأسد وأجهزته أمام المحاكم المختصّة في ألمانيا وفرنسا وهولندا والسويد وسواها يزيدُ من الضغط على دُعاة التطبيع وأنصاره الغربيّين، ويؤجّل حملاتهم برمّتها.
مصالحة المملكة السعودية للنظام السوري ستبقى إذاً في المرحلة المقبلة محكومةً بسقوف معيّنة، الأوهام فيها أكبر من المعطيات المادية أو الواقعية. وهي تشير في أيّ حال، كما المصالحة مع إيران والوساطات العُمانية والإماراتية، إلى خيارات إقليمية ما زالت كثرة من معالمها مرتبطة بإيقاعات السياسة الأمريكية حضوراً في المنطقة أو غياباً أو انكفاءً مؤقّتاً…
*كاتب وأكاديمي لبناني
القدس العربي
———————-
التطبيع العربي مع الأسد:تنازلات ومبالغات/ عبدالناصر العايد
تسرّبت مؤخراً معلومات شحيحة عما يوصف بمبادرة التطبيع العربي مع نظام الأسد، من خلال دبلوماسيين غربيين حضروا اجتماعاً دولياً وإقليمياً حول سوريا في العاصمة الأردنية عمّان، الأسبوع الفائت.
الاجتماع عُقد تحت عنوان موارب، وهو مناقشة تداعيات الزلزال على سوريا، وجاء بغرض وقوف القوى الغربية على حقيقة ما تفكر فيه الدول العربية حول عملية التطبيع المحتملة، وحضره مبعوثون من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر وفرنسا وألمانيا والأردن والنروج وقطر وتركيا والإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، وجامعة الدول العربية.
الانطباع الرئيسي الذي خرج به المبعوثون الغربيون هو أنه لا وجود لمبادرة عربية، بل مبادرات جزئية، تذهب فيها الدول العربية مذاهب شتى، كعادتها دائماً. فكل عاصمة عربية لديها رؤيتها التي تدافع عنها وتحاجج بشأنها. بعضها يريد مكافحة المخدرات، وبعضها يريد مناقشة قضية اليمن، ومنهم من يعتقد بضرورة سحب الميلشيات الإيرانية، ومنهم من يفكر في مناهضة الهيمنة التركية، أو يبحث عن “الاستقرار” وتصفير المشاكل، أو ينشد دوراً إقليمياً. والخلاصة أن لا مبادرة عربية متبلورة أو دولة قائدة لديها خطة محددة. وعندما طرح السؤال بشكل محدد عن الهدف من هذه العملية، انكشف حجم التخبط وعدم الوحدة في الجانب العربي، ولجأ الدبلوماسيون إلى عرض أفكار عامة ومكررة مثل تطبيق القرار 2054 أو سياسة الخطوة بخطوة، وما إلى ذلك.
ثاني ملاحظات المبعوثين الدوليين، أن الدول العربية حذرة في تقاربها مع نظام الأسد، وهي لم تتقدم في التطبيع سوى خطوات يمكن التراجع عنها في أي لحظة. وأنها تشاطر الغربيين عدم الثقة المطلقة في النظام، وتصفه بالكاذب المُجرَّب، لكنها “ستحاول..”، مع العلم أن محاولتها تلك غير محددة، وتتوقف على ما يمكن أن يقدمه نظام الأسد من براهين على جديّته، والقائمة هذه المرّة على وعود قطعها لأكثر من طرف في لقاءاته ومن خلال مبعوثيه ووسطائه.
الاستنتاج الثالث للمبعوثين الدوليين هو أن الدول العربية، باستثناء دولة واحدة، تحاول استطلاع الموقف الغربي لاتخاذ قرار التطبيع أو عمقه على الأقل. ومن خلال النقاشات المتبادلة تبين أن الدبلوماسيين العرب، كلّ على حدة، يريد بدوره معرفة صدى الأخبار المتوالية عن التطبيع في الدوائر الغربية وفي واشنطن تحديداً، مع تأكيدهم أن الأخبار مبالغ فيها، وأن المسؤول عن رفع السقف الإعلامي لما يجري هو النظام، الذي يريد فرض نفسه كمنتصر على معارضته الدول العربية والإقليمية بهذه الطريقة.
قاد تبادل الرأي بين المبعوثين الغربيين والدول العربية إلى وضع موجّهات سياسية عامة للمحاولات الجارية، مع تأكيد الدبلوماسيين الغربيين أن ما يقولونه مجرد “نصائح” للطرف العربي. وتمحورت تلك النصائح حول عدم التسرع بتقديم أي مكاسب للنظام، إلا في حال قدم تنازلات محسوسة وبمقدار تلك التنازلات، لا أكثر. وأكد العرب أنهم لا ينوون فعل ذلك، وأنهم لن يدفعوا الأموال على وجه التحديد، وأن الخطوات محسوبة ومفكر فيها جيداً، وليست بالسذاجة التي يتخيلها الطرف الغربي.
لم يمنح الغربيون ضوءاً أخضر ل”المبادرات” العربية التي استمعوا إليها، لكنهم لم يضعوا الفيتو عليها أيضاً، لعدم وضوحها أساساً، ولم يبد أن الدول العربية قد استغلت الاجتماع لمراجعة وتوحيد رؤاها وجهودها.
خلاصة ما وجده الغربيون أن الموقف العربي في الواقع ينطوي على تردد وحذر، ويكتنفه في العمق تياران: أحدهما يريد الاشتباك مع الوضع الراهن وتحقيق مكاسب خاصة بكل دولة وعدم ترك الصراع السوري مفتوحاً إلى ما لانهاية والبقاء خارج حلبته. وطرف آخر يتمسك برفض التطبيع مع نظام قاتل ومجرم من منطلقات قيمية وواقعية، مؤداها أن تجريب المُجرّب ليس خياراً منطقياً، ويعول أصحاب هذا التوجه على ظهور استراتيجية أميركية حول سوريا في نهاية المطاف، تعلن نهاية حقبة وبداية أخرى في هذا البلد.
أما نصيحة الغربيين للمعارضة السورية بُعيد هذا اللقاء، فهي العودة إلى الميدان بقيادة موحدة وذات مصداقية، ومعاودة “النضال” السياسي، وعدم ترك الساحة العربية لخصمهم. مع اليقين، والكلام دائماً للمصادر الغربية، بأن ثمّة في الصف العربي، سواء من رافضي التطبيع اليوم، أو ممن سيخيب أملهم في المستقبل القريب، من سيسعون لملاقاة السوريين فيما لو تحركوا بفعالية. يضاف إلى ذلك موقف غربي ثابت وغير قابل للتراجع بخصوص اعتبار نظام الأسد إجرامياً، ولا يمكن التعاطي معه حتى وفق استراتيجية الخطوة بخطوة أو “إتبع الكذّاب إلى ما وراء الباب” كما يسميها ويريدها “بعض” العرب، لا كلهم.
المدن
————————-
لماذا يخاطر العرب بإعادة تأهيل الأسد؟/ محمود علوش
كان أحدث تحوّل في السياسات العربية في سوريا ما أعلنته المملكة العربية السعودية عن اتفاق بين الرياض ودمشق على معاودة فتح سفارتيهما بعد قطع العلاقات الدبلوماسية قبل أكثر من عقد. كانت هناك بعض المؤشرات على تحول في العلاقات بدأت تظهر في الأشهر القليلة الأخيرة. بدأت السعودية بعد زلزال 6 فبراير، الذي خلق فرصة للدبلوماسية بين الدول العربية ودمشق، في تبني نهج مختلف إزاء النظام السوري. قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود بعد أيام من الزلزال إن هناك حاجة عربية للحوار مع دمشق لمعالجة المسائل الإنسانية المرتبطة بالصراع السوري، لكنّه كان أكثر وضوحاً في وقت سابق هذا الشهر عندما قال إن التواصل مع حكومة الأسد قد يؤدي إلى عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية. ستستضيف السعودية في أبريل نيسان المقبل قمة عربية ومن المرجح على نطاق واسع أن تدفع بعض الدول العربية التي أعادت أو تنوي إعادة علاقات الدبلوماسية مع دمشق كالسعودية إلى إجراء تصويت في أثناء القمة على رفع تعليق عضوية سوريا في الجامعة. باستثناء قطر على ما يبدو، فإن الدول العربية الأخرى لم تعد تمانع بعودة سوريا إلى الجامعة. لكنّه من غير المرجح أن يواجه قرار إعادة سوريا أي مقاومة عربية.
كان يُنظر في السابق إلى المعارضة السعودية للانفتاح على النظام السوري على أنها عقبة أساسية أمام توسيع نطاق الانفتاح العربي عليه أو إنهاء تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية. لكن تحول الموقف السعودي يُشير إلى حقبة جديدة في السياسات العربية في سوريا. لم يعد الأسد بأي حال منبوذاً في محيطه العربي. لقد استقبلته دولة الإمارات العربية المتحدة مرّتين بشكل مُعلن بعد الحرب. كما زار سلطنة عمان واستقبل وفوداً وزارية وبرلمانية عربية في دمشق من بوابة التضامن مع سوريا بعد الزلزال. حتى ما قبل الزلزال، كانت بعض الدول العربية كالإمارات والبحرين والأردن أعادت علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق منذ عام 2018. ومن الواضح أن دبلوماسية الكوارث التي نشطت تجاه سوريا بعد الزلزال شكّلت غطاءً لدول عربية أخرى لإحداث تحول علني في موقفها تجاه دمشق. إلى جانب السعودية، أرسلت مصر وزير خارجيتها سامح شكري إلى دمشق في أول زيارة مصرية رسمية منذ اندلاع الحرب. كما أجرى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أول اتصال هاتفي بالأسد لإبداء التضامن مع سوريا بعد الزلزال. دولة الإمارات كانت على وجه الخصوص الأكثر نشاطاً في قيادة الانفتاح العربي على الأسد. علاوة على طموحات أبو ظبي المتزايدة في لعب دور إقليمي قيادي، فإنها انخرطت بفعالية خلال العقد الماضي في تكتل إقليمي لإحباط التحولات السياسية التي طرأت على المنطقة بعد الربيع العربي انطلاقاً من عدائها الشديد لتيار الإسلام السياسي المتمثل بجماعة الإخوان المسلمين.
مع أن النظام السوري عمّق خلال سنوات الحرب علاقاته بشكل وثيق مع إيران، وشكل ـ ولا يزال ـ تهديداً لأمن المنطقة ودول الخليج على وجه الخصوص من خلال تسهيل تهريب المخدرات إلى الدول العربية، إلآّ أنه كان النظام العربي الوحيد الذي استطاع النجاة من تحولات الربيع العربي مقارنة بالأنظمة الأخرى التي أدى الربيع العربي إلى انهيارها كنظام حسني مبارك في مصر ومعمر القذافي في ليبيا وزين العابدين بن علي في تونس وعلي عبد الله صالح في اليمن. بالمقارنة مع مصر وتونس وليبيا واليمن، فإن تأثير جماعة الإخوان المسلمين في سوريا كان محدوداً للغاية. رغم ذلك، سعى الأسد باستمرار إلى تصوير الحرب التي خاضها على أنها حرب ضد جماعة الإخوان المسلمين من أجل استمالة الدول العربية المتوجّسة من الإخوان لا سيما الخليجية منها. بهذا المعنى، فإن الانفتاح العربي على نظام الأسد علامة على رغبة دول المنطقة في طي حقبة الربيع العربي. من جانب آخر، أدى انكفاء الدور العربي عن سوريا بعد سنوات قليلة من اندلاع الحرب إلى تهميش الدور العربي وإفساح المجال أمام قوى إقليمية أخرى منافسة كإيران وتركيا لتعزيز حضورها في سوريا. لذا، تتطلع الدول العربية إلى عودتها للعب دور مؤثر في سوريا من بوابة إعادة تطبيع العلاقات مع دمشق وتأمل أن تُقنع الأسد بتقليص اعتماده على طهران والعمل على تقليص نفوذها في سوريا. مع أن الأسد بحاجة إلى الدعم العربي له لانتشال الاقتصاد السوري من الأزمة الكبيرة التي يعيشها، إلآّ أنّ قدرته على تقليص الحضور الإيراني في سوريا تبدو محدودة حتى لو توافرت الرغبة.
علاوة على ذلك، فإن جانباً رئيسياً من جوانب الانفتاح العربي على دمشق مدفوعاً بالتحولات الكبيرة التي طرأت على منطقة الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة خصوصاً الحضور الدولي فيها. في الوقت الذي لم تعد فيه الولايات المتحدة تمتلك حضوراً وتأثيراً قوياً في المنطقة كما كان الحال عليه خلال العقود الثمانية الماضية، تُعمق روسيا والصين من شراكاتهما مع دول المنطقة. نجحت الصين مؤخراً في رعاية اتفاقية لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران. وتعمل روسيا على وساطة لإصلاح العلاقات بين دمشق وأنقرة. في الملف السوري تحديداً، نرى أن دول المنطقة باتت أقرب إلى تبني السياسات الروسية. تُعيد الدول العربية وتركيا تشكيل سياساتها في الشرق الأوسط وسوريا على وجه التحديد من خلال مواءمتها مع السياسات الروسية والصينية لأن الاعتقاد السائد في المنطقة أن الشرق الأوسط أضحى في جانب أكثر استقلالية في إدارته صراعاته بمعزل عن مصالح القوى العالمية لا سيما الغربية، ومن جانب آخر تعمل موسكو وبكين على تعميق روابطهما الاقتصادية والعسكرية مع دول المنطقة وتُقديم نفسيهما على أنهما شريكان جديدان للشرق الأوسط أكثر موثوقية من الولايات المتحدة. في ضوء ذلك، يُمكن النظر إلى تحولات السياسية العربية في سوريا على أنها بوابة لتعميق الشراكة مع روسيا على وجه الخصوص.
مع ذلك، هناك القليل مما يُمكن أن تكسبه الدول العربية من وراء انفتاحها على النظام السوري. زعمت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية في وقت سابق أن الدول العربية تتبنى مبادرة لتسوية الصراع في سوريا وتعمل على الضغط على دمشق للانفتاح على الحوار مع المعارضة من أجل دفع عملية السلام. لكنه من غير الواقعي الاعتقاد بأن الدول العربية قادرة بالفعل على إقناع الأسد بإحداث تحول سياسي في سوريا بينما شرعت في إنهاء عزلته العربية. كما أن الأسد، الذي لم يُظهر في السابق أي اهتمام بإمكانية قبوله بحل سياسي وفق قرار مجلس الأمن الدولي 2254، لن يكون على عجلة من أمره للقبول به اليوم بينما يرى أن السعودية تُعيد إصلاح علاقاتها مع إيران وتركيا تنتظر في قائمة الساعين للمصالحة مع الأسد. أخيراً، بمعزل عن الدوافع العربي في الانفتاح على النظام السوري، فإن الحقيقة الواضحة التي لا تحتمل أي نقاش هي أن السلام في سوريا لا يُمكن أن يتحقق من دون إحداث تحول سياسي جذري يُقنع ملايين السوريين بأن بلدهم تغيّر. كما كان النظام السوري على مدى عقود عاملاً مزعزعاً للاستقرار الإقليمي وساهم في تمكين المشروع الإيراني في المنطقة لا سيما لبنان والعراق، فإنه لن يتخلّى عن هذا الإدمان حتى لو شرّعت العواصم الخليجية أبوابه له وأعادت الدول العربية علاقاتها الدبلوماسية معه. لا يجب النظر إلى سوريا على أنها مُجرد صراع داخلي ينبغي تسويته بأي ثمن. إنها حجر زاوية في الاستقرار الإقليمي وأي ترقيع عربي لصراعها لن يؤدي سوى إلى تعزيز دورها كمُهدد للاستقرار العربي.
تلفزيون سوريا
——————————
جهود روسية لتسريع التطبيع بين تركيا والنظام السوري/ عدنان أحمد
بعد تعثّر جهود عقد الاجتماع الرباعي بين نواب خارجية تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري، نتيجة الاشتراطات التي وضعها الأخير، تحدثت مصادر من الجانبين عن إحراز تقدم في المشاورات الجارية لعقد هذا الاجتماع، المتوقع أن تستضيفه العاصمة الروسية موسكو.
ونقلت صحيفة “الوطن” القريبة من النظام، عما وصفته بمصدر دبلوماسي غربي، قوله إن المشاورات بشأن انعقاد اجتماع نواب وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري متواصلة، مشيرةً إلى أن هناك تقارباً حيال عدد من النقاط التي منعت حصول الاجتماع حتى الآن.
وأضافت الصحيفة في عددها الصادر اليوم الأحد، أنّ “الضمانات” التي أصر عليها النظام بشأن الانسحاب التركي من الأراضي السورية “ما زالت على الطاولة، وستشكل أرضية للانطلاق إلى أي مباحثات بين الجانبين”، مشيرةً إلى ما سرّبته بعض وسائل الإعلام الروسية عن استعداد تركيا لسحب قواتها من سورية، حيث ذكرت صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” أن تركيا مستعدة لمراجعة شكل وجود قواتها في سورية، من أجل تحفيز المفاوضات مع النظام السوري.
وخلال مقابلة تلفزيونية أُجريت أمس السبت، أوضح المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين، أن الاجتماع على مستوى نواب وزراء الخارجية للأطراف الأربعة سوف يعقد، وأن التفاصيل الإضافية حول تطورات هذا المسار ستظهر قريباً.
رصد
“وول ستريت جورنال”: دور روسي في التقارب بين النظام السوري والسعودية
وأوضح المتحدث أنّ هناك 3 قضايا رئيسية مطروحة على طاولة البحث، وهي التنسيق في الحرب على “الإرهاب” (تركيا تقصد عادة الجماعات الكردية المسلحة، والنظام يعني فصائل المعارضة السورية)، ودفع العملية السياسية لمواصلة محادثات “أستانا”، والعودة الكريمة للاجئين السوريين إلى وطنهم، مشيراً إلى أن النظام السوري ما زال يجرّب بعض الطرق لتخريب هذه العملية.
وتابع المتحدث باسم الرئاسة التركية: “الغرض من هذه الاجتماعات هو حماية وحدة أراضي سورية، إضافة إلى إنشاء نظام يأخذ في الاعتبار مخاوفنا الأمنية”.
وكان الرئيسان التركي والروسي قد ناقشا، أمس السبت، خلال اتصال هاتفي، مسألة تطبيع العلاقات بين تركيا والنظام السوري، وأكدا على أهمية استمرار التطبيع، مع الإشادة بالدور الروسي في الوساطة بهذا الصدد.
وقال الكرملين إنّ الرئيسين فلاديمير بوتين، ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، قد أجريا اتصالاً هاتفياً، أمس السبت، ناقشا فيه تطبيع العلاقات بين تركيا والنظام السوري، مشيراً إلى أن الرئيس التركي “سلط الضوء على الدور البناء” لروسيا كوسيط في جهود إعادة العلاقات بين بلاده والنظام السوري، وفق وسائل إعلام روسية.
وشنّ رئيس النظام السوري بشار الأسد، خلال الأيام الماضية، هجوماً على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، واصفاً إياه بـ”الانتهازي الذي لا يؤتمن جانبه”، مجدداً مطالبه بسحب القوات التركية من سورية، أو إعلان جدول زمني لسحبها، كشرط مسبق للانخراط في المحادثات بين الجانبين.
العربي الجديد
—————————
هل يوقف الأسد تهريب المخدرات إلى السعودية والإمارات؟/ إياد الجعفري
لا يُولي السوريون في مناطق سيطرة النظام، كبير اهتمام، للأخبار عن عودة مرتقبة للعلاقات الدبلوماسية بين النظام والسعودية. وفيما ينشغل غالبيتهم ببورصة أسعار السلع التي شهدت قفزات نوعية قبيل رمضان، وفي أيامه الأولى، يظهرون بروداً ظاهراً في وسائل التواصل حيال التوقعات الاقتصادية الإيجابية المرتبطة بالحراك السياسي “العربي”، تجاه نظام الأسد. ذلك أنهم سبق أن تفاعلوا بتفاؤل كبير مع هذه التوقعات، خلال السنوات الخمس الأخيرة. وفي كل مرة، كان تدهور الوضع المعيشي، المزمن والمستمر، النتيجة الوحيدة التي حصدوها.
فمنذ العام 2018، تحظى دمشق بسفارة إماراتية نشطة. ومنذ ربيع العام 2022، زار بشار الأسد، العاصمة الإماراتية، ودبي. والتقى قادتها. لكن السوريين لم يلمسوا أي انعكاس لذلك على حياتهم المعيشية. بل على العكس، تدهورت معيشتهم أكثر.
في زيارته الأخيرة إلى موسكو، اصطحب الأسد وزيرَي المالية والاقتصاد ورئيس هيئة تخطيط الدولة. لكن النتائج المعلنة، حتى الآن، على صعيد الاقتصاد، كانت، لا شيء. وبعد يومين فقط، اصطحب الأسد وزير اقتصاده إلى أبوظبي، في محاولة جديدة لم تظهر أية نتائج اقتصادية جليّة لها حتى الآن. مع الإشارة إلى أن وزير الاقتصاد السوري، كان قد زار الإمارات والتقى مسؤولين اقتصاديين فيها، على هامش معرض “إكسبو دبي”، في خريف العام 2021، من دون أن ينجم عن ذلك نتائج اقتصادية، ذات قيمة.
لكن، رغم ما سبق، قد يكون من المفيد تفحص احتمالات انعكاس “التطبيع” الرسمي بين النظام والسعودية، على الاقتصاد السوري. وبعيداً عن حديث “المبادرة العربية”، والشروط السياسية لـ “التطبيع” مع الأسد مقابل “مليارات الدولارات”، والتي لا تبدو واقعية، وفق مجريات التطورات في المنطقة، يتقدم ملف “المخدرات”، بوصفه القاسم المشترك بين كل التسريبات الإعلامية، حول طبيعة المفاوضات التي جرت بين دمشق والرياض، على مدار الأشهر الثلاثة منذ مطلع العام الجاري. وهو ما أكدته المصادر الإعلامية السعودية، تحديداً. فالتطبيع “القنصلي”، بمستوى “قائم بالأعمال”، بالتزامن مع زيارة مرتقبة لوزير الخارجية السعودي إلى دمشق، ستكون بادرة حسن نيّة، لقاء إجراءات مرتقبة من جانب النظام، تتعلّق بصورة خاصة، بملف “تهريب المخدرات”، الذي كان للرياض، “طلبات واضحة”، بشأنه، وفق تلك المصادر.
وللبحث ملياً في هذه النقطة، نطرح التساؤل التالي: هل يمكن لنظام الأسد أن يستغني عن عوائد تتراوح ما بين 3 إلى 5 مليارات دولار، سنوياً، من تهريب المخدرات إلى دول الخليج –السعودية في مقدمتها-، لقاء “تطبيع قنصلي”؟ وما هي المكاسب الاقتصادية التي يمكن للنظام أن يحصّلها، على المدى القريب، لقاء تقارب “شرطي” مع السعودية، مقابل لجم تهريب المخدرات؟
أحد الأجوبة يتعلّق بالصادرات الزراعية السورية إلى السوق الخليجية. والتي أشارت مصادر رسمية سورية، إلى أنها انتعشت خلال الشهر الجاري، بشكل جلّي، الأمر الذي دفع البعض لقراءة ذلك بوصفه انعكاساً لتطور “التطبيع” مع دول الخليج. وتبدو القراءة متسرعة نسبياً، إذ يتطلب الأمر إحصائية سنوية، لتقييم إن كان هناك تحسّن حقيقي في حجم الصادرات الزراعية السورية إلى الخليج، بالفعل. نظراً لأنه، في كل سنة، تتحسن هذه الصادرات في مواسم، وتتراجع في أخرى. وفي الوقت الراهن، تبدو الكمأة والحمضيات، أبرز الصادرات المطلوبة خليجياً. وفي مطلع الصيف، قد نجد موسماً نشطاً لتصدير الفواكه، كما حدث مطلع الصيف الفائت، قبل أن تتراجع الصادرات لاحقاً.
لكن، قد يكون مردّ هذه القراءة لدى البعض، يرجع إلى الحديث عن تراجعٍ كبيرٍ لحجم الصادرات السورية إلى الخليج، في العام الماضي. ولا توجد أرقام رسمية، لحجم هذا التراجع، لكن تقديرات شبه رسمية ألمحت إلى أنه وصل إلى نحو 50%. ويرتبط ذلك أساساً، باكتشاف شحنات كبتاغون في صادرات فواكه وخضراوات سورية، لأكثر من مرة. مما أدى إلى تشديد العوائق أمام الصادرات السورية إلى دول الخليج. وهو ما يعيدنا مجدداً إلى ملف “تهريب المخدرات”. إذ أن الحد منه، سينعكس إيجاباً على الصادرات السورية إلى هذه الدول.
وهو ما يدفعنا للمقارنة بين الجدوى الاقتصادية للتقارب مع الخليج، وبين الجدوى الاقتصادية لتهريب المخدرات، من منظور النظام تحديداً. إذ أن مجمل قيمة الصادرات السورية (وليس فقط الموجهة للخليج)، نهاية العام الفائت، اقترب من الـ 700 مليون دولار، فقط. أي أقل من ربع الحد الأدنى من عوائد تهريب المخدرات. وحتى لو أغرقنا في التفاؤل، وتصورنا أن حجم المبادلات التجارية بين الإمارات والسعودية تحديداً، وبين سوريا، قد يعود إلى ما كان عليه في العام 2010، حين كان نحو 1.7 مليار دولار (صادرات ومستوردات)، يبقى ذلك الرقم نحو نصف الحد الأدنى من عوائد المخدرات، سنوياً.
بطبيعة الحال، لا تبدو المقارنة السابقة، مناسبة، في ظروف طبيعية مختلفة عما هو قائم في سوريا. فهي تقارن بين مصالح “عصابة” تستفيد من تهريب المخدرات، وبين مصالح “دولة” تستفيد من تصدير السلع الزراعية والمصنّعة. لكن هل صانع القرار في دمشق، يفكّر بعقلية “مسؤول دولة”؟ الجواب يدفعنا للتشكيك في مدى جدّية النظام في الحد من “تهريب المخدرات”، إلى السوقَين الإماراتية والسعودية، حتى لو كان أعطى وعوداً بذلك. ناهيك عن التشكيك بقدرة رأس النظام على فرض ذلك، على المستفيدين من عمليات “تهريب المخدرات”، ضمن نظامه والمقرّبين منه، حتى لو أراد ذلك.
المدن
————————–
هل لدى العميل ما يقدّمه!؟/ أحمد عيشة
يعرف الجميع أنّ الدول ليست جمعيات خيرية، كما يقال، أي إنها لا تُوزع أموالها ومواردها من دون مقابل، ولكن في الوقت نفسه ينبغي أن تكون مصالح الدول -وخاصة الدول المستقرة التي تقوم على حكم المؤسسات- محسوبةً على أساس متوازن وعقلاني، أي تأخذ بالحسبان مصالح مواطنيها، بما يحقق لها نفوذاً واستقراراً داخل وخارج حدودها، أما ما يجري من سعي لإعادة أعتى نظام قمعي، ارتكب أشد الفظائع إجراماً بحق أناس تجرؤوا على الحلم، على الحلم بحياة حرّة وكريمة، يمكنهم من خلالها أن يشاركوا في تقرير مصيرهم، فيمكن تسميته بأنه مشاركة بشكلٍ ما في إدامة مأساة السوريين المتمثلة بالاعتقال والتجويع والإفقار والتهجير، أو هي ضرب من العبث.
لا شك أنّ ما جرى في سوريا أثرّ بشكلٍ ما في عموم الدول في المنطقة، سواء من خلال مشاركتها مباشرة أو عن بعد، أو من خلال السيول المتدفقة من الناس الفارّين من جحيم النظام الأسدي، وهو ما رتّب عليها أعباء مختلفة، ومن الطبيعي أن تبحث “على الأقل” عن حلّ ما للمشكلات التي لحقت بها، حتى من دون الاكتراث لمشكلة السوريين، التي خلقها حكم القتلة الأسديين. وكونها ليست جمعيات خيرية، لا بد من التفكير قليلاً في ما يمكن أن يقدّمه نظام الأسد لتلك الدول، مقابل إعادته واحتضانه وتعويمه، وهو الذي يفتقر إلى أي مقومات من الاستمرارية، لولا الدعم والحماية الخارجيين.
تعرف الدول التي تسعى لإعادة نظام الأسد تماماً مدى النفوذ الروسي والإيراني في سوريا، على اختلافهما في الأغراض والغايات غير المعلنة، فالنظام شرّع لوجود القواعد الروسية العسكرية بوجودها الرسمي أو الميليشياوي (فاغنر) لفترة طويلة، فضلاً عن استحواذ روسيا على عدد من أصول البلاد الاقتصادية، سواء الموانئ أو الثروات الباطنية. أما إيران، فيعود دورها إلى أيام الدكتاتور الأب ودعمه لنظام الملالي ضد العراق، الأمر الذي فتح البلاد أمام نشاطات اقتصادية متنوعة، عدا نشاطات التهريب. ومع انطلاقة الثورة ضد نظام بشار، عدّت إيران أن الثورة ليست فقط ضد نظام الأسد، بل ضدّها مباشرة، فتدخلت مباشرة وعبر عملائها في لبنان، بل إنها عدّت سوريا محافظة إيرانية بحسب بعض التصريحات، ثم استنفرت وجندت ميليشيات طائفية من مختلف البلدان، دفاعاً عن وجودها ومخططاتها أولاً، وعن نظام بشار العميل ثانياً.
باختصار، يمكن القول إنّ من يتحكّم في سوريا الواقعة تحت سيطرة نظام الأسد ليس النظام نفسه، وإنما روسيا أولاً، وإيران ثانياً، فالأولى تتقاسم المجال الجوي السوري مع الولايات المتحدة، والثانية تتمتع بسيطرة تفوق في بعض المناطق سيطرة قوات نظام الأسد وفروع مخابراته، فضلاً عن اختراق روسيا وإيران لكثير من قوات النظام ومخابراته، وتأسيسهما لكيانات عسكرية مستقلة عن نظام الأسد. وبذلك فإن صاحب القرار الفعلي في سوريا ليس النظام الدمية، وإنما روسيا وإيران، وللمفارقة أنهما من يحتجّان على انتهاك “السيادة السورية” من قبل إسرائيل وغيرها، قبل أن يحتجّ النظام نفسه، بل هما من يملي المواقف على الأسد ويحددان له مساره، ففي أعقاب الزلزال المدمّر الذي ضرب جنوبي تركيا وشمالي سوريا، كان أول من زار حلب هو قائد “فيلق القدس” في الحرس الثوري، ثم تبعه بشار الأسد!
وكي نكون منصفين، فالقطاع الذي أبدع فيه نظام الأسد غير القتل، هو إنتاج الكبتاغون والمخدرات الأخرى، التي أغرق فيها الدول القريبة والبعيدة، كقطاع يدرّ عليه مليارات الدولارات من جهة، ومن جهة أخرى يدمّر فيه شباب المنطقة، ولم تُفلح جميع محاولات الدول تلك في الحد من تهريب الكبتاغون، وليس بعيداً عن نظام الأسد أن يكون قد أعاد طائرات المساعدات بعد الزلزال بشحنات من المخدرات. فهل قرار تلك الدول بإعادة العلاقة مع نظام بشار الأسد يدرك كل هذه المشكلات، وأنه لا بد من التنسيق معه لمكافحتها، أم أنّ موجة تعميق النظم الاستبدادية، برعاية روسيا “مصنع الاستبداد” والصين “راعية الفساد”، هي التي ستحكم المنطقة، وربما لفترة طويلة.
لسنا في موقع أن نشير إلى مصالح تلك الدول، بالتأكيد لديها الخبراء الذين يقدّرون مصالحها جيداً، سواء المصالح الآنية منها أو الاستراتيجية، ولكن لا بد من اليقين من أنه من دون الخلاص من نفوذ نظام الملالي المتمثل بتفتيت المجتمعات العربية وخلق نفوذ فعال في محيطه يقيه التهديدات الخارجية، سيكون سعي تلك الدول لإعادة الأسد مثل السعي للقبض على السراب، فالوجود الإيراني سواء في الاقتصاد أو العسكر، عدا التغلغل في المجتمع السوري مستغلين حالة الإفقار الشديد لتشكيل الميليشيات ونشر أفكار التشيّع القائم على التبعية لولي الفقيه، هو وجود عميق، ومن دون كسره لا يمكن أن يحقق التقارب مع نظام الأسد أي مصلحة أو حتى استقرار للدول تلك.
يزعم من يسعى للتطبيع مع نظام الأسد أن الاستقرار يكمن ظاهريًا في استمرار حكم بشار الأسد، الذي يملك العالم ضدّه أدلة على جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية أكثر مما تم تقديمه ضد هتلر في نورمبرغ، بينما في واقع الأمر هو السبب الرئيسي في منع إيجاد أي حل، بدءاً من قضية المعتقلين حتى مشكلة المهجرين واللاجئين، الذين لا يفضل عودتهم بالأساس، ولم يتوانَ الأسد عن قصفهم حتى عقب كارثة الزلزال. أما المنطقة التي يديرها بالوكالة، فهي تعاني من أشد أنواع البؤس والفاقة والحرمان، حيث أصبح معظم الناس دون خط الفقر، وكلها نتيجة لسياسته التدميرية، كل هذا يشير إلى أن محاولات التطبيع مع الأسد واحتضانه ليست إلا مسعى عديم الجدوى، ودوس على كل آلام السوريين الذين قدموا ما لم يقدمه أي شعب في التاريخ.
دخلت الثورة السورية عامها الثالث عشر، وهي مثقلة بالفوضى وغياب التنسيق بين تياراتها وفصائلها وعدم قدرتها على تحقيق نموذج بديل لنظام الأسد، مع غياب أي مسعى جدي من الأطراف الخارجية المتدخلة بشكل جدي إلى فرض حل على نظام الأسد، بل تسعى عدد من الدول إلى شرعنة نظام القتل مع علمهم أن أسباب الثورة -المتمثلة في استمرار الحكم الأسدي القائم على التمييز والقهر- ما زالت متأصلة بعمق وشدة، أكثر من أي وقت مضى. ويبقى من حقنا كسوريين أن نذكّر تلك الدول بأن من مصلحتها ومصلحة السوريين أن يشكلوا قوة ضغط حقيقي لإجبار نظام الأسد وداعميه على الرضوخ لمطالب السوريين، والبدء بعملية انتقال سياسي تمهّد لحل مشكلات المعتقلين والمهجرين وتفتح المجال لعلاقات مستقرة مع دول المنطقة، خاصة أن روسيا وإيران تمرّان بمرحلة من العزلة والضعف توجب ممارسة الضغط عليهما، لا توفير منفذ نجاة لهما من خلال سوريا وعلى حساب مصالح السوريين وحياتهم.
تلفزيون سوريا
————————–
العرب على طريق استعادة سوريا/ أسعد عبود
تكتسب التحولات الإقليمية المتسارعة بعداً مهماً آخر، بعد الأنباء التي تحدثت عن اتفاق بين السعودية وسوريا لمعاودة تبادل فتح السفارات في الرياض ودمشق. طبعاً، هذه خطوة ما كانت لتتم من دون الإتفاق بين السعودية وإيران على معاودة العلاقات الديبلوماسية بوساطة صينية.
انفراج إقليمي آخر بين مصر وتركيا عقب زيارة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو للقاهرة الأسبوع الماضي، وهي الأولى لمسؤول تركي على هذا المستوى لمصر منذ أكثر من عقد. وسبق لوزير الخارجية المصري سامح شكري أن زار تركيا في 27 شباط (فبراير) الماضي لتقديم التعازي بضحايا الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا في 6 شباط. والحديث يدور الآن عن قمة قريبة بين الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والتركي رجب طيب أردوغان.
أما المسار السوري-التركي فهو ينتظر نتائج الإنتخابات الرئاسية والنيابية التركية في 14 أيار (مايو) المقبل، علماً أن روسيا لا تزال تأمل في انعقاد إجتماع على المستوى السياسي بين دول منصة أستانا التي تضم روسيا وتركيا وإيران زائد سوريا، من أجل البحث في وسائل تسريع المصالحة السورية-التركية، بصرف النظر عن نتائج الانتخابات.
وإنما يبقى الحدث الأهم هو أن معظم الدول العربية باتت مقتنعة بأن الوقت قد حان لمقاربة جديدة للأزمة السورية، في ظل الواقع المتغير على الأرض واستحالة كسر الجمود من دون تبني سياسات جديدة تسهم في إيجاد حل سلمي لنزاع دخل عامه الثاني عشر.
ولعل ثمة نتيجة باتت مؤكدة وهي أن الانسحاب العربي من دمشق، أتاح لإيران تعبئة الفراغ وساعد في زيادة النفوذ الإيراني بالمنطقة. وكما الحال في العراق، فإن العرب عندما عادوا إلى بغداد تمكنوا من إحداث تحول في سياسات الحكومة العراقية حتى تلك التي يرأسها اليوم محمد شياع السوداني الذي سمته أحزاب موالية لإيران لهذا المنصب.
السوداني يظهر انفتاحاً على الدول العربية لم يكن متوقعاً. ويطمح إلى لعب دور الوسيط بين السعودية وإيران على غرار الدور الذي لعبه سلفه مصطفى الكاظمي، فضلاً عن عرضه وساطة لإحياء المفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران حول الاتفاق النووي لعام 2015.
لا ريب أن سوريا هي أمام فرصة لا تثمن مع الانفتاح العربي عليها الذي تبدى بصورة خاصة عقب الزلزال. وإيران هي الأخرى قد تجد نفسها بعد فترة بأنها مجبرة على تغيير سياساتها في سوريا في حال عادت دمشق إلى جامعة الدول العربية وكان هناك اهتمام عربي بإعادة الإعمار. ولن يكون في إمكان إيران الاستمرار إلى ما لا نهاية في استخدام سوريا رافعة لها في الصراع مع الولايات المتحدة.
إن المناخات الوفاقية السائدة اليوم بحاجة إلى تعاون من الجميع كي يكون في الإمكان فتح صفحة جديدة من التعاون ووقف الحرب التي دمرت سوريا، وكان السوريون هم الخاسر الأكبر فيها.
إن مبادرة السعودية إلى معاودة العلاقات مع سوريا بعد قرار الانفتاح على إيران، يؤسس بلا أدنى شك لأرضية صالحة للتفاهم وتبريد أزمات المنطقة.
وسوريا في حاجة ماسة إلى العرب وإلى إنطلاقة جديدة في سياساتها مبنية أيضاً على أرض الواقع والأخذ في الاعتبار مصالح الدول العربية بعد عقد من القطيعة والجفاء، كانت سوريا نفسها هي الخاسر الأكبر فيها.
إن التطلع اليوم يتعين أن يكون إلى ما يمكن أن يحمله الغد من أمل في انفراجات تقود إلى تغيير الحاضر المأسوي على أكثر من صعيد، من إعادة السلام إلى سوريا والعمل على وقف انهيار متمادٍ في لبنان، إلى تضميد جروح اليمن ووضعه على مسار التعافي.
النهار العربي
—————————
تحقيق ل”نداء بوست”: إقبال العرب على الأسد وتدعيم أركان الحكم الطائفيّ في #سورية
منذ انقلاب البعث عام 1963، ووصول حافظ الأسد إلى سُدَّة الحكم بعد سبعة أعوام، تغيَّر شكل سورية كلياً، وتغيَّرت معه حياة السوريين وحرياتهم، وحتى لغتهم التي تحولت من لغة الضاد العربية إلى لغة القاف الطائفية
لطالما مَثَّلَ نطق حرف القاف الصريح مصدر رعب للسوريين طِيلة السنوات الخمسين الماضية، كيف لا؟ وهي لهجة أزلام النظام والأفرع الأمنية، لهجة الطائفة الأقلية الحاكمة المتحكمة بالأكثرية
وعقب اندلاع الثورة السورية في آذار/ مارس 2011، أصبحت تلك اللهجة العهد الذي بين الفئة القليلة من الوطنيين التي وقفت إلى جانب الأسد ودافعت عن جرائمه، وبين غالبية السوريين الذين كانوا ضحية للمجازر التي ارتُكبت تلبية لـ علي و الحسين و زينب و آل البيت
العلويون وحُكم سورية
أصبحت الطائفة العلوية صاحبة النفوذ الأكبر في الدولة السورية، منذ الانقلاب، حيث عمل صلاح جديد على هندسة أركان الجيش السوري بما يتناسب مع خططه ومساعيه الرامية للهيمنة على الدولة
وفي بادئ الأمر، قام جديد بتسريح الضباط غير المنتمين للحزب، واستبدلهم بمدنيين منتمين، وكذلك مكَّن البعثيين وأوكل المناصب القيادية الحسّاسة إليهم، وفي الخطوة التالية استبعد الضباط السُّنة وعيّن ضباطاً علويين مكانهم
لاحقاً، وفي مرحلة تصفية التيار الناصري في الجيش، تم زيادة العنصر العلوي والاعتماد عليه في المؤسسة العسكرية، وتزامن ذلك مع تنامي طموحات وزير الدفاع حافظ الأسد في الاستيلاء على السلطة، الذي بدأ بتشكيل تيار علوي موالٍ له في الجيش
ويختلف نهج حافظ الأسد عن تيار صلاح جديد، أن الأول كان تياره علوياً صافياً، أما الثاني فكان ريفياً اشتراكياً إلى جانب كونه راديكالياً
ورويداً رويداً تمكن حافظ الأسد من تطييف الجيش السوري، وإطلاق يد العلويين وفرضهم على الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وإتاحة المجال لهم للاستثمار في فساد مؤسسات الدولة العسكرية والمدنية
بشار على خُطى والده
لم يختلف الحال كثيراً عقب تولي بشار الأسد السلطة بعد وفاة والده عام 2000، بل تعزز حكم الطائفية وتوسَّع ليشمل المنتمين للمذهب الشيعي، متأثراً بتطوُّر العلاقات الكبير مع إيران
وبعد اندلاع الثورة، وجدت الطائفة العلوية نفسها في مواجهة المجتمع السوري عموماً، حيث ارتضت لنفسها أن تكون ذراعاً أمنياً يستخدمه النظام في قمع الحراك الشعبي واقتحام المناطق الثائرة والتنكيل بأهاليها
وعزز نظام بشار الأسد الأحقاد بين العلويين وباقي السوريين، من خلال اللعب على وتر الطائفية منذ الأيام الأولى للحراك، وقيامه بالتجييش ضد العلويين، الذين ما كان منهم إلا الولوغ في دماء السوريين أكثر بحُجة أن رحيل الأسد يعني فناءهم
وارتكب أبناءُ الطائفة المدنيون والعسكريون منهم عشرات المجازر وجرائم الإبادة العرقية، راح ضحيتها آلاف المدنيين من السنَّة
وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن قوات الأسد ارتكبت ما لا يقل عن خمسين مجزرة تحمل صبغة طائفية منذ عام 2011 وحتى 2018، أسفرت عن مقتل 3098 شخصاً، منهم 3028 مدنياً و70 من مقاتلي المعارضة، ومن بين المدنيين 531 طفلاً و472 امرأةً
وشهد العامان الأوَّلان من الثورة النسبة الأعلى من مجازر التطهير الطائفي، حيث جنَّد نظام بشار الأسد ميليشيات طائفية من أبناء الطائفة العلوية، واستعان بميليشيات إيرانية، لإذكاء صراع سُنيّ علويّ شيعيّ
ومارست تلك الميليشيات في مجازرها مختلف أعمال القتل، وتعمَّدت تسريب صور وفيديوهات لجثث مشوَّهة وحرق مدنيين وهم على قَيْد الحياة وأطفال ذُبحوا بالسكاكين وقُطّعت أرجلهم، ونساء جردن من ملابسهن، وذلك بقصد تأجيج الصراع الطائفي
العرب يفتحون ذراعهم للأيدي الملطَّخة بالدماء
وبعد 12 عاماً من الثورة، والحرب التي يشنها بشار الأسد ضد السوريين الحالمين بالحرية والكرامة، لم تؤثر دماء الملايين في طبيعة النظام، كما أنها لم تكن كافية ليتذكرها القادة العرب ويدافعوا عنها باستمرار العزلة على مَن كان السبب الأول لها، وذلك أضعف الإيمان
فلم يغير بشار الأسد أيّاً من تركيبة النظام في سورية، وتمسك بالاعتماد على الضباط والمسؤولين العلويين في إدارة مفاصل البلاد، كما هو حال الأفرع الأمنية، التي يديرها زمرة من كبار الضباط الذين أوغلوا في دماء السوريين
وبإلقاء نظرة سريعة على رؤساء تلك الأفرع، نلاحظ أن شعبة الأمن العسكري يديرها اللواء كفاح ملحم، ونائبه اللواء إبراهيم الوعري، وهما من الطائفة العلوية
وكذلك الحال بالنسبة لفروع الشعبة المركزية، كفرع تحقيق صف الضباط الذي يقوده اللواء مفيد خضور، وفرع شؤون الضباط والذي يقوده العميد آصف الدكر، وفرع فلسطين بقيادة العميد ماجد إبراهيم، وفرع المداهمة والاقتحام والذي يسمى بسرية المداهمة أو فرع القزاز، ويقوده العميد معروف عباس، وجميعهم من العلويين
وبالنسبة للمخابرات الجوية، فيقودها اللواء غسان جودت إسماعيل، ونائباه اللواء أديب سلامة، واللواء قحطان خليل، وجميعهم علويون
وأما الأفرع المركزية، فيقود فرع المعلومات العميد سلطان تيناوي وهو علوي، وفرع التحقيق العميد عبد السلام محمود وهو شيعي، وفرع المهام الخاصة العميد حسن عبدو عيسى وهو علوي
وأما إدارة المخابرات العامة أو جهاز أمن الدولة، فيديره اللواء حسام لوقا وهو شركسي، وينوب عنه اللواء غسان خليل واللواء أكرم محمد علي، وهما علويان
الجدير بالذكر أنه لا يوجد إحصائية دقيقة للتركيبة الدينية في سورية، إلا أن تقرير وزارة الخارجية الأمريكية للحريات الدينية الصادر عام 2011، قدَّر أن نسبة المسلمين السُّنة في سورية تبلغ 77%، و10% علويون، و3% دروز وإسماعيليون وشيعة اثنا عشرية، و8% مسيحيون من طوائف مختلفة
نداء بوست موقع نداء بوست منصّة إخبارية سياسية ثقافية اجتماعية اقتصادية منوّعة
————————–
الفصل الجديد في العلاقات بين الرياض ودمشق.. ملامح النجاح والفشل
تغيرات عديدة حصلت في منطقة الشرق الأوسط خلال الأشهر القليلة الماضية، لا سيما فيما يتعلق بعلاقات الدول ببعضها، وحالات التطبيع بين حكومات، كانت قد انقطعت علاقتها لسنوات، وكانت السعودية صاحبة الحدث الأبرز عندما أعلنت عودة علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، ما قد يوحي بفتح ملفات عديدة وأبرزها العلاقات مع دمشق
المملكة العربية السعودية لم تخفي رغبتها منذ أشهر بالتواصل مع دمشق، وهذا لا يعني بالضرورة التطبيع أو إعادة العلاقات بشكل رسمي، لكن الرياض تسعى للعب دور في الملف السوري، خاصة في ظل السيطرة لمحور روسيا وتركيا وإيران على القرار السوري، بالتالي فإن العودة العربية تراها الرياض ضرورة لتحقيق العديد من الأهداف، لكن هل تملك دمشق ما يمكن أن تقدمه للسعودية وغيرها من الدول العربية
ملف إعادة العلاقات مع دمشق، عاد إلى الواجهة مجددا في الرياض، خاصة بعد إعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، ورغم عدم وجود أي إعلان رسمي من الجانب السعودي، إلا أن الأجواء السياسية، توحي بوجود رغبة بالتواصل لا بالتطبيع مع دمشق، فما هي أبرز ملامح النجاح والفشل لهذه الجهود
أهداف السعودية
بصرف النظر عما يمكن لدمشق أن تقدمه لدول الشرق الأوسط، فإن دول الإقليم تهدف بالدرجة الأولى إلى تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، لكن الجهود السعودية سيتوجب عليها تجاوز عقبات كثيرة في التواصل مع دمشق، أبرزها ربما الرفض الأميركي لأي عمليات تطبيع مع دمشق، هذا فضلا عن فشل مَن سبق الرياض في إشراك دمشق في أية جهود داعمة لملف الاستقرار في المنطقة وأبرزها عمّان
حتى الآن لم يتحدث أي مصدر سعودي عن أية خطوات جدية في هذا السياق، سوى مصدر مطلع نقلت عنه وكالة رويترز ، أفاد بأن كلٍّ من دمشق والرياض اتفقتا على معاودة فتح سفارتيهما بعد قطع العلاقات الدبلوماسية قبل أكثر من عقد، في انتظار ما يمكن أن يتحدث عنه المسؤولون السعوديون حول آلية هذه العودة وشروطها، خاصة وأن أسباب عزل دمشق عن المحيط العربي ما تزال قائمة، ذات الأسباب التي جعلت الرياض في وقت سابق من أكثر الدول الرافضة للتطبيع مع دمشق
ملف الأمن والاستقرار هو على قائمة أولويات المملكة العربية والسعودية وغيرها من دول الإقليم، وبالتأكيد فإن الاستقرار في سوريا جزء من استقرار المنطقة، لكن التجربة الأردنية السابقة، أكدت أن دمشق لم تتمكن من تقديم أي شيء في ملف الاستقرار إلى الأردن، خاصة فيما يتعلق بالملف الأمني على الحدود الأردنية السورية وتدفق المخدرات، وهذا ما دفع الأردن للتواصل مع دمشق في وقت سابق لكنها لم تحصل على أية ضمانات
الكاتب والمحلل السياسي فراس علاوي، رأى أن كل ما يجري في الرياض هو عبارة عن أفكار للتواصل مع دمشق، ولا يوجد حتى الآن أي شيء يوحي بنيّة المملكة العربية السعودية التطبيع مع دمشق، مشيرا إلى أن الملف الإيراني هو العامل الأبرز الذي دفع ملف التواصل مع دمشق إلى التحرك في الرياض
تطبيع أم تواصل؟
علاوي قال في حديث خاص مع الحل نت ، لا يمكن الحديث عن تطبيع بين الرياض ودمشق حتى الآن، هي مجرد أفكار في السعودية وغيرها من الدول العربية للتواصل مع دمشق، وذلك بسبب المتغيرات الإقليمية الأخيرة، والحرب الأوكرانية، إضافة الى الابتعاد التدريجي للولايات المتحدة الأميركية عن الشرق الأوسط
ابتعاد واشنطن مؤخرا عن الشرق الأوسط، عزز مخاوف الدول العربية وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية، التي تسابق الزمن لاحتواء الملف الإيراني وضمان أمن واستقرار المنطقة، لذلك ستتجه ربما للتواصل مع دمشق ورؤية ما يمكن تقديمه في هذا الصدد، وإحداث نوع من التوازن في العلاقات الإقليمية
هنا أضاف علاوي، هناك ابتعاد من الجانب الأميركي، فضلا عن نجاح روسيا بفرض بعض التحالفات مع إيران، وكذلك دخول الجانب الصيني على المنطقة، لذلك هناك جهود ليس فقط من السعودية، وإنما من عدة دول لدفع دمشق من أجل المساعدة في استقرار المنطقة، لكن هذا الأمر أمامه الكثير من العقبات
أبرز العقبات التي قد يواجهها ملف التواصل أو التطبيع مع دمشق، هو عدم قبول القيادة المركزية في دمشق لأية حلول سياسية تتضمن إشراك المعارضة، خاصة وأن الحكومة السورية، اشترطت مع جميع الدول التي حاولت التواصل معها الحفاظ على حكم الرئيس بشار الأسد ورفضت أي دور مستقبلي للمعارضة
أبرز العقبات
كذلك فإن الرياض وغيرها من الدول العربية ستكون على موعد مع اصطدامها، بعجز دمشق عن الافتكاك عن الهيمنة الإيرانية، وهذا ما حدث مع الأردن، الذي كان متوقعا قبول دمشق أو قدرته على إبعاد الميليشيات الإيرانية عن حدوده الشمالية مع سوريا، خاصة وأنها المسؤولة الأولى عن تدفق المخدرات إلى الأراضي الأردنية
علاوي أوضح كذلك أن ملف عودة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، هو النقطة الأهم في التواصل مع دمشق، وهو الذي فتح الطريق أمام الرياض إلى دمشق، وضغط على دمشق ربما لقبول هذا الملف، وأضاف ربما تمتلك دمشق ما تقدمه في ملف استقرار المنطقة خلال الفترة القادمة، سواء بعدم السماح لتدفق اللاجئين أو إيقاف تدفق المخدرات. الاستقرار هو العنوان الأبرز للدول الإقليمية، ولا أعتقد أن الأمور متجهة إلى تطبيع كامل مع النظام السوري، وإنما هي عملية تواصل تقوم بها السعودية وأطراف أخرى، وربما نشهد زيارات مسؤولين سعوديين إلى دمشق وبالعكس لكن كلها تندرج ضمن الأفكار التي تم تقديمها، من أجل إعادة صياغة العلاقات ما بين الأطراف المتداخلة في الشأن السوري
ربما تكون أبرز نقاط انطلاق السعودية، تأتي من حاجتها للتعامل مع سوريا كدولة، خاصة في ظل الفراغ السياسي الذي أحدثته المعارضة السياسية، فمعظم دول الشرق الأوسط، تسعى الآن لضمان أمن المنطقة وعدم الدخول في احتمال فتح صراعات جديدة، بعيدا عن أية حسابات سياسية فيما يبدو
منذ مطلع العام الحالي، شهد الخطاب السعودي تجاه النظام السوري تغيّرا واضحا، برزت ملامحه بشكل أكبر منذ حدوث الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا، وكانت أحدث التصريحات السعودية التي حملت ملامح التبدل في 18 من شباط/فبراير الماضي، عندما قال وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، خلال جلسة حوارية عن الدور الجيوستراتيجي لدول الشرق الأوسط في مؤتمر ميونيخ للأمن 2023، إن هناك إجماعا عربيا على أن الوضع الراهن في سوريا لا يجب أن يستمر
من غير المعلوم كيف يمكن للمملكة العربية السعودية أن تتواصل مع العقبات، في مشوارها للتواصل مع دمشق، هذا فضلا عن الرفض الأميركي المستمر لأية محاولات تطبيع مع دمشق، وهنا ربما تسعى الرياض لإطلاق مبادرة من شأنها إقناع دمشق الانخراط بعملية سياسية حقيقية، وذلك بهدف تجاوز الرفض الأميركي
التواصل مع دمشق كما هو واضح أمامه الكثير من العقبات، لكن الهيمنة الإيرانية والروسية على القرار السوري، ستجعل ربما من أهداف السعودية وغيرها صعبة التحقيق، خاصة وأن إيران تلعب دورا هاما في زعزعة أمن واستقرار العديد من مناطق الشرق الأوسط، فكيف يمكن لدمشق أن تساهم في كبح الخطر الإيراني في ظل تمدد النفوذ الإيراني على الأراضي السورية
الحل نت
———————-
===================
تحديث 25 أذار 2023
———————-
الأسد لا يخدع العرب هذه المرة/ عمر قدور
هناك ظن شائع بين السوريين، مفاده أن الأسد سيخدع العرب الراغبين بالتطبيع معه، وسيقدّم وعوداً لن يتأخر عن التنصل من تنفيذها. هكذا يكون قد حصل على مليارات الدولارات الموعودة من دون تقديم أي تنازل، وكسب مع المليارات إحراج القادة العرب المطبِّعين معه، وإظهارهم في موقع الغفلة. يستند هذا الظن إلى أن الأسد غير قادر على “أو غير راغب في” تنفيذ بنود المبادرة العربية كما تم تسريبها، فهو غير قادر على تحجيم النفوذ الإيراني، ولن يقبل بقوات عربية تواكب عودة اللاجئين وتحميهم، وتعامله المهين مع بعثة المراقبين العرب في أول الثورة دليل على ما ينتظر القوات العربية في حال وافق على إدخال بعثة مراقبين منها.
لكي يخدع الأسد أولئك القادة العرب ينبغي أن نسيء الظن إلى أبعد حد بقدراتهم الذهنية، وبقدرات وزرائهم ومستشاريهم، بحيث أننا نتداول كل السوابق التي نكث فيها الأسد بوعوده، أما هم فتغيب عنهم السوابق ويقعون في الحفرة ذاتها المرة تلو الأخرى! لكن، في المقابل، سيبدو كأن هناك تناقضاً بين معرفتهم بما سيفعله الأسد وإقدامهم على التطبيع معه، وهناك مثال قريب هو الأردن الذي بادر إلى فتح حدوده مع الأسد، لتبدأ معاناته مع تدفق الكبتاغون الذي يستهدف أبناءه ثم يواصل سيره إلى دول الخليج.
ربما، لحلّ هذا التناقض، يلزم أن نتذكر أن بضع مليارات من الدولارات هو رقم ضخم سورياً، بينما ليس له القيمة ذاتها لدى دول الخليج المانحة، وسبق لهذه الدول أن قدّمت المليارات للأسد الأب والابن، حتى أن تدفقها كان هو القاعدة لا الاستثناء منذ عام1973 لغاية عام2011. خلال العقود الثلاثة الأخيرة من تلك المدة، كان النفوذ الإيراني يتفاقم في سوريا ولبنان الذي تحت الوصاية، من دون أن تتأثر المساعدات الخليجية.
في الأخبار الأخيرة أن ملك السعودية دعا الرئيس الإيراني إلى زيارة بلده، ما يستبق اللقاء المزمع بين وزيري خارجية البلدين وإعادة فتح السفارات. العلاقات الإماراتية-الإيرانية هي في الأصل واسعة ومتشابكة، على صعيدَي الاقتصاد والسياسة، مع تأكيد طهران على أنها تطورت مؤخراً. وإذا أخذنا في الحسبان قيادة الإمارات التوجهَ نحو الأسد، يصعب تصوّر أن يكون أحد شروط الإمارات الفعلية إبعاده عن نفوذ طهران. لعل المنطق يدفعنا إلى افتراض مغاير تماماً، حيث يقع التطبيع مع الأسد ضمن تموضع جديد للعلاقات الخليجية-الإيرانية.
التطبيع الخليجي مع إيران، إذا كُتب له النجاح، يبدو أيضاً ضمن نهج خليجي أعمّ. كنا قد شهدنا قبله إعادة العلاقات بين أنقرة والرياض وأبو ظبي والقاهرة، وإذا ظهر ذلك بتوجه جديد من أردوغان فحدوثه لم يكن وارداً لولا استعداد تلك العواصم لملاقاته، ولا بأس بالتذكير بأن توجه أردوغان نفسه اقترن بانفتاحه على الأسد. بإضافة التطبيع مع تل أبيب أو الدنوّ منه، تكون العواصم ذاتها قد انفتحت على القوى الإقليمية الثلاث الكبرى في المنطقة، تركيا وإيران وإسرائيل، مع ملاحظة أن هذه القوى منخرطة بدأب في الشأن السوري.
الغرب، واشنطن على نحو خاص، لا يعلن صراحة موقفاً مؤيداً أو معارضاً التطبيع مع الأسد، رغم التزام الدول الأربع المؤثرة في بيانها “في ذكرى الثورة” بعدم التطبيع معه إلا وفق الشروط القديمة المعروفة المتعلقة بتقدم في العملية السياسية…إلخ! لكن يُفهم على نطاق واسع أن عدم معارضة الغرب تعني موافقته الضمنية على تطبيع العرب مع الأسد، وموافقته على منح الأخير مليارات الدولارات، رغم إدراكه أيضاً أنها ستُدفع بلا مقابل سياسي، إذا كان ثمة أصلاً وعود بتقديم مقابل.
ربما تقع الموافقة الغربية فيما دون السياسة، وبذلك لا تكون أكثر من استئناف للتساهل في العقوبات الغربية بعد الزلزال. في الواقع للغرب مصلحة في ضخ تلك المليارات في اقتصاد الأسد، وفي طليعة الأسباب أن موجة لجوء جديدة إلى الغرب بدأت فعلاً انطلاقاً من مناطق سيطرة الأسد، ومن المرجح تصاعدها في حال استمرت الكارثة المعيشية، وهناك بلدان غربية متضررة من شحنات الكبتاغون الواردة من المصدر ذاته، وفي المحصلة لا يكون هناك مانع من ضخّ المساعدات مقابل وقف ضخّ الكبتاغون واللاجئين فحسب.
هي عملية مضبوطة من جهة الغرب ما دامت العقوبات الأمريكية خاصةً مسلَّطة، فأشدّ المتحمسين العرب للتطبيع مع الأسد لن يغامر ويخرق العقوبات متى لوّحت واشنطن بها. لذا قد لا تتجاوز المساعدات الجانب الإغاثي المباشر، وتمويل بعض الإصلاحات الحيوية والملحّة جداً، بشرط أن لا يندرج ذلك ضمن إعادة الإعمار الممنوعة وفق العقوبات الغربية.
لكي لا نهوّل من استقبال بشار الأسد في الإمارات، وقبلها في موسكو وعُمان، فضلاً عمّا يظهر من استعجال تركي للقائه؛ من الضروري تذكّر أن هذا كله محكوم بسقف أمريكي لا يستطيع هؤلاء تجاوزه. ومثلما لا يستطيع العرب تجاوز سقف العقوبات، سيكون الانفتاح التركي محكوماً بقرار واشنطن إبقاء قواتها ومظلتها العسكرية في شرق الفرات، لأن القوات التركية لن تنسحب من مناطق سيطرتها ما لم يسترد الأسد سيطرته على مناطق الإدارة الذاتية.
من الحصافة الظن أن القادة العرب يدركون ما سبق، ويعرفون الحدود التي يستطيعون التصرف ضمنها، وأنهم بدورهم لا يراهنون على تغيير يُعتدّ به في سلوك الأسد. نستطيع أن نعزو حماس البعض منهم إلى معاداة أصيلة للربيع العربي، ولشبهة الثورة أينما وُجِدت، لتكون الحفاوة بالأسد تشفّياً بمناصري الحرية، إلا أن هذا يبقى هامشياً بالقياس إلى مجمل المستجدات في المنطقة، ومنها الصمت والغموض حيال الملف النووي الإيراني ومصير مفاوضاته بعد أن كان في مقدمة اهتمام واشنطن ومعظم حكام المنطقة!
يراهن العرب والغرب، بلا أوهام، ببضع مليارات من الدولارات، ومن “الغبن” تصويرهم سلفاً كمستغفَلين. ربما تكون المفاجأة بالنسبة لهم، كما بالنسبة لنا، أن يلاقي الأسد مبادرتهم بما يتعدى دعوة مزيد من القوات الروسية إلى سوريا، أو التندر على الرئيس الأوكراني زيلينسكي ووصفه بالمهرّج.
المدن
——————-
سوريا.. ماذا وراء الكتمان؟/ عبدالناصر العايد
تكشف التحركات السياسية في منطقة الشرق الأوسط، عن تفاوض سياسي واسع وعميق بين الأطراف الفاعلة، أحد محاوره الأساسية سوريا، لكن لا معلومات عما يجري. حتى أنه صار يبدو أن التحرز والكتمان هو أحد الأهداف الرئيسية لما يجري لحجب إمكانية حتى ظهور تكهنات أو توقعات. فماذا وراء هذا الكتمان ذاته، بعيداً من تفاصيل ما يُناقش خلف جدرانه؟
أول ما يمكن استنتاجه من عدم تسرب أي معلومات هو أن التفاوض محصور في دوائر عالية وضيقة جداً من صنّاع القرار، بحيث لم تنسلّ أي معلومة خارج تلك الدوائر وما تتداوله، وأن ما سينتج عن مداولاتهم سيتجاهل الرأي العام، أو يكون مخالفاً للتوجهات العامة للجمهور ومضاداً لها. ولتحاشي أي ضغوط محتملة في عصر وسائل التعبير الاجتماعي، فضل مديرو المطابخ السياسية اعلان خلاصة عملهم وفرضها على الجمهور كقرارات نهائية لا نقاش فيها.
مستوى الكتمان غير المسبوق، والذي يحيّد حتى قادة في المنطقة من الصف الأول، يشي برغبة في عدم إثارة انتباه أطراف ودول بعينها. فما يجري تصنيعه سيزعج أو يغضب أكثر من طرف، ويدفعه للسعي إلى تخريب ما يتم بناؤه، أو المشاغبة حوله على الأقل.
يدلل الإبهام والغموض أيضاً على ريبة الفاعلين في بعضهم البعض، وخشيتهم من أن تبوء أعمالهم بالإحباط نظراً لمراوغة هذا الطرف أو ذاك، وتلافياً للحرج الذي يخلفه رفع سقف التوقعات. فقد سدّ الباب تماماً أمام أي تسريب، إذ قد لا ينجم عن الجهود الحالية أي شيء ملموس.
ومن الواضح أن سوريا أحد أهم محاور العمل آنف الذكر، لكن رأس النظام تعمد إظهار تحركاته بطريقة مسرحية ليقدم نفسه في صورة مَن كُسرت عزلته، بل وأنه يعاد تعويمه بخطى متسارعة. لكن اعلاناته غير المباشرة لا تغير من الاستنتاجات السابقة، ما دامت الأطراف التي يتوقف عليها مصير المفاوضات ما زالت متمسكة بالسرية والحذر.
فالتفاوض مع قادة بعض الدول لصياغة الخطوط الرئيسية لحل أو مبادرة في سوريا، لم تدخل كما يبدو مرحلة النضج بعد، ولم يجر الدخول في تفاصيلها المعقدة والعويصة التي لا بد من التشاور فيها مع آخرين، وقد لا يجري ذلك إطلاقاً. لكن رأس النظام، الذي يحرص على انتهاز كل سانحة للقول لجمهوره أنه بخير، وقهر وتحطيم معنويات معارضيه بما مؤداه أنه انتصر عليهم، يحاول أن يستغل فسحة التفاوض دعائياً إلى أقصى ما يمكن.
تجري المفاوضات السورية على الأغلب بعيداً من رضا بعض الأطراف، وربما ضد مصالحها بعضها. فالولايات المتحدة التي لا بد أن توضع في صورة ما يجري، لم تكتف بالصمت، بل أكدت عدم رضاها عن هذه الجهود في العلن. أما في السر فإن الدبلوماسية الأميركية تلتزم في مثل هذه الحالات بقاعدة “دعهم يعملون ودعنا نرى”، فإن أعجبت النتائج واشنطن، أقرّتها، وإن لم تعجبها فلن يصعب عليها إلغاؤها أو تقويضها.
يلوح لنا أيضاً من خلال تأجيل أو نسف مسار التقارب بين النظام السوري وتركيا، أن ما يجري الإعداد له من قبل بعض العرب وروسيا والصين، ضد المصالح الحيوية لأنقرة، بل ربما كان ينبني جوهرياً على التناقض معها. وتركيا لاعب رئيسي في المشهد السوري، والكتمان وحده لن يعفي صفقة محتملة تتجاهلها، من معارضتها الشديدة. وفي النهاية، لدى أنقرة أوراق عسكرية وسياسية كافية لقلب الطاولة رأساً على عقب في سوريا، ناهيك عن موقف إيران التي يحتمل أن يكون تحجيم وجودها في سوريا شرطاً أساسياً لتمرير صفقة ما، إذا لم يكن من جانب العرب، فمن جانب إسرائيل والولايات المتحدة.
لمصداقية نظام الأسد وإيران معاً، دور أيضاً في السرية المبالغ فيها التي تحاط بها التحركات الحالية. فالثقة معدومة في كليهما، والجميع واثق بأنهما لن تفيا بأي وعود بعد نيل المراد، وهو تعويم النظام عربياً على الأقل، وأن استمرار أي اتفاق سيُبنى على الابتزاز الدائم للأطراف التي تورطت في الصفقة وتحت التهديد المستمر بالنكوص عنها ما لم تتم تلبية طلبات النظام التي ستتصاعد. لذلك تتأنى الأطراف التي ستتحمل عبء الفشل، في الإعلان عن نواياها أو إبداء الحماس، للضغط على طاولة التفاوض وانتزاع تعهدات ملزمة، وتلافي عقابيل فشل التفاوض أو فيتو أميركياً محتملاً.
عاجلاً أم آجلاً، سيتضح فحوى ما يجري منذ شهور في الخفاء، ومهما كان ما سيُتفق عليه فإننا نستطيع أن نتنبأ بأنه سيواجه مشاكل جمة في التطبيق. وهو يشبه من حيث الشكل اتفاقاً مؤقتاً لإطلاق النار لا أكثر، لأنه لن يأخذ مصالح جميع الأطراف المتصادمة والمتعارضة بعين الاعتبار، وهذه مهمة شبه مستحيلة أصلاً في الحالة السورية. وأن تجري المفاوضات بسرّية، لا يعني نجاحها على مبدأ “استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان”. بل إن هذا الاسراف في التكتم ما هو سوى موارة للشك وعدم اليقين، ودفع مسبق لمشاعر الندم الواقع لا محالة عندما يضع المرء ثقته في خائن شعبه.
المدن
——————–
النظام السوري و”الحضن العربي”.. انعطافة وأبواب مشرّعة ومبادرات
رغم أن المسار الذي سلكته دول عربية اتجاه النظام السوري، خلال الأيام الماضية كان متوقعاً، إلا أن الوتيرة المتسارعة التي تكشفت بشكل مفاجئ وبالتدريج لم تكن كذلك، وخاصة بالنسبة لمن كان يستبعد أي نوايا تقارب في المدى المنظور، رابطاً العملية بشروط ومحددات و”إجماع” وحل سياسي وفقاً للقرارات الأممية.
وكانت مسألة عودة “دمشق” أو النظام السوري إلى الحضن العربي قد طرحت قبل الزلزال المدمّر الذي ضرب سورية وتركيا بسنوات وأشهر، وفي أعقاب الكارثة عادت هذه المسألة لتتصدر المشهد السوري، في وقت ترجمت على الواقع بزيارات واتصالات ولقاءات، وتصريحات مستجدة حملّت نفساً مغايراً عن الماضي، ووضعها مراقبون ضمن إطار “دبلوماسية الكوارث”.
وبينما زار وزير الخارجية الإماراتي العاصمة دمشق والتقى بالأسد في الأيام الأولى من الزلزال، وبعده وزير خارجية الأردن، أيمن الصفدي ولأول مرة، أجرى رأس النظام السوري اتصالاً هاتفياً مع نظيره المصري، عبد الفتاح السياسي والعاهل الأردني وزعماء آخرين، وصولاً إلى إقدامه على زيارة سلطنة عمان ومن ثم موسكو وأبو ظبي، كمحطة أخيرة.
وما بين هذه المواقف التي صدّرها النظام السوري على نحو كبير في أعقاب الكارثة لم ينقطع ذكر “عودة سورية إلى الجامعة العربية والحضن العربي”، وخاصة من جانب دولة الإمارات التي توصف بأنها “حاملة راية التطبيع مع الأسد”، فيما بدا موقفها القديم الجديد لافتاً، بعدما انخرطت بشكل كبير بعمليات إرسال المساعدات الإنسانية.
وسرعان ما اتضح مشهد المحيط العربي المرتبط بسورية، بعدما تصدّرت فكرة “العودة إلى الحضن العربي من جديد”، لتطلق تصريحات سعودية ولأول مرة عن ضرورة البحث عن مقاربة جديدة مع النظام السوري، وصولاً إلى التأكيد رسمياً على وجود مباحثات، لفتح أولى أبواب استئناف العلاقات.
ولا يعرف بالتحديد حتى الآن إلى أين ستصل علاقة الدول العربية المستجدة مع النظام السوري، وما الأهداف الأساسية التي تسعى إليها، وما إذا كانت تنطلق في ذلك على شروط وتنازلات، لطالما دار الحديث عنها. وفي غضون ذلك لا يعرف موقف الدول التي تواصل التأكيد على مواقفها السابقة، وما إذا كانت ستنضم إلى الركب أم ستبقى بعيدة ومستقلة.
ويستعرض فريق “السورية.نت” في هذا التقرير أبرز مواقف الدول العربية من النظام السوري خلال السنوات الماضية، وصولاً إلى المسار الذي تسلكه حالياً حيال العلاقة مع نظام الأسد.
“بيدها أبرز المفاتيح”
أبرز الدول العربية التي كان ينظر إلى موقفها من النظام السوري بعين الاهتمام خلال الأيام والسنوات الماضية هي المملكة العربية السعودية، وكثيراً ما وصفت بأنها تمسك بأبرز مفاتيح فتح أبواب إعادة التطبيع مع الأسد.
وبعدما كانت على قطيعة معه استمرت لـ12 عاماً أكد مصدر رسمي في وزارة الخارجية فيها، قبل يومين، وجود مباحثات بين الرياض والنظام، من أجل استئناف الخدمات القنصلية، على أن يتم الانتقال بعد ذلك إلى مرحلة فتح الأجواء أمام الطيران، حسب صحيفة “الشرق الأوسط”.
سحبت الرياض سفيرها لدى دمشق عام 2011، وجمدت علاقاتها الدبلوماسية مع نظام الأسد، على خلفية قمع قواته للمظاهرات الشعبية السلمية، ما خلف أعداداً كبيرة من القتلى والجرحى.
وتبعتها بذلك بقية دول مجلس التعاون الخليجي عام 2012.
لكن ووفقاً لتقارير إعلامية كانت السعودية قد أعادت في مايو/أيار الماضي 2021 فتح قنوات مباشرة مع النظام، بزيارة رئيس جهاز المخابرات السعودي، خالد الحميدان لدمشق، وهو ما نفته الرياض حينها.
وبينما بقيت هذه المعلومات مثار تكهن وشكوك، جاء الإعلان الرسمي عن وجود مباحثات حالية ليؤكد حدوث انعطافة من جانب المملكة، وذلك بعدما مهّد وزير الخارجية، فيصل بن فرحان مراراً عن ضرورة وجود مقاربة لحل الملف السوري، وأنها يجب أن تكون بالحوار مع النظام السوري.
“الإمارات تحمل الراية”
تستحوذ دولة الإمارات على النصيب الأكبر من العلاقة المستجدة عربياً بخصوص النظام السوري، ومع أنها فتحت سفاراتها في دمشق عام 2018، إلا أن تحركاتها خلال الأسابيع الماضية شرعّت الأبواب على نحو أكبر، وحتى أنها “حملت راية التطبيع”.
وكان بشار الأسد قد أجرى زيارة هي الثانية من نوعها إلى أبو ظبي، وسبق ذلك استقباله لوزير خارجية الإمارات في دمشق، لثلاث مرات، آخرها في أعقاب كارثة الزلزال المدمّر.
وأكد رئيس الإمارات، محمد بن زايد، لرئيس النظام السوري، بشار الأسد، بعد استقباله في أبوظبي على ضرورة عودة دمشق “إلى محيطها العربي”، وكتب على “تويتر”: “أجرينا مباحثات إيجابية وبناءة لدعم العلاقات الأخوية وتنميتها”.
ويسود غموض بشأن المسار الذي تمضي من خلاله الإمارات مع النظام السوري، وما إذا كانت خطواتها مرتبطة بباقي الدول العربية، مثل السعودية أو الأردن ومصر، أم أنها تعمل بشكل منفرد ومستقل.
“المبادرات أردنية”
يعتبر الأردن من أبرز الدول التي أصرت في وقت مبكر على ضرورة إعادة فتح العلاقات مع النظام السوري، تمهيداً لعودته إلى الجامعة العربية، فيما اتجه مؤخراً لقيادة فكرة “المبادرة العربية” الخاصة بالملف السوري.
وفي آخر التطورات على هذا الصعيد ناقش وزير الخارجية، أيمن الصفدي مع المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسون “المبادرة”، وأوضح أنها تتمثل بقيام العرب بحوار سياسي مع النظام يستهدف حل “الأزمة” ومعالجة تداعياتها الإنسانية والأمنية والسياسية، بحسب ما نقلت وكالة “عمون”.
وقال الصفدي إن الأمم المتحدة مطلعة على تفاصيل هذه المبادرة، مشيراً إلى استمرار التنسيق مع العرب حول موعد إطلاقها وآليات عملها.
وسبق وأن اعتبر مراقبون أن فرص الحل الخاصة بـ”المبادرة” تبدو ضئيلة في ظل الظروف الحالية على الأرض، حيث تمكنت إيران من بناء إمبراطورية اقتصادية في سورية، وخاصة في الجنوب قائمة على صناعة وتهريب المخدرات.
لكن متغيرات عدة طرأت على المشهد السوري والإقليمي عقب الزلزال الذي ضرب سورية الشهر الماضي، وتجلت من خلال التقارب العربي مع نظام الأسد تحت ذارئع تقديم المساعدات لمتضرري الزلزال.
وكذلك، فإن الإعلان عن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية، قد يسفر عن فتح أبواب عودة العلاقات بين السعودية ونظام الأسد، بحسب محللين.
“انضباط مصري”
في أعقاب كارثة الزلزال كان وزير الخارجية المصري، سامح شكري أبرز المسؤولين العرب الذين وصلوا إلى دمشق للقاء رأس النظام السوري، بشار الأسد.
ورغم أن هذه الخطوة كانت الأولى من نوعها من أكثر من عقد، إلا أن القاهرة لم تتبعها بأي خطوات أو تصريحات أخرى، حتى الآن.
وبدا الموقف المصري، خلال الأيام الماضية وكأنه يسير ضمن “إطار منضبط”، فيما لا يعرف الدور الذي من الممكن أن يلعبه في المرحلة المقبلة.
وكان موقف القاهرة الرسمي الداعم للثورة السورية وقطع العلاقات الدبلوماسية مع نظام الأسد قد تبدل منذ صيف 2013، حيث أطاح الجيش بإدارة محمد مرسي، وأصبح عبد الفتاح السيسي القائد الفعلي لمصر.
وسبق وأن أكد السيسي في 2013 دعم بلاده لقوات الأسد، وقال إن :الأولى لمصر أن تدعم الجيش الوطني في ليبيا وكذلك في سورية وأيضاً العراق، من أجل فرض الأمن في هذه البلدان”.
من جانبه أكد بشار الأسد في مقابلة مع صحيفة “الوطن” شبه الرسمية في نهاية 2016، إن العلاقة مع مصر بدأت تتحسن “بعد زوال حكم الاخوان في مصر، وهي مازالت في طور التحسن”.
ورغم أن مصر كانت ترغب بإعادة نظام الأسد إلى الجامعة العربية، إلا أن ذلك واجهه تعقيدات، حسب ما وصفه وزير الخارجية، سامح شكري، في حديث لصحيفة “الأهرام” المصرية سنة 2021، إذ قال: “إن ما تعرض له الشعب السوري من كوارث ونزوحه خارج سورية، وتفاعلات السياسات الدولية، تضع قيودًا على الحركة الإقليمية تجاه سورية”.
وأضاف أن “الجميع يتعاطف مع سورية كدولة وشعب”، ولكن مسألة عودة العلاقات “أمر فيه بعض التعقيد”.
“قطر تدعم المبادرات”
لم يتغير موقف قطر من النظام خلال السنوات الماضية، بحسب حديث المسؤولين القطريين، على رأسهم وزير الخارجية، والذي سبق وأن تحدث عن الجرائم التي ارتكبها النظام بحق السوريين.
في الوقت الحالي تشير آخر التصريحات الرسمية إلى أن الدوحة “تدعم جميع المبادرات التي تهدف إلى إيجاد سلام شامل في سورية يحقق تطلعات الشعب السوري”.
وقال الناطق باسم الخارجية، ماجد الأنصاري، قبل أيام: إن “دولة قطر منخرطة في العديد من المبادرات والجهود، التي تسعى لحل الأزمة السورية”، مضيفاً أن “هناك اتصالات تجري في هذا الشأن”، وأن بلاده “مع أي جهد سيؤدي إلى تحقيق السلام الشامل في سورية، وحل الأزمة السورية من خلال تطبيق بيان جنيف 1، وتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254”.
وقبل ذلك أكد أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أن قرار استبعاد سورية من جامعة الدول العربية كان لأسبابٍ وجيهة لكنّ تلك الأسباب لم تتغير.
وأعرب عن استعداده “للمشاركة في أي محادثات، في حال كان لدينا عملية سلام حول مستقبل سورية ومطالب شعبها”، متسائلاً ما إذا كان العالم “مُجبراً على قبول رئيس قهر شعبه وارتكب المجازر ضدهم وهجر الملايين كما فعل نظام الأسد في سورية”.
—————————-
سوريا والسعودية: هل عادت عقارب الساعة إلى الوراء؟
رأي القدس
يشكل اتفاق السعودية مع النظام السوري على إعادة فتح سفارتي البلدين، بعد أكثر من عقد على قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما، نقلة دبلوماسية كبيرة يمكن اعتبارها إشارة إلى نهاية مرحلة العزلة المديدة التي تعرّض لها النظام.
كانت العلامة البارزة على بداية تلك المرحلة هي القمة العربية التي عقدت في العاصمة القطرية الدوحة في آذار/ مارس 2013، والتي منحت فيها المعارضة السورية، ممثلة بالائتلاف الوطني، مقعد النظام في الجامعة، وطالب رئيسها حينها، معاذ الخطيب، بمقعد بلاده في الأمم المتحدة، فيما شددت قطر، وقتها، على ضرورة انتقال سلمي للسلطة في سوريا «لا يعيد عقارب الساعة إلى الوراء».
مفيد التذكر أن الجزائر والعراق كانتا الدولتين الوحيدتين اللتين تحفظتا، حينها، على قرارات تلك القمة، فيما نأى لبنان الرسمي بنفسه، وأن القمة طالبت بتأسيس صندوق لدعم القدس، وبعقد قمة عربية مصغّرة لتحقيق المصالحة الفلسطينية.
حافظت الجزائر على الموقف نفسه من النظام، وهو موقف قام، على ما يبدو، على نظرة لدى قادة الجزائر ترى فيما حدث في سوريا عام 2011 أمرا مشابها لما حدث في «العشرية السوداء» (1991 ـ 2002) التي خاض فيها الجيش الجزائري حربا دموية ضد «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» إثر فوزها في الانتخابات البرلمانية، ثم حظرها ومطاردة مؤيديها.
انضمّ إلى الجزائر (والعراق ولبنان طبعا) في مسألة إعادة التطبيع مع النظام السوري حليف غير متوقع هو الإمارات، التي اقتربت خطابيا ودبلوماسيا من مواقف السعودية وقطر المنددة بوحشية النظام ضد مواطنيه، لكنّها حافظت على علاقات مع أقطاب النظام السوري، وكان للأمر جانبان، الأول هو عداء أبو ظبي المبدئي لأي تيارات ذات صبغة إسلامية (وهو اللون الذي طغى لاحقا على المعارضة السورية) والثاني هو مبدأ البراغماتية الماليّة التي تميّز البلاد، والتي تجد صيغا للاستفادة من دخول المال السياسي، الذي يتحرّك مع حقائب أبناء العائلات الحاكمة (كما حصل في استقبال أخت رئيس النظام السوري) ونظرائهم ممن كانت المناصب الكبيرة فرصتهم لجمع الثروات وتهريبها.
ضمن الحسابات التي قدّمها احتمال تدخّل غربيّ لتغيير النظام، شاركت أبو ظبي في دعم بعض فصائل المعارضة السورية المعتدلة، كما شاركت في دعم وتدريب «قوات سوريا الديمقراطية» التي يديرها حزب العمال الكردستاني، ثم بدأت عمليا في بلورة موقف جديد يقوم على ضرورة عودة العلاقات مع النظام، حيث انتقد وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، في ذلك العام قرار تعليق عضوية النظام في الجامعة، وأعادت فتح سفارتها هناك، كما بدأت التوسط مع السعودية لإعادة العلاقات أيضا.
يمكن اعتبار الموقف السعودي نتاجا للتغيّر العام الذي طرأ على المنطقة عموما، لكنّ قراءة أدق للحدث تشير إلى أن هناك خلفيّات أخرى يجب أخذها في الحساب. يشير تأخر إعلان إعادة العلاقات بين السعودية والنظام السوري إلى أن القرار خضع لاعتبارات سعودية وليس نتيجة للوساطة الإماراتية، فهو يبدو استكمالا للاختراق المفاجئ الذي مثّله الاتفاق السعودي ـ الإيراني، كما أنه جاء، على ما يظهر، نتيجة استجابة النظام السوري لمطالب سعودية محددة، والأغلب أن الرياض تلقّت التطمينات المطلوبة خلال الزيارة السرية التي قيل إن رئيس لجنة المخابرات السورية، حسام لوقا، قام بها للرياض، وأن المحادثات شملت موضوع الأمن على الحدود السورية مع الأردن، وقضايا تهريب الكبتاغون والسلاح من سوريا إلى الأردن ثم السعودية ودول الخليج.
لا يمكن قراءة التطبيع مع إيران والنظام السوري أيضا من دون استيعاب رغبة الرياض في إعلان تمايز عن الموقف الأمريكي، الذي يطالب الدول العربية بالتشدد مع الحكومتين المذكورتين، بعد أن كانت السعودية قد شهدت أشكالا من التخلّي عنها في عدة لحظات خطيرة من الصراع مع طهران والحوثيين في اليمن.
من غير الصعب على الدول العربية عموما، والسعودية خصوصا، تجاهل النقص الشديد في مصداقية النظام السوري، أو قدرته على امتلاك قراره حتى، وسواء حصل تسليم مقعد سوريا في الجامعة العربية للنظام قريبا، أم لم يحصل، فإن نظاما أثبت مئات المرات أنه يكره شعبه، ولا يحترم العرب، هو نظام لا يغيّر طبعه حتى لو تغيّر الآخرون.
القدس العربي
————————-
لماذا اشتعلت الجبهات بعد التقارب السعودي ـ الإيراني؟
رأي القدس
تعرّضت قاعدة عسكرية أمريكية في سوريا، أمس الجمعة، إلى هجومين بالطائرات المسيّرة والصواريخ، قتل في أحدهما متعاقد أمريكي وأصيب خمسة جنود، ورد الجيش الأمريكي على ذلك بهجمات جوية طالت عدة مواقع شرق سوريا ميليشيات موالية لإيران قتلت 14 مسلحا أكّدت قناة إيرانية أن ليس بين القتلى إيرانيون.
قبلها بأيام وقع حادث في مجدو، شمال فلسطين، أدى إلى إصابة عدة جنود إسرائيليين، وألقى زعيم «حزب الله» اللبناني، حسن نصر الله، كلمة يقول فيها إنه إذا كان حزبه «مسؤولا عن العملية فهو ليس خائفا من الذهاب إلى المعركة» وأكد أنه أي اعتداء إسرائيلي على لبنان ستقابله المقاومة «بالرد القاطع والسريع».
ذكّر نصر الله، في كلمته بموقف الحزب ضد «العدوان على اليمن» وأشار بشكل مبطّن إلى الاتفاق السعودي ـ الإيراني بالقول إنه «بسبب العوامل الإقليمية قد يتم التوصل إلى حل (…) ينهي العدوان والحصار» و«يعيد اليمن إلى الشعب اليمني» لكن اللافت للنظر أن اليمن شهد بدوره تصعيدا كبيرا حيث قتل عشرة جنود يمنيين، مساء الثلاثاء الماضي، وقام الحوثيون في الأيام الأخيرة، حسب الأنباء، بالدفع بتعزيزات إلى جبهات مأرب التي يحاولون السيطرة عليها منذ سنوات.
يقدم تصريح لمارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، الخميس الماضي، منحى آخر لتصعيد إقليمي يتجاوز التوتّرات على «الجبهات الخلفية» لإيران، بتأكيده على أن لدى طهران القدرة على تصنيع سلاح نووي خلال أشهر، وأنها تمتلك أكبر ترسانة صواريخ في الشرق الأوسط تضم «آلاف الصواريخ الباليستية».
هناك إشارتان مهمتان في تصريحات ميلي، الأولى تحذيره من أن امتلاك طهران لسلاح نووي «سيغير الشرق الأوسط إلى الأبد» والثانية أن واشنطن «تعمل مع شركاء إقليميين لمواجهة ذلك». تبدو الإشارة الأولى موجهة إلى السعودية وشركائها في مجلس التعاون الخليجي، والواضح أن الإشارة الثانية تشير إلى إسرائيل وحدها، فالاتفاق السعودي ـ الإيراني، وقبله التفاهمات الإماراتية مع طهران، والعلاقات الجيدة للجمهورية الإسلامية مع كل من قطر وعُمان، كلّها علامات على أن دول الخليج تريد النأي بنفسها عن أكلاف مواجهة عسكرية إسرائيلية مباشرة مع إيران.
صدى هذا التصريح ظهر في تصريحات تناقلتها وكالات الأنباء ونسبت إلى مسؤول إسرائيلي كبير قال فيها إن حكومته أبلغت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، والعديد من الدول الأوروبية، أنه سيتم ضرب إيران «إذا قامت بتخصيب اليورانيوم فوق مستوى ستين في المئة» وكذلك تصريحات لمسؤولين آخرين قالا إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن يوآف غالانت، طلبا من وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، خلال زيارته الأخيرة لإسرائيل الإسراع في تسليم طائرات اشترتها من أمريكا تستخدم لتزويد المقاتلات الحربية بالوقود، استعدادا لضربة عسكرية محتملة لإيران.
ما تؤكده التصريحات الأمريكية والإسرائيلية هو أن مشروع إدارة بايدن لتشكيل تحالف عربي ـ إسرائيلي لضرب إيران، لم يفشل فحسب، بل إن الدول العربية، وعلى رأسها السعودية، قد خطت خطوات واسعة بعيدا عن هذا الحلف، سواء عبر إعطاء الصين هدية دبلوماسية كبرى باعتمادها وسيطة للتقارب السعودي ـ الإيراني، أو عبر تقاربها الكبير مع روسيا، سواء في موضوع رفع أسعار النفط، أو عبر مواقفها السياسية من النزاع الأوكراني، والعلاقة الوثيقة بين وليّ العهد السعودي والرئيس الروسي.
ما يمكن استخلاصه من هذه الأحداث هو وجود اصطراع بين الأسباب البعيدة والقريبة، التي تقف وراء اتفاقيات التقارب الأخيرة بين السعودية وكل من إيران وسوريا.
رغم الطموحات المرتفعة بإحداث تسويات مؤقتة، في اليمن أو لبنان مثلا، فإن طبيعة الصراعات الكبرى التي تحفل بها المنطقة، تجعل من تلك الاتفاقات، والتسويات، زراعة في رمال السياسة المتحركة دائما.
تكتسب التحركات العربية والإقليمية والدولية أشكالا من المفارقات الحادة، حيث يتزامن التطبيع مع إسرائيل، مع الهجمات الوحشية المستمرة على الفلسطينيين، ويتناظر التصدّع السياسي والأهلي الداخلي الإسرائيلي، مع خطط ضرب إيران، وتتزامن التفاهمات والتقاربات مع طهران والنظام السوري، مع اشتعال الجبهات في اليمن، وارتفاع تصريحات التصعيد في لبنان، وتستمر المواجهات الأمريكية والإسرائيلية مع طهران، والميليشيات العراقية الموالية لها، على الأرض السورية، فيما يدعو رئيس النظام السوري لمزيد من القوات الروسية للبقاء إلى الأبد في بلاده!
القدس العربي
———————–
طريق التطبيع العربي مع الأسد معبّد بـ«الـبراميل»!/ وائل عصام
الدول نفسها التي دعمت تسليح المعارضة السورية، وناصرت الثورة السورية لسنوات في وجه نظام بشار الأسد، تقود اليوم مسيرة تطبيع العلاقات معه، ومع راعيته الإقليمية إيران وعرابه الدولي روسيا، رغم اعتراض من واشنطن، التي تعلن لليوم أنها تعارض مسار التسوية مع الأسد، لكن حلفاءها العرب الذين عملوا لسنوات لدعم ثورة شعبية جارفة مسنودة بتمرد مسلح ضد بشار الأسد، اختاروا مسارا متناغما مع المحور الروسي الإيراني المناوئ للولايات المتحدة في المنطقة، بعد أن أيقنوا أن أمريكا التي كانت قطبا أوحد في هذا العالم، وقوة نافذة في الشرق الأوسط، فقدت معظم أوراقها وخسرت نفوذها لصالح المعسكر المناهض للغرب، وباتت عواصم مركزية تحت قبضة البيت الشيعي الصاعد في المشرق العربي.
التطبيع مع دمشق حصل عليه الأسد بعد طريق طويل، لم يكن معبدا بالورود، بل بالبراميل، مارس النظام السوري أقصى ما يمكنه من وحشية لضمان انتصاره في الحرب، متربعا على أنقاض شعبه، لكن هذا الانتصار الدامي لم يكن ليمنحه شرعية كاملة، من دون الاعتراف الرسمي العربي به ، متوجا فوق ركام المدن السورية الثائرة، ولكن الحقيقة ان كل ما حصل عليه الأسد كان بفضل لغة القوة الدامية التي استخدمها مع حلفائه، لانتزاع اعتراف بهم كأسياد المشرق العربي بعد احتلال العراق 2003، وحتى قبل موجة التطبيع الأخيرة معه، كان الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا مناسبة للتساؤل عن السبب الذي دفع دول العالم لإرسال مساعدات للأسد دون المعارضة السورية، التي تسيطر على نسبة من الأراضي الأكثر تضررا، التي تعرضت للدمار بفعل الزلزال، كما هي كذلك الأكثر تضررا بفعل براميل النظام السوري قبل الزلزال، وقال البعض إن الزلزال منح الأسد فرصة كبيرة للتطبيع والعودة للأسرة الدولية.
في الحقيقة لم يكن الزلزال سوى مناسبة لإظهار طبيعة نظرة القوى الدولية في سوريا بعد 12 سنة من الثورة السورية، وبعد نحو 7 سنوات من سيطرة النظام وحلفائه على حلب كبرى المدن السورية في الشمال السوري وعاصمة الاقتصاد، وتبعتها سلسلة تقدم استعاد فيها النظام مساحات واسعة من الأرياف السورية، عدا عن سيطرته قبل التدخل الروسي على معظم مراكز المحافظات، وعقد المواصلات بينها، ولسنوات لاحقة تراجع الدعم الدولي للمعارضة المسلحة وتركز لصالح القوى الكردية المعارضة المسلحة، وبات الأسد يسيطر على معظم الأرياف التي كانت خارج سيطرته، عدا عن المدن المركزية ، ولم يعد للمعارضة السورية وجود على أرض الواقع السوري، لذلك فإن الزلزال لم يكن هو من منح الأسد هذه الفرصة في الحصول على الدعم الدولي للمساعدات، بل واقع تماسك نظامه وحلفائه من بعده وفرضهم لأنفسهم كأمر واقع أمام القوى الدولية، وبمنطق «شرعية القوة» وليس «قوة الشرعية»، إلا أن القوى الدولية وعلى رأسها واشنطن لم تصل لمرحلة الهرولة للتطبيع معه، كما فعلت الدول العربية الداعمة سابقا للثورة السورية، فقد ذهبت هذه الأخيرة في مسار منح الشرعية لنظام الأسد، واعترفت بخسارة مراهناتها على إسقاطه، وجاء تطبيع الرياض معه لاحقا لاتفاقية تعاون مع طهران، راعية المحور الذي لطالما ناصبته الرياض العداء، لكن من دون حسم مواجهته عسكريا أو سياسيا، لا في سوريا ولا في اليمن!
كاتب فلسطيني
القدس العربي
————————
تركياـ سوريا: حب بالإكراه بعد قرن جفاء/ رياض معسعس
في موقف أحرج القيادة التركية وجعلها تلتزم الصمت عن التعليق، أو اتخاذ أي موقف واضح، صرح رئيس النظام السوري أن لقاءه الذي كان مزمعا عقده مع الرئيس التركي رجب طيب أرودغان (بعد لقاءات تمهيدية بين نواب وزراء خارجية تركيا، وروسيا، وإيران، والنظام السوري، ثم لقاء وزراء الخارجية الذين سيحددون موعد اللقاء) لن يعقد حتى تحصل دمشق على الضمانات، ومنها جدولة انسحاب القوات التركية من سوريا، وقال الأسد: “إذا تحققت الشروط وهي الانسحاب قد يكون هناك لقاء اليوم، أو ربما غداً، فالتوقيت ليس مشكلة، لكن اللقاء لن يكون قبل تحقق الشروط” معتبراً أن “هدف أردوغان (من التقارب) هو الانتخابات الرئاسية. أما في سوريا فالأولوية هي انسحاب القوات التركية”.
التطورات الأخيرة
ويبدو أن هذا الموقف الذي جاء مفاجئا خلال لقاء الأسد بالرئيس فلاديمير بوتين الأخير في موسكو جاء على ضوء التطورات الأخيرة التي وقعت في سوريا وتركيا بعد الزلزال المدمر، الذي أعطى لبشار الأسد جرعة أوكسجين بانفتاح دول عربية على النظام، ووصول المساعدات الدولية من ناحية، والمراهنة ربما على سقوط أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقبلة التي ستجري في أيار/مايو المقبل، بعد اتفاق تحالف المعارضة التركية على ترشيح كمال كليتشدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، مرشحا في الانتخابات الرئاسية.
وفي حال تغير القيادة التركية فإن كثيرا من الأمور ستطرأ عليها تغيرات حسب تطلعات المعارضة التركية وبرامجها الانتخابية، خاصة في ما يتعلق في العلاقات مع النظام السوري، ومسألة اللاجئين السوريين في تركيا، وهذا ما يراهن عليه الأسد، فالمسألة لا تتطلب سوى صبر شهرين لتحديد المواقف بوضوح أكبر، فالأسد يفضل من ناحيته التعامل مع كليتشدار، عن أن يقابل أردوغان الذي دعم المعارضة السورية، ودعا لإسقاط النظام، وكان يصفه بـ”إرهابي”، وقال “إن من المستحيل مواصلة مساعي السلام السورية في وجوده.. نحن لا نعتبر مطلقاً أن قتل الشعب السوري بالدبابات والمدافع عملٌ إنسانيّ، ووجه كلامه للأسد قائلا: “تستطيع أن تبقى في السلطة بالدبابات والمدافع فقط لفترة معينة ليس إلا، وسيأتي اليوم الذي سترحل فيه أنت أيضاً”. بينما تتخذ المعارضة التركية موقفا يتوافق مع تطلعات الأسد، فحسب “صحيفة تركيا” فإن حزب الشعب الجمهوري بعث رسالة لرئيس النظام السوري يقول فيها: “في ظل حكمنا، ستتم تلبية جميع مطالب الإدارة السورية، بما في ذلك التعويض، ونتعهد بسحب جميع القوات من الأراضي السورية بما في ذلك إدلب”. ومن المعروف أن العلاقات التركية السورية لم تكن يوما ودية، وكادت أن تصل أكثر من مرة إلى حد المواجهات العسكرية.
قرن من التقلبات
لم يتوقع المماليك الذين كانوا يسيطرون على سوريا، أن فتح القسطنطينية على يد محمد الفاتح عام 1453، أن السلطان سليم الأول سيهزم جيش قنصوة الغوري من دون قتال في معركة مرج دابق في عام 1516، لتصبح سوريا (الكبرى) تحت جناح السلطنة العثمانية، وتستمر في سيطرتها لغاية سقوط السلطان عبد الحميد الثاني (آخر السلاطين الشرعيين) قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى. وبعد قيام مصطفى كمال (أتاتورك) بتأسيس الجمهورية وإنهاء الخلافة، لم ينس خيانة العرب لتركيا، خاصة سوريا التي انضمت إلى قوات الشريف حسين الذي أعلن الحرب على السلطنة بالتحاقه بجيوش الحلفاء، بعد وعود خلبية من بريطانيا بتأسيس مملكة عربية بقيادته. وكان لقرار فرنسا، التي سيطرت على سوريا بصك انتداب من عصبة الأمم، بسلخ لواء اسكندرون من سوريا، وإلحاقه بتركيا في عام 1939 مقابل عدم مشاركتها في الحرب العالمية الثانية إلى جانب ألمانيا، كما فعلت الحرب العالمية الأولى، أكبر الأثر في تدهور العلاقات بين سوريا وتركيا، خاصة بعد الاستقلال عام 1946. إذ كانت الحكومات المتعاقبة في سوريا تحيي سنويا ذكرى سلب اللواء، وتطالب بتحريره من الاستعمار التركي. وازدادت حدة التوتر بين البلدين في عام 1949 بعد اعتراف تركيا كأول دولة مسلمة، بدولة إسرائيل، وبنت معها علاقات وطيدة على مستويات مختلفة، خاصة الأمنية والعسكرية، التي أقلقت الحكومات السورية. وتدهورت العلاقات أكثر بانضمام تركيا إلى “حلف بغداد” المعادي لمصر الذي كانت تقوده بريطانيا في عهد الوحدة المصرية السورية (1958ـ1961).
وتفاقمت الأزمة أكثر مع انقلاب حزب البعث في آذار/مارس 1963، على خلفية اقتسام مياه نهر الفرات، بعد أن بنت تركيا سدودا عديدة عليه وانخفاض منسوب المياه في سوريا، ثم استيلاء حافظ الأسد على السلطة في سوريا واتخاذ موقف معاد صريح مع تركيا، بعد أن سمح لحزب العمال الكردستاني (بي كي كي) المصنف إرهابيا في تركيا وزعيمه عبد الله أوجلان بدخول سوريا وتسهيل بناء معسكرات تدريب لأعضائه، وقد استمرت إقامة أوجلان في دمشق والبقاع اللبناني الذي كان تحت سيطرة سوريا من عام 1979 ولغاية 1999، واضطر الأسد بعد تهديد تركيا بحرب شعواء ضد النظام السوري إلى إخراج أوجلان من سوريا، وتم اعتقاله وأودع في السجن في تركيا، وكان هذا بموجب اتفاقية أضنة، التي تم توقيعها بين تركيا وسوريا في 20 تشرين الأول/أكتوبر (وبقيت طي الكتمان وأفشى سرها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد اندلاع الثورة السورية) التي تنص على: تطبيع العلاقات بين البلدين، والتزام سوريا على أساس مبدأ المعاملة بالمثل، بعدم السماح بأي نشاط ينطلق من أراضيها بهدف الإضرار بأمن واستقرار تركيا، ولا تسمح سوريا بتوريد الأسلحة والمواد اللوجستية والدعم المالي والترويجي لأنشطة حزب العمال الكردستاني على أراضيها، ولا تسمح لأعضائه باستخدام أراضيها للعبور إلى دولة ثالثة. وأن الخلافات الحدودية بين الطرفين تعتبر منتهية، (أي لا مطالبة بلواء اسكندرون بعد اليوم). وهذه النقطة تحديدا ما أراد حافظ الأسد ووريثه بشار أن تبقى طي الكتمان على الشعب السوري، الذي تفاجأ أن ذكرى لواء اسكندرون ألغيت من أجندة النظام البعثي ـ الأسدي، (كالجولان السوري المحتل من قبل إسرائيل الذي لم نعد نسمع أي تصريح بالمطالبة به بعد فضيحة تسليمه في حرب 67 من دون قتال.) وجاء في بند أخير في الاتفاقية إن أي إخفاق من الجانب السوري في اتخاذ التدابير والواجبات الأمنية، المنصوص عليها في هذا الاتفاق، يعطي تركيا الحق في اتخاذ جميع الإجراءات الأمنية اللازمة داخل الأراضي السورية بعمق 5 كم. وهذا ما تستند إليه تركيا في وجود قواتها على الأرض السورية، وعلى اتفاق سوتشي المبرم في عام 2019 مع روسيا وإيران، بالسماح لتركيا بالتوغل في الأراضي السورية بعمق 30 كم على طول الحدود السورية التركية. واليوم فإن أردوغان الذي ينوي تطبيع علاقاته مع الأسد يعول على التزام النظام السوري بإنهاء قوات قسد وعودة قواته في السيطرة على مناطق الحكم الذاتي التي توجد فيها قوات أمريكية، وهذه معضلة أخرى يصطدم فيها الجانبان حتى لو تحقق الحب بالإكراه.
*
كاتب سوري
القدس العربي
—————————
الأسد يشكل فريقاً للبنان: “نوستالجيا” الوصاية وأحلام النفوذ/ منير الربيع
تحاول قوى الثامن من آذار والفريق الداعم لترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية تعزيز رجحان ميزانها، بالاستناد إلى ما يحكى عن تطورات على خطً العلاقات بين دول خليجية وسوريا. وآخرها ما جرى تسريبه عن معطيات حول إعادة فتح السفارات بين البلدين. إلا أن مصادر متابعة تكشف أن ما تم التوصل إليه، يتعلق بإعادة فتح مكاتب تمثيلية في القنصليات، لتسهيل شؤون المواطنين ومواكبة موسم الحج.
اختبار المخدرات
لا شك أن هذا يمثل تطوراً في العلاقة، ويؤشر إلى وجود مسار سياسي مفتوح. وتشير المصادر المتابعة إلى أن هذا المسار لا يزال عند الشروط الواضحة التي كانت “المدن” أول من نشرها قبل فترة، تحت عنوان: “عشرة شروط سعودية للأسد”. وتؤكد المعلومات، أن خطوة الاتفاق على فتح القنصليات جاءت بعد لقاءات عديدة حصلت بين مسؤولين سوريين وسعوديين في الفترة الأخيرة. كما تكشف مصادر متابعة أن إيران كانت مطلعة ومشاركة في جزء منها.
وتضيف المصادر المتابعة، أن هذا التطور يندرج في سياق الاختبار أيضاً لتعهدات قدمها النظام السوري بوقف ومنع تهريب المخدرات إلى الأردن، ومنه إلى الدول العربية ولا سيما السعودية. وتؤكد المصادر أن مسألة عودة العلاقات السياسية بشكل كامل لا تزال معقدة، وهي لا بد أن تمر من الاتفاق على حلّ سياسي للأزمة السورية. وتفيد المصادر أن هناك توافقاً سعودياً قطرياً حول هذا الأمر وكذلك مع الدول العربية الأخرى. وحتى خلال زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى الإمارات، كان رئيس دولة الإمارات واضحاً في موقفه حول ضرورة حلّ الأزمة ومعالجة ملف اللاجئين وعودتهم. وتشدد المصادر المتابعة أن أي حل لا بد له أن يكون منسجماً مع بيان اجتماع مجلس التعاون الخليجي، الذي نص على ضرورة إيجاد حلّ سياسي وفق القرارات الدولية والذهاب إلى مرحلة إنتقالية.
هنا تعتبر المصادر أن ما يجري هو جزء من عودة السعودية إلى المسرح السوري عبر هذه البوابة والتي ستكون بحاجة إلى مسار طويل.
في هذا السياق، لا تزال الرهانات لدى أطراف لبنانية قائمة على انعكاس هذه التطورات على الواقع الداخلي وخصوصاً انتخابات رئاسة الجمهورية، وهنا تبرز مواقف لأربع قوى داخلية وخارجية تدعم بمواقفها ترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية. داخلياً، فإن المعركة فتحها رئيس مجلس النواب نبيه برّي، ودعمها ودفعها أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله. أما خارجياً، فإن الموقف الفرنسي يمثّل دفعاً قوياً لصالح موقف الثنائي الشيعي، فيما الطرف الرابع، على حدّ قول قوى الثامن من آذار، هو الرئيس السوري بشار الأسد، نظراً للعلاقة التاريخية والشخصية والثقة المطلقة برئيس تيار المردة.
أسباب برّي الكثيرة
لكل طرف من هذه الأطراف مقاربته، وخلفيته في دعم فرنجية رئاسياً.
لرئيس مجلس النواب مواقف معلنة ومعروفة، تتعلق بتمسك فرنجية باتفاق الطائف، وبأنه عروبي قادر على تحسين العلاقات داخلياً وخارجياً، وقادر على الجمع بدلاً من التفريق، وقادر على التخفيف من حدة التوتر السياسي والطائفي في البلاد. ولذلك، يخوض برّي معركة رئيس تيار المردة، ويقول إنه لا يريد الذهاب إلى أي تسوية من دون الاتفاق مع السعودية، ومن دون رضاها، على الرغم من إشارته إلى عدم الاتفاق مع السفير السعودي وليد البخاري حول المقاربة الرئاسية. كلام بري يؤكد ما كانت قد نشرته “المدن” عن اللقاء بين رئيس المجلس والسفير السعودي تحت عنوان: “برّي للبخاري: لا أرضى بتسوية بلا موافقة سعودية”. خصوم رئيس المجلس يعتبرون أن تمسكه بفرنجية له مجموعة أسباب. أولها، مفعول رجعي لترشيح العام 2015. وثانيها، لإعادة تثبيت آلية تكوين السلطة، وثالثها، تثبيت خطّ الدفاع عن المنظومة كردّ على كل الهجمات التي تعرض لها رئيس حركة أمل.
حسابات حزب الله
أما لدى حزب الله، فهناك حسابات أخرى، أهمها ما قاله نصرالله علانية بأن الحزب لا يريد رئيساً يطعن ظهر المقاومة. وهذا يعني أن الحزب لا يريد تكرار تجربة الرئيس ميشال سليمان. كما أن الحزب لديه علاقة تحالفية مبنية على الثقة مع فرنجية. وبالتالي، هو لا يريد تقديم أي تنازل في هذا المجال، لا سيما أن كل المكاسب التي حققها سابقاً في المنطقة وفي لبنان لن يكون من السهل التخلي عنها.
كذلك، يعتبر الحزب أن له حصة أساسية في عملية تكوين السلطة. وبالتالي، لا يمكن له الموافقة على مجيء رئيس للجمهورية يتعارض مع توجهاته أو لا يكون حاملاً لضمانة. لذا، يخوض نصرالله معركته على قاعدة ضرورة حلّ الأزمة الرئاسية داخلياً، وعدم الرهان على الخارج. ولذلك هو يؤكد أن الاتفاق السعودي الإيراني لم يأت على مناقشة الملف اللبناني. يحاول بذلك أن يتحكم بقواعد اللعبة داخلياً، على قاعدة الأخذ والعطاء. وهو لا يزال يخوض هذه المعركة بهدوء وواقعية، منذ ما قبل الإعلان عن الاتفاق وإلى ما بعده، على قاعدة ضرورة التحاور والتفاهم الداخلي. فبذلك يحاول قطع الطريق على أي متغير خارجي. على الرغم من إدراك الحزب لمسألتين أساسيتين، الأولى صعوبة وصول فرنجية، والثانية الموقف السعودي في رفض وصوله. وهو ما أدى إلى خلاف سعودي فرنسي.
مقايضات فرنسا
فرنسياً، فإن الأسباب التي تدفع باريس إلى الاستمرار في تبني خيار رئيس تيار المردة أصبحت معروفة. منها ما له علاقة سياسياً بحرص باريس على التواصل مع كل القوى، وإنتاج تسوية متوازنة على قاعدة المقايضة. وبعضها الآخر امتدادات داخلية وخارجية لهذا الموقف، ربطاً بمصالح داخل لبنان وامتداداً إلى سوريا مستقبلاً. ولا يزال الموقف الفرنسي مستمراً على حاله بعد الإعلان عن الاتفاق السعودي الإيراني.
موقف سوريا
بقي موقف الطرف الرابع، والذي يبدو أنه ذات أهمية كبرى بالنسبة إلى قوى الثامن من آذار وإلى فرنجية بالذات، وهو موقف سوريا من هذه المسألة. قراءة الطالع تقود إلى أن ارتياح فرنجية وفريقه لمسار الأمور، يرتبط بالتطورات الحاصلة تجاه سوريا، تحت سقف الاتفاق السعودي الإيراني، وإنطلاقاً من الرهان على تغير الأحوال وانقلاب الأوضاع في المنطقة، من خلال الانفتاح العربي ولا سيما الخليجي على دمشق، وباعتبار أن هذا الامر سيصب في صالح فرنجية. خصوصاً أن العرب العائدين إلى الشام يريدون تسليف مواقف ومكاسب سياسية للنظام السوري. وهو أمر يخالفه خصوم دمشق وخصوم فرنجية.
بالاستناد إلى هذه القراءة، فإن مبعث الإطمئنان يعود إلى جملة مواقف- حسب ما يعتبر المؤيدون لفرنجية- منها أن روسيا تؤيد انتخابه، وكذلك إيران وبطبيعة الحال النظام السوري. ويعول هؤلاء على أدوار سيلعبها الأسد في ضوء تطورات علاقاته العربية والخليجية. لا سيما بعد زيارته إلى سلطنة عمان وإلى دولة الإمارات، كما بعد زيارته إلى روسيا. ولا ينفصل ذلك عن الحديث المتكاثر حول التطورات في العلاقات السعودية السورية.
دفع ثمن أم تلقي هدايا
يعزز هؤلاء وجهة نظرهم بما ينقلونه عن اهتمام الأسد الشخصي بمتابعة الملف اللبناني ومواكبته بشكل تفصيلي. كما يستندون على ما ينقل عن تشكيل الأسد لفريق عمل ثلاثي لمواكبة الملف اللبناني واتخاذ القرار بشأنه. إذ أن الأسد كلف إلى جانب اللواء علي مملوك في متابعة ملف لبنان السفير السابق علي عبد الكريم علي، والمستشارة الرئاسية بثينة شعبان. يشبه فريق العمل هذا بفريق العمل السابق الذي كان يدير الملف اللبناني أيام الوصاية السورية، والذي كان يضم غازي كنعان، اللواء حكمت الشهابي ونائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام.
ولكن بخلاف وجهة النظر هذه، هناك من يعتبر أن سعي الأسد لتطبيع علاقاته الثنائية مع دول عربية أو للعودة إلى الجامعة العربية، لا بد له أن ينطوي على دفع ثمن سياسي وليس تقاضي الأثمان أو الهدايا. هنا، يراهن هؤلاء على أن الأسد قد يطلب من فرنجية بدافع العلاقة الشخصية أن ينسحب من السباق الرئاسي. في كل الأحوال تبقى كل هذه القراءات والمواقف تنطوي على مزيج من القراءة السياسية والتمنيات. فيما المخرج الرئاسي لا بد له أن يتوفر من مسألتين. نجاح بكركي بالقدرة على الخروج بموقف مسيحي داعم لشخصية معينة يمكن للآخرين أن يوافقوا عليها. أو حصول تطورات خارجية تدفع الساحة الداخلية إلى السير بشكل جدي نحو إنتاج تسوية. في كل الحالات، فهذا سيكون بحاجة إلى توافق مع حزب الله وحركة أمل، سواء كان على فرنجية أو غيره.
المدن
————————
عشرة شروط سعودية للأسد.. ولبنان يرتبط بالمسار الإقليمي/ منير الربيع
تختلط القراءات اللبنانية والتفسيرات لكل التطورات الحاصلة في المنطقة، وفي مقدمتها تكاثر الحديث عن تفاوض بين المملكة العربية السعودية على المستوى الأمني مع النظام السوري. ويأتي هذا التفاوض بعدما أعلن وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، أن هناك إجماعاً عربياً ودولياً على عدم ترك الوضع في سوريا على حاله. في موازاة ذلك، تستمر المساعي الإيرانية للتقارب أكثر مع السعودية وإعادة العلاقات الديبلوماسية. وغالباً ما يردف ذلك بمواقف لإيرانيين ولحزب الله بأن ما تريده السعودية هو الوصول إلى حلّ للأزمة اليمنية، والتي ستكون مفتاحاً لحلّ أزمات المنطقة الأخرى، أو لانفراجات في ساحات مختلفة. انطلاقاً من هنا، يسارع اللبنانيون إلى قراءة كل تلك التطورات بالاستناد إلى أي تطور قد يحصل على الساحة السورية.
التآمر على السعودية
في السياق، جاءت المسارعة اللبنانية بالتوجه إلى دمشق وتطبيع العلاقات أيضاً، وصولاً إلى كلام أطلقه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، حول تمنيه بتحسّن الوضع في سوريا. وما قاله ميقاتي أيضاً هو ما نقله عن لسان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ويتضمن بوضوح ربط الملف اللبناني بالملف اليمني. إذ كشف ميقاتي ما سمعه من بن سلمان: “هناك فريق في لبنان يتآمر على المملكة العربية السعودية، ولن نقدّم أي مساعدة للدولة اللبنانية طالما أنّ حزب الله يتآمر علينا، ويقدّم مساعدات عسكرية لمن يقاتلنا في اليمن”.
بناء على هذه الصورة، ستتوسع القراءات اللبنانية، خصوصاً بعد زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى سلطنة عمان، والحديث عن إجرائه زيارة أخرى إلى دولة الإمارات. وهذا يأتي في ظل استمرار التفاوض الأمني السعودي السوري، فيما يقول متابعون إن هذا التفاوض يفترض أن يتطور إلى المستوى السياسي، بقدر ما يستجيب النظام السوري إلى الشروط السعودية.
عشرة شروط
وحسب ما تقول المعلومات فإنه المطلوب من بشار الأسد التوقيع على اتفاق مكتوب، يتضمن أكثر من عشر نقاط. هذا النوع من التفاوض معه يشبه إلى حدود بعيدة التفاوض السعودي مع الملف اللبناني والشروط العشرة التي وردت في الورقة الكويتية. ومن بين الشروط المفروضة على الأسد للانتقال إلى التفاوض السياسي: “إطلاق سراح عشرات المعتقلين بما فيهم المعتقلين السياسيين، التفاوض الجدي مع المعارضة، تمهيداً للوصول إلى اتفاق سياسي بموجب القرار 2254، أي الذهاب إلى تعديل دستوري واسع يتضمن تشكيل هيئة انتقالية، عدم التوقيع على المزيد من الاتفاقات الإستراتيجية، اقتصادياً وعقارياً مع إيران، اتخاذ إجراءات جدية على الحدود السورية الأردنية وإبعاد القوات الإيرانية من تلك المنطقة، الكشف عن معامل تصنيع الكبتاغون وآليات تهريبها وتصديرها إلى الدول العربية، والتفاوض على دخول قوات عربية إلى سوريا تسهم في ضبط الحدود، وتأمين مناطق آمنة حقيقية بإشراف عربي ودولي، لإعادة اللاجئين إلى مدنهم ومناطقهم”.
ترابط سوري- لبناني
بالاستناد إلى هذه الشروط، يظهر الترابط بين الملفين السوري واللبناني، كما هو الحال بالنسبة إلى ربط الملف اللبناني بالملف اليمني، بناء على كلام ميقاتي أو على تصريحات أخرى يقولها مسؤولون في حزب الله.
وهنا، يعتبر هؤلاء، لا سيما بعض المقربين من النظام السوري أو من الحزب، أن السعودية تبدي اهتماماً أساسياً في الوصول إلى حلّ لليمن، كجزء من الأمن القومي السعودي. ويراهن هؤلاء على أنه في حال حققت السعودية ما تريد في اليمن، يمكنها أن تقدم تنازلات في سوريا أو لبنان، سواء من خلال التفاوض مع دمشق للعودة إلى المسرح السوري، أو في لبنان من خلال الوصول إلى تسوية رئاسية تتوفر فيها معايير الواقعية السياسية، أي أن يكون التعاطي واقعياً مع حزب الله، من خلال تحييد مسألة الصدام معه وتحييد مسألة سلاحه وتطبيق القرارات الدولية، مقابل البحث عن معالجات سياسية واقتصادية، بالإضافة إلى ضبط الحدود والتهريب، على أن يستفيد لبنان من هذه التسوية بشكل ينعكس فيه الوضع نوعاً من الارتياح.
أحلام وكوابيس
من هنا، يراهن حزب الله وحلفاء دمشق، على دور سوري في هذا المجال، ويستعيد هؤلاء تجربة حافظ الأسد، معتبرين أنه بإمكان بشّار أن يتعلم فنون وتقنيات والده، الذي كان قادراً على تحصيل تنازلات ومكاسب من الإيرانيين لصالح العرب والخليجيين تحديداً، وبالتالي ربما تخول الظروف الأسد لعب هذا الدور، بالاستناد إلى توجهه إلى عمان، على قاعدة الرهان أو التوهم بأن إيران قد تمنح الأسد تنازلات يمنية يقدمها للسعودية، في مقابل إعادة تعويمه عربياً. مثل هذه السيناريوهات التي يتم التداول بها في الكواليس اللبنانية، قابلة لأن تكون أحلاماً بالنسبة إلى كثر، بقدر ما هي كوابيس بالنسبة إلى كثر أيضاً
المدن
———————–
تساؤلات عن الموقف الأميركي.. هل تنجح المبادرة الأردنية في إعادة تأهيل نظام الأسد؟/ إبراهيم قبيلات
سوريا.. مبادرة أردنية برسم الدعم الأمريكي تعيد إنتاج النظام السياسي من البوابة العربية
عمّان- تنشط هذه الأيام الخارجية الأردنية وما حولها من مطابخ السياسة في العاصمة الأردنية، مدفوعة بهاجس تحقيق اختراق سياسي ينهي حالة الفتور مع النظام السوري، وذلك عبر وضع حد للقطيعة بين دمشق والدول العربية، بما يريح خاصرة الأردن الشمالية من خطر انتشار العصابات المسلحة، وتهريب الأسلحة والمخدرات.
إضافة إلى ذلك، تتطلع عمّان إلى تصدير الطاقة الكهربائية إلى لبنان وسوريا، وهو الملف الذي شهد خطوات متسارعة قبل نحو عام، في أعقاب تفجير ميناء بيروت، إلى جانب سعي الأردن للحصول على استثناءات من عقوبات قانون “قيصر” الأميركي بحق نظام الرئيس السوري بشار الأسد والمتعاونين معه.
الحرب في أوكرانيا، وتشابك المصالح التركية الروسية في المنطقة، والإعلان عن قرب استئناف العلاقات السعودية الإيرانية برعاية صينية، وتسارع وتيرة التقارب العربي مع دمشق؛ تلك أسباب أجملتها مصادر سياسية للجزيرة نت بوصفها ظروفا أسهمت في خلق بيئة مناسبة لنجاح المبادرة الأردنية لحل سياسي في سوريا.
يأتي ذلك في الوقت الذي أعلن فيه التلفزيون السعودي الرسمي مساء الخميس أن المملكة تجري محادثات مع سوريا لاستئناف تقديم الخدمات القنصلية بين الطرفين.
وكانت وكالة رويترز للأنباء نقلت عن مصادر -وصفتها بالمطلعة- قولها إن سوريا والسعودية اتفقتا على إعادة فتح سفارتيهما، بعد قطع العلاقات الدبلوماسية قبل أكثر من عقد.
أهداف الأردن من المبادرة
رغم تسارع الدبلوماسية فإنه لا أحد يمتلك تصورا واضحا بشأن “المبادرة العربية للحل في سوريا”، التي أعلنها وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في سبتمبر/أيلول الماضي، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
كما أن الغموض يكتنف دعمها من جهات دولية، لكن التعاطي الغربي -خصوصا الأميركي- انتعش بعد الاستثناءات التي مُنحت للنظام السوري بعد الزلزال الذي ضرب شمالي سوريا وجنوبي تركيا الشهر الماضي.
وبالنسبة لمدير الأمن السابق الفريق المتقاعد حسين الحواتمة، فإن “التعايش مع النظام السوري الضعيف أفضل من بروز قيادة سورية غير ناضجة وبدء صراعات عربية-عربية، في وقت يعاني فيه الأردن من أزمة اقتصادية وجمود عملية السلام”، حسب حديثه للجزيرة نت.
أما المحلل السياسي عامر السبايلة، فيرى أن الأردن هو المتضرر الأكبر من الأزمة السورية، معبّرا عن تفهمه سعي الأردن الرسمي -بمختلف مستوياته- إلى حماية أمنه الداخلي، إذ تجاوز الضرر المحاور الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية، إلى الجريمة والمخدرات، فضلا عن التغيرات التي أصابت الأولويات الدولية، في ضوء حرب أوكرانيا، وإخفاق قمة الجزائر في إعادة سوريا إلى الجامعة العربية.
وفي حديثه للجزيرة نت، أشار السبايلة إلى أن الأردن يقود المبادرة بوصفه “شريكا جغرافيا لسوريا، ومتأثرا على كل المستويات؛ اقتصاديا وديموغرافيا وأمنيا، وحليفا للولايات المتحدة، ولديه تواجد عسكري أميركي، مما يمنحه فرصة عرض مخاوفه على الولايات المتحدة بوضوح ودون قيود”.
ولا يعتقد السبايلة أن الأردن يعرف ما الذي يستطيع تقديمه تحت عنوان “المبادرة العربية لحل سياسي في سوريا”، بل إنها أقرب لفكرة مجسات وبالونات اختبار، يستخدمها ليعرف مدى مرونة كل طرف، وقدرة السوريين على التنازل؛ فالصيغة النهائية غير واضحة، لا سيما أن النظام السوري يعتقد أنه بلا معارضة، أو للدقة “المعارضة فقدت زخمها واهتمامها الدولي، وبالتالي فإن النظام السوري ليس مضطرا لتقديم تنازلات”.
—————————
سوريا ودينامية المحاور.. شروط السعودية وتصعيد إسرائيل/ صهيب جوهر
على هامش المسارات الإيجابية التي تلف المنطقة منذ أسابيع، كان لافتاً الحديث عن ليونة سعودية تجاه النظام السوري، وغزل سوري تجاه المملكة، في محاولة من النظام لكسر حلقات العزلة العربية والإقليمية عنه، وهذا المؤشر تزامن مع ما نشر منذ أيام في صحيفة خليجية عن لقاء ضم ماهر الأسد مع مسؤولين سعوديين في الرياض، وهذه الزيارة في حال حصولها تأتي في لحظة إقليمية داهمة ومتسارعة وعنوانها ترقب إعادة تشكيل النظام الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، مع دخول العنصر الصيني إلى المعادلة السياسية.
وزيارة الأسد أو أي مسؤول سوري إلى الرياض يحمل الأطراف المراقبة في المنطقة على قراءة هذا المسار على أنه قبول سوري على بعض الشروط التي قدمتها السعودية للنظام لإعادة الاعتراف به عربياً وخليجياً، ووسط ما تسرب من معلومات عن لقاءات مسؤولين في النظام مع نظرائهم في الرياض، عن تعهد سوري للسعوديين بشكل شفوي على جاهزية النظام في وقف عمليات تهريب المخدرات والتي باتت سوريا منطلقها الأساسي باتجاه دول الخليج وتحديداً السعودية، على اعتبار أن النظام بات يعتاش على أرباح هذه التجارة، مقابل تأمين مداخيل مالية أخرى للنظام المتآكل عبر مشاريع دعم القطاع العام والأجهزة الأمنية.
وثمة من يضع أي زيارة متبادلة بين الرياض ودمشق، في خانة مناقشة شكل المرحلة السياسية القادمة في سوريا انطلاقاً من حاجة النظام لإظهار البراغماتية في ملفات المشاركة السياسية والمعتقلين ومصير المعارضة المسلحة والمدنية، وهذا السياق ترجمه حديث الأسد الإيجابي تجاه الرياض في أثناء استدعائه لموسكو منذ أيام وإظهاره إيجابية تجاه الطروحات العربية والتي سمعها من مسؤولين عرب عن ضرورة فتح ثغرة تجاه المعارضة السياسية، في حين لا يعول العديد من الأطراف على أي إيجابية استراتيجية بسبب التجارب المريرة والمليئة بالتنصل والكذب من بشار وكل أركان نظامه.
بالتوازي كان لافتاً الموقف السعودي والقطري حيال لبنان منذ أيام والمرتبط بشكل فعلي بقطع أي طريق محتمل لعودة النظام السوري إلى لبنان بأشكال مختلفة، وتجلى هذا الموقف أولاً بالاجتماع الفرنسي-السعودي منذ أيام حيال رئاسة جمهورية لبنان، لمنع أي مقايضة تأتي بسليمان فرنجية إلى الرئاسة، والقول إن الاتفاق السعودي-الإيراني والمحادثات الاستكشافية بين الرياض ودمشق لا يعني بتاتاً القبول بتمرير وصول فرنجية وذلك منعاً لتسلل الأسد إلى لبنان عبر صديقه وإفشال كل المساعي والتحركات والتي تهدف لوضع لبنان على سكة التعافي المالي والاقتصادي والتي لا طاقة “لمحور المفلسين” عليه بأي شكل من الأشكال.
وثانيا خلال جولة الموفد القطري لبيروت ولقائه الكتل البرلمانية والقوى الفاعلة ومرشحين محتملين لرئاستي الجمهورية والحكومة دون أن تشمل الجولة فرنجية أو كتلته، ما يعطي إشارة إلى أن الدوحة ثابتة في موقفها تجاه رفضها منح الأسد هدية جديدة في لبنان على حساب المصلحة اللبنانية والعربية.
وعلى عكس ما باتت تعتقده أطراف لبنانية وعربية أن الاتفاق السعودي-الإيراني سيحمل معه تنازلات في لبنان وسوريا واليمن، ظهر عكسه في الأسبوع الأول للاتفاق مع زيارة موفد عماني إلى بيروت ولقائه حزب الله لمناقشة ما خلص إليه الاتفاق في بكين حول انسحاب عناصر الحزب وخبرائه من المناطق اليمينة تمهيداً لانطلاق ورشة جديدة من المسار السياسي والاجتماعي في اليمن، إضافة إلى أن الموفد ناقش مع نصرالله بشكل جدي انكفاءه التدريجي من سوريا وتحديداً من مناطق الجنوب السوري لفتح الباب أمام وجود عربي كثيف في سوريا وتحويل النقاشات إلى أفعال، وهذا ما ربطه نصرالله بطلب النظام وليس بقرار ذاتي من الحزب.
وفي الواقع السعودية وقطر تقاربان الأزمة الرئاسية في لبنان والحل السياسي في سوريا من منظار الصراع العريض مع إيران وتوازناته في المنطقة بألا يشكّل ترسيخ نقاط متقدمة وثابتة لصالح طهران والحرس الثوري على الرغم من الحوار القائم،
في حين الجانب الأميركي ينظر له من زاوية أبعد وأشمل متعلقة بموقع الساحل السوري واللبناني في الصراع المحتدم والدائر مع الوجود الروسي والنفوذ الإيراني، والذي أصبح شريكاً عسكرياً لروسيا في أوكرانيا وفي الشرق الأوسط أيضاً مع السماح لطهران بتشغيل منظومة دفاع صاروخي في سوريا خلال أشهر قادمة.
وربطاً بهذا الأداء والصراع، بدا واضحاً في كلام بشار الأسد خلال وجوده في موسكو تركيزه على نقطتين: الأولى أظهرت تشدداً في موضوع انسحاب تركيا الكامل من سوريا قبل فتح قنوات التحاور مع أردوغان، وهو ما يعني تفاهماً كاملاً مع إيران لجهة قطع الطريق على دور تركي مهمته مواجهة نفوذ إيران في سوريا، وفي الوقت نفسه انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية التركية المنتظرة في أيار القادم.
في حين أن النقطة الأهم حديث رأس النظام عن تأييد نظامه لتوسيع موسكو لوجودها العسكري في سوريا من خلال قواعدها البحرية والجوية والنقاط البرية، ما يسمح لبوتين ونظامه بتعزيز مراقبته لجزء كبير من الحركة البحرية في البحر المتوسط، إضافة إلى رصد لجانب أساسي من الحركة العسكرية لحلف شمال الأطلسي، وفي هذا الجانب أيضا ترجمة للشراكة العسكرية الإيرانية – الروسية. وهو ما يعني تشدد أميركي مقابل تجاه قطع أي طريق على حضور روسي- إيراني في الساحل اللبناني ولو بشكل غير معلن.
لكن وأمام تلك المعطيات هناك من يركز في مقارباته على خطورة الداخل الإسرائيلي وتحديداً إيران وتركيا، وثمة معطيات جدية تؤكد أن لقاءات نصرالله مع أمين عام حركة الجهاد زياد النخالة ونائب رئيس حركة حماس صالح العاروري تهدف لإطلاق غرفة العمليات المشتركة بين الحزب والجهاد وحماس، إضافة للحرس الثوري الإيراني، وهذا التطور ينطوي على مواكبة حثيثة لكل التطورات الحاصلة في الضفة والداخل الإسرائيلي إضافة للأزمة السياسية التي تواجه حكومة اليمين الفاشي بقيادة نتنياهو.
وهذه اللقاءات هدفها توحيد الموقف والصفوف، وترتيب الوضع في البيت الداخلي لفصائل إيران الإقليمية، لمواكبة أي جديد يمكن أن تشهدها منطقة الشرق الأوسط، والتحضر لأي محاولة إسرائيلية للهروب من الأزمة الداخلية بالتوجه نحو ضربات للبنان وإيران وسوريا وقطاع غزة لاحتمال لجوئها إلى الخارج للالتفاف على الأزمة الداخلية.
كذلك لا يمكن فصل الإعلان الإسرائيلي عن حادثة التسلل لعنصر حزب الله للداخل وتفجير العبوة والتعامل السياسي المبالغ معها، بالإضافة لعملية الاغتيال المباشر للقيادي الأمني في حركة الجهاد علي الأسود وسط دمشق بعملية نوعية فتحت الباب أمام تساؤلات حول أداء الأمن السوري وتعدد ولاءاته والخرق الإسرائيلي لأكثر المناطق حساسية في العاصمة السورية، وعليه فإن سقف المواجهة مستمر وسيبقى مسرحه الرئيسي هو سوريا.
تلفزيون سوريا
———————————-
معنى استعادة العلاقات السعودية-الإيرانية بالنسبة للشرق الأوسط والعالم
هل يمكن أخيرًا جسر الفجوة المريرة عبر الخليج؟ في يوم الجمعة 10 آذار/ مارس الحالي، أصدرت إيران والمملكة العربية السعودية، الخصمان الإقليميان منذ فترة طويلة، إعلانًا كبيرًا: إنهما سيعيدان العلاقات الدبلوماسية، في صفقة توسّطت فيها الصين.
خبراء المجلس الأطلسي يعرضون رؤاهم عن الأخبار العاجلة وأهميتها لواحدة من أكثر المنافسات أهمية في الشرق الأوسط، بالنسبة إلى المنطقة، والعالم الأوسع.
هناك تحذيران كبيران لخفض التصعيد الواضح هذا.
وليام ف. ويشسلر: المدير الأول لمركز رفيق الحريري وبرامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي، ونائب مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق للعمليات الخاصة ومكافحة الإرهاب.
تصبح المصالح الأميركية في الخليج أكثر أمنًا، إذا كانت الدول المحيطة به تعمل بنشاط على تهدئة التوترات المتبادلة. كان هذا هو الحال عندما ساعدت اتفاقية أمنية عام 2001 بين المملكة العربية السعودية وإيران في منع الصراع النشط لمدة عشرة أعوام، على الرغم من انعدام الثقة المتبادل العميق، ولا يزال هذا هو الحال اليوم. لذلك يجب أن نرحّب بأخبار إعادة العلاقات الدبلوماسية بين هاتين الدولتين، بعد الاتفاق العام الماضي بين الإمارات العربية المتحدة وإيران لتبادل السفراء مرة أخرى.
ومع ذلك، تحمل الصفقة هذه المرة تحذيرين، يثير كل منهما أسئلة استراتيجية مهمة للولايات المتحدة. الأول، وهو الأكثر وضوحًا، أن الصين هي التي جمعت الجانبين معًا، مع إعلان تم توقيته ليتزامن مع بداية ولاية الرئيس شي جين بينغ الثالثة. بعد سنوات عديدة من التصريحات من بكين، بأنها تريد بناء علاقات اقتصادية في الشرق الأوسط ولا تسعى إلى أي نفوذ سياسي، يمكننا أن نرى بوضوح أن مثل هذه التصريحات خاطئة. والواقع أن الصين كانت تعمل باطراد لزيادة نفوذها السياسي الإقليمي، على مدى عقدَين من الزمان، وبرز ذلك أخيرًا من خلال زيارة قام بها شي إلى الرياض في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وزيارة إبراهيم رئيسي، الرئيس الإيراني إلى بكين الشهر الماضي. بالأمس، وعدت الصين بأن مصالحها في المنطقة كانت اقتصادية فقط، ولا تريد أن تكون لاعبًا سياسيًا رئيسًا. واليوم، ستعدُ الصين بأنها تريد فقط النفوذ الدبلوماسي، وليس الوجود العسكري الإقليمي. ما كان ينبغي للعالم أن يصدّق أبدًا وعود الأمس، وبالتأكيد لا ينبغي أن يصدّق وعود اليوم.
والتحذير الثاني أنّ هذا الإعلان يأتي في الوقت الذي تنسّق فيه الولايات المتحدة وإسرائيل عن كثب، بخصوص الردود المحتملة على برنامج إيران النووي المستمرّ، مع مناورات عسكرية مشتركة، ومستشار الأمن القومي الإسرائيلي يزور البيت الأبيض هذا الأسبوع، قبل زيارة بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء إلى أوروبا حول هذا الموضوع. وفي حين أن البيت الأبيض قد يرحّب بخفض التصعيد، فإن الحكومة الإسرائيلية لن تفعل ذلك، لأنها ستفسّر هذه الخطوة على أنها خطوة محسوبة لتقليل التهديد بعمل عسكري ضد إيران. لن يكون من المستغرب أن يكون الإعلان التالي بمنزلة تجديد للمناقشات الأميركية الإيرانية، حول خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، التي توسطت فيها الصين مرة أخرى. وفي حين أنني ما زلت متشككًا في كون مثل هذا الاتفاق محتملًا (أو حتى مستحسنًا) في الظروف الحالية، فإن مثل هذا الإعلان سيكون موضع ترحيب في واشنطن، ولكن ينظر إليه في القدس على أنه يقلل من الردع الأميركي الإسرائيلي ضد إيران.
دور الصين تحذير للولايات المتحدة بعدم التخلي عن الشرق الأوسط
جوناثان بانيكوف: مدير مبادرة سكوكروفت الأمنية للشرق الأوسط في برامج الشرق الأوسط، وهو نائب سابق لرئيس الاستخبارات الوطنية للشرق الأدنى في مجلس الاستخبارات الوطني الأميركي.
قرار إيران والمملكة العربية السعودية استئناف العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفراء قام على المشاركة الهادئة المستمرة منذ أعوام، وعلى النمو الكبير في التجارة بين البلدين في عام 2022. ومع ذلك، فإنه يعكس أكثر من أي شيء آخر رغبة المملكة العربية السعودية في خفض التوتر مع إيران. وعلى الرغم من كل التقارير حول العلاقات الأمنية والتجارية المتنامية، والتطبيع المحتمل، بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، فإن التركيز الاستراتيجي الأساسي والوحيد للرياض هو تنويع اقتصاد البلاد بعيدًا عن النفط. ولتحقيق ذلك، تنظر الرياض إلى أمنها على أنه أمرٌ بالغ الأهمية لضمان عدم تعطّل عمليات التنقيب عن النفط ونقله ومبيعاته، وأن ينظر إلى البلاد على أنها مكان آمن للاستثمار الأجنبي المباشر طويل الأجل. ويمكن بسهولة تقويض هذين الأمرين، من خلال الهجمات الإيرانية أو الهجمات بالوكالة، وهو احتمال يتضاءل بموجب هذا الاتفاق.
في الوقت نفسه، يأتي هذا التقارب في وقتٍ يزداد فيه الوضع مع إيران سخونة، بالنسبة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل. إن تخصيب إيران لجزيئات اليورانيوم إلى نسبة (83,7) في المئة -وهو أقل من نقاء (90) في المئة- يثير قلقًا واسعًا بين صانعي السياسة الإسرائيليين والأميركيين. وربما تعدّ طهران إبرامَ هذه الصفقة مع المملكة العربية السعودية الآن، فرصةً لإبطاء العلاقات المتنامية بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل. ومن المرجّح أن تواصل الرياض التعاون الأمني والاستخباراتي مع تل أبيب، لكن طهران تراهن على الأرجح على أن نظراءها السعوديين سيكونون أقلّ ميلًا لتمكين إسرائيل و/أو الولايات المتحدة من القيام بعمل عسكري ضد إيران.
ومع ذلك، قد يكون الجزء الأكثر إثارة للاهتمام في هذا التطور هو الدور الذي لعبته الصين في المساعدة على التوسّط في الصفقة. الخلاف الواسع في الشرق الأوسط، كما يرى كثيرون في الولايات المتحدة، هو أن الصين ليس لديها سوى مصلحة اقتصادية سلبية في المنطقة، وأنها راضية بأن تستفيد بالمجان من الضمانات الأمنية الأميركية. بعد أن شاركتُ بالأمس في مؤتمرٍ حول العلاقات بين الصين ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الدوحة، يمكنني أن أؤكد أن هذا الموضوع كان وفيرًا كجزء من آراء الخبراء هنا. لكن العلاقات الاقتصادية والتجارية غالبًا ما تفسح المجال للمشاركة السياسية، التي يمكن أن تؤدي في نهاية المطاف إلى التعاون الاستخباراتي والأمني. ربما نشهد الآن ظهور دور سياسي للصين في المنطقة، ويجب أن يكون تحذيرًا لصانعي السياسة الأميركيين: غادروا الشرق الأوسط وتخلّوا عن العلاقات مع حلفاء محبطين في بعض الأحيان، وحتى بربريين، ولكن حلفاء مديدين، وسوف تتركون ببساطة فراغًا للصين لملئه. ولا ينبغي لنا أن نخطئ، فالشرق الأوسط الذي تهيمن عليه الصين من شأنه أن يقوض بشكل أساسي أمن التجارة والطاقة والأمن القومي للولايات المتحدة.
هذه ليست نهاية حقبة ولا بداية لحقبة
– توماس س. واريك: زميل غير مقيم في ممارسة الدفاع المتقدم في مركز سكوكروفت للاستراتيجية والأمن ومبادرة سكوكروفت لأمن الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي.
على واشنطن ألا تبالغ في ردة فعلها أو تقلل من ردة فعلها على إعلان اليوم، أن الصين لعبت دورًا في استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران. وتوسّطت دول أخرى أكثر صداقة للولايات المتحدة، ولا سيما العراق، في تبادل الزيارات بين دبلوماسيين ومسؤولين أمنيين إيرانيين وسعوديين. إن الدور العلني الذي لعبته الصين في إعلان اليوم يُظهر اهتمامها بالقيام بشيء لم يكن بوسع سوى عدد قليل من البلدان الأخرى القيام به: كسب ثقة الجانبين.
من غير المرجّح أن يؤدي استئناف العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض إلى تغيير كبير في الوضع الأمني في الخليج. بشكل عام، يجب على العالم أن يشيد بانخفاض التوترات بين إيران والمملكة العربية السعودية، وهي التوترات التي أدت إلى استمرار العنف وعدم الاستقرار في اليمن والمياه المحيطة بشبه الجزيرة العربية. لأسباب جيوسياسية أكثر منها دينية، ستنظر إيران والمملكة العربية السعودية دائمًا إلى بعضهما البعض بعين حذرة. لذلك لا تحتاج واشنطن إلى رؤية إعلان اليوم على أنه نهاية حقبة أو بداية حقبة أخرى.
ومع ذلك، يجب أن يدفع هذا كلًا من الكونغرس وإدارة بايدن إلى التحقق لمعرفة مقاربة واشنطن تجاه النموذج الأمني في الخليج: هل تعمل لصالح مصالح الولايات المتحدة الأمنية طويلة الأجل أم لا! هذه تختلف عما كانت عليه قبل أربعين أو حتى عشرين عامًا. الصين هي مستهلك رئيس للنفط السعودي والإيراني. لا تحصل الولايات المتحدة على النفط من إيران والقليل نسبيًا من المملكة العربية السعودية. ومع ذلك، فإن طبيعة أسواق النفط العالمية تعني أن الولايات المتحدة لا تزال لديها مصلحة اقتصادية وأمنية في ضمان التدفق الحر للنفط من البلدان غير الخاضعة للعقوبات إلى الأسواق العالمية.
إن التقرير الذي يفيد بأن المملكة العربية السعودية عرضت على واشنطن شروطًا لتطبيع العلاقات مع إسرائيل هو أمرٌ يجب أن يكون محور الدبلوماسية الأميركية في الوقت الحالي. قد لا تكون شروط الرياض شيئًا تتمكن واشنطن من الوفاء به، لكن الإعلان عن مشاركة الصين في استعادة العلاقات الدبلوماسية السعودية الإيرانية يُظهر أن دبلوماسية الشرق الأوسط حية وجيدة، ولا تمر دائمًا عبر واشنطن.
لن تغيّر إيران هدفها الاستراتيجي المتمثل في الهيمنة الإقليمية
– دانيال ب. شابير: مدير مبادرة N7، وزميل متميز في المجلس الأطلسي وسفير أميركي سابق في إسرائيل، شغل هذا المنصب من عام 2011 إلى 2017.
يمكن لواشنطن أن ترى كلًا من النصف المليء والنصف الفارغ من الكأس، في الإعلان عن استئناف العلاقات الدبلوماسية الإيرانية السعودية، بوساطة صينية. يتمثل النصف المليء بـأن الحد من التوترات الإيرانية السعودية هو هدف أيّدته الولايات المتحدة، بعد أن قدّمت دعمها لجولات سابقة من هذه المحادثات في العراق وعُمان. إذا تمّ تنفيذه -وهو تحذير رئيس- فقد يساعد في إنهاء الحرب في اليمن، كما سعت الولايات المتحدة، والحد من التوترات في العراق التي أدت إلى استهداف القوات الأميركية. والنصف الفارغ: إن رؤية نفوذ الصين يتصاعد، من خلال إظهار قدرتها على الاستفادة من علاقاتها البناءة مع جانبي صراعات الشرق الأوسط، أمرٌ مقلق، وهو دليل آخر على الشكوك في المنطقة، حتى بين شركاء الولايات المتحدة، حول قدرة الولايات المتحدة على البقاء.
لكن كلًا من الصين والسعوديين يقامرون بشكل كبير هنا، مما يضع غشاوة كبيرة على النيات الحسنة الإيرانية. وفي حين اختارت إيران في أوقات مختلفة تصعيد التوترات أو تهدئتها مع جيرانها، فليس هناك ما يشير إلى حدوث تغيير في الأهداف الاستراتيجية للنظام الإيراني، التي تشمل الهيمنة الإقليمية المدعومة ببرنامجها النووي، الذي يستمر في التوسع؛ وتوسيع نفوذها من خلال وكلاء إرهابيين في لبنان والعراق واليمن. والعداء الصريح لإسرائيل، الشريك الرئيس لدول الخليج العربي، حتى لو كان ذلك بشكل غير رسمي في حالة المملكة العربية السعودية. هل سينجو التقارب السعودي الإيراني من أوّل ارتداد لتشكيله من قبل إيران لتنفيذ رؤيتها الاستراتيجية التي لم تتغير؟ وما هي الأدوات التي يمكن أن تجلبها الصين إلى الطاولة، عندما تنتهك طهران شروط الاتفاقية وروحها؟
وعندما يحدث ذلك، سيكون تذكيرًا قويًا للرياض بأن بكين، على الرغم من نفوذها الاقتصادي والدبلوماسي الآن، شريكٌ غير موثوق به لضمان أمن المملكة. قد يأمل السعوديون أن يمنحهم تحولهم نحو الصين نفوذًا في المطالبة بمزيد من الأسلحة والضمانات الأمنية والتكنولوجيا النووية المدنية من الولايات المتحدة، التي يتم طلبها كتعويض عن صفقة التطبيع مع إسرائيل. لكن حاجتهم إلى دعم الولايات المتحدة لن تتضاءل، وستتطلب منهم أن يُظهروا للإدارة المتشككة والكونغرس والجمهور الأميركي أنهم لا يتحولون إلى تكييف مصالحهم مع الصين أكثر من الولايات المتحدة.
قامت الصين بأول غزوة كبيرة لها في دبلوماسية الشرق الأوسط
جوناثان فولتون: زميل أول غير مقيم لبرامج الشرق الأوسط ومبادرة سكوكروفت الأمنية للشرق الأوسط في المجلس الأطلسي.
ثمة افتراض ظهر منذ مدة طويلة بأنّ مضاربة الصين على جانبي الخليج لا يمكن الدفاع عنها على المدى الطويل، وأنه في النهاية سيتعين على بكين أن تتصرف مثل الدول الأخرى وتختار جانبًا. وهذا يُغفل أسس دبلوماسية الشراكة الاستراتيجية، التي تقوم على المصالح، وتركز على تطوير العلاقات الثنائية بدلًا من التوازن ضد طرف ثالث. تمكنت بكين من تكثيف العلاقات على جانبي الخليج، مع بناء رأس المال الدبلوماسي بطريقة لا تستطيع القوى الأخرى خارج المنطقة القيام بها. التناقض الواضح هو الولايات المتحدة، التي ليس لديها نفوذ إيجابي في طهران؛ بينما تمتلك الصين عصًا، لكنها تستخدم الجزرة التي تركز على الاقتصاد والتنمية، في حين أن الولايات المتحدة تحمل العصا فقط.
قد يؤدي هذا الانخراط بين المملكة العربية السعودية وإيران إلى شيء إيجابي، وقد يتلاشى. من السابق لأوانه إعلان أي شيء آخر غير الخطوة الأولى الجيدة. ومع ذلك، فهي مهمّة بكونها أول غزوة كبرى للصين في الدبلوماسية الإقليمية. كانت بكين تشير منذ كانون الثاني/ يناير الماضي، على الأقل، إلى أنها مستعدة للترويج لرؤية غير أميركية للشرق الأوسط، وهذه علامة على أمور مقبلة.
الصين هَزمت الولايات المتحدة في الخليج
أحمد أبو دوح: زميل غير مقيم في برامج الشرق الأوسط بالمجلس الأطلسي.
ليست الطموحات الصينية للتوسط بين المملكة العربية السعودية وإيران جديدة؛ فالخطط الصينية المؤلفة من خمس نقاط، التي تباهى بها الدبلوماسي الصيني الكبير وانغ يي قبل عامين، حددت رؤية صينية للأمن الإقليمي، وكشفت لمحة عن هدف بكين في أن تصبح لاعبًا إقليميًا.
بالنسبة للصين، يعزز الاتفاق شرعيتها كوسيط دبلوماسي من الوزن الثقيل قادر على حلّ المنافسة الجيوستراتيجية الأكثر عدائية في المنطقة. ويمكن للاتفاق أن يخلق الظروف الأولى لحدوث تحوّل في التوازن الاستراتيجي في سياق التنافس مع الولايات المتحدة في الخليج. إن طموحات الصين في موضعة نفسها كصانع سلام ذي مصداقية لها نطاق أوسع يُغطي الصراعات في سورية وليبيا واليمن، خاصة بعد هذا الاتفاق. قد يكون هذا إشكالية في واشنطن. يُنظر إلى تردّد الولايات المتحدة في إنفاق مزيدٍ من رأس المال السياسي، على التوسّط في الصراعات في الشرق الأوسط، كدليل على تراجع قوة الولايات المتحدة، وتركيزها على المنافسة مع الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. كما يمكن أن يوفّر الاتفاق للقيادة الصينية مزيدًا من الخيارات الاستراتيجية، لأن تخفيف حدة التوترات بين الرياض وطهران يخلق طبقة رقيقة من الأمن والاستقرار الضروريين لصادرات النفط المتجهة إلى الصين، وخطوط الاتصال البحرية التجارية، واستثمارات الحزام والطريق الصينية.
وبالنسبة للمملكة العربية السعودية وإيران، فإن التزام الصين الظاهري بمبدأ “عدم التدخل”، وسياسة “عدم الانحياز” الإقليمية، أضفى صدقية كبيرة على موقفها كوسيط. ولكي نكون واضحين، يبدو أن كلا البلدين متّحدان في مظلوميتهم تجاه إدارة بايدن، وإن كان ذلك على مستويات مختلفة. وعلى الرغم من استضافة العراق للمحادثات في معظمها، فإن رغبة الصين في أخذ زمام المبادرة قد لاقت رغبة الرياض وطهران في منحها انتصارًا دبلوماسيًا، وهو مؤشر صارخ على نفوذ الصين المتزايد على أكبر قوتين في الخليج. ويبقى أن نرى مدى صمود الوساطة الصينية في المستقبل، وفي الواقع، ستغطي صراعات إقليمية أخرى. ومع ذلك، هزمت الصين الولايات المتحدة في الخليج.
خرجت الصين بطريقة ما وكأنها صانعة سلام
كيرستن فونتنروز: زميلة غير مقيمة في مبادرة سكوكروفت لأمن الشرق الأوسط التابعة للمجلس الأطلسي في برامج الشرق الأوسط التابعة للمجلس الأطلسي.
الاتفاق السعودي الإيراني ليس شراكة، إنه اتفاق عدم اعتداء. لا يتنازل أي من الطرفين عن أي شيء في هذه الصفقة. وما فتح السفارات إلا وسيلة لتوسيع فرصهم للتجسس على بعضهم البعض. لكن مع الأسف، يمكننا أن نتوقع أن يصاب السعوديون بالإحباط. لا تزال إيران تسلّح الحوثيين في اليمن، منذ انتهاء وقف إطلاق النار في الخريف الماضي. وترى إيران أن الحوثيين يمكنهم استئناف الهجمات ضد المملكة العربية السعودية، ويمكن لإيران أن تُنكِر، وبالتالي فلن يكون هناك انتهاك للصفقة.
لا ينبغي أن تشعر إسرائيل بالقلق من أن هذه الصفقة تُقلل من فرصتها في تطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية، في نهاية المطاف. إن أولويتي للمملكة هما تأمين نفسها ضد التهديدات الإيرانية، وتوسيع قاعدتها الاقتصادية. الاتفاقات مع كلٍّ من إسرائيل وإيران حاسمة بالنسبة للأولى. لكن إيران لا تستطيع أن تُسهم بشكل هادف في الثانية، في حين تستطيع إسرائيل ذلك. وأي ضغط إيراني لعدم متابعة العلاقات مع إسرائيل سيتم تجاهله تمامًا من قبل وليّ العهد الذي يُركز على أهداف التنمية. الصين هي الفائز في هذه الصفقة. البلد الذي باع كل جانب الأدوات اللازمة لمحاربة بعضهم البعض خرج بطريقة ما، وكأنه صانع سلام.
ما الدور الذي لعبته محطة تلفزيونية في الشتات الإيراني في الصفقة؟
هولي داغريس: زميلة غير مقيمة في برامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي.
في أعقاب زيارة رئيسي التي استغرقت ثلاثة أيام إلى بكين، في شباط/ فبراير -وهي الأولى لرئيس إيراني منذ عشرين عامًا- ثمة تحول غير متوقع للأحداث: استئناف العلاقات الثنائية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الإسلامية بعد سبعة أعوام. قُطِعت العلاقات بين الجارتين في الخليج “الفارسي” بعد أن اقتحم متظاهرون البعثات السعودية في طهران ومشهد، ردًا على إعدام نمر النمر، رجل الدين الشيعي والناقد السعودي، في كانون الثاني/ يناير 2016.
منذ نيسان/ أبريل 2021، توسطت بغداد في محادثات في محاولة لاستئناف العلاقات الثنائية بين اللاعبين الإقليميين. كان من المقرر استئناف المحادثات في جولتها السادسة، في الوقت الذي بدأت فيه الاحتجاجات الجماهيرية المناهضة للحكومة في إيران بسبب مقتل مهسا جينا أميني في أيلول/ سبتمبر 2022. وبحسب ما ورد، فقد توقفت المحادثات بسبب تغطية قناة الشتات الإيرانية الفضائية “إيران إنترناشيونال” للاحتجاجات، التي تعتقد المؤسسة الدينية أنها ممولة من السعودية، ومسؤولة عن إثارة الاضطرابات في جميع أنحاء البلاد خلال الأشهر الخمسة الماضية. ذكرت صحيفة الغارديان في عام 2018 أن المنفذ/ القناة -الملقب عند بعض الإيرانيين باسم “السعودية الدولية”- يموّل من قبل شركة يملكها رجل أعمال سعودي له علاقات وثيقة مع محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي. ومع ذلك، وفقا لوكالة أسوشيتيد برس، فإن ملكية القناة، فولتانت ميديا Voltant Media، لم تعد مملوكة لمواطن سعودي.
يتساءل بعض الإيرانيين: كيف سيؤثر استئناف العلاقات الثنائية على إيران دوليًا. منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2022، فرضت طهران عقوبات على المنفذ/ القناة الناطقة باللغة الفارسية، إلى جانب (بي بي سي) الفارسية، بسبب اتهامات لا أساس لها، بـ “دعم الإرهاب” و “التحريض على أعمال الشغب”، بسبب تغطيتها المستمرة للاحتجاجات، لدرجة أن وزير الاستخبارات الإيراني أشار إلى القناة على أنها “منظمة إرهابية” سيتم التعامل معها.
وقام صحفي مقيم في إيران، من دون تقديم أي دليل (ظهرت تغريدته على قناة تلغرام التابعة لـ “الحرس الثوري الإسلامي”)، بالتغريد بأن الرياض ملتزمة بعدم إثارة التوترات، عبر القناة الفضائية الناطقة بالفارسية. وكان من الممكن أن يكون هذا أحد شروط إيران لاستئناف العلاقات.
في نهاية فبراير/ شباط، اضطرت القناة التي تتخذ من المملكة المتحدة مقرًا لها إلى تعليق عملياتها في لندن، والانتقال إلى واشنطن بعد تهديدات عديدة من الأجهزة الأمنية للجمهورية الإسلامية ضد صحافييها، وعقب حادثة دفعت إلى اعتقال مواطن نمساوي في مقرّها، بتهمة “جمع معلومات من النوع الذي يحتمل أن يكون مفيدًا لشخص يرتكب عملًا إرهابيًا أو يُعِد له”.
السعودية تلعب بأوراق عديدة في وقت واحد
كرميئيل أربيت: زميل غير مقيم لبرامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي.
من السابق لأوانه الحُكم على عمق أو ديمومة التقارب بين المملكة العربية السعودية وإيران. لكن من المهم أن نأخذ الأمر في سياقه: هذه المداولات مستمرة منذ بعض الوقت، وجرت مع المداولات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية. السعوديون انتهازيون في كلّ منعطف: فهم يتعاملون مع التوترات المتصاعدة في الداخل، وتراجع النفوذ في العالم الإسلامي، والعلاقات المتوترة مع الولايات المتحدة. ولذا فهم يتحوّطون.
لقد أظهرت الإمارات أنها تستطيع إيجاد توازن دقيق، من خلال الحفاظ على علاقات باردة وودّية مع الإيرانيين، وعلاقات دافئة مع الإسرائيليين في وقت واحد. يفهم الطرفان ويقدران المصالح الجيوسياسية لجيرانهما. لذا كونوا مطمئنين، لن تعترض إسرائيل في مغازلتها للسعوديين نتيجة لهذا الإعلان.
يقدم السعوديون مطالب ضخمة مقابل التطبيع -من ضمن ذلك الضمانات الأمنية والتكنولوجيا النووية المدنية- ولم تقدم الولايات المتحدة حتى الآن أي مؤشر على استعدادها للوفاء بهذا الثمن المرتفع، من دون تغييرات كبيرة من المملكة العربية السعودية. والسعوديون يعرفون ذلك. لذا فهم يلعبون بأوراق عديدة في وقت واحد، فالصفقة الإيرانية تساعدهم في التقرب أكثر من الصينيين الذين تفاوضوا على الاتفاق. يمكن أن يُعزز ذلك صورتهم في العالم الإسلامي (الأمر الذي يمكن أن يساعد بدوره في تعويض آلام التطبيع). كما أنه يعزز دور المملكة العربية السعودية كقائد في منطقة ديناميكية بشكل متزايد تبحث عن مزيد من الاستقلال عن الولايات المتحدة.
المملكة العربية السعودية تتخذ مواقف جريئة بالنسبة للولايات المتحدة
علي باكير: زميل غير مقيم في مبادرة سكوكروفت الأمنية للشرق الأوسط في برامج الشرق الأوسط التابعة للمجلس الأطلسي.
هذا التطوّر في استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران ليس صادمًا في حد ذاته، بالنظر إلى أن الرياض وطهران تتفاوضان على هذه القضية منذ بعض الوقت، برسالة واضحة من الإيرانيين بأنهم يرغبون في رؤية هذا يحدث. ويؤكد هذه الفكرة حقيقة أن هذه الجولة من المحادثات استغرقت أربعة أيام فقط.
بعد قولي هذا، لا ينبغي للمرء أن يتوقع أن المشاكل المزمنة في العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران ستنتهي تمامًا في أي وقت قريب، نظرًا للطبيعة المعقدة لهذه العلاقة، فضلًا عن المستوى العالي من الأمننة securitization. وبطبيعة الحال، من المرجح أن نشهد مزيدًا من خفض التصعيد، لكن النتيجة الإجمالية ستعتمد بشكل كبير على الطريقة التي يرغب فيها اللاعبان في المضي قدمًا، ابتداءً من هذه النقطة، وهل يرغبان في البناء على الإعلان. ومن الواضح أن الدولتين الإقليميتين الوازنتين تحتاجان إلى بعض الوقت للتركيز على التحديات والأولويات الداخلية والإقليمية الأخرى.
يسلط هذا التطور الضوءَ أيضًا على استراتيجية التنويع للمملكة العربية السعودية التي اتخذت فيها الرياض مواقف جريئة تجاه الولايات المتحدة بصدد القضايا الحرجة أكثر على روسيا والصين، على الرغم من معرفتها الجيدة بالعواقب المحتملة لأفعالها. ومع ذلك، فإن الجانب الأكثر لفتًا للانتباه في الصفقة هو وجود الصين. وعلى الرغم من أن ذلك قد يكون منطقيًا، فإن بصمة الصين في هذا الاختراق الدبلوماسي تُعزز التصور بأن دور الصين في الخليج والمنطقة يتزايد بشكل كبير، بطريقة ستترك تداعيات تتجاوز العلاقات التجارية النموذجية. كما يسلط الضوء على غياب الولايات المتحدة كلاعب رئيس في المنطقة، دبلوماسيًا واقتصاديًا وعسكريًا.
إن تقريب المملكة العربية السعودية وإيران خطوة واحدة من بعضهما البعض ليس بالضرورة أمرًا سيئًا بالنسبة للولايات المتحدة، نظرًا لتركيز واشنطن على الحرب الروسية على أوكرانيا والتوترات الإقليمية المتصاعدة الناتجة عن قيام إيران بتجهيز مستويات التخصيب النووي بما يقرب من (90) في المئة من الدرجة العسكرية. ومع ذلك، يجب أن يفتح هذا التطور أعين واشنطن على أمرين: الأول يجب على الولايات المتحدة ألا تقلل من أهمية هذه المبادرة، وأن تولي مزيدًا من الاهتمام لمثل هذه التطورات، نظرًا لتداعياتها المستقبلية على مصالحها وعلى المنطقة. والثاني أن الاتفاق سيعطي الصين دفعة ناعمة في المنطقة. حتى الآن، فازت الصين بالمنطقة اقتصاديًا. وإذا عززت وجودها الدبلوماسي والسياسي، فهذا يعني أنها تقترب خطوة واحدة من أن تكون لاعبًا صاعدًا في المجال الأمني في المنطقة في المستقبل.
الخاسر الأكبر في كل هذا قد تكون روسيا
مارك ن. كاتز: زميل أقدم غير مقيم في برامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي.
إن مساعدة الصين في استئناف العلاقات الدبلوماسية هي خطوة دراماتيكية. ومع ذلك، فإن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران بعيدٌ كل البعد عن التوصل إلى اتفاق سلام أو تسوية أي من الخلافات العديدة بينهما. فهل مشاركة الصين ضرورية لاستعادة العلاقات الدبلوماسية السعودية الإيرانية؟ هذا غير واضح. ومع ذلك، فإن نظرتها تثير احتمال أن تلعب الصين دورًا أكثر فعالية، من قيام الولايات المتحدة بحل الخلافات بين هؤلاء الخصوم في الشرق الأوسط. على أقل تقدير، سيُنظَر إلى الصين كبديل للولايات المتحدة كوسيط في الشرق الأوسط.
قد يكون أحد التأثيرات المباشرة لدور الصين في تطبيع العلاقات السعودية الإيرانية هو تعقيد آمال أميركا في “اتفاق أبراهام” آخر، يعمل على تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية. وهذا لن يؤدي إلا إلى تعزيز صورة تراجع النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط. ومع ذلك، قد تستفيد الولايات المتحدة فعليًا من استعادة العلاقات السعودية الإيرانية (بغض النظر عن دور الصين في تحقيقها) إذا أدى ذلك إلى تحسين فرص حل أو على الأقل تعافي الخلافات السعودية الإيرانية، في اليمن والعراق وأماكن أخرى. وقد تستفيد إسرائيل حتى إذا أصبحت المملكة العربية السعودية الآن في وضع أفضل للعمل كوسيط بين طهران وإسرائيل.
وسواء حدث هذا أم لا، فإن الخاسر الأكبر في كل هذا قد يكون في الواقع روسيا. تُروّج موسكو لنفسها منذ فترة طويلة كبديل لواشنطن كوسيط فعال في الشرق الأوسط، لأن روسيا تتعامل بفعالية مع إيران، على عكس الولايات المتحدة. لكن من الواضح أن الصين تستطيع ذلك أيضًا.
التقارب الإيراني السعودي لا يمكن فصله عن حركة “المرأة والحياة والحرية” في إيران
– نادرة شاملو: زميلة غير مقيمة في مبادرة “مكنوني empowerME” التابعة للمجلس الأطلسي ومستشارة تنمية دولية.
بالنظر إلى السخط الداخلي المستمرّ، وتدهور الاقتصاد، والمشاعر العالمية السلبية المتزايدة تجاه الجمهورية الإسلامية، فإن تقارب إيران مع المملكة العربية السعودية هو محاولة، من قبل الخبراء المطلعين على النظام، للحد من واحدة على الأقل من الأزمات العديدة التي خلقتها إيران لنفسها في العقود الأربعة الماضية. أرسلت زيارة شي جين بينغ إلى المملكة العربية السعودية ودول الخليج “الفارسي” الأخرى إشاراتٍ إلى أن الصين عازمة على تعزيز العلاقات مع مجلس التعاون الخليجي -الذي كان عادة متحالفًا مع الولايات المتحدة- وإنْ كانت هذه العلاقات الأقوى لا تُبشّر بالخير مع إيران. كانت زيارة رئيسي إلى بكين في شباط/ فبراير أقل من مقبولة، وفقًا لمعظم المقاييس، إذ عاد خالي الوفاض إلى حد ما، مع بعض التصريحات والوعود الغامضة. ومن المرجح أن تكون الرسائل الصادرة عن بكين، التي تعدّها إيران أقوى داعم لها، قد دفعت النظام إلى تحسين العلاقات مع الرياض.
قد تكون النقطة الثانية المتعلقة بهذا التقارب هي مخاوف إيران، بخصوص محطة الأخبار الإيرانية الدولية التي يقودها الإيرانيون في الشتات، ومقرها لندن. ومن المفترض أن تموّلها المملكة العربية السعودية، حيث كانت في طليعة المعارضة للنظام، وتحظى بمشاهدة واسعة داخل إيران وبين المغتربين. وإدراكًا من النظام الإيراني لتأثيرها، هدد المحطة، لدرجة أن محطة إيران الدولية اضطرت إلى نقل مقرها من لندن إلى واشنطن. ويُشكل كبح جماح تمويل المحطة مصدر قلق كبير للنظام.
ثالثًا، التزمت الدول الإسلامية الصمت بشكل مفاجئ في ثورة مهسا -“المرأة والحياة والحرية”- باستثناء عدد قليل من المنظمات غير الحكومية التركية والتونسية. كوني هنا في لجنة وضع المرأة في الأمم المتحدة في نيويورك، أسمع من النسويات والناشطات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أنه مع اعتماد بلدانهن المتزايد على الدعم المالي السعودي، فقد أُعطين رسالة هادئة لتوخي الحذر في دعمهن للحركة النسائية الإيرانية. إن الحصول على مساعدة سعودية لتثبيط صدى ودعم حركة مهسا بين الدول الإسلامية سيكون مفيدًا لطهران.
مكاسب للعراق والصين، وجرس إنذار للولايات المتحدة
أندرو بيك: زميل غير مقيم في برامج الشرق الأوسط التابعة للمجلس الأطلسي.
إن تطبيع العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية هو نتيجة أخرى لبحث الخليج عن الأمن، في منطقة ما بعد الولايات المتحدة. قُطِعت العلاقات بين البلدين عام 2016، بعد سلسلة متتالية من الأزمات التي ظهرت في أعقاب مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة، وهي مفاوضات عارضها السعوديون وحلفاء إقليميون آخرون بشدة، معتقدين أنها ستؤدي إلى قيام الولايات المتحدة بتخفيف توازنها الإقليمي مع إيران. هذا التوازن أمرٌ حيوي للشرق الأوسط الحديث، الذي تتمثل السمة المميزة له في المنافسة، بين الكتل السنيّة والشيعية، فضلًا عن أن القوة الأكبر للكتل الشيعية. كان انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان الحدثَ الأخير في سلسلةٍ من القرارات الاستراتيجية التي زادت من قوة إيران، بدءًا من حرب العراق. إن ميزان القوى الإقليمي يكون مستقرًّا، عندما تكون الولايات المتحدة حليفًا فعّالًا، ولذلك خشي السعوديون (والإسرائيليون) من أن موجبات خطة العمل الشاملة المشتركة لن تُبقي الحال كذلك.
نشأت “اتفاقيات أبراهام” من بحث مماثل عن الأمن وتصوّر بأن الولايات المتحدة كانت تبتعد عن المنطقة. وهناك، سعت دول الخليج السنيّة الأكثر انكشافًا إلى استبدال بعض وسائل الردع الأميركية التي اعتمدت عليها بالردع الإسرائيلي، والحفاظ على التزام الولايات المتحدة كفائدة إضافية لعملية السلام. وفي مقابل هذا الإطار الاستراتيجي، تهدف إعادة العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية إلى تهدئة التوترات على المدى القصير. بغداد هي أحد الفائزين المحتملين في هذا التطور، حيث يمكن القول إن المحادثات التي استضافتها أسهمت في ذلك على المدى القصير. أما الصين فهي دولة أخرى: وأول مساهمة صينية كبيرة أحادية الجانب في دبلوماسية الشرق الأوسط، على الإطلاق، يجب أن تكون جرس إنذار لدور الولايات المتحدة في المستقبل.
مصداقية الولايات المتحدة كصانع سلام في المنطقة تعرضت للخطر
مسعود مستجابي: مدير مشارك لبرامج الشرق الأوسط في المجلس الأطلسي.
يمثل الإعلان عن اختراق دبلوماسي بين جمهورية إيران الإسلامية والمملكة العربية السعودية، بوساطة صينية، إنجازًا مهمًا في الدبلوماسية الإقليمية، ويمكن أن يشير إلى عهد جديد في الشرق الأوسط. ويؤكد هذا التطور، الذي يجمع بين لاعبين إقليميين رئيسين بعد أعوامٍ من العداء، الوجودَ الصيني المتنامي في المنطقة، ويشكل تحديًا للولايات المتحدة، التي من المرجح أن تحاول تقويض هذه الجهود.
وعلى النقيض من “اتفاقيات أبراهام” التي توسطت فيها الولايات المتحدة، والتي سعت إلى إقامة علاقات دبلوماسية بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، من ضمن ذلك الإمارات العربية المتحدة والمغرب، ظلت الجهود المبذولة لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل بعيدة المنال. ومع ذلك، استمرت الولايات المتحدة في جهودها لتحقيق هذا الهدف. لسوء الحظ، تعرضت مصداقية واشنطن كصانع سلام في المنطقة للخطر، بسبب عدم موثوقيتها المتصوّرة وميلها إلى الانحياز إلى أحد الجانبين في الصراعات، كما هو الحال في اليمن وسورية. في المقابل، ينظر إلى الصين على أنها وسيط مرن يتجنب الانحياز إلى أي طرف.
وإذا استمرّ هذا الاتجاه، فقد يلجأ مزيدٌ من الجهات الفاعلة الإقليمية إلى الصين كوسيط، حيث يُوثق بها أكثر من الولايات المتحدة. إن هذا التطور إيجابيّ، لمنطقة تحتاج إلى مزيد من الدبلوماسية والحوار بين الخصوم التقليديين. ستستفيد إيران من مزيد من السبل لامتصاص العقوبات الأميركية، في حين يمكن للمملكة العربية السعودية التحوط في رهاناتها، في حالة فشل التطبيع مع إسرائيل. وتستفيد الصين بدورها من العلاقات الاقتصادية الموسعة والبيئة التجارية الأكثر أمنًا في الشرق الأوسط.
الصين تتبع السيناريو الذي كتبته روسيا مع تركيا في سورية
– ميشال دوكلو: زميل غير مقيم في مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط وسفير فرنسي سابق في سورية.
من وجهة نظر باريس، يمثّل هذا الحدث نجاحًا حقيقيًا للدبلوماسية الصينية. فمن ناحية، من الواضح أن هذه غزوة للصين، كوسيط قوة وصانع قرار في منطقة اعتادت أن تكون حكرًا على الولايات المتحدة، وأحيانًا على حلفائها. ومن ناحيةٍ أخرى، تُظهر الصين مهارة في الوساطة التي لم يكن لها سوابق حقيقية.
من الواضح أيضًا أن الخطوة الصينية، واستجابة كُلٍّ من المملكة العربية السعودية وإيران، تتناسبان تمامًا مع السردية التي تحاول الصين تطويرها، كقوة مسؤولة وإيجابية وسلمية تسعى جاهدة لإيجاد حلول بناءة، ولأن تكون أكثر فأكثر في وضع يمكّنها من تحريك الأمور. بطريقة ما، يمكن عدّ الوساطة الصينية خطوة مكمّلة لما يسمى “خطة سلام”، أو بشكل أكثر دقة “ورقة تقدير موقف” لبكين، بخصوص الحرب الأوكرانية. السمة اللافتة للنظر بالطبع هي أن الصين وقوى الجنوب العالمي لم تعد بحاجة إلى الاعتماد على بعض الإجراءات من الغرب. وبهذا المعنى، تتبع الصين السيناريو الذي كانت روسيا نفسها أوّل من خطّه بتنظيم تعاون مع تركيا وإيران، من خلال عملية آستانة حول إدارة الأزمة السورية.
وفي هذا السياق، هناك سؤالان: الأول هل هناك متابعة للصيغة الصينية السعودية الإيرانية؟ وهل هذا “الانقلاب الدبلوماسي” الصيني هو بداية مشاركة سياسية أعمق لبكين في المنطقة؟ والسؤال الثاني: هل يمكن أن تصبح هذه الوساطة الصينية الناجحة الأولى نموذجًا لدبلوماسية صينية أكثر حزمًا، ليس في الشرق الأوسط فقط، بل على المسرح العالمي؟
الجواب الحكيم هو القول إنه سيكون من السابق لأوانه صياغة تقييم نهائي. ومع ذلك، يمكن للمرء أن يقول: مِن المعقول تمامًا أن كثيرًا من البلدان في الشرق الأوسط تتوقّع نوعًا من الوساطة الخارجية التي لا تأتي من الغرب، بسبب خيبة الأمل تجاه السياسات الأميركية والغربية؛ ولا تأتي من روسيا، بسبب أوكرانيا. ويبدو أن الصين في وضع جيد لسدّ هذه الفجوة.
*- الآراء الواردة في هذا التحليل لا تعبّر بالضرورة عن رأي المركز
اسم المادة الأصلي Experts react: Iran and Saudi Arabia just agreed to restore relations, with help from China. Here’s what that means for the Middle East and the world.
الكاتب مجموعة خبراء
مكان النشر وتاريخه المجلس الأطلسي، Atlantic Council، 10 آذار/ مارس 2023
الرابط https://2u.pw/03Jyqc
عدد الكلمات 5370
ترجمة وحدة الترجمة/ أحمد عيشة
مركز حرمون
————————-
عندما الأسد يرفع سقف شروطه للمصالحة مع أردوغان/ محمد عيسى
في بيئة مستجدّة تتنافس على تربتها، ومنذ أشهر قليلة، مبادرات عدة، يمكن تلخيصها بمبادرتين اثنتين؛ الأولى، روسية تستعين بإيران، لتمتلك زخماً كافياً، وتعتمد في جوهرها على إجراء تطبيع للعلاقات بين دمشق وأنقرة، وتسعى روسيا من خلاله إلى تمرير حل للصراع يجري وفق ما تخطط له السياسة الروسية، وبما يخدم مصالحها في تكريس محور أستانا المكونة أركانه من الروسي فالإيراني والتركي، والذي يُراد له أن يكون مدخلاً لمحور عالمي، تستميت روسيا لإيقافه على أرجله، ولتوظيفه فيما يزعم أنه جهد متواصل يُقصد منه كسر أحادية القطب في العلاقات الدولية. هذا الجَّهد الذي من أهم لوازمه، ومن ثم نقاط ضَعفه بقاء أنقرة فيه، حيث النجاح في ضمان ذلك يتطلب استمرار السياسة التركية الحالية، والذي يقضي بنجاح حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان في الانتخابات القادمة بعد أقل من شهرين من الآن.
والثانية؛ مبادرة عربية تحدثت عنها الأردن قبل فترة، وبَلورَتها مؤخراً الخارجية السعودية في بنودها العشرة. والتي تدور نقاطها حول تعهد النظام بتطبيق القرار الأممي /2254/ في إطار عملية سياسية، من شأنها بالنهاية تغيير النظام، ثم قبوله بانتشار قوات عربية على الحدود الدولية السورية، تمهيداً لعودة اللاجئين، والعمل على رفع العقوبات، والمساهمة العربية في تمويل إعادة الإعمار، إضافة إلى الالتزام بتقليص النفوذ الإيراني، ومنع انتشاره في المنطقة الجنوبية، وعلى الحدود الأردنية بشكل خاص.
وبالمجمل هاتين المبادرتين كانتا على طاولة البحث قبيل زيارة الرئيس السوري إلى موسكو مؤخراً، وكان رأس النظام قد أظهر الكثير من التردّد والحذر حيال المبادرة الأولى وفي العديد من المحطات. ولأنه هو والرأي العام والشعب السوري في غالبيته ينظرون إلى الدور التركي بعين الشك والريبة والضلوع المكشوف بخلق الأزمة السورية، ورعاية الإرهاب الجاري، إضافة إلى احتلال الأراضي السورية، وكان في محاولته التنصل من دواعي اللقاء مع أردوغان، الذي أظهر الكثير من الاستعجال لإطلاق عملية سياسية تؤدي إلى حل مسألة اللاجئين واستثمارها في كسب ودّ الناخبين، كان الأسد يسعى إلى تأجيل هذا اللقاء إلى ما بعد الانتخابات التركية التي ستجري في أيار القادم، لعدم قناعته بتقديم هذه الجائزة لأردوغان وقد لاحت علامات هزيمته الانتخابية، سيما وأن المعارضة التركية كانت في تواصلها معه قد تعهدت بالانسحاب غير المشروط من الأراضي السورية ووقف دعم الإرهاب والتعويض في حال فوزها.
كانت هذه رؤية الأسد عشية الزيارة إلى موسكو، ليبلورها في اللقاء الصحفي مع الصحافة في جملة من المواقف والشروط عالية السقف، في موقف يحاكي المثل “من لا يريد أن يزوج بنته يرفع مهرها”، حيث وضع شرطاً أمام أردوغان، وهي جملة شروط محرجة بالنسبة لأردوغان وفاضحة لنواياه، والتي لا يستطيع تنفيذها وعلى رأسها التعهد بالانسحاب الكامل من الأراضي السورية، ووقف التدخل في الشأن الداخلي السوري، والتراجع عن اختلاس حصة سوريا من مياه نهري دجلة والفرات وو..
وفي خطوة لافتة؛ تحدث بإيجابية عالية إلى دور المملكة العربية السعودية وامتدح حيادها في الفترة الأخيرة حيال الصراع القائم، مما يشير إلى أن ميول الأسد أكثر وضوحا لترجيح كفة القبول بالمبادرة العربية.
يبقى السؤال الأهم على ضوء ما تقدم؛ ما هو موقف موسكو من كل ذلك، وما هو موقف الرئيس بوتين الذي طالما كان هو صاحب المبادرة في تطبيع العلاقات بين سوريا وتركيا، والخارجية الروسية هي من كانت قد أعدت للقاء نواب وزراء خارجية البلدين في منتصف مارس/ آذار الحالي على أن يكون لقاءً رباعياً تحضره أيضاً إيران وروسيا. لا شك بأنه موقف لافت، بألا تمارس روسيا ضغطاً كبيراً من أجل إتمام ولادة ناجحة لقضية التطبيع المطروحة. وبالمقابل كانت، وبحسب ما عكسته وسائل الإعلام العالمية، أن الزيارة قد أحيطت بكثير من الحفاوة والاهتمام، فما السر في تراجع الشهية الروسية لإتمام ما كانت تنوي القيام به؟
فليس مستبعداً أن تكون القيادة الروسية قد رصدت وصلة أردوغانية في الرقص على المقلب الآخر، وعلى الخشبة الأمريكية بالذات. ولا عجب في ذلك، فهو من اعتاد على تغيير أقنعته عندما يريد، ولا غرابة في الأمر أن يكون الزلزال الأخير والتداعيات التي تركها على الوضع التركي قد حشرته في الزاوية، ودفعته إلى إلقاء أوراقه اليائسة إلى الحضن الأمريكي، أو ربما قد يكون وقع في الأفخاخ الأمريكية، وتلقّى وعوداً بمساعدته في زيادة فرصه بالانتخابات القادمة، لقاءَ رفعه حق الفيتو لمنع انضمام فنلندا إلى حلف الناتو، ثم لتطوير دوره لصالح التحالف الأطلسي في الحرب الأوكرانية مع روسيا. كل ذلك أصبح وارداً في الحسابات الروسية وخاصة بعد تلقيه مدحاً أمريكياً على مواقفه من الخارجية الأمريكية على أثر الزيارة التي نفذها الناطق باسمه “إبراهيم كالن”، والتي قاد خلالها المباحثات بشأن صفقة انضمام فنلندا إلى الناتو.
أما الإشارة إلى تلمس برودة، أو ملامح شك من قبل الروس حيال أردوغان، فليست رجماً بالغيب، بل يمكن للمراقب أن يلمسها في بروز نغمة جديدة في الصحافة الروسية وكررتها مواقع عديدة، تقول إن لروسيا حقاً تاريخياً في بعض الأراضي والجزر التركية.
وعليه يمكن البناء لتكوين رأي يقول بأنه قد تكون نضجت إرادة دولية لحصول تسوية في الأزمة السورية، وأن جو التبريد هو السائد في أزمات المنطقة وهو الأكثر ترجيحا، وخاصة بعد نجاح الدبلوماسية الصينية في تلطيف الأجواء بين السعودية وإيران، وأن روسيا قد تكون أعطت ضوءاً أخضراً لتمهيد الطريق أمام المبادرة العربية ليأسها من نجاح مبادرة المصالحة معه وليأسها منه، ولأن مناخ المنطقة بعد جو الزلازل والحديث الدائم في تحدياتها أيضاً، صارت أكثر استحقاقاً لإحداث اختراق جدّي تنهي الأزمة وتضع حداً للمعاناة بسببها.
———————–
هل يجمع الأسد بين الدعم العسكري الروسي – الإيراني والمال والشرعية العربية؟/ د. باسل معراوي
لم يعرف التاريخ وقاحةً تضاهي وقاحة تصريحات الأسد في موسكو مؤخراً، ففي الوقت الذي طالب بكل وضوح بانسحاب القوات التركية من مناطق الشمال السوري وربط تحقيق هذا الشرط بقبوله إجراء لقاء مع الرئيس التركي أو حتى إتمامه لعملية المصالحة المتثاقلة بين أنقرة ودمشق، في صفعة غير معهودة وتنكر لخدمات سيده الروسي الذي أبقاه في قصر المهاجرين. ف
مسار الانفتاح التركي على نظام الأسد هو فكرة روسية بالأساس واستثمار نتائجها سيكون روسياً.
وفي موسكو ذاتها يصرح الأسد أنه من يحبذ احتلالاً روسياً دائماً لسورية وليس مؤقتاً ويتجلى ذلك بزيادة عدد القواعد العسكرية الروسية وزيادة نوعية تسليحها بحيث تصبح تلك القواعد مركزاً حاسماً في الصراعات الدولية مع المحور الغربي المناهض.
في سابقة فريدة برغبة ما يفترض أنه رئيس دولة ويزج بلاده في أتون الصراعات الدولية.
وتصريحاته تلك تقطع آخر جسور تواصله مع الغرب (إن كان ثمة جسور باقية) وتؤكد تماهيه مع المحور الروسي – الإيراني، وبالتأكيد سينظر له الغرب كأحد أذرع الرئيس الروسي في المنطقة، والمتوجب بترها في الحرب الصفرية الجارية الآن التي ليس من المتوقع أن تنتهي بحلول وسط، لابد في نهايتها من رابح وخاسر.
ولأن الأسد يريد المناورة ولا يبحث عن حل ما (أي حل)، فإنه يعادي ومن موقع ضعف القوى الرئيسية الخارجية الواجب التفاهم معها (الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا)، ويرغب بانتصارات معنوية أو رمزية على الجبهة العربية.
فالشمال السوري يشكل 40% من الجغرافيا السورية ويضم سكاناً سوريين أكثر من مناطق سيطرته.
لا يهم من قطع شعرة معاوية بين الأسد والأمريكان ولكن بالتأكيد تم قطع تلك الشعرة، ولا يكاد يمر أسبوع إلا ونسمع عن مواقف رسمية أمريكية مناهضة للأسد، تحض على عدم تعويمه، وتلك المواقف مدعومة بقوانين أمريكية من الصعب على الإدارات التحايل عليها إن رغبت في ذلك، وأقصد بالطبع قانوني قيصر وكبتاغون – الأسد القادم بقوة.
ومع تركيا التي تملك أوراقاً مهمة في الملف السوري ووجود عسكري على 10% من الأراضي السورية، يقطع الأسد الشعرة التركية الانتخابية معها برفضه للقاء الرئيس التركي إن لم تتحقق شروط مستحيلة التحقيق أو يمكن تحقيقها بعد المفاوضات وليس قبلها، وإزاء رفضه هذا، لماذا سيعمد حزب العدالة أو الرئيس التركي (إن ربحا الانتخابات القادمة وهو الاحتمال الأكثر ترجيحاً) إلى تفعيل مسار الانفتاح على دمشق طالما أن الأسد رفض ذلك في الوقت الذي يحتاجه الحزب والرئيس المرشح في وقوف سافر إلى جانب خصمه كمال كليتشيدار أوغلو وتحالف طاولة الأحزاب الستة المعارضة؟.
هل من مبادرة عربية للتسوية في سورية؟
لا توجد مبادرة عربية، ولم يتكلم مسؤول عربي بمبادرة عربية، بل مؤخراً وعندما كان وزير الخارجية السعودي في موسكو طلب منه لافروف دعم مسار أستانة الجديد وأوحى الإعلام الروسي برغبة سعودية بذلك، لكن لم يصدر عن الوزير السعودي أي إشارة بهذا الخصوص بل تكلم الأمين العام للجامعة العربية في اليوم نفسه بأنه ليس في الأفق القريب عودة نظام الأسد لشغل مقعد سوريا في الجامعة العربية، ولا توجد مقاربة أو رؤية واحدة بين دول الجامعة لمعالجة الملف السوري والتعاطي معه.
لا تملك الدول العربية مجتمعةً أو منفردةً، أوراقاً قوية في الملف السوري، فسوريا اليوم ثلاث دول قرار إحداها الحاسم روسي/إيراني، والثانية قرارها أمريكي، أما الثالثة قرارها تركي، وعلاقات الدول العربية قوية أو فاترة مع كل منها، ويمكن للبعد العربي أن يكون داعماً لشرعية أي توافق بين القوى المهيمنة على الأرض، وهذا صعب المنال في الواقع الراهن.
كتلة العطالة في النظام المعطلة لأي حل هي البديهية الوحيدة التي لا تحتاج لأي إثبات أو دليل، فشروطه المعلنة (أو غير المعلنة أحياناً)، كقبوله منتصراً كما هو الآن على حالته الراهنة والتغاضي عن سجله الإجرامي منذ بداية الثورة السورية، غير وارد بالمرّة، فلا يمكن مثلاً الوثوق بأي تعهد منه بعدم التعرض للاجئين إن عادوا، والإفراج عن معتقلي الرأي.. وتعهده بأي مشاركة سياسية للمعارضة في أي مرحلة قادمة، ولم يتوصل لنقاط تفاهم أولية مع قسد رغم كل التنسيق والعلاقات الحميمة بينهما، وغير مستعد لإعطائها أبسط ما تطلبه، فكيف بقوى الثورة التي يعتبرها إرهابية وعميلة للخارج؟!. كما أن تجربة التسويات البائسة التي تمت برعاية روسية في حوران وانقلب عليها كلها، وتجربة المملكة الأردنية الهاشمية معه بمحاولة الانفتاح عليه في العامين الماضيين قابلها بحشد ميليشياوي لفصائل تابعة للحرس الثوري الإيراني على الحدود بينهما، مع ازدياد هائل في معدل تهريب المخدرات والأسلحة إلى المملكة ودول الخليج العربي، ومؤخراً أجهض خطوة تطبيع تركية معه بضغوط عطالته المعروفة مع ضغوط إيرانية متوقعة.
الملف السوري مدوّل منذ حزيران 2012 بصدور بيان جنيف 1 وعدد من القرارات الدولية منها 2254 و2118 وقرارات إدخال المساعدات الأممية، إضافة لوجود خمسة جيوش أجنبية على الأرض.
الأطراف الدولية الفاعلة في الملف السوري والموجودة على الأرض مشتبكة مع بعضها بصراعات بعضها ساخن والآخر على حافة الانفجار، القوتان العظميان في العالم مشتبكتان بحرب في أوكرانيا، روسيا أصالةً عن نفسها والولايات المتحدة والناتو بتوكيل أوكراني. كما أن الصراع الإيراني مع الولايات المتحدة وإسرائيل بخصوص الملف النووي والتموضع العسكري الإيراني النوعي في سورية في ذروته ولا تعرف مآلاته، والحرب الرمادية بين إيران ودولة الاحتلال الإسرائيلي تدور رحاها على الأرض السورية منذ سنوات، كما أن انتهاء عصر التخادم الإيراني – الأمريكي نرى شظاياه على الأرض السورية بقصف وقصف مضاد يمكن أن ينفجر بأي لحظة. لذلك في هكذا أجواء لا يتوقع لأي مسار أو مبادرة أو خطة عربية للتسوية في سورية أن يكتب لها بصيص من النجاح.
لا يمكن لأي دولة عربية أو غير عربية، تجاهل عقوبات قانون قيصر المفروضة على النظام السوري، وليس من السهولة بمكان تحدي اللاءات الأوربية/الأمريكية الثلاثة، لا لرفع العقوبات، لا لإعادة الإعمار، لا لإعادة العلاقات. هذه اللاءات مشفوعة بقوانين للدول الفاعلة بالنظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، ومشكلة نظام الأسد مشكلة اقتصادية وليست أمنية أو سياسية، فماذا سيستفيد من شرعنة عربية له إذا كان أي نظام عربي قادراً مالياً، عاجزاً عن اختراق جدار العقوبات الغربية، وبالتالي يعلم الأسد أن العرب والترك لن يستطيعوا انتشاله من القاع الموجود فيه الآن.
أظن أن اللامبادرة العربية لن تكون أكثر من زوبعة في فنجان. مثلها مثل الورقة التي تم تسريبها الصيف الماضي عن مبادرة أردنية للحل في سورية وتمت تسميتها باللاورقة ولم تعمر طويلاً.
0
—————————–
==================
تحديث 20 أذار 2023
————————-
بشار الأسد في أبو ظبي: “وافق شن طبقه”/ حازم الأمين
لم ينحز آل زايد وغيرهم من زعماء الإمارات والممالك الخليجية إلى السوريين عندما قاطعوا نظام بشار الأسد. مضمون الخصومة كان مذهبياً، وهم توجهوا إلى سوريا في حينها لقتال إيران، أما ظلامة الشعب السوري، فهي آخر همومهم.
حطت حمامة الحب بين آل زايد وآل الأسد في مطار أبو ظبي، وترجّل الزوجان، أسماء وبشار، من طائرتهما الرئاسية فعُزفت لهما الموسيقى، وأطلقت المدفعية 21 قذيفة وصلت أصواتها إلى مسامع الطفلة شام التي ترقد في المستشفى التي نقلت إليها في أبو ظبي، بعدما كانت أصيبت نتيجة الزلزال في محافظة إدلب السورية. الطفلة ارتعشت، ووالدها سقط في حيرة أصابتنا جميعاً ونحن نعاين فشلنا ونستعيد عجزنا عن إسقاط الديكتاتور، هذا فيما وجدت أسماء فرصتها مجدداً للفوز بصورة من المأساة.
وبالعودة إلى آل زايد الذين يستأنفون اليوم استقبال الرئيس الكيماوي (هل تذكرون علي الكيماوي)، بعدما كان سبقه إلى أبو ظبي بأشهر زعيم اليمين المتطرف في إسرائيل بنيامين نتانياهو، فهم كانوا قطعوا علاقتهم بالنظام السوري فور بدء الاحتجاجات ضده في العام 2011 وها هم يستأنفونها، ويشكلون الطليعة المطبعة مع نظام البعث! لكن ليس السؤال، لماذا أقدموا على ذلك، بل لماذا أقفلوا سفارتهم في حينها في دمشق؟ لم نبحث عن إجابة في ذلك الوقت، وها نحن اليوم نجني عدم فطنتنا حسرة وخيبة.
لم ينحز آل زايد وغيرهم من زعماء الإمارات والممالك الخليجية إلى السوريين عندما قاطعوا نظام بشار الأسد. مضمون الخصومة كان مذهبياً، وهم توجهوا إلى سوريا في حينها لقتال إيران، أما ظلامة الشعب السوري، فهي آخر همومهم، لا بل إن انتظام سوريا في عقد سياسي واجتماعي فيه الحد الأدنى من العدالة لأهلها في حال انتصرت الثورة، كان سيشكل عبئاً عليهم، هم الذين يحكمون ويبددون ثروات شعوبهم من دون أي علاقة تعاقدية مع مجتمعاتهم.
خسروا حربهم المذهبية مع إيران في سوريا، وها هم يعيدون العلاقة مع ديكتاتورها في دمشق. الشعب السوري لم يكن يوماً جزءاً من حساباتهم. لا يثقل بشار الأسد عليهم سواء أقام في قصر المهاجرين، أم حلّ ضيفاً في أبو ظبي. نظرة سريعة على وجهة التمويل الخليجي للحرب في سوريا تكشف الوظيفة التلويثية لهذا التمويل. “جيش الإسلام” و”جبهة النصرة” وغيرهما من الفصائل التي تشكلت على ضفاف فعلة النظام عندما أقدم على الإفراج عن أكثر من ألف معتقل “جهادي” من سجونه، تحوّل كثيرون منهم لاحقاً إلى فصائل مموّلة من أنظمة الخليج.
ليس ثمة مدخل مناسب لتناول “التطبيع مع نظام بشار الأسد” أكثر من المدخل الأخلاقي، فالتطبيع مع هذا النظام واقعة غير أخلاقية بالدرجة الأولى، ثم تعقبها وتندرج منها دلالات السياسة والمصالح وأوهام التصدر. فمن أقدم على التطبيع باشر قبولاً بما ارتكبه هذا النظام منذ العام 2011، إذا لم نقل منذ استيلائه على السلطة في سوريا. هو تطبيع مع المجازر المتنقلة ومع المدن المدمرة ومع القصف الكيماوي، وطبعاً تطبيع مع معتقلات تضم عشرات الآلاف من السوريين، ناهيك بأنه تطبيع مع احتلالين روسي وإيراني.
وعلى عكس ما تروّج له الإمارات لجهة أن بشار “أمر واقع”، فإن ارتكاباته هي الأمر الواقع، والواقعية التي يتذرع بها المطبعون، هي في الحقيقة تخفف من بديهيات أخلاقية. السياسة قد تحتمل قدراً من البراغماتية والمراوغة، لكنها في حالة التطبيع مع بشار مستحيلة إذا لم تكن صادرة عن تشابه وعن شراكة. وهي ليست قبولاً بالارتكابات، بل مشاركة فيها.
يجب ألا يفوتنا أن متصدري التطبيع مع نظام الأسد هم من طينته نفسها، وإن لم يبلغوا دمويته، وهم قبل أن ينعطفوا نحوه كانوا لعبوا أدواراً تمويلية ساهمت في تلويث الثورة وحرفها.
الغرب مثلاً ليس في ذروة مواجهاته مع النظام في سوريا، لكن حكوماته لا تقوى على تجاوز الاعتبار الإنساني والاقتراب من بشار. وفرنسا الأكثر “واقعية” والساعية الى تسويات مع إيران ومع حزب الله، يشكل الاقتراب من بشار لها خطاً أحمر وخطراً على مستقبل من يقدم عليه.
قد ينطوي هذا الكلام على رطانة سجالية، إلا أنه شرط إنساني لا بد منه، يسعف المرء أثناء محاولته التقاط أنفاسه قبل الدخول في قضية تستدرج هذا القدر من الإحباط ومن الشعور بالعجز وصولاً إلى الفشل.
وهنا يجب ألا يفوتنا أن متصدري التطبيع مع نظام الأسد هم من طينته نفسها، وإن لم يبلغوا دمويته، وهم قبل أن ينعطفوا نحوه كانوا لعبوا أدواراً تمويلية ساهمت في تلويث الثورة وحرفها، وهم بذلك لاقوا النظام، فالأخير أطلق “الجهاديين” من السجون، وهم لاقوه في منتصف الطريق عندما موّلوا ميليشياتهم.
لكن “التطبيع” يقودنا أيضاً إلى تذكر تطبيع مواز أقدمت عليه أبو ظبي، وهو التطبيع المجاني مع اليمين في إسرائيل، وتَوازي التطبيعين ليس بلا دلالة، ذاك أنهما صادران عن طبائع متشابهة. اليمين الديني في إسرائيل، وديكتاتورية البعث في سوريا، وأنظمة البترو دولار الوراثية في الخليج.
درج
——————
لا مبادرات تطرح ولا حلول ترتجى: لماذا استقبلت الإمارات بشار الأسد بحفاوة؟/ عبدالله الموسى
مع كل زيارة لرئيس النظام السوري بشار الأسد إلى الإمارات يلفت الانتباه أمران، أولهما أن الزيارة تكون في ذكرى الثورة السورية، وثانيهما سؤال ما زال بلا إجابة: “ماذا تريد الإمارات من بشار الأسد”؟، لكن زيارة أمس إذا ما وضعت ضمن سياق تطورات ما بعد زلزال شباط المدمر، تنسج وهماً بحل سياسي أو مبادرة لتعويم الأسد الغارق.
والأمر الأول لا يمكن تفسيره إلا بالكيدية السياسية التي تتسم السياسة الإماراتية بها، والتي بلغت مع الشعب السوري مبلغاً يصل حد الفجور في إصرار السياسيين الإماراتيين ومنصاتهم الإعلامية على شيطنة أي حراك سوري مناوئ للأسد، والتلاعب بالوقائع لتقديم خدمات إعلامية وعلاقات عامة لا ترتبط بالعملية السياسية بمقدار تجميل عائلة الأسد التي تفردت الإمارات في استضافة رموزها وأموالها على أراضيها، وذلك على الرغم من الخطاب الإماراتي الذي كان يظهر دعم الثورة في محاولة لاختراق فصائلها وإخمادها كما جرى مع الجبهة الجنوبية.
في ضوء ذلك، لم يكن غريباً ولا مفاجئاً لأحد الاحتفاء الذي حظي به بشار الأسد وزوجته في زيارتهما الأخيرة لأبو ظبي، والذي مُهّد له باستغلال إنساني فاق كل التوقعات، لقضية الطفلة شام لإضفاء بعد إنساني على مجرمي حرب، مصنفين وموصّفين دولياً. بكلمات أخرى، لا يمكن توصيف السياسة الإماراتية الراهنة تجاه سوريا بالبراغماتية، لأن الأخيرة لها حدود وضوابط لا تسمح عادة بهذا الانحدار .
أما السؤال المتكرر عن جدوى التطبيع الإماراتي، فإنه إن بقي بلا إجابات مقنعة ولا نتائج، فمن الأجدى أن يحال إلى سؤال: “ماذا تريد الإمارات للثورة السورية؟”، وإن كانت الإجابة إنهاءها، فإن الوسيلة الأفضل والأنجع هي بدعم النظام السوري. هذا ليس تبسيطاً وتسطيحاً لخطورة الحراك الإماراتي، وإنما كبح للمخاوف والأوهام المتزايدة بأن الأسد نجا، فالمبادرات العربية كانت عام 2011 ولم يستمع لها بشار الأسد حينها، وطبّق أقصى درجات العنف على نقيص ما نُصح به بداية الثورة السورية، والمحاولات البائسة لملك الأردن وإن بلغت البيت الأبيض إلا أنها ما حركت الملف السوري قيد أنملة، ثم ارتدت السياسة الأردنية على أعقابها وحصدت ما زرعته أشواكاً في صحراء الأسد، وهو ما حاولت أنقرة تجريبه منذ شهور، إلا أن الأسد المحظوظ بأعدائه القديمين يجد الآن خيارات متاحة تزيد من هوامش المناورة والتأجيل والدلع.
هل من مبادرة للحل السياسي؟
لا ترى الإمارات نفسها معنية بالحل السياسي بخلاف ما يروج في حراكها الحالي، فالانفتاح على بشار الأسد ليس وليد اليوم لكنه يعود رسمياً، وعلى مستوى قادة الدول إلى آذار عام 2020. ومع أن أبو ظبي حاولت غير مرة أن تضع حراكها في خانة دفع مسار الحل السياسي أو إبعاد النظام عن إيران، فإن أياً من النتائج السابقة لم تتحقق، لتضيف فشلاً جديداً للملفات التي تفشل بها تباعاً، لاسيما بعد رحيل ترامب عن السلطة، حيث تم إجبارها على المصالحة الخليجية، وتغيير سياستها في ليبيا، وكبح جماحها في مسعاها لانفصال الجنوب اليمني، وصولاً إلى الخلاف مع السعودية التي كشفت عنه تقارير
غربية مؤخراً.
وعليه فإن الإمارات، وبخلاف ما تبدو لهجتها الواثقة، تخشى عزلة متزايدة في ملفات الإقليم ولا تجد طريقة للفاعلية الدبلوماسية سوى دعم ديكتاتوريات قديمة عربية، وأخرى جديدة كما في تونس، لتضيف بشار الأسد مؤخراً على قائمتها وهوامشها للفاعلية السياسية. لذلك، وكما تؤكد المعلومات فإن الإمارات لم تقدم على مدار السنوات الماضية أي مبادرات باستثناء أفكار عامة طرحها عبد الله بن زايد عن إمكانية قبول الأسد مشاركة المعارضة بحصص وزارية محدودة لا تتعدى أصابع اليد الواحد منها واحدة سيادية.
ضمن هذا الإطار، كان زلزال السادس من شباط الماضي ضربة حظ كبيرة للنظام، ففي حين كانت فرق الدفاع المدني تكافح بمعدات بسيطة لإنقاذ آلاف العالقين تحت الأنقاض وانتشال جثث آلاف آخرين في الشمال السوري الذي بقي محاصراً دون مساعدة لمدة 9 أيام؛ كانت الطائرات الإماراتية تتزاحم للهبوط في مطاري دمشق وحلب لتتربع على قائمة الدول المرسلة للمساعدات للنظام السوري، وجاء ما سبق بالتزامن مع استثناءات أوروبية وأميركية مؤقتة للعقوبات الاقتصادية على النظام، وزيارة وزير الخارجية المصري لدمشق للمرة الأولى، وتكثيف بعثة الاتحاد الأوروبي إلى سوريا زياراتها ومساعداتها لمناطق سيطرة النظام.
وتقول عدة مصادر إن الحماس الإماراتي نحو الأسد لا يرتبط بما تحاول بعض الدول العربية مثل السعودية طرحه، بل يأتي في سياق إعادة التقرب مع إيران، لاسيما أن أبو ظبي وجدت نفسها متفاجئة من الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية، والذي استبعدها من مسألة خليجية مهمة. في ضوء ذلك، وكما تشير معلومات حصل عليها تلفزيون سوريا فإن الحراك الإماراتي يأتي في سياق الخلاف الإماراتي السعودي المتصاعد وليس في إطار التنسيق بينهما، وكأن أبو ظبي تتطلب هذه المرة أن يتوسط الأسد لدى طهران لتكون منخرطة في أي تفاهم إيراني – سعودي عن الخليج.
أكثر من ذلك، تذهب معلومات يصعب التأكد من دقتها، بأن المقاربة السعودية الجديدة تجاه النظام في سوريا تأتي في سياق محاولة الرياض تدوير الزوايا في الملفات الخلافية مع طهران، ولعدم استئثار أبو ظبي بالملف السوري عربياً وإقليمياً في حال حصلت تطورات غير متوقعة في الانتخابات التركية، وكأن تنافساً غير معلن يظهر بين الدول العربية على بشار الأسد، وبين الدول العربية وتركيا على بشار الأسد.
الموقف السعودي المتراخي والضبابي مقارنة بالسنوات الماضية، أثار المخاوف أيضا من أن تنحو السعودية، بثقلها العربي، في مسعى إعادة تأهيل النظام بعد أن كانت إلى جانب الدوحة سداً منيعاً لعودة الأسد إلى النظام الإقليمي العربي والجامعة العربية، وهذا الانزياح السعودي غير المكتمل خفف منه التصريح الكويتي غير المسبق والذي جاء بعكس التيار المطبع، عندما أكد وزير الخارجية الكويتي سالم الصباح عدم وجود نية لدى بلاده للتطبيع مع النظام السوري، في حين تتشدد الدوحة في لهجه خطابها تجاه الأسد وتؤكد على موقفها القاطع من التطبيع.
باختصار، بعد زلزال شباط أصبحت المواقف أكثر وضوحاً، باستثناء الموقف السعودي الجديد الراغب بإعادة تفعيل الدور العربي في سوريا، ولكن هذه الدبلوماسية السعودية بالنظر إلى التنافس السعودي الإماراتي على قيادة الدور العربي والإقليمي والخلافات بين البلدين في عدد من الملفات، لن تبقى غير مكتملة، وقد تحسم الرياض قرارها بشأن التطبيع مع النظام، خاصة بعد أن فتحت القنوات الدبلوماسية المغلقة مع إيران، وهذا ما فهمه الأسد الذي راح يتغزل بالسعودية من موسكو في زيارته الأخيرة، مقابل التصعيد اللفظي ضد أردوغان وتركيا.
بشار الأسد: سوريا لم تعد ساحة صراع مع إيران
ويمكن فهم تصعيد الأسد ضد تركيا وأردوغان شخصياً من موسكو، لأنه يأمل بتغير الموقف العربي، وتصدير الواقع السياسي الجديد إلى تركيا وأوروبا والولايات المتحدة عبر الإمارات. ولم يكن الاحتفاء الإماراتي بالأسد في الزيارة الأخيرة، إلا زيادة في جرعة الإغراء كي يبقى أكثر قرباً لها من السعودية.
ووفق هذه المعطيات، لا يمكن القول إن ما يحصل هو حل سياسي أو مبادرة، إنما هي استمرار للجهود الإماراتية واستغلال سياسي كيدي لكارثة الزلزال، وجر التنافس والخلاف بين أبو ظبي والرياض إلى الساحة السورية، ومحاولات لتعجيل وتحريف الحل السياسي المتفق عليه دولياً أو إنتاج تسوية مؤقتة. وهو ما انتهى عند البيان الأميركي الأوروبي الرباعي، والتلويح التركي بقبول ضم فنلندا لحلف شمال الأطلسي وإصلاح العلاقات مع الغرب.
تلفزيون سوريا،
————————————
سوريا… “سجادة” عربية و”لاءات” غربية/ إبراهيم حميدي
تلوح ملامح قطيعة بين الموقفين العربي وروسيا وايران من جهة والموقف الأوروبي – الأميركي من جهة ثانية. وقد اختار الطرفان الذكرى الثانية عشرة لبدء الاحتجاجات في سوريا، للتعبير عن الافتراق بين مسارين: سجادة حمراء في عاصمتين عربيتين، و”ثلاث لاءات” غربية.
منذ اندلاع الاحتجاجات السورية في مارس/آذار 2011، تشكلت جبهة واسعة من الدول العربية والاقليمية والدولية وراء موقف واحد بقيادة أميركية مقابل جبهة أخرى تضم ايران وروسيا. حافظت طهران وموسكو والأمم المتحدة على الاعتراف بـ”الحكومة ممثلا لسوريا”، في مقابل اعتبار الجمعية العامة للأمم المتحدة “الائتلاف الوطني السوري” المعارض “ممثلا للشعب السوري”، وحديث “بيان جنيف” عن تشكيل “هيئة حكم انتقالية”، وسحب دول عربية وغربية سفراءها من دمشق وتجميد عضوية دمشق في الجامعة العربية.
خلال العقد المنصرم، تغيرت أمور كثيرة في سوريا والاقليم والعالم. وخفض الغرب سقف مطالبه من “تنحي الأسد” و”تغيير النظام” الى “تغيير سلوك الحكومة السورية”. طبّعت دول عربية ثنائياً مع دمشق. وقبلت دول غربية بالتعاطي مع الأمر الواقع، الذي يتضمن تقسيم سوريا ثلاث مناطق للنفوذ وأربع حكومات تحت رايات لخمسة جيوش ومئات الميليشيات والغارات والضربات وآلاف المقاتلين.
في السنة الأخيرة، حصل تحولان: كارثة طبيعية تمثلت في الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا الشهر الماضي، وكارثة من صنع البشر، تمثلت في المواجهة الروسية -الغربية في أوكرانيا. كان الزلزال سياسيا أيضا، اذ سرّع إقدام دول عربية على خطوات تطبيعية مع دمشق وطي صفحة العقد الماضي، فقام وزراء خارجية الامارات والأردن ومصر بزيارات غير مسبوقة لدمشق. أما حرب أوكرانيا، فإنها فرقت الأولويات ووسعت الفجوة بين دول غربية وعربية. أوروبا واميركا دعمتا كييف ضد موسكو. دول عربية اختارت الحياد أو الوقوف بين موسكو وواشنطن.
شكّل الأسبوع الماضي نقطة مفصلية. صادف دخول سوريا في الذكرى الـ 12 لبدء الاحتجاجات، ما أفسح في المجال لتعبير كل كتلة عن خلاصة موقفها. الخطوة الأولى كانت في العاصمة العمانية، مسقط، لدى استقبال الأسد للمرة الأولى في زيارة رسمية وعلى السجاد الأحمر، ثم قيام الرئيس السوري بـ”زيارة رسمية” لموسكو، تضمنت استعراض حرس الشرف. حفاوة، لم تقنع الأسد بالأخذ بنصيحة سيد الكرملين لترتيب لقاء بينه (الأسد) والرئيس التركي رجب طيب اردوغان لتسهيل عودة الأخير في الانتخابات المقبلة في مايو/أيار المقبل.
الامارات زادت على عمان وروسيا بخطوات رمزية أكبر. استقبال رسمي للأسد وعزف للنشيد الوطني وطائرات حربية ومراسم بروتوكولية أخرى، اضافة الى استقبال عقيلته أسماء في مراسم استثنائية وغير مسبوقة. سبق وزار الأسد هذه الدول، لكن المراسم الرمزية جديدة، ارادت ابوظبي ومسقط الايحاء بقطيعة مع العقد المنصرم من التعاطي مع الأسد. الخطوات العربية المقبلة، هي اقدام بعضها على خطوات دبلوماسية في المسارات الثنائية مع دمشق قبل عودتها/اعادتها الى الجامعة العربية. لكن هذا لاتزال رهن مواقف دول عربية اساسية.
في المقلب الآخر، أصدرت “الرباعية الغربية” في “ذكرى الانتفاضة السورية” بيانا شديدا، وتمسكت اميركا وفرنسا والمانيا وبريطانيا بـ”لاءاتها الثلاث”. وقالت في بيان مشترك: “لن نطبع العلاقات مع نظام الأسد. لن نمول إعادة إعمار الأضرار التي تسبب بها النظام في خلال النزاع. لن نرفع العقوبات المفروضة” بعد 2011. وزادت: “لن نطبع العلاقات مع نظام الأسد قبل أن نشهد على تقدم حقيقي ودائم نحو حل سياسي، وذلك لصالح الشعب السوري”.
ستشهد الساعات المقبلة، حملات ديبلوماسية غير معلنة. كل طرف يحشد لمواقفه. ستستضيف العاصمة الأردنية، عمان، الثلثاء اجتماعا لممثلي الدول الغربية والعربية والاقليمية حول سوريا. كما ستقوم مسؤولة اميركية بجولة في الشرق الأوسط. كيف يمكن التنسيق بين موقفين متضادين؟ كيف يمكن الجمع بين الذين “طبّعوا” ومعارضي “التطبيع” والراغبين به لأسباب سياسية أو قانونية مثل وجود “قانون قيصر” الأميركي؟ كيف يمكن الاستجابة للحاجات الانسانية لمواجهة الزلزال دون الاصطدام بعقوبات “قيصر”؟
بين هذا وذاك، الهتافات التي خرج بها سوريون قبل 12 سنة ليست في أجندة المطالب، سواء لـ”المطبعين” أو “المعترضين”. غابت عباراتها عن البيانات وتجمدت اجتماعاتها الاممية في جنيف. هناك معالم جيوسياسية تخص المنطقة والعالم. لم تعد سوريا سوى ملحقاً لهذه المعركة الكبرى التي تترك اثرها على صوغ العالم الجديد والتحركات التي ستقوم بها الصين الصاعدة، في تايوان أو مناطق أخرى في العالم، بعدما باتت ايران منخرطة مع روسيا في الحرب الأوكرانية وروسيا والدول الغربية تتحارب في هذه الحرب.
من يطبّع، ينظر إلى سوريا من الزاوية الروسية. ومن يرفض التطبيع يراها بالعيون الأميركية. ومن لا يطبع لكنه لا يعترض على التطبيع، يترك خياراته مفتوحة، الى أن تنجلي معالم مخاض النظام العالمي الجديد وظلاله الاقليمية. لا شك أن سوريا احدى ساحاته، خصوصا اذا كان ثمة في هذا “الملعب” جيوش اميركا وروسيا وبريطانيا وفرنسا وتركيا وايران واسرائيل. لا شك أيضا، أن سوريا في عين الرياح الجديدة التي تهب في المنطقة العربية وتشمل اتفاق استئناف العلاقات الديبلوماسية بين السعودية وايران وتبادل الزيارات بين مصر وتركيا. ولاشك ان “المطبعين” مع دمشق، مقتنعون ان سقف تحركاتهم تحت “القيصر” الاميركي وعقوباته.
المجلة
——————-
الاسد إذ يعرض سوريا للبيع/ ساطع نور الدين
عندما يقال أن الرئيس السوري بشار الاسد “رحّب” خلال زيارته الاخيرة الى موسكو بتطوير وتوسيع الوجود العسكري الروسي في سوريا، فإن ثمة خطأ فادحاً يرتكب بحق الرجل، الذي تفوق على نفسه في فهم الخطط الروسية الاستراتيجية، وفي تقدير موقع بلاده ضمن هذه الخطط.
الاسد، حسب أقواله المنشورة في دمشق وموسكو، لم يرحّب، لكنه قدم عرضاً رسمياً صريحاً لروسيا بأن تزيد عدد قواعدها العسكرية على الاراضي السورية، المحددة باثنتين، واحدة جوية في حميميم وثانية بحرية في طرطوس، وأن تضاعف بالتالي حجم قواتها المنتشرة في سوريا..والاهم من ذلك، وفق التعبير الحرفي الرئيس السوري، ألا يظل هذا الوجود العسكري الروسي مؤقتاً، محصوراً بمكافحة الارهاب الذي تم الانتصار عليه، بل أن يصبح في المستقبل، دائماً، كجزء من موازين القوى الدولية بين روسيا والغرب، لأنه، على ما قال، “لا يمكن للدول العظمى اليوم أن تحمي نفسها أو أن تلعب دورها من داخل حدودها، لا بد أن تلعب الدور من خارج الحدود، من خلال حلفاء موجودين في العالم أو من خلال قواعد (عسكرية)..” الى ما هنالك من نصائح قدمها للرئيس الروسي حول كيفية حماية مصالح بلاده ومكانتها كقوة عظمى عالمية، التي استعادتها جراء تدخلها في سوريا في العام 2015، حسب السردية التي راجت في دمشق في حينه!!
الصواب هو أن الاسد عرض على بوتين فعلاً تحويل سوريا كلها ، وليس فقط بقعتين من شواطئها المتوسطية، الى قاعدة عسكرية روسية متقدمة في مواجهة الغرب. ولعله في سرّه يفترض أنه يقدم هدية نفيسة الى روسيا، عندما يدعوها الى تعزيز انتشارها العسكري، وتاليا تعميق نفوذها السياسي، في دمشق وحلب وحمص وحماة، ومعها إدلب والرقة ودير الزور.. وهو ما يعني أن تصبح سوريا شبيهة الشيشان ورديفتها المشرقية، بغض النظر عن إستعداده لأن يصبح نظير المقاتل الشيشاني-الروسي رمضان قاديروف.
الغريب ان موسكو لم ترد حتى الآن على هذا العرض السوري السخي، الذي لم يسبق له مثيل، حتى عندما أغرق الاتحاد السوفياتي النظام السوري بالسلاح في سبعينات وثمانينات القرن الماضي لمواجهة الاميركيين والاسرائيليين، فاستخدمه في لبنان. ولم يعلق أحد من الروس، لا المسؤولين ولا الكتّاب، على النصائح المجانية التي قدمها الاسد لبوتين، حول سبل إدارة معركته مع الغرب.. موسكو ما زالت تلتزم الصمت حتى إزاء الشتائم الشخصية النابية التي وجهها الرئيس السوري من موسكو بالذات الى الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، متمنياً له السقوط في الزلزال الانتخابي المقرر في تركيا في 14 أيار المقبل.
الاقرب الى العقل، هو ان الكرملين كان ولا يزال يتعامل مع سوريا كدولة ذات سيادة في تحديد سياساتها وخياراتها واتخاذ قراراتها، وهو لا يرى في الاسد شبيهاً لقاديروف، بدليل “التساهل” مع محاولته تعطيل مسار التطبيع مع تركيا ورئيسها اردوغان، برغم ما لهذا المسار من أهمية حيوية لموسكو ولدمشق على حد سواء، وبرغم تسلل إيران عنوة الى هذا المسار أيضا، لرغبتها في ألا تكون غائبة عن صنع التاريخ السوري!
أما الاقرب الى المنطق في سلوك الاسد، هو أنه يحافظ على هامشه الواسع في التعامل مع موسكو، ويعتمد على نظرية الخدمات والمنافع المتبادلة، وأهم ما فيها المجد والعظمة للروس، مقابل الاستقرار والاستمرار للنظام في دمشق..كما أنه يمضي قدماً في استفزاز تركيا وتحديها، على أمل أن يكسب عناق الامارات ثم السعودية ومصر، من دون أن يخسر طبعا الحضن الايراني الدافىء. هكذا كان الاسد، وهكذا سيظل يناور ويغامر ويقامر، ويعتبر نفسه وبلده، لاعباً أقليمياً، وعالمياً لا يستغنى عنه!
قد لا يتمكن الاسد من بيع سوريا للروس، الذين لن يرغبوا بشراء بلدٍ مفلسٍ، أعباؤه أكبر بكثير من مزاياه. لكن البقاء في السوق بحد ذاته مكسبٌ أسديٌ لا شك فيه.
المدن
————————–
روسيا إذ تحتفي بالأسد في ذكرى الثورة/ طارق عزيزة
لا يحتاج المرء كثير عناء للجزم بأن اختيار روسيا ذكرى الثورة السورية موعداً لاستضافة بشار الأسد لم يكن من باب المصادفة. وصل رأس النظام السوري إلى موسكو مصحوباً بوفد رسمي، وأقيمت له التشريفات المتّبعة في استقبال رؤساء الدول، وهو نفسُه الذي أُحضِر إليها غير مرّة، على متن طائرة شحن عسكرية، بصورة مهينة، لا تقيم وزناً لأبسط قواعد اللياقة الدبلوماسية.
غير أنّ الابتعاد عن شكليات “زيارة الدولة” التي بدت في ظاهرها تكريماً روسيّاً للأسد، وقراءتها من زاوية حقيقة العلاقة بين الجانبين، يجعلان منها مؤشّراً إضافياً على ما انتهى إليه الديكتاتور الوريث، مجرّدَ تابع صغير يرعى مصالح داعميه الكبار، ويردّد ما يرغبون سماعه. لم يوفّر بشار الأسد جهداً في تأكيد هذه الحقيقة، من خلال تصريحاتٍ أدلى بها من موسكو، في اليوم التالي للقائه الرئيسَ الروسي، فلاديمير بوتين، أعرب فيها عن ترحيبه بوجود روسيا العسكري في سورية بصفة دائمة، واضعاً إياه في سياق “توازن القوى في العالم”، ومتوهّماً نفسه حليفاً لدولة عظمى، حيث “لا يمكن للدول العظمى اليوم أن تلعب دورها من داخل حدودها فقط، لا بد أن تلعب دورها من خارج الحدود، من خلال حلفاء موجودين في العالم”، وفق تعبيره. فأيّ عالم تافه هذا، حتى يكون نظام الأسد جزءاً من استقراره، وتوازن القوى فيه!
وروسيا، إذ تحتفي بالأسد في ذكرى الثورة ضدّه، تريد تأكيد انتصارها في سورية، على هامش تعثّرها في أوكرانيا، وإرسالَ إشارات إلى المعنيين في الإقليم والعالم بأنّها صاحبة الكلمة العليا في الملفّ السوري. لذلك، تحاول تقمّص دور الحكم الذي يضبط التوازنات ويدير صراع النفوذ والمصالح الإقليمية على الأرض السورية، مستفيدةً من تنسيقها المباشر والمستمرّ مع إسرائيل وتركيا وإيران، فتستضيف اجتماعات يشارك فيها ممثلون عن النظام وإيران وتركيا، وتتيح للأسد فرصة إعلان شروطه على تركيا للقاء الرئيس أردوغان، طالباً منها الخروج الكامل من سورية، وفي الوقت نفسه، الترحيب بتعزيز الوجود العسكري الروسي فيها.
من الصعب على روسيا تحقيق هذا الدور لأسباب عديدة، يأتي في صدارتها تعذّر التفاهم مع واشنطن والدول الأوروبية بشأن سورية في الوقت الراهن، فضلاً عن الشروط الواقعية على الأرض، سواء من حيث المعطيات الميدانية وتداخل مناطق النفوذ والسيطرة، أو نتيجة تناقض المصالح بين موسكو وشركائها، وما يترتّب عليه من ضعف الثقة بين الشركاء الاضطراريين. فالتحدّيات الداخلية التي تواجههم (الاحتجاجات داخل إيران، واستحقاقات الانتخابات التركية)، وتعمل روسيا على استغلالها لتحصيل اختراقاتٍ في الملف السوري على حسابهم، لا تبدو عاملاً كافياً أو حاسماً لدفعهم إلى التراجع عن أهدافهم لمصلحتها، أو تقديم تنازلاتٍ عن “مكتسباتٍ” راكموها على مدى سنوات انخراطهم المباشر في الحرب السورية.
أمام هذا الاستعراض الروسي المستفزّ، لا بأس من التذكير بأنّ القوى التي ادّعت قبل سنوات دعم الثورة ضدّ الأسد تحمل قسطاً وافراً من المسؤولية عن بقائه. لقد ارتضت سحب مسألة “مصير الأسد” من التداول نهائياً منذ عام 2015 على أقلّ تقدير، حين أصبحت أولويتها “محاربة الإرهاب” واستعادة “الاستقرار”، وهما من الكلمات السحرية الأثيرة في قاموس الحكومات عموماً، والمستبدّة منها على نحو خاص. ومعلومٌ أنّ تحقيق “الاستقرار” أو الحفاظ عليه، كثيراً ما يكون غطاءً للتعمية على الانتهاكات والجرائم المرتكبة، وذريعةً لتمرير صفقات وعقد شراكات قذرة مع أعتى الطغاة والمجرمين، إلى درجة تجعل من العدوّ صديقاً والصديق عدوّاً والسفّاح “صِمام أمان”.
جاء التدخّل العسكري الروسي المباشر في سورية، نهايةَ سبتمبر/ أيلول 2015، ضمن تلك الرؤية، بموافقة ضمنية، إن لم تكن صريحة، من واشنطن، وفق تأكيد الرئيس الإيراني (وقتذاك) حسن روحاني، في مقابلة مع شبكة سي إن إن، في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2015، حيث نقل عن بوتين أنه “تحدّث حتى إلى السيد أوباما عن هذا الموضوع، وأنّه يودّ أن يجدّد التزامه قتال داعش وهزيمتها. والسيد أوباما رحّب بتحليله وبخطّته. ولذا فحتى مسبقاً، أُخطرت الولايات المتحدة”. إذن، لم تقم روسيا بخطواتها في سورية منفردة، والترتيبات اللاحقة بشأن تنسيق العمليات الجوية، ما بين طيرانها وطيران التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، لم تكن سوى نقاشات في التفاصيل، بعد الاتفاق على الجوهر، تحت عنوان “الحرب على الإرهاب”، ومنع “انهيار الدولة” تجنّباً للفوضى.
أثبتت الوقائع أنّ بقاء الأسد كان الوصفة المثالية للفوضى وانهيار الدولة وليس العكس، واستمرار نظامه لا يعني مفاقمة مأساة الشعب السوري فحسب، بل ازدهار الجريمة المنظّمة في المنطقة، والسير نحو عالمٍ أقلّ أمناً وأكثر إرهاباً، واتّجاراً بالمخدرات.
——————-
بشار الأسد في الإمارات لطي صفحة “الثورة”
محللون: الزخم الدبلوماسي في أعقاب الزلزال يمكن أن يعزز علاقات دمشق مع دول المنطقة
أجرى رئيس النظام السوري بشار الأسد محادثات في الإمارات اليوم الأحد، خلال ثاني زيارة يقوم بها إلى الخليج منذ الزلزال الذي وقع الشهر الماضي، وسط جهود لإعادة علاقات دمشق مع دول المنطقة، مما يشير إلى طي صفحة “الثورة” السورية.
وجاءت الزيارة إلى الإمارات، وهي الثانية له خلال عامين، بعد رحلة إلى سلطنة عُمان الشهر الماضي، وهذان هما البلدان العربيان الوحيدان اللذان زارهما الأسد منذ بداية النزاع السوري عام 2011.
ورافقت الأسد إلى الإمارات زوجته أسماء في أول رحلة رسمية لهما معاً منذ أكثر من عقد، وقالت المصادر الرسمية في البلدين إن المحادثات كانت إيجابية وبناءة لدعم وتنمية العلاقات الأخوية في ظل التطورات الإيجابية بالمنطقة، “وأهمية الاستفادة من ذلك في تحقيق الاستقرار”، بحسب بيان للرئاسة السورية.
الحروب العربية
لم يكن العالم العربي يوماً بمنأى عن الصراعات والحروب. ومن النزاعات الداخلية إلى الانقلابات، شهدت ليبيا وسوريا واليمن أسوأ حروب العالم من دون أن تعرف حتى اليوم حلولاً أو سلاماً.
وفي بيان نشرته وكالة الانباء الإماراتية الحكومية، قال الرئيس الإماراتي إنّ “غياب سوريا عن أشقائها قد طال وحان الوقت إلى عودتها إليهم وإلى محيطها العربي”.
كما شدّد على “ضرورة بذل جميع الجهود المتاحة لتسهيل عودة اللاجئين السوريين بعزة وكرامة إلى بلدهم”، معربا عن “دعم دولة الإمارات للحوار بين سوريا وتركيا لإحراز تقدم في ملف عودة اللاجئين”.
ويقول محللون إن الزخم الدبلوماسي الذي تولد في أعقاب الزلزال يمكن أن يعزز علاقات دمشق مع دول المنطقة التي قاومت حتى الآن إصلاح العلاقات بعد أكثر من عقد من الحرب.
وتأتي زيارة الأسد للإمارات بعد أن أعلنت إيران والسعودية الشهر الجاري استئناف علاقاتهما الدبلوماسية المقطوعة منذ عام 2016 إثر مفاوضات استضافتها الصين، في خطوة قد تنطوي على تغييرات إقليمية دبلوماسية كبرى.
وتعد الجمهورية الإسلامية والسعودية أبرز قوتين إقليميتين في الخليج، وهما على طرفي نقيض في معظم الملفات الإقليمية وأبرزها النزاع في اليمن، إذ تقود الرياض تحالفاً عسكرياً داعماً للحكومة المعترف بها دولياً وتتهم طهران بدعم ميليشيات الحوثي التي تسيطر على مناطق واسعة من شمال البلاد أبرزها صنعاء.
وقال وزير الخارجية السعودي أخيراً إن هناك توافقاً في الآراء عبر العالم العربي على ضرورة اتباع نهج جديد في التعامل مع دمشق لمواجهة الأزمات الإنسانية بما في ذلك الزلزال.
اندبندنت عربية
——————————–
وكالة: وساطة روسية-إماراتية للتقريب بين السعودية ونظام الأسد
تحدثت وكالة “سبوتنيك” الروسية عن “وساطة” تقودها روسيا ودولة الإمارات، من أجل تقريب العلاقات بين المملكة العربية السعودية والنظام السوري.
وقالت الوكالة في تقرير لها، اليوم الاثنين نقلاً عن مصادر لم تسمها إن “الوساطة أفضت إلى تذليل العقبات أمام الرياض والنظام، وسط ترجيحات بافتتاح القنصلية السعودية بدمشق، بعد عيد الفطر”.
وأضافت المصادر أن “العمل جار على إعادة افتتاح البوابات الدبلوماسية الرسمية بين سورية والسعودية، وذلك بعد جهود دولية وعربية جرت في هذا الإطار”، حسب تعبيرها.
ولم يصدر أي تعليق من جانب الرياض بشأن علاقتها مع النظام السوري في المرحلة المقبلة، لكن وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان سبق وأن ألمح إلى نية بلاده التواصل مع النظام ضمن “مقاربة جديدة”.
وبينما أشار كلمات بن فرحان إلى تحوّل في موقف السعودية، إلا أنه أرجأ التواصل إلى “وقت ما”، وأنه “من السابق لأوانه”.
وكان رأس النظام السوري بشار الأسد وزوجته أسماء قد أجريا زيارة رسمية إلى أبو ظبي يوم أمس الأحد، بعد يومين من وصوله إلى العاصمة الروسية موسكو، إذ التقى نظيره فلاديمير بوتين.
وجاءت هذه الزيارة إلى الإمارات في الوقت الذي يكثر فيه الحديث عن محاولات دول عربية للانفتاح على نظام الأسد، تمهيداً لإعادته إلى الجامعة العربية.
وخلال السنوات الماضية افتصرت زيارات الأسد على إيران وروسيا، وكانت تتم بشكل سري دون أي برتوكولات رسمية، ولا يتم الإعلان عنها إلا بعد عودة الأسد إلى سورية.
إلا أنه بعد وقوع الزلزال في 6 فبراير/ شباط الماضي، زار رئيس النظام دولتي عُمان وروسيا، ويوم أمس الأحد وصل إلى الإمارات.
يُشار إلى أن العلاقات بين الإمارات ونظام الأسد شهدت تحسناً متسارعاً، خلال الأعوام الماضية، إذ افتتحت أبو ظبي عام 2018 سفارتها في دمشق بشكل رسمي، وتم تكليف عبد الحكيم النعيمي للقيام بالأعمال بالنيابة.
وإلى جانب ذلك بدأت زيارة الوفود الاقتصادية بين البلدين، وعودة بعض الشركات الإماراتية للاستثمار إلى داخل سورية.
كما زار وزير الخارجية الإماراتي سورية مرتين منذ بداية العام، آخرها في الأيام الأولى عقب الزلزال المدمّر الذي ضرب تركيا وسورية.
—————————
قراءة في رحلة الأسد إلى الإمارات.. ماذا تغيّر بعد عام على الزيارة الأولى؟
غرفة الأخبار- نورث برس
على خلاف الزيارة التي أجراها الرئيس السوري بشار الأسد إلى الإمارات، في مثل هذه الأيام من العام الفائت، حظيت زيارته أمس الأحد، بمراسيم رئاسية حملت في طياتها أعلى مستوى من العلاقات ويمكن إعلانها كتطبيع كامل، فيما يبقى للاستثمار والاقتصاد تأثير على الشأن السياسي في البلد المنهك والمدمر بسبب حرب مستمرة منذ 12 عاماً وزلزال مدمر ضرب البلاد الشهر الفائت.
وجرت مراسم استقبال رسمية للرئيس الأسد لدى وصوله إلى قصر رئيس الدولة الخليجية، حيث صعد مع نظيره محمد بن زايد، إلى منصة الشرف وعزف النشيدان وأطلقت المدفعية 21 طلقة، وفق البروتوكول المعمول به.
وشدد رئيس الدولة الإماراتي خلال اللقاء مع الأسد، إن “غياب سوريا عن أشقائها قد طال وحان الوقت إلى عودتها إليهم وإلى محيطها العربي”.
لكن الملفت أن مثل هذه المراسيم غابت عن الزيارة الأولى للأسد إلى الإمارات في 18 آذار/ مارس 2022، أي قبل عام كامل من الزيارة الأخيرة التي جرت أمس.
وتم التعامل مع الأسد في الزيارة الأولى، كمسؤول بلد من الدرجة الثانية وليس كرئيس، إذ افتقرت لحرس شرف أو استقبال، رغم أنها كانت الإشارة الأبرز إلى عودة العلاقات بين أبو ظبي ودمشق.
واُستقبل الأسد وقتها بصفته رئيس دولة شبه معزول، من قبل وزير بإمارة دبي ثم أمير دبي ومن ثم الشيخ زايد رئيس دولة الإمارات، هذا ما عدا ظهوره جالساً على كرسي مصفوف إلى جانب باقي الكراسي بصالة الاستقبال عند اللقاء آنذاك.
ماذا تغيّر؟
خلال فارق عامٍ بين الزيارة الأولى والثانية، أخذت العلاقات الإقليمية – السورية منحاً آخر، أثرت عليه الحرب في أوكرانيا وأزمة الطاقة وكذلك المواجهة بين الصين والولايات المتحدة والمنافسة على النفوذ في الشرق الأوسط.
بدايةً، ظهرت في العلاقات العربية السورية خلال خلال العامين الأخيرين انفراجة. وأعادت دول عربية العلاقات بمستويات متفاوتة، كالإمارات ومصر والبحرين والأردن والعراق، تخللتها زيارات واتصالات علنية مع دمشق.
كل ذلك جاء بعد أن شهدت سوريا نزاعاً دامياً على مدار 12 عاماً، تسبّب بمقتل نحو نصف مليون شخص، ودمار هائل بالبنى التحتية والقطاعات المنتجة، وأدى إلى نزوح وتشريد ملايين السكان داخل البلاد وخارجها، كما أنه سمح بصعود تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
لكن العلاقات تطورت بشكل ملحوظ بعد كارثة الزلزال، ولم يختلف المراقبون في أنه (الزلزال وتعبياته الكارثية والانسانية) أثر على مسار التطبيع الحكومة السورية.
هذه الزيارة جاءت في وقتٍ لا خلاف فيه مع السعودية التي كانت في السابق تدعم المعارضة، بينما ترحب اليوم إلى جانب مصر بإعادة سوريا إلى ما تصفه بالحاضنة العربية.
كما أنها قامت على أنقاض الجليد الذي تحاول أنقرة كسره بينها وبين دمشق بوساطة موسكو وأبو ظبي.
وكان من المقرر أن تشهد روسيا الأسبوع الفائت اجتماعاً رباعياً في إطار التطبيع بين أنقرة ودمشق، لكن يبدو إنها اصطدمت بتصريح قاسٍ من الأسد على هامش تواجده في موسكو، إذ قال “لا لقاء مع أردوغان قبل خروج قواته من شمالي البلاد وكفه عن دعم الإرهابيين”.
ويستند موقفه على دعم روسيا والتي غالباً ما تريد وضع تركيا في مأزق مع الدول الغربية وهي أصلاً تشكك بمواقف حليفتها أنقرة المتذبذبة إزاء دول مع حلف الناتو وأخرى على وشك الانضمام.
ومن الواضح أن روسيا تتحرك إلى جانب الصين في مناطق الشرق الأوسط بمنافسة مع الولايات المتحدة وحلفائها، فتحاول تقريب نقاط المصالح وخاصة الاقتصادية منها في ظل الضغوطات الغربية المفروضة عليهما.
وجدير بالذكر أن زيارة الأسد إلى الإمارات جرت بعد سلسلة لقاءات بين المسؤولين الإماراتيين والروسيين خلال عام مضى، في خضم الحرب التي تشنها موسكو على كييف، ووسط تملّص خليجي متمثلاً بمنظمة “أوبك بلس” الشريك مع روسيا، من ضغوطات أميركية تطالب بزيادة ضخ النفط في السوق العالمية.
الاتفاقية الإيرانية السعودية
سوريا من أبزر الدول إلى جانب اليمن والعراق ولبنان التي تتأثر بالاتفاقية الأخيرة بين إيران الداعم الأبرز لدمشق والسعودية التي تلوّح إلى اقتراب موعد فتح قنوات الاتصال مع دمشق.
وحتى قبل دخولها في صفقة بوساطة صينية مع إيران، قال وزير الخارجية السعودي بن فرحان، إن عزل سوريا “لا يجدي” وأن الحوار مع دمشق “ضروري”، مشيراً إلى إمكانية عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية.
أما دمشق فاعتبرت الخطوة السعودية الإيرانية مسلكاً نحو “تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة وتعاوناً سينعكس إيجابياً على المصالح المشتركة”.
وهذا ما لمّح إليه وزير الخارجية الروسي حين اجتمع مع نظيره السوري فيصل المقداد في موسكو الأسبوع الفائت، وقال إن “المتغيرات الجارية في الشرق الأوسط بما في ذلك عودة العلاقات السعودية ـ الإيرانية ستخلق ظروفاً لتسوية سياسية في سوريا”.
ومعظم الدول العربية التي أعادت علاقاتها مع سوريا، جاءت بعد انعدام فرص إسقاط الحكومة عسكرياً في ظل الدعم الروسي والإيراني، بينما تبددت اليوم مخاوف تلك الدول بالفعل من الدخول في صراع مع الدولتين الداعمتين.
بالمقابل، ورغم استثناء المجال الإنساني من العقوبات ودعمها لمشاريع الإغاثة ما بعد الزلزال، لازالت الولايات المتحدة ودول غربية أوروبية تتخذ نهج الرفض القاطع للتطبيع مع دمشق.
الاستثمار بعد الحرب
أن يرافق وزير الاقتصاد والتجارة السوري سامر الخليل، بشار الأسد إلى الإمارات، له دلالة اقتصادية توازي الشأن السياسي.
عاجلاً أم آجلاً، سيحين مرحلة إعادة بناء سوريا بعد حل أزمتها سياسياً، فيبدأ السباق إلى الاستثمار باعتبارها (سوريا) ستكون ساحة مثالية لذلك ما بعد الحروب والكارثة التي شهدتها.
وتترقب دول مستثمرة هذه الخطوة، وقد تستعد الإمارات لدخولها بصفتها إحدى أكبر الدول ذات الامتياز في مجال الاستثمار، الأمر الذي يدفع أبو ظبي إلى التمهيد لذلك.
وتحتاج سوريا بشدة إلى تعزيز العلاقات مع الدول الغنية بالنفط حيث يتعرض اقتصادها للاختناق وليرتها للانهيار.
واستقطبت الإمارات رؤوس أموال سورية ومشاريعهم خلال فترة الحرب.
وبشهادة وزير اقتصادها، عبدالله بن طوق المري، لدى لقاء نظيره السوري سامر خليل في تشرين الأول/أكتوبر 2021، تعد الإمارات من أهم الشركاء التجاريين لسوريا على المستوى العالمي وتحتل المرتبة الأولى عربياً والثالثة عالمياً.
وتستحوذ الإمارات على ما يتجاوز نسبته %14 من تجارة سوريا الخارجية.
ورغم أن الحديث عن إعادة الإعمار سابق لأوانه من دون إطراء تغييرات سياسية في دمشق، إلا أنه عادةً ما ترتب الدول استعدادت الدخول طالما تعلم أن للحرب نهاية.
إعداد وتحرير: هوزان زبير
——————
من أفسد المفاجأة في موسكو؟/ سمير صالحة
ردت أنباء إعلامية نقلا عن مصادر دبلوماسية تركية سبب تأجيل انعقاد الطاولة الرباعية حول سوريا والمعلن عنه في 15 آذار الجاري بالعاصمة موسكو بحضور نواب وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري، لمسائل تقنية دون إعطاء أية معلومات تفصيلية أخرى. تعريف مصطلح التقنية حسب الموسوعات العلمية هو التغييرات التي أدخلها الإنسان على الأشياء الموجودة في الطبيعة، والأدوات التي صنعها لمساعدته في أعماله. فهل من المعقول أن تعرقل هذه الأمور اجتماعا مهما بهذا الوزن والأهمية ينتظره ويراهن على نتائجه أكثر من لاعب محلي وإقليمي في سوريا؟
ما هي العلاقة بين قرار التأجيل وبين مواقف دمشق الأخيرة وشروط الأسد المسبقة حيال أي مصالحة أو تطبيع مع الجانب التركي؟ وهل ما تعثر كان محاولة موسكو مفاجاة الجميع بلقاء ثنائي يجمع الأسد وأردوغان بحضور بوتين اعترضت طهران عليه وعرقلته في اللحظة الأخيرة بسبب عدم معرفتها به أو وجود أي دور لها في تحقيق هذا الإنجاز؟
أسئلة أخرى تنتظر إجابات قد لا نحصل عليها لأن خيبة الأمل كبيرة بناء على المواقف والتصريحات الرسمية والتسريبات المعلنة: هل توجهت الأسماء الأربعة المعلن عنها على مستوى مساعدي وزراء الخارجية إلى موسكو لحضور اجتماع الطاولة الرباعية؟ وهل غادرت دون أي لقاء يتم أم كان هناك لقاء غير رسمي جرى في الغرف الخلفية لمبنى الخارجية الروسية ولم يعلن عنه برغبة من الأطراف المشاركة؟
يعرف الأسد أكثر من غيره أن حديثه عن انسحابات تركية من الأراضي السورية وسط هذه الظروف المحلية والإقليمية يتطلب تحقيق أكثر من مطلب يرضي أنقرة: انسحاب القوات والميليشيات الأجنبية الأخرى المتمركزة على مقربة من الحدود التركية السورية، وحسم موضوع سلاح قسد وتنسيقها القائم مع مجموعات حزب العمال، وإنهاء مسألة التمسك بلعب ورقة داعش في شرق سوريا لتكون سبب التفجير وإشعال المنطقة هناك عند اللزوم.
يدرك بشار الأسد أن موضوع سوريا ومستقبلها هو اليوم أحد أبرز عناوين القمم التركية الروسية، وأن التقارب التركي الروسي يتزايد في البحث عن حلول وفرص سياسية جديدة لملف الأزمة هناك. من الصعب عليه إذاً أن يدخل على الخط ليتحدى الجانبين بإعلان شروطه المسبقة حيال أي تواصل يجريه مع الرئيس التركي ويحاول إفساد ما أنجزته موسكو وأنقرة حتى اليوم، لأن ذلك لن يصرف أمام طاولة التفاهمات التركية الروسية. فائض شجاعته مصدره باختصار هو إما المواقف الغربية الأخيرة الرافضة لقبول أي حوار أو تفاهم معه. أو محاولة الاستقواء ببعض العواصم العربية التي يرى أنها تحتاج إليه في هذه الآونة وستحميه من غضب أردوغان. أو هي موسكو نفسها التي أوعزت له التحرك بهذا الشكل لتضييق الخناق على المناورات التركية. أو طهران التي تم الترحيب بها أمام الطاولة لكنها تشعر أن التفاهمات التركية الروسية ما زالت تتقدم من وراء ظهرها وهي ستكون مجرد شاهد على ما سيتم الاتفاق بشأنه.
تحدث الرئيس التركي في 14 كانون الأول المنصرم عن وجود قناعة باتجاه الإقدام على خطوة ثلاثية مشتركة بين أنقرة وموسكو ودمشق في التعامل مع الملف السوري. في 28 كانون الأول الماضي عقد الاجتماع العسكري بين وزراء الأطراف الثلاثة. قبل أيام كان البعض في الإعلام التركي يتحدث متفائلا عن المرحلة الثالثة من الحوار على المستوى الدبلوماسي الرفيع أمام طاولة رباعية في موسكو، متسائلا عن توقيت زيارة الأسد إلى العاصمة الروسية وهل من الممكن ربطها بالاجتماع الرباعي أم لا؟ المبالغة والحماس في التحليل وصلا إلى مستوى الإشارة لوجود ضغوطات روسية إيرانية باتجاه الجمع بين الأسد وأردوغان في موسكو. حضر الأسد لكن الطاولة الرباعية لم تلتئم. هو ذهب أبعد من ذلك من خلال الحديث عن شروط مسبقة قبل أي حوار مع أردوغان على مرأى ومسمع الروس. الرد التركي الرسمي لم يأت بعد، لكن مستشار زعيم المعارضة ورئيس حزب الشعب الجمهوري الدبلوماسي السابق أونال شليك أوز يقول سنذكر روسيا أننا دولة أطلسية لنا تعهدات وشراكة مع الغرب وهي رسالة مباشرة لروسيا أن الأمور صباح الخامس عشر من أيار ستسير بشكل مختلف عما هي عليه اليوم.
يقول الأسد حول موضوع لقائه بالرئيس التركي بوساطة روسية أو إيرانية أن المسألة مرتبطة بالوصول إلى مرحلة تكون فيها تركيا جاهزة بشكل واضح ودون أي التباس للخروج الكامل من الأراضي السورية وإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل بدء الحرب في سوريا. من الذي مارس ضغوطات على الأسد ليطلق مواقف تصعيدية فيها الكثير من التحدي في هذه الآونة؟ وبمن يستقوي لإعلان تصريحات نارية من هذا النوع؟ بموسكو التي سيرفع حجم التنسيق الاستراتيجي معها ويفتح الطريق أمامها على وسعه للاستثمار في داخل سوريا؟ أم بطهران التي فرضت نفسها على الطاولة الثلاثية في موسكو لتتحول إلى رباعية دون أن تجتمع حتى الآن؟ أم بانفتاحه الأخير على بعض العواصم العربية التي بدأت التواصل معه تحت غطاء الدعم الإنساني للشعب السوري بعد كارثة الزلزال؟ أم هو يراهن على احتمال حدوث التغيير السياسي في تركيا بعد الاستحقاق الانتخابي ووصول المعارضة إلى الحكم لتعطيه ما يريد؟ في المحصلة من الصعب جدا الربط بين تصريحات الأسد وشروطه باتجاه أنقرة وبين قرار إرجاء اجتماع الطاولة الرباعية. مواقف الأسد تتعلق بمسألة لقائه بالرئيس أردوغان وشروطه قبل قمة من هذا النوع، بينما الطاولة الرباعية تتعلق بالمسار السياسي في سوريا الذي تشارك روسيا وإيران في رسم معالمه.
دعت واشنطن وباريس ولندن وبرلين قبل أيام وفي ذكرى الثورة السورية إلى محاسبة الأسد على ما ارتكبه من جرائم ضد المدنيين، مشيرة إلى أنها لن تقوم بتطبيع العلاقات معه أو المساعدة بإعادة الإعمار حتى يتم إحراز تقدم حقيقي في الحل السياسي هناك. هل تكون موسكو هي من أوعزت للأسد بالتصعيد ضد أنقرة وهي التي حالت دون اللقاء الرباعي في آخر لحظة، وأن السبب قد يكون الحوار التركي الأميركي الجديد حول سوريا بعد زيارة إبراهيم كالين مستشار الرئيس التركي لواشنطن وحديثه من هناك عن القرارات الأممية حول سوريا وضرورة تنفيذها والالتزام بها؟ يريد الأسد أن يلعب ورقة الانتخابات التركية لذلك يصعد ضد أردوغان وقيادات العدالة والتنمية. هل هو خيار موسكو الجديد أيضا الغاضبة من سياسة أنقرة الغربية وقرار فتح الطريق أمام عضوية فنلندا في الأطلسي، وهي ترد على المناورات التركية بتحريض بشار الأسد وعرقلة القمة الرباعية وقرار التريث بانتظار أن تنجلي الأمور في تركيا بعد الرابع عشر من أيار المقبل؟
الأسد سعيد بما يدور من حوله وهناك محاولة لتعويمه لكنه لا يعرف إذا ما كان هدف ذلك هو تسهيل رحيله أم إبقائه؟
———————
عراقيل حول القمة التركية ـ السورية المأمولة/ عمر أنهون
روسيا مشغولة بالحرب في أوكرانيا، لكنها تواصل أيضاً مشاركتها في ما يجري في سوريا، نظراً لأهميتها في الجغرافيا الاستراتيجية.
ولطالما أرادت روسيا، التي تتمتع بعلاقات خاصة وبطريقتها الخاصة مع كل من تركيا وسوريا، استعادة العلاقات بين الدولتين. وقبل بضعة أشهر، اغتنمت فرصة وشرعت في إتمام عملية من هذا النوع.
وقبل أسبوعين، أعلن وزير الخارجية التركي في مؤتمر صحافي مع نظيره الإيراني في أنقرة عن عقد اجتماع لممثلي روسيا وإيران وتركيا وسوريا، على مستوى نواب وزراء الخارجية، يوم 16 مارس (آذار) في موسكو. وقال إن الاجتماع كان للتحضير لاجتماع محتمل لوزراء خارجية تلك الدول.
ومن المفترض أن تكون المرحلة الأخيرة من هذه العملية هي الاجتماع بين الرؤساء، أو كما يحب الموالون للحزب أن يطلقوا عليهم: القادة.
بدأت العملية الروسية باجتماعات بين مسؤولي الاستخبارات في البلدين، وأعقبها في ديسمبر (كانون الأول) اجتماع بين وزيري الدفاع.
وفي بداية العملية، ذكر الجانب السوري أن انسحاب القوات التركية من سوريا ووقف الدعم لجماعات المعارضة يجب أن يكونا نقطة انطلاق للتقارب بين البلدين.
ورد وزيرا الخارجية والدفاع التركيان بأن القوات التركية موجودة فقط لمنع التهديدات القادمة من المناطق الحدودية، ولن تبقى عندما يتم القضاء على هذه التهديدات.
وربما اعتقد الجانب التركي أن هذه التصريحات قد طمأنت دمشق، وأنها الآن راضية عن السير في هذا الاتجاه. لكن الأمر لم يكن كذلك على ما يبدو.
في المساء، قبل الاجتماع الرباعي للدبلوماسيين، كان الأسد في زيارة رسمية إلى موسكو، حيث التقى بالرئيس بوتين، وكان التقارب مع تركيا أيضاً على جدول أعمالهما.
وفي مقابلة مع وكالة أنباء «سبوتنيك» الروسية الرسمية ذلك المساء، قال الأسد إنه لن يلتقي بالرئيس إردوغان إلا إذا «كانت تركيا مستعدة، بوضوح ودون أي غموض، للانسحاب الكامل من الأراضي السورية، والتوقف عن دعم الإرهاب، وإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل بدء الحرب في سوريا».
وفي اليوم التالي، صبيحة يوم الاجتماع، جرى الإعلان عن تأجيل الاجتماع «لأسباب فنية»، ولم يتم الإعلان عن موعد جديد.
لم يأمر الأسد الممثل السوري بعدم حضور الاجتماع بطريقة تحرج مضيفه الروسي، وهو الذي يدين لهذا المضيف بكل شيء تقريباً. ولا أعتقد أن قرار تأجيل الاجتماع سيكون ممكناً دون أن يكون لروسيا دور فيه.
على أي حال، ما حدث في موسكو لا يمكن أن يكون خبراً جيداً لإردوغان الذي تعرضت سياسته في سوريا لانتقادات حتى بين أنصاره.
يريد إردوغان شيئاً ملموساً مع الأسد قبل الانتخابات الحاسمة في 14 مايو (أيار)، لأنه يحتاج إلى إظهار أنه على الرغم من كل ما حدث، لا يزال بإمكانه وضع الأمور في نصابها الصحيح، وأنه الشخص الذي يمكنه حل المشكلة.
ما الذي يدفع سياسة الأسد ضد إردوغان؟
توترت العلاقات بين إردوغان والأسد إلى مستوى العداء منذ عام 2011. قد تجمعهما السياسة الواقعية حول طاولة واحدة، لكن الشعور المتبادل بعدم الثقة والكراهية من غير المرجح أن يزول قريباً، هذا إن حدث.
ومن المقرر أن تجرى الانتخابات التركية في غضون شهرين، وسيكون للقضايا المتعلقة بسوريا، وخاصة عودة السوريين والمسائل الأمنية، تأثير مباشر فيها. ومن غير المرجح أن يرغب الأسد في تقديم هدية انتخابية لإردوغان بمقابلته أو التوصل إلى اتفاق معه.
ولدى المعارضة التركية فرصة جيدة للانتصار على إردوغان. وقد يفضل الأسد الانتظار للتفاوض معها، نظراً لأنها كانت دائمة الانتقاد لسياسة إردوغان في سوريا.
ويحاول الأسد، الذي ظل معزولاً في المجتمع الدولي لسنوات عديدة، العودة إلى الظهور. وبالفعل، غطى بعض المجالات في هذا الصدد، خاصة في العالم العربي.
صحيح أن الأسد ليس بالشخصية المفضلة لدى العديد من القادة العرب، لكن الذكريات المريرة لفشل الدولة كما في حالة العراق، وطموحات إيران في المنطقة، وخطر ترك سوريا بالكامل في أيدي إيران، وتسارع الأحداث في سوريا، جميعها أسباب دفعت بشكل ما العديد من الدول العربية إلى البدء في مد جسور التواصل مع الأسد مرة أخرى.
ويركز الأسد على العالم العربي أكثر من تركيزه على أي دولة أخرى. فتخفيف حدة المواقف السلبية لعدد قليل من الدول العربية، واستعادة مقعد سوريا في جامعة الدول العربية، سيكونان إنجازين كبيرين للأسد.
ومن السمات المهمة للاجتماع المؤجل في موسكو أن إيران قد انضمت إليه أيضاً، وكان من الممكن أن يكون هذا أول اجتماع رباعي. في البداية، ولأسباب مختلفة، لم تشرك روسيا إيران في هذه العملية، لكن إيران وجدت طريقها (أو شقت طريقها بنفسها). ولست على يقين مما إذا كانت روسيا وتركيا سعيدتين حقاً بانضمام إيران، لكن عدم قبول إيران ستكون له تداعياته على الأرجح.
وتعتبر الولايات المتحدة الجزء الرئيسي الآخر من العقدة السورية. فهناك حوالي 1000 جندي أميركي في سوريا يواصلون العمل مع حلفائهم المحليين المتمثلين في «قوات سوريا الديمقراطية». وقد صوّت مجلس النواب مؤخراً ضد مشروع قانون يقترح سحب القوات الأميركية من سوريا.
ويقف الأميركيون ضد عقد اجتماعات وإقامة علاقات مع الأسد. وقد ذكرت الولايات المتحدة أن قرار مجلس الأمن رقم 2254 هو الطريق إلى الأمام للتوصل إلى حل سياسي وسلام دائم. هذا صحيح، لكن، لا الولايات المتحدة ولا الدول التي تفكر بنفس النهج تفعل شيئاً ذا معنى في هذا الاتجاه. على العكس من ذلك، فإن العديد من الأطراف مقتنعة بأن وجود الأميركيين وسياساتهم يجعلان الأمور أسوأ.
في هذا الصدد، على سبيل المثال، تشعر كل من تركيا وسوريا بالقلق من أن دعم الولايات المتحدة لـ«وحدات حماية الشعب / قوات سوريا الديمقراطية» يشجع على الانفصال ويعرض سلامة أراضي سوريا للخطر.
إن تأجيل الاجتماع في موسكو لا يعني بالضرورة نهاية العملية، إذ يمكننا أن نتوقع من روسيا متابعة القضية.
لكن، كما هو الحال، فإن الضغوط الانتخابية في تركيا وموقف الأسد القائل «لقد كسبت الحرب وأنا صاحب اليد العليا» يشكلان موقفاً مضللاً من نواح كثيرة، وسيستمران في التأثير. وفي ظل هذه الظروف، قد لا يتوقع المرء رؤية إنجاز كبير ذي مغزى في وقت قريب.
—————————–
فوكس نيوز: عروض بشار الأسد لروسيا تهدد أمن أميركاترجمة: ربى خدام الجامع
التقى في الكرملين يوم الخميس الماضي أشد حاكمين استبداداً في العالم، وهما رئيس روسيا فلاديمير بوتين، ورئيس النظام في سوريا، بشار الأسد، الذي يعتبر مسؤولاً عن أكثر الحروب دموية في القرن الحادي والعشرين، وذلك ليناقشا مسألة توسيع الوجود العسكري الروسي في سوريا.
بيد أن الاتفاق بين أهم عدوين لأميركا أثار تساؤلات حول ما إذا كانت إدارة بايدن قد اتخذت وضعية الدفاع وفقدت نفوذها بسرعة على منطقة تعتبر إحدى المناطق الحساسة في العالم.
في مقابلة أجرتها وكالة RIA للأنباء التابعة لدولة روسيا، قال الأسد: “نرى بأن توسيع الوجود الروسي في سوريا أمر جيد، فالوجود العسكري الروسي في أي دولة يجب ألا يقوم على أي شيء مؤقت”.
تضارب في المصالح
عندما تدخل بوتين بالحرب السورية في عام 2015، ساهم بذلك في قلب الموازين لصالح الأسد، ما ضمن بقاء هذا المستبد على الرغم من مطالبة الدول الغربية بإسقاطه، وذلك لأن الأسد شن حرباً على شعبه نجم عنها قتل أكثر من 500 ألف إنسان بينهم الضحايا الذين أعدموا في حرب كيماوية.
إن هذا التوسع المرتقب لوجود القوات الروسية وقواعدها العسكرية في سوريا لابد وأن يفرض تحدياً جديداً على إدارة بايدن وسياستها في الشرق الأوسط، إذ يرى خبراء في الأمن القومي الأميركي بأن الصين وروسيا باتتا تتفوقان على الولايات المتحدة في المنطقة التي أقامت واشنطن لنفسها فيها نفوذاً كبيراً على مر التاريخ.
ترى ريبيكا كوفلار وهي محللة سياسية سابقة لدى وكالة استخبارات الدفاع الأميركية بأن بوتين بدأ في التفوق على الولايات المتحدة في الشرق الأوسط منذ أيام الرئيس أوباما، أي مذ كان بايدن نائباً للرئيس، وتضيف: “لقد خدع بوتين أوباما ونائبه عبر السماح للروس بإخراج الأسلحة الكيماوية من سوريا، إذ في عام 2013، اكتشف الروس وجود انفراجة في ذلك، فاستغلوا الفرصة لزيادة نفوذهم العسكري هناك، كما حاولوا قلب الموازين لصالح روسيا في الشرق الأوسط، ثم صار بوتين يسعى لتشكيل تحالف مناهض للولايات المتحدة يتألف من روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية وسوريا”.
وتابعت كوفلار، مؤلفة كتاب: (دليل عمل بوتين)، بأن هذا الرجل: “يرغب بجعل إدارة بايدن تعتقد بأنه بوسعه المساعدة في عقد اتفاق نووي مع إيران، وفي إجراء تسوية من أجل إحلال السلام في سوريا، ولكن الحقيقة هي أن بوتين لن يفعل أي شيء يمكن أن يصب ضمن المصالح الاستراتيجية الأميركية، خاصة في الوقت الحالي الذي تقوم فيه الولايات المتحدة بدعم أوكرانيا، ما جعل مصالح الأمن القومي لدى روسيا والولايات المتحدة تتضارب بشكل كبير”.
سياسة التحالفات
هذا ولقد كشفت فوكس نيوز خلال هذا الأسبوع بأن ألد ثلاثة أعداء لأميركا، أي روسيا والصين وإيران، يخططون لإجراء تدريبات عسكرية بحرية مشتركة في خليج عُمان، وقبل أسبوع على ذلك، توسطت الصين في اتفاقية تقارب بين العدوتين اللدودتين: السعودية وإيران.
فيما ذكر ناطق رسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية بأن: “الأدلة التي تدين روسيا واضحة، ولا يهم أين تورطت عسكرياً، لأن المدنيين هم من يدفعون ثمن دليل العمل المدمر الذي ينتهجه الكرملين والذي يعمد إلى قتل المدنيين لصالح بوتين، وهذا ما اتضح خلال الحملات العسكرية الروسية في سوريا وليبيا وأوكرانيا، حيث استخدم الروس قواتهم العسكرية والرديفة لاستغلال المدنيين في مناطق النزاع، ولتعزيز المصالح الأنانية لموسكو”، وأضاف: “لقد تسببت الحملة العسكرية الروسية في سوريا التي أتت لتدعم نظام الأسد بدمار كبير، بالإضافة إلى القتل والتشريد الذي طال الآلاف من المدنيين. وهذه العمليات العسكرية تقوض شروط الحل السياسي للنزاع السوري، كما أن روسيا لم تبذل أي جهد حقيقي للدفع نحو ظهور تغيرات حقيقية في السلوك المريع الذي تبديه الحكومة السورية تجاه شعبها”.
وأكد الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية على أن: “تركيز روسيا يجب أن ينصب على تعزيز التوصل لحل سياسي في سوريا بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2254، بدلاً من التسبب بالمزيد من المعاناة للشعب السوري”، والقرار رقم 2254 الذي صدر قبل ثماني سنوات يرسم مسار عملية سلمية لوقف سفك الدماء في سوريا.
في حين ذكر مايكل روبين، وهو عضو رفيع وخبير بشؤون الشرق الأوسط لدى معهد المشروع الأميركي، بأن: “الوقوف مع الحلفاء مهم، فقد وقفت روسيا بجانب حليفها دون أن يرف لها جفن، ولهذا فإن ما قدمه الأسد ليس بمكافأة لبوتين فحسب، بل إنه أرسل عبر هذه الحركة إشارة لكل زعيم ورئيس في المنطقة، وهذا لا يتصل فقط بتبني روسيا لسوريا، بل يتعلق أيضاً بمغازلة روسيا لمصر والسعودية”.
وأضاف روبين: “علينا أن نقيس السياسة بحسب هذا الواقع، فالكرد السوريون حلفاء وأصدقاء، وإذا كانت تركيا تدعم وكلاءها، وروسيا تراهن على الأسد، فعلينا أن نراهن على الكرد، فهم تقدميون أكثر، ولديهم مقاتلون أشداء، ويرغبون بالالتزام بتوجه مؤيد للغرب، أي أن القضية لا تتصل فقط بما ينبغي على الولايات المتحدة فعله، بل أيضاً بما يجب ألا تفعله أيضاً”.
الدمار في حي الأنصاري الذي كان بيد الثوار في حلب الشرقية – التاريخ 20 كانون الثاني 2017
تطبيع عير مشروط.. انحسار الأمل بإعادة إعمار سوريا مع دخول الثورة عامها الـ 13
ثم إن سوريا بلد مقسم، حيث تسيطر تركيا على أجزاء منه، وكذلك الكرد، وروسيا، فيما يسيطر الأسد على ما تبقى.
لا مجال للسذاجة وإعادة الإعمار
وتعليقاً على ذلك يقول روبين: “إن ذلك ما يؤكد بأن سوريا لن تتوحد، بل في أحسن الأحوال، ستصبح سوريا مثل الصومال خلال حقبة التسعينيات، بوجود تركيا التي تسيطر على منطقة فيها، وتوسع النفوذ العسكري الروسي فيها اليوم، أي أنها ستنقسم إلى مناطق نفوذ يحكمها أمراء حرب محليون مختلفون”.
كما حذر روبين من مخاطر إرسال المساعدات للنظام السوري، حيث قال: “إن أي تمويل نقدمه للمنظمات الدولية تحت ستار مساعدات إعادة الإعمار في سوريا سيتحول بلا شك إلى مكافأة لوكيل روسيا على قتله للناس بصورة جماعية، والمال يمكن الاستعاضة عنه بأشياء أخرى، ثم إن ما نقدمه باسم إعادة الإعمار يساعد الأسد وبوتين على إقامة قاعدة عسكرية بصورة أساسية، وإن تقديم الأسد لعروض [لصالح بوتين] يكشف عن أولوياته، ولهذا ينبغي علينا أن نبتعد عن السذاجة هنا”.
عروض لروسيا تهدد أمن أميركا
قدم الأسد لموسكو العديد من المكافآت المادية خلال زيارته لروسيا، حيث قال لبوتين: “نؤمن بأن لدى روسيا رغبة بتوسيع قواعدها أو زيادة تعداد جنودها، وهذه مسألة تقنية أو لوجستية”.
ولهذا تحذر كوفلار بالقول: “من المفيد لروسيا زيادة قواعدها في سوريا، ولهذا من المرجح أن يوافق بوتين على هذا العرض، وبما أن القوات الروسية والأميركية تعمل في أماكن تتاخم بعضها البعض في سوريا بالأصل، لذا فإن توسيع موطئ القدم الروسية في المنطقة سيمنح بوتين مزيدا من النفوذ وسيقدم للقوات الروسية مزيدا من الفرص في جمع المعلومات الاستخبارية حول التكتيكات الحربية القتالية للجيش الأميركي، وحول العتاد العسكري وغيرها من الأمور، فالروس يدرسون أساليب الحرب الأميركية بشكل كامل، بحثاً عن مواطن ضعف، بهدف الخروج باستراتيجيات مضادة”.
وقف النظام السوري إلى جانب روسيا في حربها على أوكرانيا، كما أعلن الأسد، عندما قال لبوتين: “بما أن هذه هي زيارتي الأولى منذ بدء العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، أود أن أكرر موقف سوريا الداعم لهذه العملية الخاصة”، وذلك بحسب ما ورد في النسخة الصادرة عن الكرملين.
كما اعترف النظام السوري بالأقاليم التي انتزعتها روسيا من أوكرانيا على اعتبار أنها روسية، حيث قال الأسد: “أقول بإنها أراض روسية، وحتى في حال عدم قيام الحرب، ستبقى هذه الأراضي روسية على مر التاريخ”.
بوتين يستقبل الأسد في موسكو.. والنظام يعرقل التطبيع مع تركيا
الأسد وبوتين يرحبان باستئناف العلاقات السعودية الإيرانية
لقد حدد النزاع السوري سنوات الأسد كرئيس، وذلك مع اندلاع الاحتجاجات السلمية في عام 2011 قبل تدهور الأمور ووصولها إلى نزاع دخلت فيه أطراف عديدة، وتسبب بتدمير ذلك البلد الشرق أوسطي، كما جاء بالغريب من الأصدقاء والأعداء إلى البلد.
استطاع الأسد استعادة الكثير من أجزاء سوريا بمساعدة روسيا وإيران، وهو يؤمن بالفكرة القائلة إن حلفاءه أشد تمسكاً ببقائه مقارنة بإصرار أعدائه على هزيمته.
إلى جانب قاعدة حميميم الجوية التي تشن روسيا منها غاراتها الجوية التي تدعم من خلالها الأسد، تسيطر موسكو أيضاً على مرافق بحرية عسكرية في طرطوس التي تحولت إلى موطئ قدم بحرية لها على ساحل المتوسط، والتي بقيت تحت إمرتها منذ أيام الاتحاد السوفييتي.
ولهذا أعلنت وزارة الدفاع الروسية في كانون الثاني الماضي عن استعادة روسيا وسوريا لقاعدة الجراح العسكرية الجوية في الشمال السوري وذلك حتى تقوم كلتا الدولتين باستخدام تلك القاعدة سوية، وهذه القاعدة العسكرية الصغيرة التي تقع شرقي حلب قد انتزعت من يد مقاتلي تنظيم الدولة في عام 2017، غير أن الحكومة الروسية لم ترد على الأسئلة التي أرسلت إليها للتعليق حول هذا الموضوع.
المصدر: فوكس نيوز
————————————–
====================
تحديث 18 أ1ار 2023
———————
كيف تجنب الأسد مسار “تطبيع” إجباري مع تركيا في موسكو؟/ إياد الجعفري
أثارت زيارة رأس النظام السوري، بشار الأسد، إلى روسيا، جملة من إشارات الاستفهام بصورة عقّدت القدرة على قراءة الطبيعة الدقيقة للعلاقة بين النظامين الحاكمين، في دمشق وموسكو.
بدايةً، شابت الضبابية موعد الزيارة. ورفض “الكرملين” الإقرار بموعدها، الذي حددته صحيفة “فيدوموستي” الروسية وفق تسريب، اتضح لاحقاً أنه كان دقيقاً. ولم يكن مقنعاً التذرع بـ “أسباب أمنية” لتبرير عدم تحديد موعد الزيارة بدقة. الأمر الذي فتح الباب لتأويلات، أبرزها، وجود ضغوط روسية على الأسد، حيال “التطبيع” مع تركيا. ومما عزّز من قوة هذا التأويل، أن موعد زيارة الأسد المسرّب وفق الصحيفة الروسية، طابق الموعد المقرّر مسبقاً، لعقد اجتماع “رباعي” يجمع نواب وزراء الخارجية من تركيا وإيران وروسيا والنظام السوري، في موسكو، وفق ما نقلت مصادر تركية، في حينه. وهو موعد لم تؤكده المصادر الروسية، أيضاً.
هذه الضبابية من الجانب الروسي عبّرت عن عدم اليقين لدى صانع القرار في أكثر من ملف، يرتبط بالشأن السوري والتركي، على حدٍ سواء. قبل أن تكشف التطورات والتصريحات التي رافقت الزيارة، أن الروس ذاتهم، ما عادوا في عجلة من أمرهم، حيال تطوير “التطبيع” بين أنقرة ودمشق. من دون أن ينفي ذلك إصرارهم على الذهاب قدماً في هذا المسار. لكن برويّة، تعكس تعقيد ملفات العلاقات بين موسكو وأنقرة، وارتباط جُلّ الحسابات الروسية، بملف الحرب في أوكرانيا. وهو ما أدركه الأسد فخاطب بوتين باللغة التي يفهمها، مراهناً على هامش استقلالية أكبر، استطاع تحصيله من جراء انفتاح عربي جزئي عليه، جعل موسكو ترفع من تقديره في حساباتها.
وجاءت التفاصيل الشكلية التي رافقت الزيارة، والتصريحات التي أطلقها الأسد خلالها، لتؤكد ذلك. فالأسد -الذي لم يحظ طوال العقدية المنصرمة، وخلال أربع زيارات إلى روسيا، باستقبال رسمي، أو بإعلان آنيّ عن الزيارة-، استُقبل هذه المرة استقبالاً مختلفاً كُليّةً. ونجح نسبياً، في فرض رؤيته على الموقف الروسي من مسار “التطبيع” مع تركيا. ولا يُنسب هذا النجاح إلى حنكة الأسد، بقدر ما يُنسب إلى ثقل الملف الأوكراني على صانع القرار الروسي، الذي بات يربط كل شيء، بهذا الملف. لذا، لا تملك موسكو رفاهية الضغط الشديد على حلفائها، مهما ضعفُوا –من قبيل الأسد-، خشية خسارة جانب من نفوذهم عليهم، لصالح بدلاء متوافرين –إيران-، أو محتملين –دول الخليج أو حتى الصين، الوارد الجديد بقوة إلى ملفات الشرق الأوسط-.
ما يدعم هذه القراءة، ذاك الوفد الاقتصادي الذي رافق الأسد إلى موسكو، مما يعني أن النظام يراهن على انفراجة في الدعم الاقتصادي الروسي له، طالب بها، علناً، على لسان محللين موالين له، أكثر من مرة، منذ الشهر الأخير من العام المنصرم، حينما وصل الانهيار الخدمي من جراء أزمة الوقود، إلى مستوى غير مسبوق.
وفيما ترك الأسد التفاصيل الاقتصادية لوزرائه المعنيين، ركّز من جانبه على البروباغندا والتفاوض على معادلة وسط بينه وبين صانع القرار الروسي، في مسألة سرعة ومعادلات تطوير مسار “التطبيع” مع أنقرة.
أما على صعيد البروباغندا. فقد ركّز الأسد على إسماع الروس ما يحبون سماعه، من حديث عن “النازية الجديدة” في أوكرانيا، وريثة “القديمة”، التي كان قد احتضنها الغرب، حسب وصفه. ورغم المغالطات التاريخية في خطاب الأسد، فإن الهدف منه، هو الوصول لآذان الروس تحديداً، وليس لآذان طرف محايد. والقصد منه، أن يقول لهم: نحن حلفاؤكم، ونتبنى روايتكم عن التاريخ والحاضر. وننتظر منكم، المِثل في القضايا المحورية التي تخصنا.
وفي تصريحاته، كان لافتاً ترحيبه بزيادة عدد القواعد العسكرية والجنود الروس في سوريا، في إطار “لعبة التوازن الدولي الذي تلعبه موسكو من خارج حدودها”. والحديث عن بقاء دائم لهذه القواعد والقوات، بوصفه “أمراً ضرورياً في المستقبل”. وبذلك قايض الأسد البعد الاستراتيجي للوجود الروسي في سوريا –الذي يراهن عليه صانع القرار في موسكو، بصورة كبيرة-، بهامش استقلالية أكبر على صعيد التعامل مع ملف “التطبيع” مع تركيا. وبدعم اقتصادي يخفف من وطأة الانهيار المعيشي في مناطق سيطرته.
وحصل الأسد على ما يريد في ملف “التطبيع”. إذ أُؤجِل الاجتماع المزمع لنواب وزراء الخارجية لكل من تركيا وروسيا وإيران والنظام، والذي كان من المقرر عقده في 15 و16 آذار الجاري. وحصل ذلك، رغم أن وفود تركيا والنظام وصلوا بالفعل إلى موسكو. ولم يتم تحديد موعد آخر للاجتماع. وقد استفاد الأسد مما يبدو أنه استياء روسي من موافقة تركية مرتقبة لانضمام فنلندا إلى حلف شمال الأطلسي، لتعزيز موقعه في أثناء التفاوض مع بوتين في الاجتماع المغلق الذي دام ثلاث ساعات.
لكن مسار “التطبيع” لن يتوقف، حسبما أكد الأسد نفسه، في تصريحاته للإعلام الروسي. إلا أن ذلك المسار سيسير بناءً على معادلات شارك الأسد في صناعتها مع حليفه الروسي، وليس وفق إملاءات من ذاك الحليف. أبرز تلك المعادلات، خروج تركيا من الأراضي السورية، ووقف دعمها للمعارضة، بصورة تجعلها خارج معادلة التأثير في الشأن المحلي.
وبذلك نجح الأسد –حتى الآن- في تجنب مسار تسوية كان من المحتمل أن يخرج عن سيطرته، ويجبره على التفاوض جدياً، مع شركاء محليين ليكونوا طرفاً في تركيبة “الدولة السورية”، في إطار تسوية إقليمية. إذ ما كان يمكن لتسوية مع تركيا أن تنجح، إلا وفق معادلات تضمن استقرار “الشمال السوري”، وعدم حصول موجة نزوح مليونية منه. وهو ما لا يمكن أن يحدث إلا بتسوية سياسية، يضطر فيها الأسد لتقديم تنازلات لسوريين. وهو أمر حارب الأسد أكثر من عقدٍ لتجنبه. فالأسد يقدم التنازلات للخارج فقط، شريطة أن يكون الكفيل المحلي الوحيد لمصالحهم على التراب السوري.
تلفزيون سوريا
———————–
الأسد في موسكو:استدعاء علني/ بسام مقداد
إستدعاء الأسد إلى موسكو، إختلف في الشكل هذه المرة عما كان يتم عليه في السابق. فقد جرت العادة أن يعلن عنه بعد حصوله وعودة الأسد إلى دمشق، بعد أن يكون قد تم التداول معه في المهمات المقبلة لوجوده في السلطة. فقد توقف كثيرون من المحللين الروس عند علانية زيارة الإستدعاء والحديث عن موعدها ومهمتها قبل أسابيع من ذلك. كما إستوقفهم تنظيم إستقبال رسمي للأسد عند سلم الطائرة، وإن كان على مستوى مسؤول في الخارجية وليس الوزير أو من مستواه.
الحديث الذي بدأ قبل أسابيع عن إستدعاء الأسد إلى موسكو، ترافق مع تحديد هدفه الرئيسي في تسريع تطبيع علاقات الأسد مع أردوغان، والضغط عليه للتخلي عن شروطه غير الواقعية التي يرفعها في وجه هذا التطبيع. وتوقيت الحدث بعد أيام من مبادرة الصين في مصالحة إيران والسعودية، جعله يبدو متمماً للمبادرة الصينية في تعزيز وجود تحالف الصين ــــ روسيا في الشرق الأوسط، والحلول مكان الوجود الأميركي الآفل. وإستغل طرفا التحالف التشنج المتزايد في علاقات الولايات المتحدة مع حليفيها المزمنين في المنطقة ــــ تركيا والسعودية لإبراز قدرتهما وعجز الولايات المتحدة على التوسط في الصراع الإيراني السعودي وخلفياته الدينية، والنزاع التركي السوري المرافق للأزمة السورية. وإذ تسعى الصين للحلول مكان الولايات المتحدة في ضمان أمن السعودية، بما فيه العسكري، تسعى روسيا لتعزيز موقع أردوغان في الناتو بوجه إملاءات الولايات المتحدة. الصين بإمكانياتها الإقتصادية الهائلة، وبالمعنى الواسع للكلمة، لست بحاجة لا للسعودية ولا لإيران، في حين أن روسيا، وفي ظل غزوها لأوكرانيا وعزلتها والعقوبات الغربية، بحاجة ماسة للتعاون الإقتصادي مع أردوغان، وكذلك لوزنه السياسي في الناتو. وهي معنية بتقديم ورقة تطبيع العلاقات مع الأسد له، ومنحه ورقة رابحة بوجه المعارضة التركية عشية الإنتخابات الرئاسية,
لكن يبدو أن ورقة المصالحة هذه قد انتزعت حالياً من يد موسكو، حيث تم تأجيل لقاء نواب وزراء خارجية ترويكا أستانة مع سوريا في 16 الجاري بموسكو، وذلك بطلب من تركيا، حيث يعارض مؤيدو أردوغان بشدة عملية التطبيع مع الأسد. وليس من الواضح متى تعود موسكو للإمساك بهذه الورقة، وستتكفل نتائج الإنتخابات التركية بالإجابة على هذا السؤال.
تغطية الإعلام الروسي الموالي إقتصرت على الخبر قبل إنطلاق المفاوضات في الكرملين. لكن ما أن أُعـــــلن عن إنتهائها، حتى بدأت تتوالى نصوص المواقع الإعلامية مع آراء المحللين والكتاب السياسيين الروس. وقد توقفت جميعها عند علانية زيارة الإستدعاء والحديث المسبق عن موعدها التقريبي، وإستفاض الكثيرون في تفسير هذه العلانية ودلالاتها وأبعادها وما تعنيه في وضع الأسد الراهن.
صحيفة الكرملين vz ذهبت بعيداً في تفسير هذه العلانية، وإعتبرت أنها جعلت الزيارة “فريدة من نوعها”. ورأت أنه لم يعد هناك ما يخشاه الأسد على أمنه، حيث أصبح يحكم سوريا “بحزم” ، بإستثناء “الشريط الذي تسيطر عليه تركيا في الشمال والأراضي الكردية التي تسيطر عليها أمريكا في الشرق”. وعدا العلانية، قالت بأن للزيارة “أهدافاً إستراتيجية”. ورأت في مقدمة نصها بعنوان لافت “الأسد يعيد لروسيا ديناً مقدساً”، أن سوريا أصبحت مشاركة في السباق الجيوسياسي العالمي، الذي تخوضه الآن روسيا والصين معاً.
وعن ترحيب الأسد بتوسيع القواعد العسكرية الروسية وإضافة أخرى جديدة وتجنيد “متطوعين” سوريين للإنضمام للقوات الروسية في أوكرانيا،، نقلت الصحيفة عن خبير روسي بالشرق الأوسط قوله بأنه “منطقي جداً” أن يعيد الأسد “ديناً مقدساً، إذ ليس لدمشق “حليفاً أكثر قوة وأهمية من روسيا”، والقواعد الروسية تضمن “الهدوء” في سوريا.
صحيفة Gazeta.ru الإلكترونية الروسية نشرت نصاً بعنوان “مشاكل كثيرة، أجوبة معدومة. لماذا جاء الأسد إلى روسيا”. قالت الصحيفة أن وزيري الدفاع الروسي والسوري أشارا في محادثاتهما إلى أن الحملة العسكرية الروسية في سوريا حققت منذ إنطلاقها “نجاحات كبيرة” قي تحرير سوريا من “الإرهابيين والمتطرفين.
تنقل الصحيفة عن خبير روسي قوله بأنه ليس باستطاعة روسيا الإستجابة إلى رغبة الأسد في زيادة تواجدها العسكري في سوريا، والتي أفصح عنها في اجتماعه مع بوتين. ويستعرض الخبير القوى الموجودة على الأراضي السورية الآن، ويقول بأنه إذا اضفنا إلى المشاكل التي يخلقها هذا الوجود إنخراط الطاقات العسكرية والإقتصادية الروسية في الحرب الأوكرانية، يصبح من الواضح أنه في حال تأزم الوضع في سوريا، من المستبعد أن تتمكن روسيا من تقديم المساعدات بحجمها السابق. ويؤكد بأنه لا مجال للشك بأن الأسد جاء إلى روسيا لطلب زيادة المساعدة العسكرية والإقتصادية من روسيا.
ويقول الخبير بأن أحد الأسئلة الأساسية المطروحة اليوم هو قضية إعادة إعمار سوريا المدمرة، والتي تتجاوز تكاليفها 100 مليار$. وروسيا المنهكة بحزم العقوبات المتوالية والانكماش الإقتصادي المتواصل لا تملك هذه الأموال. حتى لو كانت في حوزة موسكو مثل هذه المبالغ، فليس من المفهوم كيف ستوفق بين مساعدة “الشعب السوري الشقيق” وبين متطلبات الأطراف الروسية.
ويعود الخبير ليؤكد أن موسكو، وبسبب الموارد المحدودة ولإتخراط في الحرب الأوكرانية، ليس لديها ما تستجيب به لمثل هذا الإقتراح. ويطرح مشكلة مصير القواعد العسكرية الروسية في سوريا ما بعد الأسد، ويقول بأن لا جواب واضحاً ومحدداً على ذلك. ويتذكر في هذا السياق ما حدث للقوات الروسية في مصر بعد رحيل عبد الناصر، حين طلب منها أنور السادات العام 1972 مغادرة مصر في غضون 24 ساعة، على الرغم من نجاح هذه القوات في تأدية مهمتها آنئذٍ. ويرى أن القوات الروسية في سوريا حققت نجاحاً لا شك فيه في أرض المعركة، ويتساءل ما إن كانت ستتمكن روسيا من ترجمة هذا النجاح إلى نتيجة سياسية طويلة الأمد، “ليس من الواضح حتى الآن”.
الكاتب السياسي في صحيفة NG الروسية إيغور سوبوتين نشر يوم زيارة الإستدعاء نصاً تمحور حول علانيتها، عنونه بالقول “روسيا تغير شكل تواصلها مع الأسد”. وفي رد على سؤال “المدن” ما إن كان يرى علاقة بين مبادرة الصين الإيرانية السعودية وزيارة الإستدعاء للأسد، قال يانه لا يرى علاقة بين الحدثين “المختلفين كليا”. ورأى أن “الصفقة” التي تم التوقيع عليها في الصين قد تمنح موسكو ودمشق بعض الأمل بأن السعودية، وفي مرحلة ما وبالتوافق مع إيران، ستستعيد علاقاتها بسوريا وتقدم مساعدة إقتصادية لدمشق.
وعن فرضية رغبة موسكو في تعزيز موقع أردوغان في الناتو بوجه الولايات المتحدة بواسطة الضغط على الأسد لتسهيل التطبيع التركي السوري، قال سوبوتين بانه كان لافتاً توقيت تأجيل لقاء نواب وزراء الخارجية الروسي والتركي والإيراني والسوري خلال زيارة الأسد. وجاء هذا التأجيل بناءً لطلب تركيا، حسب ما صرحت به شخصيات رسمية تركية. وقال بأنه ليس واثقاً ما إذا كان التطبيع مع الأسد يعطي أردوغان شيئاً ما في علاقته مع الغرب والناتو. وهو بحاجة للتطبيع فقط في الداخل، حيث يفترض الأتراك أن إستعادة العلاقات الرسمية مع نظام الأسد يساعد في عودة اللاجئين إلى سوريا. والمعارضة التركية تنشط في إستغلال هذه الورقة، وليس أمام أردوغان سوى إنتزاعها من المعارضين.
———————-
الأسد عن أردوغان: شخص إخواني انتهازي.. عديم الصدق والوفاء
وصف رئيس النظام السوري بشار الأسد، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالإخواني والانتهازي وعديم الوفاء وذلك بسبب تفضيل مصالح حزب “الإخوان المسلمين” الذي ينتمي إليه الرئيس التركي بشكل عميق خلال الحرب في سوريا، وفق قول الأسد.
وقال الأسد في مقابلة متلفزة مع قناة “روسيا 1” خلال زيارته إلى روسيا، إن الرئيس التركي لم تعنيه علاقة الصداقة العائلية التي كانت تربطهما، عقب تدخله بالحرب في سوريا، معيداً السبب إلى “تفضيله المصلحة الإخوانية الانتهازية” في الدرجة الأولى.
وأضاف أن أردوغان هو “شخص إخواني ينتمي للإخوان المسلمين بشكل عميق ومعلن وهو لا يخفي هذه الحقيقة، مشيراً إلى أن هذا الامر ليس رأيه فقط، وإنما رأي بعض الأتراك المقربين منه والذين يعرفونه معرفة شخصية”.
وتابع الأسد: “الشخصية الإخوانية أو الإخوان المسلمون بشكل عام يسعون لشيء واحد هو الوصول إلى السلطة ويستخدمون الدين من أجل الوصول إلى السلطة، لا يستخدمون الدين من أجل إصلاح المجتمع أو نشر المحبة بين الناس أبداً، لكن كل هذه الأمور لا تعنيهم، فالمصلحة الإخوانية هي أولاً”.
وقال إنه مع بداية الحرب في سوريا توجهت إدارة الرئيس بارك أوباما إلى تسليم الإخوان المسلمين دفة القيادة في الوطن العربي، معيداً السبب إلى أن الدول العلمانية لم تحقق ما تريده الولايات المتحدة بالسيطرة على الشعوب العربية في موضوع تقديم التنازلات عن الحقوق.
وأضاف أن واشنطن كانت ترى في الحكومة الإخوانية التي تحكم باسم الدين قدرة أكبر على السيطرة على الشعوب، إلا أن ذلك التوجه الأميركي فشل بحسب الأسد، لأن “الشعوب العربية لا تفكر بهذه الطريقة، هي تميز بين الدين بمعانيه الحقيقية وبين الطريقة الانتهازية التي يطرحها الإخوان المسلمون”.
وقال الأسد: “عندما بدأت الأمور بهذا الشكل كان من الطبيعي بالنسبة لشخص إخواني (أردوغان) أن يذهب باتجاه المصلحة الإخوانية”. وتابع:” الوفاء، الصداقة هي أشياء ليس لها قيمة ولا يفكر للحظة بها، كل تلك العلاقة كانت قيمتها صفر بالنسبة لهذا الشخص مقابل مصلحة التوجه الإخواني الانتهازي، فلكي تكون إخوانياً لابد أن تكون انتهازياً، لا يمكن أن تكون إخوانياً وتكون صادقاً”.
لكن الاسد في الوقت نفسه، أبدى استعداده للحوار مع الرئيس أردوغان، قائلاً: ” لابد من الفصل بين المشاعر الشخصية والمصلحة الوطنية، المصلحة الوطنية هي الأهم فإذا كان هناك أي لقاء مع أي طرف، أردوغان أو غيره، يحقق مصلحة سوريا وينهي الحرب ويوقف نزف الدماء فمن الطبيعي أن نسير في اتجاهه، هذا الشيء غير قابل للنقاش، لا يجوز أن ننطلق من الغضب أو من غير ذلك من المشاعر، هذا خطأ”.
وأضاف أنه من أجل الحوار “بدأنا المفاوضات على المستوى الأمني وعلى مستوى وزراء الدفاع، والآن نناقش اللقاء على مستوى معاوني وزراء الخارجية، وربما نصل لوزراء الخارجية وهذا يعتمد على تفاصيل الحوار بيننا وبينهم”.
وكان الأسد وصل إلى العاصمة الروسية موسكو على رأس وفد وزاري كبير الثلاثاء، حيث اجتمع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على مرتين، الأولى بحضور وفدي البلدين، والثانية مغلقة استمرت نحو 3 ساعات، كما عقدت اجتماعات ثنائية سياسية عسكرية واقتصادية بين وزراء الوفدين، بحسب وكالة “تاس” الروسية.
ورفع الأسد خلال وجوده في موسكو، من سقف المفاوضات بين نظامه والأتراك ضمن مسار التطبيع، والذي أدى إلى تأجيل اجتماع نواب وزراء الخارجية الذي كان مقرراً بالتزامن مع وجوده في موسكو.
———————-
الأسد تحدث بلغة «المنتصر» وطرح شروطاً للتطبيع مع أنقرة
موسكو تربط التعاون الاقتصادي بالتقدم على المسار السياسي للأزمة
موسكو : رائد جبر
قد تكون أبرز نتائج زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى موسكو، تلك المتعلقة بتعثر جهود موسكو في الإعلان عن اختراق كبير في مسألة تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة. ربما كان الكرملين يأمل في أن تسفر المحادثات عن اتفاقات واضحة في هذا الشأن، خصوصاً أنه وجه إشارات واضحة اثناء إعداد الزيارة أنه يولي أهمية كبرى لهذا المسار.
كان لافتاً تباين لهجة الطرفين وأولوياتهما خلال جولة المحادثات وبعدها مباشرة.
في الشق المفتوح من الحوار مع الرئيس فلاديمير بوتين، تعمد الأخير وضع مقدمات لا تخفى دلالاتها عندما أشار إلى أن نجاح القوات المسلحة الروسية في تقويض التهديد الإرهابي، يضع الأولوية الحالية لـ»ضمان الاستقرار الداخلي وتحسين الوضع الإقتصادي والمعيشي».
وفي اللقاء الذي جرى بين وزيري الخارجية، شدد الوزير سيرغي لافروف على «نضوج ظروف أكثر ملاءمة للتحرك نحو تسوية سياسية في ما يتعلق بسوريا». وأكد أن «موسكو تسعى للتوصل إلى اتفاقات عادلة تستند إلى قرار مجلس الأمن رقم 2254».
في الحالين، تركز الموقف السوري حول الاشادة بـ»الموقف الروسي الثابت حيال ملف السيادة ووحدة الأراضي وضرورة خروج كل القوات الأجنبية غير الشرعية».
تطرق الرئيس السوري في تصريحات صحافية رنانة بعد اللقاء، إلى رزمة من المواضيع التي تتعلق بمكان سوريا، كما يراها هو داخل «المحور الروسي» في مواجهة الحرب العالمية الجديدة. وتحدث عن تحول سوريا إلى واحدة من دعائم «التوازن الدولي الجديد» بعد الحرب الأوكرانية، من خلال فكرته حول توسيع حجم ونوعية القواعد العسكرية دائمة الحضور في بلاده.
تحدث أيضا عن اتفاقات على تعاون اقتصادي وتجاري كبير. وصعٌد لهجته ضد سياسات الولايات المتحدة، وأكد اعتراف بلاده بـ»الحدود الروسية الجديدة»، وسخر من رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي ووصفه بأنه دمية لدى الغرب.
وتطرق الأسد إلى كل المواضيع المطروحة على الاجندة الدولية، بصفته جزءاً أساسياً من محور الحرب الروسية الجارية حاليا، لكنه لم يذكر كلمة واحدة عن التسوية السياسية في سوريا، ولم يتحدث بحرف عن الحوار بين ومع السوريين، ولا عن اولويات تحسين الاوضاع المعيشية الكارثية في بلاده، ومعالجة ملفات مهمة مثل نقص الطاقة.
في المقابل، حافظ الأسد على مواقفه المعلنة حول موضوع التطبيع مع تركيا، وجدد شروطه للقاء الرئيس التركي رجب طيب إردوغان. والأكثر من ذلك أنه سخر من تصريحات وزير الدفاع التركي خلوصي أكار حول أن الوجود التركي في سوريا ليس احتلالاً، ورأى فيه «لهجة من القرون الماضية عندما كانت القوة العسكرية تحدد مساحة نفوذ الدولة»، متجاهلاً أن نفس الموقف طرحته روسيا عندما اكدت استعداد تركيا للانسحاب وفقا لتفاهمات تلبي مصالح الطرفين الامنية.
عموما، يمكن الانطلاق من البيان الصادر عن الكرملين لتحري النتائج الأكثر دقة للقمة الروسية – السورية، خصوصا أن كل التصريحات الروسية الرسمية تجاهلت الأفكار التي طرحها الأسد للتموضع السوري في المواجهة الروسية مع الغرب.
وقال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن الرئيسين ناقشا خلال 3 ساعات رزمة من الملفات، بينها قضايا التعاون في المجال العسكري التقني وتطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة.
وفقا للناطق الرئاسي، فإنه «بشكل عام ، بنتيجة المحادثات ، تم اتخاذ قرار من المحتمل أن يسمح في الأسابيع أو الأشهر القادمة بالتوقيع على وثيقة مهمة للغاية بشأن زيادة تطوير التعاون التجاري والاقتصادي. أما بالنسبة للتعاون في المجالات الحساسة ، مثل التعاون العسكري التقني ، فقد نوقش بالطبع أيضًا».
ووصف بيسكوف المفاوضات بأنها «جوهرية للغاية». وأشار إلى أن بوتين والأسد استمعا أيضا إلى تقارير كبار الموظفين ، ومنهم رئيس اللجنة الحكومية الدولية للتعاون التجاري والاقتصادي إيريك فايزولين ، ووزير مالية الاتحاد الروسي أنطون سيلوانوف.
وقال بيسكوف إن الاجتماع تطرق أيضا إلى موضوع تطبيع العلاقات بين سوريا وتركيا ، وحدد أنه «لا يمكن الإعلان عن جميع نتائج المفاوضات لأسباب واضحة».
وردا على سؤال حول لقاء محتمل بين رئيسي سوريا وتركيا ، أشار المتحدث باسم الكرملين إلى أن «مثل هذا الاجتماع يجب أن يسبقه عدد من الاتصالات على مستوى مجموعات العمل» وأن «العمل في هذا الاتجاه جار وسوف يستمر».
ويظهر في تعليق الكرملين على نتائج المحادثات بوضوح، حجم التباين في فهم طبيعة العلاقة وأولويات المرحلة المقبلة.
وقال مصدر دبلوماسي روسي لـ»الشرق الأوسط»، إن ثمة «استغراباً من سلوك الأسد الإعلامي وحتى سلوكه أثناء جولة المفاوضات» حيث كان واضحا «عدم استعداد الرئيس السوري للخوض في مبادئ الحل السياسي، وظهر أنه غير مدرك لأهمية الخطوات الروسية في اطلاق مسار التطبيع مع أنقرة بصفة أن هذه الخطوة تضع في ملف واحد متكامل رزمة من القضايا ذات الأولوية تبدأ من مواضيع اللاجئين ولا تنتهي عند ضمان أمن وسيادة سوريا في مناطقها الحدودية بما يفتح على ملف التسوية النهائية».
ورأى المصدر أن المؤسف أن «الرئيس السوري لا يظهر ادراكاً ان الوضع في منطقة خفض التصعيد في ادلب ليس مستقرا، وان التنسيق مع تركيا مطلوب كضمانة اساسية لترتيب هذا الامر لاحقا».
عموما، وفقا للمصدر المطلع على المحادثات، «تم ابلاغ رسالة واضحة للقيادة السورية بضرورة التعامل بشكل جدي وايجابي مع الملفات المطروحة، وانطلاقا من ذلك تم التوافق على ان يبدأ مسؤولون سوريون وأتراك بلقاءات خلال الفترة القريبة المقبلة».
في ملف التسوية السياسية، تم التأكيد من جانب موسكو على «قواعد التسوية القائمة على القرار 2254 ومخرجات مؤتمر سوتشي، والدور الأساسي للأمم المتحدة».
أما ما يتعلق بملف التعاون الاقتصادي التجاري الحيوي جدا بالنسبة إلى سوريا حاليا، فقد حمل كلام بيسكوف عن احتمال أن يوقع الطرفان «اتفاقا بالغ الأهمية حول التعاون الاقتصادي التجاري خلال الأسابيع أو الأشهر المقبلة» دلالات مهمة، لجهة تأكيد أن موسكو ربطت عمليا التقدم في الملف الاقتصادي بتحقيق نتائج عملية على المسار السياسي، وخصوصا في المسائل التي تقترحها موسكو وعلى رأسها حاليا موضوع التطبيع مع أنقرة.
في هذا المجال، أعاد المصدر الدبلوماسي التذكير بأنه «في الفترة السابقة امتنعت وزارة المالية الروسية عن الاستجابة لطلبات اللجنة الاقتصادية الروسية والسورية، الخاصة بتمويل بعض المشاريع او اعطاء قروض، نظرا لعدم توفر ضمانات بسبب الوضع الداخلي عدم المستقر في سوريا والذي نتيجته لا تتوفر الشروط المتعارف عليها والمطلوبة للقوانين الخاصة بروسيا و تعاملها التجاري الاقتصادي مع الدول الاخرى».
وزاد أنه «لذلك هذا الوضع يتطلب قرارًا خاصًا توافق عليه سلطات المراقبة الخاصة للحفاظ على القوانين الفدرالية».
وقال الدبلوماسي إنه «بالاضافة الى ذلك هناك تساؤلات من عدد من البرلمانيين الروس، لماذا تقدم روسيا مساعدات في الوقت الذي لا تتجاوب السلطات السورية مع مساعي روسيا للتسوية السورية؟».
وأعرب عن قناعة بأن «الرئيس بشار الاسد استوعب خلال هذه الزيارة إنه لا يمكن ان يبقى الوضع على ما هو عليه. والمساعدات ستبقى محدودة طالما لم تتوفر الشروط والوضع الذي يتناسب مع الشروط الروسية لتنمية العلاقات مع الدول الاخرى».
—————————
تركيا: تصعيد الأسد سقف المطالب يهدد مسار التطبيع
النظام السوري يستخدم الانتخابات كورقة ضغط على إردوغان
أنقرة: سعيد عبد الرازق
لم تفاجأ أنقرة بشرط رئيس النظام السوري بشار الأسد بشأن رفضه اللقاء مع الرئيس رجب طيب إردوغان قبل انسحاب القوات التركية من شمال سوريا، لكنها تنظر إلى هذا المطلب على أنه تصعيد للسقف قبل البدء في المفاوضات.
وحتى الآن لم يصدر أي رد فعل رسمي تركي على الشرط الذي كشف عنه الأسد خلال وجوده في موسكو، حيث التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأربعاء، في زيارة اعتقد البعض أن هدفها الأساسي مناقشة ملف التطبيع بين أنقرة ودمشق، لا سيما أنه جاء تزامناً مع احتضان موسكو اجتماعاً رباعياً بين نواب وزراء خارجية كل من روسيا، وتركيا، وإيران وسوريا حول الملف السوري، ولا سيما التطبيع مع تركيا.
لكن عضو المجلس التنفيذي المركزي لحزب «العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا، أورهان ميري أوغلو، اعتبر في تصريحات لوكالة «سبوتنيك» الروسية، أمس (الجمعة)، أن شروط الأسد بشأن اللقاء مع إردوغان «غير مناسبة» لتطبيع العلاقات بين البلدين، مستبعداً عقد لقاء بينهما قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية المقررة في 14 مايو (أيار) المقبل.
من قبل، كانت دمشق حددت موقفها بشأن اللقاء بين الأسد وإردوغان، بتصريحات مفادها أنها «لن تمنح إردوغان نصراً مجانياً في الانتخابات»، في إشارة إلى رفض لقاء بدا أن أنقرة تستعجله بين إردوغان والأسد بحضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يلعب الدور الأساسي في الوساطة بين أنقرة ودمشق.
وقال ميري أوغلو: إن الأسد يطالب تركيا بالانسحاب من الأراضي السورية كشرط لتطبيع العلاقات مع تركيا، لكن «لا يجوز رفع سقف المطالب في العلاقات الدبلوماسية مع بداية المحادثات في حال كانت الأطراف المتفاوضة تنوي المصالحة والتفاهم وإيجاد حلٍ للخلافات».
وأضاف، أن «بدء الأسد بوضع شروط مسبقة للمحادثات مع تركيا يعطيها حق مطالبة دمشق بالكف عن دعم (قوات سوريا الديمقراطية) (قسد) التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية غالبية قوامها».
ورأى، أن «احتمال عقد لقاء بين إردوغان والأسد قبل الانتخابات التركية ضعيف جداً، أما لقاؤهما بعد الانتخابات فسيتضح بحسب نتائج الانتخابات وتوازناتها».
وكشفت الفترة الأخيرة عن تحرك سريع من جانب أنقرة لإنهاء الخلافات مع عدد من الدول في محيطها الإقليمي بالشرق الأوسط، تحت ضغط التغيرات في الظروف الإقليمية والدولية، لكن بشكل أكبر، في محاولة لنزع ورقة مهمة من يد المعارضة التركية التي تتهم إردوغان وحكومته بتدمير علاقات تركيا بمحيطها الإقليمي ووضع البلاد في عزلة.
وقال الأسد من موسكو: إنه «لا خلاف بين الشعبين السوري والتركي، والمشكلة هي في مطامع السياسيين الأتراك الخاصة»، مشيراً إلى ضرورة انسحاب القوات الأجنبية غير الشرعية (التركية والأميركية)، فيما يعتبر هو أن القوات الأخرى الروسية تحديداً، إلى جانب الميليشيات الإيرانية، تحظى بوجود شرعي لأن النظام قام باستدعائها لمواجهة المعارضة لمسلحة التي تدعمها تركيا.
وذكر الأسد، أن «أولوية إردوغان هي الانتخابات ولا شيء آخر، أما بالنسبة لسوريا فالأولوية هي للانسحاب واستعادة السيادة»… إذا استوفيت الشروط «فلا موعد محدداً للقاء إردوغان، فقد يكون اليوم أو غداً، والتوقيت ليس مشكلة».
– الوجود العسكري: احتلال أم حتمية؟
ولا تنظر تركيا إلى وجودها العسكري في شمال سوريا على أنه احتلال نابع من أطماع في أراضي دولة مجاورة، بل ضرورة لحماية حدودها وأمن شعبها من هجمات التنظيمات الإرهابية (الوحدات الكردية) وهو ما لا يستطيع النظام أن يضمنه لها في ظل عدم سيطرته على كامل الأراضي السورية.
وفسرت مصادر دبلوماسية لـ«الشرق الأوسط» رؤية تركيا للتقارب مع نظام الأسد وتطبيع العلاقات مع دمشق بأنها تقوم على حل المسألة السورية بالكامل ولا تنفصل عن الحل السياسي للأزمة ومسار آستانة بوصفه المسار الحي الوحيد حالياً لتسوية الأزمة السورية.
وأكدت المصادر، أن ثوابت تركيا في المفاوضات مع نظام الأسد، هي: الحل السياسي وتشكيل اللجنة الدستورية والتعاون في مكافحة الإرهاب وضمان العودة الأمنية للاجئين. وأشارت إلى أن أنقرة أبدت مرونة خلال المحادثات التي بدأت أولاً على مستوى أجهزة الاستخبارات والأمن، وناقشت المقترحات المقدمة من الجانب الروسي بشأن أمن الحدود، لكنها لم تجد تعاملاً مماثلاً من جانب النظام الذي يتغافل عن حقيقة أن لتركيا احتياجات أمنية حيوية في تأمين حدودها وإبعاد الوحدات الكردية المنضوية تحت «قسد» عن حدودها، وأن النظام لا يرى مشكلة في تواجد قواته جنباً إلى جنب مع الوحدات الكردية، لكنه يرى خطراً في وجود القوات التركية التي تساهم في ضمان وحدة الأراضي السورية.
وسبق لوزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أن وصف مطالب النظام السوري بأنها «طرح غير واقعي» ولفت إلى خطورة «التنظيمات الإرهابية» بالمناطق المتاخمة للحدود التركية، قائلاً «إذا انسحبنا من تلك الأراضي اليوم، فلن يحكمها النظام، وستهيمن عليها التنظيمات الإرهابية، هذا الأمر خطر علينا، وخطر على النظام أيضاً، بل خطر على سوريا كلها».
وأشار جاويش أوغلو إلى أنه تناول هذه القضية خلال لقائه وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في العاصمة الصربية بلغراد في أكتوبر (تشرين الأول) 2021، حيث أكد له ضرورة وجود توافق بين النظام والمعارضة من أجل السيطرة على هذه المناطق.
وأوضح، أن النظام سمح لـ«إرهابيين» من المناطق التي كان يحاصرها سابقاً بالذهاب إلى إدلب، قائلاً: إن «هذه الأراضي هي أراضٍ سورية، وكررنا دائماً أن لا أطماع لنا فيها، ولكن في الوقت الحالي، هناك بيئات من شأنها أن تشكل تهديداً خطيراً علينا في حال لم نكن موجودين هناك، وأن مسألة الانسحاب يمكن أن تناقش عندما تتوفر الظروف المناسبة لذلك».
والأحد الماضي، قال وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار: إن أنقرة تدعم استمرار المحادثات مع النظام السوري، مشيراً إلى أن الجانب السوري «يتفهم أسباب ما تقوم به تركيا ضد الأهداف الإرهابية»، في إشارة إلى مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) التي تشكل «وحدات حماية الشعب الكردية» غالبية قوامها، وتعتبرها أنقرة امتداداً لـ«حزب العمال الكردستاني».
وشدد على أنه «ليست لتركيا نيات أو أطماع، ولا تعد قوة احتلال في شمال سوريا، وهدفها هو الدفاع عن أمنها وحماية حدودها وشعبها من الهجمات الإرهابية».
وأضاف أكار «يبدو أن محاورينا السوريين يتفهمون ذلك من حين إلى آخر، وهناك مؤشرات ملموسة على ذلك»، مشيراً إلى أن الوحدات الكردية «تحتل نحو ثلث الأراضي السورية، وأن العمليات التركية ضد الإرهابيين تدعم حقوق السيادة ووحدة أراضي سوريا». وقال «ما نفعله نحن لا يعد احتلالاً أو اغتصاباً لأراضي سوريا بأي شكل من الأشكال، وما نسعى إليه فقط هو حماية حدودنا وضمان سلامة مواطنينا».
وتسبب تصعيد دمشق مطالبها ووضع شرط انسحاب القوات التركية من شمال البلاد، في إبطاء مسار محادثات التطبيع عقب اجتماع وزراء الدفاع ورؤساء أجهزة المخابرات في تركيا وروسيا وسوريا في موسكو في 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، في عرقلة اتخاذ الخطوة اللاحقة وهي اجتماع وزراء الخارجية، وإدخال إيران كطرف في المحادثات، والتوجه مجدداً إلى عقد اجتماعات فنية على مستوى نواب وزراء الخارجية قبل لقاء الوزراء.
«ثمار» محادثات سابقة
وخلال المحادثات السابقة بين الجانبين التركي والسوري، منذ اللقاءات بين أجهزة الاستخبارات وحتى اجتماع وزراء الدفاع ورؤساء أجهزة المخابرات في موسكو في 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، جرى الحديث عن مطالب متبادلة بين أنقرة ودمشق لإعادة فتح قنوات الاتصال وتطبيع العلاقات.
وقالت مصادر قريبة من الحكومة التركية: إن نظام الأسد طرح 5 مطالب تتمثل في إعادة محافظة إدلب، ونقل جمارك معبر كسب الحدودي، مع معبر جيلفا غوزو (باب الهوى) إلى سيطرة الجيش والحكومة السوريين، والسيطرة الكاملة للنظام على طرق حلب – اللاذقية الدولي (إم4) الواصل بين شرق سوريا ودير الزور والحسكة وحلب واللاذقية، وعدم دعم تركيا العقوبات الأوروبية والأميركية ضد رجال الأعمال الموالين والشركات الداعمة لعائلة الأسد والحكومة السورية، ومناقشة الدعم المطلوب من تركيا لإعادة قبول سوريا في جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والمؤسسات والمنظمات الدولية المماثلة، وتنفيذ تركيا عرضها في التعاون والقضاء على الإرهاب وإعادة النفط السوري للحكومة السورية، وأن تواصل تركيا دعمها لسوريا في مجالات السدود والطرق السريعة والكهرباء والمؤسسات التعليمية والمياه والزراعة.
وبالفعل، اتخذت تركيا خطوات بالاتفاق مع موسكو لإخلاء بعض نقاطها العسكرية على طريق «إم4»، خلال الفترة الماضية قبل وقوع كارثة زلزالي 6 فبراير (شباط).
في المقابل، طرحت أنقرة شروطاً تتمثل في تطهير قوات النظام المناطق الحدودية من عناصر وحدات حماية الشعب الكردية بالكامل، والقضاء التام على التهديد الإرهابي على الحدود التركية السورية، والاستكمال التام لعمليات التكامل السياسي والعسكري بين المعارضة ودمشق، والعودة الآمنة للاجئين، على أن تكون حمص ودمشق وحلب مناطق تجريبية لعودة آمنة وكريمة في المرحلة الأولى، ومن ثم توسيع هذا الإطار، ومراقبة تركيا لعملية عودة السوريين بشكل آمن والممارسات المطبقة مع السوريين حتى بعد عودتهم وإسكانهم في مناطقهم واستعادة ممتلكاتهم.
كما اشترطت تطبيق مسار جنيف، وكتابة دستور ديمقراطي، وإجراء انتخابات حرة، والإفراج الفوري عن السجناء السياسيين، وبخاصة النساء والأطفال وكبار السن وذوو الظروف الصحية السيئة.
——————————
عن رهانات أردوغان السورية/ محمود علوش
أوفدت تركيا، قبل أيام، نائب وزير خارجيتها بوراك أكجابار إلى موسكو للمشاركة في اجتماع رباعي مفترض مع نظرائه الروسي والسوري والإيراني، لدفع مسار الحوار بين أنقرة ودمشق. ولكنّ الاجتماع لم يُعقد، وقال مسؤولون أتراك إنه تم تأجيله إلى موعد غير مُحدّد لأسباب فنية. ومن غير الواضح ما هي هذه الأسباب، ولماذا أوفدت دمشق وطهران دبلوماسيين منخفضي المستوى للمشاركة فيه، بينما كان بشار الأسد ضيفاً على الكرملين في اليوم الذي كان من المُفترض أن يُعقد فيه الاجتماع. من الواضح أن أسباباً سياسية وليست فنية تُعرقل مسار الحوار التركي السوري، وهي في دمشق وطهران، وليس في أنقرة أو موسكو. فمن جانبٍ، يضع النظام السوري شرطاً أساسياً للمضي في الحوار مع تركيا، موافقتها على وضع جدول زمني لسحب قواتها من شمال سورية. ومن جانب آخر، لا يبدو إن إشراك طهران في الآلية الثلاثية التركية الروسية الإيرانية كان كافياً لضمان دور إيراني في تسهيل هذا الحوار. مع أنه كان من غير الواقعي استبعاد طهران في البداية من الآلية الثلاثية، بالنظر إلى نفوذها على النظام السوري، وبالنظر إلى أن هذا الاستبعاد جعلها مهمّشة من أنقرة وموسكو، بينما هي شريك رئيسي في تقاسم النفوذ مع البلدين في سورية، إلّا أن إشراكها في هذه الآلية جعلها في الواقع أكثر قدرةً على تعقيد مسار المصالحة مع أنقرة ودمشق.
السبب في ذلك أن الإيرانيين ينظرون إلى دور تركيا في سورية أنه يُضعف أهدافهم الجيوسياسية، حتى لو قرّرت أنقرة إصلاح علاقاتها مع النظام، وإعادة الاعتراف بشرعيته. كما أنّهم متشكّكون أصلاً في دوافع انعطافة أردوغان تجاه دمشق، ويعتقدون أنها نابعة من عوامل داخلية مرتبطة بالمناورة أو بالانتخابات التركية أو كليهما معا، ولا تعكس رغبة في إحداث تحوّل جذري في السياسة التركية في سورية. يبدو ذلك صحيحاً جزئياً، بالنظر إلى أن أنقرة لا تزال غير مستعدّة للموافقة على انسحابها من سورية قبل تحقيق تسوية سياسية شاملة للصراع على أساس قرار مجلس الأمن 2254. كما أنها تهدف إلى تحقيق بعض المكاسب من هذه الانعطافة على سبيل موافقة الثلاثي الروسي السوري الإيراني على تعاونٍ معها في مواجهة المشروع الانفصالي للوحدات الكردية، ومساعدتها في تسهيل عملية إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، وهي مسألة حيوية لأردوغان في الداخل. علاوة على ذلك، هناك اعتقادٌ متزايدٌ في إيران بأن الانشغال الروسي في حرب أوكرانيا يُشكل فرصة لها للعب دور أكبر في سورية. على الرغم من أن الإيرانيين أعربوا عن دعمهم مساعي إعادة إصلاح العلاقات بين أنقرة ودمشق، إلا أنّ أولوياتهم في سورية هي عرقلة أي مصالحة لا تؤدّي إلى انسحاب تركيا من سورية، وتُقوض طموحاتهم بتعميق اعتماد الأسد عليهم.
مع ذلك، لا تقتصر العقبات التي تحول دون تقدّم المسار السوري التركي فقط على العامل الإيراني. يعتقد الأسد أن القبول بإصلاح العلاقات مع أنقرة في الوقت الراهن سيُساعد أردوغان في تقوية موقفه الانتخابي في الداخل. كما يُراهن على أن دمشق ستكون قادرةً على تحقيق ظروف أفضل في المصالحة مع تركيا، في حال خسر أردوغان الانتخابات وفازت المعارضة. في حين أن أردوغان لا يُبدي تنازلاتٍ بشأن مستقبل الوجود العسكري التركي في سورية، فإن المؤشّرات التي تُعطيها أحزاب المعارضة التركية خصوصاً في رغبتها بإعادة فورية للعلاقات مع دمشق في حال وصلت إلى السلطة، تفيد بأنها لن تكون متمسّكة بشدة في إبقاء القوات التركية في سورية إلى أمد بعيد. حتى مع افتراض أن المعارضة قد تنجح في الانتخابات، فإن ضعف قدرتها على إحداث استقرار في الائتلاف الحكومي ستؤثر سلباً على زخم الحضور التركي في سورية وهذا يُشكل بحد ذاته فائدة للنظام السوري وحليفه الإيراني. في ضوء ذلك، من المستبعد بشدة أن يطرأ تقدّم جوهري على مسار المصالحة بين أنقرة ودمشق قبل الانتخابات التركية.
على عكس طهران ودمشق، تبذل موسكو جهوداً كبيرة لمحاولة دفع مسار الحوار التركي السوري، لثلاثة اعتبارات رئيسية: أولاً، في وقت أثارت حرب أوكرانياً شكوكاً بشأن قدرة موسكو في مواصلة لعب دور رئيسي في المعادلة السورية، فإن بوتين حريصٌ، من خلال رعاية الحوار بين أنقرة ودمشق، على تكريس دور روسيا ضابط إيقاع للتوازنات الإقليمية في سورية، ولا سيما بين تركيا وإيران. وثانياً، يتخوّف الروس من أن إطالة مساعي المفاوضات بين أنقرة ودمشق ستُقلل من شهية تركيا لمواصلة انفتاحها على النظام السوري. وثالثاً، على عكس طهران ودمشق، تنظر روسيا بأهمية إلى الانتخابات التركية، ولا تمانع في منح أردوغان أوراق قوة إضافية في المسألة السورية، من أجل تعزيز فرص بقائه في السلطة، لأن خسارته ستدفع تركيا إلى الارتماء في الحضن الغربي مُجدّداً. في الواقع، يكشف موقف الأسد في الحوار مع تركيا حدود التأثير الروسي عليه. كان الافتراض السائد أن لدى موسكو التأثير الكافي على النظام لإقناعه في المضي بالمصالحة مع تركيا، لكن الشروط التي يضعها تُفيد بأن النظام لا يزال يمتلك هامشاً لمقاومة التأثير الروسي عليه.
تبدو أنقرة صريحة في أن انسحابها من سورية مرهونٌ بتحقيق تسويةٍ نهائيةٍ للصراع السوري على أساس قرار مجلس الأمن 2254. ويبدو أن مقاربتها هذه المسألة تحظى جزئياً بتفهم موسكو التي تولي أهمية لاستمالة تركيا، ودفعها إلى الانخراط بشكل أكبر في جهودها لتسوية الصراع وفق معاييرها والضغط على الولايات المتحدة لسحب قواتها من سورية، وإظهار قدرتها على التحرّك بفعالية ضد المصالح الأميركية في سورية والشرق الأوسط من خلال جذب حلفاء واشنطن للتعاون معها كتركيا والإمارات. رغم أن تركيا راغبةٌ في إتمام المصالحة مع دمشق، قبل الانتخابات وبعدها، إلا أنها غير مستعدّة لتقديم تنازلات جوهرية على الفور أو في المستقبل المنظور. كما أنها ستعمل على استخدام حوارها مع دمشق ورقة مساومة مع واشنطن لانتزاع تنازلاتٍ منها في بعض القضايا، منها مسألة الدعم الأميركي للوحدات الكردية. قد يدفع الانفتاح التركي على دمشق واشنطن إلى طرح عرض حقيقي على الطاولة، يُلبي بعض المطالب الرئيسية لتركيا كانسحاب الوحدات الكردية من المناطق الحدودية. في ضوء ذلك، حتى لو واصل النظام السوري تعقيد فرص المفاوضات مع تركيا، فإن أردوغان حقّق ما أراده من خلال هذه الانعطافة. فهو، من جانب، حرم المعارضة التركية من توظيف ورقة اللاجئين السوريين في الانتخابات، ومن جانب آخر، اكتسب أوراقاً تفاوضية أخرى مع الولايات المتحدة في مسألة الوحدات الكردية.
العربي الجديد
—————————
لماذا رفع الكرملين بروتوكوله الخاص بالأسد في موسكو؟
لم تكن زيارة رأس النظام السوري، بشار الأسد إلى روسيا قبل أيام كغيرها من زياراته السابقة، بل حملت تغيراً مختلفاً من زاوية بروتوكول الاستقبال، وما تبعه من محطات تدريجية استمرت ليوم وليلة، وانتهت بلقائه فلاديمير بوتين.
وشمل حفل استقبال الأسد في مطار فنوكوفو سجادة حمراء وحرس شرف وأوركسترا، وكان نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف والسفير الروسي في سوريا ألكسندر يفيموف وسفير النظام، لدى موسكو بشار الجعفري في انتظاره أمام بوابة الطائرة.
وكان الأسد قد سافر سابقاً إلى روسيا أربع مرات في السر، من 2015 إلى 2021، وكما لاحظ الخبراء الروس، فإن الزيارة التي حصلت مؤخراً كانت “علنية ورسمية قدر الإمكان”، ولا “تشير فقط إلى الوضع العالمي المتغير، ولكن أيضاً إلى توقعات معينة” لموسكو ودمشق من المفاوضات.
ومع ذلك، لا تزال هناك بعض الشذوذ، إذ تم تعديل لقطات لقاء الأسد في المطار لتجنب إظهار الطائرة التي نقلته إلى موسكو.
وعلى عكس مزاعم الخبراء الروس بأن “الأسد لم يعد تحت التهديد”، يبدو أنه قد نُقل إلى فنوكوفو على متن طائرة من طراز IL-62M تابعة لوزارة الدفاع الروسية، ويستخدمها العديد من المسؤولين الروس، عبر التفاف من الأردن والمجال الجوي الإيراني.
يقول الباحث الروسي، أنطون مارداسوف في مقال تحليلي له على موقع “المونيتور” إن موسكو حاولت أيضاً إضفاء الطابع الرسمي على الزيارة من خلال إضافة إلى البرنامج مشاركة الأسد في وضع الزهور على ضريح الجندي المجهول في حديقة ألكسندروفسكي، مع حرس الشرف العسكري”.
في غضون ذلك أجريت المحادثات في الكرملين مع وفود ضمت وزراء الاقتصاد والدفاع والمالية.
ومع ذلك، يرى الباحث الروسي أن “ما سبق لم يزيل الأسئلة التي كان العديد من خبراء السياسة الخارجية يطرحونها: لماذا لم يتم اتباع القواعد المعتادة للبروتوكول الدبلوماسي من قبل؟ لماذا لم يلتقي أحد بالأسد على منحدر الطائرة بسجادة حمراء ويسجل لقطات البروتوكول التي يمكن نشرها بعد الواقعة؟ أم أن أهميته زادت فجأة بشكل كبير بالنسبة للكرملين؟”.
“مدفوعة بالانخراط العربي”
والأسئلة التي طرحها الباحث “مهمة بالفعل”، حسب تعبيره، لأن مثل هذه الفروق الدقيقة غالباً ما تشكل السياسة الخارجية للشرق الأوسط.
وقد يكون هناك سببان على الأقل لنهج روسيا الجديد، الأول هو أن موسكو أخذت في الاعتبار رحلات الأسد الأخيرة إلى الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان، دون أي رعاية روسية.
أما الثاني هو أن موسكو قررت تقديم خدمة للأسد لأنها تحتاج أيضاً إلى شيء منه، ألا وهو موافقته على مواصلة الاتصالات مع تركيا، وعقد لقاء محتمل مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهو شريك تجاري مهم لموسكو.
وفي لقائه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، شكر الأسد الجانب الروسي على كل شيء حرفياً، كما قالت صحيفة كوميرسانت الروسية.
ومع ذلك، فإن مثل هذا الخطاب التكميلي من الأسد لا يشير في الحقيقة إلى الكثير.
وأشار مصدر في السلك الدبلوماسي الروسي لـ”المونيتور” إلى أنه خلال الزيارات العديدة للوفود الروسية إلى دمشق لإعداد النظام للمحادثات مع المعارضة، أبدى الأسد دائماً الاستعداد نفسه لقبول المبادرات الروسية.
وقال مصدر مطلع على العلاقات الروسية السورية: “لكن في الحقيقة بنفس الحماس خرب وعرقل كل المقترحات بعد مغادرة الوفود الروسية القصر الرئاسي”.
وفي اليوم التالي لمحادثات الأسد وبوتين، أصبح معروفًا أن اجتماع نواب وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري قد تم تأجيله “لأسباب فنية”.
وأوضح دبلوماسي روسي سابق: “من الواضح أنه كانت هناك قوة قاهرة، ومن المحتمل أن تكون هذه القوة القاهرة هي الأسد نفسه في مقابلته مع وكالة سبوتنيك الروسية، حيث أعطى تركيا الإنذار السابق بلغة واضحة وتخلي عن المحادثات”.
“آمال إعادة الإعمار تبخرت”
من ناحية أخرى، تستمر الظروف المعيشية في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري في التدهور، وتبخرت آمال السكان في المشاركة الروسية في إعادة إعمار سورية.
وفي هذا الصدد، من الواضح أن أي تنازلات من موسكو – سواء مع المعارضة في أستانة أو مع تركيا – ليست ضرورة للأسد، ويمكن أن يكون عنيداً.
ويقول الباحث مارداسوف: “على العكس من ذلك – بالنظر إلى الحرب في أوكرانيا – فإن موسكو هي الآن بحاجة إلى رأس الجسر السوري وحرية العمل في منطقة البحر الأبيض المتوسط أكثر مما يحتاج الأسد إلى الوجود الروسي”.
وينخرط الأسد بالفعل بنشاط مع لاعبين إقليميين بمفرده، ويخشى الكرملين من بعض المناورات خلف ظهره، كما يتضح من الوضع المتصاعد في إدلب عام 2020 فيما يتعلق بالاتفاقات السورية الإماراتية.
ويضيف الباحث الروسي: “تدرك موسكو جيداً حاجة النظام السوري الملحة إلى إمدادات مستمرة من النفط ومواد البناء، لكنها لم تكن في عجلة من أمرها للمساعدة طوال هذه السنوات”.
ويتابع: “لم يكن ضبط النفس في موسكو بسبب التهديد بالعقوبات ولكن بسبب حقيقة أن الشركات ليس لديها حافز للعمل بخسارة. على ما يبدو، بعد كل العقوبات الواسعة والخسائر ذات الصلة، ليس لدى رجل الأعمال الروسي سبب وجيه لإعادة النظر في موقفه السابق”.
————————————
—————————-
عن الضمير السياسي الغائب/ حسن النيفي
ربما بدا -من نافل القول- أن منظومة المصالح باتت هي الموجّه الأقوى لسياسات الدول واصطفافاتها الإقليمية والدولية سواء في هذا الحلف أو ذاك المحور، وذلك في ضوء هيمنة معايير القوّة الاقتصادية وتسيّدها على أية اعتبارات قيمية أخرى، ولعل هذا المنحى في السياسات الحديثة لا يلبث أن يتحوّل في غالب الأحيان إلى استراتيجية نفعية تسهم في ترسيخ مفاهيم القهر والانسحاق وامتهان التسلّط على حقوق الشعوب من دون أي رادع إنساني أو أخلاقي، وهكذا تغدو مفاهيم الحريات وحقوق الإنسان ومجمل القيم الكونية التي يتغنى بها العالم الحديث مجرد شعارات تُخفي تحتها الكثير من مظاهر الجشع والتوحّش وابتذال كرامة البشر.
وليس من المستغرب –وفقاً لهذه البراغماتية الوقحة– أن تغدو الوضاعة القيمية ضرباً من الحكمة بفعل دوافع المنفعة والتعطّش الشديد لحيازة المال والقوّة. وفي ظل هذه الأنماط من العلاقات التي تحكم العالم يبدو أن القضايا العادلة للشعوب المُضطَهدة هي أولى الضحايا، باعتبار أن أصحاب القضايا على الغالب الأعمّ يستمدون مقوّمات وجودهم من عدالة قضاياهم، وقوتهم من إيمانهم وإخلاصهم لتلك القضايا، وهذه جميعها لا تجدي نفعاً من دون أن تنهض على مقوّمات القوة المادية على الأرض والقادرة على مقارعة مصالح الآخرين، أليس هذا هو حال القضية الفلسطينية على مدى خمسة وسبعين عاماً، ألم تتحوّل إسرائيل من كيان عنصري غاصب منبوذ في نظر العالم إلى دولة تكاد تكون مركزاً لاستقطاب العالم الشرق أوسطي، ومن كيان مُحتلّ تأسّس على مبدأ الاجتثاث والإرهاب إلى واحة يحاول الجميع التقرّب منها لالتماس الأمان والطمأنينة، وإلّا فما الدافع لهرولة العديد من الحكومات العربية لإقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل؟ هل لأن الكيان الصهيوني يجسّد ثقلاً اقتصادياً مفصلياً في حياة شعوب المنطقة؟ بل ربما يبدو العكس من ذلك، ولكن ما هو مؤكد أن الحاجة إلى إسرائيل لدى جميع الدول أو الأنظمة العربية المتهافتة إلى تل أبيب هي حاجة أمنية ذات صلة وثيقة ليس بمستقبل شعوب تلك البلدان وحيوات مواطنيها بقدر ما هي مرتبطة بالحفاظ على تلك الأنظمة واستمرار بقائها واستمراريتها في السلطة، وبهذا المسعى نحو أمن السلطات والحفاظ على ديمومتها تغدو إسرائيل المظلة الضامنة للأمن والاستقرار، فضلاً عن كونها هي الضامن الفعلي لسلامة الحكومات المنضوية تحت تلك المظلة، ألم تكن إسرائيل موضع استغاثة نظام دمشق منذ انطلاق الثورة السورية؟
يؤكّد السياق التاريخي للسياسات الأميركية أن إيران باتت على رأس (محور الشر) بعد زوال الاتحاد السوفييتي في بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي، وذلك نظراً لما تجسّده إيران من تهديد وخطر لا يطول المصالح الأميركية فحسب، بل هو يُنذر بتقويض الأمن والاستقرار في المنطقة برمتها، وكما بيّنت سيرورة نمو وتعاظم الكيان الإسرائيلي وتدرّجه من مصدر للتوحّش إلى ملاذ للأمان والديمقراطية، فإن التعامل الدولي مع إيران ربما يسير بالاتجاه ذاته، مع وجود فارق أساسي يتمثّل بكون التوحّش الإسرائيلي كان مثار عطف على الدوام من جانب الحكومات الغربية ومن الولايات المتحدة الأميركية على وجه الخصوص، فيما كان سلوك إيران هو مثار ريبة وسخط دائمين من جانب العالم الغربي، إلّا أن جميع أشكال التعبئة الإعلامية الغربية ضدّ إيران لم تكن حائلاً دون سيطرة طهران وتحكّمها بمفاصل ومصائر أربع دول إقليمية – العراق – سوريا – لبنان – اليمن – وكلّما تعاظم الخطر الإيراني أُتيح لطهران مخارج أخرى ليس للانكفاء إلى الخلف بل للتمدّد من جهة، ولشرعنة هذا التمدد من جهة أخرى، هكذا تحوّل التدخل في شؤون العراق بعد عام 2003 إلى احتلال فعلي، وهكذا أيضاً بات الخطر النووي الإيراني مدخلاً لإقامة تفاهمات ذات منحى استراتيجي بين طهران والغرب، أمّا على مستوى دول المنطقة فقد أضحى الخطر الإيراني سبيلاً لتبدّل نوعي في السياسات العربية، إذ لم تعد المظلة الإسرائيلية هي الضامن الأوحد الذي يلبي الحاجة الأمنية لسلامة أنظمة الحكم، وذلك بوجود الشرطي الإيراني الذي أصبح صاحب العصا الأكثر هيبةً ومخافةً، فبعد أن كان الرهان معقوداً طيلة سنوات مضت على تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة عبر زوال مرتكزاته الطائفية والسلطوية سواء في سوريا أو لبنان على سبيل المثال، إلّا أن هذا الرهان بات مُوجَّهاً لطرق الأبواب العريضة لطهران، لرغبةٍ شديدة الوضوح بإقامة علاقات وطيدة مع إيران تفي بالحاجة الأمنية التي غالباً ما تبدو أنها ذات طابع مؤقت لا أكثر، نظراً لطبيعة الاستراتيجيات الإيرانية القائمة على التوسع المستمر والتي لم تتبدّل منذ مجيء الخميني إلى السلطة عام 1979 إلى الآن.
ما من شك بأن النفوذ الإقليمي المتزايد لإيران بات المحرّك الأكبر لسياسات الأنظمة العربية في المنطقة، وما من شك أيضاً بأن المشهد السوري كان المجال الأكثر وضوحاً لردّات الفعل العربية حيال سياسات طهران، فتارة يصبح نظام دمشق مصدراً للإرهاب والمخدرات لارتباطه العضوي بإيران، وبالتالي يجب العمل على محاصرته وتقويضه، إلّا أنه يصبح تارة أخرى بوابة عبور آمنة للوصول إلى المحجة الإيرانية لالتماس الأمان والطمأنينة، وربما جسّد التقارب الأردني مع نظام الأسد مثالاً واضحاً لذلك، وليس ببعيد أن تكون الخطوات المتتالية لدولة الإمارات في هذا المنحى ذاته، ويبدو أن تكرار هذا السيناريو الذي يلبي حاجات مُستعجَلة ولكنها مؤقتة، بات نهجاً مغرياً –بما يتيحه من براغماتية شديدة الميوعة- لدول ذات وزن إقليمي لا يقل شأناً عن إيران، كتركيا التي تتقمّص –حيال خطوتها التطبيعية مع نظام الأسد– خطاباً مكروراً ومُستهلكاً بهدف حشد المبررات لانعطافتها الراهنة، إذا يعيد هذا التبرير ما تعاورت عليه الأنظمة العربية التي استدارت نحو الأسد بحجة احتوائه وإبعاده عن السطوة الإيرانية، وكأن علاقة إيران بنظام دمشق حديثة العهد، وأن إيران قد تركت المزيد من المفاصل الفارغة التي تنتظر تركيا لتملأها أو تقبض عليها، أو كأن إيران قد تركت أمام رأس النظام الكثير من الخيارات في تحديد تحالفاته واصطفافاته، علماً أن أنقرة لا يغيب عنها البتة مدى استحكام القبضة الإيرانية بمفاصل نظام الأسد، بل هي أكثر دراية من غيرها بتموضع الميليشيات الإيرانية في الجغرافيا السورية ومدى النفوذ التي تحوزه تلك الميليشيات، والحق أنه كان حريّاً بتركيا وغيرها من الدول العربية الإنصات -ولو لبرهة- إلى صوت الضمير، من أجل التفكير والمساهمة بحماية الشعب السوري من سطوة الأسد، قبل التفكير بحماية الأسد من سطوة إيران.
تلفزيون سوريا
——————————-
=======================
تحديث 17 أذار 2023
———————-
الأسد في موسكو مرة أخرى/ بكر صدقي
لكنها مختلفة، هذه المرة، عن الزيارات السابقة، فقد استقبل هناك وفقاً لبروتوكول رسمي، ورافقه وفد وزاري كبير، واستقبله في المطار نائب وزير الخارجية الروسي الذي من المفترض أن يمثل روسيا في اجتماعات «الرباعية» المخصصة للدفع بالتطبيع قدماً بين النظام وأنقرة، ومن المفترض انعقادها في التوقيت نفسه، 15-16 آذار الجاري.
وأراد الكرملين أن يؤكد على الإطار المختلف لهذه الزيارة بالقول إن الهدف منها هو تعزيز التعاون بين البلدين في مختلف المجالات، وكأن الأمر يتعلق ببلد مستقر وفي ظروف طبيعية، وإن كان قد أضاف إلى موضوع المباحثات المزمعة بين بوتين والأسد «التباحث بشان حل سياسي شامل في سوريا وجوارها».
قد يمكن الافتراض أن المقصود بـ»جوارها» تركيا بالذات التي تبدو مستعجلة للتطبيع مع النظام، ويفترض أن يجتمع نواب وزراء خارجية الدول الأربع، روسيا وتركيا وإيران والنظام الأسدي، لتفعيل مسار هذا التطبيع. معلوم أن النظام أبدى تحفظه، في الأيام الماضية، على المشاركة في هذا الاجتماع، مشترطاً الحصول على ضمانات مسبقة بشأن انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية للقبول بالمشاركة. فهل جاء استدعاء بشار إلى موسكو للضغط عليه كي يتخلى عن شرطه المسبق والمضي قدماً في التطبيع مع تركيا؟ أم أن فلاديمير بوتين يخبئ مفاجأة لهواة النوع كعقد لقاء بين بشار وأردوغان في موسكو على هامش اجتماعات «الرباعية» المشار إليها؟
فالرئيس الروسي الذي دخلت مغامرته الأوكرانية المكلفة عامها الثاني، قبل أسابيع قليلة، يحتاج إلى «شو» دبلوماسي مبهر، على غرار ما حققته الصين، الأسبوع الماضي، حين أبرمت اتفاقاً «تاريخياً» بين السعودية وإيران حول استعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، مع أهداف طموحة بشأن حل الخلافات بينهما بالحوار.
من جهة أخرى من المعروف أن بوتين يدعم الرئيس أردوغان في سباقه الانتخابي على منصب الرئاسة، ومن شأن عقد لقاء «مفاجئ» بينه وبين الأسد، أن يشكل هدية للرئيس التركي الباحث عن «إنجاز» من هذا النوع يستثمره في حملته الانتخابية. أما لماذا يعتبره إنجازاً فالأمر يتعلق بموضوعي إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، ومصير الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سوريا.
من شأن عقد الاجتماع بين الأسد واردوغان أن يعطي إشارات إيجابية بخصوص قرب حل مشكلة اللاجئين التي تهم الناخب التركي، وبما يعيد للرئيس التركي سمعته لدى جمهور مؤيديه القائلة: «إذا كان من أحد يستطيع حل هذه المشكلة فهو الرئيس نفسه». فهذا الجمهور الذي عبر بأشكال مختلفة عن نفاد صبره من استمرار وجود السوريين في تركيا بعد انقضاء 12 عاماً على وصول الموجات الأولى منهم، لا يثق بالأحزاب المعارضة التي تتوعد بإعادتهم إلى سوريا إذا فازت في الانتخابات المقبلة، بل بالرئيس الذي «جلبهم» ووحده القادر على إعادتهم.
أما موضوع الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سوريا وقوات سوريا الديمقراطية التي تعتبرها أنقرة امتداداً إرهابياً لحزب العمال الكردستاني، فمن جهة أولى تتفق مصالح أنقرة مع مصالح نظام بشار بشأن وجوب التخلص منهما، ومن جهة ثانية يقف الأمريكيون عقبة في وجه هذا الهدف المشترك، بما يجعله لا يتجاوز كونه موضوعاً محتملاً لبيان مشترك يؤكد اتفاقهما على هذه النقطة، من غير أن ينتظر تحويله إلى عمل عسكري مشترك. ومن جهة أخرى يشكل بقاء القوات الأمريكية في مناطق الإدارة الذاتية مبرراً لتركيا لبقاء قواتها العسكرية في مناطق تواجدها، ومخرجاً لفظياً لنظام الأسد الذي يكرر في كل مناسبة مطالبته بـ»انسحاب جميع القوات الأجنبية» من الأراضي السورية، بحيث يتم ربط الوجود العسكري التركي مع نظيره الأمريكي، فيعد أردوغان بإخراج القوات التركية بالتزامن مع القوات الأمريكية. هذا حل لفظي مناسب للمايسترو الروسي ليخرج بـ»انتصار دبلوماسي» يضاف إلى إسقاطه للمسيّرة الأمريكية فوق البحر الأسود يوم أمس.
تبقى عقبة وحيدة أمام تحقيق هذا السيناريو المفترض، وهي إيران التي فرضت نفسها على مسار التطبيع التركي ـ السوري في آخر لحظة. ولا نعرف هل هي قادرة على منع بشار من لقاء محتمل مع أردوغان؟ بكلمات أخرى: هل بوسع طهران التغلب على الضغط الروسي على بشار لإرغامه على الاجتماع بأردوغان؟ أم أن لدى بوتين من الحوافز لإيران بما يغريها بقبول الأمر؟
بشار هو الطرف الأضعف الذي لا خيارات أمامه غير الانصياع لأحد أو كلا حليفيه، لكنه قد يأمل بتحويل هذا الاضطرار إلى فرصة فيتقدم بشروط تتعلق بمساعدته على تخفيف وطأة الأزمة الاقتصادية الاجتماعية التي تخنق مناطق سيطرته، مقابل تسويق التطبيع مع تركيا أمام جمهوره الموالي الذي ينظر إلى أردوغان بوصفه العدو الألد.
يبقى أن التطبيع مع تركيا قد يبدو بالنسبة للنظام أقل كلفة من التطبيع مع السعودية المطروح في الأسابيع الماضية، فهذا الأخير يتطلب منه تقديم تنازلات في موضوع الحل السياسي لا يطيق مجرد طرحها. هذا ما يشاع على الأقل بشأن المبادرة السعودية الجديدة التي ما زالت غامضة. فنظام الأسد يفضّل دائماً تقديم تنازلات لدول أخرى على تقديم أي شيء للشعب.
من نافل القول أن كل ما سبق يتعلق فقط بعرض إعلامي يأمل منه كل طرف أن يحقق مكاسب معينة، ولا يقدم حلولاً حقيقية للمشكلات المختلف عليها بين نظام الأسد وتركيا.
أما وجود وفد وزاري كبير برفقة بشار، فقد يكون مؤشراً لما هو أهم من وجهة النظر الروسية: ربط سوريا بمزيد من الاتفاقات التي من شأنها تكريس هيمنة روسية طويلة الأمد على مستعمرتها السورية.
كاتب سوري
القدس العربي
—————————
هل بات التطبيع التركي مع النظام السوري قريبًا؟/ أحمد مظهر سعدو
في الحديث عن ملامح ومصائر التحركات القادمة في سياق المصالحة بين النظام السوري وتركيا والآفاق المستقبلية له، ومن ثم قراءة المتغيرات الجيوسياسية الحاصلة مؤخرًا، خاصة بعد التداعيات التي يمكن أن تكون قد جرت، خلال وبعد الزلزال المدمر الذي ضرب عشر ولايات جنوبي تركيا وكل الشمال السوري، لا بد من الولوج في ماهية وأساس القضية وضروراتها بالنسبة للدولة التركية وهي على أبواب انتخابات رئاسية وبرلمانية يبدو أنها باتت مصيرية، وكذلك الغوص في دوافع ومصالح الروس والنظام السوري المتهالك، يضاف إلى ذلك كله الاشتغال الإيراني الحثيث باتجاه إعادة رسم المفاوضات المزمع الإقلاع فيها من جديد في موسكو وغيرها، وفق المصلحة والسياسة الإيرانية التي لم تأل جهدًا في وضع العثرات على طريق هذه المصالحة بين النظام السوري التابع، والحكومة التركية، على أساس أن الانجدال في المصالح يشارك فيه الأتراك والروس والإيرانيون بعد الاستمرار طويلاً في مسار أستانا سيئ الصيت.
التسارع والإسراع في إعادة وصل ما انقطع من مباحثات عبر الوسيط الروسي باتت مسألة بحاجة إلى محاولة الإقلاع من جديد، وفق الاندفاعة الروسية السابقة والقبول التركي المصلحي الذي يتكئ إلى انفتاح على الدول، واستدارات متتابعة، طالت المنطقة برمتها، من السعودية إلى مصر إلى الإمارات، وإسرائيل أيضًا. لكن المسألة الآن مع النظام السوري باتت أكثر إلحاحًا وأكثر حضورًا في اللحظة المتحركة انتخابيًا، بينما عجلة المماحكات الانتخابية التركية مع المعارضة أضحت أكثر شدة وأمضى، بعد إعلان المعارضة التركية عن مرشحها للرئاسة، حيث تجد الحكومة التركية وقيادة حزب العدالة والتنمية أن العودة إلى مسار التطبيع الذي بدأ مع النظام السوري تكمن ضروراته اليوم أكثر من أي وقت مضى، خدمة مباشرة للانتخابات، وما يمكن أن تتركه من ذيول إيجابية، فيما لو تمكنت هذه المفاوضات من الوصول إلى مستويات أعلى ثم إنجاز اتفاقات قد تلقي بمنعكساتها على مجمل الحالة المزاجية الشعبية التركية، التي تجد في حل مشكلة اللجوء السوري قضية مهمة وعاجلة، من هنا فقد جاء الحديث جديًا من قبل الأتراك والروس عن استمرار المباحثات على مستويات أعلى نسبيًا مع إمكانية إنجاز ما هو أفضل في بعض المسارات المتوقفة، وهي مصلحة تركية بالأساس دون أن تتعارض أو تتناقض مع المصالح الروسية، وبالضرورة المصالح الإيرانية (المنتشية) اليوم أكثر من أي وقت مضى بعد وصولها إلى اتفاقات مع السعوديين طال انتظارها، وقد يعطي ذلك للمفاوضات التركية مع النظام السوري والتطبيع والمصالحة التركية معه دفعًا جديدًا، ضمن انزياحات كبرى تشهدها المنطقة خلال الفترة الأخيرة، وتغيرات في الاستراتيجيات والسياسات لم تشهدها المنطقة مع الإقليم من قبل.
مع ذلك فإن مسار تسريع المفاوضات مع النظام السوري عبر الوسيط الروسي ما زال يحمل الكثير من المنغصات والمعوقات التي قد لا تترك المجال رحبًا لإنجاز الاتفاق أو التفاهم مع النظام السوري سريعًا أو قبل الانتخابات التي باتت على الأبواب، وتاريخ 14 أيار/ مايو 2023 لم يعد بعيدًا. ويمكن التوقف مع بعض هذه المعوقات التي تتمحور حول الآتي:
هل بإمكان روسيا والنظام السوري تقديم أي شيء في موضوع العودة الطوعية الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم؟
أن النظام السوري يدرك أهمية الإنجاز العملي في هذا المسار بالنسبة للدولة التركية قبل موعد الانتخابات القريب، من هنا فقد يحاول وسوف يعمل على وضع العصي في العجلات من أجل تحصيل الاتفاق الأفضل بالنسبة له.
كذلك فإن أوضاع النظام السوري الاقتصادية والمعيشية والأمنية المتهالكة والتي أضحت في الحضيض تجعله غير قادر حتى لو أراد على منح الدولة التركية أي شيء، لأنه أصبح دولة فاشلة وعاجزة على إعطاء الآخر أي آخر أي منجز ملموس ضمن حالة عجزه وانهياراته المتلاحقة.
كما أن دخول الإيرانيين في المباحثات الثلاثية لتصبح رباعية سيجعل كل المسألة تحت أنظار ومتابعة وتوجيه دولة الملالي الإيرانية التي تجد في النظام السوري طفلًا مدللًا لديها وتابعًا أساسيًا لمشروعها الفارسي الطائفي، لا تريد أن يخسر أكثر مما خسر، وهي تعيش لحظات الانتشاء بعد الوصول إلى الاتفاق مع المملكة العربية السعودية برعاية صينية.
الروس ما زالوا يعملون وفق مصالحهم مع الدولة التركية وهم متحمسون لإنجاز ما يفيدهم ويفيد النظام السوري ضمن التفاهمات مع المصلحة التركية، لكنهم أيضًا يريدون المزيد من عملية التقاص بالمصالح بينهم وبين الدولة التركية ويشعرون أنها اللحظة المناسبة أكثر وأكثر كي يأخذوا من القيادة التركية ما ينفعهم في سياق حربهم الأهم في أوكرانيا، وكذلك إنجاز ما هو لصالحهم شمال شرقي سوريا، وقد يكون أيضًا في الشمال الغربي، وفق التصورات الروسية.
يضاف إلى ذلك لا بد من السؤال: هل بإمكان روسيا والنظام السوري تقديم أي شيء في موضوع العودة الطوعية الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم؟ وهل يمكن أن يخلقوا البيئة المناسبة والقبول لمثل هذه العودة في وقت تقول فيه أميركا ومعها الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة إنه غير ممكن في المنظور القريب عودة آمنة للسوريين إلى بلادهم دون الولوج في العملية السياسية الجدية في سوريا وهو ما لا تبدو ملامحها متوفرة.
فضلًا عن أن كل المسألة التطبيعية مع النظام السوري من قبل العرب أو الأتراك التي جاءت بوتيرة أسرع إبان الزلزال، لا ترضى عنها الولايات المتحدة الأميركية، وليست بصدد الموافقة عليها، ولا الاتحاد الأوروبي، ضمن حالة اشتباك ما زالت قائمة بين الغرب والروس في أوكرانيا.
والحقيقة التي ما برحت ماثلة للعيان تقول إن عملية التطبيع والمصالحة مع النظام السوري سواء جاءت عبر البوابة التركية أو العربية لن تؤتي أُكلها، وما زال أمامها الكثير من المعوقات والعثرات، وليس هناك من احتمالات جدية أو قريبة لإنجازها في ظل تغيرات كبرى تشهدها المنطقة، لكن وبكل تأكيد فإن عجلة المصالحة تتحرك ببطء، وهي على أبواب ما هو جديد، وسوف تترك عليها اتفاقات الإيرانيين مع السعودية الكثير من المنعكسات، لكن كل ذلك سيكون ضمن وفي سياق الممكن والمتاح، وهذا الممكن والمتاح حاليًا ليس هو المراد تركيًا، وليس هو الضروري لأية عملية تفاوضية يراد منها ما هو عملي ومتحقق على الأرض، وسط عجز كبير من النظام السوري وهو ليس بقادر عليه، ضمن أحواله، التي باتت في حالة سقوط ولم تعد موجودة على حافة هذا السقوط.
————————–
لماذا استقبلت روسيا بشار الأسد بهذا الشكل؟/ ضياء عودة
لا تعد الزيارة التي يجريها رأس النظام السوري، بشار الأسد إلى روسيا الأولى من نوعها خارج الشرق الأوسط بعد كارثة الزلزال فحسب، بل هي الأولى أيضا “على المستوى الرسمي”، بعدما كان وصوله للقاء حليفه فلاديمير بوتين في موسكو وسوتشي خلال السنوات الماضية يتم دون توقيت معلن وبشكل مسبق، وضمن رحلات تشوبها “السرية”.
ووصل الأسد إلى مطار “فنوكولفا” الدولي، مساء يوم الثلاثاء، وحال خروجه من بوابة الطائرة برفقة وفد وزاري كان في استقباله نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف. عبرا سوية أمام حرس الشرف وعلى سجادة حمراء، في وقت كانت الفرق تعزف النشيدين الوطنيين الروسي والسوري.
ومن المقرر أن يلتقي الأسد نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، عصر يوم الأربعاء، في أعقاب قضائه الليلة الأولى في العاصمة موسكو، وبعدما اتجه مع ساعات الصباح لوضع “أكاليل الزهور على ضريح الجندي المجهول في موسكو”، وفق المراسم المعمول بها في روسيا.
وذكر “الكرملين” في بيان أن رأس النظام وبوتين سيبحثان “تطوير التعاون في المجالات السياسية والتجارية والاقتصادية والإنسانية، فضلا عن آفاق “التوصل إلى تسوية شاملة للوضع في سوريا وحولها”.
لكن وبحسب مراقبين روس وسوريين تحدثوا لموقع “الحرة” ترتبط أسباب الزيارة بدرجة أكبر بمسار “بناء الحوار” بين دمشق وأنقرة، ولاسيما في ظل الحديث عن توجه الجانبين لمرحلة ثانية من هذه العملية، والتي بدأت أولا باجتماع على مستوى وزراء الدفاع ورؤساء الاستخبارات في موسكو، مطلع العام الحالي.
وكانت وسائل إعلام تركية رسمية قالت، قبل أيام، إنه سيتم عقد اجتماع “رباعي” بين تركيا وإيران وروسيا والنظام السوري في موسكو، وخلال يومي 15 و16 شهر مارس الحالي، وهو توقيت لم يحسمه الجانب الروسي حتى الآن، فيما اعتبر مسؤولون في دمشق أن اللقاء على مستوى نواب وزراء الخارجية “لم يحدد موعده بعد”.
وكذلك الأمر بالنسبة لإيران، إذ قال كبير مستشاري وزير الخارجية الإيراني في الشؤون السياسية الخاصة، علي أصغري حاجي لوكالة “سبوتنيك” إنه لم يتم التأكيد بعد على الموعد النهائي للاجتماع الرباعي بين تركيا وروسيا وإيران وسوريا، من موسكو.
وتعقيبا على تقديم تركيا موعدا في هذا الخصوص، أضاف حاجي أن الأتراك ربما تحدثوا عن موعد الاجتماع الرباعي بموعده المبدئي، لكن هذا التاريخ لم تؤكده الدول الأربعة بعد.
لماذا تغيّرت الصيغة؟
وكان آخر لقاء جمع الأسد وبوتين في سبتمبر 2021، حين أجرى الأول زيارة مفاجئة إلى موسكو، هي الأولى له بعد “فوزه في الانتخابات الرئاسية” التي حصلت في مايو من العام ذاته.
وأجرى زيارات مماثلة خلال الأعوام 2018 و2017 و2015، إلا أنها كانت سرية ومفاجئة وأُعلن عنها في وقت لاحق.
بدوره أجرى بوتين زيارة إلى سوريا، مطلع عام 2020، زار فيها مركز قيادة القوات الروسية المسلحة في حميميم بريف محافظة اللاذقية، والتقى رئيس النظام بشار الأسد وجها لوجه.
ويعتبر أنطون مارداسوف، وهو محلل روسي وباحث غير مقيم في برنامج سوريا في “معهد الشرق الأوسط” أن زيارة الأسد إلى روسيا “تختلف هذه المرة من زاوية الإعلان عنها فورا وتنظيم حفل استقبال، وليس بأثر رجعي كما في زياراته السابقة إلى العاصمة الروسية وسوتشي”.
ويقول مارداسوف لموقع “الحرة”: “من الواضح أن ظروف أمنه لم تتغير، لكن موسكو قررت تغيير الصيغة على ما يبدو لتتماشى مع الترند السائد، حيث كانت زيارات الأسد للإمارات وسلطنة عمان علنية”.
وفي أعقاب كارثة الزلزال المدمّر الذي ضرب سوريا وتركيا كان الأسد قد أجرى زيارة إلى سلطنة عمان بذات الأجواء التي خيمّت يوم الثلاثاء في أثناء وصوله إلى موسكو، وقبل ذلك زار دولة الإمارات أيضا، لكن لم يفرش له السجاد الأحمر آنذاك، ولم تعقد له أي مراسم بروتوكولية وتشريفات لافتة.
ويبدو أن “تغيير صيغة الاستقبال من جانب روسيا” يؤكد أن “موسكو تأخذ في الاعتبار الحقائق في الوقت المناسب، وأن هناك نوعا من الإجماع في المنطقة يسمح للأسد بالتحرك أكثر”، وفق الباحث الروسي.
لكنه يضيف متسائلا: “لماذا لم يستقبل الأسد سابقا استقبالا رسميا في موسكو. يتضح أن هناك نوعا من رد فعل للكرملين على اتصالات الأسد مع الدول الأخرى، كما أن توسيع استقلاليته يجبر موسكو على تغيير شيء ما”.
ويضم الوفد المرافق للأسد وزير خارجيته، فيصل المقداد ومنصور عزام وزير شؤون رئاسة الجمهورية وسامر الخليل وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية والعماد علي عباس وزير الدفاع وكنان ياغي وزير المالية.
بالإضافة إلى فادي الخليل رئيس هيئة تخطيط الدولة وقيس خضر أمين عام مجلس الوزراء ولونا الشبل المستشارة الخاصة في رئاسة الجمهورية وبشار الجعفري سفير سوريا في موسكو.
وسبق وأن نقلت صحيفة “فيدوموستي” الروسية في السادس من مارس الحالي عن خبراء روس قولهم إن “القضايا الإنسانية والعلاقات الدولية ستكون أبرز أجندة هذه الزيارة، إلى جانب ترجيحات بمحاولة الأسد الحصول على مساعدة روسية للتعامل مع آثار الزلزال”.
في غضون ذلك “سيطلب الأسد المساعدة لحل أزمة الوقود بعد تعرضه لضغوط إيرانية تتعلق برفع سعر المنتجات النفطية وعدم بيعها بالدَّين”، كما لفت الخبراء إلى أن اللقاء “قد يتضمن الحديث عن تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة”.
من جانبه يشير المحلل السياسي المقرب من الخارجية الروسية، رامي الشاعر إلى أن “استقبال الأسد في روسيا يوم الثلاثاء وبهذا الشكل ليس له أي اعتبار آخر سوى أن الزيارة الآن رسمية، وهذا عرف متبع مع جميع الرؤساء الذين يجرون زيارات رسمية”.
ويقول لموقع “الحرة”: “سابقا كانت زيارات الأسد زيارات عمل لا يتخللها هذه الإجراءات البروتوكولية، وكانت تراعي إجراءات السرية التامة لمغادرة سوريا والعودة إليها برغبة من دمشق”.
“أعتقد أن سبب عدم الإعلان عن الزيارات سابقا هو أخذ الحذر من نظام دمشق لعدم حدوث مفاجآت أو محاولات انقلاب أثناء غياب الرئيس السوري خارج سوريا”.
ويضيف الشاعر: ” الجديد حاليا هو أن هذه الزيارة التي فرضت أن تكون علنية ورسمية تشي بأن الأوضاع في سوريا لم تعد تتحمل أكثر من ذلك لبقاء الوضع على حاله”.
“ضغوط وتسريع إجراءات”
وحتى الآن لا يعرف ما إذا كانت زيارة الأسد سيوازيها الاجتماع الرباعي على مستوى نواب وزراء الخارجية بين سوريا وتركيا وإيران وروسيا.
ولطالما أكدت وسائل إعلام مقربة من النظام على “شروط وضمانات” من أجل الانتقال إلى المرحلة الثانية من عملية “بناء الحوار” بين أنقرة ودمشق، في وقت أكد على ذلك الأسد بنفسه، قائلا في أثناء لقائه وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان: “إن الاجتماعات مع تركيا يجب أن تستند إلى عناوين وأجندة واضحة”.
ووفق ما يرى الباحث الروسي أنطون مارداسوف فإن الهدف من زيارة الأسد قد يشمل “الاتفاق على الاتصالات مع تركيا، حيث تحاول دمشق دون جدوى تعزيز مكانتها”، وصولا إلى “المساعدة في النفط ومواد البناء في ظروف اقتصادية صعبة، خاصة بعد الزلازل”.
ومن الواضح أن “الوضع الاقتصادي في سوريا يحتّم على الأسد أن يقدم بعض التنازلات، لكن الاتصالات المتزايدة مع الإمارات وعمان تسمح له بالحفاظ على عناده”.
ولذلك يقول مارداسوف: “لا أرى أي تقدم فيما يتعلق بالتسوية السياسية”، وأن “الشيء الوحيد الذي قد نراه هو اتفاق محتمل على نشر القوات السورية في شمال سوريا بالتنسيق مع تركيا، أو بالأحرى وحدات موالية لروسيا مثل الفرقة 25 من القوات الخاصة”.
بدروه اعتبر الكاتب والناشط السياسي السوري، حسن النيفي أن زيارة الأسد إلى موسكو “تأتي بالفعل في توقيت ربما فيه بعض الحساسية”، كون وصوله يتزامن مع انعقاد لقاء وزاري بين وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران ونظام الأسد.
ويقول النيفي لموقع “الحرة”: “روسيا حريصة أن يكون اللقاء الوزاري ناجحا، مع استشعار الجميع أن حكومة الأسد تحاول رفع السقف وهو ما بدا من تقارير صحيفة الوطن بضرورة وجود جدول زمني لانسحاب القوات التركية من سوريا”.
ويعتقد الناشط السياسي أن “روسيا تحرص أيضا أن يتم اللقاء نتيحة التفاهمات التركية الروسية المسبقة. هذا هو الغرض الأساسي من استدعاء رأس النظام، من أجل فرض ضغوط عليه، وإبداء المزيد من المرونة”.
ورغم أن صيغة استقبال الأسد في موسكو “متغيرة”، إلا أن النيفي يرى أنها “لا ترقى إلى مستوى سيادي، كون من استقبله نائب وزير الخارجية. هذا التمثيل ضعيف”.
ويتابع: “في كل مرة يحاول فيها الروس إهانة الأسد. حتى لافروف لم يستقبله وإنما نائبه. هو بحد ذاته تصور الحجم الحقيقي لبشار الأسد في أعين الروس”.
ويوضح المحلل السياسي المقرب من الخارجية الروسية الشاعر أن “هناك إصرارا من دول مجموعة أستانة روسيا وإيران وتركيا لاتخاذ خطوات عملية ومستعجلة لوقف تدهور حالة الشعب السوري بأكمله، والمساهمة في تخفيف الأزمة الإنسانية”.
“إذا لم يتم الانتقال فورا بعد لقاء بوتين والأسد إلى تنفيذ جدول أعمال اللقاءات، الذي وضعته دول أستانة وفي مدى لا تتجاوز منتصف هذا العام سيتم اتخاذ موقف جدي لمن يعرقل ذلك”.
ومن المفترض أن تكون محطات جدول الأعمال المذكور، أولا باجتماع نواب وزراء الخارجية ومن ثم لقاء الوزراء، وصولا إلى عقد اجتماع بين بشار الأسد والرئيس التركي، رجب طيب إردوغان.
ويقول الشاعر: “القضية لم تعد فقط تقتصر على تقديم تنازلات. خلال بضعة أشهر إذا لم يتم التجاوب مع مقررات مؤتمر سوتشي للحوار السوري السوري 2018 وقرار مجلس الأمن 2254 سيعتبر ذلك بدءا لعملية الانتحار السياسي لكل القوى السياسية المتواجدة في سوريا نظام و معارضة”. ويعتقد أن “اللقاء بين بوتين والأسد سيسرع من إجراءات عديدة على الأرض في سوريا، وما تم الاتفاق عليه في لقاء وزراء الدفاع ورؤساء الاستخبارات”، كما أنه قد ينقل جدول الاجتماع الرباعي وبشكل فوري من نواب وزراء الخارجية إلى لقاء الوزراء بنفسهم، كتمهيد للقاء الرؤساء.
الحرة
—————————
اتحاد الديكتاتوريات العالمي/ عبد القادر المنلا
لم يستفق الأسد وأتباعه من نشوتهم بالانتصارات العسكرية المتوهمة، حتى دخلوا في نشوة جديدة طالما انتظروها لسنوات طويلة، وهي نشوة البراءة من دم مئات آلاف الضحايا وملايين المهجرين والمشردين، ولمَ لا وكثير من الدول تتوافد إلى دمشق تباعاً حاملة معها آليات حفر دبلوماسية ومعدات سياسية للمساهمة والمساعدة في دفن جرائم الأسد تحت أنقاض الزلزال.
صكوك براءة بالجملة، وعقود تعويم على بياض، لا يعكر صفوها سوى الدماء التي لا يمكن أن يجف لونها مهما اختلفت ألوان الطيف السياسي واختلطت وضاعت هويتها، فالدماء التي لا تزال تلطخ أيادي القتلة، وتظهر كشاهد إثبات على جبينهم، بقيت الحقيقة الوحيدة غير القابلة للطمس، وظلت العنوان الرئيسي لبلد اغتاله رئيسه وظل اثني عشر عاماً وهو يحاول إخفاء جثته وإخفاء الأدلة الفاقعة التي تشير مباشرة إليه، إلى أن قررت بعض الدول المساعدة في إخفاء الجثة والتخلص منها والمساهمة في تقييد الجريمة ضد مجهول، أو تحميلها لجهة أخرى لا تمت إلى الفاعل الحقيقي بصلة..
ولكن، هل يستطيع حفنة من فاقدي الشرعية أو من أصحاب الشرعية المزيفة إعادة الشرعية لمجرم لا تزال شواهد جرائمه وأدلتها غير القابلة للإنكار تفقأ عيونهم، وكيف يتجرأ هؤلاء على المشاركة في الجريمة بشكل تطوعي من خلال مد طوق النجاة للمجرم، متخذين من جثث الضحايا جسراً للعبور إلى جلادهم؟
ظاهرياً، يبدو اندفاع بعض الدول العربية على إنقاذ الأسد مكسباً للأخير، ولكن في العمق فإن مواقف هؤلاء غير الأخلاقية هي دليل جديد على إجرام الأسد، فاصطفاف الطغاة مع بعضهم هو نوع من تأكيد الجريمة وليس نفيها، وتأكيد على أن القتلة هم من تركيبة إجرامية واحدة، وهؤلاء بالطبع لا تحرك الجريمة شيئاً في مشاعرهم.. إنه باختصار نوع من تحالف القتلة، وليس لشهادة المجرم لصالح مجرم آخر أي وزن أو قيمة أو مصداقية.
إن حلفاء الأسد القدامى هم الدليل الأكبر على تورطه وإجرامه، إذ يكفي دعم بوتين لنظام أي بلد لإدراك أن هذا النظام فاسد وقاتل وقمعي وفاشي، فروسيا بوتين لا تدعم إلا المجرمين، وما علاقتها مع “فاغنر” إلا مثال ساطع ولا يحتاج للأدلة على نوعية حلفائها وأصدقائها، فما بالنا حينما تنضم الصين وإيران وكوريا الشمالية وبلاروسيا وأشباهها من الدول لدعم الأسد؟
لا يمكن لذلك الدعم إلا أن يُقرأ على أنه نوع من تكثيف الأدلة على إجرام الحليف، والفرق الوحيد يتجسد في الوقت وموازين القوى التي هي الآن في صالح القتلة وليست في صالح الإنسانية بحكم انحياز قوى كبرى للجريمة ودعمها وحمايتها، وهذا هو السبب الوحيد لبقاء الأسد مختبئاً في جيوب تلك القوى التي تلعب بهواجس بقائه في السلطة.
لقد شهدت السنوات الأخيرة تحولاً جوهرياً في إرهاب الدولة، فبينما كان ذلك الإرهاب يمارس سابقاً بنوع من الحياء المصطنع ويحتاج إلى الدبلوماسية والذريعة والغطاء والتحايل، بات اليوم يمارس علناً وبشكل مباشر، حيث تحولت الجريمة إلى مجال للمباهاة ولم تعد أمراً شائناً أو مخجلاً، من خلال الطغاة الذين لم يعودوا بحاجة للمبررات والذرائع وهم يمارسون إرهابهم وإجرامهم..
لقد وحدت الانتهاكات التي قام بها الطغاة أهدافهم وخطوطهم وقوّت العلاقة فيما بينهم، وإذا ما دققنا، سنجد أن الخلافات الروسية الصينية التي تمس مصالح الدول تراجعت واختفت، وكذلك الخلافات الروسية الإيرانية، وحتى خلافات لوكاشينكو رئيس بلاروسيا والذي تربطه علاقة كراهية عميقة مع بوتين تحولت إلى علاقة ودية وإلى نوع من الشراكة الاستراتيجية.
لقد طوت تلك الدول ملف خلافاتها السياسية تماماً وركزت على مصالح زعمائها، الأمر يشبه تماماً علاقة رئيس الوزراء العراقي الأسبق “نوري المالكي” ببشار الأسد، فقبل الثورة كان المالكي يتهم الأسد علانية بتصدير الإرهابيين إلى العراق، وقبلها كان جواز السفر السوري ممهوراً بمنع السوريين من السفر إلى العراق، ولكن ذلك كله تغير عندما تهدد وجود المالكي وبشار الأسد، فتجاوزا كل الخلافات السابقة وتوحدا برباط المصالح الشخصية ورغبة البقاء في السلطة.
لقد تعهد بوتين بحماية إرهاب الدول، وقد وفى بوعده، وكان نموذج حمايته لبشار الأسد الشكل الأوضح، ثم كانت تجربة ألكسندر لوكاشينكو رئيس روسيا البيضاء الذي قام بوتين بحمايته ومساعدته في إنهاء ثورة سلمية كانت على وشك الإطاحة به، وهو الأمر الذي أثار شهية صغار الطغاة الآخرين وأسال لعابهم للتقرب من بوتين ليس لأي هدف سياسي يتعلق بمصالح بلادهم، وإنما لضمان حمايتهم من أي تمرد شعبي مرتقب ضد عروشهم، ومن هنا فإن تقاربهم مع الأسد لا يحمل أي مصالح استراتيجية لبلدانهم، وإنما يتحدد في مجموعة أهداف لعل أهمها هو قتل حلم الشعوب بالتغيير وإنهاء أي خطر يمكن أن يواجهه الطغاة في حال قتل شعوبهم، وقتل أي مبادرة ثورية في مهدها من خلال إبراز الفشل الذي تعرضت له الثورة السورية رغم ما بذل فيها من تضحيات، فأن تفشل ثورة بعد ما يقرب من مليون شهيد، وملايين المهجرين، وأن يخرج القاتل منتصراً وبريئاً هو أمر يوحي بالعدمية، ويجعل الشعوب تقبل بالرضوخ بسبب انعدام أي أفق لتغيير أنظمتها إذا ما فكرت في ذلك، كما أن التقرب المبكر من بوتين يبعدهم عن الوقوع في الحرج إن احتاجوا مساعدته وقت الضرورة، فلا بد أن يمهّدوا لصداقة مبكّرة لحجز مقعدهم لديه وضمان دعمه لهم وقت الضرورة.
ومن هنا بات بشار الأسد -على ما يبدو- مفتاح الكنز بالنسبة للأنظمة القمعية في الدول العربية، فمن يضمن بوتين يضمن معه الصين وكوريا الشمالية وإيران وبلاروسيا، فضلاً عن الرضا الإسرائيلي عن هذا الحلف، والتذبذب الأميركي المطاط والذي أثبت من خلال موقفه من القضية السورية أنه لا ينتصر لحقوق الإنسان ولا للقيم الإنسانية كما كان يدعي على مدار عقود.
ما يحدث اليوم من تهافت بعض الدول على نظام الأسد لا يهدف إلى تعويمه بل إلى تعويم الجريمة والتطبيع معها وما اتفاق الداعمين للأسد إلا اتفاق على توحيد الديكتاتوريات حول العالم ضد مصالح الشعوب وضد القيم الانسانية الجوهرية التي تقف ضد طموحاتهم الخاصة ومشاريعهم في البقاء والهيمنة.
تلفزيون سوريا
————————
موسكو تضغط لتجاوز «العقبات السورية» أمام مسار التطبيع مع أنقرة
الأسد في موسكو… ودمشق تضع شروطاً أمام «الاجتماع الرباعي»
موسكو: رائد جبر
أفيد أمس بأن الرئيس السوري بشار الأسد بدأ زيارة لموسكو حيث كان في استقباله نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف. ويُفترض أن تتوج زيارة الأسد بلقاء مع الرئيس فلاديمير بوتين يتناول الجهود الروسية لتطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة وجمع الأسد بنظيره التركي رجب طيب إردوغان.
وتأتي الزيارة في وقت بدا أمس أن موسكو كثّفت جهودها لتجاوز العراقيل التي سعت دمشق لوضعها أمام مسار تطبيع العلاقات مع أنقرة. ومع تكثيف الجهود لعقد اجتماع تمهيدي لنواب وزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا وسوريا، برزت محاولات سورية لتأجيل الاجتماع إلى ما بعد القمة الروسية – السورية. وقالت مصادر دبلوماسية في موسكو لـ«الشرق الأوسط» إن سوريا «ما زالت تتعامل بمنطق المنتصر، وتصر على تجاهل الحاجة الملحة لخطوات إيجابية للتسوية».وكانت أنقرة قد أعلنت قبل يومين أنَّ الاجتماع التحضيري لنواب وزراء خارجية تركيا وروسيا وسوريا وإيران، سيعقد في موسكو يومي 15 و16 مارس (آذار) الحالي، «لبحث تطبيع العلاقات» بين تركيا ونظام الرئيس السوري بشار الأسد، تمهيداً لاجتماع وزراء خارجية الدول الأربع.
وأفادت مصادر بوزارة الخارجية التركية بأنَّ الوفد التركي سيترأسه نائب وزير الخارجية بوراك أكجابار. ويشارك في الاجتماع عن روسيا نائب وزير الخارجية الممثل الخاص للرئيس فلاديمير بوتين للشرق الأوسط والدول الأفريقية، ميخائيل بوغدانوف، وعن إيران، علي أصغر حاجي مستشار الشؤون السياسية لوزير الخارجية، وعن نظام الأسد، نائب وزير الخارجية أيمن سوسان.
وجاء الإعلان التركي عن موعد الاجتماع رغم أنَّ وسائل إعلام قريبة من النظام السوري أشارت إلى أنَّه «لن يُعقد في الموعد» الذي أعلنه وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو (أي خلال الأسبوع الحالي)، بسبب عدم حصول دمشق بعد على ضمانات كانت قد طلبتها للسير قدماً في تطبيع علاقاتها مع أنقرة، متوقعة «ألا يعقد الاجتماع حتى يحصل (النظام) على تلك الضمانات».
وبدا الثلاثاء أن الأطراف لم تصل إلى توافق كامل حول الموعد وترتيبات اللقاء، وهو ما أظهرته تصريحات حذرة لميخائيل بوغدانوف، المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو أيضاً نائب وزير الخارجية الروسي، الذي قال إنه «يجري التحضير لاجتماع نواب وزراء الخارجية» من دون أن يؤكد أجندة زمنية محددة.
واكتفى بوغدانوف بالقول: «نقوم باستعدادات»، رداً على سؤال الصحافيين حول موعد الاجتماع المرتقب.
ونشرت وسائل إعلام حكومية روسية بعض التفاصيل المتعلقة بتحفظات سورية عن التسرع في عقد اللقاء، ونقلت عن مصادر سورية أن لدى دمشق «مطالب» تريد تحقيقها قبل الإعلان رسمياً عن موعد الاجتماع.
وكتبت «الوطن» السورية أنها علمت أن «المداولات لا تزال قائمة ومستمرة وجدية للوصول إلى عقد الاجتماع، الذي قد يتقرر موعده في أي لحظة في حال وصلت تلك المداولات إلى نتائج إيجابية». ووفق الصحيفة، فإن هذا قد يعني حصول دمشق «على ما تريده من ضمانات من الجانب التركي بإعلان جدول انسحاب من الأراضي السورية، ووقف الدعم المقدم للمجموعات الإرهابية».
وفي غضون ذلك، قال المستشار رامي الشاعر المقرب من الخارجية الروسية لـ«الشرق الأوسط» إنه «إلى الآن ليس مؤكداً أنه سيتم ترتيب لقاء نواب وزراء الخارجية الرباعي الروسي والسوري والتركي والإيراني وفق الموعد الذي تم الاتفاق عليه مبدئياً». وزاد أن «دمشق تحاول بكل الوسائل تأجيل أي نشاط دبلوماسي خاص بالتسوية مع تركيا إلى أن يتم اللقاء بين الرئيسين بشار الأسد وفلاديمير بوتين».
وزاد المستشار: «أريد أن أوضح أن الاتفاق الذي أعلن عنه أنه سيجري في 15 من هذا الشهر كان اتفاقاً مبدئياً، ومع القناعة بأن اللقاء سوف يتم، لكن موعده وأجندته ما زالا قيد البحث».
وحمّل الشاعر الحكومة السورية مسؤولية محاولة عرقلة التقدم، وقال: «للأسف القيادة في دمشق ما زالت تسعى للحصول على مكاسب سياسية، وتضع مصلحتها الخاصة فوق مصلحة عامة الشعب السوري، وتسعى للخروج من الأزمة التي حلت بسوريا، على أنها منتصرة، ولا تريد ترك أي مجال يسمح لبدء حوار سوري ـ سوري. هذه المحاولات ليست وليدة اليوم، فلنتذكر محاولات وفد دمشق أثناء مؤتمر سوتشي للحوار السوري ـ السوري لتغيير صيغة البيان الختامي، وعدم ذكر قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2254، وتجاهل التعديل الدستوري… وغير ذلك».
ووفقاً للمستشار فإن «دمشق تحاول تحميل مسؤولية تدهور الأوضاع في سوريا إلى التدخل الخارجي، وتصر على تجاهل أي عامل داخلي للأزمة السورية».
وقال الشاعر إن «الجديد بخصوص ما حدث في الفترة الأخيرة أن مجموعة أستانة ممثلة بروسيا وتركيا وإيران قررت أنه لا يجوز استمرار تفاقم معاناة الشعب السوري، وتدهور الوضع الاقتصادي، وأنه يجب أن تبدأ عملية الانتقال السلمي لنظام الحكم في سوريا بمشاركة جميع السوريين، وعلى الشكل الذي تم تأكيده في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، ومخرجات مؤتمر سوتشي عام 2018، وبمشاركة الأمم المتحدة، وأضاف أنه «ليس أمام سوريا خيار آخر أبداً، ويجب على دمشق أن تتفهم ذلك وتكون مبادرة ومشاركة بشكل أساسي في عملية الانتقال إلى نظام جديد، وعلى أساس تعديل دستوري». وأعرب عن «تفاؤل بأن الرئيس الأسد بعد زيارته إلى موسكو سوف يقتنع بذلك، ويتفهم أهمية عودة العلاقات التركية ـ السورية إلى وضعها الطبيعي في إطار علاقات حسن جوار، ما يسهم في حل الكثير من القضايا، وأهمها ملفات اللاجئين والنازحين، والشروع بوقف تدهور الوضع الاقتصادي».
وشدد على أنه «في الوضع الحالي في سوريا لا يمكن أن يكون أي طرف منتصراً، لا من جانب النظام، ولا من المعارضة، ولا يجوز لأي جهة أن تضع شروطاً، بل يجب على الجميع في سوريا أن يقدّر دور تركيا الذي تقوم به إلى جانب أطراف مجموعة أستانة الآخرين، لفرض نظام التهدئة، ووقف الاقتتال بين السوريين. وتركيا بالتأكيد ليست قوة احتلال، ووجودها العسكري على الأراضي السورية مؤقت، وقائم على أساس اتفاقية أضنة (موقعة عام 1998)، وسوف تغادر الأراضي السورية بكل تأكيد عندما يتفق السوريون، وينجح النظام الجديد في فرض سيطرته وسيادته على كامل الأراضي السورية».
————————————
أول زيارة دولة للأسد إلى روسيا منذ الثورة: بحث تصورات مشتركة/ أمين العاصي
على الرغم من تكرار زيارات رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى روسيا منذ الثورة على نظامه في 2011، إلا أن الزيارة التي بدأها أول من أمس الثلاثاء إلى موسكو اتخذت طابعاً مختلفاً، بعد حرص روسيا على تنظيم زيارة دولة رسمية، وهو ما ظهر بالإعلان المسبق عن الزيارة والالتزام ببروتوكول استقبال رؤساء الدول على عكس المرات السابقة.
وتطرح الزيارة والتفاصيل المحيطة بها تساؤلات حول الهدف الروسي منها، لا سيما أنها تأتي متزامنة مع عدد من الأحداث، أولها الذكرى الـ12 للثورة السورية. ويضاف إلى ذلك محاولات دول إقليمية وعربية إعادة تأهيل الأسد وتسارع وتيرة التطبيع معه.
كما أن موعد الزيارة جاء متزامناً مع لقاء مفترض على مستوى نواب وزراء الخارجية في كل من: تركيا، إيران، روسيا، والنظام السوري يومي أمس الأربعاء واليوم الخميس، ولكن وسائل إعلام تابعة للنظام السوري نقلت عن مصادر أن هذه الاجتماعات لن تعقد في المواعيد التي حددتها أنقرة.
ووصل الأسد مساء الثلاثاء إلى موسكو، وكان في استقباله “ميخائيل بوغدانوف ممثلاً خاصاً للرئيس بوتين، وألكسندر يفيموف سفير روسيا في دمشق، وبشار الجعفري سفير سورية في موسكو”، وفق بيان لرئاسة النظام السوري.
لقاء بين الأسد وبوتين
والتقى الأسد أمس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وفيما نقلت وكالة الأنباء التابعة للنظام السوري “سانا” عن بوتين قوله للأسد في مستهل المحادثات: “سعيد برؤيتكم في موسكو وأشكركم على تلبية هذه الدعوة ونشهد تطوراً كبيراً في العلاقات بين بلدينا”، لفت الأسد إلى أن اللقاءات بين مسؤولي البلدين لا تنقطع “ولكن التغيرات الدولية خلال العام الماضي تتطلّب منا أن نلتقي لوضع تصورات مشتركة لهذه المرحلة”.
كما زار الأسد ضريح الجندي المجهول في موسكو حيث جرت له مراسم استقبال تضمنت استعراض حرس الشرف، بينما كانت الأوركسترا الرسمية تعزف لحن الجندي المجهول والنشيد الوطني السوري.
وكانت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام قد ذكرت أمس قبل اللقاء أن الأسد سيجري مع بوتين “مباحثات موسعة تحضر فيها ملفات تطوير وتعزيز العلاقات الثنائية، والتعاون الاقتصادي بين البلدين، وكذلك تطورات المنطقة والإقليم وملف الاجتماعات المعنية في بناء الحوار بين دمشق وأنقرة”.
وقالت الصحيفة إن وزيري الخارجية فيصل المقداد والدفاع علي عباس في حكومة النظام يجريان مباحثات منفصلة مع نظيريهما سيرغي لافروف وسيرغي شويغو. وذكر بيان للكرملين أن الزعيمين سيبحثان التعاون في مجالات السياسة والتجارة والإغاثة “بالإضافة إلى آفاق تسوية شاملة للوضع في سورية ومحيطها”.
وهذه أول زيارة يتم الإعلان عنها بشكل رسمي للأسد إلى موسكو منذ اندلاع الثورة على نظامه عام 2011، ولكنه سبق أن قام بزيارتي عمل عامي 2018 و2021، أُعلن عنهما بعد عودة الأسد إلى دمشق. كذلك زار موسكو في 2015 أيضاً.
حراك لتعويم النظام السوري
وتأتي زيارة الأسد في خضم حراك سياسي عربي وإقليمي تلا الزلزال الذي ضرب الشمال الغربي من سورية في الشهر الماضي، يبدو أن هدفه إعادة تعويم النظام السوري المعزول دولياً منذ أكثر من عشر سنوات.
وكان من المقرر أن تتزامن الزيارة مع بدء اجتماعات رباعية على مستوى نواب وزراء خارجية تركيا، إيران، روسيا، والنظام السوري يومي الأربعاء والخميس بهدف تهيئة الأجواء السياسية أمام اجتماعات على مستوى أعلى لتطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة بدفع كبير من موسكو.
ولكن وسائل إعلام تابعة للنظام نقلت عن مصادر “متابعة” في دمشق أن هذه الاجتماعات لن تعقد في المواعيد التي حددتها أنقرة، مشيرة إلى أن “الاتصالات والمشاورات ما تزال مستمرة”، لعقد هذا الاجتماع. وأكدت أن “موقف دمشق على حاله لجهة حصولها على ضمانات من الجانب التركي بإعلان جدول انسحاب من الأراضي السورية ووقف الدعم المقدم للمجموعات الإرهابية”.
ولفتت المصادر إلى أن “دمشق لا تبدو في وارد التراجع عن موقفها لجهة حصولها على الضمانات اللازمة لإحداث أي خرق سياسي بينها وبين أنقرة” والتي “تبدو بدورها مستعجلة جداً لحصول هذا الاجتماع المرتبط بعناوينها الانتخابية، وعليه يمكن فهم إصرار الإعلام التركي على تسريب مواعيد محددة لانعقاد الاجتماع الرباعي”، وفق صحيفة “الوطن”.
تليين موقف النظام حيال الاجتماعات الرباعية
ويُعتقد أن الجانب الروسي سيعمل على تليين موقف النظام حيال الاجتماعات الرباعية خلال زيارة الأسد لموسكو، خصوصاً أن الجانب التركي كما يبدو حريص على تحقيق التقارب مع دمشق قبيل الانتخابات العامة في تركيا في مايو/ أيار المقبل.
تقارير عربية
تعويم النظام السوري: ورقة روسية للابتزاز
ويبدو أن الأسد وقّت زيارته إلى موسكو مع الذكرى 12 لانطلاق الثورة ضده في رسالة واضحة للشارع السوري المعارض أنه ما يزال في السلطة بعد مرور كل هذه السنوات. وخرج آلاف السوريين أمس الأربعاء في تظاهرة أمس في إدلب بذكرى الثورة في رسالة واضحة أن “الثورة مستمرة حتى إسقاط النظام”.
ويرى مراقبون أن الجانب الروسي يتحكم بأهم مفاصل القرار في سورية منذ عام 2015 حين تدخّل عسكرياً للحيلولة دون سقوط النظام الذي تؤكد المعطيات السياسية أنه لم يعد سوى واجهة سياسية لضمان المصالح الروسية والإيرانية في سورية.
ولكن مدير وحدة تحليل السياسات في مركز الحوار السوري للدراسات محمد سالم رأى في حديث مع “العربي الجديد” أن “لدى النظام السوري هامش مناورة بعيداً عن موسكو مع وجود الدعم الإيراني له”، مضيفاً: “أما إذا اتفق الروس والإيرانيون يصبح هامش المناورة له شبه معدوم”.
من جهته، لفت المحلل السياسي المختص بالشأن الروسي طه عبد الواحد، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن “موسكو التزمت بالبروتوكول الرسمي وفق أفضل تقليد روسي”، في استقبال الأسد هذه المرة. وتابع: الكرملين كان حريصاً هذه المرة على تنظيم الزيارة بشكل يؤكد فيه أن الضيف “رئيس دولة تتمتع بسيادة”.
ورأى عبد الواحد أن “طريقة استقبال الأسد توحي وكأن موسكو بصدد الإعلان عن مفاجأة سياسية، من قبيل تنظيم لقاء بين الأسد والرئيس التركي (رجب طيب أردوغان) خلال وقت قصير، خصوصاً أن وصول الأسد يتزامن مع محادثات مكثفة تجريها روسيا مع أنقرة وكل من طهران ودمشق بشأن اللقاء الرباعي على مستوى نواب وزراء الخارجية”.
وأشار عبد الواحد إلى أن “طريقة استقبال الأسد في موسكو ربما هي محاولة لامتصاص استياء صامت من طريقة استقباله وكيفية تنظيم زياراته السابقة”، مضيفاً: “موسكو أرادت كسب ود السوريين المؤيدين للأسد لتعزيز موقف روسيا لدى هؤلاء ونظرتهم الإيجابية لها”.
تعزيز موقف الأسد عربياً
وأعرب عبد الواحد عن اعتقاده بأن “تنظيم استقبال مميز للأسد تهدف موسكو من خلاله إلى تعزيز موقفه لدى القادة العرب الذين تأمل موسكو منهم تطبيع العلاقات مع معه”، مضيفاً: “موسكو حريصة على أن تُظهره بموقع “الزعيم المحترم” الذي يحظى باستقبال وكأنه زعيم دولة كبرى”.
وتابع: بكل تأكيد الزيارة ستشهد “ضبط ساعات”، خصوصاً لجهة ما يجب على الأسد فعله في موضوع التطبيع مع تركيا. ورأى أنه “سيدور حديث عن التسوية السورية”، مضيفاً: أعتقد سنسمع أن الخطط القديمة لهذه التسوية لم تعد مناسبة بعد أن تغيّرت الحقائق والواقع على الأرض.
————————–
خطة عربية لـ”تطبيع شامل” مع الأسد.. “وول ستريت جورنال”: تشمل إرسال قوات لحماية السوريين العائدين
عربي بوست
قال مسؤولون عرب وأوروبيون إن الدول العربية، التي نبذت رئيس النظام السوري بشار الأسد مدةً طويلة، عرضت عليه صفقة من شأنها إعادة العلاقات بين دمشق وكثير من دول الشرق الأوسط، وكبح نفوذ إيران في الوقت نفسه، بحسب ما كشفت صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية، نقلاً عن مصادر.
وكشفت المصادر أن الأردن قاد المحادثات في البداية، وعرضت الدول العربية خلالها مساعدات بمليارات الدولارات لمعاونة النظام السوري في إعادة بناء البلاد المدمرة بعد الحرب الأهلية، وتعهدت بالضغط على الولايات المتحدة والقوى الأوروبية لرفع العقوبات عن نظام الأسد.
إرسال قوات عربية
وقال المسؤولون إن عرض الدول العربية جاء في مقابل موافقة الأسد على التعاون مع المعارضة السياسية السورية، والقبول بقوات عربية لحماية اللاجئين العائدين، ومكافحة تهريب المخدرات، وأن يطلب من إيران التوقف عن توسيع حضورها في البلاد.
وأوضح مستشار للنظام السوري ومسؤولون عرب وأوروبيون مطلعون -وفق وول ستريت جورنال- أن المحادثات لا تزال في “مرحلة مبكرة”، وأن الأسد لم يُظهر اهتماماً بمطلب الإصلاح السياسي ولا استعداداً لاستقبال قوات عربية.
علاوة على ذلك، فإن القوى الغربية لم تكشف عن أي ميل لإنهاء العقوبات الصارمة المفروضة على النظام السوري لما ارتكبه من انتهاكات لحقوق الإنسان في البلاد.
الزلازل قلّصت عزلة الأسد
ومع ذلك، فإن الزلازل المدمرة التي ضربت تركيا وسوريا، وقتلت نحو 6 آلاف سوري، أعطت قوة دافعة للمحادثات، إذ يسعى بشار الأسد لاستغلال الكارثة الإنسانية من أجل تقليص عزلته، على حد قول المصادر.
وقال المسؤولون إن هذه المحادثات زادت فاعلية بانضمام السعودية، التي تعد أقوى الدول العربية نفوذاً، ومن أشدها ممانعة للتقارب مع نظام الأسد، حيث دعا الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي، في فبراير/شباط الماضي، إلى إنهاء الوضع الراهن في سوريا، والسماح لها بالتعافي من أزمتها الإنسانية طويلة الأمد.
ووافقت السعودية منذ أيام على استئناف العلاقات مع إيران في اتفاق توسطت فيه الصين، ما يدل على أن المملكة مستعدة لتغيير مسارها السابق في الاصطفاف الجيوسياسي بالمنطقة.
وقد يكون الانفراج بشأن التفاوض مع الأسد أحد أكثر الأمثلة صراحة على ما يشهده الشرق الأوسط من ترتيبات واسعة لإعادة بناء التحالفات، وتلاشي التوترات الناشئة عن انتفاضات الربيع العربي، وتغيُّر مصالح القوى الأجنبية في المنطقة، وفق الصحيفة ذاتها.
من جهة أخرى، لا تزال روسيا وإيران أبرز شريكين للنظام السوري، وقد وصل بشار الأسد إلى موسكو، الأربعاء 15 مارس/آذار، لإجراء محادثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن تطوير التعاون التجاري بين البلدين.
كبح نفوذ إيران
وأشار مسؤولون أوروبيون وعرب إلى أن القضايا المتعلقة بمساعي دمج النظام السوري وإعادة بناء البلاد ستكون على جدول أعمال القمة العربية، التي من المقرر عقدها في السعودية هذا العام.
وزعمت المصادر أن كثيراً من المسؤولين العرب، وإن كانوا يحتقرون بشار الأسد وأفعاله، فإنهم يرون أن السياسات الدولية الرامية إلى عزل سوريا ثبت أنها تأتي بنتائج معاكسة للمراد منها بمرور الوقت، وأنها تزيد من تعزيز نفوذ إيران في المنطقة.
فيما قالت مصادر مطلعة على تفكير بعض الأنظمة العربية إنها تميل إلى أن تحسين العلاقات مع نظام الأسد سيُساعد في تقليل نفوذ إيران على واحد من أبرز حلفائها في المنطقة.
وقد شهدت الأسابيع الماضية زيارة من وزير الخارجية المصري وأخرى من وزير الخارجية الأردني إلى دمشق، في أول نشاط دبلوماسي مماثل بالبلاد منذ عام 2011.
حل سياسي للأزمة
وقال مسؤول إماراتي رداً على أسئلة للصحيفة وُجهت إلى وزارة الخارجية، إنَّ الإمارات ترى “حاجة ملحة إلى تعزيز الدور العربي في سوريا”، وتميل إلى ضرورة “المسارعة بالبحث عن حل سياسي للأزمة في سوريا، لتجنب عودة الإرهاب والتطرف، اللذين انتشرا خلال الصراع المستمر في البلاد”.
ومع ذلك، لن يكون إقناع الولايات المتحدة وأوروبا برفع العقوبات عن الأسد وشركائه سهلاً على الدول العربية، حتى لحلفائها المقربين من الولايات المتحدة.
ولم تستطع صحيفة “وول ستريت جورنال” الحصول على تعليق فوري من وزارة الخارجية الأمريكية، لكن نيد برايس، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، قال في أعقاب الزلزال، في فبراير/شباط الماضي، إن بلاده “تشجع التطبيع” فقط إذا نفَّذ نظام الأسد خريطة طريق تتجه نحو عقد انتخابات حرة.
وفي الوقت نفسه، قال مسؤولون أوروبيون إن الاتحاد الأوروبي لا يزال متخوفاً من السجل السيئ لبشار الأسد في انتهاكات حقوق الإنسان وعدم رغبته في إجراء انتخابات حرة، ولذلك استبعد دعوة الحكومة السورية لمؤتمر المانحين المقرر عقده في الأشهر المقبلة لجمع التبرعات من أجل إعادة بناء المناطق المتضررة من الزلزال.
————————-
صحيفة: الدول العربية تسعى لإعادة العلاقات مع سوريا مقابل طلبات محددة
الحرة / ترجمات – واشنطن
نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، الأربعاء، عن عدد من المسؤولين العرب والأوروبيين، قولهم إن الدول العربية التي قاطعت الرئيس السوري، بشار الأسد، تعرض عليه حاليا اتفاقًا من شأنه أن يعيد العلاقات بين دمشق وجزء كبير من الشرق الأوسط مع كبح نفوذ إيران.
وذكرت الصحيفة أنه في “تحول جيوسياسي جديد لإعادة اصطفاف الشرق الأوس الواسع”، تعتقد الدول العربية أن إعادة العلاقات مع الأسد سيقلل من نفوذ إيران في المنطقة.
وأوضحت الصحيفة أنه في المحادثات التي قادها الأردن في البداية، اقترحت الدول العربية مساعدات بمليارات الدولارات للمساعدة في إعادة بناء سوريا بعد الحرب الأهلية التي دامت 12 عامًا، وتعهدت بالضغط على الولايات المتحدة والقوى الأوروبية لرفع العقوبات عن حكومة الأسد، على حد قول المسؤولين.
وفي المقابل، سيتعاون الأسد مع المعارضة السياسية السورية، ويقبل أن توفر القوات العربية الحماية للاجئين العائدين، ويوقف تهريب المخدرات غير المشروع، ويطلب من إيران التوقف عن توسيع وجودها في سوريا، بحسب “وول ستريت جورنال”.
وقال مستشار للحكومة السورية ومسؤولون عرب ومسؤولون أوروبيون مطلعون على المحادثات للصحيفة الأميركية إن المحادثات لاتزال في مرحلة مبكرة، ولم يُظهر الأسد أي اهتمام بالإصلاح السياسي أو استعداد لاستقبال القوات العربية. بالإضافة إلى ذلك، لم تُظهر القوى الغربية أي استعداد لإنهاء العقوبات الصارمة على انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا.
لكن المسؤولون أكدوا للصحيفة أن الزلازل المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا، وقتل ما لا يقل عن 6 آلاف شخص في سوريا، أعطى زخمًا للمحادثات، إذ يسعى الأسد للاستفادة من الكارثة الإنسانية لتقليل عزلته.
وقال المسؤولون إن دعم السعودية للأسد أعطى دفعة قوية إلى المحادثات، خاصة أنها من أقوى الدول العربية والخليجية حاليا، بحسب الصحيفة. وفي فبراير الماضي، دعا وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، إلى إنهاء الوضع الراهن بشأن سوريا للسماح بالاستجابة للأزمة الإنسانية.
ووفقا للصحيفة، فإن موافقة السعودية مؤخرًا على استعادة العلاقات مع إيران في صفقة بوساطة الصين، تشير إلى أن المملكة منفتحة على تغيير المسار السياسي
في الشرق الأوسط وتسعى لـ”إعادة اصطفاف الشرق الأوسط الواسع”، حيث تتلاشى التوترات التي نشأت عن الربيع العربي وتتحول مصالح القوى الأجنبية في المنطقة.
وفي السياق نفسه، أرسلت كل من الأردن ومصر، في الأسابيع الأخيرة، وزيري خارجيتهما إلى دمشق في أول زيارة دبلوماسية لهما منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011، بحسب الصحيفة.
ومن جانبها، تضع الإمارات إعادة الأسد إلى جامعة الدول العربية أولوية، وفقا لـ”وول ستريت جورنال”. واستضاف رئيس الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الأسد، في أبو ظبي، العام الماضي.
ويرى المسؤولون الأوروبيون والعرب، الذين تحدثوا لـ”وول ستريت جورنال”، أن إعادة الاندماج المحتملة لسوريا في المنطقة العربية وإعادة بنائها ستكون بلا شك على جدول أعمال القمة العربية المقبلة في السعودية.
الحرة
——————————
تحييد نظام الأسد والحرب القادمة ضد إيران/ شادي علاء الدين
احتل الاتفاق السعودي الإيراني المرعي صينيّا واجهة الأحداث، وأطلق موجة قراءات تنظر إليه بوصفه مدخلا لمرحلة جديدة من التسويات والتهدئة، ستنعكس على كلّ المنطقة، وتنتج حلولا تطول كل الملفات الكبرى، وتبعد شبح الحرب والتصعيد.
ولكن رياح الأمور لا تجري بما تشتهيه سفن المتفائلين والمحللين والمتشائمين، بل تخضع للعناوين التي ولد الاتفاق تحت ظلالها والمرتبطة بثنائية الأمن والاقتصاد.
تسعى السعودية لتمكين نوع جديد من الاقتصاد القائم على الاستثمار في التكنولوجيا الفائقة ما يتطلب الانكفاء عن خوض الحروب الخاصة، وعدم التدخل في أيّ من الصراعات القائمة في المنطقة.
ظروف قبول إيران للاتفاق تحكمه أولويّة أمنيّة تجبرها على تقديم تنازلات كبيرة في سبيل المحافظة على نظامها، إذ يقدم لها إمكانية اقتصاديّة قد تتيح لها الحصول على عائدات مالية جيدة، وتسهم في الإفراج عن أموالها المحتجزة في مقابل تيسيرها للحلول في اليمن.
كل ذلك من شأنه أن يحولها من دولة تتصل مصالحها بالمشاغبة وتعطيل حركة الاقتصاد في المنطقة إلى دولة مشاركة في حفظ أمن الاقتصاد والمساهمة في تسييله.
لا يعني ذلك تغييراً في طبيعة النظام الإيراني، ولكنّه يعني خضوعه لتنازلات إجباريّة في مقابل الحفاظ على نفسه.
الصين تنظر إلى الموضوع برمته على أنه توسيع لدائرة نفوذها وتمتين لعلاقاتها الاقتصادية مع أكبر موردي النفط، ما يمنحها القدرة على خوض الكباش مع أميركا في المجال الوحيد الذي يهمها فعلا وهو التكنولوجيا الفائقة المتمثلة في تايوان التي تجتهد لإحكام سيطرتها الاقتصادية والعسكرية عليها.
كل هذا المناخ لا يؤثر على ما يجري من استعدادات إسرائيلية لخوض حرب ضد إيران برعاية أميركية.
الظروف الداخلية الإسرائيلية التي تشهد احتجاجات كبيرة ضد حكومة نتنياهو لجمت هذا التوجه مرحليّا، ولكن توالي العمليات العسكرية ضد إيران في سوريا وارتفاع وتيرتها، يقول إن هذا التوجه لم يخرج من التداول، بل قد يكون الدرب الذي ستسلكه حكومة اليمين المتطرف للخروج من أزماتها، وخصوصا أنه كان عنوان حملتها الانتخابيّة وتحالفاتها.
الحديث عن لجم مشروع إيران الخارجي كنتيجة مباشرة لمفاعيل الاتفاق السعودي الإيراني أو كصيغة متضمنة فيه يجافي الواقع، بل فقد يكون الأقرب إلى الصواب، التأكيد أن بنية الاتفاق تنطوي على نزعة سعودية وصينية في تحييد نفسيهما عن الحرب القادمة والتركيز على مشاريعهم الخاصة.
عدم ممانعة أميركا للاتفاق بالتوازي مع استمرار التنسيق العسكري والمناورات العسكرية مع إسرائيل والتي تحاكي حربا شاملة ضد إيران، يقود إلى التأكيد أن التسويات المنتظرة ستكون مسبوقة بحروب تنهي الحالة الإيرانية في المنطقة أو تلجمها إلى حد بعيد.
الميدان الأوسع لتلك الحرب المنتظرة يبقى في سوريا، ولعل الإشارات التي تؤذن بقرب انفجار هذه الحرب قد وصلت إلى رئيس النظام السوري الذي يحاول اعتماد سلوك المشاغبة والتشويش على أي اتفاق، ومحاولة فرض شروط على القوى الفاعلة والمؤثرة في الميدان السوري، والاستفادة من الإشارات العربية الموحية بنضوج جو التقارب معه وإعادة تعويمه والاعتراف به، بينما تخاض الأمور عبره وليس معه.
استدعاؤه إلى روسيا يتخذ طابع تبليغه بضرورة القبول بالاشتراطات الجديدة التي تتضمن شروعه في التفاهم مع تركيا في إطار الاجتماع الرباعي الذي يشمله مع روسيا وتركيا وإيران.
لعل توقيت الدعوة الروسية إلى عقد مثل هذا الاجتماع في هذه اللحظة بعد الاتفاق السعودي الإيراني الذي كانت الصين مرجعيته، يوحي بالرغبة في إقامة توازنات تتطلب فرض تنازلات على النظام السوري وعلى إيران التي تساعدها في حربها على أوكرانيا مقابل الحفاظ على الحياد العربي في هذا الشأن.
وكان لافتاً أن استهدافات إسرائيل في سوريا في الفترة التي سبقت هذا الاجتماع شملت مناطق ومنشآت خاضعة للنظام السوري، وكأنها تطلق رسالة مفادها أنه قد بات محسوبا على إيران، وأنّ عليه الانفصال عنها إذا شاء أن يكون طرفا مقبولا في الفترة القادمة.
ظروف الحرب ضد إيران تنضج، ولعل روسيا تدرك أنها لا تستطيع لجمها، كما لا ترغب في تحمل أعباء الدفاع عن إيران التي انتعشت علاقتها معها بعد إقدامها على مدها بطائرات مسيّرة من دون طيار استعملتها في أوكرانيا.
خريطة انتشار إيران المتوسعة في سوريا ليست أمرا مرغوبا فيه بالنسبة لروسيا، التي يمكنها بيع الموافقة على ضربها باتفاق يناسب مصالحها مع أوكرانيا، وتفعيل علاقاتها مع جل القوى الفاعلة والمؤثرة في المنطقة، وخصوصا الدول العربية التي ستكون الممول الأكبر لمشروع إعمار سوريا.
من هنا فإن ضرب إيران في سوريا وفي إيران والمنطقة بات محل التقاء مصالح عريض إقليمي ودولي يرجح أن تنطلق شراراته الأولى من سوريا ومن لبنان حيث يجد أبرز استثمار إيراني خارجي، أي حزب الله، نفسه غارقا في دوامة الانهيار الاقتصادي الضخم، وعاجزا عن التغطية عليه بمشروع خارجي.
الدفاع عن إيران يستوجب إعادة تفعيل العنوان العقائدي واستخدامه للتغطية على كل شيء.
اللامبالاة التي تسم التعامل العربي والدولي معه في موازاة الانفتاح العربي على الأسد ليست سوى عناوين الحرب على إيران التي تقول إن ترك البلد الواقع تحت سطوة حزب الله يختنق سيحوله من ميزة تفاوضية إلى أزمة مفتوحة تنفجر في وجهه، وتفرض عليه تنازلات كبرى أو تمهد لإخراجه من الساحة.
لا يريد الحزب فتح حرب مع إسرائيل، ولعل إسرائيل كذلك حين تنظر إلى الوضع اللبناني تجد أن تدخلها قد يتخذ طابع إنقاذ للحزب، ولكنها من ناحية أخرى ترى الوضع سانحا ومناسبا لخوض حرب ضد إيران تعاد بعدها رسم خرائط منطقة لا يوجد فيها دول أو كيانات معادية لها.
بعد أن ضمنت تفوقها التكنولوجي والعسكري قد يكون ضرب إيران مدخلها الأساسي لتكريس دورها في المنطقة، والتفرغ لقمع داخل إسرائيل غاضب من ممارسات اليمين، والاستمرار في ارتكاب المجازر ضد الفلسطينيين من دون أن يرف للعالم جفن.
تلك الحرب القادمة تؤدي وظيفة ضبط الإيقاع قد نكون بعدها أمام تسويات تبقي الأسد في الواجهة في سوريا أو تستعيض عنه بصيغة ما توازيه، وتخرج إيران من معادلات التأثير والفعالية في المنطقة، ولكنها في الآن نفسه تجعل منها المنطقة التي لا وزن لها في العالم، والتي يمكن إنقاذها وضبط الأمور بفتات موارد النفط والتكنولوجيا.
زمن الصواريخ سيأتي مكانه زمان الإحسان العربي والدولي الذي يعني استدامة المرض وتقنين العلاج، والاكتفاء بمنح جرعات محدودة منه تكفي لإدامة الاحتضار الطويل من دون أمل في الشفاء.
تلفزيون سوريا
——————-
تأكيد أوروبي وأميركي على رفض التطبيع مع نظام الأسد/ عدنان أحمد
جدّدت الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبية أخرى، التأكيد على موقفها الرافض لأي تطبيع مع النظام السوري أو المساعدة بإعادة الإعمار، حتى يتم إحراز تقدم حقيقي في الحل السياسي، ودعت إلى محاسبة رئيس النظام بشار الأسد على ما ارتكبه من جرائم مروعة ضد المدنيين.
وحث بيان مشترك أصدرته الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، أمس الخميس، على محاسبة النظام السوري على “فظائع ارتكبها”، مؤكدة أنها لن تطبع علاقاتها مع النظام ولن ترفع العقوبات عنه، وذلك بمناسبة الذكرى الـ12 لاندلاع الثورة السورية.
وشدد البيان على رفض المشاركة في تمويل إعادة الإعمار في سورية قبل الوصول إلى حل سياسي مستدام، داعياً في الوقت ذاته المجتمع الدولي إلى “العمل معاً لمحاسبة نظام الأسد وجميع مرتكبي الانتهاكات والفظائع”.
وذكرت الدول الأربع أن ما جرى في سورية، “خلق بيئة ملائمة لمهربي المخدرات الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم المخاطر وتهديد الاستقرار الإقليمي”. ورحبت بجهود المحاكم الدولية التي تحقق بالجرائم التي وقعت في سورية ومحاكمة مرتكبيها، وطالبت بالإفراج عن أكثر من 155 ألف معتقل في سجون النظام، وتوضيح الحقيقة بشأن مصيرهم ومكان وجودهم.
وجاء البيان الرباعي تزامناً مع زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى موسكو، حيث التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأطلق مواقف تشير إلى ارتمائه الكامل في “حضن روسيا” التي تواجه عقوبات غربية مشددة بسبب حربها في أوكرانيا. كما يتزامن ذلك، مع تعثر انعقاد الاجتماع الرباعي بين تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري والذي كان مقررا في 15 و16 مارس/ آذار الجاري، لبحث خطوات التطبيع بين النظام وتركيا.
ويرى مراقبون أن النظام السوري المعزول عربياً ودولياً منذ العام 2011، بسبب قمعه الوحشي للاحتجاجات ضده، يحاول استغلال كارثة الزلزال المدمر الذي ضرب سورية وتركيا في 6 فبراير/ شباط الماضي، من أجل استعادة العلاقات السياسية والإفلات من العقاب، تحت ذريعة إيصال المساعدات الإنسانية للمنكوبين.
ومن جهته، أكد الممثل الأعلى للعلاقات الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، موقف الاتحاد المعارض للتطبيع مع نظام الأسد “ما لم ينخرط في حل سياسي حقيقي يتماشى مع القرار الأممي رقم 2254”.
وقال البيان بمناسبة الذكرى السنوية الـ 12 لاندلاع الثورة السورية، إن النظام السوري “قمع الاحتجاجات السلمية في جميع أنحاء سورية بوحشية، ما أثار صراعاً مستمراً حتى يومنا هذا”، مضيفاً أن “الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، والقانون الإنساني الدولي، من قبل جميع أطراف النزاع، ولا سيما من قبل نظام الأسد وحلفائه، ما تزال ترتكب”.
وأضاف: “أن المدنيين في سورية يواجهون دماراً ثانياً كبيراً بسبب الزلزال الذي ضرب المنطقة، وذلك بعد الدمار الفظيع الذي ارتكبه الأسد وحلفاؤه في العديد من المناطق داخل البلاد”، مشيراً إلى أنهم الآن يسعون إلى تضميد جروح الزلزال من خلال مؤتمر المانحين المزمع عقده في 20 الشهر الحالي. ولفت الى أن الاتحاد “أكبر مزود للمساعدات الدولية، ويقدم المساعدة الإنسانية وتحقيق الاستقرار والصمود داخل سورية وفي البلدان المجاورة”.
ولفت إلى أنه “في مؤتمر بروكسل العام الماضي، تعهد الاتحاد بتقديم 2.6 مليار يورو لسورية والمنطقة للعام 2022 وحده”.
وشدد ممثل الاتحاد الأوروبي على أن سورية تظل “أولوية” في سياسة الاتحاد، داعياً المجتمع الدولي إلى مضاعفة الجهود للتوصل إلى حل سياسي دائم وشامل.
وكانت الخارجية الأميركية أكدت في بيان مماثل بمناسبة الذكرى 12 لانطلاق الثورة السورية وقوف الولايات المتحدة “إلى جانب الشعب السوري، وجددت التزامها بالحل السياسي للأزمة السورية، معبرة عن “حزنها على كل من فقدوا أرواحهم من أجل الحرية والكرامة”.
تقرير الآلية الدولية بشأن الانتهاكات في سورية
في غضون ذلك، أصدرت الآلية الدولية المحايدة والمستقلة بشأن سورية، التابعة للأمم المتحدة، أمس الخميس، تقريرها التاسع للمساعدة في التحقيق مع الأفراد المسؤولين عن أخطر الجرائم بموجب القانون الدولي التي ارتكبت في سورية ومحاكمتهم بموجب القانون الدولي.
وجاء في تقرير الآلية الدولية أنه خلال الفترة المشمولة بالتقرير “واصلت الآلية تحقيقها الهيكلي، وقدمت مزيداً من الدعم لعمل الولايات القضائية التي تحقق في الجرائم المرتكبة في سورية، وملاحقة مرتكبيها قضائياً”.
وأضاف أن الآلية تسعى إلى “زيادة تطوير قدرتها التشغيلية في المقر وعلى المستوى الميداني، بغية توفير أقصى قدر ممكن من المساعدة التي يمكن أن تقدمها متى سنحت فرصة لتحقيق العدالة في المستقبل، خاصة بشأن توضيح مصير الأشخاص المفقودين وأماكن وجودهم”.
وحث التقرير الضحايا والناجين على “القيام بدور فعال لتحقيق العدالة الشاملة للجميع”.
وأعلنت الأمم المتحدة عن تأسيس الآلية الدولية المحايدة والمستقلة المعنية بسورية عام 2016، بغية التحضير لمحاسبة مرتكبي جرائم الحرب في سورية.
وتعمل الآلية الدولية على جمع وتخزين وتحليل الأدلة بشأن الجرائم المرتكبة في سورية منذ عام 2011، بهدف المساعدة في محاكمة مرتكبي هذه الجرائم، حيث عملت منذ تأسيسها على جمع مئات آلاف الوثائق بشأن انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في سورية منذ العام 2011.
—————————
وعود بالمليارات للأسد..مقابل التعاون مع المعارضة وقبول قوات عربية
قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية إن عدداً من الدول العربية المقاطعة لرئيس النظام السوري بشار الأسد، عرضت عليه اتفاقاً من أجل إحياء العلاقات معه من جديد، وذلك في سبيل تقليل النفوذ الإيراني في المقام الأول.
ونقلت الصحيفة الأميركية عن مسؤولين عرب وأوروبيين قولهم إن دولاً عربية كانت قد نبذت الأسد خلال الحرب في سوريا، عرضت عليه اتفاقاً يتضمن عدداً من الشروط، موضحين أن الاتفاق من شأنه إعادة علاقات النظام مع جزء كبير من الشرق الأوسط مقابل كبح جماح النفوذ الإيراني.
وأضاف المسؤولون أن الدول العربية اقترحت تقديم مساعدات بمليارات الدولارات لإعادة إعمار سوريا، فضلاً عن تعهدها بالضغط على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من أجل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام، مشيرين إلى أن تلك الدول ترى بأن إعادة العلاقات مع الأسد، ستقلل من النفوذ الإيراني في المنطقة.
لكن في مقابل المليارات، طلبت من الأسد التعاون مع المعارضة السياسية، والقبول بنشر قوات عربية لحماية اللاجئين العائدين، إضافة إلى وقف إيران عن توسيع وجودها في سوريا، والتوقف عن تهريب المخدرات، وفق الصحيفة.
كما نقلت الصحيفة عن مسؤولين آخرين بينهم مستشار في حكومة النظام قولهم إن المحادثات التي قادها الأردن في البداية، لا تزال في مرحلة مبكرة، كما لم يُبدِ الأسد اهتماماً بالإصلاح السياسي أو بعملية نشر قوات عربية، وكذلك لم يبدِ الغرب أي استعداد لرفع العقوبات الصارمة على انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا.
لكن الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا، أعطى زخماً للمحادثات، إذ يسعى الأسد للاستفادة من الكارثة الإنسانية لتقليل عزلته، وخصوصاً بعد الدفعة القوية التي أعطتها السعودية للمحادثات عبر دعمها للأسد، وكذلك دعوة وزير خارجيتها فيصل بن فرحان إلى إنهاء الوضع الراهن بشأن سوريا للسماح بالاستجابة للأزمة الإنسانية.
وترى الصحيفة الأميركية أن موافقة الرياض على استعادة العلاقات مؤخراً مع طهران، تشير إلى أن السعودية “منفتحة على تغيير المسار السياسي في الشرق الأوسط”، كما تسعى إلى “إعادة اصطفاف الشرق الأوسط الواسع” والذي من ِشأنه إزالة توترات “نشأت عن الربيع العربي”.
وفي السياق نفسه، أرسلت مصر والأردن وزيري خارجيتهما إلى دمشق، في أول زيارة دبلوماسية لهما منذ اندلاع الثورة السورية في آذار/مارس 2011، بينما تضع الإمارات إعادة الأسد للجامعة العربية كأولوية.
وتوقعت مصادر الصحيفة أن تكون إعادة دمج النظام السوري المحتملة في المنطقة العربية وإعادة بنائه، على جدول أعمال القمة العربية المقبلة في السعودية.
وكانت صحيفة “الغارديان” البريطانية قد شككت بالقدرة على إعادة تأهيل نظام الأسد عبر إبعاده عن إيران، وذلك بعد الدعم الذي حصل عليه من طهران التي عملت على زيادة نفوذها، وبناء ممر بري من أراضيها عبر العراق وسوريا إلى لبنان الذي يهيمن فيه حزب الله على المشهد السياسي.
كما اعتبرت أن إبعاد الأسد عن إيران مجازفة خطيرة لا يستطيع القيام بها في الوقت الحالي، عدا تشككيها أيضاً في نية الأسد التفاوض مع المعارضة السورية وتشجيع عودة اللاجئين إلى بلادهم.
—————————
“الأسد يراهن على المعارضة التركية”.. هل تعثر “بناء الحوار” بين أنقرة ودمشق؟
ضياء عودة – إسطنبول
تشير جملة من المواقف والمعطيات و”الشروط” التي وضعها رأس النظام السوري، بشار الأسد إلى أن عملية “بناء الحوار” بين أنقرة ودمشق “تعثرت” على أبواب المرحلة الثانية، بعدما دُشنت الأولى مطلع العام الجاري بلقاء على مستوى وزراء الدفاع ورؤوساء الاستخبارات في العاصمة الروسية موسكو.
وكان من المقرر أن يتم الانتقال إلى المرحلة الثانية باللقاء على مستوى نواب وزراء الخارجية بين سوريا وروسيا وتركيا وإيران، وهو الأمر الذي لم يتم خلال يومي 15 و16 مارس الحالي، بينما تحدث مسؤول تركي لوكالة “رويترز”، يوم الخميس، أن عدم انعقاده وتأجيله إلى أجل غير مسمى يرتبط بـ”أسباب فنية”.
في غضون ذلك وفي أعقاب زيارته إلى العاصمة موسكو ولقاءه نظيره فلاديمير بوتين عاد الأسد ليكرر شروطه أمام الدفع بعملية “بناء الحوار” مع أنقرة، مصرا على “انسحاب تركيا من سوريا ووقف دعم الإرهاب”، حسب تعبيره، في وقت قال إن اللقاء مع نظيره التركي، رجب طيب إردوغان، يعتمد على التقدم بهذين الأمرين.
وأضاف لوسائل إعلام روسية: “إذا استوفيت الشروط فلا موعد محددا للقاء إردوغان. قد يكون اليوم أو غدا. التوقيت ليس مشكلة”. وتابع أن “أولوية إردوغان هي الانتخابات ولا شيء آخر، أما بالنسبة لسوريا فالأولوية هي للانسحاب واستعادة السيادة”.
ولم يصدر أي تعليق من الجانب التركي حتى اللحظة سواء بشأن “الشروط” التي وضعها الأسد أو فيما يتعلق بعدم انعقاد اللقاء على مستوى نواب وزراء الخارجية، وكذلك الأمر بالنسبة لروسيا الراعية لمسار الحوار بين أنقرة ودمشق، وإيران التي انخرطت مؤخرا “كطرف رباعي”.
ولطالما اعتبر مراقبون أتراك وسوريون أن الطريق الخاص بإعادة العلاقات بين تركيا والنظام السوري سيكون “وعرا”، لاعتبارات تتعلق بطبيعة الملفات الخلافية القائمة، منذ سنوات طويلة. وفي حين فتح اللقاء على مستوى وزراء الدفاع في موسكو بابا هو الأول من نوعه منذ أكثر من عقد، إلا أن الرياح التي هبّت منه بعد ذلك حملت تفاصيل المشهد المعقّد.
“ستفشل في النهاية”
واتفق محللون وباحثون سوريون وأتراك وروس في حديثهم لموقع “الحرة” على فكرة أن الأسد “يراهن على فوز المعارضة التركية في الانتخابات الرئاسية المقبلة”، ولذلك يحاول تصدير “الشروط”، والتي تراها أنقرة غير واقعية في الوقت الحالي، وخاصة انسحاب قواتها من شمال سوريا.
ويقول المحلل والباحث التركي المقيم في أنقرة، عمر أوزكيزيلجيك إن “الشروط التي عبّر عنها بشار الأسد هي تذكير قوي لصانعي السياسة الأتراك بالمشكلة في سوريا”، إذ تشير تصريحات رأس النظام بأنه “غير مهتم بعملية التطبيع، ويحاول نسف العملية برمتها”.
ويضيف أوزكيزيلجيك لموقع “الحرة” أن “الاجتماع الأول على المستوى الوزاري حدث فقط بسبب الضغط الروسي الهائل، ولكن الآن مع إدراج إيران، يشعر نظام الأسد بالثقة الكافية لتعطيل عملية التفاوض وعرقلتها”.
“هذا ما كان النظام يفعله منذ 12 عاما. هو يعتقد أن رفضه لأي مفاوضات كان ناجحا ويستمر في ذلك”. ويتابع الباحث التركي مؤكدا على فكرة بأن “المحادثات بين أنقرة ودمشق لن تثمر شيئا وستفشل في النهاية”.
في المقابل يرى المحلل السياسي المقيم في دمشق، غسان يوسف أنه ومنذ انطلاق عملية “بناء الحوار” كان ملاحظا “عدم وجود اندفاعة سورية كما هو بالنسبة للجانب التركي”.
ويقول يوسف لموقع “الحرة” إن “دمشق فسرت الاندفاعة من إردوغان اتجاهها من أجل الانتخابات. هي تعرف أن الشارع التركي يضغط على العدالة والتنمية بشأن اللاجئين السوريين وأيضا بشأن وجود القوات التركية في سوريا”.
ويشير المحلل السياسي إلى أن “سوريا تعوّل في الوقت الحالي على نجاح حزب الشعب الجمهوري، باعتبار أن المعارضة قدمت ضمانات بالانسحاب سابقا، وأيضا بدفع تعويضات وعودة اللاجئين والتعاون الاقتصادي”.
يراهن على فوز المعارضة”
ومن المقرر أن تجري انتخابات الرئاسة والبرلمان في تركيا في الرابع عشر من شهر مايو المقبل، وبينما يتصدر إردوغان كمنافس رئاسي عن تحالف حزبه الحاكم كانت أحزاب من المعارضة اتفقت مؤخرا على اسم زعيم “حزب الشعب الجمهوري”، كمال كلشدار أوغلو كمنافس له.
ولطالما أبدى زعيم المعارضة كلشدار أوغلو نيته التقارب مع النظام السوري، حال وصوله إلى السلطة، وفي أعقاب الزلزال المدمّر الذي ضرب تركيا وسوريا بعث له برسالة تعزية عن ضحايا الكارثة.
وعاد هذا السياسي ليعلن من على حدود بلاده مع تركيا قبل أيام أنه بصدد إعادة اللاجئين السوريين إلى سوريا “في غضون عامين”، وأطلق وعدا بالقول: “سأغلق الحدود أمام جميع أنواع المعابر غير الشرعية في الأسبوع الأول من رئاستي”.
ولا تقتصر مواقف “حزب الشعب الجمهوري” أكبر أحزاب المعارضة في تركيا على ما سبق فقط، بل كان له موقف أشد في شهر أكتوبر 2021، بعدما صوت بضد، وحاول منع الصلاحية الممنوحة لرئيس الجمهوري، بشأن تنفيذ عمليات عسكرية في سوريا والعراق لعامين.
ويوضح الباحث التركي عمر أوزكيزيلجيك أن “نظام الأسد ينظر بحق إلى تركيا على أنها العدو الأساسي له على الساحة الدولية”، و”يعتبر حكومة إردوغان الداعم الرئيسي للمعارضة السورية التي تهدد النظام”.
ونظرا لأن نظام الأسد يعرف السياسة الداخلية التركية جيدا، فإنه “لا يريد منح الحزب الحاكم دفعة شعبية قبل الانتخابات”. “هو يراهن على انتصار المعارضة التركية”، بحسب تعبير أوزكيزيلجيك”.
ويضيف: “داخل المعارضة التركية، تدعو جميع الأحزاب التركية باستثناء حزب المستقبل بزعامة أحمد داود أوغلو إلى إعادة ضبط العلاقات مع دمشق”، و”إذا تم انتخابهم، فإن المعارضة التركية ستواجه الواقع قريبا وستكون أكثر واقعية من الآن، لكنها ستستخدم سياسة الاسترضاء ضد نظام الأسد”.
من جهته اعتبر المحلل السياسي غسان يوسف أن “ما قاله الأسد في موسكو كان ضمن عبارات قاسية خلافا للمرات السابقة. هو أكد أن دمشق لن تلتقي بإردوغان قبل الانتخابات ولن يعطيه هذه الهدية أو المكافأة”.
هل يمكن أن تنسحب تركيا؟
ولتركيا قوات كثيرة داخل الأراضي السورية، في محافظة إدلب وريف حلب ومناطق أخرى في شمال وشرق سوريا ضمن تل أبيض ورأس العين، كما أنها تدعم عسكريا تحالفا مناهضا للأسد، هو “الجيش الوطني السوري”.
وكذلك الأمر بالنسبة للشق السياسي، إذ تعتبر تركيا الملاذ الرئيسي لعمل ونشاطات الأجسام السياسية المعارضة للأسد، مثل “الائتلاف الوطني السوري” المعارض، بينما تنخرط أنقرة في المحادثات الخاصة بالملف السوري، وتؤكد باستمرار رؤيتها للحل في البلاد، بموجب قرار مجلس الأمن 2254.
في حين ترى أنقرة “وحدات حماية الشعب” في شمال وشرق سوريا على أنها “إرهابية” وترتبط بـ”حزب العمال الكردستاني” المصنف على قوائم الإرهاب الدولية، يعتبرها النظام السوري بأنها تسعى لـ”الانفصال عن سوريا”، وبالتالي يتقاطعان في هذا القاسم المشترك.
ومع ذلك وبينما تدعم تركيا فصائل “الجيش الوطني السوري” في شمال سوريا وتعتبرها جسما عسكريا “حليفا”، إلا أن النظام السوري يعتبرها “مجموعات إرهابية” ويجب وقف الدعم عنها.
و”لا يمكن لتركيا الانسحاب من سوريا حتى يكون هناك حل سياسي في البلاد”، ويقول الباحث التركي أوزكيزيلجيك إن “الوجود العسكري التركي هو العقبة الوحيدة التي تمنع نظام الأسد من فرض حل عسكري للصراع السوري”.
“على عكس تصريحات الدبلوماسيين، فإن الحل العسكري في سوريا ممكن. سيكون الأمر مدمرا، لكنه ممكن، ونظام الأسد مستعد لمتابعة ذلك”.
ويوضح الباحث التركي: “إذا انسحبت تركيا، فسوف يفر ملايين اللاجئين الجدد إلى تركيا، وسيموت الآلاف في سوريا. ستكون أسوأ كارثة إنسانية في القرن الحادي والعشرين”.
كما يؤكد على فكرة أنه “لا يمكن لتركيا أن تسمح بحدوث ذلك، ولا يمكن للحكومة التركية الحالية ولا للمعارضة التركية الانسحاب من سوريا دون حل سياسي”.
ماذا عن راعية المسار؟
ويعتبر المسار الذي تمضي به أنقرة ودمشق “روسي بامتياز”، ولطالما دفعت به موسكو خلال الأشهر الماضية، بينما تأمل الانتقال إلى اللقاء على مستوى وزارات الخارجية، كما أخبر المبعوث الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتيف، الأسد، في زيارته إلى دمشق، قبل أشهر.
وبينما بقي هذا المسار “ثلاثيا” بمعنى بين أنقرة ودمشق وموسكو سرعان ما انخرطت طهران فيه، لتحوله إلى “رباعي”، في وقت أكد مسؤولوها مرارا على أن أي حل لا يمكن أن يكون بدون إيران.
وكان لافتا في أعقاب زيارة الأسد إلى موسكو، قبل أيام، وهي الأولى على المستوى الرسمي توجه وسائل الإعلام هناك للقاء مع رأس النظام السوري وإتاحة المجال له للحديث عن مخرجات اللقاء مع بوتين والعلاقة المتوقعة مع أنقرة.
ومن “قناة روسيا اليوم” إلى وكالتي “تاس” و”ريا نوفوستي” أكد الأسد على “الشروط” التي يريدها من أنقرة، بينما تحدث عن العلاقة المستجدة مع دول عربية، من بينها المملكة العربية السعودية.
ويقول أندريه مورتازين وهو باحث في الشؤون الروسية إن “الأسد وصل إلى موسكو لغرض وحيد هو الحصول على المساعدة الاقتصادية لإعادة الإعمار كونهها تحت العقوبات، واقتصادها مدمّر”.
ويضيف لموقع “الحرة”: “نتيجة للمباحثات تم التفاهم المتبادل. روسيا ستقدم المساعدات الاقتصادية والعسكرية إلى حد ما”.
واعتبر مورتازين أن “روسيا مهتمة في أن يبقى إردوغان رئيسا لتركيا، لأنها لا تريد فقدان الشريك الاستراتيجي التركي. العلاقات الاقتصادية متينة وروسيا تزود تركيا بالغاز الطبيعي، وتقوم أيضا ببناء محطة أوكويو النووية وهو المشروع الجبار”.
ويضيف الباحث الروسي: “في المعادلة بين الأسد وإردوغان روسيا تعتمد بأكثر شيء على الرئيس التركي، لأنها ترى فيه شريكا استراتيجا واقتصاديا ولا تريد فقدان هذه العلاقات”.
في المقابل “تحاول موسكو أن تساعد الأسد لكنه يبقى في المرتبة الثانية في أولويات العلاقة بين روسيا وتركيا وروسيا وسوريا”.
ومع ذلك، لا يرى مورتازين أن بوتين سيضغط على الأسد لتقديم تنازلات بشأن الحوار مع أنقرة، موضحا: “كونه دعم ضم أربع محافظات أوكرانية إلى روسيا قبل عام”.
“أفضل حل لموسكو هو إبقاء الوضع على حاله. علاقات مع إردوغان ومع الأسد بشكل منفرد”. ويتابع الباحث الروسي: “بوتين لن يطلب من إردوغان الانسحاب. هذا الأمر لن يحدث في الوقت القريب ولن يحدث أبدا ربما، وأعتقد أن سوريا ستبقى مقسمة لمدة طويلة”.
————————
واشنطن وعواصم أوروبية تُطالب بمحاسبة الأسد في ذكرى مرور 12 عاماً على الانتفاضة في سوريا
أحيت فرنسا وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة الخميس ذكرى مرور 12 عاماً على الانتفاضة السورية بتوجيه نداءً مشترك لمحاسبة نظام الرئيس السوري #بشار الأسد على فظائع ارتكبها.
وشدّدت الدول الأربع على أنّها لن تُطبّع العلاقات مع حكومة الأسد ولن تموّل إعادة الإعمار في البلاد “إلى أن يتمّ إحراز تقدّم حقيقي ومستدام نحو حلٍّ سياسي”.
تشهد #سوريا نزاعاً دامياً منذ 2011 تسبّب بمقتل نحو نصف مليون شخص وألحق دماراً هائلاً بالبنى التحتيّة وأدّى إلى تهجير ملايين السكّان داخل البلاد وخارجها. وجاء الزلزال الذي ضربها وتركيا في السادس من شباط ليُفاقم المأساة إذ أودى بحياة عشرة آلاف شخص في الأراضي السورية.
وجاء في البيان: “نواصل التزامنا دعم المجتمع المدني السوري وإنهاء انتهاكات حقوق الإنسان والانتهاكات التي عانى منها الشعب السوري – من نظام الأسد وغيره – قبل وقوع الزلازل بفترة طويلة”.
وتابعت الدول الأربع في بيانها “يجب على المجتمع الدولي العمل معاً لمحاسبة نظام الأسد وجميع مرتكبي الانتهاكات والفظائع”.
وأضاف البيان: “أوجد النزاع المستمر بيئة ملائمة” لأنشطة الإرهابيين ومهرّبي المخدرات، ما “يفاقم المخاطر التي تتهدد الاستقرار الإقليمي”.
وجاء النداء غداة زيارة أجراها الأسد إلى موسكو تخلّلتها محادثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، سعياً لتخفيف التوتّرات بين الرئيس السوري ونظيره التركي رجب طيب إردوغان، الذي ينشر قوات تركية في شمال سوريا.
—————————-
بوتين يستقبل الأسد: هل سوريا أمام تسوية شاملة؟!
رأي القدس
مع دخول الصراع في سوريا عامه الثالث عشر، اختار بشار الأسد، رئيس «الجمهورية العربية السورية» أن يغادر دمشق إلى موسكو، لمقابلة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
يقلّب لقاء الأسد هذا، والتاريخ الذي اختاره، والصفة التي يتحدث باسمها، والشخص الذي يلتقيه، مواجع السوريين، سواء منهم الذين بقيوا تحت حكمه، وصاروا بفضل سياساته من أفقر الشعوب في العالم، أو الموجودون خارج سيطرته في الشمال والشمال الشرقي للبلاد، والذين ما زال يستهدفهم، من حين لآخر، بالقصف، والتهديد والاغتيالات، أو اللاجئون في دول الجوار، الذين يعانون أشكال العنصرية والانتهاكات والفاقة، وفوقها توعد سلطات تلك البلدان بإعادتهم بالقوة إلى كنف النظام الذي فرّوا منه.
ما تزال الدولة التي يحمل الأسد لقب رئاستها عضوا ممثلا في الأمم المتحدة، لكنها بسببه، صارت أقل بكثير من دولة، مع انقسام البلاد إلى ثلاث حكومات، ومع فقدانها سلطته فقدت شرعية تمثيل السوريين بعد أن قتلت أكثر من نصف مليون منهم وهجّرت قرابة نصفهم.
تآكل، بفضل الأسد أيضا، معنى الجمهورية، مع فرض الطغمة الأمنية ـ العسكرية الحاكمة توريثه منصب الرئاسة بعد وفاة أبيه فصار النظام السياسي خلطة هجينة بين الملكية والجمهورية.
رفض الأسد الوساطات العربية بعد الانتفاضة الشعبية عليه، واستنجد بقوات وميليشيات إيران وروسيا، مما همش بشدة الوزن العربي للبلاد، وأتم عزلها عن محيطها العربي والإقليمي والدولي.
استلم بوتين والأسد منصبي الرئاسة في روسيا وسوريا في العام نفسه، وقام كلاهما بعمليات «ديكورية» للبقاء في الحكم، فخاض الأسد «انتخابات رئاسية» ضد مرشحين هزليين، وسلّم بوتين تابعه المخلص دميتري مدفيديف ولاية الرئاسة لدورة واحدة، ثم قام البرلمان الروسي، على خطى زميله السوري، بتعديلات دستورية تتيح لبوتين البقاء في الحكم حتى عام 2036 (أي حتى يبلغ عمر 84 عاما).
حصل الأسد على منصبه بسبب أبيه، وعائلته، والمنظومة الأمنية، وجاء بوتين من كواليس المخابرات، وصعد إلى الرئاسة بفضل عائلة الرئيس الروسي بوريس يلتسين التي كانت تبحث عن وريث ليخلفه، حيث بدأ تدريبه من منصب نائب مدير مكتب الرئيس، ثم تأكد اختياره عبر الدور الذي لعبه في الحرب ضد الشيشان عام 1999 (التي ستكون مهد السيناريو الذي سيطبق في سوريا منذ عام 2015).
تمثل مجموعة بوتين الحاكمة، عمليا، عودة عقلية العهد السوفييتي، كما يمثل سيطرة المركّب الأمني ـ الماليّ، مع أيديولوجيا قومية ـ دينية أقرب للفاشية (أهم منظريها الفيلسوف ألكساندر دوغين) وقد عبّد بوتين طريقه للسلطة المطلقة من خلال سياسة مناهضة للديمقراطية داخليا، وتوسعية حربية خارجيا.
نجح بوتين في تثبيت الأسد على عرشه عبر قمع انتفاضة الشعب السوري، فتمت مقايضة بين سيطرته المجتزأة على البلد، وفقدانه لسيادته وثرواته وانقسامه تحت سيطرة دول وميليشيات عديدة، فيما انصرفت العائلة الحاكمة إلى إدارة مركز هائل لصناعة المخدرات وتهريبها إلى الدول القريبة والبعيدة.
نجح بوتين، أيضا، في قمع الشيشان، وجورجيا، وفي قمع الحراك الروسي أيضا، وساهم نجاحه في اجتياح القرم وشرق أوكرانيا عام 2014 في قرار التدخل في سوريا عام 2015، وكانت ردود فعل الغرب الضعيفة على تلك التدخلات، وقدرة الاقتصاد الروسي على استيعاب العقوبات، من الأمور التي شجعت الرئيس الروسي، في النهاية، على التخطيط لاجتياح أوكرانيا عام 2022.
فاقت ردود الفعل الغربية والعالمية على اجتياح أوكرانيا حسابات بوتين، ومجموعته الأمنية الضيقة التي أقنعته بخوض هذه الحرب، وبدلا من السقوط السريع الذي توقعته للحكومة الأوكرانية، واجه الجيش الروسي مقاومة كبيرة، وتكاملت العقوبات الغربية الرسمية مع انسحاب الشركات الكبيرة، وتمكنت أوروبا من تجاوز أزمات الغاز والنفط، وبدأت خطط بوتين تتهاوى.
تصريح الأسد بأنه سيرحب بوجود مزيد من القوات الروسية في سوريا، وأن وجودها «لا يجب أن يكون مؤقتا» هو دعوة لاحتلال أبديّ، وإشارة إلى ركاكة حكمه البائس الذي يستجدي قوات أجنبية للبقاء.
يلتقي المسؤولان، حسب بيان الكرملين «لبحث آفاق تسوية شاملة للوضع في سوريا ومحيطها» وهو تصريح فيه مبالغة كبيرة، فتاريخ الأسد الذي دمّر سوريا، وراعيه بوتين الذي أدخل روسيا في نفق أوكرانيا، لا يبشر بأي تسويات أو حلول، بل بمزيد من الموت والحروب.
—————————-
خلافات بين أنقرة ودمشق… ما أسباب تعثر انعقاد اجتماع موسكو الرباعي؟
هبة محمد ووائل عصام
يبدو أن حجم الخلافات بين النظام السوري وتركيا قد حال دون انعقاد اجتماع موسكو الرباعي الذي كان مقرراً انعقاده يومي 15-16 آذار/مارس الحالي، على مستوى نواب كل من روسيا وتركيا وإيران والنظام السوري. ونقلت وكالة “رويترز”أمس الخميس، عن مصدر في وزارة الخارجية التركية أن الاجتماع أرجئ لموعد لم يتحدد بعد.
وكان وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو قد أكد الأسبوع الماضي أن نواب وزراء خارجية الدول الأربع سيجتمعون هذا الأسبوع في موسكو قبل محادثات مقررة بين وزراء الخارجية في وقت لاحق بهدف حل الأزمة في سوريا. وهو ما نفته مصادر سورية موالية، حيث تحدثت صحيفة “الوطن” السورية، أن “دمشق لن تشارك في الاجتماع قبل الحصول على ردود من الجانب التركي على شروطها المتعلقة بجدولة الانسحاب العسكري التركي من سوريا”.
أسباب تأجيل اجتماع موسكو
وحول أسباب تأجيل اجتماع موسكو الرباعي، يقول الخبير بالشأن الروسي بسام البني، من المفترض أن يؤسس الاجتماع الرباعي إلى لقاء على مستوى وزراء الخارجية يُمهد للقاء بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وبشار الأسد. ويضيف لـ”القدس العربي”، أن الخلافات بين أنقرة ودمشق، وإصرار الأخيرة على جدولة الانسحاب العسكري التركي من الشمال السوري قبل أو خلال الاجتماع، ورفض أنقرة لهذا المطلب، قد أجل انعقاد هذا الاجتماع، رغم سعي موسكو الحثيث لتقريب وجهات النظر.
والأربعاء، قال رئيس النظام السوري بشار الأسد، من موسكو، في لقاء رسمي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إنه مع الحوار مع تركيا إذا كان من أجل تحقيق مصلحة الشعب السوري ووحدة الأراضي السورية، مضيفاً “يجب أن تكون للقاءات نتائج واضحة ومحددة وعلى رأسها الاستمرار بمكافحة الإرهاب وخروج القوات التركية”. وأعلن الأسد، تمسكه بجدول أعمال واضح، مؤكدًا على بند الانسحاب التركي من الأراضي السورية، وقال إن شرط عقد لقاء مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، انسحاب القوات التركية. وأن “أولوية أردوغان هي الانتخابات ولا شيء آخر، أما بالنسبة لسوريا فالأولوية هي للانسحاب واستعادة السيادة، وإذا كان موضوع الانسحاب من سوريا سيحقق لاردوغان الفوز في الانتخابات فليس لدينا مشكلة”. وحول موعد اللقاء، قال بشار الأسد: إذا استوفيت الشروط فلا موعد محدداً للقاء أردوغان، قد يكون اليوم أو غداً، التوقيت ليس مشكلة، وما يحدث الآن من خلل أمني سببه السياسات التركية وتحديداً سياسة أردوغان.
وأعلن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، أنه يجب إجراء سلسلة من التحضيرات قبل عقد لقاء بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس النظام في سوريا بشار الأسد. وفي رده على أسئلة الصحافيين في العاصمة الروسية موسكو، الخميس، حول إمكانية عقد لقاء بين أردوغان والأسد، قال بيسكوف أن انعقاد مثل هذا اللقاء يجب أن يتحقق بعد إجراء سلسلة من الاتصالات التنسيقية، مؤكداً إجراء اتصالات، في هذا الاتجاه. وأوضح أن اللقاء الذي عقد الأربعاء بين الرئيس فلاديمير بوتين، والأسد في موسكو، تناول تحسين العلاقات بين تركيا وسوريا.
وحسب البني، فإن روسيا تدعم مسار التطبيع بين أنقرة ودمشق، نظراً لأهمية وفوائد هذا المسار على سوريا وتركيا وروسيا بطبيعة الحال، لأن الانتقال بالعلاقات السورية-التركية إلى علاقات حسن جوار، ستؤدي إلى تخفيف العبء الاقتصادي عن موسكو ودمشق، فضلاً عن الفائدة السياسية حيث نشهد حالة من الاتفاق بين موسكو وأنقرة ودمشق على رفض الوجود العسكري الأمريكي في سوريا.
وبذلك، يرجح الخبير بالشأن الروسي أن يُعقد الاجتماع قريباً، بعد حلحلة بعض القضايا العالقة، ويقول ” مقابل طلب دمشق من أنقرة سحب قواتها من سوريا أو جدولة وجودها العسكري على الأقل، فإن تركيا تربط ذلك بالحل السياسي الشامل على أساس قرار مجلس الأمن رقم 2254″.
وتحدث البني عن حاجة روسية لعقد مثل هذا الاجتماعات، وخاصة بعد نجاح الصين في التوصل إلى اتفاق بين السعودية وإيران، ويقول: “تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق بوساطة روسية، يعني نجاحاً لدبلوماسية روسيا، وصفعة للولايات المتحدة الأمريكية وسياساتها في هذه المنطقة”. وكان رئيس النظام السوري بشار الأسد، قد رحب بأي مقترحات من روسيا لإقامة قواعد عسكرية جديدة أو زيادة عدد قواتها في سوريا، معتبراً أن “الوجود العسكري الروسي في بلاده لا يتعين أن يكون مؤقتاً”، بحسب وكالة الإعلام الروسية. وشملت زيارة رأس النظام السوري بشار الأسد، إلى موسكو بحث عودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، وتطبيع العلاقات بين السعودية وإيران بوساطة صينية التي اعتبر أنها “مفاجأة رائعة”.
وحول العلاقات السورية – الإيرانية، قال بشار الأسد في مقابلة على قناة “روسيا اليوم” إن ملف العلاقة السورية الإيرانية لم يعد يثار مع سوريا، وهناك وفاء بين سوريا وإيران عمره أربعة عقود، وهذا الموضوع لم يعد مشكلة على الساحة العربية، مؤكداً أن التوافق السعودي – الإيراني لا بد أن ينعكس إيجاباً على المنطقة بشكل عام، وعلى سوريا. وكشف بشار الأسد أن زيارته إلى موسكو، أتت لتضع تصورات مشتركة جديدة بين روسيا وسوريا تجاه هذا العالم الجديد، كما ناقشت الملفات الاقتصادية.
«حراك عربي»
وحول المبادرة العربية للحل في سوريا، قال رأس النظام السوري: هناك حراك عربي من خلال طرح الأفكار، ونحن بانتظار أي خطط تنفيذية أخرى لهذه الأفكار حول موضوع الأزمة السورية. لم نقطع العلاقات يوما مع الدول العربية. قطع العلاقات ليس مبدأ صحيحاً في السياسة. وأضاف: عضوية سوريا مجمدة في الجامعة العربية، ولا بد من إلغاء التجميد في إطار قمة عربية، ثم نشارك، والهدف هو العمل العربي المشترك، وليس القمة في حد ذاتها.
وإزاء ملف إعادة الإعمار قال: تقديرات إعمار سوريا كانت تفوق 400 مليار دولار وهو رقم تقريبي وقد يكون أكثر من ذلك باعتبار أن هناك مناطق خارج سيطرة الدولة، والرقم المفترض لتجاوز تداعيات الزلزال هو 50 مليار دولار وهو أيضًا رقم افتراضي وفحص البنى المدمر لم يكتمل. وفي مقابلة أجرتها وكالة “نوفوستي” مع بشار الأسد، يوم أمس الخميس، وصف مخيم الركبان القريب من الحدود الأردنية والعراقية، شرقي حمص، بأنّه مخيم أمريكي يضم آلاف الإرهابيين وعائلاتهم، وأنّ منطقة التنف “معسكر إرهابي كامل”.
—————————-
===================
تحديث 15 أذار 2023
———————–
دمشق تحت سلطة طهران طالما بقي الأسد/ العقيد عبد الجبار العكيدي
اتسمت العلاقة بين السعودية وإيران بتوتر شبه دائم منذ وصول المرشد الإيراني روح الله الخميني إلى السلطة عام 1979، وذلك كانعكاس مباشر للسياسة الإيرانية القائمة على التوسع والهيمنة والتدخل في شؤون دول الجوار. وقد تعزّز هذا التنابذ طيلة الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988) نتيجة لانحياز الرياض إلى جانب العراق انطلاقاً من اعتقادها بأن العراق هو حائط الصدّ الذي يجب أن يبقى حائلاً دون اختراق إيران لدول الخليج برمتها.
ولكن نهاية الحرب بين بغداد وطهران لم تؤذن بنهاية القلق السعودي من المدّ الإيراني المدفوع بسياسات “الولي الفقيه” التي لم تتغير على الرغم من تعاقب الحكومات الإيرانية، ومن جهة أخرى لم يعد العراق هو الممر الوحيد للاختراقات الإيرانية، بل استطاعت طهران إيجاد أذرع لها في أكثر من دولة عربية، الأمر الذي جعل العلاقة بين الحكومات الخليجية، والسعودية على وجه الخصوص، وبين إيران في حالة من الريبة الدائمة، ثم تطورت هذه الريبة إلى قطيعة تامة عام 2016 على إثر الاعتداء على السفارة السعودية في طهران.
لعله من نافل القول إن الاستراتيجيات الدفاعية التي اتبعتها السعودية كانت متماهية إلى حدّ بعيد مع الموقف الأميركي حيال إيران، وذلك نظراً لغياب منظومة أمن قومي عربي أولاً، ولعمق التفاهمات السعودية-الأميركية التي جعلت إيران ترى في السعودية منطقة نفوذ أميركية يمكن التلويح باستهدافها إذا ما راودت واشنطن فكرة الحرب على إيران، وربما كان هذا هو السبب في ارتفاع حدّة التصعيد السعودي تجاه إيران أو خفوته موازياً لسخونة التصعيد الأميركي أو برودته.
لعل المفصل الأهم في العلاقات الإيرانية-الأميركية، يتمثل بالاستراتيجية التي كرستها إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما حين انتهجت سياسة احتواء إيران بدلاً من التصادم معها، وقد تجسد هذا النهج الجديد من خلال الاتفاق النووي بين الطرفين عام 2015، وعلى الرغم من تنصل إدارة ترامب من الاتفاق المذكور، إلا أن حكومة الرئيس جو بايدن أرادت تعزيز نهج الحزب الديمقراطي في واشنطن، والذي ينهج باتجاه الحدّ من التدخل العسكري المباشر خارج الحدود الأميركية والاعتماد على قوى محلية للدفاع عن المصالح الأميركية، الأمر الذي عزّز القناعة لدى دول الخليج عموماً بضرورة إعادة النظر باستراتيجياتها الدفاعية التي ينبغي أن تواكب المستجدات الدولية والإقليمية، والتي بلغت ذروتها في أعقاب الحرب الروسية على أوكرانيا، ولعل أبرز تلك المستجدات:
1 – إصرار حكومة بايدن على استكمال التفاهمات مع إيران بخصوص ملفها النووي، الأمر الذي قد يفضي إلى ظهور عهد جديد أكثر إيجابية بخصوص العلاقات بين الطرفين.
2 – عدم قدرة السعودية على حسم النزاع في اليمن والقضاء على نفوذ الحوثيين على الرغم من مرور ثماني سنوات من الحرب.
3 – حرص واشنطن على عدم زوال نظام الأسد من خلال إتاحة المجال لروسيا كي تتدخل عسكرياً لحماية النظام، ما يعني أن واشنطن ليس لديها أي مسعىّ جدّي لمحاربة أذرع إيران في المنطقة، سواء تمثلت تلك الأذرع بالحوثيين في اليمن أو نظام الأسد في سوريا أو حزب الله في لبنان.
وفي موازاة ذلك، لا يمكن تجاهل نشوء محور دولي جديد قوامه روسيا والصين وإيران، وفي ظل استراتيجية إدارة بايدن حيال حلفائه الخليجيين، فإن الخشية السعودية من غياب المظلة الأمنية الأميركية تدفعها لمواكبة تلك المتغيرات من خلال إعادة النظر في علاقاتها عامة، ومع دول المحور الجديد على وجه الخصوص، وربما هذا ما دفع بالرياض إلى عدم مواكبة الموقف الأميركي من روسيا حيال حربها على أوكرانيا، وكذلك سعيها إلى تمتين علاقاتها مع الصين من خلال إبرام عدة اتفاقيات اقتصادية، ربما وفّرت المناخ المناسب لأنْ ترعى بكين مصالحة سعودية-إيرانية في 10 آذار/مارس.
ما من شك أن الاستدارات الراهنة في السياسة السعودية إنما تنبثق من سعيها لمجاراة مصالحها الأمنية والاقتصادية بالدرجة الأولى، ولعل منطق المصالح الذي بات هو الناظم الأساسي للعلاقات بين الدول قد يؤدي إلى تغيّرات جديدة ، بل ربما تكون مباغتة للسوريين، ونعني بذلك انعطافه خليجية، بل سعودية على وجه التحديد باتجاه نظام الأسد، ليس لمصلحة مرجوة من نظام الأسد كنظام متهالك أشبه ب”جثة متفسخة”، ولكن باعتبار أن الطريق إلى إيران توجب المرور بدمشق، ولو على مستوى شكلي لا أكثر. ولئن استفزّت هذه الاستدارة مواجع السوريين وعزّزت لديهم الشعور بتنصل ما تبقى من الحلفاء العرب للثورة السورية، إلا أن هذا الشعور، وعلى الرغم من مشروعيته، فإنه لا يبدو كافياً لإقناع الحلفاء بالاحتفاظ بمواقفهم السابقة في ظل كل هذه المتغيرات الدولية.
من المؤكد أن الملف اليمني والحرب التي استنزفت الجانبين السعودي والإيراني لها الأولوية في على طاولة المفاوضات، ولكن من المؤكد أيضاً أن القضية السورية لم تكن ثانوية في تلك المفاوضات التي رعتها بكين، ولكنها ليست بعيدة عن نظر واشنطن التي تسعى الى التهدئة وإطفاء جميع الحرائق في المنطقة للتفرغ لملفات أخرى أكثر أهمية بالنسبة لها من الشرق الأوسط والمنطقة العربية التي لم تعُد تحظى باهتمام أميركي كبير.
لربما يكون تخوف السوريون من هذا التقارب نابع من مشاعر الخذلان وتخلي الشقيق والصديق عن قضيتهم التي يظنون أنها باتت في الأدراج المنسية للدول، واعتقادهم بانه سيتم مقايضتها على حساب قضية ميليشيا الحوثيين في اليمن، الا أن هذا التخوف لا يعكس حقيقة الاتفاق لأنه لا يمكن لحكومة المملكة أن تكون غافلة عن حقيقة نظام الملالي المخادع والذي من المستحيل أن يتخلى عن سياسته القائمة على أيديولوجيا توسعية تهدف للهيمنة على بلدان المنطقة بل واحتلالها إن استطاع، ومن غير الممكن تخليه عن أدواته التي يستخدمها لتنفيذ هذه الأجنداتـ والمتمثلة بميليشيا حزب الله ونظام الأسد والحوثيين والحشد الشعبي وفاطميون وزينبيون، وغيرهم من الأدوات التي يهيمن من خلالها على أربع عواصم عربية.
ما سبق يقودنا الى إمكانية ان يؤدي هذا التقارب إلى بعض التفاهمات في جميع الملفات الشائكة بين الجانبين حسب الأولويات، تقود إلى حلول توافقية في القضايا الخلافية بين البلدين، ومن المحتمل أن يتم ترحيل تلك القضايا الخلافية ومنها القضية السورية ومصير نظام الأسد إلى حين حصول توافق دولي وبرعاية دولية.
ما يأمله السوريون أن يدرك العرب وخاصة اللاهثين منهم للتطبع مع نظام الأسد بذريعة سحبه من الحضن الإيراني، أن العلاقة بين نظام الأسد ونظام الملالي في طهران علاقة عضوية ومن المستحيل فصلهما عن بعضهما البعض، وأن شوكة إيران وأذرعها ستبقى قوية طالما بقي الأسد في عاصمة الأمويين.
المدن
————————-
كيف ستدفع الانتخابات التركية روسيا وإيران إلى إجبار الأسد على تطبيع العلاقات مع أنقرة؟.. أردوغان أبرز المستفيدين
عربي بوست
يبدو أن زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد، لروسيا اليوم، الأربعاء، 15 مارس/آذار 2023، قد تمهد لتسريع جهود التطبيع بين تركيا ونظام الأسد، التي باتت تكتسب أهمية أكبر لمعظم الأطراف المعنية مع اقتراب الانتخابات التركية التي يمثل فيها اللاجئون ورقة تتلاعب بها المعارضة التركية.
وتأتي الزيارة قبل يوم من انطلاق “المرحلة الثانية” من الحوار بين دمشق وأنقرة، الذي تستضيفه موسكو، وهو الحوار الذي اكتسب زخماً بعد اجتماع ثلاثي لوزراء دفاع تركيا وروسيا ونظام الأسد في موسكو، في 28 ديسمبر/كانون الأول 2022.
وكشف مصدر سوري مقرّب من السلطات في دمشق، لـ”عربي بوست”، تفاصيل متعلقة بالحوار التركي مع نظام الأسد، مؤكداً إطلاق “المرحلة الثانية” ابتداء من غدٍ الخميس 16 مارس/آذار 2023، بمشاركة إيران.
المرحلة الثانية من الحوار ستكون على مستوى نواب وزراء الخارجية
وأكد المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن المرحلة الثانية من الحوار، ستكون على مستوى نواب وزراء الخارجية، وليس وزراء الخارجية مباشرة، ليمثل عن النظام السوري نائب وزير الخارجية، بشار الجعفري، وعن تركيا نظيره المعيّن حديثاً، بوراك أكجابار، بدعوة موجهة من المبعوث الروسي للشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف.
وأشار إلى أن زيارة الأسد تهدف للتنسيق مع الجانب الروسي المستضيف للمحادثات بما يتعلق بالحوار مع أنقرة، ولتأكيد جدية دمشق في المشاركة فيه، بعد خشية تركية من مماطلة الأسد في تحقيقها إلى ما بعد الانتخابات في تركيا.
تركيا تعود لسياسة تصفير المشاكل
ثمة توجه تركي للمصالحة الإقليمية أخذ في التبلور منذ صيف 2020، ونجح بصورة كلية أو جزئية في استعادة العلاقات الطبيعية مع كل من الإمارات، والسعودية، وإسرائيل، وأرمينيا، ومصر. ولكن التطبيع التركي-السوري هو بالتأكيد متغير أكبر وأكثر تعقيداً بكثير من أي من المصالحات الأخرى، ليس فقط لتعدد الأطراف المنخرطة في غمار الأزمة السورية والدور الذي تلعبه تركيا في هذه الأزمة، ولكن أيضاً للتعقيد البالغ الذي أحاط بهذه الأزمة طوال العقد الماضي. لذلك فإذا أحرز مسار التطبيع التركي-السوري تقدماً فعليّاً خلال الشهور القليلة المقبلة، فستكون هذه خطوة البداية نحو انفراج الأزمة السورية ونهاية النزاع الأهلي، والعداء الأيدولوجي بين نظام الأسد وحكومة أردوغان.
ولكن رغم ذلك كان واضحاً أن تركيا بتشجيع روسي ماضية قدماً، في التطبيع مع نظام الأسد، في ظل حساسية ملفي اللاجئين والأكراد بالنسبة لحكومة الرئيس رجب طيب أردوغان، دون إضعاف المعارضة السورية أو تعريض اللاجئين السوريين لديها للخطر.
وظهر ذلك خلال إعلان أردوغان العام الماضي عن إنشاء آلية ثلاثية تجمع تركيا وروسيا وسوريا، من أجل التوصل إلى حل للأزمة السورية، من خلال إعادة اللاجئين السوريين ومحاربة التنظيمات الإرهابية.
كما كان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قد عبَّر علناً، في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2022، عن رغبة بلاده في تطبيع العلاقات مع سورية، دون أن يستبعد لقاء على مستوى القمة في المستقبل.
وقرار الحكومة التركية التوجه بصراحة إلى التعاون مع نظام الأسد، لا يمثل تغييراً كاملاً في السياسة التركية. فهو مجرد رفع لمستوى السياسة القائمة منذ سنوات.
في الواقع، تغيرت سياسة تركيا تجاه سوريا بشكل حاسم في منتصف عام 2016، عندما تخلى الرئيس أردوغان عن هدف إطاحة الأسد، وأعطى الأولوية لمكافحة الإرهاب وأمن الحدود بدلاً من ذلك، ولم تخفِ تركيا تغيير سياستها.
اجتماع وزراء دفاع روسيا وتركيا ونظام الأسد توصل للقواعد الأساسية للاتفاق المحتمل
تظل المرحلة الأبرز لهذه الجهود، متمثلة بأول لقاء ثنائي رفيع المستوى بين أنقرة ودمشق منذ بداية الحرب في سوريا 2011، وكان بين وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، ورئيس الاستخبارات، حقان فيدان، من جهة، ووزير دفاع النظام السوري، علي محمود عباس، ورئيس الاستخبارات، حسام لوقا، من جهة أخرى.
وجرى اللقاء حينها في موسكو، في 28 ديسمبر/كانون الأول 2022.
وتفيد المصادر التركية بأن هذا الاجتماع كان قد توصل بالفعل إلى عدد من الإجراءات الملموسة، مثل توافق أطراف الاجتماع على تشكيل لجنة ثلاثية للعمل على تطوير آلية لتسهيل عودة آمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم، وبحث سبل التعامل مع ملف قوات سورية الديمقراطية (التي تشمل وحدات حماية الشعب الكردية)، وعودة حركة النقل التجاري التركي عبر سورية.
لماذا تشكل الانتخابات التركية دافعاً للإسراع في التطبيع بين تركيا ونظام الأسد؟
الشيء الذي تغير مؤخراً وأكسب الحوار زخماً، هو الانتخابات التركية الوشيكة.
وأظهرت استطلاعات الرأي أن الضغوط المتصورة، التي يفرضها وجود اللاجئين السوريين على الشعب والاقتصاد التركيين، تأتي على رأس القضايا المؤثرة على نتيجة الانتخابات التركية.
وتحاول المعارضة التركية استغلال هذه الورقة عبر التحريض الفج ضد السوريين بشكل عنصري أحياناً، وتقدم نفسها قادرة على حل الأزمة عبر علاقتها بنظام الأسد وإعادة اللاجئين، رغم أن هذا غير واقعي؛ لأن الأسد لا يريد إعادة اللاجئين الذين أغلبهم من المعارضين ومن العرب السنّة الذين كانوا يمثلون أغلبية في سوريا قبل الحرب، ويعتقد أنهم باتوا أقل من 50% من السكان على الأقل في مناطق سيطرة النظام بعد عمليات طردهم والإبادة الواسعة بحقهم.
ما هو موقف إيران من المبادرة التركية الروسية؟
على الرغم من أن طهران منخرطة منذ سنوات مع موسكو وأنقرة في منصة أستانا المُصممة لإدارة مصالح البلدان الثلاثة في سوريا، فإنها لم تحظَ بدور مباشر في رعاية مسار الحوار التركي السوري كما روسيا.
كما تخشى أن تؤدي الشراكة المتنامية بين روسيا وتركيا إلى تهميش دورها في سوريا. علاوة على ذلك، تطمح إيران إلى أن تملأ الفراغ الذي يتركه انشغال روسيا في حربها مع أوكرانيا في الساحة السورية.
ورغم أن طهران ترى نفسها مؤهلة لتعويض التراجع الروسي في سوريا، فإن رغبة موسكو في الحفاظ على النفوذ التركي الإيراني يقلص فرص طهران لشغل دور أكبر.
وفي حين أن روسيا تتجنب علناً إثارة مطلب الانسحاب التركي من سوريا بشكل متكرر، فإن إيران لم تتردد في طرحه. كما أنها ستنظر إلى أي مصالحة بين أنقرة ودمشق من دون أن تحقق انسحاباً تركياً من سوريا على أنه سيكرس الحضور التركي بدلاً من تقليصه.
ولكن على الجانب الآخر، فإن هناك مصلحة إيرانية أوسع نطاقاً من الخلاف حول سوريا في التطبيع بين تركيا ونظام الأسد.
فرغم أن تركيا في عهد أردوغان، كانت منافساً قوياً لطهران، خاصة في سوريا، حيث خاض حلفاء البلدين معارك مباشرة لسنوات بدعم صريح من كل طرف لحلفائه.
التطبيع بين تركيا ونظام الأسد
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان/رويترز
ولكن الحوار والتنسيق بين البلدين لم يتوقف يوماً، تماماً مثل التجارة والتبادل الاقتصادي.
وفي نهاية كثير من المعارك التي أدت لهزيمة المعارضة السورية، كانت تركيا وإيران تتفاوضان على انسحاب قوات المعارضة وأهاليهم والسكان الموالين لهم، مما حال دون وقوع مذابح ضدهم، وضمن في الوقت ذاته للقوات الموالية لإيران، تقليل الخسائر، وأتاح إعادة تشكيل وجود المعارضة السورية المسلحة في منطقتين بشمال سوريا تحت الحماية التركية.
على الجانب الأوسع في العلاقات بين تركيا وإيران، فإن طهران رغم تنافسها مع أنقرة، تعلم أنها لن تجد محاوراً أفضل من أردوغان في تركيا في ظل الخلفية الأيدولوجية المتقاربة حتى بعد أن ضعفت الأواصر بسبب الحرب السورية والاستقطاب السني الشيعي.
فأردوغان، هو الذي أطلق ورسخ سياسة تركيا في التوجه شرقاً، وجعلها مستقلة القرار عن الغرب وأمريكا، بدلاً من كونها حارس بوابة لأوروبا، وعمل على تعزيز العلاقات الاقتصادية مع إيران وقاوم لأقصى حد ممكن ضغوط العقوبات الأمريكية على إيران، وتركيا تمثل متنفساً لإيران المحاصرة ونخبتها الثرية، التي تجد فيه إسطنبول (إضافة لدبي)، ملاذاً منفتحاً للسياحة والتجارة والعلاج، بديلاً عن عواصم الغرب المغلقة في وجوههم.
لذا، فإن استمرار نهج أردوغان على العكس بالنسبة لأنقرة، أفضل من المعارضة التركية التي لا تعرف شطراً تولي وجهه ناحيته سوى الغرب.
ولذا قد تكون العرقلة الإيرانية الأولية لجهود التطبيع التركي مع نظام الأسد محاولة لتعزيز دورها في هذا الملف، لتحسين الشروط لصالح الأسد ولتعزيز بصمتها في الشمال السوري ومجمل الملف السوري على حساب روسيا شريكتها ومنافستها في دعم الأسد.
ولذا لم يكن غريباً أن يؤكد المصدر لـ”عربي بوست” مشاركة إيران في المرحلة الثانية من الحوار بين دمشق وأنقرة، موضحاً أن طهران لم تكن مدعوة لحضور الاجتماع الثلاثي بين تركيا وروسيا وسوريا، الذي كان من المزمع عقده في فبراير/شباط الماضي، إلا أن اللقاء لم يتم، وجرى الإعلان عن تأجيله “بسبب الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا”.
ولكن الاجتماع الثلاثي جرى تأجيله “بسبب رغبة إيران في المشاركة في العملية”، وأن “طهران ضغطت باتجاه تأجيل المرحلة الثانية من الحوار، لتكون طرفاً فيه، الأمر الذي لقي قبولاً لدى دمشق وأنقرة”، حسبما كشف المصدر لـ”عربي بوست”.
شروط الأسد وموقف تركيا منها
الأولوية بالنسبة لدمشق في الحوار مع أنقرة هي خروج ما أسمتها “القوات الأجنبية غير الشرعية من سوريا، وإنهاء أشكال الاحتلال الكاملة”، حسبما قال المصدر لـ”عرب بوست”.
فبالنسبة لنظام الأسد الذي نجا من احتمالات السقوط التي كانت يوماً وشيكة قبل التدخل الإيراني الروسي، ليس هناك دوافع ذاتية للتطبيع مع أنقرة في ظل الحماية المتوفرة له من روسيا وميليشيات إيران، وفي ظل العداء الكامن لحكومة أردوغان التي تمثل بتوجهاتها الإسلامية الديمقراطية النقيض الكامل لنظام الأسد القومي العلماني الخطاب الطائفي البنية، حيث تسيطر عليه الأقلية العلوية في البلاد.
ولذا، فإن نظام الأسد كان يصرّ علناً على أن تطبيع العلاقات مع أنقرة شرطه هو الانسحاب التركي الكامل من الشمال السوري، بما يعني ترك مناطق المعارضة السورية الحليفة لأنقرة لقمة سائغة لقوات نظام الأسد والميليشيات الشيعية الحليفة لها تحت غطاء الطيران الروسي.
كما يقول نظام الأسد إنه يريد أن تصنف تركيا جميع الجماعات المسلحة في جميع أنحاء شمال غرب سوريا على أنها منظمات إرهابية، ومعاملة المنطقة الشمالية الغربية على أنها “منطقة إرهابية”، وهو أمر رفضته أنقرة تماماً.
لماذا قد تتجه روسيا للضغط على الأسد؟
ولكن عامل الضغط على الأسد هو سعي روسيا لهذا التطبيع، لما فيه من مصلحة لأردوغان، الذي رغم أن حكومته أثبتت أنها منافس شرس لموسكو في ليبيا وسوريا، والقوقاز، فإنها في الوقت ذاته شريك ومفاوض موثوق في الحرب والاقتصاد.
وازدادت أهمية تركيا بالنسبة لموسكو في ظل أنها تكاد تمثل قناة الوساطة الوحيدة بينها وبين أوكرانيا، وحتى الغرب، وسيطرتها على مداخل البحر الأسود، إضافة لموقفها المتوازن الذي لم ينضم للعقوبات الغربية على موسكو، رغم إدانتها الصارمة للغزو الروسي وتقديمها بعض الدعم العسكري لكييف.
كما أن تركيا، إضافة لكونها شريك اقتصادي ثمين لروسيا في وقت فقدت فيه عملاءها النفط والغاز في الغرب، فهي شريك في برنامج الطاقة النووية التركي، والذي سيكون الأول في العالم بنظام البناء والتشغيل، أي سيبتنى باستثمارات روسية بدأ تحويلها مليارات منها بالفعل.
وإضافة للحاجة الروسية للتطبيع التركي مع نظام الأسد، هناك حاجة إيرانية سبق الإشارة لها لمثل هذا الاتفاق.
وفي ظل اعتماد الأسد الكامل على الحليفين الروسي والإيراني في دعم اقتصاده وجيشه، وحتى اختراقهما لنظام الأسد وسيطرتهما المباشرة على بعض المناطق، فإن الضغط الروسي المتوقع وبصورة أقل من الإيراني قد يكون فاعلاً.
ولكن الأسد على ما يبدو كان يقاوم الضغوط الروسية، في ظل رفض رفض الرئيس التركي الكامل تنفيذ شروط نظام الأسد وأبرزها الانسحاب الكلي من الأراضي السورية وعودة إدلب لسيطرة النظام.
وقد تؤشر زيارة الأسد لموسكو أنه بدأ يتخلى عن هذه الشروط مع غياب التفاصيل بعد.
أنقرة تؤكد أنها لن تنسحب من شمال سوريا إلا بعد تطبيق قرار مجلس الأمن 2254
كانت أنقرة صريحة في أن انسحابها من سوريا مرهون بتحقيق تسوية نهاية للصراع السوري على أساس قرار مجلس الأمن الدولي 2254.
وعقب اجتماع وزراء دفاع الدول الثلاث في موسكو في 28 ديسمبر/كانون الأول 2022، أكد وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار أن الجانب التركي أشار خلال الاجتماع إلى ضرورة المضي نحو حل الأزمة السورية على أساس قرار مجلس الأمن 2245، الصادر في ديسمبر/كانون الأول 2015.
والمعروف أن هذا القرار وضع خارطة طريق لاتفاق أطراف النزاع السوري الداخلي على إقامة حكم ذي مصداقية، غير طائفي أو فئوي، وعلى دستور سوري جديد. ولكن، وبعد مضي 7 سنوات على صدور القرار الأممي، وإشراف الأمم المتحدة على سلسلة لقاءات بين الأطراف السورية، ليس ثمة تقدم يُذكر، سواء فيما يتعلق بإعادة بناء الدولة السورية، أو وضع دستور سوري جديد محلَّ توافق بين النظام والمعارضة.
رسالة تركية للمعارضة السورية
وفي ظل مخاوف المعارضة التركية أكد أكار، بعد يومين على اجتماع موسكو، على أن مسار الاتصالات بين تركيا وسورية لن يكون له أثر سلبي على الشعب السوري وعلى قوى المعارضة السورية في تركيا، كما عقد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو مع قيادة الائتلاف السوري المعارض.
وقال موقفنا في اجتماع موسكو هو الدفاع عن بلدنا وشعبنا، لقد عبرنا عن تصميمنا لمحاورينا بأنه لا مجال على الإطلاق بالنسبة لنا أن نفعل شيئاً ضد إخواننا السوريين، سواء في تركيا أو في سوريا.
ويبدو أن مقاربة تركيا للمسألة تحظى جزئياً بتفهم موسكو التي تولي أهمية لاستمالة تركيا ودفعها إلى الانخراط بشكل أكبر في جهودها لتسوية الصراع وفق معاييرها، والضغط على الولايات المتحدة لسحب قواتها من سوريا، وإظهار قدرتها على التحرك بفعالية ضد المصالح الأمريكية في سوريا والشرق الأوسط من خلال جذب حلفاء واشنطن للتعاون معها كتركيا والإمارات.
خيارات تركيا البديلة
وعلى الرغم من أن تركيا راغبة في إتمام المصالحة مع الأسد لاعتبارات مرتبطة بالعامل الانتخابي الداخلي والحاجة إلى التعاون مع دمشق ضد الوحدات الكردية، وللمساعدة في إعادة اللاجئين السوريين، فإنها غير مستعدة لتقديم تنازلات جوهرية على الفور أو في المستقبل المنظور.
وسبق أن ألمحت تركيا إلى أن لديها خيارات أخرى مع نظام الأسد بما فيها العمل العسكري، وسبق أن شن الجيش التركي عملية عسكرية واسعة في إدلب ضد جيش النظام السوري بعد قصف مركز أدى لمقتل عشرات الجنود الأتراك وإطلاق نظام الأسد بدعم غير علني من موسكو عملية عسكرية واسعة ضد المعارضة.
واعتمدت العملية العسكرية التركية آنذاك، على المدفعية وقذائف الدبابات المسيرة في ظل سيطرة موسكو على أجواء إدلب، وأدت المعركة لخسائر كبيرة في جيش النظام السوري، كادت تدمره حسب تقارير إعلامية غربية، وكانت أول معركة يفرض فيها جيش الهيمنة الجوية بواسطة المسيرات، مما اضطر موسكو للاتفاق مع أنقرة على وقف لإطلاق النار.
ماذا ستستفيد أنقرة، وكيف ستكون العلاقة بين المعارضة السورية والأسد؟
التقارب السياسي التركي مع سوريا قد يفيد أردوغان كذلك في تحجيم نفوذ الأكراد في شمال سوريا، من خلال توحيد الجهود مع الأسد، الذي هو على خلاف أيضاً مع الأكراد، ولكنه مال للتعاون معهم ضد المعارضة السورية.
وعليه قد يتم التضييق على الأكراد، إما بتنسيق الجهود العسكرية بين أنقرة ودمشق، أو تنفيذ ضربات عسكرية ضدهم، بما قد يدفعهم إلى الرضوخ لما يطلبه أردوغان والأسد، حيث يتفق كلاهما على تحجيم مظاهر الانفصال في الإدارة الذاتية الكردية، بينما تريد أنقرة تحديداً ابتعاد المقاتلين الأكراد من حدودها، ووقف تسلل مقاتلي حزب العمال الكردستاني لأراضيها.
هل سيعود اللاجئون السوريون لمناطق الأسد؟
بالنسبة للاجئين، فإن الانتخابات التركية الوشيكة، تعني أن موسكو وطهران وأنقرة تشترك الآن في مصلحة مؤقتة في تغيير نبرة الخطاب العام، حتى لو لم يحدث تغير جوهري في ملف اللاجئين.
ففي حال جرى الكشف عن تقارب تركي كامل مع دمشق، فسوف يستغرق الأمر وقتاً أطول بكثير من بضعة أشهر قبل أن يتحقق ذلك، لأن العقبات التي تحول دون التوصل إلى اتفاق شامل مرهقة للغاية، حسب تقرير لصحيفة الشرق الأوسط السعودية.
كما أن التوصل لاتفاق بين تركيا والأسد لن يعني عودة كبيرة للاجئين أو بها شبهة عودة قسرية، حيث تقول الشرق الأوسط إن المرء يواجه الواقع الذي لا مفر منه، وهو أن 3.5 مليون سوري في تركيا فروا من سوريا خوفاً من النظام، وفكرة أن المصالحة التركية السورية ستخلق ظروفاً يعود فيها السوريون إلى سوريا في ظل نظام الأسد الذي أعيد تمكينه بالكامل، مستبعدة.
كما أن نظام الأسد لا يريد عودة اللاجئين السوريين من تركيا أو غيرها كما سبقت الإشارة بعد أن جعل التطهير الطائفي تركيبة البلاد الديموغرافية مواتية له.
ولكن الاتفاق مع نظام الأسد يمنح أردوغان ورقة أمام المعارضة في الانتخابات.
وحتى بعد الانتخابات ومضي الاتفاق المحتمل قدماً، لا يعني هذا بالضرورة أن المصالحة التركية-السورية ستُفضي إلى تطبيق فعال لقرار مجلس الأمن 2245، وموافقة نظام الأسد على بناء نظام سياسي جامع، يضم القطاع الأكبر من قوى المعارضة، وعلى وضع دستور توافقي جديد. إن امتناع النظام طوال السنوات الماضية عن التعامل بجدية مع القرار 2245، وتحول إجراءات القمع والإبادة إلى سياسة روتينية في تعامل النظام مع الشعب السوري، وطغيان الطابع الطائفي على بنية النظام، لا يوحي بأن المجموعة الحاكمة في دمشق على استعداد لإطلاق برنامج إصلاح حقيقي للدولة ونظام الحكم.
بدون ضغوط روسية جدية وأوسع نطاقاً، وموافقة إيرانية، لن تستطيع تركيا دفع النظام السوري إلى تبني برنامج إصلاحي حقيقي، في الوقت الذي تسعى فيه إلى تحقيق أهداف أخرى تتعلق بأمن تركيا القومي ومصالحها المباشرة في الجوار السوري.
ولكن يبدو أن ما يمكن أن تحصل عليه تركيا، هو توفير عملية حماية أفضل للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة الحليفة لها في شمال سوريا، بما يسمح بتأمين الحدود التركية، والسماح بعودة مزيد من اللاجئين السوريين لها بشكل معتدل.
كما أنه يمكن على المدى المتوسط، بدء عملية إعادة بعض اللاجئين السوريين لمناطق النظام ضمن مصالحة، ولو جزئية تضمن الأمان لهم، وعدم مساس نظام الأسد بهم.
وإضافة لتحريك ملف اللاجئين، فإن تركيا تحصل على مزيد من التعاون من قبل روسيا ونظام الأسد، للتعامل مع حزب العمال الكردستاني والإدارة الذاتية الكردية التي تقول أنقرة إنها منبثقة من الحزب (وهو ما تؤكد مراكز أبحاث غربية رغم نفي عواصم القرار الغربي لذلك).
يمكن القول إن التطبيع التركي مع الأسد، قد يؤدي لتحول العلاقة بين مناطق المعارضة الحليفة لها وبين نظام الأسد لحالة تشبه العلاقة بين النظام ومناطق الأكراد، حيث تسود علاقة هي خليط من التنافس والتعاون، بينما قد تتردى قليلاً علاقة الأسد بالأكراد.
لقد قبل نظام الأسد بشكل غير رسمي بواقع الحكم الذاتي واسع النطاق للأكراد في منطقة شمال شرق سوريا، ذات الأغلبية العربية السنية، والتي باتت دويلة تحت الحماية الأمريكية تعد هي الأغنى في سوريا.
وجزء من هذا القبول أنه نظام الأسد لا يقلق من الأكراد لأن طموحاتهم تتعلق بمناطقهم والمناطق الملاصقة لها، ومشروعهم الأبعد هو فصلها عن سوريا وليس الإطاحة بالنظام كما أن الأكراد من وجهة نظر مقاربة النظام جزء من الأقليات السورية في مواجهة الأغلبية العربية السنية التي تمثلها بشكل أو باخر المعارضة السورية التي كانت تطمح إلى حقها الطبيعي في حكم البلاد، في ظل نظام طبيعي تحكم فيه الأغلبية مع الحفاظ على حقوق الأقلية.
وهذا يجعل التطبيع مع تركيا وتخفيف التوتر مع مناطق المعارضة الحليفة لها، مسألة أصعب على نظام الأسد ذي البنية الطائفية الأقلوية، ولذا فإن الأمر متوقف على قدرة ورغبة موسكو وطهران (التي تنظر بدورها بمنظور طائفي مشابه للموضوع)، وحاجتهما لتركيا، ومعرفتهما بخياراتها الخشنة البديلة التي يمكن أن تلجأ إليها بعد الانتخابات، وهي خيارات باتت أنقرة أكثر قدرة عليها في ظل الانشغال الروسي بحرب أوكرانيا.
————————–
هذا التناقض الأردني بشأن الأسد/ غازي دحمان
يدعو الأردن إلى احتضان نظام الأسد، وينشط في محور عربي ويستنفر طاقاته الدبلوماسية لإنجاز هذه المهمة. وفي تناقض واضح مع هذا الحال، طلب الملك عبد الله الثاني، وبشكل صريح، من وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستون، الذي زار عمّان أخيراً، المساعدة في حرب المخدّرات التي يديرها النظام السوري، بإشراف أعلى المستويات فيه، على الأردن وجيرانه في الخليج.
لا يمكن تفسير ذلك من منظور وجود تيارات متصارعة في الأردن بشأن الموقف من نظام الأسد. صحيحٌ أنّ أصواتاً في البرلمان والإعلام تنادي بالانفتاح على نظام الأسد من دون شرط أو قيد، وهي بالأصل تراه على حق في كلّ ما فعله بالسوريين، حتى إن بعضهم يرى في الوجود الإيراني حماية لسورية من إسرائيل. لكنّ هذه الأصوات، رغم علوّ زعيقها، وانكفاء القوى التي تعادي الأسد، هامشية في صناعة القرار الأردني، ولا يمكن أن تصل فاعليتها إلى حد التأثير على سياسات الأردن الإقليمية، بما فيها العلاقة مع النظام السوري.
لكن، يمكن اعتبار هذا الأمر مؤشّراً على ارتباك دوائر القرار الأردنية في التعاطي مع الملف السوري، الأمر الذي يدفعها إلى اتباع سياسات تحوّطية متناقضة أحياناً وغير منسجمة، إلى درجة أن من يطّلع عليها سيستغرب صدورها عن مطبخ سياسي واحد، إذ طالما أن الأردن يعلن بالصوت العالي أن مخدّرات الأسد خطر عليه وأنهكته واستنزفت قواه الأمنية إلى درجة تدفعه إلى طلب المساعدة من الحليف الأميركي القوي، فهذا ليس له سوى معنى واحد، أنّ سياساته تجاه نظام الأسد يجب أن تكون ذات طابع دفاعي عسكري، ففي هذا النمط من الحروب والصراعات لا تستوي المناورة، ولا أسلحتها الدبلوماسية والخطابية.
من غير المنطقي، في ظلّ هذه المعطيات، التعامل مع نظام الأسد بما يرضيه ويريحه، هذه أغرب أنواع الرشاوى، في حين يصرّ هذا النظام على تحقيق أهدافه كلها، تجارة المخدّرات والدفاع عنه في المحافل العربية والدولية وتدليله. يصحّ هذا فقط في حال انتصار نظام الأسد على الأردن، ووافق الأخير، ضمن بروتوكولاتٍ سرّية، على تنفيذ ما يطلبه منه المنتصر، الذي يرفض منحه المياه المتفّق عليها، ويصرّ على تدمير أمنه الاجتماعي عبر نشر المخدّرات، واستعمال الأردن، بالإكراه والغصب، ممرّاً لتهريب المخدّرات إلى دول الخليج، وعندما يغيّر الأردن قواعد الاشتباك من خلال إطلاق النار على المهرّبين، يتعامل نظام الأسد بالمثل، عبر استخدام تقنيات الطائرات المسيّرة في تهريب المخدّرات والأسلحة إلى الأردن!
في المقابل، يذهب الأردن بعيداً حين يطلب المساعدة الأميركية في مواجهة حرب مخدرات الأسد، وهو يعلم أنّ قانوناً سيتم إقرارُه بعد حين، قانون الكبتاغون، سيكون له بعدٌ تنفيذي، حيث ستقرّ واشنطن ميزانية له، وتقدّم للأردن أجهزة ومعدّات، وربما تشارك قواتها في غرف عمليات، مع قوى عربية، وسيشمل نشاطها استهداف ليس فقط مهرّبي الكبتاغون، وإنما مواقع الإنتاج داخل سورية والأشخاص الذين يديرون هذه التجارة، والذين في أغلبهم شخصياتٌ ضمن الهياكل الأمنية والعسكرية السورية. وفوق ذلك، سيضع قانون الكبتاغون قيوداً على مسار التطبيع الذي يقودُه الأردن مع نظام الأسد، إذ من غير المعقول أن تتكلّف الولايات المتحدة ميزانيات وإجراء خطط من أجل تقديم المساعدة التي يطلبها الأردن، فيما يسعى الأخير إلى فكّ عزلة نظام الأسد ودعمه وتقوية موقفه، ومن غير المعقول أن تخاف واشنطن على الأمن الاجتماعي الأردني والخليجي أكثر من أصحاب الشأن أنفسهم!
يكشف السلوك الأردني عن قناعةٍ لدى صانع القرار بأنه يخوض معركة ترويض مع نظام الأسد، وأنه حتى يستطيع الحصول على تنازلاتٍ منه يجب تقديم إغراءاتٍ معينةٍ أو حوافز له، وجرّه الى لعبة المكافأة. بمعنى آخر، توريطه في الآمال وإدخاله في شبكاتها، لعل ذلك يسهم في إخراجه من حالة التوحّش واليأس والاستنقاع في العزلة، وشعوره المتزايد بالاحتقار من الأوساط الدبلوماسية والسياسية الدولية، وهي الحالة التي تدفعه إلى اتباع سلوك العصابات وزعران الحارات لإثبات أهميته وإقناع الآخرين بقدرته على الإيذاء والتخريب.
يكشف هذا السلوك أيضاً عن قناعة صانع القرار الأردني بأنّ نظام الأسد قدرٌ لا يمكن الهرب منه، والأفضل التعايش معه والبحث عن الوسائل والطرق الكفيلة بتلطيف العلاقة معه، في ظل افتقاد الأردن أوراق الضغط القادرة على إجباره على اتّباع مسالك مختلفة، وربما لأن هذا النظام لا توجد لديه يد تؤلمه ليمكن مسكُه منها، وبالتالي، يجب البحث عن مقاربات أخرى للتعامل معه، خصوصاً إغراءه بفكّ العزلة وإعادة تأهيله.
بعيداً عن جدوى هذه السياسات، الواقع أنّ الأردن أيضاً مساهم في صناعة البيئة التي تدفع إلى عزل الأسد واستمرار تهميشه، من خلال دوره في قانون الكبتاغون، الذي سيزيد تعقيدات الانفتاح على نظام الأسد، الأمر الذي يجعل الجهد الدبلوماسي الأردني في قيادة مسار التطبيع مع الأسد جهداً مضيعاً، أو مجرّد تقطيع وقت إلى حين، خصوصاً بعد أن اتضح أنّ إدارة بايدن غير مستعدّة للتراجع عن عزل نظام الأسد وتجريمه.
العربي الجديد
——————–
الغارديان: الكبتاغون وإيران وراء سعي دول عربية لإخراج الأسد من عزلته
إبراهيم درويش
نشرت صحيفة “الغارديان” تقريرا لمراسلها في الشرق الأوسط، مارتن شولوف، قال فيه إن رئيس النظام السوري بشار الأسد، انتهز فرصة الزلزال الشهر الماضي، للعودة إلى المسرح الإقليمي والخروج من العزلة.
وقال الكاتب إن الأسد الذي تجول في حلب بعد الزلزال، لم يظهر بمظهر الرجل الذي يحمل مصير الأمة على ظهره. وعندما وقف لأخذ الصور مع السكان الذين اصطفوا للقائه وهو يتفقد الدمار الذي تركه الزلزال، بدا مرتاحا أكثر من اهتمامه وقلقه على الناجين من الكارثة. وكان الرئيس المبتسم يفكر باللحظة التي جاءت إليه أخيرا.
فبعد أيام من الكارثة، كان مسؤولو الإغاثة الدولية يتدفقون من أجل مقابلته، وطلب إذنه للوصول إلى المناطق المتضررة والخارجة عن سيطرته. ومرة أخرى، بدأت المؤسسات الدولية بالتعامل مع الأسد على أنه رئيس دولة ذات سيادة وموحدة. وسافر وزراء خارجية الدول العربية من الأردن والإمارات ومصر إلى دمشق لمقابلة الرئيس وتقديم التعازي له. وكانت رمزية هذه اللقاءات صورة عن حدث زلزالي ولكن من نوع آخر.
وبات الأسد ولأول مرة منذ عقد ويزيد على الحرب والفوضى، ظل فيه منبوذا من جيرانه ومنافسيه في المنطقة، بات في أعينهم الحل للأزمة التي أعطته الوصف في المقام الأول. ومنح الرجل الذي أشرف على انهيار بلده وتشريد نصف السكان وتسبب في الانهيار الاقتصادي الذي لا يقارن بأي بلد حول العالم، فرصة للعودة. وعززت زيارة إلى عُمان في 20 شباط/ فبراير والتي كانت مرفقة بالسجاد الأحمر وموكب الحراسة والأعلام التي رفرفرت على جانبي الطريق، عملية إعادة تأهيل الأسد.
وقال مسؤول أمني إقليمي: “هذه لحظة كانت قادمة، لم يعد هناك إمكانية لطرح فكرة أن المنطقة آمنة ببقاء سوريا منبوذة”. لكن لا أحد يعرف عمّ سيتخلى الأسد وماذا سيحمل أصدقاؤه العائدون إليه من نفوذ.
ويُعتقد أن المسؤولين البارزين في السعودية والإمارات دفعوا بشكل قوي في موضوعين: فصل سوريا عن التأثير الإيراني، ووقف تصدير المادة المنشطة “كبتاغون” إلى دول الجوار.
وبدأ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي، ورئيس الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، المشهد للتحول وعودة الأسد من خلال دعوته لزيارة الإمارات في لقاءات غير رسمية. وحدد الرجلان المتوقع من الأسد، وتقديمه كرجل ضلّ طريقه ويمكن إعادته للحظيرة لو غيّر من سلوكه.
وبعد عام، لم يتغير إلا القليل سوى ما حدث على المواقف الإقليمية. فقد حولت صناعة المخدرات المدعومة من مؤسسات الدولة، سوريا إلى منافس لكارتل سينالوا المكسيكي. وبموارد مالية تصل سنويا إلى 6 مليارات دولار، وأعلى من الناتج المحلي العام، فلم يكن هناك ما يؤشر إلى تخلي سوريا عن هذه الصناعة التي تنتج وتعلب وتهرب الحبوب إلى دول الجوار، خاصة منطقة الخليج.
وصادرت السلطات الإماراتية في الشهر الماضي 4.5 مليون حبة كبتاغون، خُبئت في علب الفول. وأصدرت السلطات الإيطالية مذكرة اعتقال للمواطن السوري، طاهر الكيالي الذي اتُهم بتنسيق شحنة مكونة من 14 طنا من الكبتاغون كانت في طريقها إلى ليبيا والسعودية عام 2020.
ويقول المسؤولون الإيطاليون إنهم متأكدون من مصدر الحبوب، سوريا. وأنها مرتبطة بحزب الله اللبناني. وضغط عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني على وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن أثناء زيارته للمنطقة في الأسبوع الماضي، لوضع قيود على الأسد كي يوقف تجارة الكبتاغون التي يعتقد المسؤولون الغربيون والإقليميون أن ماهر الاسد، شقيق بشار، هو من يشرف عليها، ويتم تسهيلها من الفرقة الرابعة في جيش النظام السوري في المناطق الواقعة تحت سيطرتها.
وأكد الملك عبد الله على دور الميليشيات المدعومة من إيران في تجارة المخدرات عبر جنوب سوريا، بشكل خلق مشكلة كبرى لقوات حرس الحدود الأردنية. ولا يُعرف إن كان الأسد سيبتعد عن إيران التي لا تزال محورية في نجاته. وبات المطلب هذا محلا للشك بعد الإعلان المفاجئ يوم الجمعة عن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية.
وترى الصحيفة أن حقيقة وصول الأسد إلى نقطة إعادة التأهيل ليست أمرا بسيطا بسب الدعم الذي حصل عليه من إيران عندما واجه حربا ضده. وعملت طهران على زيادة نفوذها وبناء ممر بري من أراضيها عبر العراق وسوريا إلى لبنان الذي يهمين فيه حزب الله على المشهد السياسي.
وهناك مشكلة في محاولة الضغط على الأسد الذي يحكم منذ عقدين وإبعاده عن إيران، لأن أي تحرك بهذا الاتجاه بمثابة مخاطرة وجودية و”هذه مجازفة لا يستطيع القيام بها” كما يقول مسؤول في المنطقة، و”لم يفكر الإماراتيون والسعوديون بهذا الأمر”.
مطلب آخر للأسد، يتعلق بالتفاوض مع المعارضة السورية وتشجيع عودة اللاجئين إلى بلادهم، وهذا يبدو مشكوكا فيه مثل المطلب السابق. وحتى في الأيام الحالكة التي واجهته، لم يتعامل نظام دمشق مع المفاوضات بطريقة جدية.
وفشلت المحادثات المتكررة التي دعمتها روسيا والدول الغربية من جنيف إلى أستانة منذ عام 2013 ببناء زخم للتسوية في سوريا. ولم تتحقق مطالب تسوية تقوم على مشاركة الأطراف المتصارعة، بل على العكس، اعتمد النظام على القوة المفرطة لتقوية حكم الدولة البوليسية بدون خوف من العقاب.
وطالما طالب أعداء النظام، الأمم المتحدة بمحاسبته على جرائمه، لكن الدرس الذي سيتعلمه من الكلام المتشدد سابقا والاستقبال الحافل للأسد في عواصم دول عربية، هو أنه يستطيع عمل ما يريد بدون أن يغير من أساليبه.
القدس العربي
————————-
بيان القوى الوطنية الديمقراطية السورية رفضاً لتعويم النظام السوري والتطبيع معه
أصدرت قوى وأحزابٌ وتجمعات وطنية ديمقراطية بياناً رفضت فيه أي محاولة لتعويم نظام أسد والتطبيع معه.
نينار برس تنشر نصّ البيان كما وردها لأهميته.
لم نَتفاجأ نَحنُ كَقوى وَطنية ديمُقراطية سُورية، مِن مُحاوَلات النظام السوري، بِاستِغلالِ كارثةِ الزِلزال، الذي حَدث صَبيحة يَوم الإثنين تاَريخ 06/02/2023، لأَن الشَعبَ السُوري، قَد خَبِرَ هذا النظام، الذي لطالما جير الكوارث والأزمات لصالحه. بعيدا عن مصلحة الوطن والشعب السوري.
واليَوم وبَعد كَارِثة الزِلزال الَتي أَوجَعَت أَهلَنا السُوريين، سَارع النِظام السوري لاِستِغلالَها مُحاولاً تَقديم نَفسِه كنظام شَرعي مَسؤول عَن حِمَاية وإغَاثة المُتَضَررين، وأَنَ العُقوبات المَفروَضة عليه، سَتُعيق عَمَليات الإغاثة التي لَم يَتَحَدَث عَنها أو يواسي المُصابين بِها، إلا بَعد أَحدَ عَشَر يَوماً مِن وقوع الزِلزال، علماً بِأنَ الأَوجَاع الَتي تَسَبَبَ فيها لَشعبنا السُوري، وعلى مَدار اثنا عَشَر عَاماً مِن قَمعه لِثَورة هذا الَشعب، والَتي استخدَم فيها مُختلف أَصنافَ الأسلحةِ الفتاكةِ، تفوق أوجاع الزلزال، وتَناسى أيضاً بأن الأَضرار الَتي أَحدَثتها بَراميله المُتفجرة، وقَصف طائراته الحربية أو طائرات حُلفائه قد تَسَبَبَت في زِيادةِ آثارِ الزلزال.
ونَحنُ كَقِوى وَطَنية دِيمقراطية، إذ نَشكُر مَواقف بَعض الدول، لَرفضِهم وبِشِكلٍ قَاطِع، الإصغَاءَ لِمَزَاعِم النظام السوري، ورَفضِهم تَسيس عَمَلياتِ الإغَاثَة الإنسَانية لِصَالِحه، فَإنَنَا بِنَفسِ الوَقت نَستَغرِب ونَستَهجِن تَسَارُع بَعضَ الأنظِمةُ العَربيةُ، بِالمُطَالَبَة بِرَفعِ العُقوبَات عَن النظام السوري ، وإعَادَتِه للحُضن العَرَبي، والجَامِعة العَرَبية، كنظام شَرعي، وسَارَعَت بإرسَالِ مَسؤوليها لتَعزيته، وتَقديم الدَعَم المَجَاني لَهُ، إضافةً لزيارَة وَفدَ مِن بَعضِ البرلمانيين العرب لدمَشق، والتي يصب في هذا الاتجاه. وأَنَنا نُؤكد، بِأَن الأَسبَاب الَتي دَعت لِطَردِ النظام السوري مِنَ الَجامِعَة العَرَبية، وفَرضَ العِزلةَ السياسيةَ عليه، ما زَالت مَاثِلَةٌ أمَامَ الجَميع، وأَنَه ما زال مُتمسكاُ بالحل الأَمني والعَسكري، في قَمع ثَورة الشَعب السُور ي، وما زَالت جَرائِمه، الَتي ارتَكَبها، وعَلى رَأسِها استِخدام الِسلاح الكِيماوي دون مُحاسبة، ومَا زال يستَخدِم مَلَفَ المُعتَقَلين والمُغَيَبين قَسريا كَوَرقةِ ابتزازٍ سياسي، وقد زَاد خِلال اثنا عشر عِاماً من تغوله في العَداء للمُحيط العَربي، من خِلالَ السَمَاح لنظام ملالي طهران، أَن يَجعَل سُورية نِقطةِ ارتكازٍ في حَربِه عَلى الدول العَربية، مِن خِلال إغراقِ تِلك الدول بالمُخدرات، التي يَتم إنتاجِها بإشرافٍ ورعايةٍ كاملةٍ، من قبل النظام السوري والميليشيات الإيرانية “كفاطميون” و”زينبيون” واللبنانية كحزب الله المصنف كمنظمة ارهابية.
وبِنَاءً عَليه، فإنَنا كَقوى وَطنية دِيُمقراطية سورية، نَتوجه للدول العَربية، حكومات، وشعوب، وبَرلَمانات، ونَطَالِبَهُم بِاسم الشَعبَ السُوري، الذي ضَحى بِالغَالي والنَفيس في سَبيل نَيل حُريته واستقلاله، والذي يَخوض مَعركة شَرسة نيابَة عَن الشُعوب العَربية جَميعها، بِأَن لا يَرضَخوا لابتزازِ النظام السوري ، وإنَ أي مَشاعر إنسانية، نَتَجَت مِن هَولِ الكَارثةِ يَجِب تَوجيهَها للشَعب السِوري، وَدعمه بِشَكلٍ مُبَاشَر مِن خِلال مُنَظَمَاتِ المُجتَمعِ المَدَني، سِواء العَربيةِ، أو الَدولِيةِ، وبِذَلك يَضمَنونَ بأَن تَصِل تِلكَ المُسَاعَدات لمُستَحقيها المُتَضَررين، لا أن تُسرَق مِن قِبَلِ الميليشياتِ التَابِعَة للنظام ، وإنَ العِزلةَ السياسيةَ التي تَمَ فَرضَها عليه ، يَجِب أن تَبقَى حَتى يتم تنفيذ القرارات الأُممية، وعَلى رَأسها القرارين 2118 و2254، والقَاضِيان بتشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية، لا وجود للأسد ولِكافِة أركَان حُكمِه، ولِكَافة مَن تَلَطَخَت أياديهم بالدم السوري فيها، والعَمَل عَلى إخراجِ كافة القُوى الأَجنبية المحتلة للأراضي السُورية.
القوى الوطنية الديمقراطية السورية الموقعة (مرتبين أبجدياً):
اسم التجمع
التجمع الوطني الديمقراطي السوري
التجمع الوطني السوري
التجمع الوطني السوري الموحد (توسم)
التجمع الوطني السوري للإنقاذ
التيار السوري للبناء والتجديد
الجيش السوري الحُر
الكتلة الوطنية الديمقراطية
المجلس الثوري لأحرار سورية
المجلس السوري الأمريكي
المجلس السوري للتغيير
الهيئة السياسية الموحدة لأبناء الساحل
الهيئة السياسية لأحرار ابن الوليد
الهيئة السياسية لمحافظة الرقة
الهيئة العامة الثورية لمدينة حلب
الهيئة الوطنية السورية
ائتلاف شباب الثورة
تجمع أحرار بلا حدود
تجمع ثوار الداخل
تجمع سورية الثورة
تكتل السوريين
تيار التغيير الوطني السوري
تيار المستقبل السوري
تيار سورية الجديدة
حركة الاشتراكيين العرب
حركة بناء سورية الحرة
حزب الاتحاد الاشتراكي
حزب الاستقلال
حزب الأحرار الليبرالي
حزب الحرية والسلام
حزب الشعب الديمقراطي الهيئة القيادية، مع التحفظ على استخدام نظام الأسد فهم عصابة الأسد
حزب اليسار الديمقراطي السوري
حزب اليسار الكردي
حزب بناء سورية الديمقراطي
حزب يكيتي الكردستاني – سورية
سوريون مسيحيون من أجل السلام
كتلة العمل الوطني
كوادر الشيوعيين السوريين
مجلس دمشق الوطني
منظمة نساء ديمقراطيات
منظمة سورية طريق الحرية
ميثاق دمشق الوطني
نقابة المحاميين الأحرار
————————–
الانفتاح السعودي-المصري على سوريا… هكذا يرسم الاقتصاد خطوط تعويم النظام/ يامن المغربي
حطّت طائرة وزير الخارجية المصري سامح شكري، في دمشق، صباح الإثنين 26 شباط/ فبراير الماضي، في زيارة للتعزية بضحايا الزلزال والتضامن مع كارثة ضربت البلاد وأوقعت أكثر من خمسة آلاف قتيل، وآلاف الجرحى والمشردين من بيوتهم.
لكن، ليس كل ما يظهر على الهواء مباشرةً، وأمام الكاميرات، هو الحقيقة في عالم السياسة، فللزيارة أبعاد أخرى تتعلق بنظرة جديدة للدول العربية إلى الملف السوري وعودة بشار الأسد لشغل مقعد سوريا في جامعة الدول العربية، وتسويات وتحركات تفيد المحيط الإقليمي لسوريا بقدر ما قد تفيد الأسد نفسه، في ظلّ الأزمة الاقتصادية الحادّة التي يعاني منها، والمستقبل المجهول للمناطق الخارجة عن سيطرته، والمناطق الواقعة تحت سيطرته أيضاً.
زيارة شكري، وهي الأولى منذ أكثر من عشر سنوات، فتحت الحديث حول عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، بعد عشر سنوات من جلوس رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية معاذ الخطيب، على الكرسي ذاته، في عام 2013.
كما أنها تتزامن مع ملفين في غاية الأهمية تعمل عليهما الحليفتان القاهرة والرياض، فبالنسبة للأولى قد يشكل انفراج العلاقات مدخلاً لتحقيق مشروع “الشام الجديد” وهو تحالف أمني اقتصادي تم الحديث عنه قبل عامين ويجمع العراق ومصر والأردن وسط أنباء عن انضمام سوريا إليه، في حال الوصول إلى حل سياسي، وهو ما قد يشكل مدخلاً لانفراجة اقتصادية لمصر التي تعاني من أزمة حادة، تفاقمت بعد الحرب الروسية-الأوكرانية، وساهمت في خلافات مع حليفتها الرئيسية، المملكة العربية السعودية.
وبالنسبة للرياض، قد يشكل حلاً سياسياً ما في سوريا، استكمالاً لما تعمل عليه السعودية منذ عامين، أي تصفير مشكلاتها الإقليمية التي طالت وكانت لها آثارها بطبيعة الحال، مع قطر وتركيا وإيران، خاصةً مع إعلان الرياض عن عودة العلاقات الدبلوماسية مع طهران في مفاجأة مدويّة.
وقد يفرض تحرك المياه الراكدة في ملفات تتصل بشكل غير مباشر بالملف السوري، تحركاً في هذا الأخير.
الخلافات العربية-العربية
ضرب زلزال في فجر السادس من شباط/ فبراير كلاً من سوريا وتركيا، موقعاً أكثر من 55 ألف قتيل في البلدين. كانت الكارثة بالنسبة للسوريين تتعلق بأزمة كاملة تعيشها البلاد وعلى جميع المستويات، سواء في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، أو في تلك الواقعة تحت نفوذه.
سارعت دول عربية عدة إلى إرسال المساعدات الإنسانية إلى مختلف المناطق، وتحديداً العراق والجزائر والإمارات التي خصصت مساعدات ضخمةً لمناطق النظام منذ الأيام الأولى، ثم جاءت زيارة وزير الخارجية المصري إلى دمشق لتفتح الحديث مجدداً عن “عودة سوريا إلى الحضن العربي وشغل منصبها مجدداً في جامعة الدول العربية”، ما يشي بانفتاح عربي على النظام في دمشق، بعد أعوام من اتخاذ الإمارات والبحرين هذه الخطوة.
أكدت هذا الأمر تصريحات الرئيس التونسي قيس سعيّد، الذي قال في لقاء مع وزير خارجيته نبيل عمار: “لا شيء يمنع عودة العلاقات بين الطرفين”، لتكتسب دمشق حليفاً جديداً إلى جانب الجزائر والعراق والإمارات والبحرين في هذا التوجه.
لكن وبقدر ما يبدو أن ملف العودة يمشي بسرعة، تقف دول عربية على الطرف النقيض، وأبرز هذه الدول هي قطر والسعودية.
يرى المتخصص في الدراسات الإستراتيجية والعلوم السياسية الدكتور محمد الحربي، أن “الانقسام الحاد بين الدول العربية على الملف السوري يمنع هذه العودة حتى اللحظة”.
ويقول في حديث إلى رصيف22: “برغم هذه الخلافات الحادة، إلا أن التوجه موجود لرمي الكرة في ملعب النظام السوري، بمعنى تنفيذ المطلوب منه في ما يتعلق بالمعتقلين والمهجّرين والمضي في حل سياسي حقيقي، بالإضافة إلى خطة واضحة لإعادة الإعمار، وكيف ستكون وما هي ضماناتها؟”.
من جهته، يرى المحلل السياسي فراس رضوان أوغلو، أن “عملية الانفتاح هذه لن تكون من دون شروط معينة على النظام السوري تنفيذها، خاصةً مع انتقال المرحلة من مرحلة الصراع وإدارته إلى مرحلة حل النزاع”، ويضيف لرصيف22: “أعتقد أننا في المرحلة الثالثة من الملف السوري والتي تتطلب الوصول إلى حل جزئي على الأقل لأجل مصالح الدول نفسها”.
وتأتي محاولات الانفتاح في ظلّ نفوذ إيراني-روسي واسع على الحياة السياسية والاقتصادية في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، وصل إلى مرحلة المحاصصة في الانتخابات البرلمانية 2020، بالإضافة إلى وجود عسكري ونفوذ تركي في مناطق ريف حلب وشمال غرب سوريا، عدا عن قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أمريكياً في مناطق شرق الفرات الغنية بالنفط وذات التربة الزراعية، يُضاف إلى ذلك الاحتلال الإسرائيلي للجولان (جنوب غرب سوريا) منذ عام 1967.
ماذا تريد مصر؟
تتضارب الأخبار والتحليلات حول الموقف المصري من عودة النظام السوري إلى شغل مقعده في جامعة الدول العربية، من دون موقف واضح من هذه العودة، ففي حين خرجت تقارير تؤكد ضغوطاً مصريةً في عام 2021 للعودة، خرجت تقارير مختلفة في العام التالي.
توازياً، تؤثر الأزمة الاقتصادية التي تعيشها القاهرة، بشكل مباشر على العلاقات بينها وبين حليفتيها الإقليميتين الرئيسيتين، الإمارات والسعودية، ولهذا الأمر دلالة تتعلق بتوأمة المواقف السياسية، على الأقل في ما يخص الملف السوري.
كما أن الانفتاح المصري على النظام السوري يعني بشكل مباشر تنفيذ ملفين في غاية الأهمية للاقتصاد المصري، هما مشروع “الشام الجديد” ومشروع خط الغاز المصري إلى لبنان عبر سوريا.
يقول رئيس مركز سعود زايد للدراسات محمود حسين، لرصيف22، إن “جهات داخليةً مصريةً طالبت بعودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية منذ سنوات، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تريد تأسيس تحالف سياسي جديد في الفترة المقبلة، وزيارة وزير الخارجية المصري إلى دمشق قد تكون باباً في هذا الاتجاه”.
ويضيف: “تحاول مصر ترتيب اتفاقيات جديدة ضمن مشروع الشام الجديد مع العراق والأردن وضمّ سوريا، كما أن هذا الاتجاه يمشي في طريق الحدّ من النفوذ الإيراني في البلاد، وأعتقد أن المتغيرات السياسية تفرض تغيّر اللهجة في ما يخص الملف السوري والوصول إلى تفاهمات جديدة، واستغلال التحرك العربي الأخير لإرسال المساعدات العاجلة إلى سوريا”.
ويعود مشروع “الشام الجديد” إلى مقترح تطرق له البنك الدولي في عام 2014، لإنشاء طريق برّي يربط بين العراق والأردن ومصر، يبدأ من مدينة البصرة العراقية إلى ميناء العقبة الأردني وصولاً إلى الأراضي المصرية، لنقل النفط والبضائع التجارية والمنتجات الزراعية، خاصةً مع الإمكانات النفطية الكبيرة للعراق وقدرات تكرير النفط المصرية ونقلها بعيداً عن قنوات النقل التقليدية، وبدأ العمل عليه في اجتماعات بين الدول الثلاث في 2019 و2020، كما يشمل إنشاء المدينة الاقتصادية العراقية-المصرية-الأردنية.
وعليه، يشكل المشروع خطوةً في مشروع “خط الغاز العربي”، وهو خط لتصدير الغاز المصري والعربي إلى أوروبا، وسبق أن تم اتفاق سوري-مصري-أردني لتوصيل الغاز إلى الحدود السورية التركية، ومنها إلى أوروبا.
من جهة ثانية، يتصل هذا المشروع، بمشروع ثانٍ لا يقل أهميةً بالنسبة للقاهرة، وهو مشروع استجرار الغاز المصري إلى العاصمة اللبنانية بيروت عبر دمشق.
وحول قدرة القاهرة على المضيّ قدماً في الانفتاح في علاقاتها مع دمشق من دون اتفاق مع السعودية حول هذا الأمر، خاصةً مع الخلافات الأخيرة بين الطرفين، يرى الحربي أن “هذه الخلافات لا تؤثر على هذا الملف بالذات، لأن الملف نفسه أعمق وأكبر من هذا الخلاف”.
الانفتاح في الميزان السعودي
أعلنت السعودية عن إعادة العلاقات مع إيران ضمن سياساتها الخارجية الأخيرة، وهو ما يشي بأن هناك توجهاً سعودياً لعودة العلاقات مع النظام السوري قد يكون في طريقه ليرى النور، خاصةً مع تخفيف حدة اللهجة السعودية تجاه النظام السوري.
وقال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود، في تصريحات صحافية، إن “زيادة التواصل مع سوريا قد تمهد لعودتها إلى جامعة الدول العربية مع تحسن العلاقات، لكن من السابق لأوانه مناقشة هذه الخطوة”، وسبقتها تصريحات أخرى للوزير نفسه قال فيها إن “الدول العربية بحاجة إلى نهج جديد حيال سوريا”، عادّاً أنه “لا جدوى من العزلة، والحوار مع دمشق مطلوب في وقت ما”.
وقال بن فرحان في منتدى ميونيخ للأمن: “سترون أن هناك إجماعاً عربياً على أن الوضع الراهن غير قابل للاستمرار، لذلك يجب أن يمرّ ذلك عبر حوار مع حكومة دمشق ما يسمح بتحقيق الأكثر أهميةً، خاصةً في ما يتعلق بالحالة الإنسانية”.
ولا تنفصل الرؤية السعودية للحل في سوريا عن النظرة المتعلقة بعلاقاتها مع إيران بطبيعة الحال، إذ يرى الحربي أن السعودية “تريد حلاً بمفهوم إستراتيجي لا بمفهوم مرحلي ظرفي، وقد نوقش هذا الأمر مطلع العام الماضي في أثناء زيارة المبعوث الروسي ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إلى المملكة، وهو ما أشار إليه وزير الخارجية السعودي مؤخراً”.
“الملفات مركبة ومعقدة وكل ملف يحمل الملف الآخر، وبالتأكيد عندما تتدخل المملكة ستتدخل ضمن الإطار الإستراتيجي المذكور لإيجاد حلول مستدامة، هذا أولاً، وثانياً الدولة السورية مفككة؛ إدلب خارج سيطرة النظام بعكس دمشق واللاذقية وغيرهما، ومناطق جنوب دمشق أيضاً تتوغل فيها الميليشيات، عدا عما بيد الروس مثل قاعدة حميميم وغيرها، وتالياً الأرضية غير مهيأة للحلول ولكن مع الأزمات الأخيرة الجميع يسعون إلى إيجاد حلول عبر مبادرات مستدامة”، يختم الحربي.
رصيف 22
————————-
“الله سوريا بشار”… حبّ الأسد الذي لا ينقص ولا ينتهي/ باسكال صوما
تكفي مباراة بسيطة لكرة القدم بين فريقي “الأنصار” و”العهد” في ملعب فؤاد شهاب في جونية، لتظهر حقيقة أن الإجرام خطيئة مغفورة لبشار في نظر كثيرين. ولا فرصة سانحة أفضل من مباراة رياضية لتجديد الانقسام اللبناني.
هناك من يزال مستعداً للصراخ “الله سوريا بشار وبس”، نعم هذه حقيقة وليست مجرد خرافة أو هراء، وهي امتداد مأساوي لمشهد الصور التي رفعت على طريق بيروت- الشام في مرحلة الانتخابات النيابية اللبنانية الأخيرة حاملةً وجه رئيس النظام السوري بشار الأسد وسفيره السابق في لبنان عبد الكريم علي. الهتاف في ملعب فؤاد شهاب والصور على طريق بيروت- الشام، وجهان لعملة واحدة، تعني أن حب بشار أبدي ولا يمكن أن ينقص، مهما تمادى في إجرامه، حتى إذا قتلنا جميعاً، أو اعتقلنا واحداً واحداً، حتى إذا فجّر أطفال خان شيخون ومضايا، وحتى إذا ما كان زال رافضاً أن يعترف باللبنانيين الموجودين في معتقلاته… كل ذلك غير مهم، حب بشار لا يتوقف ولا ينقص.
تكفي مباراة بسيطة لكرة القدم بين فريقي “الأنصار” و”العهد” في ملعب فؤاد شهاب في جونية، لتظهر حقيقة أن الإجرام خطيئة مغفورة لبشار في نظر كثيرين. ولا فرصة سانحة أفضل من مباراة رياضية لتجديد صكوك الانقسام اللبناني، بين رافضي التدخل السوري ونظامه في لبنان ومتظاهري “شكراً سوريا” في 8 آذار/ مارس 2005، ولا أفضل من تحويل مباراة يفترض أنها “رياضية” إلى جزء من الحرب السورية، بين الثورة ومناهضي النظام من جهة، وبين جيش عبادة بشار الأسد من جهة أخرى. تغذية الانقسام تأتي مجدداً عبر “سوريا- الأسد” المصطلح الدموي الذي لا يبطل زمنه ولا تتراجع قتامته.
يبدو أنه سوء تفاهم لم ينتهِ مع دحر الوصاية السورية عن لبنان كما قد يتخيل المرء، ثم لم ينتهِ مع كل الدم السوري الذي سُفك. وبشار وسوريا اللذان وردا في الهتاف ليسا سوى تهديد غير مستجد بالديكتاتورية ونهج القتل والإلغاء، وكل ما تعنيه الوصاية والحرب السورية من ذكريات مؤلمة وظلم في بال اللبنانيين والسوريين، الذين وبرغم ذلك ما زال كثر منهم يطبلون للنظام السوري وأزلامه.
إنها ليست المباراة الأولى التي تنتهي بهذا الشكل، فغالباً ما تنقلب اللعبة الرياضية إلى لعبة سياسية وينتقل التشجيع من الرياضة إلى السياسة. إنه مسار ما برحت المباريات تسلكه برشاقة وسط الاحتقان الطائفي والسياسي، الذي ينتقل إلى الملاعب لتتحول في لحظة واحدة إلى حلبة صراع واقتتال وثأر.
توقفت المباراة الأخيرة مع انتشار كثيف للجيش بعد الإشكال الذي تضمن هتافات طائفية وسياسية، وهي ليست المرة الأولى التي تُسكت فيها السياسة اللعبة الرياضة. لكن المحزن حقاً أننا نعيش في ظل أزمة اقتصادية واجتماعية دمّرت كل شيء، سرقت أموال المودعين، أفقرت المزيد من المواطنين، هجّرت آلاف الشباب والعائلات، أوقفتنا أمام طوابير البنزين والخبز نتسوّل حقوقنا، حولت المدارس الرسمية والجامعة اللبنانية إلى غرف فارغة من الطلاب والتعليم… وسط هذا كله هناك من يرفع شعاراً حماسياً مؤيداً لسوريا- الأسد، كأنه يثأر منا جميعاً، يسخر من قهرنا، يسير فوق دمائنا بلا هوادة وبلا أن يتوقف لبرهة حتى يفكّر بالهراء الذي يخرج من فمه.
درج
————————-
أسئلة السوريين.. بين وهم التطبيع وحقيقة الثورة/ يحيى العريضي
مع حلول الذكرى الثانية عشرة لثورة السوريين على منظومة إجرامية، وبعد سنين من مواجع لا يحتملها إلا الجبابرة، وبعد حَدَث طبيعي كارثي فاقم تلك المواجع؛ تتعافر جهود لإعادة تكرير الإجرام، والتطبيع معه. هناك أسئلة للمطبِعين المطبَعين تدور في أذهان السوريين: {مع مَن تطبعون؟}، {لماذا تطبعون؟}، {ما مآلات ما تفعلون؟}، {ماذا نحن فاعلون؟}
مع مَن تطبعون؟
إنكم تطبعون مع من قتل الحياة السياسية في سوريا؛ مَن لم يحتمل رأياً آخر؛ مَن اعتقل مئات الآلاف وقتل الآلاف تحت التعذيب؛ مَن استخدم الطائرات والصواريخ والبراميل المتفجرة لتدمير الحواضر السورية وإفناء ساكنيها؛ مَن استخدم حتى السلاح الكيماوي ضد السوريين؛ مَن شرّد أكثر من نصف سكان سوريا؛ مَن استدعى الميليشيات والاحتلال؛ مَن رهن سوريا وخيراتها ومقدراتها لعقود للمحتل؛ مَن يرضخ لكل إملاء خارجي، ولا يسمح بكلمة للسوريين؛ مَن أفقر وأذل وأهان، حتى الذين وقفوا معه في جريمته؛ مع مَن كانت فرحته لا تُوصف بالزلزال الذي ضرب سوريا، كي يغطّي به بعضاً من التدمير الذي خلّفته آلته الحربية، وكي ينهب ما أتى من مساعدات، والأهم، كي يركب كارثة الزلزال ويطوي صفحات ما حدث. وكل ما ذُكِر أعلاه موثق وحتى مشهود.
لماذا تطبعون؟
لا تغيب عن أحد ذرائعكم وحججكم الظاهرة: – جمود القضية السورية، – عدم تطبيق القرارات الدولية، – الإهمال الأميركي، – ارتهان مجلس الأمن لموسكو، – الوضع المتردي للسوريين حياتياً، – منع إيران من ابتلاع سوريا. وهناك بالتأكيد الأسباب الخفيّة، وعلى رأسها محاولات الظهور، ونكاية بعضكم ببعض، والمطامع المادية عند البعض، حيث مليارات آل الأسد بحوزتهم. ويبقى الأهم من كل ذلك خدمة إسرائيل؛ فبعض الدول العربيّة التي طبّعت مع إسرائيل بحاجة إلى غطاء “ممانع”، ووجدت في ضعف بشّار الأسد ضالتها. من جانب آخر بعضكم يريد وضع خاتمة للمسرحية التي قدمتموها لـ”شعوبكم” كدرس في مصير مَن يعصى أو يثور على حاكمه. وتريدون الخاتمة أن تكون: في النهاية، وبعد كل ما يحدث، يعود الحاكم معززاً مكرماً إلى الساحة العربية والدولية ناصع الصفحة، وكأن شيئًا لم يكن.
مآلات خطواتكم؟
إذا كان استهداف الوجود أو الهيمنة الإيرانية على سوريا ذريعة استراتيجية لخطوات التطبيع؛ فالمآل سيكون عكس ما يتطلّع إليه المتحمسون؛ فإيران تعلن الترحيب بالتقارب والتطبيع. فعندما أعدتم العراق إلى الجامعة العربية لم تُخرجوا إيران منها؛ وما أثّر اقترابكم من لبنان على سيطرة ميليشياتها على لبنان. وفي الحالة السورية، ستجدون خطوتكم تخفّف على إيران المصاريف، فما تدفعون لجيب منظومة الاستبداد بحجة الزلزال يذهب آلياً لجيوب الملالي. والأخطر مؤخراً، هل سيعيد الاتفاق السعودي- الإيراني تلك العواصم العربية إلى العروبة، أم سيحشرها أكثر في القبر الإيراني؟!
وفي الاتفاق الأخير أيضاً، والذي يتبادر لأي عربي أن يباركه، عندما ينص على {عدم جواز التدخل في شؤون الدول الأُخرى} هل ستتوقف إيران عن التغيير الديمغرافي في سوريا، أو دعم نظام الاستبداد بميليشيات القتل والتدمير؟ وهل تُخرج أو أخرجت قواعدها العسكرية من سوريا وغيرها؟ وهل تتوقف عن الأخذ من سوريا قاعدة لتصنيع وتوريد المخدرات باتجاهكم؟! وفي هذا السياق، إذا كانت منظومة الاستبداد الأسدية ونظام الملالي في طهران كالتوأم السيامي؛ أليس التطبيع مع إيران تطبيعاً مع هذه المنظومة الأسدية؟!
واضح أن أهم مآلات ما أنتم فاعلون يتمثّل بقلب الصفحة. ومسح جرائم نظام الاستبداد، وقفل باب الخلاص أمام المواطنين السوريين، وقبول التدخل الروسي والتدخل الإيراني، وشرعنتهما، وتسويق ما حصل عليه البَلَدان من امتيازات في الأرض السورية، واستمرار المأساة وتعميمها إقليمياً. إنها الخطيئة الكبرى التي قد تدفع فيها المنطقة أثماناً باهظة لم يجر حسابها من أي طرف! هل ستنجحون؟ ربما؛ لكن، هل سألتم عن المصير؟!
ماذا نحن فاعلون؟
بناء على حال السوريين هذا، قد يصعب عليكم تصوّر ما يمكن أن يفعلوه. صحيح أن فيهم من النبل والأخلاق الرفيعة ما يجعلهم يترفعون عن أي أمر يشبه أفعال منظومة الاستبداد التي تعاضدون؛ إلا أنهم في النهاية ككل البشر. فما المُتَوَقَّع ممن فقد وطناً، أو مِن ذاك الذي يوجد في الجغرافيا السورية، ولكن لم يعد يشعر بأنها وطن. ومعروف أنه عندما يفقد المرء وطنه الخاص، يفقد وطن الآخر معناه أيضا؟
الويلات التي شهدها السوري بكل أصنافه ستجد ترجماتها مسلكيا بطريقة ما. لقد أخذته أنظمتكم نموذجاً لتأديب شعوبها؛ والكل يساوم ويصافح ويحقق مصالحه على حسابه؛ حتى الأمم المتحدة خذلته. الكل، باستثناءات بسيطة، أجرم بحقه؛ ولم يبق لديه ما يخسره. إن لم يكن هناك إنصاف وعدالة؛ فلن يكون هناك حلٌ، ولن تكون هناك راحة لأحد.
الذكرى الثانية عشرة لثورة السوريين تحل هذه الأيام؛ وليعلم الجميع أن الثورة السورية شعلة لا تنطفئ. ومَن يظن أن القصة “معارضة” مغلوب على أمرها، إقصائية، ركيكة، مسلوبة الإرادة؛ فهو واهم. إنها الثورة التي ما كان أحدٌ ليتوقعها. إنها الطلقة التي لا تعود. إنها دعوة المظلوم، التي لا بد تصيب. إنها صوت وفكر وفعل الخروج إلى الحرية. إنها فعل التغيير، الذي وإن طال، قادمٌ حتماً.
سوريا المغصوبة الذليلة الموجوعة المريضة المستعبَدَة ذهبت إلى غير رجعة؛ وذاك الذي يأخذها رهينة، من جحر المهاجرين للخيانة والعمالة، إلى زوال؛ ومن يحميه إلى خزي وعار وجلاء. حركة مقاومة مدنية قادمة بفكر وتخطيط وعمل؛ فلا يتوهمنَّ أحدٌ بأن حق السوريين يضيع.
تلفزيون سوريا
——————————-
ضحكة لاشيت وضحكة الأسد/ منهل عروب
كان آرمين لاشيت المرشح الأول لخلافة ميركل المستشارة الألمانية الغنية عن التعريف، سواء في رئاسة الحزب الحاكم (سابقاً) الحزب الديمقراطي المسيحي حيث خسر الانتخابات لصالح الحزب الاشتراكي برئاسة المستشار الحالي أولاف شولتس، ويشغل الآن موقع المعارضة فيما يُسمّى بتبادل السلطة، أو في حكم ألمانيا كمستشار سيخلف ميركل بعد قرارها عدم الترشح لولاية جديدة.
مسيرة آرمين لاشيت حافلة بالنجاحات؛ فهو عضو بالبرلمان الألماني منذ عام 1994، وكان عضواً في البرلمان الأوروبي لدورتين متتاليتين. ثم شغل مناصب سياسية عليا اعتباراً من عام 2005 في ولاية شمال الراين، وهي أحد مفاتيح السياسة في ألمانيا بالإضافة إلى برلين وهامبورغ وبافاريا. تدرج في المناصب كعضو في برلمان الولاية المحلي ثم وزير. بعدها تولى رئاسة الحزب المسيحي الديمقراطي الحاكم في الولاية، وأخيراً شغل منصب رئيس الولاية عام 2017.
يتميّز آرمين لاشيت بشخصيته الليبرالية المرنة، والتي تقود حزب يدعمه محافظون مع جيل توّاق للتغيير، وكان لاشيت هو الشخصية التي استطاعت أن تجمع بين كل تلك المتطلبات ويزاوجها بعلاقة طيبة مع الألمان ذوي الخلفية المهاجرة، حتى إنه لُقّب بـ: “آرمين التركي”. بعد أن أعطته المستشارة الألمانية الثقة، تم انتخابه في يناير 2021 رئيساً للحزب المسيحي الديمقراطي الحاكم آنذاك، وبدأت الأوساط السياسية والإعلامية تتعامل معه بصفته المستشار القادم بعد أن هزم رئيس أقوى ولاية “بافاريا” صاحب الشعبية الكبيرة والطاغية آنذاك ماركوس زودر في سباق الترشح لمنصب المستشارية. وبدا أن الطريق مفتوحاً لتولي منصب المستشار بعد اعتزال ميركل.
في صيف تموز 2021 تعرضت المناطق الغربية في ألمانيا لسيول مدمرة، راح ضحيتها أكثر من مئتي قتيل، كما أغرقت السيول العديد من القرى، وشردت أكثر من خمسين ألف شخصاً، وأعلنت الحكومة المركزية تلك المنطقة منكوبة بالكامل. مع بدء عمليات الإغاثة وتخصيص المساعدات، زار المنطقة رئيس ألمانيا شتاينماير (وبالمناسبة هو منصب ذو صلاحيات محدودة جداً بالمقارنة مع منصب المستشارية أي رئيس الوزراء) لتقديم العزاء لذوي الضحايا، والتضامن مع المنكوبين. تضمّن الوفد المرافق له طبعاً رئيس الولاية آرمين لاشيت المستشار القادم خليفة ميركل.
عندما كان الرئيس الألماني شتاينماير يلقي كلمته، التقطت عدسات الكاميرا لاشيت يتبادل بعض الكلمات مع رئيس البلدية، ثم ضحكا. ضحكة قصيرة عابرة “خارج السياق” للمرشح لحاكم ألمانيا المستقبلي “آرمين لاشيت” خلال زيارة لمناطق متضررة من الفيضانات حسب وصف الصحافة الألمانية كانت كفيلة بتحطيم مستقبل ذلك السياسي المحترف، الذي قدم الكثير لألمانيا على مدار عشرين عاماً.
هبطت شعبية المستشار القادم بنفس سرعة انتشار فيديو تلك الضحكة القصيرة العفوية. حيث توقفت الصحف مطولاً عند معاني تلك الضحكة البسيطة “العابرة”، كان التركيز على واجبات رجل الدولة في مثل حالات النكبات تلك، وبماذا أخطأ رئيس حكومة الولاية ورئيس الحكومة المركزية المستقبلي بالضبط؟ حيث أجمعوا أن رجل الدولة يظهر إلى العلن ليس بصفته شخصاً عادياً، بل يرمز إلى شخص يمثل الجماعة ككل و”من لا يستطيع العمل كسياسي بهذا المعنى فهو ببساطة غير مناسب لأحد أعلى المناصب في الدولة”. حسب تعبير صحيفة فرانكفورتر الشهيرة.
اعتذر آرمين لاشيت على تصرفه الخاطئ وغير المسؤول. اصطحبته المستشارة ميركل في جولتها التالية على المناطق المنكوبة، في محاولة لإنقاذ مستقبل الحزب الحاكم الذي تراجعت شعبيته بشكل كبير نتيجة تلك الحادثة. نعم، قامت ميركل بزيارة المناطق المنكوبة، حيث تفقّدت القرى المتضررّة وحرصت على متابعة عمليات الإغاثة مصطحبة معها نائبها والمرشح لخلافتها آرمين لاشيت في خطوة وصفتها الصحافة الألمانية بأنها سياسية تهدف إلى رفع شعبية لاشيت. “وَسَعَتْ ميركل للتعامل مع نفاد صبر ضحايا فيضانات تموز، ووعدتهم بتقديم مساعدات ضخمة، فيما يبدو محاولة لتحسين وضع معسكرها المحافظ”. وهي عبارة مقتبسة من تقييم صحيفة فرانكفورتر ألغيماين الشهيرة، حيث لم يتم شكر الرئيس على زيارته واهتمامه وعطاءاته، بل اتهام باستغلال واجبه الوظيفي كحاكم مسؤول عن إدارة الأزمة وإنقاذ الضحايا لغايات انتخابية.
سرّع لاشيت المساعدات، وأقرّ حِزَماً أخرى إضافية. لكن الشعب الألماني لم يغفر له ضحكته غير المسؤولة أمام آلام أهالي الضحايا والمنكوبين. انهارت شعبيته، وتراجعت شعبية الحزب الحاكم الذي يرأسه رغم دعم المستشارة ميركل، حيث يحترمها الشعب الألماني، ورصيدها السياسي والمعنوي مرتفع جداً. أضافت الصحيفة الألمانية: “مَن لا يستطيع العمل كسياسي بهذا المعنى (معنى تحمل المسؤولية كرجل دولة يمثل الجماعة ككل) فهو ببساطة غير مناسب لأحد أعلى المناصب في الدولة. إذا كان يضحك بشكل خطأ في الحياة الخاصة، فلا بأس. ولكن بعد ذلك يجب أن يبحث عن المستقبل كشخص عادي). وهنا نقتبس من الصحيفة حرفياً.
استقال لاشيت من رئاسة الحزب، وانسحب من الحياة السياسية، وبدأ يبحث عن مستقبله كشخص عادي، حيث يستطيع أن يضحك كيفما يشاء وأنّا يشاء.
طبعاً لا يمكن المقارنة بين ضحكات الرؤساء، حيث المقارنة تعني بالضرورة شيء من الشبه والاختلاف. فلا شبه ولا اختلاف بين مجرم ورجل مافيا لا يرى في الشعب المنكوب سوى فرص سانحة لتمكين سلطته وزيادة نفوذه وموارده على حساب الشعب المنكوب، ورجل دولة يقدّم الصالح العام وإن تعدّدت أخطاؤه، حيث إنه وفي تلك الحالة فقط ينطبق عليه الحديث الشريف: “إن اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران”.
————————–
“أجندة خاصة”.. لماذا يندفع “الديكتاتوريون” العرب لتأهيل الأسد؟
خلال الأسابيع الأخيرة، توافد المسؤولون العرب إلى العاصمة السورية دمشق، تحت ذرائع تقديم الدعم لضحايا الزلزال المدمر الذي ضرب سورية وتركيا الشهر الماضي، لكن بدلاً من ذلك انتهزوا الفرصة لإعادة الانخراط والتطبيع مع رئيس النظام السوري بشار الأسد.
جاء ذلك في تقرير لموقع “ميدل إيست أي” البريطاني، اليوم الثلاثاء، تحت عنوان “لماذا يندفع الديكتاتوريون العرب لإعادة تأهيل الأسد السوري؟”، والذي تحدث عن أجندة سياسية خاصة وراء الزيارات العربية لدمشق.
وأضاف أن المسؤولين العرب برروا هذه الزيارات في سياق تقديم الدعم والتضامن مع الشعب السوري بعد الزلزال، مشيراً إلى أن هذا التبرير “لا أساس له”، ويكشف مدى حرص هذه الدول على استعادة علاقاتها مع نظام الأسد، وسط حرب مستمرة أودت بحياة أكثر من نصف مليون شخص وشردت أكثر من 12 مليوناً ودمرت البلاد.
“تشابه الأنظمة العربية”
يأتي ذلك عقب تسارع وتيرة جهود بعض الدول العربية للتطبيع مع نظام الأسد، تحت ذريعة تقديم المساعدات الإنسانية الخاصة بالزلزال، وسط مخاوف من استغلال الوضع من أجل إعادة النظام “للحضن العربي”.
وتجلى ذلك التقارب من خلال اتصالات وزيارات غير مسبوقة لقادة ومسؤولين عرب، هاتفوا والتقوا رئيس النظام السوري بشار الأسد، معربين عن تضامنهم مع ضحايا الزلزال المدمر الذي ضرب سورية.
وأبرز تلك الزيارات كانت لوزراء خارجية مصر والأردن والإمارات، ووفد من البرلمانات العربية، فضلاً عن زيارة أجراها الأسد لسلطنة عمان هي الثانية له منذ عام 2011.
وبحسب تقرير “ميدل إيست أي”، فإنه يُمكن تفسير تهافت بعض الدول العربية للتطبيع مع الأسد، ضمن إطار تشابه تلك الأنظمة من حيث القمع والتعامل بوحشية مع المعارضين على أراضيها.
وينطبق ذلك بشكل خاص على مصر، التي أجرى وزير خارجيتها زيارة إلى دمشق هي الأولى لوزير مصري رفيع المستوى منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011.
وجاء في التقرير: “يمكن تفسير دعم مصر لنظام الأسد بعدة عوامل: تشابه النظامين من حيث الوحشية والقمع في التعامل مع المعارضين، ووجهة نظرهم المشتركة بأن الربيع العربي كان (مؤامرة) خارجية وتهديداً وجودياً يجب مواجهته والقضاء عليه، وتحالفاتهم الفردية مع روسيا، مما يعني التضامن مع مشروع موسكو في منطقة الشرق الأوسط”.
ماذا عن الموقف الأمريكي؟
اللافت للنظر أن تلك الدول التي بدأت تطبيع العلاقات مع نظام الأسد هي من بين أهم الحلفاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة في المنطقة، وسبق أن رفضت الولايات المتحدة التطبيع مع الأسد، ولا يبدو أنها مهتمة بإعادة تأهيل النظام السوري إقليمياً أو دولياً.
وبحسب “ميدل إيست أي”، من الواضح أن هذه الدول ترى أن إدارة بايدن ضعيفة ومهزوزة، ومن غير المرجح أن تتخذ إجراءات ضد الدول التي اختارت تطبيع العلاقات مع نظام الأسد.
وأضافت: “إنهم يستغلون الانشغال الأمريكي بحرب روسيا على أوكرانيا من ناحية، والصراع الأمريكي مع الصين من ناحية أخرى، من أجل اتباع سياسة خارجية شبه مستقلة تعزز مصالحهم الذاتية”.
واعتبرت أن بعض الدول العربية قد تستخدم قضية التطبيع كوسيلة ضغط سياسية أو استراتيجية أو اقتصادية على الولايات المتحدة.
باختصار، لا ينبغي أن يكون مفاجئاً أن تقوم بعض الأنظمة العربية بتطبيع العلاقات مع الأسد، حيث تُظهر سمات مماثلة من الاستبداد والقسوة، وبالتالي فإن تأييدهم للنظام السوري الحالي يتماشى مع قيمهم وممارساتهم السياسية، بحسب الموقع البريطاني.
وختم بأن عملية التطبيع هذه قد تستمر في المستقبل المنظور، مما قد يؤدي إلى إعادة قبول النظام في جامعة الدول العربية بعد سنوات من تجميد مقعد. وعلى الرغم من العنف والتهجير المستمر للسكان السوريين، فإن مؤيدي نظام الأسد من الحكومات العربية سيبررون بالتأكيد تأييدهم بحجة مساعدة “الشعب السوري”.
————————
“هآرتس”: الأسد و”حزب الله” ينتظران جني ثمار الاتفاق السعودي- الإيراني
قالت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية إن الاتفاق الإيراني- السعودي على استئناف العلاقات الدبلوماسية، هي أخبار “عظيمة” لرئيس النظام السوري بشار الأسد، و”حزب الله” اللبناني.
وأضافت في تقرير لها، أمس الاثنين، أنه بينما تمضي إسرائيل في موقف دفاعي على الساحة الدولية ضد إيران في سورية، ينتظر الأسد و”حزب الله” جني ثمار هذا الاتفاق، واصفةً إياه بـ “الاتفاق الدراماتيكي”.
واعتبر الكاتب والمحلل الإسرائيلي، زيفي باريل، في تقريره أن ترحيب الأسد و”حزب الله” باستئناف العلاقات الإيرانية السعودية، هو “دليل حاسم” على أن الهدف الأساسي من الاتفاق هو “إلحاق الأذى بإسرائيل”.
كما أن ترحيب واشنطن ودول أوروبية بذلك يشير، بحسب المحلل السياسي، إلى “مؤامرة دولية تسببت بها الاحتجاجات ضدّ مشروع التعديلات القضائية، التي تريد حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إنجازها”.
وأضاف: “بينما تحاول إسرائيل لعب دور دفاعي على الساحة الدولية حالياً منتقدة الاتفاق، فإن الأسد ونصر الله ينتظران جني ثماره”.
وحول الفوائد التي سيجنيها النظام السوري، قال باريل إن أبرزها هو عودته للساحة العربية والدولية، خاصة أن بعض الدول العربية ومن بينها مصر وتونس والإمارات، تتجه لتعزيز علاقاتها مع النظام السوري مؤخراً.
أما الفوائد التي سيجنيها “حزب الله”، تتلخص في أن الاتفاق الإيراني- السعودي قد يُسهم بتعجيل انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، يكون داعماً للحزب وموالياً للنظام السوري، وسط تسليط الضوء على سليمان فرنجية الذي طُرح اسمه من قبل “حزب الله”.
وتطرقت “هآرتس” في تقريرها إلى المحادثات التي تجري بين تركيا والنظام السوري، بوساطة روسية، واعتبرت أن التوصل لاتفاق بين الطرفين قد يعطي نفساً اقتصادياً للسوريين، ويؤمن لتركيا “جداراً أمنياً” ضد الكرد في سورية.
كل ذلك، بحسب المحلل الإسرائيلي زيفي باريل، يضع إسرائيل أمام واقع جديد بصورة جديدة ومختلفة تماماً.
وكانت إيران والمملكة العربية السعودية أعلنتا الاتفاق على استئناف العلاقات الدبلوماسية المقطوعة منذ عام 2016، بوساطة صينية، بحيث تعيد إيران والسعودية فتح السفارات في البلدين في غضون شهرين.
كما اتفق البلدان على إعادة تفعيل اتفاقية تعاون أمني منتهية – وهو تحول يأتي بعد سنوات من استهداف الميليشيات المدعومة من إيران في اليمن للسعودية بهجمات بالصواريخ والطائرات بدون طيار – بالإضافة إلى الاتفاقات التجارية والاستثمارية والثقافية القديمة.
ومن المتوقع أن تتأثر دول عدة بهذا الاتفاق، الذي جاء في وقت مفاجئ وغير متوقع، ومن بينها: سورية واليمن وإسرائيل ولبنان والولايات المتحدة.
وقطعت السعودية علاقاتها مع إيران في يناير/ كانون الثاني 2016، بعد تعرض سفارتها في طهران وقنصليتها في مشهد، لاعتداءات من قبل محتجين على إعدام الرياض رجل الدين السعودي الشيعي المعارض نمر النمر.
—————————-
=================
تحديث 12 أذار 2023
———————
ماذا لو توافرت الإرادة الدولية؟/ عبسي سميسم
بالتوازي مع النجاح الروسي المستمر في إعادة تعويم النظام السوري دولياً، ومع تغاضي الأمم المتحدة عن جرائم النظام، وزيادة تواصلها معه بدعوى الوضع الإنساني، تعزو تحليلات سبب توقف الحل السياسي للقضية السورية وفق القرار 2254، إلى عدم توافر الإرادة الدولية للمضي قدماً بهذا الحل، وإلى تراجع القضية السورية إلى أدنى سلم أولويات الولايات المتحدة والدول الغربية، وتصدّر ملفات أخرى، كالحرب الروسية على أوكرانيا.
إلا أن السؤال الأهم الذي يُطرح، ماذا لو توافرت الإرادة الدولية لحل القضية السورية، فهل من الممكن فعلاً تطبيق القرارات الأممية المتعلقة بهذا الحل، ومن هو الطرف أو الأطراف التي ستشرف على تطبيقه، خصوصاً في الطرف المعارض الذي يطالب بشكل دائم بتطبيقه؟
الجهتان الرئيسيتان التمثيليتان للمعارضة سياسياً هما الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، والهيئة العليا للتفاوض، وهما جهتان لا تتمتعان بأي حاضن شعبي ضمن مناطق سيطرة المعارضة. كما أنهما منفصلتان بشكل شبه تام عن الحامل العسكري لها، الأمر الذي يجعل منهما غير قادرتين على تطبيق مخرجات أي اتفاق قد يتم التوصل إليه. طبعاً هذا عدا عن تحكّم الدول التي تحتضنهما بمعظم قراراتهما.
كما تسيطر “هيئة تحرير الشام” (النصرة سابقاً) على القرار السياسي والعسكري في مساحة واسعة من مناطق سيطرة المعارضة (محافظة إدلب) والتي يشكل وجودها عثرة في وجه تطبيق أي حل سياسي.
أما الجهة التمثيلية العسكرية التي من المفترض أنها الذراع المعني بتطبيق مخرجات أي قرار على الأرض، فهي عدا عن كونها ليست لديها أي سيطرة في محافظة إدلب، فهي مكونة من فصائل متناحرة تشهد صراعات في ما بينها بشكل يومي، على الرغم من انضوائها صورياً تحت ما يسمى “الجيش الوطني”. كما أنها منفصلة جزئياً عن الحاضن الشعبي أيضاً، وتتبع كلياً لتركيا، سواء لناحية التمويل أو لناحية القرارات المصيرية. هذا الأمر يجعل تلك الفصائل غير مخوّلة لتكون ضامنة لتطبيق مخرجات أي اتفاق.
كما أن الجهة التنفيذية لمناطق المعارضة، أي الحكومة المؤقتة، تمتلك سلطة صورية في تلك المناطق، بسبب عدم الاعتراف بها دولياً كحكومة مؤقتة، وعدم قدرتها على استصدار وثائق رسمية، إضافة إلى عدم امتلاكها ميزانيات لتنفيذ مشاريع.
هذا الواقع الحالي للمعارضة يشي بأنّ الحلّ السياسي في سورية لا يرتبط فقط بتوافر الإرادة الدولية لتطبيق القرارات الأممية، وإنّما يصطدم بتواطؤ المجتمع الدولي على الثورة السورية منذ البداية، وتحويل الجهات التمثيلية لها إلى هياكل غير قابلة للحياة أو أن تكون طرفاً في أيّ حلّ.
العربي الجديد
———————–
تعويم النظام وإغراق سوريا/ د. فيصل القاسم
معظم الأمم تستغل كوارثها وكبواتها التاريخية لتنهض أقوى مما كانت عليه قبل الفواجع والانهيارات، لا نريد طبعاً أن نقارن بلادنا بألمانيا أو اليابان اللتين نهضتا بعد الحرب العالمية الثانية من تحت الأنقاض لتصبحا أعظم وأرقى بلاد العالم في كل شيء تقريباً، بل دعونا نستذكر بلداً أفريقياً محسوباً على العالم الثالث مثلنا، ألا وهو رواندا الذي شهد حرباً أهلية أتت على الأخضر واليابس وأدت إلى مقتل مئات الألوف من أبنائه، لكن تلك الدولة استطاعت أن تنهض من تحت ركام الحرب والدمار لتصبح مضرباً للمثل في التقدم والنظافة والحكم الرشيد.
لماذا خرجت رواندا من تحت الرماد ونمت وازدهرت من جديد، بينما في كل حالاتنا العربية حتى الآن، لم يخرج أحد من الحفرة بعد أن سقط فيها، بدءاً بالصومال مروراً بالجزائر ولبنان والعراق وسوريا وليبيا وتونس واليمن والسودان إلى آخر قائمة التخلف والخراب. نحن الوحيدون الذين ننتقل من تحت الدلفة إلى تحت المزراب. لماذا؟ لأننا بعد الكوارث لا ننظف جروحنا من العمل والصديد ونضمدها بالشكل الصحيح بحيث تلتئم لاحقاً بشكل صحي. وبدلاً من ذلك، نحاول دائماً أن نخيط الجروح وهي مليئة بالبكتيريا والدمامل والأورام، ظناً منا أن عملية تخييط الجرح وحدها كفيلة بشفائه لاحقاً. كل البلدان التي انهارت ثم بنت كيانها الجديد فوق الخراب والركام والقيح لن تتعافى وستنهار مرات ومرات، لأن ما بُني على باطل فهو باطل.
وكي لا نسرد كل التجارب العربية المتقيحة حتى الآن، سنكتفي بالمثال الجزائري قبل أن ندلج إلى المأساة السورية، ففي تسعينيات القرن الماضي شهدت الجزائر عشرية سوداء بكل ما في الكلمة من معنى بعد انقلاب الجيش على أول تجربة ديمقراطية في البلاد بدعم من مشغليه الغربيين طبعاً، خاصة وأن الفائز في الانتخابات المغدورة وقتها كانت جبهة إسلامية، فرصّ الجنرالات صفوفهم بالتعاون مع كفلائهم في الخارج، ليحرقوا الأخضر واليابس في البلاد كي يبقوا في السلطة بدعم من أسيادهم، فكانت النتيجة أن الجزائر خسرت أكثر من ربع مليون من أبنائها حسب التقديرات الرسمية، مما يعني أن العدد يمكن أن يكون مضاعفاً مرات ومرات، ناهيك عن المفقودين وإعادة البلاد عقوداً إلى الوراء على الأصعدة كافة. ماذا حصل بعد أن وضعت الحرب أوزارها؟
هل استفاد النظام من التجربة ليبني دولة جديدة قائمة على العدل والديمقراطية، أم إنه نجح بتواطؤ عربي ودولي أن يعود أسوأ مما كان، فعاد الفقر والقهر والظلم والاستبداد والفساد ليضرب البلاد والعباد من جديد، فانتفض الشعب منذ سنوات، ومازال منتفضاً، وحتى لو هدأ قليلاً، فإنه بالتأكيد سيعود ثانية إلى الشوارع لأن هناك ألف سبب وسبب كي يعود.
واليوم وبتواطؤ عربي ودولي تُعاد الكرّة في سوريا استنساخاً للتجربة الجزائرية، مع الاعتراف طبعاً أن الكارثة السورية تفوق الكارثة الجزائرية بعشرات المرات، فعدد الشهداء السوريين يتجاوز المليون، وهناك مئات الألوف من المفقودين والمعتقلين، ناهيك عن نصف الشعب بين نازح داخلياً ولاجئ خارجياً، أضف إلى ذلك، بلدا مدمرا يحتاج إلى مئات المليارات كي يعود سيئاً كما كان قبل الثورة. هرش النظام وشركاؤه العرب والإقليميون والدوليون رؤوسهم، وصاحوا: وجدتها، وجدتها، تعالوا نضمد الجرح السوري على الطريقة الجزائرية، بكل ما فيه من صديد وقيح وعمل وإنتان وتفسخ وتحلل وبكتيريا، ونحافظ على النظام الحاكم بكل موبقاته وفساده وانحطاطه وهمجيته. هذا هو الذي يحصل اليوم في سوريا بالضبط. ليس هناك أي نية لا داخل النظام ولا على الصعيد العربي أو الدولي في انتشال سوريا من كارثتها التاريخية ووضعها على الطريق الصحيح للتعافي والنهوض، لا أبداً بل هناك محاولة مفضوحة من العرب والعالم لإطالة أمد الكارثة والإمعان بالتنكيل بالسوريين في الداخل والخارج، فوضع السوريين داخل البلاد أسوأ بعشرات المرات من حتى وضع اللاجئين خارج سوريا، فقر مدقع وظلم واضطهاد وتجويع وتركيع وقهر وتسلط وفوضى وغلاء يطاول عنان السماء وانعدام لكل أساسيات الحياة بأبسط مظاهرها. هل الحل برأيكم تعويم نظام فشل في إدارة سوريا عندما كانت في أحسن أحوالها، فكيف تتوقعون منه أنه يدير سوريا وهي في أسوأ أحوالها؟ هل تأتمنون من دمر البلاد بكل أنواع السلاح وشرد العباد بالملايين أن يعيد إعمارها ووضعها على الطريق الصحيح؟ ألم تسمعوا بالمثل الشعبي البسيط: «الذي يجرّب المجرّب عقله مخرّب»؟ نحن متأكدون أن عقل من يحاول إعادة تدوير النظام الحاكم في دمشق عقله ليس مخرباً أبداً، بل إن عقله همجي ووحشي على أقل تقدير، لأنه يضرب بمأساة شعب ووطن كامل عرض الحائط كي يعيد تأهيل نظام لا يمكن إعادة تأهيله، فليس كل القمامة صالحة لإعادة التدوير أصلاً في علم «الريسايكلينغ» ومنه طبعاً النظام الحاكم في سوريا.
فهل من يتقاطر على دمشق اليوم بحجة إعادة سوريا إلى الحضن العربي يريد الخير فعلاً للسوريين، أم إنه يتربص بهم شراً، ويريد تكريس محنتهم وإطالة أمدها وتعميق جروحهم والإمعان في إبادتهم وتهجيرهم، فبقاء هذا النظام ودعمه فوق حطام سوريا وآلام شعبها، سيهجر المزيد من السوريين من بلدهم، ولن يعود أحد من ملايين اللاجئين الهاربين أصلاً من جحيم النظام وجلاوزته وعصاباته الإجرامية. من يحاولون إعادة تدوير النظام في سوريا هدفهم الرئيسي إبقاء الوضع الكارثي في سوريا على حاله. هم يريدون فقط الاستمرار في ذبح السوريين والتنكيل بهم. والرسالة الموجهة للسوريين اليوم: ها نحن أعدنا تأهيل نظامكم، والباقي عليكم. أي غسلنا أيدينا من أزمتكم، فاقلعوا شوككم بأيديكم. لا تصدقوا أي نظام يتقرب من بشار بحجة دعم سوريا. العبوا غيرها. أنتم ألد أعداء سوريا والسوريين. والتاريخ لا ينسى. والمضحك في الذين يحاولون إعادة الحياة إلى النظام أن معظمهم يقود دولاً فاشلة وشعوباً جائعة منتفضة وبلداناً انهارت أو على وشك الانهيار. والغريق لا يمكن أن ينقذ الغريق. إنه تحالف المنهارين، على مبدأ» التم المتعوس على خايب الرجا».
رسالة للذين يتوافدون على دمشق لدعم طاغية الشام كما جاءت في أحد المنشورات على فيسبوك:
«التنفس الصناعي للميت سريرياً نتيجته إطالة عذابات أهل الميت ومن يفعل ذلك مجرم لا يستحق سوى اللعنات». أيها المتهافتون على أبواب بشار: نحن نعرف أهدافكم جيداً، تريدون تعويم العصابة وإغراق سوريا.
كاتب واعلامي سوري
القدس العربي
————————
الضحك والكارثة السوريّة/ عمر الشيخ
أصدر الشّاعر السوريّ الرّاحل بندر عبد الحميد، في 1990، كتابه الشعريّ “الضحك والكارثة”. هل كان يحاول تسجيل قراءة في المُخيّلة السوريّة لحدثٍ يمكن أن يضرب في حاضرنا اليوم؟… مع الوقائع الجديدة، سيكون للكارثةِ وجهٌ آخر، هو نظام البعث في سورية، كما سيكون للضحك روحٌ لامباليةٍ فوق دمار البيوت وأنقاض الضحايا، دلالة على عُمق الكارثة التاريخيّة التي تعيشها البلاد منذ عقود.
قد يأخذ الضحك في أمكنة أخرى لدى هذا النظام شكل أداة ساخرة من موت الناس، إذ لا تغيب عن الذاكرة صور مجزرة داريّا في أغسطس/ آب 2012، في ريف دمشق، وتضمّنت تغطيتها التلفزيونية مقابلة مذيعة اسمها ميشلين عزار مع امرأة من سكان داريا، كانت تستند إلى رخامة قرب أحد قبور نُبشت قبيل انتهاء المجزرة، ويبدو أنها تلفظ أنفاسها الأخيرة، بينما تسألها المذيعة عن شعورها بعد انتصارات جيش الأسد على “الإرهاب”!
بقي المشهد جزءاً من مأساةِ التشويه التي تساهم فيها آلة إعلام النظام، تشويه الحقائق، طمس الأدلّة التي تدين ذاك الجيش، إنّه قتلٌ موثّق وكلّ الشّهود على الأرض شركاءٌ في الجريمة على نحوٍ ما. وكان هذا الإعلام الذي يزايد على مهاراته في تبرير القتل شريكاً أيضاً لظهور بشار الأسد، أخيراً في حلب، بعد أيامٍ من ضربة الزلزال، كأنه يكتب فصولاً جديدة في الإرهاب الروحيّ الذي يعيشه السوريون من لامبالاة حكوماته، بالاهتمام بحياتهم وخدمتهم.
قرّر الأسد الذهاب إلى مواقع ادّعى إعلامه أنّه زارها للاطّلاع على ما حدث، بيد أنّ الزيارة تكللت بظهوره يبتسم، كأنّه في تدشين موتٍ جديدٍ للسوريين، وما الذي يمكن للتاريخ أن يتذكّره من وقفات لهذه السلطة المتمثلة بذاك الرجل؟ سلوك الأسد الطبيعيّ، حسب شخصيته، يساوي بعنفه الكوارث الطبيعيّة. لا يقيم وجه الطاغية وزناً لفاجعة أرضيّة، لم يكن متأسّفاً أمام آلاف البيوت التي دمّرها الزلزال. هكذا بدت الصورة. كما لم يكن متأسّفاً من مئات من طلعات جيشه الجوية سنوات لطرد المعارضين من مدنهم وتهجير الناس.
انكبّت عشرات التقارير والمقالات تبحث في كيفية قراءة تصرّفٍ كهذا أمام الكاميرات والبيوت المدمّرة: الضحك. كان يبتسم في توقيت كارثيّ، علماً أنّ شيئاً لم يتغيّر، منذ ضحكه على الضحايا في أول خطابٍ له بعد بداية الثورة السورية، مارس/ آذار 2011، كان ينزع إلى الهروب من “الإنشاء العاطفيّ”، مدّعياً إدراكه المؤامرة التي يحضّرها “الأعداء من أجل ضرب استقرار سورية”، لكن ذلك لم يكن ينقصُه سوى ضحكته تلك، وتصفيق مجلس الدمى (مجلس الشعب) الذي لا تحرّكه دماء السوريين المتساقطة.
أكثر ما وجده النظام السوريّ في كارثة الزلزال تجميد بعض العقوبات المتعلقة بالحركة المالية للمساعدات الإنسانيّة، والتي تُبرز صورة أخرى من الانتهازيّة السياسيّة لدى حكومة النظام التي لا تعنيها المسائل الإنسانيّة بقدر ما يهمها كسر العزلة الدولية، سياسياً، ولو من بوابة المساعدات الإنسانية، مؤقتاً وعلى حساب السوريين.
ما بين الضحك والانتهازيّة تظهر صورة نظام البعث ماثلة في قطعٍ تركيّبية من صور الضحايا على شاشة تؤرّخ للذاكرة، تدعمها “انتفاضة” دبلوماسيّة غير مسبوقة من دول عربية تحارب أنظمتها أي طموحات لشعوبها الحالمة بربيع إسقاط الطغيان، كان الشعور يتجاوز مفهوم التواطؤ ويضع كلّ من عارض الأسد في خانةٍ تاريخية جديدة بعيداً عن سورية ما بعد الزلزال.
كان عمر رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي 30 عاماً حين بدأت الثورات العربية أواخر 2010، ربما كان يحلم بلقاء بشار الأسد. وها قد دعاه الأخير ليسمع منه تصريحاً من هذا النوع: “الاتحاد البرلماني العربي لن يدّخر جهداً من أجل عودة الدور المؤثر والفاعل لسورية على الساحة العربية” (…) ثمّ، وهنا مربط الفرس، مناسبة الزيارة لتقديم المساعدات لمتضرّري الزلزال عبر حكومة النظام، حيث قال الحلبوسي إنّ “العراق سيواصل تقديم كلّ المساعدة الممكنة لدعم جهود الحكومة السورية في إغاثة المتضررين من الزلزال”. وسوف يشجّع ذلك التنسيق السياسيّ مسؤولين عرباً كان لديهم شبهُ تخوفٍ من الظهور أمام شعوبهم داعمين لتعويم نظام الأسد. هكذا يذهب وزير الخارجية المصري سامح شكري أيضاً ويلتقيه الأسد، وينقل إلى نظيره فيصل المقداد رسالة “التضامن مع سورية بمواجهة تداعيات الزلزال”. وبالتزامن، نشرت صفحة فرقة “كورال روح الشرق” المصرية مقطع فيديو على صفحتها في “فيسبوك” تنشد فيه “حماة الديار عليكم سلام” موجّهاً إلى الجيش الذي لم يخدم سوى عائلة الأسد، وكان يحمي طغيان رئيسه، تاركاً سماء سورية تتلوّث بطيران روسيا الحربيّ إلى جانب صواريخ إسرائيل واستهدافها المتكرّر والمستمر المسؤولين الإيرانيين في مربعات الأسد الأمنيّة، في العمق السوريّ الذي يدّعي هؤلاء “الحُماة” أنّهم يهتمون لأمر سكانها.
سبقت ذلك زيارة الأسد حليفته العربية الأبرز، عُمان، وقالت تقارير إعلام النظام إنها “زيارة عمل”، وضمنها كان التصريح الواقعي للأسد “الشكر الأكبر لوقوف عُمان إلى جانب سورية خلال الحرب الإرهابيّة عليها”. وهنا عُدنا إلى الخطاب الإعلاميّ إياه، والنتيجة أن كلّ من يعارض بشار “إرهابيّ”، وهذا ضحك قديم علينا.
إذاً، نحن أمام طرق جديدة للضحك على آلام السوريين ونسيان مأساتهم الأساسية، وجود هذه السلطة العسكريّة المدعومة من حلفاء نظام دمشق، روسيا وإيران. ومهما كانت صور التبرّعات التي غطس فيها أبناء بشّار الأسد، والذين يروّجون نشاطهم بالمشاركة الإغاثية التي تسعى إلى تغطية استثمار الأسد، السياسيّ، للزلزال، فإنّها لن تغيّب حقوق مئات آلاف من السوريين خسروا حياتهم وبلدهم لتتمدّد تلك السخرية فوق قضيتنا، وليس ثمّة من يوقِفها.
العربي الجديد
————————
ما الذي ستشهده دمشق خلال الفترة المقبلة في ظل الزيارات المكثفة لها والتصريحات المتتابعة بضرورة عودتها لحاضنتها العربية؟
دمشق ـ نورث برس
كان للزلزال وجه آخر بالنسبة للشعب السوري ونظامه أيضاً، ففي حين يتوق الشعب إلى أي تحسن في العلاقات العربية والدولية، علّه يمكنه من الخروج من مستنقع الفقر الذي يعيش فيه منذ عقد، كان الزلزال بالنسبة للحكومة، فرصة لحضور جديد على الساحة العربية والدولية، فبدء التنسيق معها لإيصال المساعدات للمتضررين، يوحي ببداية علاقات عربية ودولية جديدة
وهذا ما ينظر إليه المعارضون بمختلف انتماءاتهم بأنه نوع من تعويم النظام الذي كان يعيش الحصار والمقاطعة منذ عقد من الزمن، بينما يراه آخرون بأنه لن يكون هنالك أي تحسن بالعلاقات السياسية قبل أن تتحقق مصالح الدول المعنية بالصراع في سوريا
فهل يكون الزلزال هو بداية انعتاق النظام في سوريا مما يعيشه؟
ما زال بعيداً
الإعلامي المختص في المجال السياسي أنيس حمزة (اسم مستعار) قال في تصريح لنورث برس، إن حادثة الزلزال كانت الباب، لإظهار طبيعة العلاقات الدولية والإقليمية مع النظام في سوريا . وكانت مناسبة لكشف بعض ما كان يُعمل عليه في السنوات الأخيرة بخصوص الأزمة السورية
وأضاف حمزة أن كل حرب تنتهي بتفاوض وبحل سياسي، إلا أن هذا الحل في سوريا ما زال بعيداً عن التبلور ، رغم كل ما يتم تداوله في الإعلام، وما يجري من زيارات وجولات واتصالات
ولفت حمزة إلى أن الأزمة في سوريا ما زالت معقدة وبعيدة عن حل حقيقي ، وخطوات التقارب يمكن أن تكون نوعاً من التفاوض بين القوى ذات التأثير في القرار السياسي السوري، وذات الحضور الفعلي على الأرض في سوريا
وأشار الإعلامي إلى أن المصالح المتضاربة لتلك القوى هي التي تجعل الأزمة أكثر تعقيداً ، فالحل الذي يرضي جميع الأطراف الفاعلة ما زال صعب التحقق ، وخاصة ما يتعلق بالحضور الإيراني في سوريا، وإن كانت المعلومات التي نشرتها اليوم وكالة تسنيم الإيرانية عن الاتفاق على استئناف العلاقات الثنائية بين السعودية وإيران، سيكون له تأثيره بالتأكيد على الأزمة في سوريا، فيما يتعلق بدور القوتين الإقليميتين في الأزمة السورية
رسائل نارية
وإن كانت معظم القوى الفاعلة لا ترحب بدور إيراني في سوريا، كما أن إسرائيل توجه رسائل نارية بهذا الخصوص، إذ إنها تواصل استهداف مراكز الوجود الإيراني في سوريا منذ سنوات، ولا تكتفي بالإدانات أو المواقف السياسية
وهو ما يشير إلى رفض إسرائيل المطلق لهذا الأمر، وهو رفض تدعمه الولايات المتحدة، التي تضغط أيضا باتجاه إخراج إيران من سوريا، حسب قول الإعلامي السياسي
وأشار حمزة إلى أن الكوارث الطبيعية لا تدفع الدول إلى تغيير سياساتها، بل تكون فرصة لإظهار أي تحول في العلاقات بين الدول ، وهو ما بدا مؤخراً في سوريا، نتيجة المساعدات التي وصلت إلى هناك، من دول عدة
وهذا الأمر ما كوّن انطباعاً يشير إلى تغير، أو بداية تغير، في المواقف الدولية من الأزمة السورية، لكن الواقع أن الاتصالات والتفاوض بين القوى المؤثرة في سوريا لم تنقطع يوماً، لكنها حتى الآن لم تصل إلى حل، أو بداية حل تتفق عليه جميع القوى، ويحقق في الآن ذاته مصالحها جميعاً
قضايا محددة
فهل يمكن أن يكون هناك تحول باتجاه النظام في دمشق؟ يجيب حمزة أن هذا لن يحدث، ما لم تكن هناك توافقات على قضايا محددة كانت تُطلب من النظام طوال السنوات الماضية، وبينها موقفه من إيران، وموقعه ضمن سياساتها الخارجية، وهو ما لم يبدو أن ثمة أي تغير فيه ، وربما كانت زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الأخيرة إلى سوريا، رسالة واضحة في هذا الخصوص
بل إن الرسالة الأهم هي أن عبد اللهيان بدأ زيارته من اللاذقية، قبل أن يتوجه إلى دمشق، وهو ما ليس شائعاً في العلاقات الدبلوماسية بين الدول، فالعاصمة غالباً هي التي تكون محطة الزيارة، وليس محافظة ضمن الدولة
ارتباط كبير
وفي السياق ذاته، قال رجل الأعمال المعارض فراس طلاس، نجل وزير الدفاع السوري الأسبق مصطفى طلاس، إن التطبيع مع الأسد حديث الساعة، لكنه بين أنه لا يؤمن به نهائياً
وأضاف طلاس في منشور على صفحته على فيس بوك، أن القصة ليست في أن الدول العربية تريد التقارب مع سوريا، فهناك بعض الدول العربية الوازنة تريد دوماً التقارب مع سوريا، وتريد دوماً أن يكون لها دور في دعم الشعب السوري، وأيضاً الحكومة السورية فيما لو اتجهت بشكل منطقي
لكن القصة برأيه، في التطبيع هي أن الأسد مرتبط بإيران أكثر بكثير مما تعتقدون، وأصبح هو الرديف الآخر لرئيس حزب الله اللبناني حسن نصر الله ، حسب قول طلاس، وبذلك لا هو يقبل ولا يستطيع أن يكون أي تطبيع ثمنه ابتعاده ولو قليلاً عن إيران
ونشر طلاس أيضاً، أن الأحاديث بين ضباط المخابرات الأسدية ، وضباط المخابرات في بعض الدول العربية الوازنة يدور حول وجوب تقربهم من إيران، وليس وجوب ابتعاده عن إيران. لأنهم يعلمون أن الرئيس السوري غير قابل وغير قادر على أي ابتعاد عن إيران
إعادة تأهيل
في حين قال المحلل السياسي محمد هملو، لنورث برس، إن الخطوات التي يشهدها العالم منذ كارثة الزلزال، باتجاه إعادة التواصل مع النظام السوري، لم تكن وليدة لحظتها، بل هي نتيجة سنوات سابقة من التحرك في ذلك الاتجاه، ولم يكن الزلزال سوى المناسبة للإعلان عن ذلك
الدول المعنية بالشأن السوري، وحتى تلك التي كانت تعارض بقاء الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه، صارت على قناعة بأنه لا بديل عن هذا النظام، وخاصة وسط عجز المعارضة عن إيجاد البدائل، ولهذا أسبابه الكثيرة
ويعتقد هملو أن الأزمة السورية تتجه نحو إعادة تأهيل الأسد ، في مرحلة أولى، ثم محاولة تشذيب النظام ، عبر إعادة خلق شكل جديد للنظام وتوزيع سلطات الرئيس، بحيث يكون فيه للمعارضة حصة غير وازنة
مؤشرات التقارب العربي باتجاه دمشق، لا تظهر فقط بمواقف مصر والإمارات، والجزائر، والعراق، بل أيضا في السعودية التي لا يمكن أن تسمح بتقاربات كتلك إن لم تكن تدعمها، ولو بشكل غير معلن، حسب هملو
ويعتقد أن ما سيقدم صورة أكثر وضوحاً في هذا الشأن هو مؤتمر بروكسل القادم للمانحين، والمقرر في 20 من الشهر الجاري، إذ أن مشاركة سوريا، أو الهلال الأحمر السوري، في المؤتمر سيشكل ما يمكن وصفه بـ الاعتراف الأوروبي بالأسد، وإعادة تأهيله
إعداد: ليلى الغريب ـ تحرير: قيس العبدالله
—————————
هل تعيد الرياض علاقتها مع دمشق/ فراس رضوان أوغلو
لم تقتصر تداعيات الزلزال المدمر في جنوب تركيا وشمال سوريا على تسريع وتيرة المساعدات الإنسانية فحسب، بل طالت تلك التداعيات وتيرة الحراك السياسي بين دول كانت قد قطعت علاقاتها مع النظام في دمشق لتشهد تطورات ملحوظة على صعيد بوادر عودة العلاقات بين تلك الدول والنظام، ولا شك أن المملكة العربية السعودية إحدى أهم تلك الدول.
على الرغم من وجود تصريحات وجهود دبلوماسية لإحداث تقارب بين الرياض وبين دمشق، إلا أن المملكة لم تتخذ خطوة واضحة المعالم إلا عقب الزلزال، وذلك من خلال إطلاقها لمنصة “ساهم”، في 8 فبراير/شباط 2023، وقامت بإرسال هذه التبرعات (وإن كان أغلبها ذهب لمناطق المعارضة وبعضها الآخر ذهب إلى مطار حلب) بالتنسيق مع الهلال الأحمر السوري، وهي خطوة لها ما لها من دلالات سياسية ولو أضفنا على ذلك ما تم الإعلان عنه من لجنة المتابعة والتشاور السياسي السعودية المصرية في الرياض في يناير/كانون الثاني عن دعم البلدين لـ “الحل السياسي في سوريا وفق القرار 2254 وضرورة دعم الحفاظ على استقلال سوريا ووحدة أراضيها، ومكافحة الإرهاب، وعودة اللاجئين والنازحين، والتوصل لحل سياسي للأزمة القائمة وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254 ” هذه الأمور تعطي انطباعاً أن الرياض في تغير نوعي في سياستها نحو دمشق.
مؤشر التقارب هذا سوف يعطي أبعاداً مختلفةً في المنطقة التي أجتاحتها كل أنواع عدم الاستقرار سواءً من العامل البشري أو الطبيعي مدفوعاً بعدد من المعطيات، أبرزها تخفيف التوتر في المنطقة التي عانت من الاحتراب الداخلي وانتشار الجماعات المتطرفة وتحول سوريا لساحة صراع بين إسرائيل والمليشيات الإيرانية، وفي حال توسع هذا الأمر قد تتحول الأمور لحرب إقليمية الكل في غنى عنها الآن، علاوة على ذلك تحاول الرياض ومن خلال هذا التقارب تحجيم النفوذ الإيراني في سوريا عبر ثقلها السياسي والاقتصادي وتسير في ركب التغيرات في المنطقة وخاصة بعد مساعٍ روسيا لإعادة العلاقات التركية السورية نتيجة ضغط ملف اللاجئين على السياسة الداخلية التركية، وهي خطوات تأتي ضمن اتفاقات استراتيجية تجمع بين هذه الأطراف، كل هذه التحركات تعزز الدوافع السعودية نحو تفعيل دورها والتعاطي مع التغيرات الإقليمية القائمة من أجل حماية مصالحها.
على مدار عقد من الزمان عانى النظام السوري من عزلة خانقة أثرت في مختلف مناحي الحياة، وتمثل عودة العلاقات مع الرياض فرصة سانحة لتحقيق جملة من الأهداف، أبرزها أنه في هذا التقارب يكسر حالة العزلة الإقليمية التي عانى منها وتساعده في تسريع عملية التطبيع للعودة إلى جامعة الدول العربية ويحيّد قدر الإمكان من دعم المملكة للمعارضة السورية وخاصة على الصعيد السياسي والإعلامي عالمياً من جهة أخرى يمكن أن يكون للسعودية دور مهم في عودة النظام السوري إلى المنظمات والمحافل الدولية.
لا يمكن القول إن الطريق لعودة العلاقات مُعبد بهذه السهولة فالعقوبات المفروضة على النظام في دمشق ذات بعد دولي، بمعنى ليس من السهولة تجاوزها من قبل الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، إذ ترتبط العقوبات بقانون قيصر المدعوم أوروبياً وتوجد كذلك عقوبات فرضت على النظام السوري نتيجة تقاربه مع إيران وروسيا اللتين تعانيان من وطأة العقوبات الدولية نتيجة الملف النووي بالنسبة لإيران وغزو أوكرانيا بالنسبة لروسيا، ولعل التقارب بين الرياض ودمشق ستتخلله خطوط حمراء قد لا يقبل بها النظام في دمشق.
تلفزيون سوريا
————————–
التطبيع العربي مع نظام الأسد.. وإيران/ أحمد عيشة
في أعقاب يوم الإثنين الدامي، بعدما ضرب زلزال كبير مناطق عدة في جنوبي تركيا وشمالي سوريا، حيث يعيش نحو خمسة ملايين إنسان نصفهم فارّون من بطش نظام الأسد، ودمّرَ مئات آلاف المنازل، وقُتل فيه عشرات الآلاف، وتشرّد نحو مئتي ألف إنسان لجؤوا إلى الخيام أو إلى العراء في هذه الظروف القاسية؛ اتخّذ بعض الرؤساء والملوك تلك المأساة ذريعةً لفتح قنوات الاتصال مع رأس النظام الأسدي المجرم، في مسعى لإعادته إلى حظيرة الأنظمة العربية “المستقرة”، بهدف “إبعاد” هذا النظام عن إيران، التي تشكل تهديداً جدّياً لسوريا وعموم المنطقة، حيث كانت إيران على مدار تاريخ الجمهورية الإسلامية عامل عدم استقرار، ومصدر تهديد لتلك الكيانات، بل ذهبت حتى تفتيت الجماعة العربية.
لم يكن ما لجأ إليه الرؤساء والملوك والسلاطين، من تدافع نحو رأس النظام الأسدي، بدافع الحرص على حياة واستقرار السوريين الذين عانوا طيلة اثني عشر عاماً من إجرام نظام الأسد، وأضعاف ما يعانونه اليوم من كارثة الزلزال، فعدد من قتلهم النظام يعادل أكثر من عشرة أضعاف من ماتوا نتيجة الزلزال، وأعداد من شردهم بلغت الملايين، فضلاً عن المعتقلين الذين يصل عددهم إلى مئة ألف معتقل، وإنما كان بسبب أن هذه الأنظمة تسعى إلى الحفاظ على سلطاتها، وتبحث عن دور جديد لها وسط التغيرات التي تعصف بالمنطقة، سواء على الصعيد الإقليمي أو الدولي، وسط القلق بخصوص الاتفاق النووي مع إيران والغزو الروسي لأوكرانيا.
ومن حيث قراءة ما يجري من صراعات وتقلبات في النظام الدولي والإقليمي، وخاصة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، ودور إسرائيل وإيران ضمن هذه الصراعات، يعود اليوم اهتمام أميركا إلى المنطقة وخاصة العسكري، بعد أن تراجع في فترة سابقة نتيجة لحسابات المصالح الأميركية، والانتقادات التي وجهتها لتلك الدول بما يخص قضايا حقوق الإنسان، وهو ما دفع بعض الأنظمة العربية إلى التقارب مع روسيا بوتين، التي عرضت تقديم الدعم الكامل لأشد أشكال الأنظمة قمعاً وفساداً، وهي الفكرة التي راقت لتلك الأنظمة الفاسدة، حيث تباعدت قليلاً عن السياسة الأميركية، لكن ليس ضدّها، إذ تدانت من حليف أساسي لأميركا: إسرائيل.
وعن دور روسيا في المنطقة، فقد انتهجت روسيا طريقاً حرجاً للغاية. فمن جهة، تعاونت مع إيران في سوريا، لكن علاقتها بها لم ترق إلى شراكة استراتيجية قائمة على فهم مشترك طويل الأمد للأهداف والتهديدات والمصالح، بل ثمة خلافات بينهما حول الترتيبات في سوريا. ومن جهة أخرى، أقامت روسيا علاقات جيدة مع إسرائيل، منافس إيران في النفوذ على البلاد العربية، حيث تسمح للطائرات الإسرائيلية بضرب أهداف إيرانية ومقار حزب الله في سوريا. هذا التوازن في خطر اليوم، خاصة عندما يتعلّق الأمر بإسرائيل ودول الخليج. حيث يسعى بوتين إلى الحفاظ على علاقته مع إيران، وفي نفس الوقت يجب عليه تطوير العلاقة مع الدول العربية التي تعدّ إيران تهديدًا.
يضيف هذا التعقيد في خريطة التصارع على المنطقة بُعداً أكبر لما يجري في سوريا، خاصة مع سعي الدول العربية نحو التطبيع مع نظام الأسد، المرتبط ارتباطاً وثيقاً مع نظام ولي الفقيه في إيران، المتوغل بشدة في سوريا على مستويات عديدة. ويبقى ما تسعى إليه الدول العربية نحو إعادة نظام الأسد مرهوناً بفكّ ارتباطه مع النظام الإيراني الذي تتقاطع مصالح دولية عديدة في الخلاص منه في المنطقة، حيث هو نقطة اتفاق بين دول الخليج وأميركا وإسرائيل وغيرها، ولربما يكون الخلاص من النفوذ الإيراني مقدّمة لتغييرٍ ما في سوريا، حيث لا يمكن لموقف روسيا، التي وضعت نفسها في الوسط، إلا أن يكون هامشياً، أمام التوافق الخليجي الإسرائيلي الأميركي.
رغم الدعم الهائل الذي قدمته روسيا وإيران إلى نظام الأسد، فإن سلطته على المنطقة الواقعة تحت سيطرته تتراجع، نتيجة لانهيار اقتصاده الوطني، حيث تعاني البلاد من غياب شبه كامل للخدمات، ومن ارتفاع صاروخي في الأسعار، وانخفاض مستمر في العملة، وهو ما يشير إلى أن داعميه لا يمكنهما إنقاذه في النهاية من الانهيار، وهذا ما يُشجعه على الانخراط مع المسعى العربي، والانضمام إلى الحلف الجديد، الذي يمكنه أن يوفر له المال والاستقرار، لكن هذا المسعى مرهونٌ بما ستقوم به إسرائيل خلال الفترة المقبلة تجاه إيران، التي تغلغلت بقوة في سوريا لدرجة حوّلتها إلى مركز للميليشيات ومستودع للأسلحة.
ما تشهده المنطقة هذه الأيام -بالترافق مع الطروحات العربية نحو التقارب مع نظام الأسد- وخاصة بعد زيارة رئيس هيئة الأركان الأميركية، الجنرال ميلي، لدول المنطقة بما فيها مناطق من سوريا، والزيارة اللاحقة لوزير الدفاع الأميركي، أوستن، وفتح المجال السعودي أمام الطيران الإسرائيلي، وأيضاً الأذربيجاني بعد التوترات المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني، يشير إلى احتمالية توجيه ضربة إسرائيلية مدعومة من الولايات المتحدة ودول الخليج، لإيران، يمكن أن تشكل البداية لإضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة، وخاصة سوريا، وهو ما يعطي معنى لهذا التقارب الذي ترهنه تلك الدول بفكّ ارتباط نظام الأسد عن إيران.
لا شك أن روسيا، بعد تورطها بغزو أوكرانيا والخسائر التي تتكبدها، باتت مُرهقةً، ولا يمكنها الدفاع عن إيران في سوريا، إن لم نقل أن لها مصلحة في تقليص نفوذها، مقابل فرص جديدة في المنطقة، ويبقى الرهان قائمًا: هل ستكون غاية تلك التقلّبات إجبار إيران على العودة للاتفاق النووي بشروط جديدة، وهو ما يُفقِد مسعى التطبيع العربي معناه، أم ستسمح روسيا لإسرائيل و”تؤيدها” في توجيه الضربة لإيران، ابتداء من سوريا، وهو الاحتمال الأرجح. وعلى الرغم من كلّ هذه الأحداث المتسارعة والمترابطة والمتداخلة، يظلّ مستقبل السوريين خارجَ جميع هذه المساعي، وبعيدًا عن كل تلك الحسابات، حيث باتوا موضوعًا بين يدي القوى الفاعلة والمؤثرة. وما ذلك إلا لضعف القوى المعارضة، الرسمية وغير الرسمية، التي لم تنجح في تحقيق أهداف الثورة، لأسباب يطول سردها وشرحها. ومن هنا يبقى علينا -السوريين- انتظار ما سيأتي به المستقبل الذي يصنعه غيرُنا.
تلفزيون سوريا
———————-
هل هناك توجهات نحو الانفتاح على “سوريا الأسد”؟
كان للزلزال وجه آخر بالنسبة للشعب السوري ونظامه أيضاً، ففي حين يتوق الشعب إلى أي تحسن في العلاقات العربية والدولية، علّه يمكنه من الخروج من مستنقع الفقر الذي يعيش فيه منذ عقد، كان الزلزال بالنسبة للحكومة، فرصة لحضور جديد على الساحة العربية والدولية، فبدء التنسيق معها لإيصال المساعدات للمتضررين، يوحي ببداية علاقات عربية ودولية جديدة.
وهذا ما ينظر إليه المعارضون بمختلف انتماءاتهم بأنه نوع من “تعويم النظام” الذي كان يعيش الحصار والمقاطعة منذ عقد من الزمن، بينما يراه آخرون بأنه لن يكون هنالك أي تحسن بالعلاقات السياسية قبل أن تتحقق مصالح الدول المعنية بالصراع في سوريا.
فهل يكون الزلزال هو بداية “انعتاق النظام” في سوريا مما يعيشه؟
ما زال بعيداً
الإعلامي المختص في المجال السياسي أنيس حمزة (اسم مستعار) قال في تصريح لنورث برس، إن حادثة الزلزال “كانت الباب، لإظهار طبيعة العلاقات الدولية والإقليمية مع النظام في سوريا”. وكانت مناسبة لكشف بعض ما كان يُعمل عليه في السنوات الأخيرة بخصوص الأزمة السورية.
وأضاف “حمزة” أن كل حرب تنتهي بتفاوض وبحل سياسي، إلا أن هذا الحل في سوريا “ما زال بعيداً عن التبلور”، رغم كل ما يتم تداوله في الإعلام، وما يجري من زيارات وجولات واتصالات.
ولفت “حمزة” إلى أن الأزمة في سوريا ما زالت “معقدة وبعيدة عن حل حقيقي”، وخطوات التقارب يمكن أن تكون نوعاً من التفاوض بين القوى ذات التأثير في القرار السياسي السوري، وذات الحضور الفعلي على الأرض في سوريا.
وأشار الإعلامي إلى أن المصالح المتضاربة لتلك القوى هي التي تجعل الأزمة “أكثر تعقيداً”، فالحل الذي يرضي جميع الأطراف الفاعلة “ما زال صعب التحقق”، وخاصة ما يتعلق بالحضور الإيراني في سوريا، وإن كانت المعلومات التي نشرتها اليوم وكالة “تسنيم” الإيرانية عن الاتفاق على استئناف العلاقات الثنائية بين السعودية وإيران، سيكون له تأثيره بالتأكيد على الأزمة في سوريا، فيما يتعلق بدور القوتين الإقليميتين في الأزمة السورية.
رسائل نارية
وإن كانت معظم القوى الفاعلة لا ترحب بدور إيراني في سوريا، كما أن إسرائيل توجه رسائل “نارية” بهذا الخصوص، إذ إنها تواصل استهداف مراكز الوجود الإيراني في سوريا منذ سنوات، ولا تكتفي بالإدانات أو المواقف السياسية.
وهو ما يشير إلى رفض إسرائيل المطلق لهذا الأمر، وهو رفض تدعمه الولايات المتحدة، التي تضغط أيضا باتجاه إخراج إيران من سوريا، حسب قول الإعلامي السياسي.
وأشار “حمزة” إلى أن الكوارث الطبيعية لا تدفع الدول إلى تغيير سياساتها، “بل تكون فرصة لإظهار أي تحول في العلاقات بين الدول”، وهو ما بدا مؤخراً في سوريا، نتيجة المساعدات التي وصلت إلى هناك، من دول عدة.
وهذا الأمر ما كوّن انطباعاً يشير إلى تغير، أو بداية تغير، في المواقف الدولية من الأزمة السورية، لكن الواقع أن الاتصالات والتفاوض بين القوى المؤثرة في سوريا لم تنقطع يوماً، لكنها حتى الآن لم تصل إلى حل، أو بداية حل تتفق عليه جميع القوى، ويحقق في الآن ذاته مصالحها جميعاً.
قضايا محددة
فهل يمكن أن يكون هناك تحول باتجاه النظام في دمشق؟ يجيب “حمزة” أن “هذا لن يحدث، ما لم تكن هناك توافقات على قضايا محددة كانت تُطلب من النظام طوال السنوات الماضية، وبينها موقفه من إيران، وموقعه ضمن سياساتها الخارجية، وهو ما لم يبدو أن ثمة أي تغير فيه”، وربما كانت زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الأخيرة إلى سوريا، “رسالة واضحة في هذا الخصوص”.
بل إن الرسالة الأهم هي أن “عبد اللهيان بدأ زيارته من اللاذقية، قبل أن يتوجه إلى دمشق، وهو ما ليس شائعاً في العلاقات الدبلوماسية بين الدول، فالعاصمة غالباً هي التي تكون محطة الزيارة، وليس محافظة ضمن الدولة”.
ارتباط كبير
وفي السياق ذاته، قال رجل الأعمال المعارض فراس طلاس، نجل وزير الدفاع السوري الأسبق مصطفى طلاس، إن التطبيع مع الأسد حديث الساعة، لكنه بين أنه “لا يؤمن به نهائياً”.
وأضاف طلاس في منشور على صفحته على فيس بوك، أن القصة ليست في أن الدول العربية تريد التقارب مع سوريا، فهناك بعض الدول العربية الوازنة تريد دوماً التقارب مع سوريا، وتريد دوماً أن يكون لها دور في دعم الشعب السوري، وأيضاً الحكومة السورية فيما لو اتجهت بشكل منطقي.
لكن القصة برأيه، في التطبيع “هي أن الأسد مرتبط بإيران أكثر بكثير مما تعتقدون، وأصبح هو الرديف الآخر لرئيس حزب الله اللبناني حسن نصر الله”، حسب قول طلاس، “وبذلك لا هو يقبل ولا يستطيع أن يكون أي تطبيع ثمنه ابتعاده ولو قليلاً عن إيران”.
ونشر طلاس أيضاً، أن الأحاديث بين ضباط المخابرات “الأسدية”، وضباط المخابرات في بعض الدول العربية الوازنة يدور حول وجوب تقربهم من إيران، وليس وجوب ابتعاده عن إيران. لأنهم يعلمون أن الرئيس السوري غير قابل وغير قادر على أي ابتعاد عن إيران.
إعادة تأهيل
في حين قال المحلل السياسي محمد هملو، لنورث برس، إن الخطوات التي يشهدها العالم منذ كارثة الزلزال، باتجاه “إعادة التواصل مع النظام السوري، لم تكن وليدة لحظتها، بل هي نتيجة سنوات سابقة من التحرك في ذلك الاتجاه، ولم يكن الزلزال سوى المناسبة للإعلان عن ذلك”.
الدول المعنية بالشأن السوري، وحتى تلك التي كانت تعارض بقاء الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه، صارت على قناعة بأنه “لا بديل عن هذا النظام، وخاصة وسط عجز المعارضة عن إيجاد البدائل، ولهذا أسبابه الكثيرة”.
ويعتقد “هملو” أن الأزمة السورية تتجه نحو “إعادة تأهيل الأسد”، في مرحلة أولى، ثم محاولة “تشذيب النظام”، عبر إعادة “خلق شكل جديد للنظام وتوزيع سلطات الرئيس، بحيث يكون فيه للمعارضة حصة غير وازنة”.
مؤشرات التقارب العربي باتجاه دمشق، لا تظهر فقط بمواقف مصر والإمارات، والجزائر، والعراق، بل أيضا في السعودية التي لا يمكن أن تسمح بتقاربات كتلك إن لم تكن تدعمها، ولو بشكل غير معلن، حسب “هملو”.
ويعتقد أن ما سيقدم صورة أكثر وضوحاً في هذا الشأن هو مؤتمر بروكسل القادم للمانحين، والمقرر في 20 من الشهر الجاري، إذ أن مشاركة سوريا، أو الهلال الأحمر السوري، في المؤتمر سيشكل ما يمكن وصفه بـ”الاعتراف الأوروبي بالأسد، وإعادة تأهيله”.
إعداد: ليلى الغريب ـ تحرير: قيس العبدالله
نورث برس
————————
اتفاق طهران- الرياض… سنتسلى قليلاً قبل أن تداهمنا الحروب مجدداً/ حازم الأمين
لن يطول الارتباك بانتظار انهيار وشيك للاتفاق، لكننا سنتسلى قليلاً قبل أن تداهمنا مجدداً حروب طهران والرياض في بلادنا.
“السعودية وإيران أعلنتا، عن توصلهما لاتفاق لإعادة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين والمقطوعة منذ 7 سنوات وذلك بوساطة صينية”! ولكن هل شمل الاتفاق الحروب الأهلية في اليمن ولبنان وسوريا والعراق وصولاً إلى فلسطين؟ الدولتان، مشعلتا الحروب الأهلية، وقعتا اتفاقاً سترسلان بموجبه سفيريها إلى عاصمتيهما. وفي هذا الوقت ارتفع منسوب التفاؤل على طرفي خط الانقسام السني- الشيعي الذي يشطر الإقليم.
الصدوع الأهلية أعمق من أن تلتئم في أعقاب اتفاقٍ، الأرجح أنه عابر، فالشقاق وصل إلى مناطق تقدمت معها المصلحة بالحرب على المصلحة بالتسوية. والصين أقل حضوراً في التفاصيل من واشنطن، والشراكات الاقتصادية على أهميتها، لا تكفي لرأب صدع أهلي لطالما استُحضر من قرون غابرة، ولنا بمسلسل معاوية مثال ونموذج.
الاتفاق برعاية صينية ولد من لا شيء! من هي الصين لكلا البلدين؟ شريك تجاري. هل هذا يكفي؟ الأرجح أن على المسارعين إلى التفاؤل، أن يتحلوا ببعض الروية. للسعودية حساب مع واشنطن، وفي الفترة الأخيرة مع أبو ظبي، وطهران مأزومة بسبب العقوبات الغربية. الصين ليست مخرجاً من الاختناقين، ولا تملك دالة على معظم خطوط النزاع.
المحتفلون الممانعون بالاتفاق، وغير الخجلين مما سيفضي إليه خطاب شيطنة آل سعود، يعتقدون أن ما حصل هو انتصار لـ”خيار الشرق”، أما المرحبون بـ”الإنجاز الصيني” من الجهة الأخرى، فهم لطالما غرقوا في “شبر من الماء”، وعادوا بعد غرقهم إلى مواقعهم خائبين.
على ماذا اتفقت السعودية وإيران؟ على إنهاء الحرب في اليمن؟ أم على رئيس للجمهورية في لبنان؟ ماذا عن الانقسام الفلسطيني، أم الاستعصاء السوري، وهل العراق جزء من الصفقة؟ هذه قضايا تحتاج إلى سنوات من التفاوض وإلى فِرق ووفود وتفاصيل ومباحثات تعقب إعلان الرغبة في تسويتها. لا يكفي أن تعلن دولتا الحروب الأهلية عن نيتهما في حلها. وغياب واشنطن عن الصفقة تبقيها أحادية. فهذا الغياب يعني غياب تل أبيب والقاهرة، ناهيك بأبو ظبي وعمان.
على ماذا اتفقت السعودية وإيران؟ على إنهاء الحرب في اليمن؟ أم على رئيس للجمهورية في لبنان؟ ماذا عن الانقسام الفلسطيني، أم الاستعصاء السوري، وهل العراق جزء من الصفقة؟
الاتفاق كما أعلن، لا يعدو كونه لحظة شعرت فيها الدولتان بأنهما تريدان الالتفاف على ما هما فيه من تخبط، الرياض في علاقتها غير المستقرة مع واشنطن، وطهران في مواجهة الحصار الغربي. لكن الحاجة إلى الحروب ما زالت قائمة، وهياكل الصدام حصل استثمار هائل فيها. قد نشهد هدنة على بعض خطوط المواجهة، لكن الأمر لن يتعدى ذلك. هل ستقبل السعودية بدولة يتصدرها الحوثيون على حدودها؟ وهل ستفكك ايران “حزب الله” في لبنان؟ وأي وهم يمكن أن يمثله حل من دون هذه الشروط؟
هكذا وعلى حين غرة استيقظت صين أطاحت بأميركا في الشرق الأوسط، وأنجزت ما عجز عن إنجازه الغرب مجتمعاً! الاعتقاد بذلك يشبه الاعتقاد بالزراعة على شرفات المباني بوصفه حلاً لانهيار الاقتصاد اللبناني. الشرق وقد جاء ليطيح بسنوات من التفوق الغربي. وعلى طرفي هذه الأوهام تقيم نيات أخرى. وحده خطاب الصدام سيرتبك، لكن الصدام نفسه لن يجد بما حصل ما يبدده. المصلحة في الحروب أعمق بكثير من الرغبة في إرباك أميركا، والصين الصاعدة اقتصادياً غائبة عن تفاصيل النزاع. والشيطان مقيم في التفاصيل، على ما خبرنا. فأين الصين من منازعات الرئاسة في لبنان… وأينها في اليمن وغزة؟
لطالما شهدنا في هذا الشرق البائس لحظات مشابهة اعتقدنا فيها أن النزاعات، وهي عميقة وجوهرية، سيتم تجاوزها بصفقات. هل تذكرون صفقة الـ”سين سين” بين السعودية وسوريا بعد سنوات من الاحتقان في أعقاب اغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري، وبرعاية فرنسية؟ حينها صدق السعوديون أنهم بهذه التسوية سيستعيدون بشار الأسد. وبعدها تمت الإطاحة بالـ”سين سين” وبلبنان وبسوريا.
في إيران وفي السعودية أنظمة ولادة للحروب في بلاد الآخرين. اتفاق عابر لا يكفي لتغيير طبيعة هذه الأنظمة. مركزا الصدع المذهبي هناك، ورأب هذا الصدع يبدأ من تغيير في طبيعتي النظامين. بكين، وقبلها واشنطن، وظفتا هذه الحقيقة في نفوذهما في الشرق. أما السبيل الفعلي لرأب الصدع، فيبدأ من تغيير في طبيعتي النظامين، وهذا ما لا يبدو أنه في المتناول اليوم.
يبقى أن ثمة ما سيكون مسلياً في موازاة الاتفاق. إنه خطاب الصراع الذي تم على هامشه بناء هياكل هائلة للمواجهة الإعلامية بين البلدين. فماذا سيحل بوسائل المواجهة الإعلامية وبوجوهها ومفوهيها؟ كيف ستصدر افتتاحيات “عكاظ” السعودية، و”الأخبار” اللبنانية. لن يطول الارتباك بانتظار انهيار وشيك للاتفاق، لكننا سنتسلى قليلاً قبل أن تداهمنا مجدداً حروب طهران والرياض في بلادنا.
درج
—————
طاولة سوريا الرباعية: الداء أم الدواء؟/ سمير صالحة
يجري الإعداد لعقد طاولة حوار رباعي على مستوى دبلوماسي رفيع يجمع نواب ومساعدي وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران والنظام في دمشق.
ما هو دور ومهام هذه الطاولة الجديدة التي دافعت طهران باستماتة عن “حقوقها” في الوجود أمامها بعدما استبعدت في المشهد الأول من سيناريو اجتماع وزراء الدفاع الثلاثي في أواخر العام المنصرم، حيث يقف وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان ليعبر من أنقرة عن فرحة بلاده بوصولها إلى هذه النتيجة وعن امتنانها لوصول العلاقات التركية السورية إلى هذه الدرجة من التقارب في سبيل تحقيق الاستقرار!
ما أعلنه الوزير الإيراني وهو الأهم حول “أن أمن تركيا هو من أمن إيران والعكس صحيح” وأننا “نعتبر فتح الطريق إلى منطقة القوقاز، يشكل خطرا كبيرا على أمن المنطقة. فدخول النظام الصهيوني الإسرائيلي إلى هناك هو أخطر ما قد يحدث على أمن المنطقة”. هل هذه هي جائزة الترضية الإيرانية من قبل الجانب التركي أم أن طهران تتطلع إلى ما هو أبعد من ذلك في سوريا بعدما نجحت في فرض نفسها على الطاولة فقررت أنقرة الرد من خلال المماطلة وإضافة برنامج اجتماع تحضيري فني جديد يجمع مساعدي وزراء خارجية الأطراف الأربعة أولا، ثم الإعلان عن ترحيبها بزيادة عدد المقاعد للراغبين في الحضور والتعاون؟
وما الذي تريده موسكو من خلال تنظيم لقاء رباعي من هذا النوع؟ تفعيل التطبيع بين أنقرة ودمشق أم إيجاد مخرج سياسي جديد للأزمة السورية عبر سيناريو مغاير هذه المرة؟ أم أن ما تريده روسيا يمر عبر تثبيت وترسيخ نفوذها في سوريا ومن خلالها في شرق المتوسط لقلب التوازنات الاستراتيجية الأميركية هناك وهذا قد يكون بمثابة انتصار وإنجاز كاف لموسكو في هذه المرحلة؟
أما بشار الأسد فهو يعتبر أن المحادثات التي ستجري في موسكو مع الجانب التركي تستدعي التحضير الجيد وأن تستند إلى أجندة وعناوين ومخرجات محددة وواضحة. هو يرى أنها طاولة حوار بهدف بحث العلاقة بين النظام في دمشق وأنقرة فهل هذا ما تراه تركيا أيضا؟ أم أن أولويات الجانب التركي تختلف عما يقوله ويريده النظام في سوريا؟
أولويات وفد النظام التي سيطالب الجانب التركي بالالتزام بها نيابة عن طهران وموسكو معروفة تقريبا: دعوة أنقرة لسحب قواتها من شمال سوريا. إنهاء علاقتها بقوى المعارضة السورية وإيقاف دعمها لها داخل تركيا وسوريا. ترك ملف قسد بشقه العسكري والسياسي لدمشق لتتفاوض من خلاله مع واشنطن. ضمانات بعدم حصول تنسيق تركي إسرائيلي في الملف السوري يغضب طهران.
والتراجع عن خطة المنطقة الآمنة وتخلي أنقرة عن عمليتها العسكرية التي تريدها في شرق الفرات مقابل ضمانات أمنية مرتبطة باتفاقية أضنة معدلة.
يقول المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن إن بلاده ترحب بانضمام إيران إلى المحادثات التي تُجريها مع سوريا بوساطة روسية. “وجود إيران في المحادثات يسهّل القضاء على التهديدات الإرهابية لتركيا من الأراضي السورية، وتأمين حدودها، وعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم وديارهم بشكل آمن ومشرِّف وطوعي”. ما سيقوله ويطالب به الوفد التركي شبه معلن ومعروف إذا:
سياسة جديدة للنظام السوري تأخذ بعين الاعتبار ما تقوله وتريده تركيا وقوى المعارضة السورية.
تسريع الحلحلة السياسية في ملف الأزمة السورية. ضمانات سياسية وأمنية لتركيا في مناطقها الحدودية تبعد أي مخطط انفصالي بطابع فدرالي أو كونفدرالي. حسم موضوع عودة مئات الآلاف من اللاجئين السوريين الموجودين في تركيا إلى بلادهم. وقبول النظام التعامل بشكل جدي مع القرارات الدولية والأممية حول العملية الانتقالية السياسية في سوريا.
ما الذي دفع أنقرة لتغيير موقفها وفتح الطريق لجلوس وزير الخارجية الإيراني كطرف رابع رغم لعبة التوازنات الإقليمية الجديدة والتحول الحاصل في سياسة تركيا السورية ونقاشات عودة دمشق إلى الحضن العربي؟ الإجابة أبعد مما يقوله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول إمكانية ضم إيران إلى المباحثات الثلاثية، بهدف الوصول إلى الاستقرار شمالي سوريا. المسألة لن تتوقف عند حدود شمال سوريا فهناك ما هو أبعد وأهم سيطرح ويناقش أمام طاولة موسكو. الغاز السوري ومسألة نقله إلى أوروبا. ملف المياه والعلاقات الدائمة التوتر بشأنه في تحاصص أنهر العاصي ودجلة والفرات. والعودة إلى التفاهمات الاقتصادية بطابع إقليمي سبق أن طرحت قبل أكثر من عقد بين أنقرة ودمشق.
هل من الممكن التقريب بين طروحات ومواقف النظام وما تقوله وتريده تركيا؟ نعم ممكن. هل من المحتمل أن يرضي ذلك الطرفين ويكون مقدمة لحوار سياسي أوسع برعاية وضمانات روسية وإيرانية؟ نعم هذا ممكن أيضا. هل من المحتمل أن يكون الهدف في موسكو هو دفن آلية سوتشي ومنصة الأستانة واستبدالهما بطاولة رباعية مرنة قابلة للانفتاح والاتساع لاحقا؟ طبعا هذا غير مستبعد حتما.
أين المشكلة إذا؟ المشكلة هي أن هناك نحو 60 يوما تفصلنا عن انتخابات تركية رئاسية وبرلمانية صعبة وإن قيادات حزب العدالة لا تريد الدخول في تفاهمات سياسية من هذا النوع قبل حسم نتائج الإنتخابات، وأن أكثر ما سيكون بمقدورها فعله خلال هذه الفترة هو محاولة تسجيل اختراق ما في ملف اللجوء السوري لسحب البساط من تحت قدمي المعارضة التي ستتمسك بهذه الورقة حتى النهاية في حملاتها الانتخابية. ستحاول الأطراف الثلاثة التي تتحرك تحت مظلة واحدة في سوريا محاصرة الوفد التركي عبر أكثر من مناورة سياسية وهي تعرف أهمية عامل الوقت بالنسبة لأردوغان مع اقتراب تاريخ 14 أيار أولا، وحجم التباعد التركي الأميركي الممكن الاستثمار فيه خصوصا بعد استدعاء الخارجية التركية سفير واشنطن لدى أنقرة جيف فليك، ومطالبته بتوضيحات مقنعة حول زيارة رئيس الأركان الأميركية مارك ميلي إلى شمال شرق سوريا ثانيا. لافت هنا طبعا أن نتابع الموقف التركي الغاضب بسبب هذه الزيارة وأن نرصد ما يقوله مصدر رسمي في خارجية النظام حول “أن دمشق تدعو واشنطن للتوقف عن الانتهاكات المستمرة للقانون الدولي ووقف دعمها لميليشيات مسلحة انفصالية”.
أين الرد الأميركي على تحضيرات عقد مثل هذه الطاولة وهل ستبقى واشنطن صامتة أم ستكتفي بزيارة عسكرية إلى شرق الفرات؟ هل تكون خطوة رفض مجلس النواب الأميركي، بأغلبية كبيرة، وثيقة مطالبة الرئيس جو بايدن بسحب القوات الأميركية من سوريا، حلقة جديدة في عملية الرد التي سيكون لها حتما خطوات إضافية سنراها قريبا؟
كانت القيادات التركية تردد أن أمن الخليج هو من أمن تركيا والعكس صحيح.
وزير الخارجية الإيراني يقول لنا اليوم ومن أنقرة نفسها أن أمن تركيا من أمن إيران والعكس صحيح. بقي القليل ونسمع من يقول لنا أن أمن إيران هو من أمن الخليج والعكس صحيح.
أحد الشبان السوريين الذين ضاقت بهم الدنيا بعد سنوات من “المرمطة” يستعد عند كتابة هذه المادة للمغامرة باتجاه دخول غير شرعي لأوروبا. هو يذهب بالاتجاه الجغرافي والثقافي والسياسي الآخر بحثا عن المستقبل لأنه غير مقتنع بما نكتب ونقول حول مسار الحوار والحلحلة في ملف الأزمة السورية. هناك أسباب أخرى أيضا تستحق التوقف عندها وهي التي تقلقه وتدفعه لمغادرة البلد الذي لجأ إليه في دول الجوار السوري.
———————
================
تحديث 10 أذار 2023
—————————–
التطبيع مع نظام الأسد – ما البديل؟/ عمر أوزكيزيلجيك
تسبب الزلزال الذي ضرب تركيا في مقتل أكثر من 45 ألف شخص في تركيا، لكنه أيضا ضرب سوريا، حيث فقد حوالي 6 آلاف شخص حياتهم. لقد ضاعف الحدث المأساوي حجم الكارثة الإنسانية الموجودة أصلا في سوريا وزاد من حدتها. لكن نظام الأسد هو من يكسب رأس المال السياسي والدبلوماسي المتدفق عقب الزلزال. خطوة بخطوة ينتقل نظام الأسد من العزلة الخارجية إلى الشعبية التي بدأت تلوح في الأفق إثر السعي للتواصل معه وإن بتردد.
هل يستحيل وقف هذه العملية؟ إذا كان الأمر كذلك، فما هو البديل الذي يجب اتباعه؟
على الرغم من أن الكارثة ضربت المناطق المحررة في سوريا وأن أكثر من 75٪ من ضحاياها موجودون في مناطق سيطرة المعارضة السورية، إلا أن الاستجابة الدولية تركز بشكل مثير للاستغراب على مناطق سيطرة النظام في حين تم إيصال معظم المساعدات العالمية لسوريا إليها. ولم يصل إلا النزر اليسير من المساعدات إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية. ناهيك عن أن وصول الإسعافات الأولية إلى مناطق النظام على الفور قابله وصول الإسعافات الأولية إلى المناطق المحررة بعد ثلاثة أيام من الزلزال.
تعد الزيارة الرسمية الأولى لوزراء الخارجية الأردنيين والإماراتيين والمصريين إلى دمشق وكذلك الزيارة الرسمية لبشار الأسد إلى عمان تطورات أساسية لافتة
منذ النشاط الزلزالي، شهدنا عدة أنشطة دبلوماسية رفيعة المستوى لنظام الأسد. وتعد الزيارة الرسمية الأولى لوزراء الخارجية الأردنيين والإماراتيين والمصريين إلى دمشق وكذلك الزيارة الرسمية لبشار الأسد إلى عمان تطورات أساسية لافتة. كما تحدث بشار الأسد عبر الهاتف لأول مرة مع ملك البحرين حمد والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. تشير هذه التطورات إلى أن التطبيع الجاري مع نظام الأسد سوف يتسارع ويتقدم.
حتى الآن، رأينا ثلاث ديناميكيات منعت أو أبطأت التطبيع مع نظام الأسد. كانت الديناميكية الأولى هي العقوبات الغربية بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، نجحت هذه العقوبات في إعاقة التطبيع مع نظام الأسد. ولكن الآن ومع وقوع الزلزال، أصبحت تلك العقوبات موضع تساؤل أكثر من أي وقت مضى.
الديناميكية الثانية: هي الموقف القوي لقطر والسعودية من التطبيع مع سوريا. تعد السعودية – من بين هاتين الدولتين – أكثر أهمية من حيث تأثيرها على التطبيع مع نظام الأسد. عقب الزلزال، أصر وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود في مؤتمر ميونخ للأمن على أن “الوضع الراهن غير عملي” وأنه يجب على العالم التعامل مع دمشق “في مرحلة ما” بشأن قضايا مثل اللاجئين والمساعدات الإنسانية. كما أرسلت المملكة العربية السعودية مساعدات إنسانية إلى المناطق التي يسيطر عليها الأسد في سوريا وذلك باستخدام المطارات التي يسيطر عليها. يبدو أن المعارضة للسعودية قد تتضاءل ببطء ولكن بثبات. لا شك أن انضمام نظام الأسد إلى جامعة الدول العربية سيكون انتصارا دبلوماسيا قويا له.
الديناميكية الثالثة: هي حماية تركيا للمعارضة السورية ووجودها العسكري داخل سوريا. من المرجح أن تلعب تركيا دورها إلا أن المحادثات بين دمشق وأنقرة ستصب في صالح التطبيع مع بشار الأسد أضف إلى ذلك أن فوز المعارضة التركية في الانتخابات التركية المقبلة إن حصل سيحقق عزمها الذي تم بالإجماع وهو التطبيع مع الأسد وتعيين سفير في دمشق.
باختصار: إن ضعف الديناميكيات الأساسية الثلاث التي تمنع التطبيع مع نظام الأسد بعد الزلزال. ومع مرور الوقت واستمرار الوضع الراهن في سوريا -وهو الاحتمال المرجح- سيكسب نظام الأسد المزيد من الشرعية السياسية والدبلوماسية.
يتعين على صناع القرار في واشنطن وأنقرة تغيير الوضع الراهن في سوريا من صراع ثلاثي المحاور إلى صراع ثنائي المحاور
البديل الوحيد القابل للتطبيق لمنع التطبيع مع نظام الأسد هو تغيير الوضع الراهن في سوريا، إذ لا يمكن تحقيق حل سياسي لسوريا إلا إذا اجتمع نظام الأسد والمعارضة السورية كطرفين راغبين في التفاوض على حل ما. لكن نظام الأسد لا يبدو مستعدا للتنازل، حتى لو كان مستعدا للتنازل لن يقود ذلك حل سياسي، فالصراع السوري في حقيقته هو صراع بين ثلاثة أطراف. تتخذ قوات سوريا الديمقراطية التي تهيمن عليها وحدات حماية الشعب طريقا ثالثا في سوريا وهي ليست جزءا من عملية الأمم المتحدة بين نظام الأسد والمعارضة السورية.
يتعين على صناع القرار في واشنطن وأنقرة تغيير الوضع الراهن في سوريا من صراع ثلاثي المحاور إلى صراع ثنائي المحاور. حتى لو افترضنا أن هيئة تحرير الشام جهة فاعلة منفصلة وكان لدينا بذلك صراع من أربعة محاور، يمكنني على أي حال اقتراح خارطة طريق مفصلة من معهد هدسون لتحقيق ذلك.
الفكرة العامة لخارطة الطريق بسيطة:
إحلال الشراكة الأميركية مع الأكراد السوريين في المجلس الوطني الكردي والعرب من قبائل دير الزور محل الشراكة مع وحدات حماية الشعب.
توحيد مناطق النفوذ التركية والأميركية في سوريا.
دمج هيئة تحرير الشام في الجيش الوطني السوري والقضاء على التوجهات المعارضة للاندماج.
تغيير الحكومة السورية المؤقتة.
قطع خط الإمداد الإيراني عبر السيطرة على البوكمال.
إذا طبق صانعو القرار الأفكار المماثلة التي تمكنت من الجمع بين تركيا والولايات المتحدة على الأرض، عندها فقط يمكن إنشاء بيئة مناسبة لجميع الجهات الفاعلة الخارجية لتستثمر فيها بغية حل سياسي بدلا من التطبيع مع نظام الأسد.
تلفزيون سوريا
—————————-
نظام الأسد ليس قدراً محتوماً/ عبدالناصر العايد
في مجتمعات ايمانية بغالبيتها، مثل المجتمع السوري، وعندما يضرب الزلزال شمال غربي البلاد الذي تسيطر عليه المعارضة، فيدمرها ويضعفها، فيما تتهاطل المساعدات على عدوها/النظام الذي تصارعه منذ أكثر من عقد من الزمان، فيخرجه الزلزال من مآزقه بما فيها العزلة الدبلوماسية… حينذاك، لا يستطيع المرء أن يقاوم تسلل فكرة من لا وعيه الديني إلى وعيه السياسي، مفادها أن هذا النظام قدر محتوم قرره خالق الكون، وأن التمرد عليه غير مُجدٍ مهما بلغ حجم التضحيات التي قدمت أو يمكن لتلك الجماعة تقديمها، ويبلغ اليأس أعلى مستوياته مع تسابق الدول العربية والإقليمية لعرض خدماتها على السفاح في مزاد علني مؤلم ولا إنساني.
لكن الأمر من كل جوانبه، لا يعدو كونه فصلاً ناجحاً من فصول الحرب النفسية واسعة النطاق التي تستهدف شعباً بكامله، وتسعى إلى إحداث ردّ فعل نفسي مخطط له، وتستغل فيه وسائل عديدة بما فيها الكارثة الطبيعية والاعتقادات العميقة، لإشاعة الإحباط العام، تمهيداً لانتزاع الاستسلام والخضوع.
ولأن العملية في جوهرها موجهة للرأي العام السوري المُعارض، فإن مهمة مواجهته تقع بالدرجة الأولى على قادة الرأي ومن يتخيلون أنهم زعماء سياسيون للشعب. فاللحظة هي لحظتهم، والميدان هو ميدانهم، وعليهم أن يثبتوا أن لهم دوراً مفصلياً في اللحظات التاريخية والأزمات المفصلية، وهو تثبيت شعوبهم ومجتمعاتهم على الاعتقادات الصحيحة، وإرشادهم إلى سبل مواجهة التحديات التي تحيق بهم، والأهم من ذلك الاتسام بالشجاعة والثبات الفكري والنفسي الملهم لعموم الناس.
وفي قضية وطنية مثل القضية السورية، على المثقفين والناطقين الإعلاميين كما السياسيين وقادة المؤسسات، أن يحصنوا إيمان الشعب بنفسه وقوته الذاتية، بإعادة توجيه اهتمامه إلى الهدف السامي الذي انطلقت الثورة السورية لتحقيقه وهو إسقاط نظام الإبادة الجماعية، ولفت نظره إلى التضحيات التي لم يسبق لشعب أن قدمها في سبيل حريته وكرامته. وأخيراً، إلى المشهد الداخلي على امتداد الأرض السورية، والذي لم ولن يتغير في المدى القريب، فسيطرة النظام محدودة بما تستطيع الطائرات الروسية فعله، والمناطق الخارجة عن سيطرته منذ سنوات ما زالت محصنة ومن الصعب عليه استعادتها سوى بالحيل والخداع، ومنها إيهام معارضيه بأنه انتصر وما عاد من سبيل أمامهم سوى الاستسلام.
تنبع مخاوف السوريين في معظمها من الدائرة الأضعف، وهي العربية والإقليمية، لا سيما بعد مساعي الطرف التركي للتفاهم مع النظام، وما يمكن وصفه بالهبّة العربية لتعويمه، وهذه لا حل لها في الواقع سوى انتظار تفاقم التناقضات الإقليمية عندما تجتمع في حيز واحد. على سبيل المثال، فإن الجانب السعودي الذي يستعد للتطبيع، سيصطدم لامحالة بالنفوذ الإيراني الطاغي، وتركيا لن تقف مكتوفة اليدين عندما يسبقها الآخرون إلى دمشق، ولديها أدوات لتفجير الوضع برمته، عسكرياً مثلاً، كما أن إسرائيل لن تقبل بتسوية لا تضمن خروج المليشيات الإيرانية من سوريا وهذه دونها خرق القتاد.
ولموازنة ما قد يكون خسارات في الإطارين العربي والإقليمي، يمكن للسوريين التطلع إلى النطاق الدولي، وعدم السماح أولاً بعزل القضية السورية عن سياقها العالمي وتحييد دور قوى كبرى مثل أوروبا الغربية والولايات المتحدة، فالغرب ما زال موقفه مبدئياً وثابتاً من المسألة السورية، خصوصاً على صعيد تصنيف نظام الأسد كمجرم حرب. وما زالت واشنطن حاضرة بقوة على الأرض السورية، ولن يغير من أولوياتها تطبيع إمارة هنا، أو إعادة سفير نظام متهالك هناك. ويعتمد ثبات الموقف الغربي، على ثبات السوريين أنفسهم ووقوفهم عند حقوقهم واستمرار مطالبتهم بها، خصوصاً مع تصاعد المواجهة مع روسيا في أوكرانيا، وانشغال الأخيرة بالصراع هناك. وبالعموم، ما زالت القاعدة المعتمدة دولياً في ما يخص سوريا، سارية المفعول، وهي أن لا فوز لأي من أطراف النزاع في انتظار تبلور موقف أميركي نهائي وحاسم.
خلاصة القول في أمرين. الأول، أن وضع نظام الأسد لن يكون طبيعياً في الأفق المنظور، نظراً لتناقضاته الذاتية ولتناقض الطرف القابض على مصيره وهو إيران، مع المحيطين العربي والإقليمي، ومسار التطبيع سيشهد انتكاسات ما إن يبدأ، مهما كابر الداعون إليه وحاولوا خداع أنفسهم وخداع الآخرين.
والأمر الثاني، أن المسألة السورية يحدد مسارها ومصيرها السوريون أنفسهم، وهنا أعني بالدرجة الأولى المعارضة السياسية السورية والنخبة الثقافية والفكرية القائدة، التي تمسّ الحاجة الآن إليها لتصحيح رؤية المجتمع السوري بعدما تم التشويش عليها لتظليله وايهامه بانتهاء المعركة، عبر بهلوانيات جوفاء، وتجديد السعي من قبل كافة النخب في المسرح الإقليمي والدولي لتذكير الأطراف كافة بأن مصالحهم لن تتحقق عبر استرضاء بشار الأسد وتعويمه، بل عبر استقرار سوريا، وهذا ما لن يكون ممكناً ما لم يحصل الشعب السوري على مطالبه العادلة المشروعة.
أما بالنسبة لفكرة أن نظام الأسد قدر محتوم، وهي أخطر مما نتخيل بالمناسبة، فإنخ لا ردّ عليها سوى القول بأن الحتمية الوحيدة التي يمكن الدفاع عنها منطقياً وأخلاقياً هي أن هذا النظام سيسقط ذات يوم، طال به الزمان أو قصر، شأنه شأن كل الأنظمة الديكتاتورية القاتلة، وسيصبح رمزاً بغيضاً لكل ما هو قبيح وبشع في تاريخنا البشري، وسيلحق العار بكل من ضعف وهان، فطبّع واستكان.
المدن
————————
أي جدوى لتطبيع العلاقات العربية مع النظام السوري؟/ محمد سرميني
للسعودية تجارب -أقل ما يقال عنها إنها- غير مشجعة إزاء التعاون مع -أو الانفتاح على- الأنظمة العربية التي تستحوذ إيران جزئيا أو كليا على مفاصل الحكم فيها، مثل العراق ولبنان. ويبدو أن ذلك أحد أبرز أسباب عدم اتخاذها موقفا مماثلا في حالة سوريا، إضافة إلى غياب سياسة خليجية وعربية واحدة بقيادة المملكة تجاه تطبيع العلاقات مع النظام السوري.
يُمثل موقف الرياض، وكذلك الدوحة، عائقا أساسيا أمام مسار التطبيع العربي مع النظام منذ انطلاقه بدعم من روسيا عام 2018. بطبيعة الحال، يعزز هذا الموقف سياسة كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا التي لا تشجع على فك العزلة المفروضة على النظام منذ عام 2011 ما لم يكن هناك تغيير حقيقي وجدي في سلوكه الذي يهدد الأمن المحلي والإقليمي والدولي.
ومع ذلك، راقبت هذه الدول جميع خطوات ودعوات التطبيع السابقة، في محاولة لاختبارها، لكن لم تكن هناك أي جدوى، فالنظام -على سبيل المثال- لم يمتثل أو يستجب لأي من شروط وبنود المبادرة العربية الأولى التي اقترحها الملك عبد الله الثاني على الرئيس الأميركي جو بايدن منتصف عام 2021، رغم التقدم الذي تم تحقيقه لمصلحة النظام على مستوى بعض البنود، مثل تدفق المساعدات عبر خطوط التماس ومشاريع التعافي المبكر.
منذ ذلك الحين، لم تُحقق التسوية السياسية في إطار اللجنة الدستورية وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 لعام 2015 -باعتبارها أحد بنود المبادرة- أي خرق أو تقدم، بل باتت معطلة بالكامل منذ منتصف عام 2022، بسبب موقف النظام الذي ربط استمرارها باستجابة الغرب لشروط روسيا. وبينما يُفترض أن يسعى النظام لتقليص نفوذ إيران عسكريا في مناطق سيطرته، فقد أتاح لها مزيدا من التسهيلات لنشر منظومة الدفاع الجوي الخاصة بها جنوب العاصمة وجنوب البلاد، وباتت البنية التحتية للدفاع الجوي السوري مفتوحة أمام مليشياتها أيضا.
لقد زاد النظام من مستوى التهديد للأمن الإقليمي العربي بدلا من تقليصه، إذ أصبحت شحنات المواد المخدرة تتدفق أكثر من أي وقت مضى نحو دول الخليج العربي وشمال أفريقيا. ومن الواضح أن هذا السلوك كان يهدف للضغط على الدول العربية والمجتمع الدولي من أجل الاستجابة لبقية شروط التطبيع، مثل فك العزلة ورفع العقوبات الاقتصادية عنه.
وبالفعل، جاءت المبادرة العربية الثانية التي قدمها هذه المرة سلطان عُمان هيثم بن طارق لبشار الأسد بشكل مباشر، ولا تختلف في بنودها عن الأولى، بل تستجيب لرؤية النظام للحل السياسي من ناحية تشكيل حكومة وحدة وطنية بين طرفي النزاع من دون التطرق لمصير الأسد.
في الواقع، اكتسبت المبادرة العربية الجديدة زخما أكبر من سابقتها، بسبب تقديمها كـ”نافذة إنسانية” للحل، بعد كارثة الزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا وشمال غربي سوريا في السادس من فبراير/شباط الماضي، رغم أنها كانت ستُطرح قبل ذلك، فالمبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف كان قد زار الأردن يناير/كانون الثاني الماضي، بهدف مناقشة إطلاق جهد عربي لحل الأزمة.
يُشير دعم الدول العربية لمبادرة التطبيع الثانية، التي انخرطت في المبادرة الأولى رغم عدم تحقيق أي جدوى منها، إلى عدم وجود فهم مشترك حول الأمن العربي مقابل التركيز أكثر على استخدامه كوسيلة للحضور بالمشهد السوري بعد أن تراجع إثر اندلاع النزاع في البلاد، ثم تعثر الدور العربي للحل بين عامي 2011 و2015.
ويبدو أن الدول المنخرطة في مبادرة التطبيع الثانية مع النظام السوري تأمل أن يسهم حضورها بالمشهد السوري في أن تصبح جزءا رئيسيا ومؤثرا في سياسات كل من الولايات المتحدة وروسيا، فهي يُمكن أن تساعد في تنفيذ سياسة أميركية تقوم على الاحتواء المزدوج والمتباين للنظام وإيران، وفي المقابل يُمكن أن تُحقق كل دولة على حدة جزءا من أهدافها الأمنية والاقتصادية بالتعاون مع روسيا.
لكن هذه الأهداف والجهود ستكون غالبا بغير جدوى، فمصر التي تريد مثلا تقليص فارق القوة مع تركيا وإيران بالتعاون مع روسيا في سوريا ستصطدم بواقع ميداني ومؤسساتي فرضته السنوات السابقة منذ تأسيس منصة أستانا عام 2017، والأردن اختبر بشكل كبير منذ عام 2018 استحالة استجابة النظام أو قبول إيران بإبعاد مليشياتها من جنوب سوريا.
تدرك السعودية أن كل هذه الجهود لن تقود إلى سلام واستقرار أمني في سوريا، فسبق أن حاولت ذلك في العراق قبل أن تُقرر الانسحاب من المشهد هناك، ثم تعود إليه بعد استجابة حكومة بغداد لبعض من شروطها؛ ومع ذلك فما زالت تسير بسياسة حذرة للغاية. لن تختلف هذه المقاربة كثيرا في سوريا مع فارق القياس، فالرياض، والدوحة مثلها، على قناعة بأن أي خطوة يتم تقديمها للنظام لن تكون مجدية، لأنه لن يستجيب لها، ولن يُفوت فرصة استحداث أدوات جديدة للضغط على محيطه، كإغراق العالم العربي بحبوب “الكبتاغون” المخدرة.
بمعنى، إما أن يستجيب النظام مسبقا لشروط أمنية يتم تناقلها أصلا عبر القنوات الاستخباراتية التي لم تُغلق، أو أن يكون حل الملف السوري جزءا من المفاوضات مع إيران، أو عدم الانخراط في أي مبادرة عربية.
وأخيرا، يُمكن القول إن نتائج مبادرة التطبيع العربية الثانية لن تكون أفضل من سابقتها أو أي حراك عربي منفرد، رغم كل الزخم الذي يرافقها، ولن تكون هناك أي جدوى ما لم يتوفر فهم مشترك لحماية الأمن العربي من التهديدات القادمة من سوريا، وما لم يتنازل النظام قبل الإقدام على أي خطوة لمصلحته.
محمد سرميني
المدير العام لمركز جسور للدراسات
——————————
رواية الأسد حول أمان منطقة دمشق خاطئة/ حايد حايد
سعى النظام السوري منذ استعادته للمناطق المحيطة بدمشق عام 2018 إلى تصوير العاصمة كملاذ آمن وهادئ. فبالإضافة الى الأهمية الرمزية للمدينة، فإن تأمين دمشق والمناطق المحيطة بها والمعروفة باسم ريف دمشق كان أمرا ضروريا لإعادة التأهيل السياسي والتعافي الاقتصادي للنظام.
لم يطل الأمر كثيرا حتى بدأت بعض الحكومات بتصديق رواية الأسد. وبناء على الغياب النسبي للأنشطة المناهضة للنظام، فقد اتفقت السويد والدنمارك، ومعهما دول أخرى، على اعتبار دمشق مدينة آمنة بما يكفي لإعادة اللاجئين السوريين إلى ديارهم.
على أن هذا الاختيار المفرط في تبسيط المخاطر، بات قيد التدقيق مجدّدا. فقد ارتفع عدد الاغتيالات والحوادث الأمنية المُبلغ عنها في دمشق ومحيطها بشكل كبير خلال العام الماضي، ما أثار تساؤلات جدية حول استقرار المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.
فقد تم الإبلاغ عن 11 هجوما موجها في عام 2021، أسفر عن سقوط 32 ضحية. بالمقارنة، شهد عام 2022 47 حادثا أمنيا مع 67 حالة وفاة تم الإبلاغ عنها، أي بزيادة بقدر 400 % عن العام السابق. وخلال الشهرين الأولين من عام 2023، تم الإبلاغ عن 14 حالة أمنية وتسع إصابات، في إشارة واضحة إلى ان الوضع يزداد سوءا.
ومع ذلك، لم تبلغ وسائل الإعلام الموالية للحكومة عن كافة الحوادث، واختارت بدلا من ذلك التقليل من حدّة تصاعد العنف. وحتى عند قيامها بالإعلان عن بعض هذه الهجمات، فقد كانت وسائل الإعلام المدعومة من النظام تصوّر تلك الأهداف على أنها أهداف مدنية.
ومن ناحية أخرى، أفادت مصادر إخبارية مستقلة أن جميع الضحايا تقريبا كانوا من المقاتلين الموالين للحكومة أو المتعاونين معها. وبحسب الحصيلة التي وصلت إليها هذه المصادر، فإن 83 ضحية من بين 88 قتلوا في مثل هذه الحوادث عام 2021، كانوا أفرادا من القوات المسلحة التابعة للنظام أو المليشيات الأجنبية المدعومة من إيران – بما في ذلك “حزب الله” اللبناني وميليشيا “فاطميون” الأفغانية.
وعلى الرغم من أهمية هذه الهجمات، التزم الجناة جانب الصمت حولها تماما. وكانت “داعش” إحدى المجموعات القليلة التي أعلنت مسؤوليتها عن بعض الهجمات التي وقعت. أما بالنسبة للحوادث الأخرى، فإن الوسائل التي نفذت بها توفر أدلة عن خلفية الجهات المسؤولة عنها.
وعلى سبيل المثال، ذكرت العديد من المؤسسات الإعلامية أنه تم العثور على 18 ضحية بعد عدة أيام من اختفائهم، مما يشير إلى أنهم قد اختطفوا أوّلا. وقد أصبح الخطف مقابل الفدية ظاهرة منتشرة في سوريا، ويدل هذا على إمكانية أن تكون الجماعات الإجرامية هي من ارتكب بعض هذه الحوادث. وإذا كان الأمر كذلك، فمن الممكن أن تكون عمليات القتل قد حصلت إما لأن عمليات الخطف لم تكن ناجحة، ولم يحصل الخاطفون على الفدية، أو لأن المهاجمين أرادوا إخفاء آثار جرائمهم.
وقد استخدمت العبوات الناسفة في عشر عمليات لم يعلن عنها عام 2022 وثلاث حدثت هذا العام، أما الحوادث الأخرى فقد نفذت باستخدام أسلحة نارية. وبالنظر لأن الأشخاص المستهدفين كانوا أعضاء من نظام الأسد أو أشخاص مدعومين من قبله، فمن المحتمل أن الثوار السابقين كانوا مسؤولين عن بعض هذه الهجمات، كونهم يملكون دوافع ومهارات وموارد لتنفيذ مثل هذه الهجمات.
وبالإضافة إلى فشله في الوفاء بالالتزامات التي تعهد بها خلال مفاوضات استسلام (المناطق الخارجة عن سيطرته) في 2018، بما في ذلك إطلاق سراح المعتقلين، فقد كثف النظام جهوده لتجنيد شبان من ريف دمشق في الخدمة العسكرية الإلزامية. والأهم من ذلك، فإنه من المحتمل أن تدهور الظروف المعيشية وارتفاع معدلات الجوع قد شكلا حافزا لتجدد المقاومة بعد حوالي عامين من الهدوء النسبي.
ومن المحتمل أيضا أن تكون بعض هذه الهجمات، خاصة تلك التي تضمنت إطلاق نار أو اشتباكات مباشرة، عملا داخليا. فقد أدى انخفاض وتيرة القتال في سوريا إلى زيادة المنافسة بين الجماعات الموالية للنظام على النفوذ والموارد. وبينما تمت تسوية بعض هذه الحوادث من خلال مواجهات مباشرة بين الأطراف المعنية، فقد قرر البعض استخدام وسائل أكثر سرية لتصفية الحسابات.
ومع ذلك، فإن هوية الجناة ليس الأمر الأكثر أهمية في هذه الحوادث. فالأمر المجهول حقا هو مدى تمكن النظام من منع تكرار مثل هذه الهجمات لاحقا. وفي حين أن الإجابة على هذا السؤال ما زالت غير واضحة، فإن النمط العشوائي لهذه الحوادث وانتشارها عبر مساحة كبيرة نسبيا وتنوع المشتبه بهم يجعل مثل هذه المهمة تحديا هائلا.
وحتى لو تمكن النظام من وضع حد لموجة القتل هذه، فقد أظهرت التطورات الأخيرة أن أمن المناطق التي تعتبر رسميا آمنة هو في الواقع أمن مزعزع وهش.
ولا ينبغي أن تنخدع الحكومات الغربية بادعاءات الأسد بأن العاصمة السورية آمنة للاجئين أو لأي شخص آخر، إذ أن سوريا ما تزال في حالة حرب، والطريق الوحيد للسلام الدائم فيها هو الحل السياسي الشامل والعادل.
المجلة
—————————-
تجارب الأردن تسلّط الضوء على حدود العلاقات المتجدّدة مع سورية/ أرميناك توكماجيان
ملخّص:
تولّى الأردن مؤخرًا دفة القيادة في التقارب بين الدول العربية وسورية. لكن تجربة عمّان تُظهر أن تطبيع العلاقات الثنائية، من دون تعاون إقليمي، لا يمكن أن يحصد سوى إنجازات محدودة.
مقدّمة
صحيحٌ أن سورية والأردن شهدا علاقات طبيعية لفترات متقطعة، إلا أنهما غالبًا ما كانا على خلاف خلال نصف القرن الماضي. وفي صيف العام 2021، حين صرّح العاهل الأردني عبدالله الثاني في مقابلة على شبكة سي إن إن، بأن “حكم [الرئيس السوري] بشار [الأسد] يتمتّع بالاستمرارية”، وأن ثمة حاجة إلى “التواصل مع النظام”، كان يستعّد للانفتاح مجددًا على سورية بعد فترة من العداوة. الجدير بالذكر أن العاهل الأردني كان أول زعيم عربي يدعو الأسد إلى التنحي بعد اندلاع الانتفاضة السورية في العام 2011، وكان من بين أول الساعين إلى إعادة الانخراط مع النظام السوري. لكن بعد مرور عام تقريبًا، لا تزال العلاقات السورية الأردنية باردة والإنجازات المُحققة محدودة.
يتمثّل تحدٍّ أساسي لإعادة الانخراط هذه المرة في أن سورية والأردن على السواء مقيّدان بقرارات حلفائهما الأكثر قوّة. فدمشق تمتلك مجالًا أصغر لاتّخاذ القرارات منفردةً في ما يتعلق بالقضايا السياسية الداخلية والخارجية. وينطبق هذا بشكل خاص على خلفية علاقتها مع إيران. وعلى الرغم من أن الأردن لم يعش الحرب كجارته الشمالية ولم يلحق به دمار كالذي لحق بها، اضطر إلى أخذ آراء حلفائه، ولا سيما الولايات المتحدة، في الاعتبار. وفي الوقت نفسه، لا يزال الصراع السوري من دون حلّ، ما يُبقي النظام في حالة خلاف مع عدد كبير من الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية الرئيسة، ويُخلّف آثارًا جانبية قد تُلحق الضرر بالأردن.
أرميناك توكماجيان
أرميناك توكماجيان باحث غير مقيم في مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، حيث تتركّز أبحاثه على قضايا الحدود والصراع، واللاجئين السوريين، والوسطاء المحليين في سورية.
@TokmajyanA
تتجلّى هذه التحديات بصورة أكثر وضوحًا على طول الحدود السورية الأردنية. فمنذ العام 2011، شهدت الحدود السورية كلّها تحولات اجتماعية واقتصادية وسياسية وأمنية جذرية. ولا تختلف الحدود الأردنية عنها في ذلك، إذ باتت المنطقة الحدودية الأوسع نقطة مواجهة إقليمية بين نظام الأسد وحلفائه من جهة، ولا سيما إيران وحزب الله، اللذَين عززا وجودهما ونفوذهما في جنوب سورية، والأردن وإسرائيل ودول الخليج العربي من جهة أخرى. وفي هذا السياق، باتت القضايا الحيوية المرتبطة بالحدود السورية الأردنية، بما فيها القضايا الأمنية وعسكرة إيران للمناطق الحدودية الجنوبية السورية، تشكّل مخاوف إقليمية وتتطلّب حلولًا إقليمية.
تجدر الإشارة إلى أن المجالات التي استطاعت دمشق وعمّان إحراز تقدّم فيها هي تلك التي كانت فيها قادرةً على العمل بصورة مستقلة أو عند وجود اتفاق إقليمي أو في الحالتَين معًا. وتُشكّل العلاقات الاقتصادية عبر الحدود المثال الوحيد على التقدّم الملموس المُحرز، إذ تكشف تجربة الأردن أن قيام دولة صغيرة بإعادة الانخراط مع سورية في إطار العلاقات الثنائية لن يكون له سوى تأثير محدود على تحسين العلاقات، ولن يشكّل حافزًا كبيرًا يدفع دمشق إلى تغيير سلوكها في القضايا الإقليمية الخلافية. من المرجّح إلى حدّ كبير أن يحدث التغيير بعد التقارب بين دمشق والجهات الفاعلة الإقليمية الأكثر قوة، على غرار المملكة العربية السعودية. مع ذلك، مثل هذه النتيجة اليوم لن تلغيَ حقائق ما بعد الحرب في سورية، وخصوصًا تداعيات الوجود الإيراني.
تقارب بإنجازات محدودة
قبل قيام الأردن وسورية بإعادة إحياء علاقاتهما في صيف العام 2021، كان لدى الأردن مجموعة من المخاوف المتعلقة بحدوده الشمالية. فقد عبر مئات الآلاف من اللاجئين السوريين الحدود إلى الأردن، مستبعدين احتمال عودة فورية إلى بلادهم. الواقع أن إرساء الاستقرار في جنوب سورية بعيد المنال، ويُعزى ذلك جزئيًا إلى توسّع وجود إيران وحزب الله هناك، إضافةً إلى عمليات تهريب المخدرات والأسلحة إلى الأردن. وقد كانت علاقات الأردن الاقتصادية مع جارته محدودةً بسبب إغلاق الحدود، ما أثّر سلبًا على اقتصاده. ولم يكن الإبقاء على العزلة السورية يصبّ في مصلحته، إذ فشل في إيجاد حلول لمشاكله العالقة. سعت سورية بدورها إلى الاندماج من جديد في الاقتصاد الإقليمي، وأرادت أن ينأى الأردن بنفسه عن مجموعات المعارضة السورية.
مع ذلك، منذ ذلك الحين وحدها التبادلات التجارية الثنائية شهدت تحسُّنًا فعليًا. فبعد إقفال الحدود في نيسان/أبريل 2015، شهدت الحركة التجارية تراجعًا ملحوظًا، باستثناء الفترة التي أُعيد فيها فتح الحدود بصورة جزئية بين تشرين الأول/أكتوبر 2018 وآذار/مارس 2020. وبعدها بفترة قصيرة، أدّى تفشّي جائحة كوفيد-19 إلى الحدّ من جميع التبادلات من جديد. وفي أعقاب التقارب الأردني السوري، أُعيد فتح معبر جابر-نصيب الحدودي بشكل كامل أمام التبادلات التجارية والمسافرين. ووفقًا لدائرة الإحصاءات العامة الأردنية، لدى مقارنة الفترة بين تموز/يوليو 2020 وحزيران/يونيو 2021 (خلال فرض القيود المتعلقة بجائحة كوفيد-19) بالفترة بين تموز/يوليو 2021 وحزيران/يونيو 2022 (عند إعادة فتح الحدود بعد استئناف العلاقات الثنائية)، نجد أن الواردات الأردنية ارتفعت من 51 مليون دولار إلى 75 مليونًا، والصادرات من 62 مليون دولار إلى 87 مليونًا، والسلع المُعاد تصديرها بأكثر من الضعف من 22.5 مليون دولار إلى 46.5 مليونًا.
ومنذ العام 2019، أخذ الميزان التجاري يميل لصالح عمّان، إذ يمكن أن يكون الأردن استفاد من إقبال سورية على شراء السلع وعزلها عن الاقتصاد العالمي. وفي حين تشابهت قيمة الصادرات الأردنية إلى سورية ووارداتها منها في العاميَن 2017 و2018، تغيّر هذا الواقع خلال السنوات الثلاث الماضية. ففي العام 2019، بلغت قيمة واردات الأردن حوالى 43 مليون دولار، فيما بلغت قيمة الصادرات 95 مليونًا. وفي العام 2020، تراجعت التبادلات التجارية الإجمالية على خلفية القيود المفروضة بسبب جائحة كوفيد-19، لكن قيمة الصادرات الأردنية بلغت 63.8 مليون دولار، بينما بلغت قيمة الوارادات 44.7 مليونًا. وفي العام 2021، بلغت قيمة الصادرات 118 مليون دولار تقريبًا، في حين ناهزت قيمة الواردات 71 مليونًا. وتكشف أحدث البيانات الصادرة عن الفترة بين كانون الثاني/يناير وتموز/يوليو من العام 2022 أن هذا الاتجاه مستمر، إذ يصدّر الأردن أكثر مما يستورد بنحو 40 في المئة. وبحسب قاعدة بيانات الأمم المتحدة لإحصاءات تجارة السلع الأساسية، بلغ حجم التبادلات التجارية الإجمالية (باستثناء السلع المُعاد تصديرها) 190 مليون دولار في العام 2021، مع الإشارة إلى أن هذا الرقم بقي صغيرًا، إذ إنه لا يمثّل سوى 30 في المئة من أعلى رقم سجلته هذه التبادلات على الإطلاق والبالغ 670 مليون دولار في العام 2007. بيد أنه سجّل زيادةً بنسبة 76 في المئة تقريبًا بالمقارنة مع تسجيله 108,000 دولار في العام 2020.
نجم الارتفاع في حجم التبادلات التجارية عن القرارات التي اتّخذتها سورية والأردن بتعديل السياسات الحدودية وبعض الأنظمة الجمركية لتسهيل الحركة التجارية. ولم يكن هذا ليحدث لو لم يحصل الملك عبدالله على الضوء الأخضر من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في تموز/يوليو 2021. فقبل ذلك، عمدت إدارة دونالد ترامب إلى عرقلة جهود الأردن لإعادة تفعيل التجارة، إذ إنها توقعت أن يلتزم الأردن باستراتيجيته لعزل سورية.
يستطيع الأردن وسورية المضي قدمًا بخطواتهما إذا ما حظيت بدعم القوى الخارجية النافذة. وتتمثّل إحدى الأمثلة على ذلك في موافقة الولايات المتحدة في العام 2021 على مشروع لتزويد لبنان بالغاز والكهرباء. فقد حاولت إدارة بايدن جزئيًا التصدّي لحزب الله، الذي أراد استيراد النفط الإيراني الخاضع للعقوبات لتخفيف نقص هذه الموارد في بلد يواجه أزمة مالية عميقة. وفي آب/أغسطس 2021، صادقت واشنطن رسميًا على اتفاق مموّل من البنك الدولي لاستجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن إلى لبنان عبر سورية. ووقّع وزراء هذه الدول الاتفاق في أيلول/سبتمبر من العام 2021.
كان لجميع الجهات الفاعلة المعنية مصلحة في إبرام الاتفاق. فلبنان سيحصل بموجبه على موارد الطاقة التي هو بأمسّ الحاجة إليها، وسورية ستتقدّم خطوة على طريق إعادة الاندماج في الاقتصاد الإقليمي، إضافةً إلى حصولها على مدفوعات عينية لقاء السماح بمرور الغاز والكهرباء عبر أراضيها، ومصر ستصدّر غازها والأردن كهربائه. وفي حين لم تكن إسرائيل جزءًا من الاتفاق رسميًا، وافقت عليه بهدف الحدّ من نفوذ إيران في لبنان وتصدير غازها عبر مصر. وعلى الرغم من هذه التحضيرات كافة، لم يدخل هذا الاتفاق حيز التنفيذ بعد، لأن البنك الدولي يطالب لبنان بإجراء إصلاحات قبل تمويل المشروع. ويُظهر كلّ ذلك أن وجود اتفاق إقليمي وغياب أي عقبات من الجهات الفاعلة الخارجية الرئيسة قد ينعكسان إيجابًا على العلاقات السورية الأردنية، في حين أن العكس صحيح أيضًا.
مع ذلك، لم تتحسّن بعض أبعاد العلاقات السورية الأردنية الثنائية، حتى حين كانت الدولتان تمتلكان حرية التصرّف. فمنذ خمسينيات القرن الماضي، يُجري الأردن وسورية محادثات لتقاسم مياه نهر اليرموك، واستؤنفت هذه المناقشات بعد إعادة إحياء العلاقات، لكن من دون إحراز أي تقدّم يُذكر. فدمشق تتهم عمّان بدعم المجموعات المسلحة في جنوب سورية، ما يعيق جهود النظام الرامية إلى السيطرة على المنطقة بشكل كامل.1 ولأن المجال متاحٌ أمام الطرَفين لاتخاذ القرارات بصورة مستقلة، لا يزال بإمكانهما تحقيق الإنجازات على هذا الصعيد. لكن الوضع ليس كذلك حين يتعلق الأمر بقضايا أكثر حساسية على غرار أمن الحدود.
من حدود ثنائية إلى حدود إقليمية في جنوب سورية
تسببت التغييرات في منطقة الحدود السورية الأردنية بمشاكل لعمّان، مع تبعات خطيرة على أمن المملكة. وتتمثّل المسائل الأكثر إلحاحًا التي تترتب عليها تداعيات إقليمية في تهريب المخدرات والوجود الإيراني في جنوب سورية. ربما يمارس الأسد بعض السيطرة على تهريب المخدرات انطلاقًا من الأراضي السورية، ولكن رأب العلاقات مع الأردن ليس حافزًا له كي يكبح هذه التجارة المربحة. أما في ما يتعلق بمعالجة مسألة انتشار القوات الإيرانية وأذرعتها، فليس لدى الأسد حافز للإقدام على ذلك، فضلًا عن أنه غير قادر على التحرك ضد مصالح طهران. وهاتان المسألتان مرتبطتان ارتباطًا وثيقًا بالديناميكيات عند الحدود السورية الأردنية إنما لا يمكن معالجتهما من خلال صيغة ثنائية.
اتّخذ الاقتصاد غير النظامي عبر الحدود أشكالًا عدّة منذ ظهور الحدود السورية الأردنية في عشرينيات القرن العشرين. طوال سنوات، لم يكن صغار التجّار يدفعون رسومًا جمركية على السجائر التي كانوا يحضرونها إلى الأردن عن طريق المعابر الحدودية مع سورية. بالمثل، كانت شبكات متجذّرة تقوم بتهريب الأغنام السورية إلى الأردن أو عبره. لكن توسّع التجارة غير الشرعية لتشمل الأسلحة والمخدرات المصنّعة في سورية تحوّل إلى مشكلة أمن قومي أردني، ولا سيما في الأعوام الثلاثة الماضية التي شهدت توسّعًا كبيرًا في نطاق تجارة المخدرات، وتسييسًا سوريًا لهذه التجارة، وزيادة استهلاك المخدرات في الأردن.
لقد تحوّل الأردن إلى بلد عبور تمرّ فيها المخدرات المتّجهة إلى الخليج. تشير الإحصاءات الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، استنادًا إلى الأرقام الأردنية الرسمية، إلى أن عدد الحالات المرتبطة بحيازة المواطنين والأجانب للمخدرات والمتاجرة بها في الأردن ارتفع من نحو 6,000 سنويًا في الفترة الممتدة بين 2005 و2012 إلى 119,000 في العام 2020، أي بزيادة نحو 1,900 في المئة. وفي مدينتَي إربد والرمثا الأردنيتَين، بات شائعًا اليوم سماع روايات عن استخدام المخدرات، بخلاف ما كان الحال عليه في الفترة 2018-2020. لقد أصبح السكّان المحليون مطّلعين على أنواع المخدرات المتوافرة، في مؤشّر واضح على أن استهلاك المخدرات يتحوّل إلى مشكلة واسعة النطاق.2
يصعب تقييم حجم اقتصاد الظل هذا. ولكن كمّية المخدرات المصادَرة تكشف عن زيادة مطّردة. على سبيل المثال، أشارت السعودية التي تُعتبَر السوق الرئيسة في الخليج لمادة الكبتاغون، وهو الاسم التجاري لمادة مخدّرة مصنوعة من الأمفيتامين والثيوفيلين، إلى مصادرة نحو 12 إلى 14 مليون حبّة كبتاغون في الأعوام 2007 و2008 و2009. وفي السنوات القليلة الماضية، تضاعفت هذه الأرقام. فقد أوردت تقارير صادرة عن المملكة أنه تمت مصادرة 48.6 مليون حبة كبتاغون في العام 2012. وفي العام 2020، صادرت السعودية نحو 140 مليون حبّة، فيما وصل الرقم إلى نحو 200 مليون حبّة في العام 2021، والعدد الأكبر من الحبوب المصادرة كان مصدره سورية أو لبنان. وفي خارج المنطقة، صادرت بلدان أخرى أيضًا مخدرات مصدرها سورية. في صيف 2020 مثلًا، صادرت الشرطة الإيطالية نحو 14 طنًا من حبوب الأمفيتامين، تساوي قيمتها مليار يورو (ما يعادل نحو 1.18 مليار دولار أميركي في ذلك الوقت).
الأكثر إثارة للقلق هو أن تجارة المخدرات بدأت تستحوذ على جزء كبير من الاقتصاد غير الشرعي في المنطقة. لقد دفعت الحرب في سورية، والأزمة المالية في لبنان، والعقوبات الأميركية بالنظام السوري وحزب الله إلى البحث عن مصادر بديلة للعملة الصعبة. مع مرور الوقت، يمكن أن تصبح تجارة المخدرات متجذّرة في الاقتصادات المحلية السورية. في هذا الصدد، تشير بعض التقديرات إلى أن القيمة السوقية لصادرات الكبتاغون من سورية بلغت في العام 2020 ما لا يقل عن 3.46 مليارات دولار، متخطّيةً بمقدار مليار دولار موازنة الدولة في ذلك العام.
الأردن بلدٌ صغير، ولن تُحدث قراراته، بما في ذلك المصالحة مع سورية، تغييرًا في مسار تجارة المخدرات. لكن، هل يمكن لبشار الأسد وقف تجارة المخدرات في سورية، وفي هذه الحالة، لماذا سيُقدم على ذلك؟ نفى المسؤولون السوريون مرارًا أي تورّط للدولة، على الرغم من أن تصديق فكرة أن الرئيس غير مدرك لضلوع رجال النظام الأقوياء في مثل هذه التجارة المربحة شبه مستحيل. وفي ذلك مؤشر على أن بإمكان النظام، إذا أراد، خفض حجم تجارة المخدرات. ولكنه لم يُظهر حتى الآن رغبة حقيقية في القيام بذلك، لأسباب مالية بصورة أساسية، وأيضًا لأن هذه التجارة تؤمّن للأسد نفوذًا سياسيًا واسعًا. يجب على كل مَن يريد وقف تدفّق المخدرات أن يقدّم في المقابل شيئًا ما لسورية.
يواجه الأردن وضعًا مماثلًا في ما يتعلق بالخصومة الإسرائيلية الإيرانية في سورية، التي تؤثّر مباشرةً على الأردن ولكنه لا يملك سيطرة عليها. في الاتفاق الذي أُبرِم برعاية روسية ونتجت عنه عودة القوات التابعة للنظام السوري إلى الجنوب في العام 2018، أخذت موسكو المصالح الإسرائيلية في الاعتبار، وهي قريبة من المصالح الأميركية والأردنية. منذ ذلك الوقت، وعلى الرغم من صعوبة الحصول على المعلومات، يبدو أن إيران امتنعت عن بناء قدرات هجومية في الجنوب، وهو ما تعتبره إسرائيل خطًا أحمر. والدليل غير المباشر على ذلك أن الهجمات الجوية الإسرائيلية في الجنوب محدودة، في حين أنها تتكثّف أكثر حول دمشق ومناطق أخرى في الداخل السوري.
لكن تقارير كثيرة تشير إلى أن الدور الإيراني في سورية سيستمر في المدى الطويل. يعمد المسؤولون الإيرانيون وحلفاؤهم المحليون إلى توسيع سلطتهم من خلال التخلّص من الخصوم، وتعيين مسؤولين موالين في الأجهزة الأمنية والعسكرية المحلية، وتجنيد أشخاص في تجارة المخدرات، وإنفاق موارد من خلال المنظمات الخيرية، وشراء عقارات. على سبيل المثال، تنشط منظمة الزهراء الخيرية الإيرانية منذ العام 2018، وتتوسّع في درعا. وتبني إيران أيضًا تحالفات محلية. في هذا الإطار، يقيم المسؤولون الإيرانيون علاقات مفتوحة مع نائب ورجل أعمال مستقل من درعا، هو عبد العزيز الرفاعي الذي استقبلوه ويواصلون دعمه.3
لا يمكن الجزم بشأن ما إذا كانت إيران تعتبر الأردن هدفًا للهجمات. لكن الأكيد أن الأردن سيتحمل تبعات وخيمة نتيجةً لعدم الاستقرار في جنوب سورية. إذا كانت إيران تُحضّر على نار هادئة لفتح جبهة أمامية جديدة ضد إسرائيل في جنوب سورية، فقد يشهد الأردن على تجدّد التقلبات في الأوضاع عند حدوده الشمالية. في أفضل الأحوال، تستمر الاضطرابات في جنوب سورية، التي أصبحت الوضع الطبيعي الجديد. وفي أسوأ الأحوال، تقع مواجهة عدوانية بين إسرائيل وإيران. ومثلما هو الحال في تجارة المخدرات، هذا الوضع أكبر من الأردن، وأيضًا أكبر من النظام السوري بحد ذاته، ويرتبط الآن بالموجبات التي تفرضها الأولويات الإقليمية لطهران.
واقع الحال هو أن العلاقات الأردنية مع دمشق باتت منقسمة إلى أجزاء عدّة. يمكن للمراقبين أن يتوقّعوا إحراز تقدّم على الجبهة الاقتصادية، وفي التعاون ما دون الإقليمي، وحتى في مجال المياه. على النقيض، من المرجّح أن يبقى الأمن في المنطقة الحدودية متزعزعًا، ما يتسبب بحالة مستمرة من انعدام الاستقرار. لم يتبقَّ للأردن سوى خيارات محدودة، تتمثل بصورة أساسية بتعبئة حلفائه وشركائه لمساعدة المملكة في رفع التحديات التي تُطلّ من الطرف الآخر لحدودها الشمالية.
ربما أدرك الأردن أن رأب العلاقات الثنائية مع سورية لن يؤدّي إلى استيفاء احتياجاته الأساسية، ولذلك دافع بشدّة، في بداية تقاربه مع سورية، عن وجوبأداء دور عربي أكبر في تسوية النزاع السوري. لقد دعم الأردن، مع الإمارات العربية المتحدة والجزائر، وكذلك روسيا، إلغاء تجميد عضوية سورية في جامعة الدول العربية. ولكن منذ العام 2021، شكّلالرفض السعودي لعودة سورية إلى الجامعة العربية انتكاسة للأردن. تعويضًا عن ذلك، عمدت عمّان إلى تحسين تعاونها الأمني مع الولايات المتحدة عند حدودها الشمالية، واعتمدت على القوات الأميركية وأذرعها المحلية المتمركزة في التنف لتكون بمثابةخط دفاعي ضد أنشطة التهريب من سورية. فضلًا عن ذلك، لا تزال المملكة تسعى إلى تعزيز التنسيق الأمني مع روسيا الموجودة في جنوب سورية. في أفضل الأحوال، عززت هذه الجهود مراقبة الأردن لحدوده إنما من دون توفير حلول مستدامة لمشكلاته.
الدروس المستقاة من تجدّد العلاقات الأردنية مع سورية
يمكن استخلاص درسَين أساسيَّين من القرار الذي اتخذه الأردن بتحسين علاقاته مع سورية منذ العام 2021. أولًا، يُظهر هذا القرار أن التقارب، ولا سيما حين يكون بين بلدان إقليمية صغيرة أو متوسطة الحجم، يولّد نتائج محدودة. وقد تشمل هذه النتائج تحسّن العلاقات الاقتصادية، وإقامة علاقات دبلوماسية وأمنية، وتقديم دعم لفظي، إنما ليس أكثر من ذلك. هذا أمرٌ طبيعي، نظرًا إلى أن ليس لدى الحكومة السورية التي تحكم بلدًا متداعيًا، الكثير لتقدّمه في سياق العلاقات الثنائية. لكن في الوقت نفسه، ليست لدى دمشق مصلحة في التخلّي عمّا تمتلكه من أوراق قيّمة لأنها تسعى إلى التشجيع على حدوث تحوّل في نُهج البلدان الأخرى، ولا سيما البلدان ذات النفوذ الإقليمي، في التعامل مع الشأن السوري.
الدرس الثاني أكثر وضوحًا. حتى لو كان نظام الأسد يسيطر على بعض أبعاد سياسته الخارجية ويحتفظ بأوراق قيّمة للتلويح بها في وجه الأفرقاء الإقليميين الأكثر نفوذًا بهدف انتزاع تنازلات سياسية منهم، تبقى بعض المسائل خارج نطاق سلطته. والنفوذ الإيراني في جنوب سورية، لا بل في سورية بأكملها، هو البرهان الأساسي على ذلك. يصعب أن نتخيّل أن القيادة السورية، حتى لو كانت تمتلك الإرادة اللازمة، قادرة على إنهاء النفوذ الإيراني في المنطقة الحدودية. لقد أصبحت سورية قناةً أساسية تستطيع إيران من خلالها مواجهة أعدائها الإقليميين، فضلًا عن أنها تشكّل حلقة وصل برّية تربط طهران بحليفها الأساسي حزب الله. ومن غير المرجّح أن يؤدّي انفتاح ثنائي محدود يُظهره بلدٌ ما تجاه سورية إلى حدوث تغييرات على تلك الجبهة.
يمكن أن يتطوّر الوجود الإيراني بطرق مختلفة. ربما لا يزال نظام الأسد يمتلك هامش مناورة معيّنًا في ما يتعلق بإيران، ويمكنه حتى معارضتها في سياقات محددة. لكن لا يمكن لنظام الأسد مقايضة الوجود الإيراني باتصالات ثنائية أو حتى بانفتاح إقليمي حيال دمشق. فيداه مكبّلتان وستبقيان كذلك لبعض الوقت.
تم إصدار هذه الدراسة بدعمٍ من برنامج X-Border Local Research Network (شبكة البحث المحلية حول القضايا العابرة للحدود الوطنية) الذي يحظى بتمويل من مشروع UK Aid التابع للحكومة البريطانية. إن الآراء الواردة في هذه الدراسة لا تعبّر بالضرورة عن السياسات الرسمية للحكومة البريطانية.
هوامش
1مقابلة أجراها المؤلّف مع باحث وصحافي بارز مقيم في دمشق وله وصول إلى مسؤولين في الأمن ووزارة الخارجية (عبر واتساب)، 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2022.
2 استنادًا إلى زيارات ميدانية منتظمة قام بها المؤلّف إلى أجزاء شمالية من الأردن، ولا سيما إربد والرمثا، بدءًا من العام 2018 وحتى تشرين الأول/أكتوبر من العام 2022.
3 مقابلة أجراها المؤلّف مع صحافي سوري من درعا (عبر واتساب)، 4 تشرين الثاني/نوفمبر 2022، مقابلة أجراها المؤلّف مع باحث وصحافي بارز مقيم في دمشق وله وصول إلى مسؤولين في الأمن ووزارة الخارجية (عبر واتساب)، 22 تشرين الثاني/نوفمبر2022.
End of document
لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.
—————————-
هل سيقود العراق سفينة نجاة النظام السوري!/ جاسم الشمري
تقاس علاقة الأنظمة الحاكمة بشعوبها في وقت الشدائد وليس في أوقات الرفاهية والرخاء، ولهذا فإن الأنظمة الظالمة تستخدم الأدوات المميتة للوقوف بوجه الشعوب التي تنادي بحقوقها وحريتها وكرامتها، والأنظمة العادلة تعمل لتطبيق وتحقيق ما يمكن تطبيقه من مطالب الجماهير سعيا لتوفير حياة حرة وكريمة للمواطنين.
وقد كان للشعب السوري في العام 2011 موقف مميز من النظام الحاكم في دمشق برئاسة بشار الأسد، وخرجت مظاهرات رافضة للظلم وللخراب العام في البلاد، ولكن النظام واجهها بقسوة قلّ نظيرها في العصر الحديث.
ولقد بلغت فاتورة التضحية الشعبية السورية لمستويات مذهلة، وهذه الحقائق أكدتها مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت نهاية أيلول/ سبتمبر 2021، حيث كشفت لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بأن عدد قتلى سوريا المؤكد بلغ نحو 350 ألف شخص، وأن الرقم الحقيقي أعلى بكثير، وأن الإحصائيات الأممية تشمل أولئك المعروفين بأسمائهم الكاملة وتاريخ الوفاة والذين ماتوا في كل محافظة معينة.
ولفتت إلى وجود امرأة بين كل 13 قتيلًا، (26 ألفًا و727 امرأة)، ووجود طفل تقريبًا بين كل 13 قتيلًا (27 ألفًا و126)!
وعلى إثر تلك الثورة والقسوة المفرطة التي استخدمها النظام ضد المواطنين السوريين في منازلهم عانى النظام من عزلة سياسية عربية وعالمية إلا من بعض البلدان القريبة والبعيدة التي آثرت مصالحها الاستراتيجية والفكرية على أرواح الشعب السوري الحرّ وفي مقدمة هذه الدول روسيا وإيران!
وبعد 11 عاماً على انطلاق الثورة السورية نلاحظ أن النظام بدأ يتنفس الصعداء في بعض الميادين العربية، وقد تابعنا نهاية شباط/ فبراير 2023 فعاليات مؤتمر الاتحاد البرلماني العربي ببغداد، والتي تمخض عنها زيارة غربية لوفد من الاتحاد برئاسة محمد الحلبوسي، رئيس البرلمان العراقي إلى دمشق!
وبعد البيان الختامي للمؤتمر وإقراره لتشكيل وفد برلماني عربي لزيارة سوريا، لاحظنا أن الترتيبات كان معدة سلفا لهذه الزيارة التي شارك فيها بعض رؤساء البرلمانات العربية!
وجاءت الزيارة بمبادرة من الحلبوسي الذي اقترح تشكيل الوفد والانطلاق إلى دمشق بمجرد اختتام أعمال دورة الاتحاد!
وتضمنت الزيارة وفقا لتصريحات الحلبوسي دعوة الدول العربية إلى تغيير سياساتها تجاه النظام السوري، وأن تتخذ الدول العربية وعلى “كافة المستويات البرلمانية والحكومية قراراً نهائياً بعودة سوريا إلى محيطِها العربي”!
ولا ندري هل التوقيت مقصود لبيان أن الدول التي وافقت على زيارة دمشق تقف بالضد من الثورة السورية وبالنتيجة بالضد من الشعب السوري، أم أن الإملاءات الخارجية وبالذات الإيرانية منها أوجبت على بعض القوى الإقليمية الفاعلة أن تسعى لكسر الطوق المحكم المفروض على النظام السوري في علاقاته الخارجية؟
ولتأكيد الدور الإيراني في التشجيع على هذه الزيارة تابعنا كيف أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، أشاد عبر حسابه في “تويتر” بهذه الخطوة، وأكد بأن “الانفتاحات الأخيرة في علاقات الدول العربية مع سوريا، بما في ذلك زيارة وفد من البرلمانات العربية إلى دمشق لإعلان التضامن معها بعد الزلزال المدمر الأخير، خطوة واقعية وإيجابية على طريق التضامن الإسلامي”.
أظن أن إيران ومن معها قد نجحوا في ترميم بعض صورة النظام السوري في الوطن العربي وذلك عبر أدواتها الفاعلة في عموم المنطقة والعراق خصوصا، وبالذات ونحن نتحدث عن العديد من الشخصيات الفاعلة والمحركة للسياسة العراقية والقريبة في ذات الوقت من طهران، وفي مقدمتهم الإطار التنسيقي (الشيعي) برئاسة نوري المالكي الذي يبدو أنه يدير العديد من الملفات من وراء ستار!
وبحسب ما نقلته الوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا)، ضمّ الوفد رئيس الاتحاد البرلماني العربي ورئيس البرلمان العراقي، محمد الحلبوسي، والأمين العام للاتحاد، ورؤساء مجلس النواب في الإمارات والأردن وفلسطين وليبيا ومصر، إضافة إلى ممثلَي مجلس نواب سلطنة عمان ولبنان.
ولا ندري لمصلحة مَن كانت هذه الزيارة، وهل هي فعلا لدعم الشعب السوري ومؤازرته بعد الزلزال القاتل الذي ضرب الشمال السوري الخارج عن سيطرة النظام، أم هي لدعم النظام الإجرامي الحاكم في دمشق؟
وعلى الجانب الآخر رأى حمودة صباغ رئيس مجلس الشعب السوري الذي مثل النظام في اجتماعات الدورة 34 للاتحاد البرلماني العربي ببغداد أن “أجواء مؤتمر الاتحاد كانت إيجابية جداً، وركزت على الموقف الموحد لجميع الدول العربية بضرورة عودة سوريا إلى حضنها العربي”!
وكأنما أراد، حمودة صباغ، أن يعلن، ومن بغداد، أن النظام انتصر على دماء مئات آلاف السوريين الأبرياء الذين سحقتهم آلة النظام الإرهابية؟
والمؤلم أن الوفد البرلماني لغالبية الدول العربية قد التقى برئيس النظام السوري بشار الأسد!
فهل ستكون هذه الزيارة (المخجلة والمهمة) بداية لتطبيع العلاقات العربية – السورية، وهل غطاء التلاحم مع الشعب السوري بسبب الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا والشمال السوري مناسبة للتطبيع مع النظام، الذي قتل بآلته الدموية قرابة مئة ضعف المواطنين الذين قتلوا نتيجة الزلزال؟
وحتى موقف النظام السوري من الزلزال كان سلبيا ولم يفتح الحدود البرية لتقديم المساعدات للشمال السوري إلا بعد أربعة أيام تقريبا من الكارثة مما تسبب بتأخر وصول المساعدات وبالتالي زيادة أعداد الضحايا نتيجة الزلزال المدمر!
ثم هل هذه الخطوة لمصلحة الشعب السوري الذي أصبح اليوم ما بين مهجر ومطارد وغريب في داخل وطنه وخارجه؟
إن الدول العربية التي رفضت أن ترسل ممثليها في الزيارة للنظام السوري، سجلت لنفسها موقفا تاريخيا مهما ومتضامنا مع أهالي الضحايا السوريين، لأن القفز على دماء قرابة نصف مليون شهيد سوري لا يمكن أن يقبل، وفي ذات الوقت هذا طعن بكل القيم الإنسانية والأخلاقية والسياسية!
ويبدو أن بعض الإملاءات الإقليمية والدولية هي التي مهدت لعودة النظام السوري إلى الاتحاد البرلماني العربي، وهذا بدوره سيمهد الطريق لعودة النظام للجامعة العربية، والذي جمدت عضويته في الجامعة العربية منذ العام 2011، وقد يسبقها تبادل غالبية الدول العربية لتمثيلها الدبلوماسي مع النظام!
فما الذي تغير حتى يتم التطبيع مع النظام السوري؟ وهل هنالك (مصالحة وطنية) سورية مع النظام حتى نقول بأن الدول العربية تتماشى في سياساتها مع إرادة الشعب السوري، ولم يحدث حتى اليوم أي تقارب (شعبي من المعارضة السورية أو غيرها) مع النظام؟
إن هذه المحاولات الرسمية من بعض الدول العربية لا تمثل الرأي الشعبي العربي حتى للبلدان التي زارت دمشق لأن الدم العربي لا يمكن التهاون به، ولهذا كان يفترض ألا تكون هذه الخطوة الاستفزازية التي أقلّ ما يقال عنها إنها جاءت في توقيت خاطئ، واستخفت بدماء وتضحيات ملايين المواطنين السوريين!
تلفزيون سوريا
————————
مبادرات التطبيع المستحيلة مع النظام السوري/ عبد الناصر الجاسم
بات واضحاً أن القضية السورية تمر بحالة من العطالة الإنسانية والسياسية وذلك بفعل عدد من المتغيرات والظروف الخارجية الدولية والإقليمية، ولعل أبرزها برود الإدارة الأميركية في تعاطيها مع الشأن السوري، وتحول اهتمام العالم نحو الحرب الروسية على أوكرانيا وتداعياتها وتشتت التركيز الروسي في الساحة السورية، وانشغال تركيا في الاستحقاق الانتخابي داخلياً والتغيّر الذي طرأ على أولوياتها في الإطار الإقليمي، حيث تجلى ذلك من خلال إعلانها فتح حوار مع النظام الحاكم في سوريا على عدة مستويات، مما أربك موقف القوى المعارضة المرتبطة بالموقف التركي وأدخلها في مرحلة حيرة وإنكار انتهت إلى صمت وعطالة. كما لعبت المتغيرات الداخلية دوراً في تعزيز هذه العطالة وذلك بفعل أداء هزيل ومتناقض لمؤسسات المعارضة الرسمية المتمثلة بمؤسسة الائتلاف والحكومة الموقتة وهيئة التفاوض ومجموعة مسار أستانة، ولا يمكننا إغفال دور النظام الحاكم في تعطيل كل المسارات السياسية والتفاوضية، واستمراره في نكران الواقع وتزييفه واستخدام العنف المفرط والتجويع بحق المواطنين الذين يقيمون في مناطق سيطرته ومواصلة الاعتداء على المناطق الخارجة عن سيطرته سياسياً وعسكرياً.
طبيعة هذه المبادرات
في بيئة العمل السياسي الدولي هناك قوى تُحدِث التغيير في الموقف وهي الدول المؤهَلة سياسياً واقتصادياً وتكنولوجياً وعسكرياً لإحداثه ولديها سيطرة وتحكُّم في أعمال المنظمات الدولية والأممية، وعادة ما تكون منخرطة بشكل مباشر في الصراع السوري، وتأتي في مقدمة هذه الدول الولايات المتحدة الأميركية. وهناك قوى تتأقلم مع هذا التغيير في الموقف وهي الدول والقوى المؤهَلة لذلك، ولديها الإمكانات والقدرات الكافية لضمان مصالحها وفق كل المتغيرات المحتملة، وغالباً ما تكون هذه الدول غير منخرطة بشكل مباشر في الصراع، ولعل الغرب بالعموم والصين في مقدمة هذه القوى. وهناك قوى ودول تندهش من هذا التغيير في الموقف ولا تملك من الإمكانات والقدرات سوى البحث عن أدوار وظيفية وتجريبية لتجسيد الانسياق وراء هذا التغيير في الموقف، وغالباً ما يكون تأثيرها صفرياً في معادلة الموقف الدولي والإقليمي، ولعل هناك بعضاً من القوى التابعة والأنظمة العربية التي اعتادت على لعب هذا الأدوار باستمرار وهي تتحرك وفق إشارات وتتوقف بأوامر مباشرة، وتاريخ الصراع في سوريا حافل بالكثير من الأمثلة الدالة على ذلك.
الزلزال وأسئلة المياه الراكدة
بعد وقوع الزلزال المدمر في جنوبي تركيا وشمالي سوريا المنكوب، تحرك الملف الإنساني وتم تسليط الضوء على الاستحقاقات الإنسانية من قِبل الدول والمنظمات والشبكات الاجتماعية والأفراد، مما هيأ لبعض القوى الثالثة والمندهشة بأن الزلزال هو الفرصة التي ستحرك المياه الراكدة وتُمكنها من ممارسة عشقها الممنوع تحت غطاء إنساني، وسارعت بعض من هذه الكيانات لزيارة النظام الحاكم وبعض مؤسساته، وحمّلوا هذه الزيارات أكثر مما تحتمل من عناوين عريضة ورنانة مثل (جئنا من أجل الشعب السوري) و(نحن نمثل شعوب بلداننا) وفي الحقيقة هم لا يمثلون سوى أنفسهم وأنظمتهم التي لم تقطع علاقتها يوماً مع هذا النظام المستبد، وكذلك زيارتهم لا تحقق أي منفعة للشعب السوري بل على العكس تماماً فهي تطيل من عمر معاناة السوريين كل السوريين، وهناك من حمّل هذه المبادرات أهدافاً مستحيلة مثل (استعادة النظام من الحضن الإيراني إلى الحضن العربي) ولو أردنا أن نتزود بقليل من الصبر والحكمة ونناقش إمكانية نجاح هذا الهدف الافتراضي لهذه المبادرات، علينا الإجابة على بعض التساؤلات، هل يستطيع هذا النظام الخروج عن عباءة الإيراني بعد تحالفات عَقدية وثقافية وميليشياتيه ومالية تجاوز عمرها عقداً من الزمن؟ وهل سيقبل النظام فتح ملف المعتقلين بسبب التظاهر وإبداء الرأي والمغيبين قسرياً والذين يتجاوز عددهم مئات الآلاف؟ وهل يقبل هذا النظام بفتح ملف جرائم الحرب وتدمير المدن والبنى التحتية، واستخدام السلاح الكيمياوي، وزراعة الحشيش وتصنيع المخدرات؟ وهل يستطيع نظام بهذه المواصفات أن ينخرط في عملية تسوية سياسية تبدأ في بناء ثقة مع كل أطياف الشعب السوري المعارض لنظامه وكتابة دستور جديد ثم إجراء انتخابات حرة تحت مراقبة دولية وكسر حتمية توريث الحكم؟ هل يستطيع نظام بهذه المواصفات القبول بإخراج كل القوات الأجنبية من الأراضي السورية، قوات وميليشيات ومرتزقة؟ هل من الممكن ضمان عودة آمنة وكريمة للنازحين واللاجئين إلى مدنهم وبلداتهم وقراهم وممتلكاتهم، وإيقاف الملاحقات الأمنية؟
هل يمتلك هذا النظام الحد الأدنى من الضمانات التي يمكن تقديمها للدول المانحة وذلك للمباشرة بعمليات الإنعاش المبكر وإعادة الإعمار؟
الخلاصة
من المؤكد والمعروف بأن لدى جميع السوريين الإجابة الواضحة والأكيدة عن الأسئلة المطروحة آنفاً، مما يقودنا للوصول إلى حقيقة وهي أن هذا النظام لم يعد صالحاً لأي فعل أو عمل لصالح السوريين وكل يوم إضافي في بقائه في السلطة يعني إطالة أمد مقتلة السوريين وعذاباتهم وتدني مستويات معيشتهم وعزلتهم عن أسباب الحياة، فضلاً عن خطورة وجوده على شعوب المنطقة بعد توسيع نشاطاته في تصنيع وتوزيع المخدرات. وكذلك انطلاقاً من معرفتنا بموقع هذه المبادرات والتجارب في ميزان القوى الدولية وفي ميزان الشعوب الحرة، ندرك بأنها محاولات بائسة وفاقدة للمضمون الإنساني ومستحيلة الأثر.
عبد الناصر الجاسم
تلفزيون سوريا
—————————
استراتيجيات “الشرعنة متعددة الأوجه” والتلاعب الخطابي: كيف استغلّ النظام السوري كارثة الزلزال؟/ رهف الدغلي
مقدمة[1]
بعد مضيّ أكثر من شهر على الزلزال المأساوي الذي ضرب تركيا وسورية، بقوة بلغت 7.8 درجات على مقياس ريختر، مخلّفًا أكثر من 51,900 ضحية في تركيا وسورية، ومُكبّدًا البلدَين خسائر اقتصادية تتجاوز قيمة 84 مليار دولار في تركيا وحدها[2]؛ تتجاوز تداعيات آثار الزلزال الصعيدَين الإنساني والاقتصادي لتشمل أيضًا، وخاصة في الحالة السورية، مستوى شرعية الدولة وأدوارها في الاستجابة للكوارث الطبيعية؛ فالمناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري تعاني أصلًا أزمةً اقتصاديةً حادةً، وتدهورًا متزايدًا في ظروف الحياة المعيشية، وذلك في جزء منه بسبب الحرب الأهلية المستمرة منذ أكثر من 12 عامًا، ولكن الجزء الأهم منه بسبب الفساد المستشري في مفاصل النظام نفسه، وتعنّته في رفض أي حلّ سياسي ضمن القرار 2254، واستمراره في وضع مقدرات الدولة لتمويل الأعمال العسكرية المستمرة، بهدف بقاء النظام بأيّ ثمن كان. لقد أعاد الزلزال للواجهة أسئلة تتعلق باستراتيجيات نظام بشار الأسد للاستثمار في الكارثة، من خلال تسخير المساعدات الإنسانية بهدف إعادة تأهيله، إقليميًّا ودوليًّا.
منذ بدء الانتفاضة الشعبية في عام 2011، كان هدف نظام الأسد الأساسي استرجاع السيطرة العسكرية على كامل أراضي سورية، إلا أن ذلك كان مصحوبًا أيضًا بابتداع النظام أساليب ممنهجة ومسيسة لعمليات التدجين والتلاعب الخطابي والاستثمار في الهويات الطائفية والاثنية، والدحض الكامل لأي سردية تجعل منه مسببًا للحرب. وقد لجأ النظام إلى أمننة Securitization معارضيه،[3] كما وظّف العقوبات الاقتصادية والحصار الدولي في خطابه الموجّه للداخل، وبنى سرديّة تقول إن هذه العقوبات هي السبب الرئيس في الأزمة الاقتصادية التي آلت إليها سورية. وفي حالات التسلطية المترسخة entrenched authoritarianism، لا بدّ من الإشارة إلى أن بقاء النظام الاستبدادي التسلطي لعقود يمنحه الخبرة والمرونة والقدرة على تكييف استراتيجياته في السيطرة؛ فإلى جانب استخدام العنف المادي المباشر، فهو يُحكم سيطرته على الموارد الطبيعية كافة، ويستخدم الريع الناتج عنها لتعزيز وترسيخ نخب دينية واقتصادية موالية له[4].
في السياق السوري، تُظهر كارثة الزلزال تعقيدات الديناميات الداخلية للنظام التسلطي في سورية وهشاشة الأجهزة الحكومية كفاعلين في أعمال الاستجابة. ومن خلال نظرة عامة لتقييم أداء الحكومات التسلطية، لا بدّ من الإشارة إلى أن مركزية وفردانية الحكم، كما في السياق السوري، والاعتماد على الآلة العسكرية، ترسّخ ديمومة الاستبداد، ولكنها تفضي أيضًا إلي ترسيخ هشاشة الدولة. وتعود أسباب فشل الدولة في إدارة الأزمات عمومًا إلى سيطرة الجيش ومظاهر الحكم العسكرية[5]، فضلًا عن الاستثمار في التصدعات الطائفية والاثنية والجماعاتية؛ لكن الحالة السورية تبيّن أيضًا تقزّم أداء حكومة النظام في فترة الكارثة، بعجزها عن الاستجابة للمتضررين، وبروز دور الأمانة العامة للتنمية، التي باتت أشبه بـ “دولة ضمن الدولة” a state within the state، لكنها تأخذ ظاهريًّا قالبًا غير حكومي. وعلى الرغم من مساعي النظام، خلال العقود الأخيرة، للتعامل بشكل أمني مع أي مبادرات مجتمعية أو مدنية (مرتبطة بالمجتمع المدني) باستثناء المبادرات المنبثقة منه أو التي يستفيد منها، يُظهر الزلزال الأخير أن النظام عاجزٌ عن تأطير المبادرات المجتمعية التي سارعت إلى الاستجابة للمتضررين.
على المستوى الدولي، كشف هذا الزلزال عن تقاعس المجتمع الدولي في حلّ الأزمة السورية، وبيَّنَ أكثر من أي وقت مضى اتجاه الأمم المتحدة نحو ترسيخ شرعية النظام بتفويضه إدارة المعابر، مستخدمةً في ذلك خطاب السيادة. وهكذا، يمكن اعتبار الزلزال بمنزلة اللحظة التحولية transformational moment لإعادة التفكير في مفهوم السيادة والشرعية والديناميات الداخلية للأنظمة التسلطية. وتحاجج هذه الورقة بأن كارثة الزلزال الأخير تُعيد تذكير الباحثين في حقل العلاقات الدولية والديناميات الداخلية للأنظمة التسلطية بأنّ الشرعية والسيادة مفهومان متغيران يتشكلان و/أو يعاد تشكيلهما حسب مصالح الفاعلين الإقليميين أو المحليين. وعليه، تنطلق هذه الورقة من مراجعة وتفكيك مفهومي الشرعنة متعددة الأوجه multifaceted legitimation والسيادة sovereignty، بوصفهما مفهومَين تُستمَد معانيهما من مصادر خارجية external sources، مثل الفاعلين الإقليميين والمنظمات الدولية كالأمم المتحدة، أو داخلية مفروضة من فوقfrom above ، أي من قبل السلطة الحاكمة[6].
وانطلاقًا من التعامل مع كارثة الزلزال، بوصفها محددًا مؤثرًا ومتغيرًا، تقدّم هذه الورقة تحليلًا لكيفية استثمار نظام الأسد التسلطي للكارثة، من خلال استغلال المبادرات الإقليمية والدولية لتقديم المساعدات للمتضررين كنافذة للشرعنة وترسيخ سيادة مستمدة من الخارج. تبدأ الورقة بتحليل استراتيجيات التلاعب الخطابية التي يعتمدها نظام الأسد، مبينةً كيف يجري توظيف استجابة النظام للكارثة، في شكل من أشكال استراتيجيات الشرعنة المفروضة من فوق. وتقدّم الورقة، في هذا السياق، تحليلًا لخطاب النظام الموجّه إلى السوريين، فضلًا عن تحليل أثر هشاشة الدولة التي أدت إلى تنفُّذ مصادر أخرى للحكم، مثل الأمانة العامة للتنمية كبديل مُشَرعَن. ثم تنتقل الورقة إلى مناقشة تعقيدات وتناقضات مفهومَي السيادة والشرعية، التي أبرزتها كارثة الزلزال، من خلال طريقة تعامل الأمم المتحدة مع نظام الأسد، وكيف تحوَّلت إلى أداة للشرعنة الخارجية، ومن ثم إلى أداة لتعزيز سلطوية نظام الأسد. وتحاول الورقة فحص كيفية تأثير الكوارث الطبيعية في سلوك المتضررين وأحكامهم السياسية political judgements في سياقات أخرى، إضافة إلى مقاربة مدى فاعلية الحراك المجتمعي social mobility والمبادرات الأهلية التي أتاحها الزلزال في مناطق سيطرة النظام السوري، وتقييمها كأداة لمقاومة القيود السلطوية المتنفذة، واستنباط مدى قدرتها على خلق فضاء عام تضامني عابر للانقسامات والاستقطابات.
يمكنكم قراءة البحث كاملًا بالضغط على علامة التحميل
[1] شكر خاص لمساعدة الباحث بتول حديد، لمساعدتها في جمع الداتا.
[2] تصل إلى 84 مليار دولار.. تقديرات اقتصادية أولية تكشف حجم خسائر الزلزال في تركيا، موقع الجزيرة، نشر في 13 شباط 2023، متوفر على: http://bit.ly/41Lde85
[3] Aldoughli, Rahaf. Securitization as a Tool of Regime Survival: The Deployment of Religious Rhetoric in Bashar al-Asad’s Speeches, Middle East Journal 75 (1): 2021, pp. 9-32. See also: Barry Buzan, Ole Wæver, and Jaap de Wilde, Security: A New Framework for Analysis (Boulder, CO: Lynne Rienner, 1998), 26; Barry Buzan and Ole Wæver, Regions and Powers: The Structure of International Security (Cambridge: Cambridge University Press, 2003), 3–4
[4] وجيه حداد، أثرياء الحرب الجدد محل قدامى رجال الأعمال في سورية، مركز حرمون للدراسات المعاصرة، 30 أيار 2022. متوفر على: https://bit.ly/3KZJ2Ql
[5] Bellin, Eva. “The Robustness of Authoritarianism in the Middle East: Exceptionalism in Comparative Perspective,” Comparative Politics 36, no. 2 (January 2004): p. 139, https://doi.org/10.2307/4150140.
[6] Bexell, Magdalena. Global Governance, Legitimacy and Legitimation (Routledge, 2020), p. 5.
مركز حرمون
—————————-
رفع التمثيل الدبلوماسي التونسي في سوريا… هدية للأسد بدعوى الإنسانية؟/ درة الرابحي
بعد مرور 10 سنوات على قطع غالبية الدول العربية علاقاتها مع سوريا، أسهم الزلزال الذي ضربها مؤخراً في 6 شباط/ فبراير الماضي، في تغيير سياسات بعض الدول تجاهها خاصة من التي تتعاطف سياسيا مع نظام بشار الأسد، وأولها تونس التي أعلن رئيسها قيس سعيّد رفع تمثيل دبلوماسية تونس لدى دمشق، وسط تساؤلات عن مدى جدّية هذه الخطوة التي عدّها البعض مجرد وعد صوري قد يزول إذا ما استمرت حالة التشظي والصراع الرئاسي-النقابي الذي تمر به البلاد، وعن تداعيات استعادة العلاقات مع نظام بشّار الأسد، إذا ما باشرت السفارة التونسية في دمشق عملها على سياق صراع المحاور في المنطقة.
سعيّد… قنّاص الفرص
أثار قرار الرئيس التونسي قيس سعيّد، رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي التونسي في دمشق، حفيظة معارضيه الذين أبدوا معارضةً واضحةً لمستوى التحول البارز في الموقف السياسي التونسي تجاه النظام السوري الذي عاش عزلةً دوليةً وعربيةً طوال السنوات الماضية. فيما عدّه جزء آخر بادرةً ستُعيد علاقات الأخوة والتآزر بين الشعبين التونسي والسوري، وبشرى ستُذيب الجليد الذي تكدّس في حقبة كلّ من زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي والرئيس السابق للبلاد المنصف المرزوقي اللذين بادرا إلى إنهاء العلاقات.
جدد الرئيس التونسي في قراره التأكيد على “وقوف تونس شعباً ووطناً إلى جانب السوريين كافة”، مشيراً إلى أن مهمة السفير الجديد ستكون معتمدةً من قبل الدولة وليس النظام، مشدداً في الآن ذاته على أن قضية النظام السوري شأن داخلي يهمّ السوريين وحدهم.
وتحدث قيس سعيّد، في بيان للرئاسة التونسية، عن سوريا الدولة “التي تتربع في قلب الشرق”، والتي مرّت بمحطات تاريخية مهمة، وبمخاضات سياسية وترتيبات منذ بداية القرن العشرين أسهمت في تقسيمها.
وأكد سعيّد، أن السيادة الوطنية فوق كل اعتبار، “فكما لا نقبل التدخل في الشؤون الداخلية للدول، لا نقبل بالتدخل في شأننا الداخلي ولا نقبل الانخراط في سياسات المحاور، فسيادة الشعب في الداخل هي مصدر السلطة وسيادة الدولة على المستوى الدولي هي نتيجة للإرادة الحرة والمستقلة للشعب التونسي”.
في هذا السياق، انتقد الإعلامي التونسي علاء زعتور، القرار قائلاً إن قيس سعيّد استغلّ النكبة التي حلّت بالشعب السوري في شمال البلاد الذي دمّره الزلزال مؤخراً، ليُنعش نظام الأسد المحاصر دولياً بإعادة علاقات تونس الديبلوماسيّة معه.
من الزلزال السياسي إلى “دبلوماسية الزلازل”
إن المتأمل في ما خلّفه الزلزال الذي ضرب سوريا من أذى مادي وخسائر بشرية لا تزال مركونةً تحت الأنقاض، يلحظ أن الهَبّة العربية والدولية لتقديم المساعدة وإنقاذ الضحايا لم تكن سوى وجهاً من أوجه الدبلوماسية التي لم تتخلَّ فقط عن نشاطها التقليدي، لا بل اتخذت من مدّ يد العون في زمن الكوارث والأزمات مظلةً لرفع الجُنح عن الشعب السوري بعيداً عن المسرح السياسي المعقّد.
وأما عن تونس، فقد قطعت قنوات التواصل الدبلوماسي مع نظيرتها سوريا عام 2011، بسبب تزايد سقوط قتلى من المدنيين على يد قوات نظام الأسد، وأعلن خلالها الرئيس المؤقت الأسبق المنصف المرزوقي، في الرابع من شباط/ فبراير 2012، طرد السفير السوري في تونس وسحب أي اعتراف بالنظام الحاكم في دمشق، داعياً الأسد إلى التنحّي عن السلطة. وفي ما بعد، عيّنت وزارة الخارجية التونسية عام 2015 (حقبة حكم الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي)، قنصلاً عاماً لتونس في العاصمة السورية دمشق، لتليها بعثة دبلوماسية محدودة في عام 2017، وبعدها سقطت عريضة برلمانية مطالبة بإعادة العلاقات في العام ذاته في مجلس النواب السابق، بعد تصويت 68 نائباً فقط لصالح المشروع، وامتناع 77 نائباً عن الإدلاء بأصواتهم، وتصويت 6 نواب ضده (بينما تمت المصادقة بموافقة 109 نوّاب من أصل 217).
كما شهدت العلاقة بين دمشق وتونس نوعاً من التقارب أواخر سنة 2018، برزت ملامحه من خلال استئناف حركة الطيران بين العاصمتين، وتواصلت مع الرئيس قيس سعيّد عملية التخلص من الفتور الدبلوماسي، إذ التقى قبل أشهر بوزير الخارجية السوري فيصل المقداد، في العاصمة الجزائرية، وحمّله رسالةً إلى نظيره بشّار الأسد، عبّر فيها عن خالص تحياته وسعادته بالإنجازات التي حققتها كل من سوريا وتونس لدحر قوى الظلم والتخلف.
مساندة حتى داخل “المعارضة”؟
تنكّر الأمين العام لحزب العمال اليساري المعارض، لقرار رفع التمثيل الدبلوماسي التونسي في سوريا، مؤكداً أن “أعضاء الحزب طالبوا في ما مضى ويطالبون وسيواصلون المطالبة بإعادة العلاقات التونسية-السورية بصفة تامة، وليس رفع صورة الدبلوماسية كما يسعى الرئيس قيس سعيّد”، محمّلاً مسؤولية تفكك العلاقات بين البلدين إلى حكومة الترويكا التي توافقت آنذاك مع الرئيس الأسبق المؤقت المنصف المرزوقي، وأعلنا موقفاً معادياً لسوريا أضرّ بأمن تونس وأسهم في التستر على حقيقة ملف تسفير التونسيين إلى مناطق القتال والمسؤولين عنه، عادّاً أن محاولة رفع التمثيل الدبلوماسي التونسي، خطوة أولى نحو اتخاذ قرار عودة العلاقات مع النظام السوري الذي بحوزته أدلة ووثائق تثبت الجهات التي شاركت في التسفير انطلاقاً من تونس.
وشكّك الهمامي، في تصريح لرصيف22، في جديّة قرار الرئيس سعيّد وتطبيقه فعلياً، عادّاً أن ذلك يعود إلى ضعف –إن لم نقل انعدام- السياسة الخارجية لتونس مما جعلها مغيّبةً عن الساحة الدولية وفاقدةً لنفوذها.
بدوره، رأى أمين عام حزب التكتل المعارض خليل الزاوية، خلال حديثه إلى رصيف22، أن الظرف الحالي المتشنّج بفعل ما أفرزته الهزة الأرضية العنيفة التي ضربت أجزاءً كبرى من سوريا، كان له وقع إيجابي على مستوى كسب تعاطف دولي هيّأ لها الأرضية الملائمة لإعادة العلاقات الدبلوماسية معها، معرباً عن تأييده لمبدأ التآزر وعودة العلاقات بين تونس وسوريا بغض النظر عن طبيعة النظام السوري. إلاّ أن ذلك غير ممكن في الوقت الحالي نظراً إلى ارتباط هذا الملف بجامعة الدول العربية، ولكون الدبلوماسية التونسية لا تملك المؤهلات الكافية للتأثير في قرارات الجامعة أو حتى التدخل فيها لأن الوضع العربي الحالي، وفق رأيه، ليس جاهزاً للتطبيع مع النظام السوري.
من جهته، قال القيادي في حزب حركة النهضة المعارض، والمعروف بانتقاداته اللاذعة للرئيس التونسي، منذر الونيسي، إن “التمثيل الدبلوماسي من اختصاص الدولة التونسية، ونحن نصطفّ وراء سياسات وقرارات الدولة التونسية إذا كانت تصبّ في مصلحة التونسيين”، مضيفاً في تصريح لرصيف22، أن “قرارات رئيس الجمهورية منذ ما يُسمّى بانقلاب 25 تموز/ يوليو، مجرّد أحاديث لن تُمارَس على أرض الواقع، ونتج عنها تخبّط سياسته الخارجية في مستنقع الظلام والعُزلة عما يحدث على الساحة الدولية.
هل تعود سوريا إلى “الحاضنة العربية”؟
على ما يبدو، فإن انفتاح تونس على دمشق يُعدّ خطوةً مهمةً بالنسبة للرئيس قيس سعيّد، الذي آمن بـ”مسار الخامس والعشرين من تموز/ يوليو”، الذي قاده هو شخصياً ليقطع تارةً مع المنظومة السابقة بزعامة حركة النهضة التي قطعت العلاقة مع سوريا، وليدعم تارةً أخرى سيره مع توجهه الأيديولوجي وطبيعة الحزام الحزبي المُحيط به والمؤثر في سياسات الرئيس التونسي، وهو ما عدّه القيادي في ائتلاف الكرامة المعارض لسعيّد، منذر بن عطية، خلال حديثه إلى رصيف22، “محيطاً مختلطاً بين القومية واليسارية، ومساندته لبشار الأسد كانت معلنةً منذ اندلاع الثورة”.
ولعل تحرك بعض القوى السياسية، بما فيه المعارضة، في تونس قد سهّل المأمورية على الرئيس سعيّد في التوجه نحو الإشارة إلى ضرورة إعادة العلاقات مع سوريا.
هذا الموقف تسانده فيه هيئات وتنظيمات قومية، متعاطفة مع نظام بشار الأسد. فقد دعت الهيئة الوطنية للمحامين السلطة السياسية إلى فك العزلة عن الشعب السوري، وإرجاع العلاقات الدبلوماسية فوراً، وعلى أعلى مستوى، مؤكدةً التزامها المطلق بكافة القضايا العربية سعياً إلى مقاومة ما وصفته بـ”مخططات التقسيم والتخريب والإفساد التي تهدد الوطن العربي”.
كما دعت نقابة اتحاد الشغل، في رسالة وجهتها إلى الرئيس قيس سعيّد، في عام 2021، إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق والابتعاد عن سياسة المحاور.
بدوره، وصف المتحدث باسم حزب التيار الشعبي القومي المساند لسعيّد، محسن النابتي، في تصريح لرصيف22، القرار الرئاسي بالحركة الإيجابية في طريق إعادة العلاقات كاملةً بين البلدين، لأنها حركة مزجت، وفق تعبيره، الموقف السياسي بالإنساني وستُسهم في خدمة الجالية التونسية في سوريا.
وأعرب النابتي عن أمله في أن يعلن الرئيس التونسي عن فتح السفارة التونسية في دمشق بتمثيل دبلوماسي كامل في أقرب وقت ممكن، مشيراً إلى أن اجتثاث العلاقات كان بقرار خارجي فُرض على تونس في فترة تولت فيها مجموعة من الأحزاب والأشخاص حكم تونس في إطار مؤتمر أصدقاء سوريا.
رصيف 22
———————
التايمز: وسط معارضة غربية..دول عربية حاربت الأسد تعمل على إنهاء عزلته
إبراهيم درويش
نشرت صحيفة “التايمز” تقريرا لمراسلها في الشرق الاوسط ريتشارد سبنسر، قال فيه إن الدول العربية أصبحت المحرك الرئيسي لإخراج رئيس النظام السوري بشار الأسد من عزلته. وأشار إلى أن هذه الدول تتجه نحو مواجهة مع حلفائها الغربيين، الذين لا يزالون يعارضون رفع العقوبات وتطبيع العلاقات مع النظام السوري.
وقال إن وزير الخارجية المصري، كان آخر مسؤول عربي بارز يصل إلى دمشق ومن دولة موالية للغرب، حيث التقى مع الأسد ودعا إلى “العودة للمكان الطبيعي”، وقام وزير الخارجية الأردني بأول زيارة له إلى دمشق منذ اندلاع الحرب الأهلية. وفي الشهر الماضي سافر الأسد إلى عمان بناء على دعوة من سلطانها، وهي دولة حليفة أخرى ومهمة للغرب، إلى جانب كونها شريك استراتيجي.
وترى الصحيفة أن التحرك لإعادة مقعد سوريا في الجامعة العربية بعد تعليق عضويتها في 2012 عندما بدأ إطلاق النار، تقوده دولة الإمارات العربية المتحدة المعادية أيضا لإيران، الحليف المهم للأسد. وتدعو الإمارات لوقف “التشرذم” العربي. وحتى السعودية التي ظلت تقاوم تحرك الدول العربية، غيرت من موقفها على ما يبدو.
ونقلت الصحيفة عن وزير التجارة الإماراتي ثاني الزيودي “يجب أن يبادر أحد بالنقاش”. وقال إن الإمارات العربية تريد فتح الاقتصاد السوري رغم العقوبات الغربية. وأضاف أن الإمارات تريد إرسال رسالة إلى الولايات المتحدة تحديدا، وهي التي خططت وفرضت العقوبات الغربية القاسية على القطاعات المصرفية والنفطية من الاقتصاد السوري. وتضيف الصحيفة أن الإمارات تحركت في السنوات الماضية بعيدا عن استراتيجية واشنطن في الشرق الأوسط وأصبحت قريبة من روسيا.
وقال الزيودي: “لدى أمريكا استراتيجيتها الخاصة، وبالنسبة لنا، فنحن نقول لهم وبشكل صريح إن الازدهار والاستقرار حيويان” و “لو لم يقبلوا بهذا فهذه هي أجندتهم، وبالنسبة لنا فهي مهمة”.
وطالما نظرت الإمارات نظرة شك للربيع العربي أكثر من أي دولة عربية، وتعاملت معه كتهديد على الحكم الاستبدادي، لكن المستقر في دول الخليج. وكان وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد، آخر مسؤول عربي يزور دمشق قبل أن يبدأ الأسد بقمع الانتفاضة، قبل أكثر من عقد. إلا أن المحاولة القوية من الإمارات لإعادة تأهيل الأسد، والتي بدأت بإرسال وفد تجاري ثم إعادة فتح السفارة الإماراتية في دمشق عام 2018، تزايدت أكثر بعد خلافها مع الولايات المتحدة التي كانت تعتبر من أهم حلفائها. وعبر رئيس الدولة، الشيخ محمد بن زايد عن عدم رضاه من اتفاقية إيران النووية التي تفاوض عليها الرئيس باراك أوباما من وراء ظهر الحلفاء في الخليج. وعول كثيرا على الرئيس دونالد ترامب، ولكن بعد سنوات من السياسة الأمريكية المتقلبة في الشرق الأوسط، قررت أبو ظبي اتباع مسار مستقل عن واشنطن. ونظرا للضمانة الأمنية الأمريكية لدول الخليج، فقد عنى هذا تبني سياسات أقل عدوانية من دول الجوار.
وأصبحت الإمارات في موقع استثنائي للتعامل في نفس الوقت، مع إسرائيل وسوريا، وهي عضو في محور المقاومة. وقال الزيودي إن الإمارات تحاول التواصل مع إيران، التي كانت عدوتها اللدودة، معلقا “إقامة علاقات جيدة مع إيران تعني ازدهار المنطقة أيضا”. وكان المحفز للتحركات الدبلوماسية الأخيرة هي الهزة الأرضية الشهر الماضي التي قتلت 6000 شخصا في سوريا و 45000 شخصا في تركيا. ودعا الداعمون للأسد في الخارج إلى رفع الحصار. وقال الغرب إن العقوبات لا تعيق المساعدات الإنسانية، إلا أنه علق الحاجة لطلب رخصة استثناء من العقوبات لتسريع وصول المواد الإغاثية. ومع أن الهزة الأرضية الأخيرة أصابت المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، إلى جانب مناطق تابعة للنظام، إلا أن من يمكن أن يصبحوا شركاء للأسد، استجابوا لنداءاته وأرسلوا المساعدات الإنسانية إلى دمشق. وأرسلت الإمارات نصف ما تعهدت به إلى سوريا وهو 100 مليون دولار. وأرسلت السعودية التي دعمت مرة المقاتلين ضد النظام وقاومت دعوات التطبيع، المساعدات مباشرة إلى دمشق. وعلق وزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان، في مؤتمر ميونخ للأمن الشهر الماضي قائلا: “في العالم العربي، هناك إجماع بأن الوضع الراهن لا يمكن استمراره”.
وتخشى الدول العربية من تحول سوريا إلى “ثقب أسود” للجريمة والدبلوماسية، حيث يتم تصنيع مواد منشطة مثل “فنيثايلين” وتصادر سلطات الجمارك في الموانئ والمطارات العربية المواد هذه بشكل دوري.
ويقول الخبير في العلاقات الإسرائيلية- العربية والضابط الاستخباراتي السابق، آفي ميلماد إن تقارب السعودية والإمارات مع سوريا، ربما كانت وراءه إسرائيل، التي لا تزال تضرب المواقع العسكرية في سوريا والمرتبطة بإيران وحزب الله، وعقدت دمشق مفاوضات قبل الانتفاضة مع إسرائيل لتوقيع اتفاقية سلام. وقال ميلماد “تنظر إسرائيل للتقارب السعودي- السوري بطريقة إيجابية”. وأضاف أن الدول العربية رأت في محاولات التطبيع مع النظام السوري طريقة لتخفيف التأثير الإيراني.
ووقعت الإمارات اتفاقية تطبيع مع إسرائيل عام 2020، ورغم عدم متابعة السعودية لها، إلا أنها لم تخف علاقات التعاون الأمني مع إسرائيل. ومثل الإمارات، ترى أن الحدود الآمنة والأنظمة المستقرة أهم من موضوعات حقوق الإنسان. وترى بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة أن رفع العقوبات سيشعر الأسد بالشجاعة ونظامه الفاسد بدون مساعدة السوريين العاديين.
وانتقدت المعارضة السورية ومنظمات حقوق الإنسان محاولات التطبيع العربي مع النظام. وقالت هبة زيادين، الباحثة في “هيومان رايتس ووتش” إن “على الدول العربية الباحثة عن التطبيع أن الحكومة السورية الحاكمة اليوم هي نفسها المسؤولة عن التغييب القسري لآلاف الناس وارتكبت انتهاكات حقوق إنسان خطيرة ضد مواطنيها وحتى قبل الانتفاضة”.
وعبرت فرنسا عن معارضتها في الأسبوع الماضي عندما قالت ممثلتها لمجلس الأمن “موقف فرنسا لا يزال واضحا، ففي غياب عملية سياسية شاملة وموثوقة فلن نغير موقفنا من النظام السوري”. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية البريطانية “لا تتعامل بريطانيا مع النظام السوري، الذي ارتكب جرائم وانتهاكات لا تحصى ضد الشعب السوري. وسنواصل محاسبة النظام على فشله في التعامل مع العملية السلمية التي تشرف عليها الأمم المتحدة”.
القدس العربي
—————————–
الولايات المتحدة: لا نية لتطبيع العلاقات مع الحكومة السورية
واشنطن تعلن أن التفاوض للعودة للاتفاق النووي الإيراني غير مطروح حاليا
تؤكد الولايات المتحدة عدم نيتها تطبيع العلاقات مع الحكومة السورية بعد تأثر سوريا بالزلازل، وتعلن أن التفاوض للعودة للاتفاق النووي الإيراني ليس مطروحا اليوم، بعد موافقة طهران على إعادة تشغيل كاميرات المراقبة في مواقع نووية.
وقالت نائبة مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الشرق الأوسط دانا سترول في مقابلة مع “المملكة” في عمّان، إن واشنطن لن تغير نهجها في سوريا، ولن “تطبع العلاقات مع سوريا نظام الأسد”.
وأكدت سترول استمرار الولايات المتحدة في تقديم المساعدات، وقالت إن الولايات المتحدة سعيدة لأن الأردن يُساهم في تقديم المعونات الإنسانية مثل الولايات المتحدة ودول أخرى لمواجهة المأساة الإنسانية في سوريا بعد تأثرها بالزلازل، مؤخرا.
وستستمر واشنطن بالتأكد من أن الشعب السوري يحصل على المساعدات الإنسانية بالتعاون الأمم المتحدة والشركاء الآخرين، ودعت لعدم تسييس المعونات الإنسانية.
وبلغ عدد قتلى الزلزال إلى ما يقرب من 6 آلاف في سوريا التي تأثرت بحرب أهلية خلفت نحو نصف مليون قتيل وشردت الملايين ودمرت البنية التحتية، وفق فرانس برس.
وطالبت سترول بتغيير في السلوك السوري ليستطيع اللاجئ السوري العودة إلى بلاده بكرامة وأمان، وطالبت بمساءلة عن “المجازر المرتكبة”.
واتهمت المسؤولة الأميركية، الحكومة السورية بـ”دعوة إيران إلى سوريا لاستخدام سوريا كأرضية لتهديد باقي الإقليم”، مضيفة: “يجب التأكد من عدم وجود تهديد إرهابي من سوريا نحو الإقليم”.
عودة غير مطروحة
وبشأن الملف النووي الإيراني، أكدت أن المسؤولين الأميركيين يصرحون دوما بأن هناك اتفاقا لوضع قيود على التقدمات الإيرانية النووية الخطرة.
وقالت إن “التفاوض للعودة للاتفاق النووي الإيراني غير مطروح حاليا، لأن النظام الإيراني يقمع شعبه والمتظاهرين والمواطنين الإيرانيين الذين يطالبون فقط بحقوقهم وحرياتهم الأساسية”.
وأضافت أن الولايات المتحدة لن تعود للتفاوض بسبب زيادة التعاون العسكري بين روسيا وإيران أيضا.
والمفاوضات بين طهران والدول الأطراف في الاتفاق (الصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا)، وبمشاركة غير مباشرة من الولايات المتحدة، متعثرة منذ آب/أغسطس 2022.
وذكرت ستررول أن “الجميع في الشرق الأوسط يعرفون التهديدات التي تشكلها إيران لفترة طويلة ونشاطاتها المزعزعة للاستقرار في البرنامج النووي، ودعمها للإرهاب وهجماتها في البحار ونقلها للصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة وتهديداتها السيبرانية”.
والاتفاق مهدد بالانهيار منذ انسحاب الولايات المتحدة أحاديا منه عام 2018 في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، وإعادة فرض عقوبات على إيران.
وبعد نحو عام على الانسحاب الأميركي، تراجعت إيران تدريجيا عن تنفيذ معظم التزاماتها الأساسية المنصوص عليها في الاتفاق، لكنها وافقت مؤخرا على إعادة تشغيل كاميرات المراقبة في عدد من المواقع النووية وزيادة وتيرة عمليات التفتيش.
المملكة
———————————
كيف يبتزّ النظام السوري الأممَ المتحدة لتوظيف أقارب مسؤوليه في مكاتبها؟/ ديانا رحيمة
أثار التقرير الذي نشرته صحيفة “فايننشال تايمز”، وتحدث عن توظيف ابنة مدير المخابرات العامة السورية حسام لوقا، جدلاً بشأن “توظيف الأمم المتحدة” أشخاصا مقربين من أفراد تابعين للنظام السوري ومعاقبين دولياً لارتكابهم جرائم ضد الإنسانية في سورية.
وكان التقرير قد أشار إلى أن ابنة حسام لوقا، المعاقب من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، بسبب انتهاكات لحقوق الإنسان، تعمل في مكتب الصندوق المركزي لمواجهة الطوارئ التابع للأمم المتحدة في دمشق (دون ذكر اسمها)، وفقًا لأربعة أشخاص يعملون في مجال الإغاثة في دمشق.
ورداً على المعلومات الواردة في التقرير الصادر، تواصل “العربي الجديد” مع المتحدث في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إيري كانيكو، الذي عقّب على الموضوع بقوله: “ما يمكننا قوله هو أن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية لا يعلق على قضايا الموظفين، ولكن يتم تعيين جميع الموظفين وفقًا لعمليات التوظيف الصارمة”.
ولم يجب المتحدث عن تساؤلات طرحها “العربي الجديد” تتعلق بنفي أو تأكيد توظيف أقارب مسؤولين معاقبين دولياً أو قاموا بانتهاكات بحق الشعب السوري في مكاتب الأمم المتحدة، وعن أسمائهم.
الباحث المساعد في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، والزميل في معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، محسن المصطفى، كشف لـ”العربي الجديد” عن أن “لرئيس المديرية العامة للمخابرات السورية حسام لوقا ثلاثة أولاد، هم نوري وناتاشا وساتاناي، وبينما يتابع نوري دراسته العليا في روسيا، أنهت ناتاشا دراسة الصيدلة وتزوجت ابن إبراهيم عثمان، رئيس هيئة الطاقة الذرية التابعة للنظام السوري، أما ساتاناي فدرست في المعهد العالي لإدارة الأعمال بدمشق”. ويرجح المصطفى توظيفها في مكتب الأمم المتحدة.
وتحدث الباحث عن أن “التوظيف في المكتب التابع للأمم المتحدة الذي تعمل فيه ابنة لوقا يتم عبر توصيات من أشخاص متنفذين وعبر شبكات غير رسمية في الأمم المتحدة بدمشق”، وإلى أنه “ربما يتم ترهيب المتقدمين الآخرين، ليبقى الشخص الذي يريده النظام السوري يشغل المنصب”.
ويرى المصطفى أن “وجود موظفين في مكاتب الأمم المتحدة مقربين من النظام أو أقرباء لقادته ليس بأمر جديد، ربما يكون التوظيف من الناحية القانونية صحيحاً، إلا أنه يتنافى مع القيم التي تدعي الأمم المتحدة تمثيلها”.
فساد؟
الطبيب والناشط في المجال الإنساني، والعامل السابق في مجال المساعدات والمناصرة، محمد كتوب، قال لـ”العربي الجديد” إن ما وصفه بـ”الفساد” ليس بجديد على الأمم المتحدة، و”هو يحصل على عدة مستويات، ويبدأ بالموارد البشرية”، بحسب تعبيره.
وبحسب كتوب، فإن “النظام يفرض توظيف أناس معينين بالوكالات بمجرد وجود مكاتب تابعة لها في المناطق الواقعة تحت سيطرته، وهو ما ينطبق حتى على الكوادر الأجنبية، لأنه لا يمنح تلك الكوادر تأشيرات الدخول إلى سورية ببساطة، إلا إذا تماهت معه”.
ويعتبر كتوب أن “الفائدة المادية ستكون كبيرة لصالح النظام بتوظيف أحد المقربين منه، إذ إن الموارد البشرية هي الخطوة الأولى والأساسية للفساد، مع وجود تابعين له يتدخلون بكل مراحل العمل والاستجابة، من التعاقد مع الموردين، مروراً بالتخطيط والتنفيذ وتوجيه البرامج، وصولاً إلى عمليات المراقبة والتقييم (..) والفريد في حالة ابنة لوقا أنها كانت تعمل مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، قبل أن تعمل مع صندوق الطوارئ الخاص بالأمم المتحدة، وهو أمر خطير جداً”، بحسب قوله.
وعزا الناشط في المجال الإنساني ذلك إلى أن اللجنة منوطٌ بها متابعة شؤون المفقودين، ولديها آلية “ريبورتينغ” (التبليغ) مفتوحة لذوي المفقودين، الأمر الذي يحمل مخاوف كبيرة على هذه المعلومات ومصادرها، مع استحضار أنه من المحتمل أن يكون حسام لوقا نفسه مسؤولا عن اختفاء جزء كبير منهم.
هل من مانع قانوني لتوظيف أقارب أفراد معاقبين دولياً؟
مدير المركز السوري للعدالة والمساءلة محمد العبد الله أكد، في حديثه لـ”العربي الجديد”، أنه “ما من مانع قانوني لتوظيف أقارب أفراد معاقبين دولياً في مكاتب الأمم المتحدة، إذ إن العقوبات الأحادية المفروضة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكندا وأستراليا، أو غيرها، لا تلزم الأمم المتحدة، بل تلزمها فقط العقوبات المفروضة من قبلها كمؤسسة أممية”.
وأضاف محمد العبد الله أن “بإمكان المنظمة الدولية التعاقد مع الأشخاص المعاقبين مباشرة من دول”، موضحا أنها “فعلت ذلك بموضوع توريد المساعدات الإنسانية أو توريد الأغذية، أو حتى الإقامات في الفندق المملوك لرامي مخلوف وسامر فوز، المعاقبين من قبل معظم الدول الغربية، ولكنهما ليسا معاقبين من قبل الأمم المتحدة”.
وأضاف العبد الله أنه “لا يوجد ما يمنع الأمم المتحدة قانونيا من توظيف أشخاص أو حتى التعامل مع أشخاص هم أنفسهم معاقبون، وبالتالي ليس هنالك ما يحول دون توظيف أقارب لهم”.
ويرى العبد لله أنه “مع ذلك هناك معيار أخلاقي على الأقل يجب أن تتمتع به الأمم المتحدة، لكنه غير موجود للأسف خلال تعاملاتها داخل سورية، خصوصاً أننا لا نتحدث عن توظيف شخص يمت بصلة قرابة لموظف بسيط، بل نتحدث هنا عن ابنة مدير إدارة المخابرات العامة”.
وأردف المتحدث ذاته أن “هناك عبئا أخلاقيا على الأمم المتحدة أن تلتزم به”.
رضوخ أممي للنظام؟
وتابع العبد الله: “توجد هنالك ضغوط دائمة على الأمم المتحدة من قبل أجهزة النظام ووزارة الخارجية السورية لتوظيف أقارب وأبناء مسؤولين، ومعظم موظفيهم بالداخل هم أشخاص مرضي عنهم أمنياً، إن لم يكونوا مقربين من دوائر الأمن”.
وأضاف مدير المركز السوري للعدالة والمساءلة أنه “مقابل دخول الأمم المتحدة إلى الأراضي السورية، فإنها قد توظف أبناء وبنات مسؤولين في أجهزة الأمن وفي مناصب أخرى. في المقابل يستفيد النظام السوري من وجود أشخاص تابعين له ضمن مكاتب الأمم المتحدة بعدة سبل، كإرضاء لحاضنته الشعبية، وإفادة عائلات المسؤولين اقتصادياً، ولجمع معلومات عبر التجسس على الأمم المتحدة وحرف عملها، وتوجيهه بشكل منحاز لمصلحة النظام”.
ويعتبر اللواء حسام لوقا من أبرز الشخصيات الأمنية التابعة للنظام السوري، وقد شارك في قمع المتظاهرين في مدينة حمص إبان تسلمه رئاسة فرع الأمن السياسي فيها. وفي عام 2012، أدرج الاتحاد الأوروبي اللواء لوقا على قائمة العقوبات، بسبب مشاركته في تعذيب المتظاهرين والسكان المحليين في المناطق التي ثارت ضد نظام بشار الأسد.
العربي الجديد
————————-
سوريا: انتقادات لاذعة تجتاح وسائل التواصل بعد لقاء المفوض الأممي لشؤون اللاجئين بالأسد/ هبة محمد
لاقت زيارة المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، إلى دمشق موجة انتقادات لاذعة، من قبل ناشطين ومنظمات وجهات كثيرة، على خلفية لقائه برئيس النظام السوري بشار الأسد، ووزراء ومسؤولين في حكومته.
وقالت وكالة أنباء النظام السورية، “سانا”، إن بشار الأسد استقبل غراندي المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الذي أكد “على ضرورة النظر إلى آثار الزلزال والحرب على سوريا برؤية واحدة شاملة، إذ إن ما خلفته الحرب جعل مواجهة تداعيات الزلزال أكثر صعوبة”.
وبحث رأس النظام السوري وغراندي “الاستمرار في الإجراءات الضرورية لعودة اللاجئين السوريين إلى مدنهم ومناطقهم” كما أكّد غراندي أنّ المفوضية ستكثف أعمالها وجهودها في سوريا لدعم الاستجابة الإنسانية التي تقوم بها الدولة السورية في مواجهة كارثة الزلزال وما خلفته من أضرار بشرية ومادية كبيرة.
مشيرا إلى أنّه لمس خلال زيارته إلى محافظتي اللاذقية وحماة الجهود الكبيرة التي تبذلها الحكومة السورية ومنظمات المجتمع الأهلي في مساعدة وإغاثة المتضررين من الزلزال. وتجول المفوض السامي لشؤون اللاجئين في محافظتي اللاذقية وحماة، المتضررتين من كارثة الزلزال، وأكد على أن المفوضية “ستكثف أعمالها وجهودها في سوريا، لدعم الاستجابة الإنسانية التي يقوم بها النظام السوري في مواجهة كارثة الزلزال، وما خلفته من أضرار بشرية ومادية كبيرة”.
وتحت عنوان “هيا بنا نتعايش” كتب الناشط السوري عمر القصير: لا تختلف مفوضية اللاجئين عن أية مؤسسة أممية تأكد السوريون منذ سنوات أنها موجودة لزيادة معاناتهم لا مساعدتهم، ليست استثناء لا هي ولا رئيسها الذي دائماً ما يتحفنا بتصريحات وتغريدات مضحكة عن ضرورة تمكين السوريين من العودة إلى بلادهم (كيف لا أحد يعلم).
«يجب عودة اللاجئين»
العام الماضي قال غراندي، الذي تجول في جبلة أمس، إن المفوضية تعمل مع الحكومة السورية على إزالة العوائق الجدّية التي تمنع اللاجئين السوريين من العودة إلى بلادهم، زاعماً أن “معظم الناس يريدون العودة” !.. وقبلها بعام شكر تركيا إزاء شراكتها القوية مع المفوضية واستضافتها اللاجئين السوريين، متناسياً أن تركيا لا تعتبرهم لاجئين أساساً وفق تعريف مفوضيته، ولم يسبق له أن أشار للكوارث التي ترتكب بحقهم هناك، ابتداء بالعنصرية وانتهاء بالترحيل القسري، وهو الذي ينتقد هكذا أمور عندما يتحدث عن بلدان أخرى.
وأضاف: في تصريح سابق أيضاً، طالب غراندي المجتمع الدولي بالتعايش مع طالبان لصالح الشعب الأفغاني، ويبدو أن لقاءه اليوم ببشار الأسد لا يختلف كثيراً عن ذاك التصريح.. هيا بنا نتعايش مع بشار الأسد لصالح الشعب السوري الذي حوله بشار الأسد ذاته لأكبر مجموعة لاجئين في العالم.
واعتبر القصير أن “زيارة الإيطالي فيليبو غراندي، المفوض السامي لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة، إلى سوريا، ليست الأولى من نوعها، ولكنه يلتقي بشار الأسد للمرة الأولى -إن لم تخني الذاكرة- بعد أن كانت لقاءاته في سوريا محصورة بالوزراء أو المسؤولين المحليين.
وسبق لغراندي، دارس التاريخ والفلسفة، أن زار سوريا أكثر من مرة منذ العام 2016 (العام الذي شهد استلامه لمنصبه)، والتقى في تلك الزيارات وليد المعلم وفيصل المقداد وحسين مخلوف ومحافظ حلب، ورغم أنه ينشر صوراً لجميع النشاطات التي يقوم بها وجميع المسؤولين الذين يلتقي بهم عندما يتعلق الأمر بسوريا (مسؤولين ورؤساء وغيرهم في تركيا ولبنان والأردن وإيران والعالم) إلا أنه لم يسبق له أن نشر صورة تجمعه بمسؤول سوري، هل لأنه يعلم شناعة وعدم فائدة هذه اللقاءات بل والأذى والضرر الذي تتسبب به للسوريين المنكوبين أو المهجرين الذين سيشاهدونه وهو يتضاحك مع من هجرهم؟ لا أعلم ولكن أتمنى أن يكون الأمر كذلك.
المحامي والناشط في حقوق الإنسان زيد العظم علق باقتضاب: السيد فيليبو غراندي، هل تعلم بأن النظام الذي تصافح يد رئيسه تسبب في نزوح ولجوء الملايين من السوريين؟ مشهد صاعق!
عصابات الأسد
وعلق المعارض السوري ومدير موقع “كلنا شركاء” أيمن عبد النور يقول: السوريون يتداولون هذا باستهزاء: فيليبو غراندي المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التقى بشار الاسد وشكره لأنه بسبب تهجيره السوريين ولّد آلاف فرص العمل لمؤسسته وراتباً مرتفعاً له؟!
بينما اعتبر الناشط السوري أحمد الزاهر المنظمات الدولية مجرد أدوات لتحقيق المصالح، وكتب معقباً: المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة هي أدوات لتحقيق مصالح الدول العظمى.
وأضاف: فيليبو غراندي المفوض السامي للأمم المتحدة يلتقي بشار الأسد لبحث سبل التعاون فيما بينهم لعودة اللاجئين، كم ثمن الجهود التي تبذلها عصابات آل الأسد المجرمة وحلفاؤها في سبيل تحقيق ذلك.
وقالت منظمة “مواطنون من أجل أمريكا آمنة”، إن اجتماع مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، “المسؤول عن تهجير ملايين السوريين، مقلق للغاية، ويسلط الضوء على نهج الأمم المتحدة المقلق باستمرار في سوريا”.
وأضافت المنظمة الأمريكية – السورية عبر “تويتر”: “من خلال الانخراط مع هذا النظام الوحشي، تضفي الأمم المتحدة الشرعية عليه بشكل فعال، وترسل رسالة مفادها أنه سيتم التسامح مع مثل هذا السلوك”.
وشارك مدير الحملات في منظمة “العفو الدولية” كريستيان بنديكت، صورة من لقاء الأسد وغراندي، وقال متسائلاً: “كيف يشعر ملايين النازحين السوريين الذين هجّرهم نظام الأسد حيال تلك الابتسامة؟”.
وأمس، قالت “الرئاسة السورية” إن الأسد وغراندي بحثا “الاستمرار في الإجراءات الضرورية لعودة اللاجئين السوريين إلى مدنهم ومناطقهم”. وأكد الأسد خلال اللقاء أهمية “النظر إلى آثار الزلزال والحرب على سوريا برؤية واحدة شاملة”، مشيراً إلى أن “ما خلفته الحرب جعل مواجهة تداعيات الزلزال أكثر صعوبة”. ونقلت “الرئاسة” عن غراندي، تعهده تكثيف أعمال المفوضية وجهودها في سوريا لدعم الاستجابة الإنسانية في مواجهة كارثة الزلزال.
القدس العربي
====================
تحديث 08 أذار 2023
—————————–
التطبيع مع النظام السوري بحجة معاداة إيران… كنّا نتمنى أن نصدّق!/ عادل حداد
حجة استعادة الأسد من حضن إيران، تحتمل تفسيرين، الأول، أنها مجرد غطاء إعلامي لتبرير الهرولة نحو قصر المهاجرين، والثاني أن هناك رهاناً على تحقيقها مستقبلاً وبشكل تدريجي، بحيث تضاف وظيفة ثالثة الى وظيفتي الأسد.
حجة العرب بإبعاد الأسد من حضن إيران للتطبيع معه، لا تبدو مقنعة لاعتبارات شتى. أولها أن هذا الرهان قد جُرب سابقاً، إذ خدع ساكن قصر المهاجرين، دولاً خليجية، فكّت العزلة عنه، عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وبقي منخرطاً في محور طهران. وثانيها أن الظروف تغيّرت، والحضن الإيراني المراد إبعاد الأسد منه، لم يعد كما كان سابقاً، بمعنى أن وجود نظام الملالي في سوريا، توسّع وتوغّل، الى درجة أن تقارير صحافية تحدثت عن “ضاحية جنوبية”، بجوار منطقة الست زينب في العاصمة دمشق. عدا النفوذ داخل الجيش، وانتشار الميليشيات، وشبكات المخدرات. وهذا الاتساع يجعل من المستحيل على الأسد الانفكاك عن حليفه خصوصاً بعدما تحوّل الأخير إلى شريك يسعى الى الاستحواذ على أكبر حصة من البلد المنهك والمفتت.
أما الاعتبار الثالث، فهو استراتيجية نظام دمشق منذ اندلاع الثورة ضده، والمتمثلة باللعب على الموازين داخل معسكر الحلفاء. تبدى ذلك، بإدارة العلاقة بين موسكو وطهران، قبل أن تدخل الإمارات على الخط، ويصبح هامش اللعب أوسع، بحيث بات الأسد أكثر قدرة على التحرّك بين الأقطاب الثلاثة. صحيح أن علاقة النظام مع كل قطب من هذه الأقطاب، تختلف تبعاً لاعتبارات كثيرة، لكن هذا لا ينعكس تماماً على إمكان القفز بين كل منها، بحيث يصار إلى إرضاء كل طرف، من دون استفزاز الآخر. وعليه، لن يفرّط النظام بسهولة بأحد الأقطاب، التي تشكل له شبكة حماية تضمن استمراره.
من البديهي أن عرب الهرولة صوب التطبيع مع النظام، لا يجهلون الاعتبارات الثلاثة، خصوصاً مع التحول في سياسات هذه الدول، لا سيما المملكة العربية السعودية. فالأخيرة باتت متحفّظة على منح شيكات على بياض للحلفاء، فكيف الحال من يُفترض أنهم خصوم؟ الدعم المشروط بالوظيفة التي تعود بالنفع على سياسة المملكة، هو المعادلة الجديدة في الرياض.
بهذا المعنى، لبّى الأسد ربما من دون أن يدري، بعض الوظائف الخليجية، خصوصاً للمحور الذي توجس من “الربيع العربي”. الوظيفة الأولى، المشاركة في القضاء على مشروع الإسلام السياسي الهادف للوصول إلى السلطات في بلدان عدة، والثانية، المشاركة في تجديد النظام الكلاسيكي العربي بنسخة أخرى، وقوامها “ثورات مضادة” ضد أي تغيير أو تحوّل. وتلبية رأس السلطة في سوريا، لهاتين الوظيفتين، تفسر كذلك تهافت بقية العرب عليه، لا سيما مصر والجزائر وتونس… وكأن العرب والخليجيين يدعونه لأن يكون شريكاً في دفن الربيع العربي، بعدما أثبت جدارة في قتل شعبه وتشريده.
ولم يكن الزلزال المدمر سوى فرصة لتطبيق هذا التصور حيال الأسد. الوفود العربية التي حجت إلى دمشق كانت تنتظر حدثاً كهذا، يعبد لها الطريق، لمكافأة النظام على جهوده ضد الربيع العربي، ومحاولة استعادته كشريك في نظام عربي محافظ سياسياً، تحكم سلوكه الريبة من أي تغيير أو ثورة.
انطلاقاً مما سبق، فإن حجة استعادة الأسد من حضن إيران، تحتمل تفسيرين، الأول، أنها مجرد غطاء إعلامي لتبرير الهرولة نحو قصر المهاجرين، والثاني أن هناك رهاناً على تحقيقها مستقبلاً وبشكل تدريجي، بحيث تضاف وظيفة ثالثة الى وظيفتي الأسد. بالنسبة الى المطبعين معه، يكفي أن يكون رأس النظام حالياً، ابن بار لـ”الثورة المضادة” وكارهاً شرساً للإسلاميين. البقية تأتي لاحقاً، وإن أتت بشكل جزئي، فهذا جيد أيضاً.
غير أن ما يغيب عن بال المطبعين مع الأسد، أنهم يقيسون الأمور في مقاربة العلاقة معه، ببعض نتائج الربيع العربي وليس بأسبابه، أي بالإسلاميين وتهديد استقرار الأنظمة. الاكتفاء بالنتائج وتجاهل الأسباب، يجعلان الأسد ورقة خاسرة، فالأخير غير قادر على حكم شعب ثار عليه وينتظر محاسبته، ما يعني أن نظامه سيظل مهدداً من المجتمع، حتى لو دعمه الحلفاء وتجاهل الخصوم إسقاطه. أما بخصوص الإسلاميين، فقد أثبتت التجربة في منطقتنا أن قمعهم يمنحهم مظلومية يحسنون توظيفها لاستعادة قوتهم من جديد. فقبل استعادة الأسد من الحضن الإيراني، على العرب أن يقتنعوا بأنه غير جدير بأن يكون جزءاً من نظام الثورات المضادة، الذي يطمح هؤلاء الى إعادة تركيبه، كما أنه لا يصلح كخصم مجدٍ للإسلاميين.
لكن قبل ذلك، يجب أن يقتنعوا بأن استراتيجيتهم في عداء الربيع العربي، كلفتها أغلى بكثير من ثمن التأقلم معه، وتحقيق إصلاحات سياسية. العلاقة مع الأسد ستكون أبرز دليل على هذا الرهان الخاسر، فسوريا المفتّتة الآن، مرشّحة لفوضى عارمة في أقرب فرصة.
درج
——————————–
انتصر الأسد … مات الشعب/ سميرة المسالمة
تتطلّع دول عربية إلى إعادة سورية إلى سجل جامعة الدول العربية، وتتعامل مع خطوات التطبيع الجارية مع نظام الأسد وكأنها إنجازات، يبرّرها بعضُهم بأنها تعطّل عملية التلاحم المصيري بين رئيس النظام السوري وإيران، بينما يسعى آخرون إلى القفز من خلالها فوق حدود العقوبات الأميركية أو التسلّل من تحتها، رغبة من تلك الأنظمة في متابعة مشروع دعم الرئيس بشّار الأسد في الانقلاب على ما سمّي الربيع العربي، ليس سورياً فحسب، بل عربياً، حيث هبّت رياحه، ولا تزال معارك هزيمته مستعرة في دول المنطقة.
وقد ألهم الزلزال المدمر والكارثي الذي حدث في 6 الشهر الماضي (فبراير/ شباط) أنظمة عربية وغيرها إلى منافذ جديدة للعبور إلى دمشق، ليس فقط من باب الإغاثة الواجبة عليهم إنسانياً، لشعبٍ تنازعته الأزمات الاقتصادية تحت وابل سلاح الحرب، وتقاسم دول الاحتلال مقوماته الاقتصادية، ولكن أيضاً من باب السياسة الذي أغلقته الولايات المتحدة الأميركية، وجعلت منه حدّاً فاصلاً بين المدرستين الروسية والغربية في التعامل مع قضايا الحريات والديمقراطية. ما يعني أن الصورة التي يمكن تصديرها من توافد المسؤولين العرب إلى دمشق هي: الاحتفاء بانتصار الديكتاتوريات على مطالب الحرية، ودعم كل أشكال قمع المتظاهرين، سواء بالاعتقالات أو القتل والتدمير. وهذه رسائل لا تخصّ الشعب السوري فقط، بقدر ما تعني شعوب تلك الأنظمة أيضاً، فمدّ أيدي ثلة من الحكّام لانتشال الأسد من عزلته، من دون الالتفات إلى معاناة السوريين، والسعي إلى حل الصراع في سورية، وفقاً لما جاء في قرار قطيعتهم مع الأسد، وعلى أساس القرارات الأممية، هي محاولة اصطياد في ركام جثث الضحايا السوريين، وليس فقط في ماء عكر، ما يعني أن هذه الدول أخذت قراراً اصطفافياً معلناً ضد شرعية قراراتها السابقة، وتبنّيها القرارات الدولية من بيان جنيف إلى 2254.
لم يغير النظام السوري سلوكه بدءاً من 18 مارس/ آذار 2011، وحتى ما بعد الزلازل الكارثية المتتالية التي أودت بحياة سوريين كثيرين. لا تزال العمليات العسكرية جارية في المساحات التي تستطيع قواته الوصول إليها وضربها، بالمشاركة مع كل من روسيا بوتين ونظام الولي الفقيه في إيران ومليشياته الطائفية المسلحة، مثل “فاطميون” و”زينبيون” و”عصائب الحق” و”كتائب أبو الفضل العباس” و”الحشد الشعبي” و”حزب الله” اللبناني. أي إن الأسباب التي دفعت الأنظمة العربية إلى القطيعة مع الأسد، فيما لو كانت لأسباب “إنسانية”، لا تزال قائمة، بل في مرحلة أكثر مأساوية مع وجود كارثة طبيعية، وانشغال المسعفين بإخراج ضحاياهم يتردّد صوت القصف في شمال حلب (مارع)، حسب إعلان الحكومة البريطانية، ما يعني أن الأنظمة العربية تعلن تغيير موقفها الإنساني من “ضد” القصف إلى الموافقة عليه أو حتى تأييده!
ربما من المجحف المطالبة بإبقاء الحصار والعقوبات على سورية بواقعها الحالي، حيث تفيد التجربة أن 12 عاماً من هذا الحصار، والقوائم المتلاحقة للعقوبات على النظام وأزلامه، لم تغيّر سلوكه تجاه الشعب السوري، ما يعني قدرته على تصدير أزمته إلى الشعب بعمومه، وتوزيع انعكاسات هذه العقوبات على تفاصيل حياة السوريين من دون أي تأثر يذكر في حياة الأسرة الحاكمة، أو رفاهية المحيطين به من رجال أعمال وقادة أمنيين. ويضاف إلى ذلك عودة انفتاح الأنظمة على التعاطي مع النظام أمنياً واقتصادياً تحت غطاء الإغاثة، أو من باب الاصطفاف الإقليمي الذي تقوده إسرائيل، بعد تأكيداتها المتلاحقة بالفصل بين موقفها من النظام وهجماتها على مواقع النشاط الإيراني في سورية. حيث لا يمكن الفصل بين موجة التطبيع العربي الإسرائيلي مع حملات التسامح العربي تجاه المقتلة السورية التي كانت محلّ إدانتهم في بيانات المسؤولين وتصريحاتهم، حين كانت موضة القطيعة مع النظام رائجة.
بالتأكيد، لا يمكن أن يكون لتطبيع بعض الدول العربية والإقليمية أثره الكبير على تغيير إيجابي يحصل في واقع السوريين، ولا حتى في إنهاء الصراع، حيث لا يغيّر ذلك كله من أن الولايات المتحدة هي المعنية أولاً وأخيراً بفتح الملف السوري على طاولة الحل الدولي، وتوزيع غنائم هذه المقتلة السورية، لأنها المسؤولة الأولى عن التلاعب بثورة السوريين، ومعها كل ما عُرفت بالدول “الصديقة” للشعب السوري، إذ إنها شجّعت أو ورّطت بالتحوّل من الثورة الشعبية إلى عمل الفصائل المسلحة، بدليل غرفتي الموم والكوك، اللتين رعتهما الدول الراغبة اليوم بتسريع التطبيع، ربما من باب معرفتها بواقع العسكرة، أو انتهاء الأدوار الفوضوية لتلك العسكرة، ثم فجأة تخلت عن ذلك كله بعد أن تم التوريط.
لقد تبنّى الغرب بيان جنيف 2012، ثم تخلى عنه أو ميّع مضامينه بالترجمتين الروسية والأميركية له، ثم سلّم الملف لروسيا، وجاء بعد ذلك نحو عشرين قراراً دولياً، وبينهم مفاوضات أستانة وسوتشي (روسيا وإيران وتركيا)، ثم بتحويل المأساة السورية إلى قضية إنسانية وقضية دستور، مع تحوّل الدول إلى تطبيع العلاقات مع النظام الذي تخلّى عن سيادة سورية، وأسهم بإرادته في احتلال الدول أراضيه وتقاسمها، ما يمكن التسليم به اليوم والاعتراف: نعم مات الشعب … انتصر الأسد.
العربي الجديد
——————————
الأسد وجدوى التعويم!/ محمد الرميحي
ربما كان المكان الوحيد في تاريخنا العربي الحديث والمعاصر الذي تحولت فيه الجمهورية الى “جملوكية” هو دمشق، كل من حاول في الجمهوريات العربية الحديثة التوريث فشل، بعضه كان فشلاً ذريعاً، مع التحفظ عن مصطلح “الجمهورية” الذي ابتذل في كل التجارب العربية.
يجري الحديث في بعض الأوساط اليوم عن تعويم نظام الأسد، وقد تتخذ بعض الحكومات العربية، لأسباب خاصة بها، خطوات التعويم، بالتأكيد ذلك حق لتلك الدول التي تتخذ تلك الخطوات، فربما لها قناعاتها، إما أن يقوم أشخاص، من المفترض أن يكونوا منتخبين، وبالتي ممثلين لشعوبهم تحت أي حجة بزيارة النظام في دمشق، فذلك مستنكر، لأن هذا النظام آخر ما يفكر فيه هو حق الشعوب في أن تقول رأيها!
من وجهة نظر المواطن العربي والمتابع للأحداث، فإن تعويم نظام الأسد كما هو قائم خطيئة كبرى قد تدفع فيها المنطقة أثماناً باهظة لم يجر حسابها من أي طرف!.
ليس الحساب هنا حساباً عاطفياً، أو موقفاً أيديولوجياً، إنما هو سياسي وانساني، فأخطاء النظام السياسي القائم في دمشق لا تعد ولا تحصى، وهي أخطاء قاتلة، وأساساً نابعة من أنانية مطلقة دافعها الحفاظ على الكرسي بأي ثمن، حتى لو كان ذلك الثمن فناء جزء كبير من الشعب.
الوضع اللبناني المتردي الى قاع القاع، سياسياً واقتصادياً وأمنياً، جزء وازن منه وصل اليه لبنان المنكوب بسبب سياسات دمشق، التي، أولاً، عاثت فساداً بشكل مباشر في ذلك البلد، ثم سلمت لبنان الى قوة تقول علناً إن ولاءها للخارج وبالتحديد لطهران، ومن طريق النظام وتحت شعارات ملتبسة، تم تزويد تلك المجموعة بالسلاح للسيطرة المباشرة على مقدرات لبنان ومستقبله، فسقط الأخير كما هو بيّن في براثن العوز والخوف، وذابت الدولة اللبنانية في ظل الدويلة التي رعاها النظام في دمشق وصفى العديد من رجالات لبنان بشكل مباشر أو غير مباشر. ذلك الاستقواء بدمشق جعل أيضاً من لبنان مكان تعبئة وتدريب وحشد لكل القوى المنشقة والجماعات الإجرامية التي تناوئ بلدانها وتمول من الخارج، والتي أصبحت تصدر من بعض ما تصدر المخدرات الى الدول المجاورة لتموينها، الى جانب تصدير الجماعات المؤدلجة والسلاح للأضرار بأمن الدول المجاورة، كل ذلك برعاية النظام في دمشق ومعرفته ومباركته.
على الجانب الآخر، عانت وتعاني سوريا، مجتمعاً وأرضاً واقتصاداً، من سياسيات انفرادية أدت الى اعتقال الآلاف وتصفيتهم في السجون أو خارجها، ونزوح مئات الآلاف الى المنافي والتهجير حيث سكنوا الخيام ، وهدم منازل على رؤوس سكانها، واستخدام أسلحة محرمة دولياً ضد مواطنين آمنين.
ملف متضخم ومعتم من ملفات الدكتاتورية البشعة تم تنفيذه على الأرض السورية في العشر سنوات الأخيرة أو يزيد، انتج في الوقت نفسه جماعات إرهابية وعصابات مجرمة تمثلت بما تمثل به النظام من صلف وعدوان.
فوق ذلك استدعى النظام قوى خارجية لها أجندتها الخاصة، وقدم سوريا كلها هدية لهذه القوى في سبيل أن يبقى النظام، فجاءت قوات من الاتحاد الروسي، وقوات من إيران ومن بعض الجماعات التي تدين أيديولوجياً لإيران لاستباحة الأرض والشعب السوريين. وقد قام المجتمع الدولي بإصدار مجموعة من قرارات الإدانة لهذا النظام، وعدد منها وقعت عليه حكومات عربية.
تعويم النظام السوري كما هو يعني القبول بكل تلك الجرائم وقفل باب الخلاص أمام المواطنين السوريين، والوطنية السورية نابضة لا تغيب عن أي احتمال للوصول الى إصلاح من نوع ما للنظام، كما يعني قبول التدخل الروسي والتدخل الإيراني وشرعنتهما وتسويق ما حصل عليه البلدان من امتيازات في الأرض السورية.
عودة سوريا الى الساحة العربية كما هي، تعني إدخال ثلاثة لاعبين الى الساحة، النظام السوري المؤتمر بنظامي موسكو وطهران، بالتالي تمثيل مصالح تلك القوى، وصرف النظر عن كل تلك الجرائم الإنسانية البشعة والموثقة التي عرف تفاصيل بعضها وما زالت تفاصيل أخرى قيد الصدور سيعرفها العالم في وقت لاحق عندما تخرج “الهياكل الإنسانية” من السجون!.
ليس هناك مبرر أخلاقي أو سياسي أو مصلحي لتعويم النظام السوري القائم كما هو، كما ليس مطروحاً، مما نشر من حراك، أن هناك مشروعاً لتطوير النظام كي يختلف عما كان عليه، فالنظام لن يغير جلده بل يشيع أنه انتصر وانتصر معه وبه نظام القمع الذي استعان به.
النتائج المحتملة لتعويم النظام لن تخرج عن تدهور للوضع في لبنان أكثر مما هو عليه من بؤس على أساس انتصار المشروع الذي يدعو له، وتهريب أكثر للمخدرات، وإيواء أكثر للمنشقين من كل حدب وصوب لإيقاع الأذى بالدول والمجتمعات المجاورة، وحرمان أكثر للمواطن السوري المطحون تحت جلاوزة النظام من إنسانيته وانتشار أكثر للفساد السائد.
خطورة مداهنة مثل هذا النظام صاحب الأفق الضيق والمشروع الطائفي والمعادي لشعبه، والذي لا يملك حتى بسط نفوذه على باقي الأرض من دون معونة خارجية، يعني العودة الى المربع الأول، من جهة، وفقر شديد في التصور السياسي وإفلاس في فهم متطلبات المجتمعات الحديثة.
نقلاً عن “النهار”
———————————
في التدافع التركي نحو نظام الأسد/ عمر كوش
يبدو أن التبعات السياسية للزلزال الذي ضرب مناطق واسعة في جنوبي تركيا وشمالي سورية، لا تزال تتوالى فصولها، حيث أرسل رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كلجدار أوغلو، رسالة تعزية إلى بشّار الأسد، اعتبر فيها أن كارثة الزلزال أظهرت مرّة أخرى “أننا شركاء وجيران في حزننا، ونشعر معاً بالألم المشترك لشعوبنا”.
أثارت الرسالة جدلاً واسعاً في الأوساط التركية، السياسية والشعبية، واختلفت ردّات الفعل عليها ما بين الاستهجان والاستحسان، بحسب المواقع في الاستقطاب السياسي الحاصل في تركيا، والذي تزداد حدّته مع اقتراب موعد الانتخابات العامة، مع أنها، في حقيقة الأمر، رسالة مخاتلة تماماً، وتخفي تزييفاً كبيراً، فلم يبدُ على الأسد أي شعور بالألم أو الحزن على ضحايا الزلزال السوريين، حين راح يطلق ضحكاته وابتساماته التي ظهرت في صور التُقطت له خلال زيارته الأحياء المنكوبة في مدينة حلب، وبشكلٍ يشي بأنه كان سعيداً بالكارثة التي حلّت على السوريين، كونها شكّلت مناسبة راح يستغلها ويوظفها سياسياً، من أجل فكّ عزلته الدولية، واستدرار المساعدات الإغاثية، للتخفيف من الأزمات الاقتصادية التي تعصف بنظامه، وبملايين السوريين في مناطق سيطرته. أما كلجدار أوغلو، فهو أيضاً لم يتأخّر عن توظيف كارثة الزلزال سياسياً، لتسجيل نقاط على الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وتحميله مسؤولية فداحة الكارثة وضخامتها، حيث وجّه اتهامات للحكومة بالتأخر في عمليات الإنقاذ، والتقصير، وسوء إدارة الأزمة، والفساد، وغير ذلك.
قد يكون مفهوماً أن الرسالة تتماشى مع نهج المعارضة المناهض لنهج الحكومة، وتصبّ في سياق اتباعها سياسات تغاير سياسات الحكومة، وبما يفضي إلى اعتبار أن الرسالة تدخل من باب فقه النكاية بالحكومة التركية، لكنها تأتي بعد أن قامت الأخيرة بخطوات تقارب مع نظام الأسد. وبالتالي، يتعدّى الأمر المماحكة والاختلافات معها. كما أنها ليست المرّة الأولى التي تُظهر فيها أحزاب من المعارضة التركية، وخصوصاً حزب الشعب الجمهوري، تهافتها على نظام الأسد، فقد سبق وأن وجّه الحزب، في أواخر العام الماضي، رسالة إلى بشّار الأسد، تضمنت وعوداً بسحب القوات التركية من شمالي سورية، وبدفع تعويضات مالية، بغية ثنيه عن لقاء محتمل مع الرئيس أردوغان. إضافة إلى أن قادة كل من حزب الشعب الجمهوري، والحزب الجيد، وحزب السعادة، وحزب الوطن، سبق وأن قدّموا خلال العام الماضي طلبات عدة من أجل عقد لقاء مع الأسد، ومع قادة حزب البعث في سورية، لكن النظام لم يستجب لها، ربما تحت ضغط الساسة الروس الذين يقودون وساطة للمصالحة بين الساسة الأتراك ونظام الأسد.
اللافت أن معظم قادة الأحزاب السياسية التركية، في الموالاة والمعارضة، باتوا يعتقدون أن بإمكانهم حصد مكاسب ومغانم شتى، من تدافعهم وتهافتهم على التقارب مع نظام بشار الأسد، وتطبيع علاقات بلادهم معه، ويريدون تحقيق غاياتهم التي لا تخفى على أحد، والمتمثلة في توظيف تلك المكاسب والمغانم لمصالحهم في البازار الانتخابي، وبما يساعدهم على الفوز في الانتخابات العامة المقبلة. غير أن تدافع المعارضة نحو نظام الأسد يجد مبرّراته في توظيفها ورقة اللاجئين السوريين في البازار الانتخابي، حيث يظنّ قادة أحزاب “الطاولة السداسية”، باستثناء زعيم حزب المستقبل، أحمد داود أوغلو، وزعيم حزب دواء، علي باباجان، أن تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، سيمكّنهم، في حال وصولهم إلى السلطة، من إعادة أكثر من 3.5 ملايين لاجئ سوري من تركيا إلى سورية، “مع الطبل والزمر”. وبانتظار ذلك، تواصل المعارضة التركية تحميل اللاجئين السوريين مسؤولية الأزمات الاقتصادية التي تعيشها تركيا. لذلك تقوم بحملات كارهة وعنصرية ضدهم، وخصوصاً الأحزاب القومية اليمينية والعنصرية، التي لا تمتلك رصيداً شعبياً، وباتت مشغولة بإنتاج خطاب الكراهية وتأجيجه، وإثارة النزعة العنصرية حيال اللاجئين السوريين والأفغان في تركيا.
في المقابل، لجأ قادة حزب العدالة والتنمية إلى محاولة سحب ورقة اللاجئين السوريين من أيدي أحزاب المعارضة، وذلك بتبنّي سياسات متشدّدة حيالهم، وتزامنت محاولاتهم مع تغيير موقفهم حيال نظام الأسد والملف السوري بشكل عام، والذي بدأ منذ إسقاط حلب الشرقية في نهايات عام 2016، ودخولهم في تفاهماتٍ واتفاقياتٍ مع الساسة الروس والإيرانيين ضمن مساري أستانة وسوتشي. لكن مع اقتراب موعد الانتخابات العامة التركية، بدأ الساسة الأتراك بتسريع خطوات التقارب وإعادة العلاقات مع نظام الأسد، بالاستناد إلى وساطة يقوم بها الساسة الروس. كما لجأت الحكومة التركية بعد الانتخابات البلدية في عام 2019 إلى اتخاذ خطوات “تنظيمية”، أثّرت في حياة السوريين المشمولين بقانون الحماية المؤقتة، خصوصاً قرار “تخفيف” وجود السوريين في بعض الأحياء والمناطق بالمدن التركية، وقرار إغلاق الأحياء أمام إقامة اللاجئين السوريين، والذي شمل قرابة 1169 حياً، توزعت على 52 ولاية، الأمر الذي اعتبرته جمعياتٌ حقوقية تركية يزيد من الحملات العنصرية الموجهة ضد اللاجئين السوريين، التي باتت تهيمن على سلوكيات أوساط تركية عديدة، إلى درجة أن الحكومة اضطرّت إلى مراعاتها، وغضّ النظر عنها أحياناً، على الرغم من عدم توافقها مع القوانين الدولية الخاصة بحماية اللاجئين. ووصل الأمر إلى تسجيل حالات انتهاكات وسلوكيات ذات دوافع عنصرية، تعرّض لها لاجئون سوريون في بعض المناطق المنكوبة أو المدن المجاورة لها. وتمادى بعض قادة الأحزاب القومية اليمينية في التهجّم على السوريين، وكيل اتهاماتٍ باطلة لهم من دون أن يستدعي ذلك رفع أي دعوى قضائية ضدهم.
والحاصل أن التدافع نحو نظام الأسد، مثل تدافع الأنظمة العربية نحوه، لن يحقّق ما تصبو إليه هذه الأنظمة، ولا الأحزاب التركية، بالنظر إلى الطبيعة الإجرامية لهذا النظام، ويشهد على ذلك أن هذا النظام بنسختيه، الأب والابن، لم يكن في أي يوم عامل استقرار في المنطقة، فضلاً عن أنه يكنّ عداء تاريخياً لتركيا، واحتضن عناصر حزب العمال الكردستاني في حربهم ضدّها سنوات عديدة.
العربي الجديد
—————————-
زلزال سوريا..ليس كارثة طبيعية/ ساطع نور الدين
حتى اليوم، لم تنته العاصفة الجيولوجية التي ضربت شرقي البحر المتوسط في السادس من شهر شباط/فبراير الماضي. وهي ليست مجرد هزّات ارتدادية للزلزال العنيف الذي سُجّل فجر ذلك اليوم العاصف، وتجاوز عددها ال16 ألف هزّة. بل صارت ظاهرة استثنائية، تشهد على إرتجاج الارض الممتدة من الاناضول الى سوريا الى لبنان..مرّات عديدة في اليوم الواحد، وعلى فوالق متعددة، قررت ان تتحرك في وقت واحد تقريبا.
ومن دون الحاجة الى علماء وخبراء في الجيولوجيا، ليس لديهم تفسيرات علمية دقيقة وثابتة وواضحة، عاد سكان تلك المنطقة الى اعتماد تقليد قديم لجأت اليه الانسانية منذ القدم، وهو العودة، بعد الزلزال الاول المفاجىء، الى الحياة الطبيعية، مع الاحتفاظ بمشاعر التجاهل والاستخفاف بل وحتى الازدراء لما يعتمل في باطن ذلك الجزء من الكرة الارضية من إضطرابات، ويخرج الى سطحها ، على صورة إرتجاجات قاتلة، وتصدّعات مدمّرة.
مثل هذه المشاعر، ليست ضرورية فقط للصحة النفسية، بل هي أيضا مفيدة للنظر في ما تخلفه العاصفة الجيولوجية الراهنة من خسائر بشرية وأضرار مادية، تجاوزت 52 ألف قتيل في تركيا وستة آلاف قتيل في سوريا، وعدد يقدر بعشرات الالاف من الجرحى، ونحو 30 مليون متضرر مادياً.. وفي ما تتركه أيضاً من آثار اجتماعية (وسياسية) بعيدة المدى على البلدين والشعبين، وما يجاورهما من أشقاء وحلفاء وأعداء. وهي آثار ما زال يصعب تبينها وتقدير عواقبها.
في تركيا، التي كانت ولا تزال المركز الرئيسي للعاصفة، يبدو أن الكارثة الطبيعية المفجعة انحصرت في سياقها الطبيعي، ولم تستخدم في خطاب الغضب الرباني ولا الجدل السياسي: الخسائر البشرية قياسية، وكذلك الاضرار المادية التي يزيد حجمها على 110 مليار دولار أميركي، ويمكن ان تبطىء نموء الاقتصاد التركي بمعدل يتراوح بما بين 2و3 بالمئة. لكنها لن تغير المشهد السياسي او الاجتماعي: قبل الزلازل كان متوقعاً أن يفوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية المقررة بعد شهرين، من الدورة الاولى للاقتراع. وهو ما ترجحه مختلف التقديرات والاستطلاعات، التي تعطي حزبه أيضا، العدالة والتنمية، غالبية مريحة نتيجة الانتخابات النيابية.
في سوريا التي منيت بالكثير من الخسائر ونالت القليل من الاهتمام، بدت الهزات الارضية العنيفة وكأنها مجرد صدى للموجات التي كانت تسببها الغارات الجوية والصاروخية لروسيا وإيران وقوات النظام، في ذروة الحرب. ولم يكن عبثاً إعتراف بعض سكان الشمال السوري أنهم ظنوا في البداية ان الزلزال الذي قتل نحو ستة آلاف مواطن وجرح أضعاف هذا العدد وخلّف دماراً هائلاً، هو دوّي بعيد المدى لغارات جديدة. وقد عادت بهم الذاكرة الى تلك الجولات العنيفة من الحرب ، او بالتحديد الى الحملات العسكرية الضارية التي كان النظام وحلفاؤه يطلقونها، التي كانت تخلّف عدداً مماثلا من الضحايا في فترة زمنية قصيرة لا تتعدى اليوم الواحد أحيانا..في إشارة الى عدد من المجازر التي إرتكبت في أرياف دمشق وإدلب وغيرها..بالاسلحة الكيميائية والتقليدية.
ذلك المشهد السوري المؤلم، الذي لا تزال الاستجابة المحلية والعربية والعالمية لضحاياه محدودة جدا، الى حدٍ مشين، إنتج وقائع وهوامش وتفاصيل محيرة، تمحورت حول الشرعية المؤقتة التي اكتسبها النظام أو خسرتها المعارضة. الحديث عن تطبيع او إنفتاح عربي إضافي على النظام، كان بمثابة مبالغة مفرطة من طرفي الصراع السوري. لا العرب تداعوا الى قمة طارئة او الى مؤتمر وزاري عاجل لنجدة سوريا، ولا الزعماء العرب طاروا واحدا تلو الاخر الى دمشق او الى شمال سوريا لاغاثة منكوبي الزلزال. أما المساهمات المالية العربية التي وجهت لاعادة الإعمار في الشمال السوري فهي لا تكفي لبناء قرية او مزرعة .
العاصفة الجيولوجية ما زالت مستمرة، وأسوأ ما فيها هو تحليلات العلماء والخبراء، التي لا تغفر للضحايا، ولا تغيث الناجين، ولا ترحم أحداً من سكان تلك البقعة المنكوبة.
المدن
—————————–
الانفتاح العربي نعمة للنظام ونقمة على سوريا/ د. فيصل القاسم
قلنا بعد دقائق من وقوع الزلزال في سوريا إن هذا الحدث الجلل جاء وبالاً على ملايين السوريين في الشمال السوري الخارج عن سيطرة النظام ووبالاً أيضاً حتى على مناطق النظام التي تعرضت لهزات أرضية، فالسوريون اليوم معارضين ومؤيدين تحت التحت أصلاً معيشياً، وإن الزلزال أتى ليزيدهم معاناة وبؤساً وعذاباً، بينما نزل الزلزال فعلاً برداً وسلاماً على النظام الحاكم في دمشق، فتنفس الصعداء وقال في سره مرات ومرات: جاء الفرج جاء الفرج، لا عجب إذاً أن بشار وزوجته كانا يوزعان ابتسامات عريضة للغاية وهما يزوران المناطق المنكوبة في حلب، واستغلا الفرصة لأخذ السلفي والدمار خلفي، لأنهما كانا يعرفان أنه بحجة الزلزال سيهرع الكثير من العرب باتجاه دمشق بحجة إغاثة المنكوبين السوريين، بينما في الواقع آخر ما يهمهم كارثة الزلزال التي حلّت بالشعب السوري، وهم يعلمون علم اليقين أن الخراب والدمار والركام الذي خلفته همجية بشار وزمرته في سوريا أكبر من آثار الزلزال الأخير بمئات المرات. ولو كان العرب الذين توافدوا على دمشق في الأيام الماضية يهمهم الشعب السوري فعلاً ويتعاطفون معه لكانوا ساعدوه على مدى اثني عشر عاماً من أسوأ الأعوام التي مرت على سوريا في تاريخها، إن لم نقل أسوأها على الإطلاق.
مع كل ذلك مغفل من يعتقد أن هذا التعاطف العربي الزائف مع النظام في دمشق، سواء كان بقرارات ذاتية أو بأوامر أمريكية وإسرائيلية، يمكن أن يحدث فرقاً على الساحة السورية. صحيح أنه مفيد ومريح إعلامياً مؤقتاً للزمرة الحاكمة التي تسلي نفسها بزيارات عربية لا تسمن ولا تغني من جوع، لكن الزمرة تعلم علم اليقين أن الغريق لا يمكن أن ينقذ الغريق، وأن الخرق في سوريا اتسع ليس فقط على الراقع، بل اتسع على كل الراقعين مجتمعين. ماذا يمكن أن يقدم هؤلاء الذين يريدون أن يعيدوا النظام المنبوذ إلى الحضن العربي، وحتى لو كان ذلك بضوء أخضر أمريكي؟ وماذا في الحضن العربي أصلاً غير البؤس والضياع؟ أليس من المضحك جداً أن نسمع رئيس ما يسمى بـ «مؤتمر البرلمانات العربية» محمد الحلبوسي رئيس البرلمان العراقي وهو يقول إنه يريد أن يعيد سوريا إلى حضنها العربي؟ تصوروا أن الحلبوسي القابع أصلاً في الحضن الإيراني يتحدث بالعروبة والقومية. تصوروا أنه هو نفسه قال أكثر من مرة إنه لا يستطيع الذهاب إلى منطقة جرف الصخر السنية في العراق التي قام الحرس الثوري بتهجير أهلها قبل ثمان سنوات، «لأن المنطقة تُدار من قبل جهة أقوى مني» هذا العاجز هو نفسه يذهب إلى دمشق ليفك الحصار عنها. قمة المهزلة.
رؤساء ما يسمى بالبرلمانات العربية الذين ذهبوا إلى سوريا كممثلين مزعومين للشعوب العربية، يمثلون الشعوب تماماً كما أنا أمثل شعب بوركينا فاسو، ولا قيمة لهم مطلقاً في الشارع العربي الحقيقي، وهم مجرد مأمورين أصلاً، وكان بشار نفسه قال عنهم من قبل إنهم «أشباه رجال» واليوم هؤلاء «الأشباه» يأتون لإعادة تدوير «شبيههم».
فليهرع كل هؤلاء لعناق حاكم الشام. إنه باختصار تحالف الدكتاتوريين. التم المتعوس على خايب الرجا. معظمكم يقود دولاً فاشلة وشعوباً جائعة وبلداناً انهارت أو على وشك الانهيار. والغريق لا يمكن أن ينقذ الغريق. بالمناسبة كل هذا الدعم لبشار بحجة الزلزال لا تساوي قشرة بصل لدى الشعب السوري المسحوق (للعلم البصل اليوم في سوريا صار مثل الذهب لندرته وارتفاع سعره) تصوروا أن أنظمة لا تستطيع أن تؤمن لقمة الخبز لشعوبها تأتي لدعم سوريا.
والمصيبة أن الوفد الذي زار بشار قادم من دول اليوم مقبلة على ثورات جياع بكل معنى الكلمة، دول تتسول من الدول الغربية والخليجية وبكل وقاحة، يزعمون بأنهم يريدون مساعدة سوريا. تصوروا أن لبنان المنهار تماماً ولا يستطيع أن يدفع رواتب جيشه وشرطته أرسل وفداً لسوريا ليدعم نظام الأسد في وجه المؤامرة الأمريكية. قمة الكوميديا السوداء.
حتى السوريون في الداخل لا يعلقون أية آمال على هذه الاستعراضات العربية الفارغة، ويقولون: «بلوها وانقعوها واشربوا ميتها. نحن في الداخل نموت ألف مرة يومياً من الظلم والفقر والجوع والغلاء. وكل هذه الزيارات لا تعنينا نحن السوريين ولا توفر لنا لقمة خبز حاف، إلا إذا كانت مقدمة لمشروع إعادة إعمار وسلام حقيقي. صحيح أن بشار قد يستفيد منها إعلامياً، لكن الوضع السوري الكارثي لا يمكن أن تعالجه بعواطف وشعارات وخطابات عربية جربناها عشرات المرات على مدى عقود. الجرح السوري أعمق ألف مرة من أن تعالجه «بشوية» تصريحات زائفة وزيارات استعراضية تحاول تضميد الألم السوري التاريخي بكل ما فيه من صديد وقيح، وتركه يتعفن لعقود قادمة. وبالتالي فإن أي تطبيع عربي مع سوريا غير مدعوم بعشرات المليارات من الدولارات كدفعة اولى، ثم مئات المليارات لاحقاً، لا قيمة له مطلقاً. وللعلم فإن سوريا حسب التقديرات الدولية تحتاج 800 مليار، ولو خفضنا المبلغ إلى 100 مليار فقط، فمن سيدفع هذا المبلغ؟ بالأمس أودعت السعودية ملياراً فقط كوديعة في البنك اليمني فكان الخبر حديث العالم، فمن سيدفع لسوريا مئات المليارات المطلوبة؟ كما تعلمون السعودية لديها سفارة في لبنان، لكن لبنان منهار ومفلس، إذاً ما قيمة التقارب العربي من دمشق من دون مليارات؟ سيكون الوضع كوضع لبنان تطبيع سياسي ودبلوماسي لا يسمن ولا يغني من جوع.
ماذا يستفيد المواطن السوري في الداخل من علاقات عربية طبيعية مع النظام وهو لا يستطيع شراء بصلة؟ ما فائدة التقارب العربي إذا كان الوضع لا يسمح لملايين اللاجئين بالعودة إلى سوريا؟ هل يا ترى من أوصلوا بلدنا إلى هنا يمكن أن ينقذوه؟ هل سيكون الانفتاح العربي نعمة للنظام ونقمة على سوريا؟
كاتب واعلامي سوري
القدس العربي
————————-
انفتاح على دمشق تحت شعار «اليد اللي ما تقدر تلاويها خاويها»!/ وائل عصام
يمكن تبرير سياسات «الاستدارة» الحكومية العربية نحو النظام السوري، بطرق شتى، سيكون أولها قصة «الحضن العربي»، ومحاولة كسب دمشق للصف العربي بعيدا عن طهران، وهي عبارات تصنف ضمن الكوميديا السوداء، فقد سبق أن استخدمتها الحكومات العربية التي دعمت حكومة بغداد سابقا عندما كانت في أوج سياساتها الطائفية، تحت اليافطة نفسها، التي تستخدم لستر عورة النظام السياسي العربي، العاجز أمام حلف طهران، ببساطة يتعامل العرب الرسميون مع إيران وحلفائها الصاعدين بقوة في المشرق العربي بمنطق المثل الشعبي: «الإيد اللي ما تقدر تلاويها خاويها»!
ما يحصل اليوم في دمشق، هو تكرار للفشل والتخبط العربي في التعامل مع واقع العراق بعد الاحتلال الأمريكي، وتحديدا من دول المشرق العربي، فمنذ 2003 يتواصل الإخفاق العربي في التعاطي مع تحديات غزو العراق، ولم تمتلك الحكومات العربية المحيطة بالعراق، من دول الخليج وباقي دول المشرق، رؤية محددة وموحدة للتعامل مع «العراق الجديد».
التخبط الشديد في السياسات والارتهان للرؤية الغربية والنظر بعيون واشنطن، أوقع السياسات العربية في تناقضات جمة، فقد دعموا في البداية شخصيات راهن عليها الأمريكيون مثل إياد علاوي وغيره، وعندما تبين ضعف التقديرات الأمريكية بحظوظ شخصيات مثل علاوي والجلبي، انتقلت واشنطن ومعها الحكومات العربية للتعامل بواقعية مع حكام العراق الجدد، القوى الإسلامية الشيعية، وباتت الخيارات تنحصر بين حزب إسلامي شيعي، أكثر قربا من إيران، وآخر أقل قربا منها! لذلك سمعنا عن «الفتى العروبي» مقتدى الصدر، الذي كان سابقا من أكثر الشخصيات المتمردة المكروهة لدى الأمريكيين في العراق، لكن ضيق خيارات وبدائل مواجهة القوى الشيعية التقليدية، حوّل زعيم ميليشيا مذهبية مثل «جيش المهدي» إلى زائر رسمي يستقبل كشخصية رمزية لدى حكومات عربية كانت من أشد المهاجمين له، عندما كان مغضوبا عليه أمريكيا، وبعد أن كان الخيار هو دعم «ثوار العشائر»، أصبحنا نسمع عن أوصاف خلبية تطلق على مقتدى الصدر مثل «الفتى القرشي» الذي يراد كسبه لحضن العرب.
في المقابل وفي المسار نفسه، تقلب الدور العربي الرسمي في سوريا من دعم المعارضة المسلحة والثورة، إلى التطبيع مع بشار الأسد! فعندما كانت المعارضة السورية تتلقى دعما غربيا؛ كان الكثير من الحكومات العربية التي يزور اليوم وزراء خارجيتها دمشق، ترسل الأموال والسلاح للفصائل التي تقاتله، وتهاجم الأسد بوصفه طائفيا تابعا لطهران وتتوعد بخلعه من الحكم. البعض يتحدث عن الزلزال الذي أنقذ الأسد، طيب لماذا لم ينقذ الزلزال نفسه المعارضة في الشمال وهي التي تعرضت مناطقها لأكثر الخسائر البشرية؟ في الحقيقة من أنقذ الأسد هو وحشيته في الحرب، لقد انتصرت همجية الحرب لتمنح نظام الأسد السلام والتطبيع مع من عادوه في الأمس، تماما كما يحصل في لبنان واليمن، بسبب سوء إدارتهم للصراع وتخبطهم وارتهانهم لرؤية من لا يمتلك عيونا تفهم عوائد النزاعات في المشرق، ابتداء من فصائل المعارضة والثورة مرورا بالنظام العربي الرسمي، وكما العادة في بلادنا منذ قرون، يتقلد المستبد العربي وشاحه فوق آلاف الجماجم. تقول منظمة «هيومان رايتس ووتش»، في تعليق مقتضب لها على التطبيع العربي المتسارع مع العدو السابق: «بدأت دول مثل السعودية وحتى تركيا، التي عارضت حكومة الأسد بشدة سابقا، في التلميح إلى استعدادها لتوثيق العلاقات مع سوريا، رغم انتهاكات حقوق الإنسان المنتشرة والممنهجة، وقلة المساءلة أو انعدامها عن الكم الهائل من الجرائم المرتكَبة. بينما وثّقت دول أخرى مثل الأردن والإمارات علاقاتها معها بالفعل».
كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»
————————-
واشنطن تتهم الأسد بـ«جرائم ضد الإنسانية»
الرئيس السوري إلى موسكو منتصف الشهر
واشنطن: علي بردى – موسكو: رائد جبر
تزامن تأكيد الكرملين نبأ زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد، إلى موسكو، منتصف الشهر الحالي، مع اتهامه من قبل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، بارتكاب «فظائع لا حصر لها»؛ منها ما يرقى إلى «جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية»، معلنة عقوبات على ضابط صف في المخابرات العسكرية السورية لتورطه في «مجزرة التضامن» التي قتل فيها العشرات.
ينظر إلى هذا التصنيف الأميركي على أنَّه محاولة لتبديد ما يشاع عن استعداد واشنطن لتقبل عملية التطبيع مع نظام الأسد، بعد الزلزالين المدمرين في 6 فبراير (شباط) الماضي.
وأفادت وزارة الخارجية الأميركية، في بيان، بأنَّ هذا الشهر يصادف الذكرى السنوية الـ12 للحرب التي «ارتكب خلالها نظام الأسد فظائع لا حصر لها، بعضها يرقى إلى جرائم الحرب، وجرائم ضد الإنسانية». وأشارت إلى أنَّ «إحدى هذه الفظائع مجزرة ارتكبت في حي التضامن الدمشقي، حيث قَتلَ ضابط المخابرات العسكرية أمجد يوسف، في 16 أبريل (نيسان) 2013 ما لا يقل عن 41 من المدنيين العزل».
إلى ذلك، أكد الكرملين صحة تسريبات إعلامية حول الإعداد لزيارة الأسد إلى روسيا خلال الفترة القريبة المقبلة. لكنَّه تجنب الإعلان عن تفاصيل إضافية حول الترتيبات الجارية. وأبلغ مصدر مقرب من وزارة الخارجية «الشرق الأوسط» أنَّ الطرفين يعلقان أهمية كبرى لجهة «ضبط الساعات» خلال الزيارة التي ستتم منتصف الشهر الحالي، خصوصاً بعد التطورات التي وقعت في سوريا وحولها خلال الأشهر الأخيرة، ومع تركيز الخبراء الروس على أنَّ ملف التطبيع بين دمشق وأنقرة «يشغل بال الكرملين بالدرجة الأولى».
—————————–
مأزق الشرعية في عالمنا العربي وعلاقة المثقف بالسلطة/ مهند الحسني
ما إن أصدر الرئيس الأميركي بايدن قراراً عطل بموجبه قوانين قيصر وسمح بالتعامل المباشر مع بشار الأسد وزمرته وحاشيته لمدة ستة أشهر كاملة حتى سارعت إحدى دول الخليج “سلطنة عمان” لفرش السجاد الأحمر لسفاح الشام للحضور إلى أراضيها.
وما إن عاد إلى دمشق حتى تقاطر قطيع البرلمانيين العرب إلى دمشق وشكلّ مع نظيره فيها مشهداً سريالياً مخزياً يوحي بأننا في عالمنا العربي بحاجة لثورات وثورات لإزالة كل هذا العفن السياسي عن صدر الشعوب العربية المقهورة.
تلك التراجيديا السوداء وما رافقها من برامج حوارية على شاشات التلفزة استضافت فيها محللين سياسيين أو مستشارين أو مفكرين تابعين للدول التي اقترفت جرم التطبيع مع طاغية الشام سراً أو علانية أو تلك الدول التي تتحضر وهي في طريقها للتطبيع معه.
المشهدان ” البرلمانيان والمثقفان ” أوحيا لي بطرح سؤالين
الأول: منهما يتعلق بمدى شرعية البرلمانات العربية
والثاني: يتعلق بما هية علاقة المثقف بالسلطة في عالمنا العربي
ويبقى السؤالان مفتوحين للزمن، وتبقى الإجابة عليهما رهناً برأي القارئ الكريم.
السؤال الأول: هل البرلمانيون العرب يمثلون فعلاً شعوبهم وإلى أي مدى وهل هم سلطة فعلاً، وما مدى شرعية المواقف والقوانين والتشريعات التي تصدر عنهم؟
للإجابة عن هذا السؤال علينا أن نعترف بأن السمة العامة والرئيسية لأنظمة الحكم في المنطقة العربية هي عدم شرعيتها كونها أنظمة وراثية قائمة على الاستئثار بالسلطة والثروة والقوة والإعلام أو الحقيقة وإن بدرجات متفاوتة.
فهل يمكن لتلك الأنظمة البدائية “كنظم سياسية” أن تنتج مؤسسات شرعية “برلمانات” في أي من المنظومات التي تسيطر فيها على السلطة بالحديد و النار؟
برلمانات بمعنى سلطة تشريعية منتخبة تصدر قوانين وتشريعات، ومن المفترض بهذه السلطة التشريعية أن تسعى لتحقيق مصالح الناس وليس مصالح الفئة الحاكمة أو المستفيدة.
لا يخفى على أحد الفرق الكبير بين الحالتين:
فالقوانين التي تسعى لتحقيق مصالح الناس أو الأعم الأغلب منهم عادة ما تنبع من ينابيعها الطبيعية الماثلة في الوجدان والعقل العام الجمعي لمعظم أبناء الوطن وهنا يمكن الحديث عن مزاج عام يحمل معظم الناس على الإذعان العام الطوعي الاختياري للقانون وهو عنصر التفريق ما بين سلوك المواطن بالغرب وسلوك المواطن في عالمنا العربي.
فالمواطن الغربي يشعر أن القانون يمثله ويحقق مصلحته ويشعر أنه أسهم من خلال مرشحه في صناعته وأن بإمكانه معارضته في أي وقت وبجميع الطرق السلمية والمطالبة بإسقاطه وتغييره بالطريقة ذاتها التي صدر بها.
في حين أن المواطن العربي يشعر في قرارة نفسه أن القوانين في بلاده تصدر لمصلحة السلطة الحاكمة المؤبدة المفروضة عليه كالحجر والشجر، وبالتالي لا يملك الحق بالمطالبة بتغيير القوانين التي تصدرها لأنها صدرت لمصلحتها هي وليست لمصلحتة هو، لذلك بدلاً من أن تتشكل لديه غريزة الانصياع الطوعي للقانون تتشكل لديه غريزة الالتفاف على القانون أو الاحتيال عليه.
وبالتالي: طالما هناك أنظمة حكم شرعية منتخبة، فهي تنتج بالضرورة مؤسسـات تمثل مصالح الناس “برلمانات” وتتخذ مواقف تعبر عن المزاج العام للأعم الأغلب من المواطنين وهي بالتالي تصدر قوانين وتشريعات شرعية مما يسبل حالة من الاستقرار العام الناجم عن الانصياع الطوعي المجتمعي العام للقانون.
بالمقابل أنظمة حكم بالحديد والنار، تنتج مجالس أو برلمانات مرتبطة بشخص الحاكم الفرد ولا تهدف إلا للتقرب منه وكسب رضاه، وهي بالضرورة تتخذ مواقف أو تصدر قوانين وتشريعات لا تنبع من ينابيعها الطبيعية في العقل العام أو المزاج المجتمعي العام وبالتالي تصدر قوانين لا شرعية لها لأنها تمثل إرادة أو مصالح الفئة الحاكمة أو المستفيدة وهو ما يسبل بظلاله القاتمة على مختلف مناحي الحياة العامة لأنها تفرض بالجبر والشدة والإرهاب المادي والمعنوي، مما يخلق لدى الناس غريزة أو ثقافة الالتفاف والتحايل على القانون ومحاولة مخالفته وتجاوزه بأي وسيلة بدلا من الانصياع الطوعي له.
ذات الشيء الذي ينطبق على القوانين والتشريعات اللاشرعية التي تصدرها البرلمانات العربية ينطبق أيضاً على المواقف التي تتخذها ومنها الموقف من طاغية الشام بشار الأسد.
السؤال الثاني: وقد استلهمته من متابعة مواقف عدد من الضيوف العرب الذين طبّعت حكوماتهم أو في طريقها للتطبيع مع نظام الحكم في سوريا في البرامج الحوارية المتعلقة بهذا الموضوع.
فالموقف التبريري كان عاملاً مشتركاً عند جميع الضيوف العرب الذين لحكوماتهم مواقف لا أخلاقية مع الشعب السوري في مواجهة النظام المجرم بدمشق حتى أصبحنا أمام ظاهرة لافتة للنظر.
وهو ما يطرح سؤالاً عريضاً عن طبيعة علاقة المثقف سواء أكان محللاً سياسياً أم مستشاراً وزارياً أم باحثاً أو حتى صحفياً أو أياً من الصفات التي يظهرون بها في البرامج الحوارية” مع أنظمة الحكم في بلدانهم.
بمعنى أين يقف المثقف في عالمنا العربي من هيكلية السلطة الحاكمة في بلده.. ما موقعه من السلطة الحاكمة.. أين جغرافيته ضمن خريطة الهيكلية السياسية للسلطة.. بمعنى هل يقف المثقف العربي بالقرب من رأس السلطة فيقرع الحجة بالحجة ويجادل الأفكار ويحاور الطروحات ويناقش المسارات أم أن مكانه الطبيعي عند المؤخرة وهو مضطر أن يجتر كل ما يصدر عنها من مواقف ” قد تكون لا أخلاقية” فيجترها ويدورها ويبررها ويجد لها الذرائع والأسباب أملاً بالخلاص حيناً أو طمعاً بالقرب حيناً آخر.
هذه المسألة تأخذنا للبحث في أحد أهم الحقوق الأساسية الملازمة للشخصية ألا وهو حرية الرأي والتعبير في عالمنا العربي وأنا لا أريد الاستفاضة بالحديث عن هذا الموضوع فتكفي نظرة سريعة على قوائم معتقلي الرأي والضمير في عالمنا العربي لنعرف عمق المصيبة التي أتحدث عنها.
ما أريد قوله باختصار:
الرسول الكريم قال: “فليقل خيراً أو ليصمت”.
الجميع يعلم مأساة المثقف في عالمنا العربي والهامش الضيق المتروك له، فمن غير الضروري في ظل هذا الواقع أن يلعب المثقف العربي دور المرآة المقعرة للحاكم العربي التي تعطي صورة وهمية معملقة أو مضخمة له.
إن لم يكن بإمكانك أن تنحاز إلى الطرف الضعيف في المعادلة وتأخذ جانب “الشعوب” سنداً لما تفرضه عليك القيم الأخلاقية والسلوكية والدينية والإنسانية، فعلى أقل تقدير لا نريد للنظام الحاكم أن يحتذيك أيها المثقف العربي، لا نريد لك أن تكون بوقاً يبرر ويطبل بذريعة الواقعية السياسية حيناً أو بذريعة الحد من الخطر الإيراني حيناً آخر أو بغيرها من الذرائع.
أخيراً أقول لمثقفي السلطة في عالمنا العربي ومن خلفهم وفد البرلمانيين العرب الذين تم استعمالهم مع الأسف كمناديل لمسح أكبر قدر ممكن من القذارة عن جبين النظام الرسمي العربي الذي تلقى الأوامر فيما يبدو للتطبيع مع المجرم الدولي بشار الأسد.
نحن كسوريين مشكلتنا مع بشار الأسد ليست سياسية ولا هي خلاف أيديولوجي أو عقائدي حتى نتصالح ونتصافى ونتفق أو لا نتفق.
مشكلتنا معه أخلاقية لأن يديه ملوثتان بدماء مليوني سوري على أقل تقدير، هذا عدا عما دمر وعما هجر وعما دس من دسائس بحق شعبه حتى استجلب عليه جميع أشرار الأرض الدوليين وهو ما تعلمه يقينا جميع الشعوب العربية فلا تتواروا خلف أصابعكم وتتحدثوا عن تغير في مزاجها العام تجاه النظام المجرم بدمشق لأننا كشعوب عربية ومسلمة تقاسمنا التاريخ والجغرافيا والمصير المشترك أعلم الناس ببعضنا بعضاً.
ولعل الإذعان الأعمى لحكوماتكم المفروضة عليكم للعم سام ومن يقف في ركاب العم سام هو ما أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم فلا تأتوا بعد كل هذه السنوات وتتذرعوا بخوفكم على سوريا التي تنزف وأنكم تريدون إنقاذها من براثن الإيرانيين.
إن حديثكم عن الواقعية السياسية قد يفضي بكم في نهاية المطاف لتسليم مفاتيح الكعبة لإيران وليس فقط دمشق التي فرط بها النظام الرسمي العربي على مدى عقد من الصراع والذي سيستمر إلى أن تتحرر من براثن الشر الأسدي ومن يقف وراءه.
كل ما هو مطلوب منكم اليوم أن تقولوا خيراً “إن استطعتم” أو أن تصمتوا… لكن إياكم أن تبرروا أو تلعبوا دور الواعظ الحكيم بالسياسة لأن التاريخ لن يرحمكم.
تلفزيون سوريا
————————-
تحذيرات من إعادة تعويم نظام الأسد من خلال مؤتمر بروكسل للمانحين/ وسام سليم
حذرت منظمة “منسقو استجابة سورية”، اليوم الأحد، من محاولة إقحام النظام السوري بزعامة بشار الأسد خلال مؤتمر بروكسل للمانحين الخاص بدعم سورية، من خلال منظمة الهلال الأحمر السوري.
وقالت في بيان إن مشاركة ممثلين عن النظام السوري في المؤتمر، هي خطوة جديدة لإنقاذ هيكلية النظام السوري، والعمل على عودته إلى المجتمع الدولي من جديد من بوابة العمل الإنساني.
واتهمت “منسقو استجابة سورية” بعض الدول والأمم المتحدة بأنها عملت على انتشال النظام السوري من مآزق كبيرة، كان آخرها التستر خلف المساعدات للمتضررين من الزلزال، والتي بلغ عددها أكثر من 288 طائرة شحن جوية عدا الطرق البرية والبحرية، ولفتت إلى أن نسبة التمويل من هذا المؤتمر لعام 2022 – 2023 كانت 4.44 مليارات دولار، ونسبة العجز 52.5 بالمئة.
ولفتت إلى أن الدول الداعمة دائما ما تتحدث عن تعهدات بأرقام ضخمة، وعند التنفيذ تنخفض نسبة التقديم إلى مستويات كبيرة لا تعادل 20 بالمئة مما تم التعهد به أمام الإعلام.
وأضافت: “على اعتبار عودة التطبيع الكامل مع النظام السوري، فلا حاجة إلى عقد المزيد من المؤتمرات طالما أن عمليات ضخ المساعدات مستمرة بشكل واضح، وخاصةً أن كل ما يتم التعهد به خلال المؤتمرات يذهب بنسب هائلة إلى تعزيز بقاء النظام السوري، وهذا ما يلاحظ من خلال استحواذ النظام السوري على 70 بالمئة من إجمالي المساعدات الأممية إلى سورية، ونسبة 90 بالمئة من إجمالي المساعدات الإنسانية”.
وختم البيان: “في ظل التغيرات الكثيرة في المنطقة، فإن المؤتمر الذي سيعقد بعد عشرة أيام من الآن، لن يكون سوى وسيلة جديدة ومتنفس للنظام السوري، ومحاولة جديدة للإبقاء على الوضع الحالي في سورية عاما جديدا”.
شكلت كارثة الزلزال الذي ضرب تركيا وسورية في 6 فبراير/ شباط الماضي فرصة للنظام السوري من أجل جني مكاسب اقتصادية وسياسية، ويبدو أنه يستميت من أجل استغلال هذه الفرصة لرفع العقوبات المفروضة عليه أميركياً وأوروبياً، على خلفية تعامله القمعي مع شعبه منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية عام 2011، ولأجل هدفه، يلجأ النظام إلى استخدام واجهات تتبع له عملياً، إلا أنها ظاهرياً تصنف كمجتمع مدني أو مستقلة.
وخلال الأيام الأخيرة لاقت دعوة المفوضية الأوروبية إلى رئيس الهلال الأحمر السوري، التابع للنظام، خالد حبوباتي، كممثل عن مناطق سيطرة النظام انتقادات من جانب ناشطين حقوقيين سوريين، وهيئات المعارضة، الذين اعتبروا أن الهلال الأحمر السوري مجرد واجهة سياسية وأمنية للنظام. وشددوا على أن تسليم المساعدات لهذه المنظمة يمثل دعماً للنظام وسياساته الرافضة للحل السياسي، وآلته الحربية، ولن يصل منها إلى المحتاجين فعلاً إلا القليل.
ودعا حقوقيون في فرنسا إلى توقيع مذكرة قانونية، موجهة إلى الجهات المعنية في أوروبا، تعارض التنسيق مع النظام السوري، وتحديداً منظمة الهلال اﻷحمر التابعة له.
وفي الصدد، أوضح المحامي السوري زيد العظم، في تصريح سابق لـ”العربي الجديد”، أنّ المذكرة موقعة بأسماء عدد من الحقوقيين السوريين، وموجهة إلى البرلمانين الفرنسي والأوروبي، والمفوضية الأوروبية، لتحذيرهم “من خطورة قبول مشاركة منظمة الهلال الأحمر السوري كممثل عن السوريين في مؤتمر المانحين المقرر عقده في بروكسل بتاريخ 16 مارس/ آذار الجاري، باعتبارها منظمة تتبع لنظام الأسد، وتعمل بتوجيهات المخابرات السورية، ومتهمة بالمساهمة في سفك دماء السوريين، وفق تقارير منظمتي العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش”.
وأشار العظم إلى أنه زار، صباح الخميس الماضي، بلدية باريس بصفته عضواً في مجموعة حقوقيين سوريين في فرنسا، لتسليم المذكرة المحذرة من حضور منظمة الهلال الأحمر السوري إلى مؤتمر المانحين المقرر عقده في بروكسل.
كما حذر المستشار الاقتصادي السوري أسامة قاضي من عدم الاستفادة من قيمة المبالغ التي سيجرى جمعها من خلال مؤتمر بروكسل، معتبراً أنه لن يصل منها إلا القليل إلى متضرري الزلزال.
وقال قاضي في تصريح لـ”العربي الجديد” يوم الخميس إنه من “خلال الخبرات السابقة، فإن المساعدات التي ستتقرر في مؤتمر بروكسل المقبل، سيذهب 90% منها إلى تركيا، و10% المتبقية لسورية. ومن حصة سورية، سيذهب 90% منها لنظام بشار الأسد و10% للشمال الغربي المنكوب”، موضحاً أنه “لو أقر المؤتمر مساعدات بقيمة 5 مليارات دولار، فسيصل إلى الشمال السوري نحو 35 مليون دولار فقط”.
العربي الجديد
—————————
“لوموند”: بشار الأسد خبير في دبلوماسية الزلازل.. وتحسين علاقاته مع السعودية سيفتح له طريق التطبيع العربي على مصراعيه
تحت عنوان: “بشار الأسد.. خبير في دبلوماسية الزلازل”، قالت صحيفة “لوموند” الفرنسية إنه بعد الزلزال الذي ضرب سوريا، يستغل رئيس النظام تضامن القادة العرب لإعادة تطبيع العلاقات مع النظام السوري. فقد خفف رأس النظام من عزلته الدبلوماسية بفضل الزلزال الذي أودى بحياة 5900 سوري، يوم السادس من فبراير الماضي. استطاع بشار الأسد الاستفادة من المأساة للمضي قدماً على طريق التطبيع.
ووصفت الصحيفة بشار الأسد بـ “بسيد الفوضى.. الديكتاتور المبدع في دبلوماسية الزلازل”.
تلقى الأسد رسائل تضامن من القادة العرب، الذين اتصلوا به هاتفياً، وأرسلوا دبلوماسييهم إلى دمشق. من بين الدول الشقيقة السابقة التي استبعدت سوريا من الجامعة العربية، ظل بعضها حليفاً، مثل الجزائر والعراق ولبنان، وعاد البعض الآخر رسمياً إلى التواصل مع النظام المنبوذ، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة والأردن، وأخرى بشكل سري مثل مصر. لكن، الجدير بالذكر أن المملكة العربية السعودية، الداعم الرئيسي للمعارضة، والعقبة أمام إعادة دمج الأسد في الحظيرة العربية، قد استجابت أيضًا، مع إرسال أطنان من المساعدات إلى دمشق.
سارع الأسد إلى المطالبة برفع العقوبات الغربية، التي وصفها بأنها العقبة الرئيسية أمام الاستجابة الإنسانية، تشير الصحيفة، مضيفةً أن هذه العقوبات لم تمنع أبدًا تدفق المساعدات إلى دمشق عبر وكالات الأمم المتحدة، ومن تحويلها جزئيًا من قبل النظام. وكسب بشار الأسد مع ذلك قضيته، حيث علقت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي العقوبات التي فرضاها على النظام السوري لمدة ستة أشهر.
كان الأسد يود أن يظل مسيطرًا على الاستجابة الإنسانية حتى في شمال غرب سوريا، الذي تسيطر عليه معارضته المسلحة المدعومة من تركيا. وهو يعمل، مع راعيه الروسي، على تفكيك آلية الأمم المتحدة التي تسمح بإرسال المساعدات من تركيا واستبدالها بآلية تمر عبر دمشق. لكن معارضيه يرفضون، لأسباب مفهومة، تقول “لوموند”، مشيرة إلى أن المساعدات لم تصل تقريباً منذ أيام إلى مناطق المعارضة الأكثر تضررًا في البلاد. وجدت الأمم المتحدة أنه من الضروري الحصول على إذن من حكومة النظام في دمشق، أو تفويض من مجلس الأمن، لزيادة عدد المعابر التي تمر عبرها المساعدات.
وقد توجّه مسؤولو الأمم المتحدة إلى دمشق لمطالبة الأسد بالموافقة، وتركوه حراً في تقرير مصير السوريين الذين فرّوا من قصفه، على الرغم من أنه لا شيء يتطلب ذلك، في رأي خبراء في القانون الإنساني. بعد ثمانية أيام كان من الممكن أن تكون حاسمة للإغاثة، أقرّ الديكتاتور السوري بفتح نقطتي عبور إضافيتين مع تركيا لمدة ثلاثة أشهر.
واعتبرت “لوموند” أن اصطفاف نظام دمشق مع إيران، ورفضه تقديم أي تنازلات للتوصل إلى حل سياسي، والتهديد بفرض عقوبات من واشنطن، كل ذلك أدى إلى إبطاء المحاولات. فهناك رغبة من دول المنطقة في طي صفحة الصراع السوري. وقد فهموا أن الدكتاتور لن يترك السلطة، وأن إستراتيجية العزلة تعزز اعتماد دمشق على الخصم الشيعي.
أدى وضع سوريا إلى انهيار اقتصادها وتقويض اقتصاد جيرانها. وجعل نظام الأسد من الكبتاغون، مادة الأمفيتامين سهلة الإنتاج، مشروعًا مربحًا يغمر المنطقة. وأصبح 6 ملايين لاجئ سوري في دول الجوار كبش فداء لأزماتهم.
كما اعتبرت “لوموند” أن يد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الممدودة للمصالحة مع بشار الأسد نهاية عام2022 ، رغم أنها ما تزال معلقة، وضعت التطبيع مع النظام السوري على جدول الأعمال. وتم إرسال رسالة واضحة مع زيارة الدولة التي قام بها الأسد إلى عُمان في20 فبراير، وهي دولة معروفة بدورها كوسيط في الأزمات الإقليمية.
توجّه مسؤولو الأمم المتحدة إلى دمشق لمطالبة الأسد بالموافقة على مرور مساعدات إنسانية، وتركوه حراً في تقرير مصير السوريين الذين فرّوا من قصفه.
وقالت “لوموند” إن كل الأنظار الآن على الرياض التي تظهر بوادر تهدئة، مشيرة إلى أنه خلال مؤتمر ميونيخ الأمني، منتصف فبراير الماضي، أشار رئيس الدبلوماسية السعودية فيصل بن فرحان آل سعود إلى الإجماع الإقليمي لصالح التقارب مع دمشق، وضرورة الحوار حول المساعدات الإنسانية ومحنة اللاجئين. لم تعد السعودية تطالب برحيل الأسد، لكنها تستمر في التمسك بمقاطعتها الدبلوماسية. ومن ثم فقد استخدمت حق النقض ضد دعوة النظام لحضور قمة جامعة الدول العربية التي عقدت في الجزائر، في شهر نوفمبر الماضي.
فهل تتم دعوة بشار الأسد للقمة المقبلة في الرياض؟ تتساءل “لوموند”، معتبرة أنه إذا تمكّن من تحسين علاقاته مع السعودية، فإن الطريق إلى التطبيع العربي سيكون مفتوحًا على مصراعيه.
لم تطأ قدم أي ممثل سعودي دمشق. ومثلما تطالب إسرائيل بحل القضية الفلسطينية قبل أن تسير على خطى العواصم العربية التي قطعت تقاربها مع الدولة اليهودية، فإن المملكة تضع شروطها على بشار الأسد. الطريق إلى المصالحة يمكن أن يكون طويلاً إذا جعل فتح مفاوضات جادة مع المعارضة، والابتعاد عن طهران شرطاً أساسياً، تقول “لوموند”.
القدس العربي
—————————
المفوضية الأوروبية تتراجع عن دعوة ممثل للنظام..إلى مؤتمر المانحين
تراجع الإتحاد الأوروبي عن دعوة مدير الهلال الأحمر السوري لتمثيل النظام في مؤتمر المانحين المزعم عقده في العاصمة البلجيكية بروكسل في 16 آذار/مارس، لدعم المناطق المنكوبة في سوريا وتركيا عقب الزلزال الذي ضرب البلدين فجر 6 شباط/فبراير.
وجاء التراجع بعد ضغوط حقوقية قادتها مجموعة من المحامين السوريين في فرنسا والولايات المتحدة، لثني الاتحاد الأوروبي عن الدعوة، لأن الهلال السوري يعمل وفق قولهم بحسب توجيهات المخابرات السورية، عدا عن ارتباطه بالنظام، ووجود شهادات حول دعمه للنظام عن طريق المساعدات التي وصلت إليه.
وأكد المحامي السوري في فرنسا زيد العظم ل”المدن”، أن مجموعة “الحقوقيون السوريون في فرنسا” تلقت تأكيدات من مسؤولين سويديين بأن حكومة بلادهم لن تقوم بدعوة أي ممثل عن النظام إلى مؤتمر المانحين في بروكسل، مضيفاً أن التراجع عن دعوته جاءت بعد جهود حقوقية مكثفة بذلتها المجموعة منذ اليوم الأول على حصولها على تلك المعلومات عن النية لدعوة ممثل عن النظام للمؤتمر.
وأوضح أن عدم دعوة الهلال الأحمر لا يعني الاستعاضة عنه بدعوة مؤسسة أخرى أو شخصية بشكل فردي لتمثيل النظام، وإنما عدم وجود أي تمثيل تابع له ضمن مناطقه في مؤتمر بروكسل.
وقال العظم إن عدم دعوة ممثل عن النظام للمؤتمر، وكذلك زيارة مدير منظمة الصحة العالمية إلى شمال غرب سوريا، بمثابة تأكيد على اتجاه الدول الأوروبية والغرب على سحب الشرعية بشكل كامل من نظام الأسد، وانتقال الملف السوري للإدارة الدولية.
وفي وقت سابق، أكد العظم الحصول على شهادات من داخل سوريا، تثبت تورط الهلال السوري بتمويل النظام من المساعدات.
وكانت المجموعة قد وجهت دعوة الأربعاء، إلى جميع الحقوقيين المتواجدين في المدن الفرنسية للانضمام إليها في مسعى لتوجيه مذكرة قانونية جماعية إلى البرلمان الفرنسي والبرلمان الأوروبي والمفوضية الأوروبية، من أجل “تحذير تلك المؤسسات من خطورة قبول مشاركة منظمة الهلال الأحمر السوري كممثل عن السوريين في مؤتمر المانحين”.
وقالت في بيان، إن تحذير تلك المؤسسات يتضمن توضيح خطورة تسليم الهلال السوري أي مساعدات مخصصة للسوريين المنكوبين، باعتبارها منظمة تتبع لنظام الأسد، وتعمل بتوجيهات المخابرات السورية، ومتهمة بالمساهمة في سفك دماء السوريين، وفق تقارير منظمة العفو الدولية ومنظمة “هيومن رايتس ووتش”.
وبالتزامن مع حراك فرنسا، تحرك عدد من الحقوقيين والمعارضين السوريين في الولايات المتحدة، مع شخصيات أوروبية – سورية لها الخبرة في مثل هذه الحالات، لإصدار تقرير للواقع القانوني ونشره لمنع دعوة الهلال السوري ورئيسه حبوباتي.
كما تضمن حراك واشنطن، التواصل مع قيادات في الاتحاد الأوروبي ومتابعة الملف سواء مع المفوضية الاوروبية أو الدول النافذة بالاتحاد، بحسب المعارض السوري في الولايات المتحدة أيمن عبد النور.
——————————–
كيف يحرف النظام السوري وجهة المساعدات ويستغل تخفيف العقوبات؟
يجادل قطاع عريض من السوريين أن هاجس النظام السوري إثر الزلزال المدمّر الذي ضرب أجزاء من سوريا وتركيا كان وظلّ دائمًا هو العقوبات الدولية المفروضة عليه، وليس معاناة الشعب السوري.
ومنذ الزلزال، لم يبادر النظام بأي إجراء للتخفيف من معاناة المتضررين بل دعا منذ اليوم الأول للكارثة “لرفع العقوبات الغربية عليه”، وعلى الرغم من تفطّن المجتمع الدولي لإرادة النظام السوري لاستغلال ذلك المنفذ فقد قامت الولايات المتحدة ودول أوروبا بتخفيف قيود مصرفية لمدة ستة أشهر ضمن متطلبات السماح بإدخال المساعدات إلى سوريا.
ومن شأن تلك التخفيفات والتسهيلات أن تمنح للنظام ممثلًا في رأسه بشار الأسد ومقرّبيه فرصةً لتحقيق مكاسب وامتيازات مالية، حيث أشار تقرير حديث لنيويورك تايمز إلى مخاوف من أن يتمكن الأسد ومقرّبوه من “تحقيق مكاسب مالية كبيرة”، خاصّة أنه “لم تُطبَّق إجراءات حماية أو آليات رقابة لمنع حكومة النظام من استغلال تخفيف القيود المصرفية من أجل نقل الأموال إلى داخل البلاد وإلى خزائنها”.
ورغم أن الضرر الأكبر من الزلزال كان في مناطق سيطرة المعارضة، إلّا أنّ المساعدات تأخرت بالدخول إليها لفترة طويلة، رغم مناشدات الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء)، والمنظمات الحقوقية، التي أشارت إلى أت المجتمع الدولي خذل الشمال السوري.
ويدور القلق من تخفيف العقوبات، من تمديده لفترة أطول، بالإضافة إلى أن يكون مقدمةً لإعادة اندماج نظام الأسد بشكلٍ كامل في المجتمع الدولي، بدون عقاب له على كافة الانتهاكات والجرائم التي ارتكبت على مدار سنوات من حربه على الثورة السورية.
وبحسب تحذيرات أطلقتها المعارضة السورية ونشطاء دوليون حذَّروا أيضاً من أنَّ النظام “سيحرف مسار المساعدات الإنسانية التي يجري إرسالها إلى ضحايا الكارثة الطبيعية لأجل استخداماته الخاصة”.
إلاّ أن وزارة الخارجية الأمريكية ادّعت أن لدى وزارة الخزانة “أدوات لمنع إساءة استغلال تخفيف العقوبات”، دون توضيح طبيعة تلك الإجراءات بحسب صحيفة نيويورك تايمز التي نقلت عن أندرو تابلر، وهو باحث أول بمعهد واشنطن ومستشار سابق للشرق الأدنى بالخارجية الأمريكية، قوله: “النظام، الذي يستغل الزلزال بالفعل لتحقيق مكاسب سياسية، سيستخدم ذلك من أجل إعادة الإعمار وتوطيد موقفه”.
وتجادل المعارض السورية، أنّه بمقدور نظام الأسد الآن “نقل الأموال إلى داخل سوريا تحت مظلة المساعدات الإغاثية المرتبطة بالزلزال واستخدامها بدلاً من ذلك في إعادة بناء المباني التي دُمِّرَت، وهو الدمار الذي تسبَّب به نظام بشار الأسد وداعمه العسكري الرئيسي روسيا”.
كما يجادل خبراء ومسؤولون أمريكيون سابقون بأن التخفيف الذي وافقت عليه الدول الغربية للعقوبات لم يكن ضروريًا، وذلك لأن نظام العقوبات الغربية يضم بالفعل “استثناءات للسماح بدخول المساعدات الإنسانية”.
وبحسب مسؤول أمريكي في وزارة الخارجية فإنّ الدافع وراء التخفيفات الجديدة هو “تعبير دول أوروبية وعربية ومجموعات إغاثية عن قلقها من إمكانية منع العقوبات لهم من تقديم المساعدة المرتبطة بالزلزال لسوريا”، وبالفعل، وحسب ذات المسؤول، فقد رفضت “بنوك عديدة إتمام المعاملات المالية مع سوريا خوفًا من مخالفة العقوبات، بالرغم من كونها موضع إعفاء”.
ومع ذلك فقد قامت دول، خاصة عربية، بإرسال مساعدات للنظام السوري، عبر الطائرات والشاحنات إثر الزلزال، والتي ظهرت بوادر أولية على استخدام الزلزال كغطاء للتطبيع مع نظام الأسد، فقد رفعت تونس على سبيل المثال، تمثيلها الدبلوماسي لدى نظام الأسد، مستغلةً ظروف الزلزال.
نظام الأسد يحرف المساعدات
ووفقًا لشهادة أكثر من جهة فقد قام النظام السوري في أكثر من واقعة وحادثة بمنع وصول المساعدات وتدفقها نحو مناطق سيطرة المعارضة.
وفي هذا الصدد أكدت ناتاشا هول، الباحثة في برنامج الشرق الأوسط بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية لنيويورك تايمز أنّ حكومة الأسد “تحرف بصفة منتظمة مسار المساعدات لأغراضها الخاصة، بما في ذلك نقل بعضها إلى الجيش”.
وأكّدت ناتاشا هول وجويل رايبيرن، المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا أن “نظام الأسد ينقل على نحوٍ متزايد العقوبات عبر منظمتين ذاتيّ صلات وثيقة بالدائرة المُقرَّبة للأسد هما: الهلال الأحمر السوري، والأمانة السورية للتنمية”.
ونقلت نيويورك تايمز عن سوريان يعملان في توزيع المساعدات في مناطق سيطرة النظام تأكيدهما أنهما شاهدا بالفعل “عناصر النظام السوري وهي تحرف مسار المساعدات في الأسابيع القليلة التي أعقبت الزلزال”. وكانت تقارير سورية عدة قد تحدثت منذ الأيام الأولى للزلزال عن قيام النظام السوري بسرقة المساعدات الانسانية وبيعها.
وذكر الشاهدان أنّ “معظم المساعدات قد نُقِلَت إمَّا إلى المكاتب الحكومية في المحافظات أو الأمانة السورية للتنمية، وهي منظمة مرتبطة بزوجة الرئيس، أسماء الأسد”، وأردف الشاهدان “أنّ تلك المجموعة، بدورها، قد خزَّنت جزءاً لا بأس به من الإمدادات التي حُرِّف مسارها، مُضيفين أنَّ جزءًا ضئيلًا فقط أوصِل إلى ضحايا الزلزال”.
وتقديم الصحيفة مثالًا على هذه المخاوف، مثل مصادرة الأمانة السورية للتنمية 100 صندوق من حليب الأطفال، بزعم حاجتها للفحص.
بدورها، تحدثت السياسية الكردية ورئيسة مجلس سوريا الديمقراطية إلهام أحمد، الذي يدير مناطق الأكراد شمال شرق سوريا، عن إرسال 100 شاحنة إلى الأحياء الكردية في مدينة حلب، وتقول إن النظام السوري احتجز الشاحنات لمدة 10 أيام، قبل أن يسمح لها بالمرور، بشرط الحصول على 60 شاحنة من أصل 100، وتضيف إلهام أحمد: “لا نعرف ماذا فعل النظام بها، لا نعرف ما إذا ذهبت إلى المنكوبة أم لا”.
يشار إلى أنّ منظمة هيومان رايتس ووتش قد أكّدت في تقرير لها صادر عام 2019 أن النظام السوري “وضع سياسة وإطارًا قانونيًا يسمحان له بحرف مسار المساعدات من أجل تمويل فظائعه، ومعاقبة مَن يعتبرهم معارضين، وتقديم الفائدة للموالين”، بحسب المنظمة الحقوقية الدولية.
—————————
====================
تحديث 07 أذار 2023
———————-
فشل الانفتاح العربي على دمشق/ راتب شعبو
من نافل القول إن نظام الأسد يحتاج إلى الكثير، لأنه بات مهلهلاً ومعزولاً، لكن ليس أهم ما ينقصه انفتاح العرب عليه، على أهمية ذلك. ما ينقصه في الواقع هو انفتاح السوريين عليه، وهو ما لا يمكن تحقيقه. بكلام آخر، استعادة سورية سيادتها ودورها، بوصفها دولة “طبيعية” في المنطقة، لم تعد ممكنةً في ظل نظام الأسد. وإذا كان أهل النظام يعتقدون أن الانفتاح العربي يمكن أن يحلّ معضلتهم المستعصية مع السوريين، فإن الدول العربية تدرك حدود قدرة النظام على النهوض بدور دولة سورية موحّدة يريدون استعادتها إلى المحيط العربي، حتى لو كان الدور المراد محصوراً في حدود المنظومة السياسية العربية ذات الحساسية الضعيفة لحقوق الأفراد والجماعات.
لا نظن أن الدول العربية يمكن أن تنفتح على نظام الأسد من دون أن يكون لديه الاستعداد هو أيضاً للانفتاح على حقائق لا يزال يصرّ على إنكارها، فيما لا يمكن للدول العربية ولا غير العربية أن تنكرها. أهم هذه الحقائق وأبرزها أن نظام الأسد فشل في أن يحافظ على “كذبة” أنه يمثل كل الشعب السوري، أو حتى غالبيته. سقطت هذه الكذبة منذ بدايات الثورة، وانكشفت حقيقة رفض غالبية الشعب هيمنة الطغمة الأسدية. ولكن ما جرى مع استمرار الصراع أن هذه الحقيقة تمأسست، حين خرجت مناطق واسعة عن مجال سيطرة نظام الأسد، وتبلورت فيها سلطاتٌ جديدةٌ رافضة، كل من منطلقها، الطغمة الأسدية، من دون أن نجد لدى السوريين الخاضعين لهذه السلطات المستجدّة أدنى رغبة في عودة سيطرة نظام الأسد. ما تبلور إذن، وبطريقةٍ لا يمكن لأحد إنكارها، أن هناك أكثر من سورية، وأن سورية النظام أضيق بكثير من أن تستوعب هذه السوريات. ولذلك يشكّل إصرار النظام على بقائه كما هو عقبة مهمة، أو لعلها العقبة الأهم، في سبيل وحدة سورية المتعدّدة، وهذا يجعل منه قوة التقسيم الأساسية في سورية اليوم.
المفارقة التي يمكن التوقف عندها على هذا المستوى أن نظام الأسد، من حيث إنه يحتفظ رسمياً بالمقعد السوري في الهيئات الدولية، ومن حيث إنه القوة الوحيدة التي من مصلحتها العودة بسورية موحّدة على الشكل الذي كانت عليه قبل الثورة، هو الطرف الوحيد، بين أطراف الصراع السوري الحالي، الذي له “الحقّ الرسمي”، والذي يسعى إلى توحيد سورية، ولكن على صورتها القديمة، وهذا ما يولّد المفارقة التي نقصدها، أن النظام، في سعيه إلى توحيد سورية على صورتها القديمة، يجعل من نفسه العقبة الأهم في سبيل توحيدها.
ليست الزيارات العربية التي وجدت في نكبة الزلزال مناسبة لمحاولة تعويم النظام، كما يصوّرها معظم المتابعين. لا نعتقد أن الدول العربية من السذاجة بحيث إنها لا تدرك الواقع السوري، أو أنها تحاول إنهاض عاجز. مضمون الزيارة، فيما نرى، هو محاولة ترجمة الواقع الذي وصل إليه الصراع في سورية واستقرّ على توازن داخلي مسنود بتوازنٍ إقليميٍّ ودولي، ترجمة هذا الواقع المفكّك إلى صيغة سياسية جديدة قادرة على جمع البلاد السورية، وإن كان المدخل إلى ذلك هو نظام الأسد. بكلام آخر، هذه الزيارات هي شكل من “صُلحة عرب”، تستعاد فيها حقوقٌ، ولو بحدود دنيا، بطريقة حبّية وليس بطريقة الصراع والضغط.
لا يمكن لهذه الدول، رغم كل شيء، أن تغفل عن حقيقة أن نظام الأسد لم يعد بمقدوره أن يوجد، كما هو، إلا في سورية الحالية المقسّمة. وأنه بات، بعد كل ما جرى، عاجزاً عن أن يحكم كل سورية التي بات ينظر إلى أكثر من نصف سكانها أنهم أعداء، وبات هؤلاء يناصبونه العداء بالمثل. وعليه، إذا كانت الدول العربية التي زار مسؤولوها دمشق تسعى إلى استعادة الدولة السورية، فإنها تدرك أن نظام الأسد لا يمثل ولا يستطيع أن يمثّل دولة سورية الموحّدة.
الواقع أن المناطق التي خرجت عن سيطرة طغمة الأسد خفّفت، في خروجها ذاك، عبئاً سياسياً عن النظام، حين أخرجت من مجال حكمه قطاعات واسعة من الشعب السوري ترفض النظام، ولديها الاستعداد التام لممارسة هذا الرفض بكل الأشكال. وقد ألحق النظام، كما هو معروف، عشرات أو مئات آلاف من السوريين الرافضين له إلى المناطق المذكورة، في سياق ما سمّيت المصالحات والتسويات. المناطق التي استعادها نظام الأسد في هذه التسويات، استعادها بعد ترحيل غالبية السكّان الرافضين لبقائه على صورته المعروفة. وإلى ذلك، يضاف خروج ملايين السوريين من بلادهم إلى شتّى أصقاع الأرض. خفّف هؤلاء أيضاً من عبء النظام، فهم، في غالبيتهم، معارضون، أو أصبحوا معارضين، بعد أن كشف النظام مدى عدوانيته ومدى محدودية استيعابه السياسي. النتيجة أن انكماش قدرة النظام على الاستيعاب السياسي، بعد أن خرج عليه السوريون، لا يتيح له الحكم إلا في سورية منكمشة بالقدر نفسه.
تصطدم استعادة سورية من بوابة النظام بعقبتين أساسيتين متلازمتين، الأولى عجزه عن استيعاب سورية موحدة، وعجزه عما هو أقلّ من ذلك، مثل كشف مصير مئات آلاف المفقودين والمغيبين قسراً، وضمان عودة المهجّرين والنازحين إلى مناطقهم، وإعادة الممتلكات المسروقة “للغائبين”، وسيطرته على شبكات صناعة المخدّرات وتهريبها، وعجزه عن إخراج إيران وحزب الله، وغيرها من الجوانب التي ذكرها، بحقّ، العميد أحمد رحّال في أحد تسجيلاته على الإنترنت. العقبة الثانية الوجود الإيراني المتعدّد الأشكال، والذي يشكل السند الأهم لاستمرار النظام ولعجزه في الوقت نفسه. الأسلوب الإيراني في دعم الدول هو استغلال ضعف الدولة، ثم مساندتها بمؤسّسات من خارجها، من أجل مزيد من سلب قوتها الذاتية، وقدرتها على الخلاص من الهيمنة.
لم يعد من الممكن لنظام الأسد أن يكون نظاماً لسورية موحّدة، ومن غير الممكن إعادة تأهيله، إلا إذا كان ذلك يعني مشاركته، في حل دولي للموضوع السوري، كعنصر بين عناصر، ولعل هذا هو السياق الذي جاءت فيه المبادرة العربية، سوى ذلك يبقى هذا الانفتاح محكوماً بالفشل.
العربي الجديد
————————-
حول العقوبات على سوريا!/ أكرم البني
يبدو أن كارثة الزلزال المدمر، لم تفتح الباب على واجب المساعدات الإغاثية للمناطق المنكوبة فحسب، بل بدا لافتاً حضور حملة سلطوية ممنهجة تعمدت استثمار تلك اللحظة الإنسانية المؤلمة، للمطالبة برفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، ولم تهدأ، على الرغم من مسارعة غالبية الدول، لتخفيف هذه العقوبات أو تجميدها مؤقتاً، بل العكس، ازدادت حدة واتسعت لتخلط الحابل بالنابل وتجرف في طريقها العديد من الوقائع والحقائق.
أولاً، من التجني وضع إشارة مساواة بين العقوبات وأسباب تردي الوضع الاقتصادي في سوريا، وتالياً الترويج لرأي يقول بأن هذه العقوبات هي التي أوصلت الأوضاع المعيشية للسوريين إلى الدرك المقيت الذي وصلت إليه، في محاولة، قد تكون بحسن نية أو سوء نية، تبرئة النظام وتحريره من المسؤولية الأساسية، إن باستباحته البلاد قمعاً وتدميراً، وإن بتسخيره الاقتصاد في معركة الحفاظ على تسلطه، ومنح الأولوية لتعزيز قدراته العسكرية والأمنية على حساب الوفاء لاحتياجات المجتمع الأساسية، فكيف الحال حين نتذكر أن النظام نفسه هو الذي دأب على السخرية من تلك العقوبات حين أُقرّت، وتباهى بأن لا جدوى منها ولا تأثير لها، ما دامت لم تمنع رجالاته من استمرار نهب المال العام وسرقة ثروات الوطن وممتلكات الناس، ولم تعق أمراء الحرب عن استجرار ما يلزمهم لبناء القصور الفارهة والمنتجعات الفخمة.
صحيح أن العقوبات الحالية على سوريا تندرج عموماً في إطار العقوبات الموجهة بغرض التضييق على النظام سياسياً وعسكرياً، ومحاصرة قدرته على إعادة إنتاج قوى القهر والسيطرة، مستهدفة تقييد القدرة الاقتصادية للدولة وعمليات الاستيراد والتصدير والتوريدات العسكرية والموارد النفطية والنظام المالي، والأهم معاقبة مسؤولين سوريين كان لهم دور فاعل في التدمير والفتك والتنكيل، لجهة تجميد أرصدتهم وحظر التعامل معهم ومنعهم من السفر إلى البلدان الغربية، لكن الصحيح أيضاً أن هذه العقوبات في ظل سلطة تحتكر الاقتصاد والعمليات التجارية والمالية، كان لا بد أن تنعكس سلباً على حياة الناس والفئات المهمشة من المجتمع، لتعزز بعض ظواهر معاناتهم المعيشية، إن بتراجع القدرة الشرائية وإطلاق جنون الأسعار، وإن بتنامي ظاهرة البطالة واضطرار العديد من المنشآت الاقتصادية لإغلاق أبوابها، زاد الطين بلة دأب السلطة على إهمال واجباتها تجاه البشر، بتوفير شروط العيش الكريم وفرص العمل والخدمات والمرافق الضرورية؛ ما يؤكد حقيقة أقرّها غالبية المحللين الاقتصاديين بأن هذه العقوبات على تنوعها وشدتها هي في جوهرها أضعف الأسباب تأثيراً على تدهور الوضع المعيشي السوري.
ثانياً، من الضروري عند مناقشة العقوبات على سوريا وضعها في سياقها التاريخي، والذي يعني ربط تواتر إقرارها بتصاعد عمليات القمع والتدمير التي استباحت بها سلطة دمشق المجتمع، فإذا تجاوزنا العقوبات التي حملت اسم «قانون محاسبة سوريا» وأُقرّت عام 2004 لمحاصرة تغول النظام السوري في لبنان، فإن طليعة العقوبات عام 2011، جاءت بعدما أفشل النظام المبادرة العربية لحلحلة الأزمة، وأصرّ على الذهاب بعيداً في العنف لسحق حراك الناس وإجهاض مطالبهم المشروعة، قبل أن تتخذ غالبية الدول الغربية عقوبات جديدة كرد على تصاعد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبتها السلطة السورية والكيانات المرتبطة بها، وشددت أكثر بعد استخدام السلاح الكيماوي، ثم مع إصدار «قانون قيصر» إثر تسرب عشرات آلاف الصور لبشر عُذّبوا حتى الموت في أقبية الأجهزة العسكرية والأمنية السورية، وعززها أخيراً «قانون الكبتاغون» لمحاصرة الأذى الذي يسببه الترويج السلطوي الممنهج للمخدرات في سوريا وبلدان الجوار، والقصد من عرض السياق التاريخي لتطور العقوبات لحظ أنها لم تأتِ من سماء صافية، بل ارتبط إقرارها كما تشددها واتساعها طرداً مع ازدياد توغل النظام في القمع والتدمير والقتل والاعتقال وكرد متواضع من قِبل المجتمع الدولي لأداء واجبه في الدفاع عن حياة المدنيين؛ ما يعني أن رفعها لا بد أن يقترن بداهة، بتبدل ملموس في سلوك النظام القمعي أو بالحد الأدنى معالجة ملف المعتقلين السياسيين وكشف مصير المفقودين، وإخضاع المرتكبين من أفراد وجماعات للمساءلة والمحاسبة، وإلا سيغدو الأمر كما لو أنه تفريط بحقوق ملايين الضحايا والمعذبين، ومكافأة للنظام على ما ارتكبه بحق الإنسان والإنسانية.
ثالثاً، يفترض التمييز بين الدعوة لرفع العقوبات أو تخفيفها لتسهيل عمليات الإغاثة، وبين التطبيع أو الانفتاح السياسي على النظام… وهنا تتوارد الأسئلة، لماذا يفترض أن يفضي رفع العقوبات أو تخفيفها لأسباب إنسانية فرضتها كارثة الزلزال إلى خلط الأوراق؟ ولم يجب أن تنتج هذه الكارثة موقفاً سياسياً جديداً يدعو لتطبيع مجاني مع نظام لم يتقدم خطوة واحدة في وقف عنفه والتعاطي مع القرارات الدولية وأهمها القرار 2245؟ هل هو خيار معقد وصعب حين يجمع المساندون للشعب السوري والراغبون في تخفيف ما يكابده، بين تقديم المساعدات الإغاثية الإنسانية، وتأكيد القطع السياسي مع سلطة دمشق حتى تمتثل لقرارات الأمم المتحدة؟ والأسوأ أن هذه السلطة تتعامل مع جهود الانفتاح من موقع المنتصر، معتقدة أنه ليس خياراً أمام الآخرين، بل واقع مفروض عليهم، بدليل ما تطالب به من تنازلات اقتصادية وسياسية مقابل ما تقدمه من «تسهيلات بسيطة» على الصعيد الإنساني.
«لا تجرب المجرب» هو مثل شعبي يجب ألا يغيب عن بال كل من يسوغ الانفتاح على النظام السوري ويتوخى إعادة تأهيله، ليس فقط لأنه نظام مُنح فرصاً عديدة وجُرّب مراراً ولم يكشف عن صدقية تذكر، أو لأنه نظام تعجنه بنية عسكرية وأمنية لا تهمها سوى مصالحها الضيقة والأنانية، وخلفت بعنفها الوحشي، حصيلة مرعبة من الدمار والضحايا والمعتقلين والمغيبين والمشردين، وإنما أيضاً لأنه نظام مرتهن، فرط بكل القيم الوطنية، غير راغب ولا قادر على تحجيم النفوذ الإيراني كما يعول البعض، فحضور إيران في سوريا لم يعد مجرد نفوذ، بل صار أشبه بقوة احتلال تتحكم بمفاصل الدولة وتتغول عسكرياً وأمنياً واقتصادياً، واستسهلت هتك الروابط المجتمعية عبر التسعير المذهبي وخطط التغيير الديموغرافي، لتغدو المعادلة واضحة وبسيطة: لا يمكن مواجهة التغلغل الإيراني ومحاصرته من دون إحداث تغيير سياسي في سوريا!
الشرق الأوسط
———————–
انتشال النظام السوري من عزلته: أجندات السر وذرائع العلن
رأي القدس
لم يجد النظام السوري أي حرج في استغلال الكوارث الناجمة عن الزلازل التي ضربت شمال غرب البلاد، ولم تقتصر جهوده في هذا الصدد على احتكار المساعدات الخارجية وحجبها عن المواطنين السوريين المتضررين في المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام، أو حتى تحويل كميات هائلة من تلك المساعدات إلى تجارة داخلية تديرها الأجهزة والشبكات المرتبطة بالنظام. لقد حرص على توظيف آلام الشعب السوري في منحى سياسي يهدف إلى الخروج من طوق العزلة، وإلى تجميل وجه النظام عربياً وإقليمياً ودولياً تحت ستار التضامن الإنساني، وكذلك الإفلات من بعض العقوبات المفروضة عليه لأنه على وجه الدقة انتهك ويواصل انتهاك أبسط المبادئ الإنسانية بحق أبناء سوريا أينما كانوا في واقع الأمر.
وفي هذا الإطار سارع إلى زيارة دمشق وزير الخارجية الأردني، وأعقبه وزير الخارجية المصري، وبينهما قام وفد من الاتحاد البرلماني العربي ضم ممثلين عن العراق والإمارات العربية المتحدة والأردن وفلسطين وليبيا ومصر وسلطنة عُمان ولبنان، كما قام رئيس النظام بشار الأسد بزيارة عُمان والاجتماع مع السلطان هيثم بن طارق في أول نشاط يكتسب صفة واضحة من العلنية المسبقة على نقيض غالبية زيارات الأسد خلال العقد المنصرم والتي لم يكن يُعلن عنها إلا بعد اختتامها.
وإذا وضع المرء جانباً زيارة الوفد البرلماني العربي لأسباب تتصل بالأحجام التمثيلية الفعلية لمعظم النواب زوار النظام السوري، فإن للزيارات الرسمية الأخرى أجندات عديدة مختلفة قد يكون القاسم المشترك المعلن فيها هو التضامن الإنساني على خلفية الزلازل، ولكن مضامينها الفعلية قد لا تسعى بالضرورة إلى الانفتاح على النظام السوري وإخراجه من عنق الزجاجة. فالأردن على سبيل المثال الأول يعاني من مشكلات جدية تخص تهريب الكبتاغون من الداخل السوري إلى الأسواق الأردنية والخليجية، مترافقاً مع وسائل عجيبة في تهريب الأسلحة لا تُستثنى منها الطائرات المسيّرة.
مصر في المقابل خفضت تباعاً من مشكلات العلاقة مع النظام السوري ابتداء من انقلاب عبد الفتاح السيسي سنة 2013، الأمر الذي لم يتضمن طي صفحة السياسات التي كان قد اعتمدها الرئيس السابق محمد مرسي في مناهضة نظام الأسد فقط، بل دشن أيضاً طوراً من التنسيق الأمني العلني بين أجهزة الاستخبارات السورية والمصرية، والتعاون الاقتصادي والتجاري الذي لم يُغفل الصلات العسكرية والتسليحية. كما تعين أن يتلاقى السيسي مع الأسد تحت مظلة مشتركة أنشأتها بينهما السياسات الانفتاحية التي اعتمدتها دولة الإمارات مع النظام السوري.
نظيف إلى هذا أن معظم الوفود التي أخذت تتقاطر على دمشق مؤخراً بعد الزلازل تبدو خجلى من إعلان مضمون فعلي للزيارات قوامه السعي إلى انتشال النظام السوري من عزلته الخانقة، ولهذا تتذرع بالتضامن الإنساني والوقوف مع الشعب السوري في محنته، متناسية أن أجندات السر مفضوحة جلية، ومتجاهلة أن ما ألمّ بالسوريين من كوارث بأيدي النظام وجيشه وأجهزته والقوى الأجنبية والميليشيات المذهبية المناصرة له إنما تعجز عن رصده أعلى الدرجات في مقياس ريختر.
القدس العربي
————————-
زيارة الأسد ليست تضامناً مع الشعب/ عبدالوهاب بدرخان
أكثر من حدث عربي ودولي، منذ 2011 تحديداً، ساعد النظام السوري وساهم في بقائه. كل تقارب أو تباعد أو أزمة بين الولايات المتحدة وروسيا، كل تهادن أو اشتباك بين الولايات المتحدة وإيران، كل خلاف بين روسيا وتركيا أو بين الأخيرة والولايات المتحدة، وكل الخلافات المتناسلة، وما أكثرها، بين الدول العربية… كان نظام بشار الأسد حاضراً لتوقّع مصالح فيها ولجني فوائد منها، لكن الأهم أنه في أحلك اللحظات، من بداية أزمته حتى الآن، كان بقاؤه في السلطة يحظى بقبول ثابت من جانب إسرائيل التي حاولت تجنيبه تداعيات حربها على المصالح الإيرانية وإنْ لم تتردد أحياناً في ضرب بعض مواقع سيطرته عندما تجد أن ثمة أجنحة في النظام ذهبت بعيداً في التماهي مع الإيرانيين. والقبول الإسرائيلي عنى دائماً قبولاً أميركياً ولو مع بعض الشروط.
ولا شك أن التطوّر الحاسم الذي دعّم بقاء النظام كان ظهور تنظيم “داعش” في اللحظة التي كانت المعارضة المسلّحة تتقدّم على الأرض. ليس سراً أن النظام وحليفه الإيراني كانت لهما مساهمة مباشرة ومؤكّدة في تظهير “داعش” وتركه ينتشر في أجزاء من الجغرافية السورية والعراقية، وبالأخصّ في الاعتماد عليه لتغيير طبيعة الأزمة السورية من ثورة شعب على النظام الى حال تطرّف إرهابي أخطر من تنظيم “القاعدة”. في ما بعد غدا التنظيم الداعشي حيّزاً مفتوحاً لكل أنواع التدخلات من تركيا ودول كثيرة أخرى. ومع انشاء “التحالف الدولي ضد الإرهاب” وقيامه بشيء من التنسيق مع دمشق اعتبر النظام أنه بدأ يتخطّى المرحلة الأكثر صعوبة. ولاحقاً جاء التطور الحاسم الآخر عبر التدخّل الروسي “بطلب إيراني”، وتبعه التنسيق الروسي- الإسرائيلي (لضبط الوجود الإيراني في سوريا) مدعوماً بتنسيق أميركي- إسرائيلي. في تلك الفترة سادت فكرة أن استمرار النظام (مع سجله الاجرامي واستخدامه السلاح الكيماوي ضد شعبه) يبقى “أفضل” من سيطرة “داعش”، وحتى “أفضل” من نظام آخر لم تتبلور معالمه من خلال المعارضة السورية.
لكن الرضوخ الدولي لمفاضلة الأمر الواقع بين النظام و”داعش” لم يمضِ الى حدّ مكافأة الأسد وإعادة تأهيل النظام والاعتراف به، بل شدّدت العقوبات عليه لدفعه الى تسهيل حل سياسي، أي الى مواجهة أساس الأزمة بينه وبين الشعب السوري. وتسببت العقوبات بأزمة اقتصادية في سوريا، وأدّى تزامنها مع أزمة مماثلة في لبنان، وحتى في إيران، الى تبنّي النظام مع الميليشيات الإيرانية تجارة الممنوعات، أو بالأحرى “حرب الكبتاغون”، تحت شعار “كسر الحصار”، لكنها لم تبدُ مجدية بل انها ستُواجه قريباً بتشدّد أميركي- غربي وفقاً لخطط تشرف واشنطن على اعدادها.
هنا حدث الزلزال ليفتح أبواباً ونوافذ أمام النظام المنبوذ، لكن “المحظوظ”! فهو لم يبذل أي جهد استثنائي لمساعدة الشعب المنكوب، حتى في مناطق سيطرته، ولم يرَ داعياً للإنفاق من الأموال التي نهبها، بل سيّس الكارثة ووظّفها في تلميع الأسد وفي إبراز صوره مع الزوار العرب الذين يروّجون الصفح عن جرائمه وينخرطون في فك عزلته، بحجة “التضامن مع الشعب السوري”. لكن رسالة زائري دمشق، خصوصاً “البرلمانيين” العرب، كانت تضامناً مع الأسد الذي حوّل نصف شعبه، قبل الزلزال، الى قتلى ومعوّقين ومفقودين ومعتقلين ومهجّرين ولاجئين…
النهار العربي
———————–
العرب وإيران والتطبيع السوري/ مروان قبلان
شكّلت كارثة الزلزال التي ضربت أجزاء من شمال سورية وشمالها الغربي مناسبة لدول عربية عديدة لوضع “تحفّظاتها”، أو “حرجها” جانبًا، والاندفاع إلى التعامل مع النظام السوري. ورغم تسارع إيقاعه، أخيرا، إلا أن التطبيع العربي مع دمشق لا يمكن أن يمثل مفاجأة، فخطواته انطلقت فعليًا منذ اتفاق هامبورغ على هامش قمة العشرين بين الرئيسين، الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين في يوليو/ تموز 2017، وأدّى إلى وقف القتال في الجنوب السوري. وقد مهّد هذا الاتفاق للتسوية التي حصلت في درعا بعد ذلك بعام، برعاية روسية، ونصّت على تسليم المعارضة السورية سلاحها الثقيل. على الأثر، اتخذ الأردن قرارا بفتح المعبر الحدودي واستئناف العلاقات الاقتصادية مع سورية في أكتوبر/ تشرين الأول 2018. وبعد شهرين فقط (ديسمبر/ كانون الأول 2018) أعلنت الإمارات والبحرين إعادة فتح سفارتيهما في دمشق، وأصبحت عُمان أول دولة خليجية تعيد سفيرها إليها في أكتوبر/ تشرين الأول 2020. وفي يوليو/ تموز 2021 زار الملك عبد الله الثاني واشنطن، محاولا الحصول على إعفاءات من العقوبات الأميركية لاتفاق تزويد لبنان بالكهرباء والغاز (الإسرائيلي) عبر سورية.
إذا، عملية التطبيع العربي مع النظام السوري قائمة منذ سنوات، وقد بلغت ذروتها العام الماضي في محاولات إعادته إلى جامعة الدول العربية قبل قمة الجزائر، لكنها اصطدمت بفيتو سعودي -مصري، يشاع أنه جاء بسبب فشل النظام في تنفيذ تعهداتٍ قطعها للجانبين خلال الاتصالات الأمنية معهما للحدّ من نفوذ إيران وتقديم تنازلات سياسية تبرّر عودته إلى الجامعة. وزيارة وزير الخارجية المصري، سامح شكري، دمشق أول من أمس (الاثنين) وتصريحات نظيره السعودي، فرحان بن صالح، قبل ذلك بخصوص “وجود مقاربة عربية جديدة” للتعامل مع النظام السوري، تعنيان أن هناك تغيرا في الموقفين المصري والسعودي، مؤدّاه أننا قد نشهد قرارا بعودة النظام الى جامعة الدول العربية خلال قمة الرياض العربية المزمع عقدها قبل نهاية مارس/ آذار الجاري. والواقع أن الموقف الرسمي العربي لم يكن قط منسجما مع ذاته، عندما وجد نفسه في موقع المؤيد لثورة الشعب السوري والمعارض لنظامه الذي يقمعه، فكيف يمكن لنظامٍ رسميٍّ عربي أن يؤيد ثورة على نفسه؟
كان حل هذا التناقض الصارخ يكمن في الموقف من إيران، فلولا الخوف من إيران وتغوّل نفوذها في المنطقة (قصة السيطرة على العواصم الأربع الشهيرة) لما اختلف موقف النظام الرسمي العربي من الثورة السورية عن موقفه من ثورة مصر مثلا. وهذا بالضبط ما يُقلق إيران من “هجمة” التطبيع العربي نحو دمشق، وما يخفيه سياسيوها يفضحه إعلامها الذي انتقد “تهافت المسؤولين العرب للقاء النظام الذي كانوا ينبذونه بالأمس ويحاولون إسقاطه”. وكانت إيران أبدت قبل ذلك توجّسا مماثلا من استبعادها من مسيرة تقاربٍ بين دمشق وأنقرة، انطلقت من موسكو في ديسمبر/ كانون الأول الماضي في اجتماع ضم وزراء دفاع روسيا وتركيا والنظام السوري. كما سجّلت “عتبا” على حليفها السوري، لأنه لم يستشرها بشأن الاجتماع، ولم يُطلعها على ما دار فيه.
من الواضح أن إيران تخشى من أن تصبح ثمنًا يترتّب على دمشق دفعه لتطبيع علاقاتها العربية والإقليمية، خصوصا أنه لم يعد لديها ما تقدّمه للنظام السوري، الذي صار على ما يبدو أكثر احتياجا لـ “أموال العرب” من حاجته إلى مليشيات طهران، خصوصا مع غرق موسكو في المستنقع الأوكراني، وتوجّه الغرب نحو خنق إيران بسبب دعمها روسيا في حرب أوكرانيا، وفشل الرهان على الصين. قد يفسّر هذا القلق زيارة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، إسماعيل قاآني، الأحياء التي ضربها الزلزال في حلب، وتضخيم إيران وحلفائها حجم المساعدات التي أرسلتها لإغاثة المنكوبين من أبنائها، وكأنها أرادت أن تذكّر بوجودها على الأرض وسط حملة التطبيع العربي مع دمشق، ليبقى السؤال: هل يستطيع المال العربي تحقيق ما عجزت عنه البنادق والصواريخ (إخراج إيران من سورية)؟ وهل يستطيع النظام حقًا أن يفكّ ارتباطه بإيران، وهل يرغب في ذلك أولًا، أم أنه يريد الاستمرار في استخدام علاقته بها أداة ضغطٍ على العرب؟ السؤال الأهم هو: هل التطبيع العربي مع النظام مشروطٌ أم أنه تسليمٌ وإقرارٌ بالفشل؟
العربي الجديد
————————
تحقيق: الزلزال في سوريا يعطي الأسد فرصة للإفلات من العزلة الدولية
رويترز
يقول محللون إن الرئيس السوري بشار الأسد يسعى لتحقيق مكاسب سياسية من الزلزال الذي دمر أجزاء كبيرة من سوريا وتركيا ويضغط من أجل إرسال مساعدات خارجية عبر الأراضي السورية للتحرر تدريجيا من العزلة الدولية المفروضة عليه.
ووسط فيض من التعاطف مع الشعب السوري بعد الزلزال المدمر، انتهزت دمشق الفرصة لتكرر مطالبها بضرورة التنسيق مع حكومتها بشأن المساعدات، وهو ما يحجم عنه الغرب منذ بدء الحرب في سوريا عام 2011.
ولم تظهر القوى الغربية ما يفيد باستعدادها لتلبية هذا المطلب أو التعامل مع الأسد مرة أخرى، لكن ما يخدم موقف الأسد هو صعوبة إرسال مساعدات من تركيا إلى منطقة شمال غرب سوريا التي يسيطر عليها قوى المعارضة.
يعتمد أربعة ملايين شخص يعيشون في شمال غرب سوريا على المساعدات لكنها توقفت مؤقتا منذ وقوع الزلزال، غير أن مسؤولا في الأمم المتحدة أعرب عن أمله في استئنافها يوم الخميس.
ولطالما طالبت دمشق بنقل المساعدات لجيب المعارضة في الشمال الغربي عبر الأراضي السورية وليس عبر الحدود التركية.
وقال آرون لوند الخبير في الشؤون السورية لدى مؤسسة سنشري “من الواضح أن هناك نوعا من الفرص يسعى الأسد لاستغلالها من هذه الأزمة، وهي إما أن تعملوا معي أو من خلالي”.
وأضاف “إذا كان (الأسد) ذكيا، فإنه سيسهل إيصال المساعدات للمناطق الخارجة عن سيطرته وسيحصل على فرصة ليبدو كما لو كان شخصا مسؤولا، لكن النظام عنيد للغاية”.
لطالما تجنب الغرب التعامل مع الأسد، عازيا ذلك إلى ما يعتبره أسلوبا وحشيا تنتهجه حكومته خلال الحرب الأهلية المستمرة منذ ما يزيد على 11 عاما والتي أودت بحياة مئات الآلاف من الأشخاص وشردت أكثر من نصف السكان وأجبرت الملايين على النزوح إلى الخارج.
لكن الخطوط الأمامية ظلت لسنوات دون تغيير، بينما يسيطر الأسد المدعوم من روسيا وإيران على الجزء الأكبر من الدولة المنقسمة.
ورفضت وزارة الخارجية الأمريكية اقتراحا بانتهاز فرصة وقوع الزلزال للتواصل مع دمشق، قائلة إنها ستواصل تقديم المساعدات للسوريين في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة عبر المنظمات غير الحكومية في الميدان وليس عبر الحكومة السورية.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس للصحفيين هذا الأسبوع “من المثير جدا للسخرية، إن لم يكن سيجلب نتائج عكسية، أن نتواصل مع حكومة عاملت شعبها بوحشية على مدى أكثر من عشر سنوات حتى الآن عن طريق إطلاق قنابل الغاز عليهم وذبحهم، لتتحمل المسؤولية عن الكثير من المعاناة التي يعانيها الشعب”.
ومع ذلك، ظل قادة بعض الدول العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة على اتصال بالأسد منذ هذه الكارثة، بما في ذلك العاهل الأردني ورئيسي الإمارات ومصر.
وأفادت وسائل إعلام رسمية في سوريا بأن الأردن والإمارات، اللتين دعمتا المعارضة السورية في السابق قبل توطيد علاقاتهما مع الأسد مؤخرا، أرسلتا مساعدات إلى دمشق.
وتضررت المناطق التي تسيطر عليها الحكومة بشدة جراء الزلزال. وإجمالي عدد القتلى حتى الآن في سوريا مقسم بالتساوي بين المناطق التي تسيطر عليها الحكومة والمناطق التي تسيطر عليها المعارضة.
وقدمت روسيا، الحليف الرئيسي لسوريا والمنخرطة حاليا في صراع بأوكرانيا، دعما لدمشق وأرسلت فرق إنقاذ ونشرت قوات بالفعل في سوريا للانضمام إلى أعمال الإغاثة.
وسارعت روسيا، التي تخضع حاليا لعقوبات أمريكية، لمساعدة سوريا، وترى أن تحالفها مع دمشق يمثل ورقة مساومة مع الغرب.
* خلاف حول الموارد
لطالما قالت موسكو إن إيصال المساعدات إلى شمال غرب سوريا عبر تركيا ينتهك السيادة السورية. وأثار تمديد التفويض لعمليات المساعدة هذه جدلا دبلوماسيا بين روسيا والقوى الغربية في مجلس الأمن.
ويخشى السوريون في شمال غرب سوريا من أن دمشق قد تعطل إيصال المساعدات إليهم إذا توقف إيصالها عبر الحدود التركية وسيطرت الحكومة عليها.
وفي الوقت نفسه، كانت وكالات الإغاثة تستكشف طرقا لإيصال المساعدات إلى المنطقة، بما في ذلك عبر المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.
وقال المصطفى بنلمليح كبير مسؤولي الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سوريا “ستستمر الأمم المتحدة وشركاؤها في البحث عن سبل لتوسيع نقاط الوصول وضمان وصول المساعدة إلى الفئات الأكثر ضعفا”.
وأضاف “ضمان وصول المساعدات إلى من هم في أمس الحاجة إليها يتطلب إرادة سياسية من جميع الجهات الفاعلة”.
وطلب السفير السوري لدى الأمم المتحدة بسام صباغ من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش تقديم المساعدة لبلاده في اجتماع يوم الاثنين. لكنه قال إن المساعدات يجب إيصالها بالتنسيق مع دمشق وتسليمها عبر الأراضي السورية وليس عبر الحدود التركية.
وقال وزير الخارجية السوري فيصل المقداد هذا الأسبوع إن الحكومة مستعدة “للسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى جميع مناطق البلاد، شريطة ألا تصل إلى الإرهابيين” في إشارة إلى المعارضة السورية.
وقال المقداد لقناة الميادين إن العقوبات تزيد من صعوبة الكارثة.
ودعا الهلال الأحمر السوري ومقره دمشق إلى رفع العقوبات التي لطالما ألقت الحكومة السورية باللوم عليها في تفاقم الوضع الاقتصادي في البلاد. وشددت واشنطن العقوبات في 2020.
وتقول الدول الغربية إنها تستهدف الضغط على الأسد لإنهاء القمع والتوصل لتسوية سياسية عن طريق التفاوض. وتقول الولايات المتحدة إن العقوبات لا تستهدف المساعدات الإنسانية.
وقال جوشوا لانديس رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما إن دمشق كانت تحاول الاستفادة من المساعدات “لإضفاء الشرعية على النظام”.
وأضاف “أظهر جميع العرب والعالم بأسره فيضا من التعاطف تجاه السوريين الذين عانوا الكثير. سيحاول الأسد استغلال ذلك”.
————————————
انفتاح على دمشق تحت شعار «اليد اللي ما تقدر تلاويها خاويها»!/ وائل عصام
يمكن تبرير سياسات «الاستدارة» الحكومية العربية نحو النظام السوري، بطرق شتى، سيكون أولها قصة «الحضن العربي»، ومحاولة كسب دمشق للصف العربي بعيدا عن طهران، وهي عبارات تصنف ضمن الكوميديا السوداء، فقد سبق أن استخدمتها الحكومات العربية التي دعمت حكومة بغداد سابقا عندما كانت في أوج سياساتها الطائفية، تحت اليافطة نفسها، التي تستخدم لستر عورة النظام السياسي العربي، العاجز أمام حلف طهران، ببساطة يتعامل العرب الرسميون مع إيران وحلفائها الصاعدين بقوة في المشرق العربي بمنطق المثل الشعبي: «الإيد اللي ما تقدر تلاويها خاويها»!
ما يحصل اليوم في دمشق، هو تكرار للفشل والتخبط العربي في التعامل مع واقع العراق بعد الاحتلال الأمريكي، وتحديدا من دول المشرق العربي، فمنذ 2003 يتواصل الإخفاق العربي في التعاطي مع تحديات غزو العراق، ولم تمتلك الحكومات العربية المحيطة بالعراق، من دول الخليج وباقي دول المشرق، رؤية محددة وموحدة للتعامل مع «العراق الجديد».
التخبط الشديد في السياسات والارتهان للرؤية الغربية والنظر بعيون واشنطن، أوقع السياسات العربية في تناقضات جمة، فقد دعموا في البداية شخصيات راهن عليها الأمريكيون مثل إياد علاوي وغيره، وعندما تبين ضعف التقديرات الأمريكية بحظوظ شخصيات مثل علاوي والجلبي، انتقلت واشنطن ومعها الحكومات العربية للتعامل بواقعية مع حكام العراق الجدد، القوى الإسلامية الشيعية، وباتت الخيارات تنحصر بين حزب إسلامي شيعي، أكثر قربا من إيران، وآخر أقل قربا منها! لذلك سمعنا عن «الفتى العروبي» مقتدى الصدر، الذي كان سابقا من أكثر الشخصيات المتمردة المكروهة لدى الأمريكيين في العراق، لكن ضيق خيارات وبدائل مواجهة القوى الشيعية التقليدية، حوّل زعيم ميليشيا مذهبية مثل «جيش المهدي» إلى زائر رسمي يستقبل كشخصية رمزية لدى حكومات عربية كانت من أشد المهاجمين له، عندما كان مغضوبا عليه أمريكيا، وبعد أن كان الخيار هو دعم «ثوار العشائر»، أصبحنا نسمع عن أوصاف خلبية تطلق على مقتدى الصدر مثل «الفتى القرشي» الذي يراد كسبه لحضن العرب.
في المقابل وفي المسار نفسه، تقلب الدور العربي الرسمي في سوريا من دعم المعارضة المسلحة والثورة، إلى التطبيع مع بشار الأسد! فعندما كانت المعارضة السورية تتلقى دعما غربيا؛ كان الكثير من الحكومات العربية التي يزور اليوم وزراء خارجيتها دمشق، ترسل الأموال والسلاح للفصائل التي تقاتله، وتهاجم الأسد بوصفه طائفيا تابعا لطهران وتتوعد بخلعه من الحكم. البعض يتحدث عن الزلزال الذي أنقذ الأسد، طيب لماذا لم ينقذ الزلزال نفسه المعارضة في الشمال وهي التي تعرضت مناطقها لأكثر الخسائر البشرية؟ في الحقيقة من أنقذ الأسد هو وحشيته في الحرب، لقد انتصرت همجية الحرب لتمنح نظام الأسد السلام والتطبيع مع من عادوه في الأمس، تماما كما يحصل في لبنان واليمن، بسبب سوء إدارتهم للصراع وتخبطهم وارتهانهم لرؤية من لا يمتلك عيونا تفهم عوائد النزاعات في المشرق، ابتداء من فصائل المعارضة والثورة مرورا بالنظام العربي الرسمي، وكما العادة في بلادنا منذ قرون، يتقلد المستبد العربي وشاحه فوق آلاف الجماجم. تقول منظمة «هيومان رايتس ووتش»، في تعليق مقتضب لها على التطبيع العربي المتسارع مع العدو السابق: «بدأت دول مثل السعودية وحتى تركيا، التي عارضت حكومة الأسد بشدة سابقا، في التلميح إلى استعدادها لتوثيق العلاقات مع سوريا، رغم انتهاكات حقوق الإنسان المنتشرة والممنهجة، وقلة المساءلة أو انعدامها عن الكم الهائل من الجرائم المرتكَبة. بينما وثّقت دول أخرى مثل الأردن والإمارات علاقاتها معها بالفعل».
كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»
القدس العربي
—————————————–
تعريب نظام الأسد الكيميائي/ بكر صدقي
وفد من اتحاد البرلمانيين العرب يزور دمشق ليبايع بشار الأسد أمام الكاميرات بأشد العبارات ابتذالاً واتضاعاً. على رغم معرفتنا بكيفية ترتيب هذا النوع من الفعاليات من وراء كواليس السياسة القذرة بواسطة الرشوة المباشرة، تبقى هذه «التظاهرة» مهمة من حيث أنها تعكس المزاج السائد لدى الأنظمة العربية بأكثر مما تفعل زيارات وزراء خارجية عرب إلى دمشق أو زيارات رأس النظام الكيميائي لعواصم عربية كأبو ظبي ومسقط، أو التصريحات الإعلامية التي تدعو، مباشرةً أو مداورةً، إلى إنهاء عزلة النظام.
فنحن نعرف من تجربتنا التاريخية أن أولئك «البرلمانيين» يمثلون الأنظمة التي ارتضت بتعيينهم ثم نظمت انتخابات صورية لـ«انتخابهم» من قبل «الشعب» ليكونوا أبواقاً لها. ما يتحرج الحكام العرب من إظهاره من نفاد صبر لطي صفحة ثورات الشعوب العربية من خلال احتضان السفاح السوري، عبر عنه ممثلوهم وأبواقهم الذين «تشرفوا» باستقباله لهم. فهنيئاً لهم ولمن يختبئ وراءهم بهذا «الشرف».
من المحتمل أن الضحكة العريضة لبشار الأسد أثناء زيارته لمستشفيات حلب، بمناسبة الزلزال، لا تعود حصراً إلى بلاهته المعروفة، بل أساساً لأن مصادره قد أعلمته بأن كارثة الزلزال ستفتح أمامه فرصاً كبيرة وتهافتاً عليه من قبل أنظمة عربية تريد مكافأته على دوره الكبير في تحطيم أفق التغيير الذي ظهر في أواخر عام 2010 بدءاً من تونس. فالسفاح السوري الذي كان غارقاً في عجزه عن إدارة شؤون المناطق التي يسيطر عليها الروس والإيرانيون، وضاق الخناق على تجارة مخدراته، ولا يتركه الإسرائيليون يلتقط أنفاسه بين غارة وأخرى، وتوقف الأمريكيون عن الحديث عن الانسحاب من خزان النفط والحبوب في سوريا، وتوقف الإيرانيون عن مده بمشتقات البترول، وتراجعت أهمية نظامه على سلم أولويات فلاديمير بوتين بعد غرق هذا الأخير في الورطة الأوكرانية، وتباطأت خطوات تطبيع تركيا معه بسبب اختلاف اهتمامات الطرفين… جاءه الزلزال الذي أكمل مهمة براميله المتفجرة فقتل نحو خمسة آلاف سوري يضافون إلى رصيد الأسد من الضحايا، هديةً من تحت الأرض لتفتح له أبواب عواصم عربية إضافية، وباب اجتماع القمة العربية المقبل كاحتمال مرجح، ليعود إلى توبيخ زملائه من الحكام كما اعتاد أن يفعل في السنوات السابقة على عام 2011، وهم يستحقون ذلك، والحق يقال، فمن يحب الأسد عليه أن يتحمل بذاءاته. من هذا المنظور يحق للأسد وإعلامييه أن يتبجحوا قائلين «ليست سوريا من عادت إلى الحضن العربي، بل هم الذين عادوا إليها».
والحال أنه ليس مهماً من عاد إلى من، فما يجمع بينهم وبينه أكثر مما يفرق بكثير. العلاقة مع إيران؟ ما أهميتها بالمقارنة مع الخطر الشديد الذي يتفق الطرفان على أنه قادم من قاع المجتمعات العربية في تلك الثورات التي أسقطت الحكام كأحجار الدومينو، وأصيب من تبقى منهم بالهلع الشديد، فرصدوا ميزانيات ضخمة لإغراقها بكل ما من شأنه القضاء عليها. الحل السياسي؟ أليس هو استعادة الاستقرار بأي طريقة؟ فإذا عجز الأسد عن ذلك ببراميله أنجده الإيرانيون بسواطيرهم والروس بطائراتهم والعرب بالانفتاح عليه. الكبتاغون؟ ادفعوا له بمقدار ما يكسبه في هذه التجارة، فيتوقف عن مزاولتها. اللاجئون؟ أقنعوهم بأن الأسد تحول إلى ملاك رحمة وحوّلوا شروط لجوئهم إلى جحيم فيعودون مكبلين بالأغلال. لا تعجز السياسة عن إيجاد الحلول، فلهذا وجد هذا الفن.
نقرأ ما تنشره الصحف من تصريحات وتحليلات حول اشتراطات مزعومة للانفتاح على سفاح دمشق. فالأسد لا يتغير! هو وإعلامه يتبجحون بذلك بحق. هم ربما يريدونه أن يتظاهر بشيء من التغير، أن يظهر على غير حقيقته المسجلة في جرائمه وفظاعاته ليسهل عليهم تبرير عودتهم إليه. لكنه مبدئي في إجرامه، خذلهم وسيخذلهم المرة بعد المرة في مسعاهم. الأحرى أن يتخلوا هم عن التظاهر بالحرج في تعاملهم معه، وبذلك يصبح التطبيع ممكناً. نظام الأسد لا يعطي بل يأخذ، من أراد التعاطي والتطبيع معه أن يعتاد على ذلك.
يقال إن الموقف الأمريكي الرافض للتطبيع مع نظام الأسد هو الذي كان يمنع دولاً عربية من المضي في الطريق إلى دمشق. واشنطن، التي لم تستطع أن تفرض على تركيا اتخاذ موقف حازم من العدوان الروسي على أوكرانيا، ماذا يمكن أن تفعل مع أنظمة عربية متلهفة لاستعادة العلاقات مع نظام الأسد، في حين أنها هي نفسها غير مهتمة بالمشكلة السورية؟ الواقع أن «الحلفاء التقليديين» لواشنطن قد مضوا بعيداً في تطوير علاقاتهم مع روسيا نفسها من غير خشية من الحليف الأمريكي. حقيقة الأمر أنهم تمهلوا خلال السنوات الماضية في موضوع التطبيع مع نظام الأسد كي تتقدم هذه العملية بصورة متدرجة فلا تشكل صدمة صعبة الابتلاع. وهي أساساً لم تكن مستعجلة في المضي في هذا المسار، فلتنضج الأمور على نار هادئة وإن كانت ناراً تحرق السوريين في الداخل والشتات. هذا أيضاً مهم بذاته، فما لم يدفع السوريون ثمن تمردهم لن يعودوا صاغرين إلى عبوديتهم كما يراد لهم.
كاتب سوري
القدس العربي
——————–
نظام الأسد ونظرية المؤامرة/ رياض معسعس
أعادني زلزال كهرمان مرعش، وقبله كوفيد 19 بإطلاق شائعات نظرية المؤامرة إلى ستينيات القرن الماضي، فجائحة كوفيد كانت بنظر البعض مؤامرة من قبل الصين، أو من قبل مختبرات كانت تسعى لأهداف، اختلفت في كل مرة حسب من يطلقها، فمنهم من رجح أن تكون لإنقاص أعداد البشرية المتنامية في العالم، ومنهم من قال إنه كان سلاحا بيولوجيا يحضر في مختبرات الصين لاستخدامه في الحروب، أما زلزال كهرمان مرعش فقيل إنه مؤامرة كبيرة ضد تركيا بإحداث زلزال عن طريق تفجير نووي في باطن الأرض.
تدخل دولي وإقليمي
وبالطبع فإن شائعتي المؤامرة لم يتم إثباتهما كعدد ليس بقليل من نظريات المؤامرة في العالم. لكن تبقى نظرية المؤامرة عالقة في الأذهان.
ونظرية المؤامرة، حسب عدة تعريفات علمية، هي عملية إخفاء حقيقة بصياغة أكاذيب بشكل منظم، أو تعليق إخفاقات نظام سياسي معين على مشجب المؤامرة الخارجية، أو الداخلية، فاحتجاجات إيران الأخيرة مثلا اعتبرها نظام الملالي بأنها مؤامرة صهيوـ أمريكية رغم أنه كان من الواضح أنها كانت احتجاجات شعبية واسعة ضد نظام العمائم الذي يقمع الإيرانيين وأوصلهم الى حد الفقر، والإيرانيات اللاتي أجبرن على ارتداء الحجاب (تشادور) وخرجن احتجاجا على مقتل مهسا أميني تحت التعذيب من قبل الشرطة الإيرانية لعدم احترامها اللباس المفروض عليها.
ويلقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اللوم في إخفاقات جيشه في غزوه لأوكرانيا على المؤامرة الدولية للغرب ضد روسيا والهادفة لتفكيك الاتحاد الروسي، واستعمال أساليب “رعاة البقر” لعزل روسيا على المستوى الدولي. في المنطقة العربية شاعت نظرية المؤامرة، بعد اكتشاف العرب المؤامرة الفرنسية البريطانية في اتفاقية سايكس ـ بيكو، ولا شك أنها كانت مؤامرة لاحتلال منطقة الشرق الأوسط، بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية، بقرار من عصبة الأمم. وتضخمت هذه النظرية بعد إعلان إسرائيل كدولة في العام 1948 ونكبة الأنظمة العربية التي راق لها أن تلقي اللوم دائما على المؤامرة الغربية ضدها. وعبر وسائل إعلام الدولة أصبح مصطلح المؤامرة لازمة وجزءا من المنظومة الفكرية والعقائدية في بعض الدول العربية كلازمة أغنية رخيصة، أو كأسطوانة مشروخة، وبالأخص الدول التي تحكم من قبل ديكتاتوريات عسكرية، وسوريا مثالا.
منذ أن تسلط حزب البعث على السلطة في آذار/مارس 1963 كان يشيع عبر وسائل الإعلام الرسمية، وفي الخطابات الرنانة لزعمائه في كل مناسبة، وغير مناسبة، بأن الحزب يواجه مؤامرة دولية صهيوـ إمبريالية ـ رجعية عربية، والرجعية العربية كان يقصد بها تحديدا دول الخليج العربي، ليتبين فيما بعد أن دول الرجعية العربية استطاعت أن تبني دولها، وتؤمن مواطنيها، بينما كل الأنظمة العربية التي كانت تدعي “التقدمية” وعلى رأسها سوريا (البعثية ـ الأسدية)، وتتهم بعض الدول العربية بالرجعية والتآمر عليها، أودت البلاد والعباد بصنع يديها إلى هاوية سحيقة من الصعب الخروج منها.
وقد استطاعت “البروباغندا” البعثية ـ الأسدية بشكل خاص الوصول إلى هدفها بعملية غسل أدمغة السوريين بأن النظام مستهدف بمؤامرة دولية، وخاصة بعد تسليم الجولان السوري لدولة الاحتلال في حرب 67. فكانت لازمة النظام لأسطوانته المشروخة أن دولة الاحتلال ومن خلفها الامبريالية العالمية كانت تهدف إلى إسقاط النظام البعثي ـ الأسدي ولم تنجح في ذلك، وهذا بحد ذاته يعد انتصارا كبيرا في هذه الحرب، ولو أن سوريا خسرت الجولان.
واتضح بعد نصف قرن ونيّف أن النظام البعثي ـ الأسدي مازال قائما ويمارس أبشع أنواع القمع الهمجي بحق السوريين، وأن دولة الاحتلال التي ضمت الجولان وملأته بالمستوطنات تتفسح في الأجواء السورية وتمطر المطارات والمقرات المختلفة والموانئ السورية بآخر مستحضرات القنابل والصواريخ الذكية جدا، ونظام المقاومة والممانعة والمستهدف “بمؤامرة كونية” لا يقوى حتى على الرد على كل الاعتداءات شبه الأسبوعية من قبل دولة الاحتلال.
مع انطلاقة الثورة السورية في العام 2011 بدأ صراخ النظام على عادته ملوحا هذه المرة بمؤامرة كونية ضده (ولم تعد الصهيوـ إمبريالية ـ رجعية عربية)، فالكون بأكمله أصبح الآن يتآمر على النظام البعثي ـ الأسدي، ويتهم الكون بالدمار الذي لحق بسوريا. ولكنه في الوقت نفسه وجد من لا يتآمر عليه، بل يساعده في تدمير سوريا وقتل السوريين، من إيران وميليشياتها المتعددة الباكستانية والأفغانية والعراقية واللبنانية والإيرانية، وروسيا وميليشيا فاغنر الذين أجرموا جميعا بحق السوريين، ولو أن بعض الدول العربية وقفت إلى جانب الثورة في بدايتها، لكن معظم الدول الأخرى كانت إلى جانبه.
استغلال الزلزال
وجاء زلزال كهرمان مرعش “كشحمة على فطيرة” كما يقول المثل السوري ليستغله النظام للخروج من عزلته، وكأن الدول العربية التي تأخرت في التطبيع معه (بدأ التطبيع معه من دولة الإمارات ومملكة البحرين، وحركة حماس)، كانت تنتظر هذا الحدث المأساوي لتأخذه ذريعة سريعة جدا في انطلاقة “كونسيرتو” الزيارات الدبلوماسية إلى دمشق، من وزراء خارجية وبرلمانيين، ونقابيين، لتعويم النظام الذي كان يتهم الكون بأكمله بالأمس بالمؤامرة ضده بما فيها الدول العربية الراغبة في التطبيع معه في عملية سياسية انقلابية تتغاضى فيها عن ضحايا مئات الآلاف من السوريين، ودمار سوريا لتحرك مبضعا جارحا مرة أخرى في جسد الشعب السوري الذي يرى في هذه المبادرات خيانة كبرى للمبادئ الإنسانية، ومكافأة الجلاد على قتل الضحية.
كاتب سوري
القدس العربي
————————-
انتشال النظام السوري من عزلته: أجندات السر وذرائع العلن
رأي القدس
لم يجد النظام السوري أي حرج في استغلال الكوارث الناجمة عن الزلازل التي ضربت شمال غرب البلاد، ولم تقتصر جهوده في هذا الصدد على احتكار المساعدات الخارجية وحجبها عن المواطنين السوريين المتضررين في المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام، أو حتى تحويل كميات هائلة من تلك المساعدات إلى تجارة داخلية تديرها الأجهزة والشبكات المرتبطة بالنظام. لقد حرص على توظيف آلام الشعب السوري في منحى سياسي يهدف إلى الخروج من طوق العزلة، وإلى تجميل وجه النظام عربياً وإقليمياً ودولياً تحت ستار التضامن الإنساني، وكذلك الإفلات من بعض العقوبات المفروضة عليه لأنه على وجه الدقة انتهك ويواصل انتهاك أبسط المبادئ الإنسانية بحق أبناء سوريا أينما كانوا في واقع الأمر.
وفي هذا الإطار سارع إلى زيارة دمشق وزير الخارجية الأردني، وأعقبه وزير الخارجية المصري، وبينهما قام وفد من الاتحاد البرلماني العربي ضم ممثلين عن العراق والإمارات العربية المتحدة والأردن وفلسطين وليبيا ومصر وسلطنة عُمان ولبنان، كما قام رئيس النظام بشار الأسد بزيارة عُمان والاجتماع مع السلطان هيثم بن طارق في أول نشاط يكتسب صفة واضحة من العلنية المسبقة على نقيض غالبية زيارات الأسد خلال العقد المنصرم والتي لم يكن يُعلن عنها إلا بعد اختتامها.
وإذا وضع المرء جانباً زيارة الوفد البرلماني العربي لأسباب تتصل بالأحجام التمثيلية الفعلية لمعظم النواب زوار النظام السوري، فإن للزيارات الرسمية الأخرى أجندات عديدة مختلفة قد يكون القاسم المشترك المعلن فيها هو التضامن الإنساني على خلفية الزلازل، ولكن مضامينها الفعلية قد لا تسعى بالضرورة إلى الانفتاح على النظام السوري وإخراجه من عنق الزجاجة. فالأردن على سبيل المثال الأول يعاني من مشكلات جدية تخص تهريب الكبتاغون من الداخل السوري إلى الأسواق الأردنية والخليجية، مترافقاً مع وسائل عجيبة في تهريب الأسلحة لا تُستثنى منها الطائرات المسيّرة.
مصر في المقابل خفضت تباعاً من مشكلات العلاقة مع النظام السوري ابتداء من انقلاب عبد الفتاح السيسي سنة 2013، الأمر الذي لم يتضمن طي صفحة السياسات التي كان قد اعتمدها الرئيس السابق محمد مرسي في مناهضة نظام الأسد فقط، بل دشن أيضاً طوراً من التنسيق الأمني العلني بين أجهزة الاستخبارات السورية والمصرية، والتعاون الاقتصادي والتجاري الذي لم يُغفل الصلات العسكرية والتسليحية. كما تعين أن يتلاقى السيسي مع الأسد تحت مظلة مشتركة أنشأتها بينهما السياسات الانفتاحية التي اعتمدتها دولة الإمارات مع النظام السوري.
نظيف إلى هذا أن معظم الوفود التي أخذت تتقاطر على دمشق مؤخراً بعد الزلازل تبدو خجلى من إعلان مضمون فعلي للزيارات قوامه السعي إلى انتشال النظام السوري من عزلته الخانقة، ولهذا تتذرع بالتضامن الإنساني والوقوف مع الشعب السوري في محنته، متناسية أن أجندات السر مفضوحة جلية، ومتجاهلة أن ما ألمّ بالسوريين من كوارث بأيدي النظام وجيشه وأجهزته والقوى الأجنبية والميليشيات المذهبية المناصرة له إنما تعجز عن رصده أعلى الدرجات في مقياس ريختر.
القدس العربي
———————-
هل ينجح التطبيع مع الأسد؟/ حسان الأسود
قبل الزلزال الذي حصل في 6 فبراير/ آذار الماضي، توقف اهتمام العالم بالمأساة السورية إلى حد كبير، فقد طالت الأزمة وتشعّبت، وجرى ترسيم حدود مناطق الصراع بشكل شبه نهائي. تشابكت المصالح الإقليمية والدولية، وبات الوضع مزمنًا حتى وصل إلى درجة الاعتياد، ووجد السوريون أنفسهم في مستنقعٍ راكدٍ آسن، نظامًا ومعارضةً وشعبًا. فاقمت مضاعفات جائحة كورونا الأمر، وفعلت ذلك أيضًا الحرب الروسية على أوكرانيا، فأصبح الجميع ينتظرون زلزالًا سياسيًا يمكنه قلب موازين القوى المستقرّة وفكّ حالة الاستعصاء. ولكنّ الزلزال أتي طبيعيًا، ربّما لينقذ بشّار الأسد، وربّما لينقذ البلاد منه. لا أحد يعرف على وجه الدقّة ما الذي ستؤول إليه الأمور في مقبل الأيام، فقد يكون الزلزال، على بشاعته وفداحة ما خلّفه من كارثة، مدخلًا إلى الحل السياسي، أو على الأقلّ لتعديل المواقف وتغيير المقاربات. ولا يُشترط أن يكون ذلك بالضرورة انتصارًا لمطالب الشعب السوري المشروعة، بعد أن صار عبرة لغيره من شعوب المنطقة.
اتصل عدة قادة عرب ببشّار الأسد لتعزيته بضحايا الزلزال، منهم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وملك البحرين حمد بن عيسى. ورفع الرئيس التونسي، قيس سعيّد، مستوى التمثيل الدبلوماسي لبلاده في سورية، وزار وفد وزاري لبناني دمشق بتكليف من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. وزار وزير الخارجية الإماراتي، عبدالله بن زايد، دمشق أيضًا، والتقى الأسد، ونصحه باستثمار هذه السانحة وإبداء بعض المرونة والتعامل الإيجابي في مسألة فتح المعابر مع تركيا (يا لها من مفارقة لم يشهد لها التاريخ مثيلًا، أن يوجد رئيسٌ في العالم يحتاج ليفتح المعابر أمام المساعدات الإنسانية القادمة لشعبه إلى إقناعٍ من دولة أجنبية!). وتتالت مع الأيام التصريحات العربية والأجنبية، وكان أبرز المواقف ما فُهم من كلام وزير الخارجية السعودي، فرحان بن صالح، في مؤتمر الأمن في ميونخ، على أنّه تبدّل في الموقف العربي عامة والسعودي خاصّة. لقد أفصح الوزير عن وجود إجماع عربي بعدم جدوى عزل سورية. وزار وفدٌ من البرلمانيين العرب دمشق، وفعل ذلك أيضًا وزير الخارجية المصري، سامح شكري، واستقبلهم جميعًا بشار الأسد الذي كان قد طار إلى مسقط، واستُقبل لأول مرّة على البساط الأحمر منذ اندلاع الثورة ضدّه، ولهذا دلالاته المهمة في العلاقات الدولية. بل قد يرى المرءُ، ومن مبدأ (إنّ بعضّ الظن إثمٌ، لكنّ بعضهُ من حسن الفطن)، في فتح المجال الجوي العُماني أمام الطائرات المدنيّة الإسرائيلية، بعد يومٍ من زيارة الأسد السلطنة، وفي توقيع مذكرة تفاهم بقيمة 500 مليون دولار لتعزيز التجارة والاستثمار بين الولايات المتحدة والسلطنة أيضًا، مؤشّرًا على تفاهماتٍ بنكهاتٍ جديدة وطعومٍ ومميّزة.
يُصرّ الأوروبيون، حتى اللحظة، على لاءاتهم الثلاث، لكن شرخا بدأ يتّسع في الموقف الأوروبي بين دولٍ، مثل إيطاليا وإسبانيا، تريد طيّ الصفحة وإعادة العلاقات مع نظام الأسد، وبريطانيا وألمانيا وفرنسا التي تجد في ذلك خروجًا على المنطق، وانتصارًا لروسيا التي يحاربها الأوروبيون بغالبيتهم العظمى في أوكرانيا. ينتظر الجميع استقرار الموقف الأميركي الذي لا يخلو من شدّ وجذب بين الإدارة الديمقراطية التي علّقت العقوبات ستة أشهر، ومجلس النواب (ذي الغالبية الجمهورية) الذي تُطالبُ لجانه وعديد من أعضائه بعدم تعويم الأسد، فقد أصدر يوم 27 الشهر الماضي (فبراير/ شباط) قانونًا منفصلًا تحت عنوان “استجابة لزلزال تركيا وسورية”، يحضّ الإدارة على فتح المعابر بكل الطرق الدبلوماسية، وتشكيل آلية فعّالة لمراقبة المعونات المقدّمة، ودعم المجتمعات المحلية لتمكينها من الصمود.
ولكن، ما هي مقوّمات تعويم نظام الأسد، وهل فعلًا ستشكّل هذه المساعدات المقدّمة استجابة لمعالجة آثار كارثة الزلزال رافعةً للاقتصاد السوري المتهالك، وهل تغفل الدول العربية، وخصوصا الخليج صاحب القدرة الوحيدة على التمويل، عن أخطار ابتلاع النظام أية مساعدات واستثمارها مع شركائه الإيرانيين في تعزيز سيطرته؟ الحقيقة أنّ سياسة دول الخليج قد تغيّرت كثيرًا، فحتى مع أقرب حلفائها باتت تقوم على تحقيق المصالح المتبادلة، فهي تشتري الأصول من مصر مقابل المساعدات، كما تشترط على لبنان تحجيم حزب الله الذي يشارك في صراع مباشر ضدّ السعودية في اليمن. لقد ولّى زمن الدعم غير المشروط، وبات النهج الراهن لدول الخليج العربي أكثر براغماتية من قبل، فهي تسعى إلى قيادة المنطقة، ليس بالمال فقط، بل بالسياسة أيضًا.
ثمّ علينا ألا ننسى وجود عقبات هائلة أمام تعويم الأسد، فإضافة إلى هول حجم ملفّ انتهاكات حقوق الإنسان الذي يحمله على كاهله وقذارته، فإنّه أثبت بما لا يفسح مجالًا للتجربة من جديد بأنّه غير موثوقٍ أبدًا، فما كان يقدّم للسوريين من مساعدات أممية لم يكن يصل إليهم، بل كان يجد طريقه فورًا لدعم قواته وقوات حلفائه. يُضاف إلى ذلك أنّ التكلفة الاقتصادية لإعادة تعويمه ستكون هائلة جدًا، ولا يمكن أن توضع آلياتٌ تضمن سير العملية في طرق سليمة وشفافة، بحيث تحقّق الاستقرارين، الاقتصادي والسياسي، ولا يمكن أن يُتصوّر من هذا النظام السماح لنصف الشعب السوري الذي هجّره عمدًا بالعودة، وهو ما ستحرص عليه الدول العربية لتفادي التغيير الديمغرافي ومنع تمكين الإيرانيين من المجتمع السوري. علينا أن نتذكّر أيضًا أنّ الشعب الذي انتفض عام 2011 ضدّ الأسد ونظامه لا يزال لديه الأسباب نفسها لرفضهما، إضافة بالطبع إلى ملايين الأسباب الجديدة التي أوجدتها حربه ضدّهم.
استثمر الأسد في الزلزال، واستثمرت كلّ الدول المنخرطة في الصراع السوري فيه أيضًا، وهذا هو جوهر السياسة القائم على المصالح، وليس لنا إلا أن نفكّر الآن ونسأل: ماذا يمكننا أن نفعل، نحن السوريين الواقفين على خطوط النار، وهل يمكننا أن نخطو خطوة واحدة إلى داخلنا، وهل نستطيع أن نلاقي بعضنا عند حافّة الانهيار لمنعه، وهل يمكننا أن نتخلّص من عقدة عدم وجود بديلٍ عن الأسد، وهل يمكننا العمل معًا لاجتياز موجة التطبيع هذه؟
العربي الجديد
————————
محددات سورية ضرورية..لأي مبادرة عربية/ العقيد عبد الجبار العكيدي
حفل المشهد السوري بعد زلزال السادس من شباط الماضي بحراك سياسي واعلامي غير مشهود منذ العام 2011 غداة انطلاق الثورة السورية، اذ ما ان بدأت التداعيات المدمرة للزلزال، حتى انهالت على دمشق برقيات التضامن والتعزية مصحوبة بزيارات لمسؤولين عرب كزيارة وزير الخارجية الأردني، اعقبها زيارة نظيريه المصري والاماراتي إضافة الى الزيارة التي قام بها الوفد البرلماني العربي الذي التقى برأس النظام يوم 26 شباط المنصرم، فضلاً عن الاتصالات الهاتفية المباشرة التي بادر بها كل من ملك الأردن ورؤساء مصر والجزائر وموريتانيا.
لا شك ان جميع اشكال هذا الحراك قد وجدت في التداعيات الكارثية للزلزال مدخلاً مناسباً بالمبادرة لإعادة العلاقة مع نظام دمشق، علماً أن العديد من تلك الأطراف هي بالأصل تحتفظ بعلاقاتها مع الأسد ولم تنقطع في يوم، وكان من الممكن ألا يحمل هذا الحراك الأخير أكثر مما يحتمل لولا مؤشرات تحول في سياسة دول عربية عرفت بمواقفها المبدئية والحازمة تجاه النظام، وخاصة المملكة العربية السعودية التي ألمح وزير خارجيتها يوم الثاني والعشرين من شهر شباط اثناء حضوره مؤتمراً للمناخ في ميونخ الى “وجود توافق عربي على عدم استمرار الملف السوري كما هو عليه”.
وبعيداً عما ينطوي عليه تصريح الوزير السعودي من تأويلات، فانه يمكن أن يعكس رغبة عربية جادة بالتعاطي الجمعي مع القضية السورية، وهذه، من حيث المبدأ، يمكن النظر اليها بإيجابية، باعتبارها تعكس اهتماماً عربياً بمصير الشعب السوري الذي استحكمت به اشكال الموت جميعها، كما تظهر إيجابية هذا المسعى بسبب غياب الدور العربي في مشهد القضية السورية طيلة السنوات السابقة، وكذلك لحاجة السوريين الى وقوف أبناء جلدتهم معهم لمساعدتهم في إيقاف المقتلة القائمة في سوريا منذ 12 سنة.
الا أن تلهّف السوريين الى حل سياسي يفضي الى انهاء مأساتهم، لا يحول دون تكاثف غيوم الريبة والخوف مما يجري بين دمشق وبعض العواصم العربية، وخصوصاً تلك التي تهدف الى تعويم نظام الأسد وتعتبره منتصراً على شعبه. ولعل المؤسف ان مثل تلك المساعي تتلاقى وتتشابك مع الدعوات التي يسعى الى ترسيخها المحتل الروسي بتبعية اطراف أخرى من ضمنها المبعوث الدولي غير بيدرسن وذلك ضمن مشروع اطلق عليه (خطوة مقابل خطوة).
اذاً فما الحل الذي يريده السوريون ويلبي الحد الأدنى من تطلعاتهم؟
منذ وقت مبكر اوجدت القرارات الأممية ذات الصلة بالقضية السورية (جنيف1، 2254، 2118) آفاقاً واضحة لحل سياسي في سوريا وذلك من خلال انشاء هيئة حكم انتقالي مشتركة بين النظام والمعارضة، تليها مرحلة يتم فيها كتابة دستور جديد للبلاد ومن ثم الدخول في انتخابات عامة تحت رعاية اممية، الا ان جميع هذه القرارات لم تحظَ بتفاعل جديّ من جانب النظام، بل مارس وما يزال حيالها كل اشكال التعطيل والرفض.
وفي موازاة هذا الرفض، استمر باتباع منهجه الأمني القائم على المزيد من العنف الذي وصل مرحلة التوحّش، الامر الذي جعل الصراع في سوريا يخرج من اطاره السياسي الى اطار وجودي من خلال استهداف حياة المواطنين بكل وسائل الدمار بما فيها المحرمة دوليا، فكانت حصيلة هذا التوحش هجرة 13 مليون سوري داخل سوريا وخارجها، واستشهاد ما يقارب المليون شخص ووجود 135 ألف معتقلة ومعتقل في زنازينه، حسب ما وثقته “الشبكة السورية لحقوق الانسان”، عدا عن الذين تمت تصفيتهم في السجون الذي وثقت قتلهم صور وشهادات “قيصر”.
لعل هذه الحصيلة الرهيبة من الجرائم بحق السوريين قد جعلت رفضهم لأي تقارب أو أي مصالحة مع الأسد وسيلة نضالية من اجل الحفاظ على البقاء، باعتبار ان الجرائم التي ارتكبت بحقهم ليست احداثاً مضت ويمكن نسيانها، بل وقائع لا تزال حاضرة وهي قابلة للتكرار طالما ان الجاني ما يزال متمسكاً بمنهجه الدموي الذي لا يمتلك سواه، وتكفي الإشارة في هذا السياق الى القصف الذي قامت به طائرات الأسد يوم 26 شباط لمحيط بلدات معرتمصرين وكفريا والفوعة في ريف ادلب، وذلك تزامناً مع وجود الوفد البرلماني العربي في دمشق وأيضا تزامناً مع المأساة التي مُنِيَ بها السوريون جراء الزلزال. وفي ضوء ذلك لا تستقيم الدعوة الى حلول عبر المصالحة بل ينبغي ان تكون عبر مقاضاة المجرم، ليس انصافاً للضحايا من السورين فحسب بل انصافاً لمبدا العدالة والقيم الإنسانية أيضاً.
وفي هذا السياق يمكن طرح اهم الأولويات التي يمكن ان تجسد مدخلاً مناسباً للحل في سوريا:
أولاً: الافراج التام عن جميع المعتقلين السياسيين والكشف عن مصير المخطوفين والمغيبين قسرياً في سجون النظام ولدى جميع الأطراف، باعتباره مبدأ انسانياً فوق تفاوضي.
ثانياً: إن تأمين دعوة المهجرين والنازحين الى بيوتهم وبلداتهم دون أي عائق أمنى يشكل الخطوة الأساسية لحالة استقرار مجتمعي، وهذا لا يمكن ان يحصل دون توفر البيئة الامنة التي تعني رحيل الأسد وطغمته الحاكمة باعتبار راس النظام بات متماهياً مع منظومته الأمنية التي لا يمكن ان تزول الا بزواله.
ثالثاً: زوال الأسد وزمرته الحاكمة مع الإبقاء على مؤسسات الدولة قد يتيح المجال للعودة من جديد لتطبيق القرارات الأممية دون عوائق، وحين ذاك يمكن الحديث عن كتابة دستور جديد للبلاد وفق الأصول الدستورية المتعارف عليها.
رابعاً: سحب كافة الميليشيات والقوات الأجنبية من الأراضي السورية ودخول قوات اممية ريثما يعاد تشكيل الجيش والمؤسسات الأمنية في البلاد على أسس وطنية.
ربما تكون هذه الإجراءات أولية لكنها بالنسبة للسوريين تعتبر محددات أساسية لاي مبادرة حل تهدف إلى أن تضع حداً للمقتلة السورية وتمهّد لعودة السوريين الى بناء دولتهم السورية.
ولإنضاج هذا الحل يجب الدعوة الى مؤتمر وطني سوري عام يفضي الى تشكيل كيان سياسي يمثل كافة السوريين بحق ولا يُختزل بقوى الثورة والمعارضة التقليدية او المهيمنة على المشهد، بل يتسع لكل الأصوات السورية التي تريد انقاذ سوريا ومنع المشاريع التي أدت الى احتلالها واستباحتها، وإيقاف نزيف الحرب والفساد والجوع الذي طاول كل السوريين على امتداد الجغرافيا السورية، وانهاء جميع سلطات الامر الواقع وإعادة بناء الدولة السورية على أسس وطنية مدنية وديمقراطية، يحترم تطلعاتهم وارادتهم وتناط به قيادة البلاد سياسياً في المرحلة الانتقالية.
المدن
———————
البوابة الخليجية: مدخل الأسد لفك العزلة الخارجية/ شفيق شقير و الحواس تقية
لا يمكن إنكار التقدم في العلاقات العربية مع النظام السوري وتحديدًا مع الرئيس الأسد لاسيما بعد أن حدثت ثغرة في البوابة الخليجية وهي مهمة له وسيسعى للبناء عليها، إلا أنه لا يزال محكومًا بتطورات المنطقة التي تعج بالفاعلين الإقليميين والدوليين ومطالبهم
زار الرئيس السوري، بشار الأسد، سلطنة عُمان، في 20 فبراير/شباط 2023، وهي ثاني رحلة رسمية إلى بلد عربي، الأولى كانت للإمارات، منذ أكثر من عقد على اندلاع الحرب في سوريا، وتأتي الزيارة بعد الزلزال الكبير الذي أصاب تركيا وسوريا (6 فبراير/شباط 2023)، وخلّف عشرات آلاف القتلى في تركيا وآلاف القتلى في سوريا، فضلًا عن الجرحى والخسائر المادية الكبيرة في الأبنية والبنية التحتية.
وسبق هذه الزيارة انفتاح عربي نسبيًّا على سوريا، حيث أرسلت عدة دول عربية مساعدات لسوريا، وكان الأكثر لفتًا للانتباه منها، المساعدات المقدمة من المملكة العربية السعودية التي شملت جهتي مناطق النظام، ومناطق المعارضة. كما أن وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، قال في منتدى ميونخ للأمن، في 18 فبراير/شباط 2023: “إن إجماعًا بدأ يتشكل في العالم العربي على أنه لا جدوى من عزل سوريا وأن الحوار مع دمشق مطلوب في وقت ما”، وأنه “في ظل غياب سبيل لتحقيق الأهداف القصوى من أجل حل سياسي، فإنه بدأ يتشكل نهج آخر”، وذلك بهدف معالجة مسألة اللاجئين في دول الجوار وحل معاناة المدنيين.
وفي السياق نفسه، كان قد التقى وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، مع الرئيس الأسد في دمشق، للتضامن مع الشعب السوري في مواجهة تداعيات الزلزال، وهي أول زيارة لمسؤول أردني رفيع إلى دمشق. والجدير بالذكر أن الملك الأردني، عبد الله الثاني، اتصل (7 فبراير/شباط 2023) معزِّيًا الرئيس الأسد في ضحايا الزلزال. وكان الملك الأردني، عبد الله الثاني، تحدث هاتفيًّا مع الأسد لمواساته في ضحايا الزلزال، وكذلك فعل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي. والتقى أيضًا وزير الخارجية المصري، سامح شكري، مع الرئيس الأسد في 28 فبراير/شباط 2023، وكان سبقه إلى ذلك (في 26 فبراير/شباط 2023) وفد نيابي عربي من ثمانية نواب ترأسه محمد الحلبوسي، رئيس الاتحاد البرلماني العربي ورئيس مجلس النواب العراقي.
هذا الانفتاح العربي على الرئيس الأسد بعد الزلزال، هو استمرار لجهود سابقة قادتها دولتان خليجيتان، هما: عمان والإمارات، دامت سنوات، فلقد زار وزير خارجية عمان السابق، يوسف بن علوي، دمشق في 2015 في أوج الحرب الأهلية، وكان يعمل على إعادة سوريا للمنتظم العربي. وكان السلطان، هيثم بن طارق، القائد العربي الوحيد الذي هنَّأ الأسد بفوزه مجددًا بالانتخابات الرئاسية في2021. زار وزير خارجية سوريا، فيصل المقداد، عمان لمدة ثلاثة أيام في مارس/آذار من نفس العام،
والتقى وزير خارجية عمان، سعيد البدر البوسعيدي، بشار الأسد في يناير/كانون الثاني 2023.
من جهتها، بادرت الإمارات إلى فتح سفارتها في دمشق في 2018، وكذلك فعلت البحرين في نفس العام. بعدها التقى وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد آل نهيان، الأسد بدمشق في خريف 2021، ثم استقبل ولي عهد أبوظبي حينها، محمد بن زايد، بحرارة، الأسد في مارس/آذار 2022.
لم تقرر عمان إعادة فتح سفارتها في دمشق إلا في 2020، بعد ثماني سنوات من قطعها في 2012.
في سوريا وقضايا عربية
تعرضت عموم العلاقات العربية في أعقاب مرحلة الثورات (2011) لهزات كبيرة، ويبدو أنها تتجه نحو الاستقرار، إلا أن تبعات المواقف المتصادمة من الثورة السورية، ومستقبل المعارضة السورية، واتساع نفوذ إيران وروسيا، وميلشياتهما في سوريا، وضعت عوائق أمام تطبيع العلاقات العربية مع سوريا، يضاف إليها اختلاف أولويات الدول العربية في التعامل مع سوريا، فلكل دولة مصالحها الخاصة التي قد تتناقض مع مصالح دول عربية أخرى.
في هذا المنظور العام، تبرز أهمية زيارة الأسد إلى عمان لأنها تلقي الضوء على تشابك الديناميات السياسية في المنطقة، وترسم ملامح اتجاهاتها القادمة.
تؤكد زيارة الأسد إلى عمان اتجاهًا مستمرًّا منذ مدة وهو أن مركز الثقل الإقليمي يوجد في منطقة الخليج، فلقد كانت دول الخليج الموجه الفعلي للموقف من الثورة السورية، حيث قادت إخراج سوريا من جامعة الدول العربية، ثم هي تقود حاليًّا عودته إلى المنتظم العربي، وإن كان تبرز في كل مرحلة دول خليجية وتتراجع أخرى.
لكن هذه الزيارة تدل من جهة أخرى على أن الدول الخليجية تتصرف باستقلالية، وتغلِّب العلاقات الثنائية على العلاقات الجماعية، فديناميات التقارب الجارية، لا تمر عبر مجلس التعاون الخليجي أو جامعة الدول العربية، وقد أثنى الأسد على هذه السياسات واعتبر العلاقات الثنائية هي السبيل الأمثل لإعادة علاقات بلاده ببقية الدول العربية.
أما عن عوائد التقارب العماني المتزايد مع سوريا، فإنها كبيرة لرصيد عمان الدبلوماسي. تحتفظ عمان بعلاقات جيدة مع مختلف القوى المتنازعة في الساحة السورية، فعلاقاتها مع النظام جيدة، وقد أشاد بها النظام السوري، وعلاقتها كذلك جيدة مع إيران وروسيا. وفي نفس الوقت علاقتها جيدة مع الولايات المتحدة الأميركية. وتراهن عمان على أن الملف السوري الشائك سيفرض في المستقبل على الأطراف المتنازعة التفاوض، وسيحتاجون حينها إلى وسيط يحظى بثقة الجميع. ولا يوجد مرشح أفضل لذلك من عمان لأن بقية الأطراف المعنية بالملف السوري لا تمتلك نفس المؤهلات الدبلوماسية.
ما يعزز حظوظ عمان في الوساطة بالملف السوري أن دورها سيكون دبلوماسيًّا، ولا تمتلك القدرات المالية التي تجعلها تلعب دورًا مؤثرًا في إعادة إعمار سوريا. قد يبدو هذا ضعفًا في الدور العماني لكنه حاليًّا نقطة قوتها لأن العقوبات الأميركية المفروضة على النظام السوري لا تسمح بالتعامل الاقتصادي والتجاري مع النظام السوري. لذلك لن يلعب الوزن الاقتصادي دورًا مؤثرًا حاليًّا في تسوية الأزمة السورية، بل يفوقه أهمية الوزن الدبلوماسي، وهو ما تتمتع به عمان دون غيرها من الوسطاء.
تموضع عمان في هذا الملف الإقليمي والدولي الشائك، يجعلها مركزًا دبلوماسيًّا؛ لأن الأزمة السورية تؤثر على دول عديدة، خصوصًا بموضوع اللاجئين، مثل لبنان والأردن والعراق وتركيا، وكذلك الدول الأوروبية المهددة بموجات اللجوء القادمة من سوريا. وعندما تنجح عمان في التوسط لتسوية هذه الأزمة ستحصل على الامتنان والتقدير من مختلف هذه الدول، فتعزز وضعها الدولي.
ملفات شائكة
سيواجه كل جهد لتسوية الأزمة السورية وتطبيع العلاقات العربية بالنظام السوري عدة ملفات شائكة:
وجود الحرس الثوري والميليشيات الإيرانية في سوريا، فضلًا عن التحالف الوثيق الذي يجمع الرئيس الأسد مع القيادة الإيرانية، وهو الأمر الذي يقلق أكثر من دولة عربية، وخاصة منها المملكة العربية السعودية، إذ تخوض مواجهة على حدودها مع جماعة الحوثي الموالية لإيران في اليمن، وتخلت عن مساعدة لبنان بسبب “هيمنة حزب الله على الدولة اللبنانية”، بحسب تأكيد الرياض، وربطه لبنان بمحور إيران في المنطقة وذلك على الرغم من العلاقة الخاصة التي جمعت السعودية بلبنان، حيث كانت الراعي الأساسي لاتفاق الطائف (1990) الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية. ويبدو أن التمدد الإيراني في سوريا من أهم القضايا التي ستتحكم بطبيعة العلاقة العربية مع سوريا، حتى إن انفتاح الإمارات المبكر على الرئيس الأسد، فُسِّر إعلاميًّا على الأقل، بأن هدفه خلق مسافة بين سوريا وإيران لأهمية هذه القضية.
تهريب الكبتاغون عبر الحدود، حيث أصبحت سوريا -فضلًا عن لبنان- محل اتهام بأنها مركز إقليمي لتهريب المخدرات، ويشتبه بأنها مصدر دخل أساسي لرفد الخزينة السورية بالعملات الأجنبية، وقد عانت عدة دول عربية من هذا التهديد منها الخليج، وهو وجهة أساسية لها، والأردن وهو معبر أساسي لها. حتى إن الأخير دخل في مواجهة عسكرية مع المهربين حتى باتت مسألة أمنية ملحة وفي مواجهة مجموعات منظمة تملك أسلحة وعتادًا حربيًّا. وقد فرضت الولايات المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 2022، عقوبات على سوريا تحت قانون أشارت إليه باسم “قانون مكافحة انتشار وتهريب المخدرات للأسد” أو “قانون الكبتاغون”.
اللاجئين والنازحين، وتقدر أعدادهم بما يقترب من 13 مليون سوري يعيش معظمهم على المساعدات، وهي قضية تؤرق دول الجوار التي تستضيف أعدادًا كبيرة منهم فضلًا عن أوروبا نفسها وهي الوجهة المفضلة للهجرة. ويتحمل العبء الأكبر من اللاجئين من الدول العربية، لبنان والأردن. في حين تؤرق هذه القضية عموم العالم العربي وهناك تطلع دولي دائم نحو دول الخليج ليتحمل بعضًا من تكاليف إغاثتهم. وتعد مشكلة اللاجئين والنازحين من أهم المؤشرات على اتجاهات الأزمة السورية ومستوى شدتها، ولا يمكن تجاهلها البتة سواء في إدارة العلاقة مع الأسد أو في تحقيق أي حل للأزمة السورية دون حلها.
إيجاد مسار للحل لا يتعارض مع مصالح الدول العربية الأساسية المعنية بالأزمة السورية، ويتضمن حلًّا ناجعًا لتلك القضايا الأساسية الملحة فضلًا عن سواها، وهو ما يمكن فهمه من إصرارها على أن توافق سوريا على حل الأزمة وفق القرار الدولي لمجلس الأمن رقم 2254، مع ما يتضمنه من مسار سياسي يعيد بناء السلطة ومؤسساتها في سوريا.
لا يملك الأسد القدرة على تحقيق كثير مما تطلبه الدول العربية، لأنه مقيد بالنفوذين، الروسي والإيراني، في البلاد، وتتأثر مواقفه بأجندة البلدين مثل الملف النووي الإيراني أو الحرب الروسية-الأوكرانية، وستستعمل الدولتان نفوذهما في سوريا ورقة لتحقيق مصالحهما الوطنية.
لهذا فإن كثيرًا مما يحدث من تقدم عربي في العلاقات مع الأسد لا يمكن فصله عن التأثير الجدلي للحوار الإيراني مع السعودية وما له من انعكاسات على العلاقات العربية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه يوفر للأسد خيارًا ولو جزئيًّا ليتحرر من الحاجة إلى إيران. وهذه المقاربة الأخيرة مبنية على أن اعتماد الأسد على طهران، جاء اضطرارًا وليس خيارًا، لاسيما أن العرب تركوا فراغًا بتخليهم عن الأسد، وكي يستعيد المبادرة مرة أخرى فإن على العرب أن يعودوا إلى دمشق.
توسيع المبادرة
ستقوي دينامية التقارب الثنائي التي تقودها عمان والإمارات موقف النظام السوري دوليًّا إذا ما استمرت باندفاعتها وعلى نفس المنوال؛ لأنها تعزز شرعيته السياسية، فتتناقص جدوى التزامه بأطر التسويات الجماعية الأخرى، مثل مسار أستانة وغيرها؛ لأنها تتعامل معه كطرف مثل بقية أطراف الأزمة السورية، وتشترط للاعتراف به أن يقبل بتقاسم السلطة مع المعارضة وتقديم تنازلات داخلية وخارجية. في المقابل، لا يفرض عليه المسار الذي تقوده عمان والإمارات مثل هذه القيود. وسيكون من الأجدى للنظام السوري الاستثمار أكثر في مسار التقارب الثنائي في المجال العربي، وتأخير بقية المسارات، واستعمال النجاحات المحققة في المسار الخليجي لتعزيز وضعه في جبهات أخرى خارجية. وقد تكون حسابات النظام السوري أنه سينجح في النهاية في الخروج من العزلة الخارجية، وستضطر بقية الدول المقاطعة له إلى التقارب منه.
أما داخليًّا، فقد تحفز هذه الدينامية النظام السوري على التقليل من جدوى التسوية السياسية أو إفراغها من مضمونها، وستشجعه على العمل على إعادة بسط سيطرته على المناطق الخارجة عن سيطرته، وقد نشهد مستقبلًا محاولات من قبله للسيطرة على مناطق من إدلب، لاسيما إن تمكن من فرض تنازلات على تركيا هناك في مقابل قبوله بعودة اللاجئين، وبالمقابل هناك تنازلات قد يقدمها الأكراد مقابل حمايته لهم من العمليات العسكرية التي تقوم بها تركيا.
خاتمة
لا يمكن إنكار التقدم في العلاقات العربية مع النظام السوري وتحديدًا مع الرئيس الأسد لاسيما بعد أن حدثت ثغرة في البوابة الخليجية وهي مهمة له وسيسعى للبناء عليها، إلا أنه لا يزال محكومًا بتطورات المنطقة التي تعج بالفاعلين الإقليميين والدوليين ومطالبهم، كما لا يمكن تجاوز الموقف الأميركي والذي يعد مفتاحًا أساسيًّا لأي مبادرة تجاه سوريا، حيث أسهم قانون قيصر، في يوليو/تموز 2016، في فرملة الاندفاعة العربية الأولى نحو دمشق، ثم جاء قانون الكبتاغون في العام 2022، وجاء مقرونًا باسم الأسد ليؤكد إصرار واشنطن على استمرارها في سياسة محاصرته، ولولا إعلان واشنطن تجميد بعض مفاعيل قانون قيصر لمدة 180 يومًا بسبب الزلزال لم تكن الانفتاحة العربية لتبلغ ما بلغته.
نبذة عن الكاتب
شفيق شقير
باحث في مركز الجزيرة للدراسات، متخصص في شؤون المشرق العربي، والحركات الإسلامية. حاصل على درجة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية (فرع القانون والفقه وأصوله). تغطي اهتماماته البحثية الأزمات الداخلية في المشرق العربي والنزاع العربي-الإسرائيلي، وكذلك التيارات الإسلامية السُّنِّية والشيعية، والجماعات الجهادية، ومقولاتها الفكرية والفقهية وتوجهاتها السياسية. له مشاركات وبحوث عدة، منها: حزب الله: روايته للحرب السورية والمسألة المذهبية، “علماء” التيار الجهادي: الخطاب والدور والمستقبل، الجذور الأيديولوجية لتنظيم الدولة الإسلامية، الحراك اللبناني: السياق العربي وتحديات نسخة الطائف الثالثة.
الحواس تقية
باحث بمركز الجزيرة للدراسات، مشرف على دراسات العالم العربي. حاصل على بكالوريوس إعلام. ترأس تحرير عدد من الصحف الجزائرية المستقلة. نشر عددا من المقالات والدراسات في الصحف والمجلات الجزائرية حول القضايا السياسية والاستراتيجية. شارك بأوراق بحثية في عدة مؤتمرات دولية حول الشؤون السياسية والاستراتيجية.
————————————
الاسد شريك ايران لا حليفها/ عالية منصور
لم تكن سوريا يوما خارج الحضن العربي، ولم يكن نظام الاسدين مبال بهذا الحضن، فحتى في اكثر اللحظات التي بدا فيها ان ثمة انسجاما بين نظامي الاسد والمحيط العربي، كان الامر لا يعدو على ابتزاز ما يقوم به احد الاسدين ليحصل على مقابل لاتقاء شره.
سياسة الابتزاز تلك لطالما اشتهر بها نظاما الاب والابن. أثناء الحرب اللبنانية، على سبيل المثال، كان حافظ الاسد يستخدم موضوع الرهائن من ضمن اساليب اخرى ليجبر العالم على التواصل معه والتفاوض من خلاله. مجموعة تابعة للنظام السوري او على تنسيق معه، تختطف ديبلوماسيين وصحافيين غربيين يعملون في لبنان خلال الحرب اللبنانية، ليبدأ بعدها التواصل مع الاسد لاطلاق سراحهم. والامر لم يكن محصورا بقضية الرهائن، فالقضايا المتعلقة ب”الارهاب” التي ساوم عليها الاسد الاب كثيرة لعل اشهرها قضية كارلوس.
لم تتغير كثيرا سياسة الاسد الابن في هذا الجانب. فقد ساوم على اعادة التطبيع معه بعد ان كانت دول كثيرة قطعت علاقاتها الديبلوماسية مع دمشق بسبب الاغتيالات والتفجيرات في لبنان، وارسال الارهابيين الى العراق. اعيدت العلاقات مع الاسد الابن شرط وقف عمليات القتل والارهاب ولكنه لم يلتزم بتعهداته لوقت طويل.
لم يكن الأسد الابن يوما مجرد حليف لإيران يمكن أن يبدل ولاءه أو يستدير باتجاه آخر. لقد انخرط منذ الأيام الأولى لحكمه في المشروع الإيراني الطامح للسيطرة على منطقة المشرق العربي وتشكيل منطقة نفوذ جيوسياسي إيرانية تمتد من إيران وتشمل العراق وسوريا ولبنان والاردن وفلسطين. وهذا المشروع الذي يعتبر تدميرا لشبكة الأمن القومي العربي وخرقا كبيرا في توازنات المنطقة، لم يكن بمقدور إيران تحقيقه لو لم تجد شريكا لها في رؤيتها العدائية تجاه دول المنطقة العربية.
لقد مثل اغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي ادانت المحكمة الدولية الخاصة عناصر من “حزب الله” بارتكابه، عملية اغتيال تتجاوز في دلالاتها الاستراتيجية مجرد اغتيال رجل دولة من الطراز الرفيع كرفيق الحريري، لقد كانت أشبه بهجوم صاعق ومباشر على المشروع العربي في إعادة ترتيب التوازنات في منطقة الشرق العربي ولا سيما بعد احتلال بغداد واندفاع المشروع الايراني بقوة محمولا عبر قوة طائفية عراقية وضعت ولاءها الطائفي قبل الولاء الوطني والقومي.
وهنا تلاقت مصلحة بشار مع إيران، فمصلحة بشار باعتباره يمثل حكم مجموعة أقلية طائفية، أن يبقى العرب السنة في العراق وسوريا ولبنان من دون حوامل موضوعية تتيح لهم لعب دورهم التاريخي كفاعل أساسي في سياسة المنطقة وتوجيه مستقبلها، ولذلك مثلت لحظة اغتيال الحريري، إعادة خلط للأوراق في المنطقة لتستطيع إيران بعدها بعام واحد أن تقوم بأكبر عملية تهجير للعرب السنة في العراق وهي العملية التي أعقبت تفجير مقام العسكريين في سامراء في فبراير/ شباط 2006 لتكون مبررا لعملية التهجير التي قامت بها ميليشيات طائفية عراقية تتبع لإيران.
وهي الميليشيات ذاتها التي جاءت إلى سوريا لاحقا بعد عام 2011 واستكملت عملية تهجير اكثر من 10 ملايين عربي سني من سورية في إطار مشروع إعادة الهندسة الديموغرافية لمنطقة المشرق العربي، وهو نفس المشروع الذي يعتبر بشار الأسد شريكا فيه وصاحب مصلحة وليس مجرد حليف لإيران في ظروف طارئة كما يريد البعض أن يوهم نفسه به.
وضلوع الأسد الابن باغتيال الحريري أمر بات معلوما للجميع وقد تحدثت عنه وزيرة الدفاع الفرنسية السابقة ميشال اليو -ماري في برنامج بثته قناة “العربية” وأشارت فيه لحجم الضغوط التي مورست على لجنة التحقيق الدولية لإزالة اسم بشار من قائمة المتهمين بالاغتيال.
اذكر هذه الامور اليوم لان الاسد يبدو انه قد عاد بقوة لاتباع سياسة الابتزاز والمساومة التي يتقنها، هذه المرة وجد في شحنات الكبتاغون والاسلحة كما في موضوع اللاجئين مواد جديدة للمساومة، وجاء الزلزال ليعطي اندفاعة مصطنعة لهذا المسار، مسار قد يصح فيه مقولة “وداوها باللتي كانت هي الداء”، مع ان التجارب الكثيرة اثبتت ان هذا الداء لا دواء له سوى البتر.
المشهد قبل ايام في دمشق لوفد مؤتمر الاتحاد البرلماني العربي واللقاء مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، اريد له ان يكون مشهدا فولكلوريا وصادما، ولكن نظرة عن قرب للوفد سنلاحظ انه لم يضم اي جديد سوى المسؤول المصري رئيس مجلس النواب الدكتور حنفي الجبالياما باقي اعضاء وفد البرلمانيين العرب فجميعهم أتى من دول سبق وطبعت علاقاتها مع الاسد او لم تقطعها اساسا.
وما هي الا ساعات بعيد هذه الاندفاعة نحو الاسد حتى جاء تصويت مجلس النواب الاميركي بأغلبية أعضائه على قانون جديد يدين بأغلبية “ساحقة” نظام بشار الأسد، ويعارض رفع العقوبات عنه، وتسليمه المساعدات الأممية الخاصة بالاستجابة للزلزال.
وفي ما يتعلق بالقول ان الاسد قد ضاق ذرعا بالهيمنة الايرانية على سوريا، فصورته في حلب وكلامه لقائد احدى المليشيات الشيعية التابعة لايران هناك كاف لتكذيب هكذا ادعاء، اضافة الى تجارب سابقة اثبت خلالها الاسد مرارا انه ليس فقط مدين لايران وروسيا ببقائه وانما هو سعيد بوجوده ضمن مشروع ايران في المنطقة.
وتبقى نقطتان اساسيتان لابد من التوقف عندهما عند الحديث عن امكانية تعويم نظام الاسد، الاولى هي الموقف الاميركي الرافض حتى اللحظة لمنح نظام الاسد اي حكم بالبراءة بعد كل ما ارتكبه من جرائم، وخصوصا في لحظة حاسمة من لحظات الصراع الاميركي الروسي، في اوكرانيا الذي يؤكد ان الولايات المتحدة ليست بصدد اعطاء روسيا نصرا مجانيا في سوريا.
اما النقطة الثانية والاهم فهي ان حجم الجرائم التي ارتكبها الاسد بحق السوريين وليس اخرها ما كشفه تقرير لجنة التحقيق باستخدام الكيماوي، لا يمكن ان يتم التغاضي عنها، لا اخلاقيا ولا سياسيا، ولا يمكن ان تتحقق مصالحة سورية- سورية دون تحقيق العدالة، وها نحن نشاهد يوميا سوريون يختارون المخاطرة بالموت غرقا على العودة الى اغلال هذا النظام.
المجلة
———————
في تدافع الأنظمة العربية لاحتضان الأسد/ عمر كوش
ليس مستغرباً أن تنتهز أغلب الأنظمة العربية أي فرصة من أجل التدافع نحو نظام الأسد، فهي لا تختلف كثيراً عنه، من حيث تركيبتها، وسياساتها، وممارساتها. وكان طبيعياً أن يهرول قادتها إلى استغلال كارثة الزلزال، الذي ضرب جنوبي تركيا وشمالي سوريا، وأودى بحياة عشرات آلاف الأتراك والسوريين، كي يعبروا عن تعاطفهم ليس مع الضحايا، إنما في حقيقة الأمر مع نظام الأسد، لذلك سارعوا إلى الاتصال بالمجرم بشار الأسد، وإرسال مسؤولين إلى دمشق لتعزيته والاجتماع به، فضلاً عن إرسالهم شحنات مساعدات إغاثية، يعلمون تماماً أنها لن تصل إلى المتضررين والمنكوبين، وأنه سيستغلها ويتاجر بها، والأنكى من ذلك، أن وفداً من مجالس المصفقين العرب (المسمى زيفاً اتحاد البرلمانيين العرب)، أبى أن يفوّت فرصة الكشف عن مدى انحطاطه بالذهاب إلى دمشق، للتعبير بأرخص الكلمات عن مبايعته gمجرم سوريا، في حين ارتفعت أصوات بعض مسؤولي الأنظمة، مطالبة بضرورة وقف تجميد عضوية سوريا في الجامعة، تمهيداً إلى وصل ما انقطع معه عربياً تحت الضغط الدولي والأممي.
إذاً، لجأت الأنظمة العربية إلى توظيف الكارثة الطبيعية سياسياً، من أجل الدفع باتجاه التعامي عن الكارثة الأسدية التي ألمت بسوريا والسوريين، وما تزال مستمرة منذ سنوات عديدة، انسجاماً مع توقها إلى شق طريقها من خلال الكوارث، وسعيها إلى اتخاذ التعاطف الإنساني مدخلاً لتبرير عودتها إلى احتضان نظام الأسد، والدعوة إلى فكّ عزلته الدولية، التي يقف ضدها موقف غربي، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، يشترط انخراطه في حلّ سياسي، وفق القرار 2254 الصادر عن الأمم المتحدة رقم 2254 في 18 من ديسمبر/ كانون الأول 2015.
قد لا تحول القرارات الأممية أمام قدرة أنظمة الدول في الالتفاف عليها، بل وحتى تجاوزها، من أجل عقد صفقات سياسية، تحت ذريعة البراغماتية السياسية، التي تخفي أولوية مصالح الدول ومنافعها في العلاقات السياسية، وتفرض تحول المواقف، وتغير سياساتها الخارجية. وربما يوحي تعليق الولايات المتحدة عقوباتها الاقتصادية على نظام الأسد لمدّة 180 يوماً، بأنه أحدث شقاً في جدار عزلته، لكن الأمر لن يصل إلى ما تسعى إليه الأنظمة المهرولة نحو نظام الأسد، ذلك أن الولايات المتحدة ما تزال ترفض التطبيع مع نظام الأسد، ولا تشجع عليه أي دولة حليفة أو غير حليفة، إذ على الرغم من أن الملف السوري ليس أولوية بالنسبة إليها، إلا أن مجلس النواب الأميركي سارع إلى إصدار قرار، ينعى فيه ضحايا الزلزال في سوريا وتركيا، ويدين بشار الأسد على استغلاله كارثة الزلزال للعودة إلى الساحة الدولية، باعتباره منبوذاً دولياً، وارتكب جرائم حرب وانتهاكات خطيرة بحق غالبية السوريين. وذهب النائب جو ويلسون إلى اعتبار أن القرار “يوجه رسالة إلى بشار الأسد وداعميه (مجرم الحرب بوتين، وعلي خامنئي آية الله المستبد في إيران)، مفادها أن تحويلك للمساعدات الإنسانية أثناء الزلزال أمر حقير”.
اللافت هو أن ويلسون ذكّر الجميع بأن “الكونغرس الأميركي يقف موحداً” ضد التطبيع مع نظام الأسد، وتوعد المطبعين مع النظام. كما أن المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية بيتر ستانو، أكد أيضاً أن موقف الاتحاد من النظام “لا يزال كما هو”، وألا شرعية له، ولا تطبيع معه. وإذا تذكرنا “قانون قيصر” الذي يتوعد بفرض عقوبات على الكيانات والأفراد، فإن كل ذلك يشكل عائقاً أمام تسريع خطوات التطبيع العربي معه، وتحسب له الأنظمة العربية ألف حساب.
الملاحظ هو أن التدافع العربي نحو احتضان نظام الأسد قفز على حقيقة أن نظام الأسد حوّل مناطق سيطرته إلى مقر لصناعة المخدرات وتهريبها إلى البلدان العربية والعالم، وإلى قاعدة لروسيا وإيران وحلفائها. كما أنه لم يشترط على النظام تنفيذ المطالب الأممية، كوقف القتل، وإطلاق سراح المعتقلين، وكف يد الأجهزة الأمنية، وتأمين البيئة المناسبة لعودة طوعية وكريمة للاجئين، وسوى ذلك. أي أنه لم يقترن بالمطالبة بتغيير سلوك النظام حيال الشعب السوري، بل جاء وكأنه مكافأة له، بالرغم من أن تقارير أممية ودولية عديدة، إدانته بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، الأمر الذي يُسطّر سابقة إنسانية خطيرة، يجري فيها التحول من التهرّب من العقاب إلى مكافئة مجرمي الحرب ومرتكبي الجرائم، الأمر يسهم في إمعانهم، وتغوّلهم، في ارتكاب المزيد من الجرائم والفظائع.
تكتفي أنظمة التطبيع العربي بمحاولتها تسويق ذرائع لا تصمد أمام معرفتها طبيعة نظام الأسد وتركيبته، حيث يدعي بعض مسؤوليها أن الوقت قد حان لتكثيف التواصل معه، على خلفية الزعم ألا فائدة من عزله، وأن الحوار مطلوب معه. وفي هذا مراهنة واهية، كونها مبنية على أوهام مغلّفة بإمكانية إبعاده عن نظام الملالي الإيراني الاستبدادي، لأن هذا النظام حتى ولو فكّ ارتباطه مع نظام الملالي، إلا أن ذلك لا يعني أنه سيتحول إلى ملاك رحيم، أو إلى حمل وديع، لأن الأصل ليس في سلوكه وممارساته فقط، بل في طبيعته الإجرامية أيضاً، التي لن تتغير أبداً، حسبما بينته عقود عديدة ماضية. إضافة إلى أن الرد الإيراني على مثل هذه الأوهام والادعاءات جاء على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، الذي اعتبر التدافع العربي نحو احتضان الأسد “خطوة إيجابية”، الأمر الذي يعدّ تذكيراً لأنظمة التطبيع أن نظام الاستبداد الإيراني هو المتحدث باسم نظام الاستبداد الأسدي، وأن له الكلمة العليا في كل ما يخصه، خاصة بعد تراجع نفوذ النظام الروسي بالنظر إلى غرقه في وحل غزوه لأوكرانيا.
تلفزيون سوريا
——————————
لا لإعادة تأهيل المجرمين!
إن ما جرى خلال الأسابيع الأخيرة يشي بتحول في سياسة بعض الدول العربية، وبمقاربة جديدة لها في التعامل مع النظام السوري، لم تتضح تفاصيلها الا ما تسرب من خطوط عريضة، أهمها الحد من النفوذ الايراني وعودة اللاجئين والتعاون لإيقاف تهريب المخدرات والكبتاغون… الخ، والثمن تأهيل الأسد خطوة بخطوة وحوافز مادية مغرية تطال إعادة الإعمار!
هذه المقاربة كان مدخلها، كارثة الزلزال الإنسانية، عبر ما شهدناه من زيارات لتعزية رأس النظام المجرم، تصب كلها لصالح إعادة تأهيله عربيا، رغم جرائمه ضد الإنسانية وما ارتكبه من فظائع فاقت ما خلفه الزلزال بمئات الأضعاف.
إن الوجود الإيراني في الواقع ليس البعد الوحيد في القضية السورية، بل إن البعد الأساس فيها هو حلم الإنسان السوري بالحرية والكرامة والمساواة وبالخلاص من الطغيان ومن الخوف، وهذا ما دفعه الى الثورة قبل أن يصبح التدخل الإيراني والروسي عوامل أخرى تدخلت لكسر هذا الحلم.
إن نظام دمشق يعتمد بشكل أساسي في استمراره على تحالفه العتيق مع طهران الذي أضحت أدواتها متغلغلة في كل مفاصل الدولة في سوريا، ودولة داخل الدولة في لبنان، ما يعني أن الرهان على مواجهة النفوذ الإيراني عبر الانفتاح على هذا النظام هو رهان خاسر وجرب مراراً، بل لم تؤد المحاولات السابقة في نتائجها الا إلى تقوية وتصاعد هذا النفوذ وتمدد ميليشياته في المنطقة، لكن، إذا كان ثمة صفقة، ثمنها بقاء الأسد، فسوف تتم حتماً على حساب القضيتين السورية واللبنانية معا، صفقة سيكون المنتصر والرابح الاساسي فيها النظام الإيراني المتهالك، والخاسر فيها نحن والمحور العربي العاجز عن استعمال نفوذه لحل حقيقي.
إن اختزال القضية السورية “بالحد” من النفوذ الإيراني أو بمشكلة الكبتاغون وغيرها، وإهمال قضية التغيير الديمقراطي والبعد الجرمي الإنساني والدولي لما حدث للسوريين، والمراهنة على تغيير سلوك الأسد وعلى قدرته الانفكاك عن إيران عبر المبادرة الى تقديم بعض الخطوات لتشجيعه، كإعادته إلى الحضن العربي، هو وأد لحلم التغيير وتفريط بالتضحيات العظيمة للسوريين، وتأهيل لمجرم العصر، ولا تفسير آخر لذلك.
إن الخوف من حالة الاستنقاع والاستعصاء الذي أريد لسوريا أن تبقى أسيرتها منذ انطلاق الثورة، والتي تزيد من المخاطر إن على صعيد وحدتها الجغرافية أو تركيبتها السكانية، كما الخوف مما يصدره النظام السوري من أذية واشكالات الى جواره وإلى العالم، هي مخاوف حقيقية.
لكن هذا الاستنقاع لا يمكن تحريك مياهه الراكدة عبر تقديم مبادرات حسن النوايا للنظام، وعبر تأهيله، بل عبر استراتيجية واضحة، تعتمد موقفاً عربياً جدياً، يضغط بإمكانياته المعروفة على كافة المستويات ويتعاون مع كل الأصدقاء والحلفاء لفرض حل سياسي شامل للقضية السورية. وفي الحقيقة لم يكن الوضع الاقليمي والدولي مناسبا كما الآن لمثل هذا التوجه، فبيت النظام الإيراني تتآكل أساساته وبوتن في وضع لا يحسد عليه وكذلك وضع النظام التركي.
حل سياسي شامل يعتمد الشرعية الدولية وقراراتها ذات الصلة بالقضية السورية، وآخرها القرار 2254 بتراتبيته والذي اعتمد بأساسياته على بيان جنيف 30 حزيران 2012 وقرار مجلس الأمن الدولي 2118. والتي أكدت جميعها على أن المدخل الوحيد لأي حل سياسي هو التفاوض على المرحلة الانتقالية بعد استيفاء البنود التي تم اعتبارها فوق تفاوضيه وفي مقدمتها الإفراج عن كافة المعتقلين، ووضع السجون ومراكز الاعتقال تحت الإشراف والمراقبة الأممية، بما يظهر جدية النظام في الوصول إلى حل سياسي حقيقي.
هذا هو الحد الأدنى الذي لا يستطيع السوريون النزول دونه بعد كل هذه التضحيات وما نزل بحقهم من جرائم. ما عدا ذلك فكل ما يجري هي مبادرات تطيل من عمر هذا النظام، وثمنها في كل لحظة تمر، عذابات وتضحيات قل مثيلها لشعب يتجرأ بشجاعة فائقة على الحلم بالحرية.
الموقعين: (109)
ابراهيم ملكي – سوريا، ابراهيم يوسف – سوريا، احمد بسامسي – سوريا، احمد حسو – سوريا،احمد خالد الظاظا – لبنان، احمد دركزنلي – سوريا، احمد شعبان – سوريا، احمد فتفت – لبنان، احمد فيصل خطاب – سوريا، اكرم البني – سوريا، امين بشير – لبنان، انطوان اندراوس – لبنان، انطوان قسيس – لبنان، انطونيا الدويهي – لبنان، انور البني – سوريا، ايصال صالح – لبنان، ايلي الحاج – لبنان، ايلي قصيفي – لبنان، ايمن جزيني – لبنان، ايمن عبد النور – سوريا، بسام الخوري – لبنان، بسام جوهر – سوريا، بسام يوسف – سوريا، بهجت سلامه – لبنان، جابر بكر – سوريا، جبر الشوفي – سوريا، جورج صبرا – سوريا، جوزف كرم – لبنان، حُسن عبود – لبنان، حازم نهار – سوريا، حامد الجاسم – سوريا، حسام اسود – سوريا، حسين الشيخ – سوريا، حسين السيد – سوريا، حسين عطايا – لبنان، خالد قنوت – سوريا، خالد نصولي – لبنان، خليل حسين – سوريا، دانيال زاخر – لبنان، راتب شعبو – سوريا، رالف جرمانوس – لبنان، رامي فنج – لبنان، ربى كبارة – لبنان، رودريك ديلور نوفل – لبنان، رولا دندشلي – لبنان، ريزان شيخموس – سوريا، زرادشت محمد – سوريا، زياد المنجد – سوريا، زينات كريدية – لبنان، سامر العاني – سوريا، سحر البني – سوريا، سعد كيوان – لبنان، سلاف الحاج – لبنان، سميح شقير – سوريا، سمير نشار – سوريا، سناء الجاك – لبنان، طلال الخواجه – لبنان، طوبيا عطالله – لبنان، طوني حبيب – اوكرانيا، عبد الحكيم قطيفان – سوريا، عبد الكريم بكار – سوريا، عصام دمشقي – سوريا، عطالله وهبي – لبنان، علي ابو دهن – لبنان، علي رحمون – سوريا، عمار خراط – سوريا، غزوان عدي – سوريا، فارس الحلو – سوريا، فارس سعيد – لبنان، فجر حسين ياسين – لبنان، فداء حوراني – سوريا، فضل السقال – سوريا، فيروز جودية – سويسرا، لونا شربل نعيم – لبنان، لينا تنّير – لبنان، ماجد كرم – لبنان، ماجدة الحاج – لبنان، ماريان عيسى الخوري – فرنسا، مازن عدي – سوريا، مأمون ملك – لبنان، مجيد عبود – سوريا،محمد برو – سوريا، محمد حاجي درويش – سوريا، محمد حمدان الصالح – سوريا، محمد سليمان الدحلا – سوريا، محمد طه – سوريا، محمود الغباش – سوريا، محمود سليمان – سوريا، مرسال يوسف – فرنسا، مصطفى خليفه – سوريا، معين طالب – لبنان، منى فياض – لبنان، مها عكاشه – سوريا، مياد صالح حيدر – لبنان، نبيل يزبك – لبنان، نعمة لبّس – فرنسا، نعمة محفوض – لبنان، نعمه الأتاسي – سوريا، نوال المعوشي – لبنان، نورما رزق – لبنان، نيللي قنديل – لبنان، هوشنك أوسي – سوريا، هيثم الجندي – سوريا، وائل سواح – سوريا، وسيم حسان – سوريا، يارا عرجا – لبنان، ياسين الحج صالح – سوريا، يسار باريش – سوريا، يوسف فخر الدين – سوريا،
—————————————
بيان ودعوة للتوقيع: لا لإعادة تأهيل المجرمين! الشفّاف اليوم
يدعو “الشفاف” قراءه، من سوريين ولبنانيين وعراقيين ويمنيين وإيرانيين بالأخص، للتوقيع على هذا البيان الصادر عن مجموعة من النُخب السورية المعارضة في أوروبا وأميركا: بشار الأسد، مثله مثل صدام حسين، ومثل أدولف هتلر وجوزيف ستالين، ارتكب “جرائم ضد الإنسانية” تستوجب محاكمته أمام محاكم سورية ودولية! حلفاء بشار الأسد هم شركاء في “جرائم ضد الإنسانية”، وينبغي أن يلتفوا معه في قفص الإتهام السوري والدولي!
الشفاف
إن ما جرى خلال الأسابيع الأخيرة يشي بتحول في سياسة بعض الدول العربية، وبمقاربة جديدة لها في التعامل مع النظام السوري، لم تتضح تفاصيلها الا ما تسرب من خطوط عريضة، أهمها الحد من النفوذ الايراني، وعودة اللاجئين، والتعاون لإيقاف تهريب المخدرات والكبتاغون… الخ. والثمن تأهيل الأسد خطوة بخطوة، وحوافز مادية مغرية تطال إعادة الإعمار!
هذه المقاربة كان مدخلها، كارثة الزلزال الإنسانية، عبر ما شهدناه من زيارات لتعزية رأس النظام المجرم، تصب كلها لصالح إعادة تأهيله عربيا، رغم جرائمه ضد الإنسانية وما ارتكبه من فظائع فاقت ما خلفه الزلزال بمئات الأضعاف.
إن الوجود الإيراني في الواقع ليس البعد الوحيد في القضية السورية، بل إن البعد الأساس فيها هو حلم الإنسان السوري بالحرية والكرامة والمساواة وبالخلاص من الطغيان ومن الخوف، وهذا ما دفعه الى الثورة قبل أن يصبح التدخل الإيراني والروسي عوامل أخرى تدخلت لكسر هذا الحلم.
إن نظام دمشق يعتمد بشكل أساسي في استمراره على تحالفه العتيق مع طهران الذي أضحت أدواتها متغلغلة في كل مفاصل الدولة في سوريا، ودولة داخل الدولة في لبنان، ما يعني أن الرهان على مواجهة النفوذ الإيراني عبر الانفتاح على هذا النظام هو رهان خاسر وجُرِّب مراراً، بل لم تؤد المحاولات السابقة في نتائجها الا إلى تقوية وتصاعد هذا النفوذ وتمدد ميليشياته في المنطقة. لكن، إذا كان ثمة صفقة، ثمنها بقاء الأسد، فسوف تتم حتماً على حساب القضيتين السورية واللبنانية معا، صفقة سيكون المنتصر والرابح الاساسي فيها النظام الإيراني المتهالك، والخاسر فيها نحن والمحور العربي العاجز عن استعمال نفوذه لحل حقيقي.
إن اختزال القضية السورية “بالحد” من النفوذ الإيراني أو بمشكلة الكبتاغون وغيرها، وإهمال قضية التغيير الديمقراطي والبعد الجرمي الإنساني والدولي لما حدث للسوريين، والمراهنة على تغيير سلوك الأسد وعلى قدرته الانفكاك عن إيران عبر المبادرة الى تقديم بعض الخطوات لتشجيعه، كإعادته إلى الحضن العربي، هو وأد لحلم التغيير وتفريط بالتضحيات العظيمة للسوريين، وتأهيل لمجرم العصر، ولا تفسير آخر لذلك.
إن الخوف من حالة الاستنقاع والاستعصاء الذي أريد لسوريا أن تبقى أسيرتها منذ انطلاق الثورة، والتي تزيد من المخاطر إن على صعيد وحدتها الجغرافية أو تركيبتها السكانية، كما الخوف مما يصدره النظام السوري من أذية واشكالات الى جواره وإلى العالم، هي مخاوف حقيقية.
لكن هذا الاستنقاع لا يمكن تحريك مياهه الراكدة عبر تقديم مبادرات حسن النوايا للنظام، وعبر تأهيله، بل عبر استراتيجية واضحة، تعتمد موقفاً عربياً جدياً، يضغط بإمكانياته المعروفة على كافة المستويات ويتعاون مع كل الأصدقاء والحلفاء لفرض حل سياسي شامل للقضية السورية.
وفي الحقيقة لم يكن الوضع الاقليمي والدولي مناسبا كما الآن لمثل هذا التوجه، فبيت النظام الإيراني تتآكل أساساته وبوتين في وضع لا يحسد عليه وكذلك وضع النظام التركي.
حل سياسي شامل يعتمد الشرعية الدولية وقراراتها ذات الصلة بالقضية السورية، وآخرها القرار 2245 بتراتبيته والذي اعتمد بأساسياته على بيان جنيف 30 حزيران 2012 وقرار مجلس الأمن الدولي 2118. والتي أكدت جميعها على أن المدخل الوحيد لأي حل سياسي هو التفاوض على المرحلة الانتقالية بعد استيفاء البنود التي تم اعتبارها فوق تفاوضيه وفي مقدمتها الإفراج عن كافة المعتقلين، ووضع السجون ومراكز الاعتقال تحت الإشراف والمراقبة الأممية، بما يظهر جدية النظام في الوصول إلى حل سياسي حقيقي.
هذا هو الحد الأدنى الذي لا يستطيع السوريون النزول دونه بعد كل هذه التضحيات وما نزل بحقهم من جرائم. ما عدا ذلك فكل ما يجري هي مبادرات تطيل من عمر هذا النظام، وثمنها في كل لحظة تمر، عذابات وتضحيات قل مثيلها لشعب يتجرأ بشجاعة فائقة على الحلم بالحرية.
الموقعين، السيدات والسادة مع حفظ الألقاب وبحسب الترتيب الأبجدي: (169)
ابراهيم الجبين – سوريا، ابراهيم ملكي – سوريا، ابراهيم هواش – فلسطين، ابراهيم يوسف – سوريا، احمد بسامسي – سوريا، احمد حسو – سوريا، احمد خالد الظاظا – لبنان، احمد دركزنلي – سوريا، أحمد رحال – سوريا، احمد شعبان – سوريا، احمد فاخورجي – سوريا، احمد فتفت – لبنان، احمد فيصل خطاب – سوريا، اكرم البني – سوريا، امجد آل فخري – سوريا، امين بشير – لبنان، انطوان اندراوس – لبنان، انطوان قسيس – لبنان، انطونيا الدويهي – لبنان، انور البني – سوريا، انور مالك – الجزائر، ايصال صالح – لبنان، ايلي الحاج – لبنان، ايلي قصيفي – لبنان، ايمن أبو هاشم – فلسطين، ايمن جزيني – لبنان، ايمن عبد النور – سوريا، بادية هاني فحص – لبنان، بسام الخوري – لبنان، بسام جوهر – سوريا، بسام يوسف – سوريا، بهجت سلامه – لبنان، بيليكان مراد – سوريا، بيرين بيرسايغلي موت – تركيا، جابر بكر – سوريا، جبر الشوفي – سوريا، جورج صبرا – سوريا، جوزف كرم – لبنان، حسن النيفي – سوريا، حُسن عبود – لبنان، حازم نهار – سوريا، حامد الجاسم – سوريا، حسام اسود – سوريا، حسين الشيخ – سوريا، حسين السيد – سوريا، حسين خيشموس – النمسا، حسين درويش – الاردن، حسين عطايا – لبنان، حنين صبرا – سوريا، خالد قنوت – سوريا، خالد نصولي – لبنان، خلود الخالدي – فلسطين، خليل حسين – سوريا، خليل طوبيا – لبنان، دانيال زاخر – لبنان، راتب شعبو – سوريا، رالف جرمانوس – لبنان، رامز السيد – سوريا، رامي بدوي – سوريا، رامي فنج – لبنان، ربى كبارة – لبنان، رودريك ديلور نوفل – لبنان، رولا دندشلي – لبنان، ريزام شيخموس – سوريا، ريناس محمد – سويسرا، زرادشت محمد – سوريا، زكي دروبي – سوريا، زياد المنجد – سوريا، زينات كريدية – لبنان، سامر العاني – سوريا، سامر كعكرلي – سوريا، سحر البني – سوريا، سعد كيوان – لبنان، سلاف الحاج – لبنان، سميح شقير – سوريا، سمير مطر – سوريا، سمير نشار – سوريا، سناء الجاك – لبنان، سهير أتاسي – سوريا، سوريا شعبو – سوريا، شجاع الأحمد – سوريا، طلال الخواجه – لبنان، طوبيا عطالله – لبنان، طوني حبيب – اوكرانيا، عاطف العماوي – هولندا، عبد الحكيم قطيفان – سوريا، عبد الكريم بكار – سوريا، عبير الخالدي – فلسطين، عدنان مكية – سوريا، عصام دمشقي – سوريا، عطالله وهبي – لبنان، علي ابو دهن – لبنان، علي رحمون – سوريا، علي محمد شريف – سوريا، عماد برهو – سوريا، عمار خراط – سوريا، عمر حبال – سوريا، عمر كوش – سوريا، عنوان حاج موسى – سوريا، غاده جرجوره – سوريا، غزوان عدي – سوريا، فادي يازجي – سوريا، فارس الحلو – سوريا، فارس سعيد – لبنان، فايز ساره – سوريا، فايز قنطار – سوريا، فجر حسين ياسين – لبنان، فداء حوراني – سوريا، فضل السقال – سوريا، فوزي غزلان – سوريا، فيروز جودية – سويسرا، لوله آغا – سوريا، لؤي سكاف – سوريا، لونا شربل نعيم – لبنان، لينا تنّير – لبنان، ماجد كرم – لبنان، ماجدة الحاج – لبنان، ماريان عيسى الخوري – فرنسا، مازن عدي – سوريا، مأمون خليفة – سوريا، مأمون ملك – لبنان، مجيد عبود – سوريا، محمد برو – سوريا، محمد حاجي درويش – سوريا، محمد حمدان الصالح – سوريا، محمد سليمان الدحلا – سوريا، محمد طه – سوريا، محمود الغباش – سوريا، محمود سليمان – سوريا، مرسال يوسف – فرنسا، مصطفى الاذقاني – سوريا، مصطفى الولي – سوريا، مصطفى خليفه – سوريا، معروف ابوفخر – سوريا، معين طالب – لبنان، مفيد نجم – سوريا، ملك صهيوني – سوريا، ممتاز الشيخ – سوريا، ممتاز حيزه – سوريا، منى فياض – لبنان، مها عكاشه – سوريا، مياد صالح حيدر – لبنان، ميشيل سطوف – سوريا، نادر جبلي – سوريا، ناديا عيلبوني – فلسطين، نبيل يزبك – لبنان، ندى الخش – سوريا، نشوان أتاسي – سوريا، نعمة لبّس – فرنسا، نعمة محفوض – لبنان، نعمه الأتاسي – سوريا، نوال المعوشي – لبنان، نوار عطفة – سوريا، نور الدين اللباد – سوريا، نورما رزق – لبنان، نوري الجراح – سوريا، نيللي زهر – سوريا، نيللي قنديل – لبنان، همام حداد – سوريا، هوشنك أوسي – سوريا، هيثم الجندي – سوريا، وائل سواح – سوريا، وسيم حسان – سوريا، يارا عرجا – لبنان، ياسر الحسيني – سوريا، ياسين الحج صالح – سوريا، يحيى العريضي – سوريا، يسار باريش – سوريا، يوسف فخر الدين – سوريا.
للتوقيع اتبع الراط التالي
—————————-
هل ستحدث السعودية اختراقا في جدار الأزمة السورية الصلد؟/ المهندس محمد عيسى
في أعقاب زلزال مدمر وقع قبل ثلاثة أسابيع، لم تشهد سوريا ومنطقة الشرق الأوسط مثيلاً له منذ قرون عدة، وفي ظل تنامي المخاوف من تجدده في كل لحظة، يعيش السوريون تحت وطأة كابوس نمط جديد من أنماط الموت، كابوس الموت تحت ركام بيوتهم التي شيّدها نموذج الفساد في استثمارات البناء ومقاولاته، والذي تورَّطت فيه الكثير من جهات الدولة والبلديات ونقابات المهندسين، في إتيانه على هذا الشكل، مخالفاً لشروط الأمان والسلامة، ولم يوفّر لقاطنيه غير شروط المقبرة الجماعية، ولأسر بكاملها، وليشكل ذلك حملاً إضافياً فوق أحمال السوريين اللذين باتوا منهكين من الجوع والفقر والتشرد، وأصبحوا ينأون عن حمل حتى ثيابهم في هذا المناخ الذي أوشك فيه المجتمع والدولة أن يصبحا مترنّحين.
وعلى ضوئه صار السوري يموت مرتين؛ وصار في موت دائم جرّاء خوفه من الموت. ومع كل صباح يَهيمُ على وجهه خوفاً من مجهول قادم، أو راكضاً نحو أقرب حديقة أو ساحة ليقضي بها ليلته. ولأنه جائع بالمطلق ويعاني من كل مصائب الدنيا؛ صار يردّد جملة واحدة “لقد سرقوا المعونات التي تدفقت من المجتمع الدولي ليبيعوها بالسوق السوداء”، كما صارت الغالبية شغوفة بعلوم الجيولوجيا والبراكين أو خبير زلازل.
ولأن الزلزال السياسي الذي قلب حياة السوريين رأساً على عقب مازال مستمراً منذ أكثر من عقد من الزمن، وحالة الإحباط واليأس هي المسيطرة على المزاج السوري العام، بعد فشل جميع المبادرات والمحاولات الدولية والعربية في إيجاد مخرج من الوضع المتدهور، والذي أصبح يتدهور بشكل يومي، ونظراً لأن المسألة السورية قد صارت نقطة تشابك دولي، وغدت الساحة السورية امتداداً لصراع الدول الكبرى؛ فقد أصبحت في جزء كبير منها مستنقعاً للقوى المتدخلة فيها، وميداناً او مَكسَرَ عصا للمتخاصمين حول مصيرها.
إلى ذلك تتسارع مبادرات الأطراف الدولية والإقليمية المعنية بالأزمة، وتتنافس على توظيفها لخدمة مصالحها ولتخفيف ارتداداتها المحتملة على مشاريعها وحروبها المندلعة في غير مكان من هذا العالم، أو التي يمكن أن تندلع بأية لحظة.
ولأن كانت مسألة إعادة إنتاج النظام في دمشق من عدمه هي العلامة الفارقة على الدوام وعنصر الاختلاف الرئيسي بين تلك المبادرات؛ فإن المبادرة السعودية التي أطلقها وزير خارجية المملكة “فيصل بن فرحان” في مؤتمره الصحفي مع الصحافة السعودية ببنودها العشر، تحاول أن تجسر الهُوَّة الشكلية بين المقاربتين، لتصل إلى الجديد والأهم في حل المعضلة السورية.
ويجب ألا يغيب عن البال أن هذه المبادرة قد جاءت اليوم على خلفية تطورات عديدة في الحراك السياسي حول سوريا، يمكن التماسه عبر مَجرَيَيْن، الأول المبادرة الروسية الإيرانية الساعية لإجراء تطبيع قسري للعلاقات بين الدولة السورية ونظام أردوغان، والذي هو أقرب إلى أن يكون طبخة سياسية يسعى الروس من خلالها إلى تحسين فرص أردوغان في الانتخابات القادمة على حساب المصالح الوطنية السورية. هذه الطبخة التي قد تكون بَعُدَت فرصها بالنجاح بعد الزلزال الأخير، والذي غيّر في ترتيب الأولويات، أو على الأقل أضعف النار تحتها.
والثاني، حديث الرئيس الأسد في كلمته المتلفزة الأخيرة، والذي عكس فيه تطوراً في غاية الأهمية، حين قال بأن “الوضع السوري بات من ضروراته تحقيق توافق وطني، ويجب التوصل إليه عبر حوار وطني شامل”، والذي بدوره لم يكن ليبديَ حماساً زائداً أو سرعة كافية للسير في ركاب المجرى الأول.
وبالعودة إلى مضامين المبادرة السعودية، والتي ستتضمن في ترجمتها الأولية على الأرض زيارة مرتقبة قد أُعلن عنها لوزير الخارجية السعودي إلى دمشق. ومما قد يكون له صلة بموضوع الزيارة والمبادرة، هو أن التوقيت الذي جاءت فيه بعيد زيارة الرئيس الأسد لسلطنة عمان، يشير إلى تلازم بين الخطوتين، ويعطي الخطوة السعودية الأهمية التي تستحقها. وإذا أضفنا إلى عناصر اللوحة زيارة وزير خارجية الإمارات إلى دمشق مؤخّراً، وزيارة الأسد المرتقبة إلى دولة الإمارات، ثم زيارة وزير الخارجية المصري إلى سوريا ولقائه بالرئيس الأسد، كل ذلك لا يمكن فهمه إلا في إطار إنضاج صيغة لحل محتمل في الأزمة السورية يجري إعداده، بالتشاور مع الدول العربية صاحبة الدور المهم في السياسة الإقليمية، والتي تتمتع بحظوة أيضاً لدى الدول الغربية، أو صاحبة كلمة يمكن تكون مسموعة في دوائر صنع القرار الأمريكيّ، وكذلك بعلاقات ودية مع إسرائيل.
وبالاستناد إلى الوقائع الآنفة الذكر يمكن الجزم بأن المبادرة السعودية تخرج إلى النور كولادة طبيعية وسلسة، وفي مناخ الوضع الإنساني الذي نشأ بفعل الزلزال، وكتتويج لما سبق الحديث عنه تحت اسم المبادرة العربية والتي لكل من مصر والأردن دور أساسي فيها.
وفي شأن متصل؛ فإن المبادرة في بنودها العشرة لا تخرج في جوهرها عن كونها تدابير تدور حول ترتيبات واقعية وضمانات جدية لتنفيذ القرار الدولي 2254، على أن يشرع رأس النظام نفسه بوضعها موضع التنفيذ. واللافت فيها نقطتين؛ الطلب بوضع حد للاستفزاز الإيراني في مناطق الجنوب السوري، عبر منع انتشاره في هذه المناطق، وبالتالي طمأنة الأردن، ثم القبول بانتشار قوات عربية على الأراضي السورية وعلى النقاط الحدودية منها، فيما يمكن أن يُفهم منه قطع الطريق على تدفق التهديدات للأراضي السورية من قبل الأتراك والإيرانيين.
وبالمجمل يمكن القول إن المبادرة السعودية تحمل جملة من العناصر الجديدة، ما يجعلها أوفر حظاً في تحقيق الاختراق المطلوب وتكسب مسألة الحل ديناميكية خاصة، يمكن إجمالها في الملاحظات التالية:
أولاً – تتميز المبادرة بمرونة خاصة وتركز على الهدف، وهو حصول التغيير، باعتباره حاجة ملحة للشعب السوري، بصرف النظر عن الطريق الذي يجب اتباعه لبلوغ ذلك التغيير.
ثانياً – توفير بيئة واقعية ومقنعة لوقف الاستفراد الإيراني والروسي، ثم مواجهة التهديد التركي. هذا الاستفراد الذي يبرر نفسه بأنه حضور شرعي جاء بناء على دعوة رسمية من حكومة معترَف بها دولياً وذات تمثيل في هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وذلك عبر القبول بدعوة قوات عربية للانتشار على الأراضي والحدود الدولية السورية، هذه القوات التي سيكون وجودها شرعياً أيضاً، وسيتمتع وجودها بشرعية شعبية إضافية، إذا أخذنا بعين الاعتبار تزايد النفور الشعبي من التواجد الإيراني والروسي، وفشل هذا التواجد في ملاقاة أي من مطالب الشعب واهتماماته.
ثالثاً – تجاوز الإشكالية القائمة حول ثنائية “التغيير” أو “إعادة تعويم النظام”، والتي جعلت قضية الحل تستلزم جراحة قاسية لم يبدِ الشعب السوري استعداداً كافياً لتحمل تبعاتها، ليصبح الحل وفق المبادرة بمثابة استحقاق تاريخي ووطني شامل يمكن لجميع مكونات الشعب السوري أن تلعب دوراً في إنجازه، وبذلك توفر المبادرة فرصة لشرائح واسعة ضمن تركيبة النظام في المساهمة في عملية التغيير المنشود، أي أن يتحقق بالنتيجة انتصار الوطن، وبالتالي انتصار الجميع.
رابعاً – الحل وفق ما توحي به المبادرة، والتي تنطلق في جانبها المركزي على تطبيق القرار الأممي 2254، لا يعني بأي حال من الأحوال إعادة إنتاج النظام، وثمة مسافة كبيرة بين أن يكون لرأس النظام دور فاعل في تغيير النظام، وبين فكرة إعادة إنتاج النظام الاستبدادي والشمولي المترنح بالمعنى السياسي والأخلاقي، إذ لا يوجد في البلاد، بما فيهم الرئيس الأسد، نفسه يقبل أو يراهن على إعادة إنتاج النظام الذي فشل في تحقيق أي من المهام الوطنية التي تهم الشعب والوطن، وما كلام الرئيس عن الحاجة إلى تحقيق توافق وطني عبر حوار شامل؛ إلا تأكيد إلى أن المبادرة تقدّم طريقاً مستجداً للحلِّ ولا تعني التعويم، وحين تقول السيدة “إلهام أحمد” إن التعويم لن يؤدي إلى تحقيق حل سياسي للأزمة، فهي لا تقول إلا كلاماً بديهياً يتفق عليه كل عقلاء الشعب السوري؛ بمن فيهم الرئيس نفسه.
———————
– المجهركوم
العرب وسوريا… هل الزلزال السياسي ممكن؟/ سميح صعب
الحراك العربي الذي تعدى النواحي الإنسانية إلى النواحي السياسية، لا بد أن يخلق ديناميكية تفتح ثغرة في جدار الأزمة المستمرة منذ 11 عاماً. والجمود السياسي الذي كان سائداً قبل الزلزال المدمر في 6 شباط (فبراير) الماضي، ما كان يصب لا في مصلحة سوريا ولا في مصلحة الدول العربية.
وكان يتعين على العرب أن يسبقوا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانفتاح على سوريا، على رغم الممانعة الأميركية الحادة لأي تغيير في الوضع القائم، وإبقاء أدوات الحصار مفروضة على دمشق، والمناداة من بعيد بتطبيق القرار 2254 شرطاً مسبقاً لأي تفكير في تغيير السياسة الأميركية.
سياسة لم يكن من شأنها سوى تأبيد الأمر الواقع. ملايين اللاجئين سيبقون في تركيا ولبنان والأردن، وتقسيم لسوريا بحكم الأمر الواقع بين مناطق تسيطر عليها الحكومة وتلك الخاضعة للإدارة الذاتية الكردية و”إمارة” لـ”هيئة تحرير الشام” وتنظيمات جهادية أخرى في الشمال السوري، مع بعض المناطق التي تسيطر عليها فصائل تعمل بالإشراف المباشر للقوات التركية.
زد على ذلك، العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على دمشق، والتي فاقمت من الصعوبات التي يواجهها السوريون العاديون، ولم تحدث تأثيراً على النظام. وإذا كان مفهوماً أن واشنطن ليست في عجلة من أمرها لإحداث تبديل على سياستها في سوريا، وباتت تعتبرها ساحة لممارسة الضغط على إيران وروسيا، فإن الدول العربية ليس من مصلحتها على المدى البعيد الانتظار أكثر قبل أن تقدم على انتهاج مقاربة جديدة حيال الأزمة السورية. والكلام الذي قاله وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان يصب في هذا الاتجاه. وزيارة وزيرا الخارجية المصري سامح شكري ومن قبله وزيرا الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد والأردني أيمن الصفدي تصب أيضاً في تحريك المياه الراكدة منذ 11 عاماً.
وإذا كان العرب يشكون من أن النفوذ الإيراني هو السبب في إعراض العرب عن دمشق، فلماذا ينفتح العرب على العراق والنفوذ الإيراني فيه يفوق ما هو موجود في سوريا؟ واستطاع العرب بانفتاحهم على العراق، أن يحيوا دور العراق الضائع منذ أكثر من أربعين عاماً وأن يحولوه إلى منصة للتواصل والحوار الإقليمي. وهذا دور بالغ الأهمية يعود بالنفع على العالم العربي أولاً.
إن عودة سوريا والعراق إلى ممارسة دورهما في العالم العربي، لا بد أن يساهم في تغيير جيوسياسي كبير في المنطقة. إن العودة العربية إلى العراق وسوريا تصحح كثيراً من الخلل الإقليمي الذي ساد في العقود الأخيرة. العراق ضاع بحروب عبثية توجتها أميركا باحتلاله عام 2003، بمزاعم كاذبة، بينما دمر ما سمي بـ”الربيع العربي” سوريا باسم التغيير والحرية، فإذا به يغرقها في حرب أهلية لا تزال تعاني من آثارها حتى اليوم.
الانفتاح العربي على سوريا، وحده الكفيل بإحداث التوازن مع إيران وليس الانسحاب أو التزام العقوبات الأميركية. كل الدول المجاورة لسوريا تأثرت بالحريق السوري. لم يحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تحولاً في سياسته إلا عندما أدرك أن الاقتصاد التركي لن يستعيد عافيته إذا بقي في حالة حرب مع سوريا. ولبنان انهار اقتصادياً وسياسياً بسبب دمار سوريا. وحال الأردن من الناحية الاقتصادية ليس بأفضل. والعراق أيضاً عانى من الفوضى التي عمت سوريا بعد عام 2011. وأكبر مثال على ذلك أن تنظيم “داعش” الذي احتل ثلث الأراضي العراقية، والمقاتلين الأجانب كانوا يعبرون من تركيا إلى سوريا ومنها إلى العراق.
الدول العربية اليوم أمام فرصة. وسوريا أيضاً أمام فرصة. ولا يتعين الانتظار أكثر لتحقيق اختراق سياسي يعيد التوازنات الإقليمية إلى نصابها الصحيح.
النهار العربي
———————–
جهود تعويم بشار الأسد عشية الذكرى الـ 12 للثورة السورية/ عبد الباسط سيدا
أيام قليلة تفصلنا عن الذكرى السنوية الثانية عشرة للثورة السورية (15-18آذار/مارس 2011)، وهي ثورة مستمرة رغم المعاناة والصعوبات بأشكال متجددة، تؤكد استحالة قبول غالبية السوريين بإعادة تعويم السلطة المسؤولة بصورة مباشرة عن قتل نحو مليون سوري، وتغييب واعتقال عشرات الآلاف، وتهجير الملايين وتدمير البلد، وانعكاسات كل ذلك على المجتمع والوطن التي تتمثل في المآسي الإنسانية، والانهيارات الاقتصادية، ومناطق النفوذ وسلطات الأمر الواقع المفروضة على السوريين بقوة الجيوش والميليشيات الأجنبية. وهذه السلطة تعد في الواقع العملي امتداداً للسلطة الأسدية التي أقامها حافظ الأسد عام 1970، وذلك بعد أن تمكن من إزاحة جميع منافسيه عبر الاعتقال أو النفي القسري أو حتى القتل والاغتيال.
فعلى مدى ثلاثة عقود قضاها الأخير في الحكم بصلاحيات مطلقة، تحكّم بكل صغيرة وكبيرة تخص المجتمع والدولة، رسّخ مفهوم «الحاكم المتأله» الزائف بمختلف الوسائل، وذلك عن طريق حزب البعث باعتباره كان أمينه العام، ومن خلال الأجهزة الأمنية التي كانت خيوطها جميعاً تلتقي عنده، وبفعل وسائل الإعلام الخاضعة لسياسات وهيمنة أجهزته، هذا إلى جانب دور الواجهات الرسمية لكل الأديان والمذاهب التي كانت تسبّح بمزاياه وخصاله «الاستثنائية»، والزعامات الانتهازية التي أوجدها في الوسط العشائري. وهكذا انتشرت تماثيله في المدن والبلدات السورية التي كانت تسوّقه بوصفه: العامل الأول، والفلاح الأول، والمعلم الأول، وبطل الصمود والتحرير والبناء…ألخ. كما تغنّى بمآثره شعراء البلاط الجمهوري والفنانون المنتفعون.
واستطاع حافظ الأسد، بعد أن رتّب أوراقه الإقليمية والدولية، تدجين معظم الأحزاب والجماعات السياسية القومية والاشتراكية المعارضة بمختلف الأساليب، كما تمكّن من استمالة الكثير من رجال الدين، وشيوخ الطرق الصوفية والتجار؛ أمّا القوى التي تمردت على ذلك فقد كان نصيبها القمع المتوحش لإرهاب الناس، وإلزامهم بالخنوع أو الصمت. ولم يكتف بسوريا وحدها، بل فعل الأمر نفسه في لبنان، ومزّق الصف الفلسطيني، وحاول الهيمنة على الحركة الوطنية العراقية، واستخدم حزب العمال الكردستاني ليكون أداته في الساحة الكردية ومشاريعه الإقليمية.
وفي الوقت ذاته، استطاع حافظ الأسد تطويرعلاقاته العربية خاصة مع دول الخليج ومصر، واستفاد من إقدام غريمه صدام حسين على احتلال الكويت فأرسل قواته لتشارك في حرب تحرير الكويت بقيادة أمريكية عام 1991، وتخلص في الوقت نفسه من ميشيل عون في لبنان.
وكان شغله الشاغل هو تأبيد حكمه واسمه عبر توريث الجمهورية؛ ولبلوغ ذلك ركّز جهوده، بعد غياب الوارث المفضل لديه في حادثة المطار، على إعداد البديل. وتوافقت إرادات من أغدق عليهم حافظ الأسد المناصب والامتيازات على الرضوخ لمشيئته.
وجاءت الثورة السورية لتزلزل أركان السلطة الأسدية المستبدة الفاسدة. ومع اتساع نطاق المظاهرات والاعتصامات في مختلف أنحاء الجغرافية السورية، لجأت السلطة المعنية بالتنسيق مع الحليف الإيراني إلى اللعبة القديمة -الجديدة، لعبة العزف على الوتر الطائفي لإرباك الداخل السوري، والتلويح بفزاعة خطر الإرهاب على المستوى الدولي لوضع العالم أمام بديلين فاسدين، ليختار الأقل سوءا بالنسبة إليه.
وجاء الروس ليروّجوا للكذبه نفسها. ومع أن القوى الدولية الغربية المؤثرة، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا كانت مطلعة على ما يجري، ولديها صورة كافية حول طبيعة ما كانت السلطة تخطط له بالتنسيق مع الإيرانيين، إلا أنها التزمت الموقف الأمريكي في عهد أوباما الذي وجد في صفقة الكيميائي مع الروس فرصة للتنصل من تبعات الخط الأحمر الذي كان قد حدّده بنفسه لنفسه.
ومع اندلاع الصراع المؤجل بين الروس والأوكرانيين، وانشغال العالم بالخطر الروسي على أوروبا والغرب عموما، باتت القضية السورية من القضايا المنسية، الأمر الذي اعتبرته بعض الأنظمة العربية، التي كانت وما زالت على تواصل مع سلطة بشار الأسد، فرصة لتمرير موضوع تعويم السلطة، وهو ما حاول الروس مرارا بلوغه، خاصة من بوابة موضوع عودة اللاجئين وإعادة الإعمار، بمختلف أنواع التحايل إلا أنهم فشلوا فيه.
كما كانت هناك رغبة من قبل بعض الدول العربية في توجيه الدعوة إلى بشار الأسد لحضور القمة العربية التي استضافتها الجزائر في تشرين الثاني/نوفمبر 2022، ولكن تلك الرغبة اصطدمت بمواقف دول عربية أخرى ومع الموقف الأمريكي المعلن بخصوص التعويم.
وجاء زلزال 6 شباط/ فبراير 2023 ليكون فرصة بالنسبة لعدد من الدول العربية التي أعلنت انفتاحها على سلطة بشار تحت شعارات إنسانية مفادها ضرورة الوقوف إلى جانب السوريين في محنتهم، هذا رغم أن السلطة المعنية وراعيها الروسي في مجلس الأمن هما من عرقل، ويعرقل وصول المساعدات إلى السوريين من خلال تعطيل آلية تقديم المساعدات لهم عبر مختلف المعابر، وذلك في إطار الضغط من أجل الربط بين تلك الموافقة وموضوع التعافي المبكر، أي تقديم مساعدات بطريق ملتوية إلى السلطة، وليس إلى الشعب الذي يعاني الأمرّين من الظروف المعيشية القاسية، في مختلف المناطق السورية؛ لا سيما تلك الخاضعة لسيطرة السلطة الأسدية التي تنصّلت من مسؤولياتها تجاه الناس، ولا همّ لها سوى تسويق نفسها من دون أن تبدي أي استعداد جدي لتحمل المسؤولية، والدخول في حوارات وطنية حقيقية مع مختلف الأطراف السياسية والنخب السورية الحريصة على شعبها ووطنها بغية الوصول إلى حلول واقعية جامعة من شأنها التمهيد لحل شامل يضع حداً لمعاناة السوريين جميعاً وفي سائر المناطق ومن دون أي استثناء. فمن دون حل وطني شامل يقوم على أساس معالجة الأسباب، لن تستعيد سوريا وحدتها، ولن يسترد النسيج المجتمع الوطني عافيته، ولن تخرج الجيوش والميليشيات الأجنبية من البلد، ولن يكون هناك أي مجال للحديث عن السياسة أو القرار الوطني المستقل.
لقد وصلت وفود عربية إلى دمشق، وكانت هناك اتصالات عربية مع بشار الأسد، وكل ذلك كان بذريعة التركيز على الموضوع الإنساني، هذا في حين أنه كان من المفروض أن تركز تلك الجهات جهودها على الشمال الغربي السوري الذي تعرض أكثر من بقية المناطق للدمار الذي تسبب في وقوع العدد الأكبر من الضحايا. والأمر الذي يتجاهله أنصار تعويم بشار الأسد هو موضوع العلاقة العضوية بين سلطته والنظام الإيراني، وانعكاسات تلك العلاقة على الأوضاع في لبنان والعراق.
كما أن الهيمنة الروسية على سلطة بشار الأسد أمر لا يمكن أن يتجاهله أي عاقل، فهذه الأخيرة تلتزم بكل قرارات بوتين في الملف الأوكراني، بما في ذلك الاعتراف بسيادة روسيا على المناطق الشرقية من أوكرانيا وشبه جزيرة القرم، وتأييد الغزو الروسي لأوكرانيا.
بقي أن نقول: إن شعار ضرورة إعادة سوريا إلى الحضن العربي الذي يروج اليوم من دون السعي إلى معالجة الأسباب التي أدت إلى المأساة السورية، وهي أسباب ما زالت قائمة، بل أصبحت أكثر فاعلية بعد التدخلين الإيراني والروسي، هو شعار مضلل يتماهى مع ما نواجهه اليوم من تسويغ للانفتاح على بشار الأسد بحجة التضامن الإنساني مع السوريين في حين يُترك السوريون المحتاجون لمصيرهم، فقد حصد الزلزال الآلاف منهم في الشمال الغربي، وها هي الكوليرا تفتك بهم، وهم بصورة عامة يعيشون ظروفا معيشية بالغة القسوة، ومن المرجح أن تصبح أقسى نتيجة الجفاف والفساد وانسداد الآفاق.
إذا كانت الدولة العربية جادة في مساعدة الشعب السوري، فعليها أن تشترط على سلطة بشار الأسد قبول إجراءات توحّد السوريين، وتفتح المجال أمامهم للنهوض بمجتمعهم وبلدهم. وفي حال تعذر ذلك، فينبغي أن تجري هذه الدول الاتصالات الجادة مع الأطراف الدولية والإقليمية المؤثرة في الملف السوري، لا سيما مع الجانب الأمريكي باعتبار أن الكلمة الفصل في الشأن السوري ستكون له دون غيره، وذلك بهدف الوصول إلى توافقات تمهّد لخروج القوى الأجنبية جيوشاً وميليشيات من سوريا، وإلزام السلطة بالقبول بانتقال سياسي حقيقي استنادا إلى بيان جنيف 1 لعام 2012 والقرار الأممي 2254 لعام 2015. فسلطة بشار الأسد بما اقترفته بحق السوريين، لن تتمكن من توحيد السوريين ووطنهم. وهذا معناه أن الانفتاح العربي الحالي، وربما المستقبلي، على هذه السلطة سيكون في خدمة المشروع الإيراني في نهاية المطاف. بل سيكون بمثابة إقرار صريح من الدول المعنية بشرعنة التغلغل الإيراني في المجتمع والدولة السوريين، مقابل توقع الحصول على نقاط أخرى في ملفات أخرى، وكل ذلك مؤداه استمرارية المعاناة السورية، إن لم نقل اشتدادها، الأمر الذي سيؤدي من جهته إلى تغييرات ديموغرافية تُضاف إلى تلك التي حصلت في الكثير من المناطق السورية، ما يهدد بالمزيد من الانهيارات في سائر الميادين وعلى جميع المستويات.
*كاتب وأكاديمي سوري
القدس العربي
————————-
عن سذاجة البعض وتبويس شوارب الأسد/ علي سفر
ضمن المدى المنظور، سيستمر تدفق المساعدات العربية والدولية إلى مطارات المناطق التي يسيطر عليها النظام، كعلامة على سلوك عربي جديد تجاهه. السبب المعلن هو الكارثة الزلزالية، بينما يمكن اعتبار الأسباب الأخرى، هي ما يفرض الإيقاع العام لكل الأطراف في العلاقة معه، ولا سيما الزيارات المتكررة لمسؤولين عرب، كان آخرها وفد الاتحاد البرلماني العربي.
يعتقد محور عربي وازن، أن بإمكانه استعادة دمشق، من حالة وضع اليد الإيرانية! وأن فعل ذلك لا يحتاج سوى لجهود دبلوماسية ودودة، ومساعدات مادية يشعر النظام من خلالها، أن إخوته يقفون بجانبه، وأنه ليس بحاجة للغرباء!
غير أن ما يتم التطبيل له على أنه “انفتاح عربي” يعاني من عطب جوهري، تتراكب فيه عدة مسائل، لتشكل عقدة غير قابلة للحل.
من ناحية أولى، لا يمكن إقناع بشار الأسد، بوجوب استغلال الفرصة المتاحة حالياً، طالما أنه ما برح يدعي خروجه من “الحرب” منتصراً، رغم الوضعية المهترئة لمقومات سيطرته، وإدارته للدولة.
وفي السياق ذاته، يعتقد المندفعون صوب دمشق، أن مشكلتهم الوحيدة هي السيطرة الإيرانية، بحكم تعارض المصالح بينهم وبين طهران، وتخوفهم من السياسة العدوانية لنظام الملالي، غير أن هذا الاعتقاد، يبدو بحاجة لتحديث ضروري، إذ يُنحي هؤلاء الوجود الروسي هنا منذ العام 2015، عن دائرة الأخطار المهددة لمصالحهم، ويظنون أن انشغال موسكو بالحرب في أوكرانيا، وكذلك بذلها الجهود التي تشجعهم على انفتاحهم الراهن، سيجعلها موافقة على خطتهم، التي تهدف إلى دفع النظام صوب القبول بعملية سياسية، تنهي الأزمة!
لكن الحقيقة التي يعرفها السوريون قبل غيرهم، تقول بأن بوتين لم يأت إلى بلادهم، كي يجرب أسلحته الجديدة، ويدرب جنوده على الرماية فقط، بل حمل قواته إلى هذه البقعة من الأرض، كي يجعل منها منطلقاً لفرض معطيات مختلفة، في سياق علاقته المضطربة أصلاً مع الدول الغربية، والتي تخضع لصراع جيوسياسي عميق.
وبالتالي، فإن تبسيط الحالة بالشكل الذي يعتقده الداعون إلى استعادة سوريا عربياً، يحكم على كل خطواتهم بالسذاجة، إذ يغيب عنها التفكير بتاريخ تعاطي النظام نفسه مع كل المبادرات، التي مضت فيها الجامعة العربية منذ العام 2011، لإيجاد حل عربي للأزمة، حيث يتذكر الجميع، كيف قام بافراغ كل المساعي، التي بذلت من أجل منع تفاقم المشكلة، ليبقي على الحل الوحيد، الذي يريده، أي الحرب على الثائرين ضده.
هل يمتلك العرب أدوات جديدة، يستطيعون من خلالها تحسين سلوك النظام؟
فعلياً لا يوجد أي معطيات مختلفة عما سبق، سوى ما يعتقده البعض من أن رفضه مبادراتهم السابقة، كان يأتي من موقع قوته آنذاك، وأنه فقد كثيراً من ذلك، بعد كل هذا الوقت، وخاصة مع اشتداد إحكام العقوبات الدولية على عنقه، وأنه بات جاهزاً للمضي في الحل الذي ينقذ بلاده.
غير أن تصور هؤلاء لحالة بشار الأسد، على أنه مجرد طفل “أزعر”، نبذته عائلته، بسبب سوء تصرفاته، فذهب بدلاً عنها إلى رفاق السوء، وأنه سيعود حين سيفتحون له باب البيت، هو قمة الجهل بتكوين من يتعاطون معه.
إذ على هؤلاء، إذا كانوا لا يعرفون، أن يقوموا بفحص عقل “شقيقهم”، لتبين مدى قدرته على التفكير بالأخطار المحدقة ببلاده، منذ عام 2011 وحتى الآن. وبعد ذلك عليهم أن يحللوا دمه، كي يعلموا إلى أي مستوى، وصل به “إيدز” الصلف والادعاء، وهل سيعود مقراً بذنبه؟ ومعتذراً منهم عن جعل نفسه مطية للإيرانيين وللروس، وبما يعاكس مصالح البيت العربي الواحد؟ أم أنه سيعود إليهم، معتقداً بأنه زعيمهم الأقوى، الذي يجب أن يعتذروا منه، عن سوء تعاملهم معه سابقاً!
“من الحماقة أن تعتقد أنك ستحصل على نتائج مختلفة وأنت تكرر الشيء نفسه” هكذا قال ألبرت أينشتاين ذات يوم، لكن الإخوة العرب لم يسمعوا بهذا القول، ولهذا فإنهم يظنون، بأن وضعية النظام المنكوب بالكارثة، تكفي للمضي صوب غاياتهم، وهم ربما لا يعرفون بأن من أدمن قتل الناس، لن يهتم ببضعة آلاف ممن تسببت الكارثة الطبيعية بموتهم.
وهم بالإضافة إلى حماقتهم هذه، يظنون أنه بالإمكان إنجاز حل ما في البلاد، يقوم على قواعد يرفضها النظام أصلاً لأنها ستؤدي إلى نهايته، وإنه سيتملص منها عاجلاً أم آجلاً، طالما أنها لا تمتلك أدوات تجبره على القبول بها، من مثل قرار وفق الفصل السابع يأخذه مجلس الأمن، يلزمه بتنفيذ القرار الأممي 2254، المتعلق بوقف إطلاق النار، والتوصل إلى تسوية سياسية.
وقبل هذا وذاك، كيف يعتقد هؤلاء أن بإمكانهم تغيير سلوك الأسد، وهم يمضون من خلال مسار فوقي، لا يهبط صوب الآخرين، الذين يمتلك جزء كبير منهم سيطرات على الأرض، كما يشغل بعضهم مواقع فاعلة في سياق العملية السياسية المأمولة؟
وأيضاً، ألا يشعر عشاق “تبويس الشوارب” كأسلوب دبلوماسي لحل الأزمات، بأن عليهم الاقتراب ولو قليلاً، من الضحايا، أي السوريين الذين شردوا فنزحوا ولجؤوا، وأولئك الذين قُتل أحبتهم بسلاح الأسد وإيران وروسيا، واختفى أفراد من عائلاتهم في مجاهل عدوان النظام على شعبه، فصاروا إما مفقودين أو معتقلين مجهولي المصير، ليسمعوا منهم رأيهم وتصورهم عن حل مستدام ينهي شقاء، طال كثيراً!
—————————-
متى ينتهي احتفال النظام السوري بالكارثة؟!/ مصطفى إبراهيم المصطفى
رغم أنها تعبير صارخ عن الجدب الأخلاقي، إلا أنه تبين فيما بعد أن ابتسامات رأس النظام السوري من فوق ركام المباني التي دمرها الزلزال لم تكن سوى تعبير عفوي عن السعادة بفرصة النجاة التي ساقها إليه اعتباط الطبيعة كما يعتقد، أو كما يظن، فالكثير من الآراء والأفكار – أحيانا – تتنكر على أنها حقيقة. وفيما يبدو وكأنه اعتباط سياسي؛ تتحول دمشق إلى قبلة لأفواج من المطبعين، لتتحول الكارثة التي بطشت بالشعب السوري إلى ما يشبه العرس الوطني، في مشهد يوحي بأن أحلام النظام السوري وآماله باتت واقعا ملموسا.
كعادته؛ استقبل النظام السوري ذلك الحراك السياسي بأهازيج النصر معتبرا أن كل ما يعرض من مبادرات وتسويات ليس أكثر من تهافت لجماعات من المبايعين للقائد المنتصر، بل هو رضوخ واعتراف بالهزيمة. في المقابل، يفسر المطبّعون سلوكهم – المستهجن من قبل السوريين – تحت مسمى: “الغاية تبرر الوسيلة”؛ بمعنى إن هذا الفعل الخاطئ يهدف للوصول إلى نتائج جيدة للسوريين، منها: إخراج إيران من سوريا، والحفاظ على وحدة البلد، ووضع حد لمعاناة السوريين جميعهم: نازحين ومهجرين ومقيمين. فما قصة ما يجري؟
يقول “هنريش هوفمان”: “الحجر ثقيل، والرمل باهظ، وسفاهة السفيه أثقل منهما”. ومن هنا تبدأ القصة، فالنظام السوري بسفاهته وساديته المفرطتين أثخن الجسم السوري جراحا وجلس يتلذذ بصراخ الضحية وإنتان الجراح وتقيحها؛ مصدرا إلى الجوار وما بعد الجوار كل ما هو مزعج ومقلق ولسان حاله يقول: إما أن تفكوا عزلتي أو تنتظروا المزيد. وفي ظل اقتراب بعض الدول من تجاوز عتبة التحمل، وخاصة دول الجوار التي تستقبل أعدادا كبيرة من اللاجئين وكميات كبيرة من “الكبتاغون” بدأ الحراك باتجاه التطبيع مبكرا قبل الزلزال تقوده بعض الجهات الصديقة للنظام وبعض الجهات التي بدأت تستشعر الخطر، لكن الكارثة التي أحدثها الزلزال كانت مناسبة لكي تختلط أصوات المطبعين بأصوات المتعاطفين مع الشعب السوري واختلط الحابل بالنابل، وهي البيئة المناسبة ليستثمر النظام السوري مهاراته في التطبيل والتضليل.
لا شك أن النظام السوري – من خلال سلوكه غير المسؤول – استطاع أن يضيف إلى العدد المحدود من أصدقائه الأوفياء عددا آخر من الدول التي أصبحت في عداد الدول غير المعترضة على فكرة التطبيع، ويُعتقد أن هذه الدول فقدت صبرها على تحمل تبعات بقاء الملف السوري معلقا بقرار أميركي، فأميركا التي وصلت إلى مرحلة اليأس التام من فكرة إسقاط الأنظمة الاستبدادية بعد التجارب الفاشلة في كل من العراق وليبيا؛ لم تصل إلى استراتيجية واضحة للتعامل مع النظام السوري، رغم أنها أعلنت في غير مرة أنها تريد انتقالا للسلطة يحافظ على مؤسسات الدولة، وهي تتبع سياسات بهذا الصدد تتسم بطول النفس، وهو ما لم تعد الكثير من الدول تحتمله. من هنا، قد يكون للحراك التطبيعي الذي تقوده هذه الدول (الفاقدة للصبر) أحد أثرين: فإما أن تخلق بيئة ضاغطة على الولايات المتحدة من أجل القبول بتعويم النظام السوري، وإما أن تخلق بيئة ضاغطة للإسراع في حل القضية السورية وهو المرجح.
ما هو مرجح أيضا، أن أوهام بعض الأنظمة العربية الساعية إلى التطبيع سوف تتبخر في القريب العاجل، فبعض الأنظمة العربية التي تحاول إقناع البقية بأن إعادة تعويم النظام هو الحل الأمثل، تدعي بأن لديها المقدرة على انتزاع بعض التنازلات من النظام السوري؛ ستكتشف بعد وقت ليس بالطويل أن النظام السوري ليس لديه الاستعداد عن التنازل حتى عن فكرة تصوير ما يحصل على أنه نصر، وأن لديه مجالاً واحداً لتوقيع الاتفاقيات مع خصومه هو اتفاقيات الإذعان. والأهم أن هؤلاء سوف يصبحون على يقين بأن منظومة البنية والسلوك لدى النظام السوري هي استراتيجية تتسم بالاتساق، وأنها لديه بمنزلة إكسير الحياة.
الطرح الآخر الذي يروجه دعاة التطبيع، هو إخراج إيران من سوريا أو تحجيم نفوذها، وهو طرح يبدو مثيرا للضحك، فالسوريون يعتقدون أن من لا يعلم أن النظام السوري لا يمتلك المقدرة على إخراج إيران من سوريا، هو إما شخص ساذج، أو أنه شخص مصاب بالاضطراب الوهامي، ففي معادلة القوى على أرض الواقع أو معادلة من يستطيع إخراج من؛ تعد إيران الدولة الوحيدة القادرة على إخراج النظام السوري من سوريا، بينما يفتقد النظام السوري – في المدى المنظور – أية مقدرة على اتخاذ قرار بإخراج إيران أو تحجيم نفوذها.
بمنظور آخر، يعلم المطبعون أن النظام السوري لن يقدم أي تنازل، وهم يحاولون ارتداء ثوب الفضيلة لتبرير فعل مشين، وهم يتقربون من النظام إتقاءً لشره. وبالتالي، فالنظام السوري يتقدم في مجال فك عزلته خطوة خطوة، وليس خطوة بخطوة، وهو يقترب رويدا رويدا من إجبار العالم على الرضوخ لمشيئته، فيوم بعد يوم يزداد عدد المؤمنين بأن اجتراح الحلول للمعضلة السورية لا بد أن يمر عبر بوابة النظام. ولكن، رغم ذلك؛ يبقى السؤال الأهم: ما الذي يستطيع النظام السوري أن يقدمه وهو الذي يحتاج لعشرات العكازات الاقتصادية والقانونية والسلطوية لكي يتمكن من الوقوف؟! فهو لن يستطيع تلبية الحد الأدنى من طموح بعض المطبعين بإتقاء الشر القادم من المناطق التي يقال إنها تحت سيطرته.
مهما كانت تفضيلاتها ونوازعها؛ ستنقلب أغلب الحكومات الداعية إلى التطبيع مع النظام السوري إلى حكومات تمارس وابلا من الضغوط على الإدارة الأميركية للإسراع بإغلاق الملف السوري، لأنها لم تعد تحتمل حماقاته من ناحية، ولأنها أصبحت على يقين بأن النظام السوري لا دواء له سوى الاجتثاث من ناحية أخرى. لذلك، أغلب الظن أن موعد انقلاب أفراح الزلزال إلى أتراح بات قريبا جدا.
————————-
تعقيدات المشهد الدولي.. قدرة نظام أسد على توظيفها لاستمرار نظامه/ د. هشام نشواتي
وضع نظام أسد في ظل تعقيدات وتشابكات ملفات أخرى لا يمكن القفز من فوقه، فهذه التعقيدات والتشابكات لعبت دوراً في جعل ملف الصراع السوري أقل أهميةً، وذلك لخطورتها على الأمن والسلم الدوليين.
وكي نتلمس حضور الخارج في الملف السوري، وتعقيدات ظروف هذا الخارج، وأثر ذلك على الوضع السوري، ينبغي أن نتلمس حضور القوتين الخارجيتين (إيران وروسيا) لصالح نظام أسد، ووضع هاتين القوتين في المرحلة الحالية، وهي مرحلة اشتداد الصراع بين كل واحدة منهما والمجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
لقد اعترف قاسم سليماني قبل مقتله بغارة في مطار بغداد، أن نظام أسد كان سيسقط تحت ضربات قوى الثورة السورية، لولا تدخل إيران عبر أذرعها المختلفة مثل تدخل ميليشيات حزب الله اللبناني، والميليشيات الشيعية الأفغانية وغير الأفغانية، ولكن سليماني لم يقل إنه ذهب إلى بوتين راجياً منه حماية نظام أسد من السقوط الوشيك، رغم وجود ميليشيات الحرس الثوري الإيراني وتوابعها من ميليشيات شيعية في مشهد الصراع السوري.
التدخل الروسي في الصراع بين قوى الثورة ونظام أسد في الربع الأخير من عام 2015 منع نظام أسد من السقوط، وأخّر عملياً الانتقال السياسي بموجب القرارات الصادرة عن مجلس الأمن، وكذلك بيان جنيف1، ولكنه لم يستطع إعادة تأهيل هذا النظام بالصورة التي أرادها الروس.
ظروف تدخل إيران وروسيا في الصراع السوري لم تبق على حالها، فالإيرانيون وقعوا تحت الضغط الأمريكي الأوربي من أجل عقد اتفاق تلتزم فيه إيران بسلمية برنامجها النووي، لكنها فعلياً لم تلتزم بهذا الاتفاق، إلى جانب تطويرها لبرنامجها الصاروخي، وهو ما دفع إدارة الرئيس دونالد ترامب على تمزيق الاتفاق الذي تمّ توقيعه في عهد باراك أوباما.
الإيرانيون مارسوا أقصى درجات التسويف ووضع الشروط لتمرير زمنٍ يحتاجونه من أجل صنع قنبلتهم الذرية الأولى، وهو ما جعلهم بمواجهة مخاوف الدولة العبرية (إسرائيل)، والتي يصرّ قادتها على ضرورة نزع برنامج إيران النووي بشقه العسكري، رغم أن الأميركيين في عهد بايدن ومن قبله أوباما يرفضون استخدام القوة لتدمير برنامج إيران النووي إلا كخيار أخير.
الإيرانيون الذين يلعبون لصالح نجاح الروس في حربهم ضد أوكرانيا، ينظرون إلى هذا النجاح على أنه تغيير في قواعد التوازن الدولي، الذي لا يزال حتى اللحظة يميل لصالح الولايات المتحدة الأمريكية ومن خلفها حلفها الأوربي.
لهذا السبب الجوهري، عمد الإيرانيون على تزويد روسيا بطائرات بلا طيار لكسب الحرب، لكنهم في ذات الوقت، أثاروا حنق الغرب، وحنق إسرائيل، فهم يمدّون في زمن هذه الحرب العدوانية، اعتقاداً منهم أن عدم هزيمة روسيا فيها ستنعكس ضعفاً في الموقف الأمريكي والأوربي، الذي يدعم أوكرانيا للدفاع عن نفسها، ومنع وقوعها فريسة بيد الروس.
موقف إيران هذا جعلها مشاركة في الحرب إلى جانب الروس، وهو أمرٌ سيرتّب عليها مسؤوليات ليست قليلة، مما سيجعل الغرب يعيد حساباته بمسالة التحاق إيران بمفاوضات جادة بشأن ملفها النووي، ويضع أوراق ضرباته العسكرية ضد منشآت إيران النووية قيد التفعيل، وهذا ما تريده الدولة العبرية، التي قام وزير خارجيتها بزيارة للعاصمة الأوكرانية، وهذا يعني تدخلاً اسرائيلياً في الحرب الأوكرانية من موقع التحالف مع الغرب الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية.
إن حدثاً طبيعياً (الزلزال الذي ضرب تركيا والشمال السوري)، والذي حاول نظام أسد استثماره سياسياً لفك عزلته الدولية، ولمحاولة خلاصه من عقوبات قانوني قيصر والكبتاغون، وجد من يهرول لاستعادة هذا النظام من قبضة إيران توهماً، ناسين أمراً مهماً أن أسد بنظامه الغارق بجرائم ضد الإنسانية وانتهاكات كبرى ترقى لجرائم حرب مثل استخدامه للأسلحة الكيماوية ضد السوريين العزّل لا يستطيع الفكاك عن إيران التي استولت على نفوذه الداخلي، بما فيها مؤسسته العسكرية والأمنية.
وإن النظام الذي أراد إعادة ترتيب وضعه عربياً، كان يريد الخلاص من أي التزامات تخص القرارات الدولية الخاصة بسورية وهي بيان جنيف1 والقرار 2118 والقرار 2254.
وهو أراد تصوير ما ألحقه من دمار في المدن السورية على أنه نتاج فعل زلزال تركيا والشمال السوري، وهذا ما دفع قادة في الكونغرس الأمريكي على صياغة قرار جديد يمنع تطبيع العلاقات مع نظام أسد.
إن من يقرأ لوحة الفعالية السياسية والعسكرية الداخلية في سورية، سيكتشف بالضرورة أن نظام أسد ليس صاحب قرار بالشأن السوري، وهذا يجب أن تعمل عليه قوى الثورة والمعارضة السورية، ويجب القيام بحملة واسعة لتوضيح أن من يتحكم بالعملية السلمية ليس النظام بل حليفاه الروسي والإيراني.
هذه الحقيقة يجب إدراجها في قرار مواجهة إيران في مناطق نفوذها، كذلك على مستوى ساحتها الداخلية التي تشهد انتفاضة ضد حكم الملالي.
إن موقف إيران إلى جانب روسيا في حربها ضد أوكرانيا سيجعلها مستهدفة من الولايات المتحدة واسرائيل والغرب، وهذا يعني إعادة انتاج موقف الغرب من الساحات السورية والإيرانية والأوكرانية، هذا الموقف لا يجب المراهنة فيه على استمالة نظام لا يملك من أمره شيئاً حيال إخراج إيران من بلاده، فالأسد يعرف أنه إن فكّر بهذه الطريقة فقتلته يحيطون به وسط حراساته، لذلك لن يتجرأ على قبول المبادرة العربية التي جوهرها فكاكه عن المهيمن عليه (إيران).
كذلك إن الروس المشغولين بحربهم في أوكرانيا لن يستطيعوا فعل ما ينقذ نظام أسد من انهياره الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، لذلك لا يمكن لبعض ممثلي أنظمة عربية ممن أتى إلى دمشق أن يخرج زير النظام من بئره، وهذا ما يجب أن تدركه قوى وتجمعات السوريين الأمريكيين، من أجل العمل عليه بصورة جامعة، فلا يجب أن يكون خطابهم متعدداً، إنما يجب أن يكون خطاباً واحداً يدعو إلى تنفيذ القرارات الدولية الخاصة بسورية، وتضييق الخناق على أي محاولة للالتفاف على هذه القرارات، ومنها محاسبة نظام أسد على جرائمه الموثّقة.
إن الذهاب إلى حلٍ في سوريا، يجب ان يرتكز على حقائق وليس افتراضات وهمية، وكما يقول المثل العربي (وضعوا ذيل الكلب أعواماً في قالب مستقيم لكنه بقي أعوج)
فأسد لا يمكن بعد كل جرائمه وفظاعاته بحق السوريين وشعوب المنطقة أن يتخلى عن جوهره الدموي وتجارته القاتلة التي سنّ الكونغرس الأمريكي قانوناً بشأن تدميرها وتفكيك شبكاتها واقتياد زعماء عصاباتها إلى المحاكم الدولية لمحاسبتهم على جرائمهم الدولية والوطنية.
————————–
===================
سياسات التطبيع مع النظام السوري … انقسام إقليمي ودولي وتفاوت في تقدير الجدوى والأهداف
مقدّمة
عادت القضية السورية إلى دائرة الاهتمام الإقليمي والدولي، هذه المرّة من بوابة الجدل حول أهداف التطبيع مع النظام السوري وجدواه. وفي حين بذلت بعض الدول العربية محاولات سابقة في هذا الصدد، وأخرى ظلت تحتفظ بعلاقات معه (الجزائر، والعراق، ولبنان) من أجل إعادته إلى جامعة الدول العربية قُبيل قمة الجزائر التي عُقدت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 (إضافة إلى مساهمة أردنية في هذه الجهود)، ينقسم الرأي بين الدول المعنية بالموضوع السوري حاليًا بشأن التطبيع مع دمشق إلى ثلاثة تيارات رئيسة؛ الأول متحمّس للتطبيع ويسير بخطى ثابتة نحوه، إما في إطار حسابات نابعة أساسًا من اعتبارات داخلية، وهذا شأن تركيا، التي تقف على أعتاب انتخاباتٍ حاسمةٍ هذا الصيف، أو في إطار رؤيةٍ تسعى نحو تطبيع مجاني غرضه طيّ صفحة الثورات العربية نهائيًا، كما في حالة الإمارات، في حين يربط التيار الثاني بوضوح حصول التطبيع بتحقيق تقدّم في مسار الحل السياسي، ويمثّل هذا التيار الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وعربيًا قطر. أما التيار الثالث فيراقب الوضع في انتظار جلاء الصورة حتى يحدّد موقفه، ومن الدول التي تمثّله السعودية ومصر والأردن.
المتحمّسون
تُعدّ تركيا والإمارات حاليًا من أبرز المتحمسين للتطبيع مع النظام السوري، وإن كان لكل منهما دوافعه الخاصة.
1. تركيا
بدأت بوادر التغيير في السياسة التركية تجاه الصراع في سورية منذ التدخل العسكري الروسي في سورية في أيلول/ سبتمبر 2015، إذ غدت سياسة تغيير النظام في دمشق التي تبنّتها أنقرة منذ خريف 2011 غير واقعية في حساباتها. ودفع التحالف الذي أنشأته واشنطن مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) إلى تغيير أولويات أنقرة في سورية؛ وأدى ذلك إلى تمهيد الطريق أمام تفاهمات تركية – روسية جوهرها تخلّي أنقرة عن سياسة تغيير النظام في دمشق مقابل تعاون موسكو في منع قيام كيان كردي على الحدود التركية – السورية. لكن التغيير في السياسة الخارجية التركية أخذ منحىً أكثر شمولًا وعمقًا في السنتين الأخيرتين، بسبب تنامي التوتر في العلاقة مع واشنطن منذ وصول إدارة الرئيس جو بايدن إلى الحكم مطلع عام 2021، وتفاقم الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها تركيا[1].
وإضافةً إلى المشكلات الاقتصادية الهيكلية، تأثرت تركيا، مثل دول كثيرة، بوباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد – 19)، وانعكس ذلك في سعر صرف العملة التركية التي خسرت نحو 90% من قيمتها بين عامي 2016 و2022، فضلًا عن تنامي العجز في الميزان التجاري وارتفاع مستوى التضخّم الذي وصل نتيجة تضاعف أسعار الطاقة بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا إلى أكثر من 80%[2]. وقد دفعت هذه التحدّيات السياسية والاقتصادية والأمنية الرئيس رجب طيب أردوغان إلى إجراء تغييرات واسعة في سياسته الخارجية، شملت تحسين العلاقات مع السعودية والإمارات وإسرائيل ومصر وإيران، وغيرها. وعلى الرغم من أن تغيّر سياسة تركيا تجاه القضية السورية بدا كأنه جزءٌ من مقاربتها الإقليمية الجديدة، فقد كان للعلاقة مع سورية خصوصية إضافية واضحة ممثلة بصراعٍ مريرٍ مع النظام السوري نتج منه وجود نحو 3.7 ملايين لاجئ سوري في تركيا.
ونتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة، صار موضوع اللاجئين السوريين مادّة لنقاش ساخن في المجتمع التركي، استغلته المعارضة لتقويض موقف حكومة حزب العدالة والتنمية، فأخذت تثير نعراتٍ عنصريةً تجاههم وتحمّلهم مسؤولية الأوضاع الاقتصادية التي تواجهها البلاد، حتى صار موضوعهم مادة رئيسة في حملة الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقرّرة في أيار/ مايو 2023. وفي المقابل، يحاول حزب العدالة والتنمية، الذي تعرّض لهزيمة انتخابية ثقيلة عام 2019 عندما خسر بلديتَي إسطنبول وأنقرة في الانتخابات المحلية، سحب ورقة اللاجئين من يد المعارضة، مبرّرًا المشكلات الاقتصادية بعوامل من بينها تحمّل تركيا عبء اللاجئين، ومتعهدًا بإعادة نحو مليون لاجئ سوري إلى بلدهم؛ وهو أمرٌ يحتاج في تنفيذه إلى التعاون مع النظام السوري. ومع إصرار الولايات المتحدة على رفض أيّ عملية عسكرية تركية ضد “قسد”، برز التعاون مع روسيا والنظام السوري أيضًا باعتباره الخيار الأمثل أمام أنقرة لاحتواء خطر “قسد”، فعرضت مساعدة النظام السوري على استعادة السيطرة على المناطق التي خسرها ل”قسد”، خصوصا في شمال سورية وشمالها الشرقي. وقد سمح هذا التحوّل بعقد اجتماع بين وزيرَي الدفاع ورؤساء مخابرات تركيا والنظام السوري في موسكو في كانون الأول/ ديسمبر 2022، في حين تُبذل جهود حاليًا لعقد أول لقاء بين وزيرَي خارجية الطرفين.
2. الإمارات
وجدت الإمارات، مثل دولٍ خليجية أخرى، في ثورة الشعب السوري عام 2011 فرصةً لاحتواء النفوذ الإيراني في المنطقة؛ فانضمّت إلى جهود عزل النظام السوري داخل جامعة الدول العربية، وأدّت دورًا في دعم المعارضة السورية. لكن موقف أبوظبي تغيّر جذريًا مع تحوّلها إلى خصمٍ معلنٍ لثورات الشعوب العربية، حيث أخذت تنأى بنفسها عن المعارضة السورية قبل أن تتحوّل إلى دعم النظام السوري تحت غطاء إنساني، ثم إلى التقارب معه سياسيًا وأمنيًا في إطار تحوّل نظرتها إلى الصراع في سورية، من كونه فرصةً لاحتواء إيران إلى كونه جزءًا من الحرب على الإرهاب. وبناءً عليه، أعادت الإمارات فتح سفاراتها في دمشق في كانون الأول/ ديسمبر 2018. وفي مطلع عام 2020، جرى أول اتصال هاتفي علني بين ولي عهد أبوظبي آنذاك، محمد بن زايد، ورئيس النظام السوري، بشار الأسد، منذ قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 2012. وبحسب وسائل إعلام غربية، اتفق الطرفان خلال الاتصال على استراتيجية لمواجهة تركيا في سورية وليبيا، حيث طلبت الإمارات من النظام السوري إشغال تركيا في إدلب؛ بما يمكّن اللواء المتقاعد خليفة حفتر من الإجهاز على العاصمة الليبية طرابلس. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، أجرى وزير خارجية الإمارات، عبد الله بن زايد، أول زيارةٍ إلى دمشق منذ عشر سنوات. وفي آذار/ مارس 2022، أجرى بشار الأسد أول زيارة عربية له منذ اندلاع الثورة السورية إلى أبوظبي، ليزور بعدها عبد الله بن زايد دمشق في كانون الأول/ ديسمبر 2022.
يمثّل التطبيع الإماراتي مع النظام السوري جزءًا من استراتيجية علنية هدفها طيّ صفحة ثورات الربيع العربي نهائيًا وتثبيت النُظم الحاكمة، وإدماج إسرائيل في النظام الإقليمي العربي بعد أن وقّعت أبوظبي اتفاقية سلام وطبّعت علاقاتها معها في أيلول/ سبتمبر 2020. وهناك أيضًا اهتمام إماراتي بالحصول على فرصٍ اقتصاديةٍ في سورية في مرحلة ما بعد الحرب وإعادة الإعمار، كما أنها ترغب، على الأرجح، في الدخول على خط الوساطة بين تركيا والنظام السوري، وتطمح إلى أداء دور في ذلك عبر عرضها ترتيب لقاء بين الرئيس أردوغان وبشار الأسد، وكذلك الوساطة بين النظام السوري وإسرائيل. وكلها أدوارٌ تنافس فيها روسيا.
المعارضون
تشمل جبهة الرافضين للتطبيع المجاني مع النظام السوري عدة أطراف دولية، أهمها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وعربية، أبرزها قطر.
1. الولايات المتحدة
وسط جهود بعض حلفاء واشنطن الإقليميين للتطبيع مع النظام السوري، ترفض واشنطن أيّ خطواتٍ في هذا الاتجاه لا تكون مقرونةً بتحقيق تقدّم في مسار الحل السياسي القائم على قرارات مجلس الأمن، خصوصا القرار رقم 2254[3]. وعقب اللقاء الذي جمع، في موسكو في كانون الأول/ ديسمبر 2022، وزيرَي الدفاع السوري والتركي، أكّد المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، “أن بلاده لا تدعم مواقف الدول التي تعزّز علاقاتها أو تُعرب عن دعمها لإعادة الاعتبار لبشار الأسد، الدكتاتور الوحشي، وأن الدعم الأميركي لهذا التوجه يظلّ مرهونًا بحل سياسي بقيادةٍ سوريةٍ وبما يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2254″[4].
وتعدّ العقوبات الأميركية المفروضة على النظام السوري أبرز العقبات التي تقف في وجه التطبيع معه، والتي تأخذها الدول المطبّعة في الاعتبار، خصوصا منها قانون قيصر لعام 2019، الذي وُضع حيز التنفيذ في 17 حزيران/ يونيو 2020، وينص على معاقبة كل من يقدّم الدعم العسكري والمالي والتقني للنظام السوري، أشخاصًا أو دولًا أو شركات[5]. وفي 23 كانون الأول/ ديسمبر 2022، وقّع الرئيس الأميركي جو بايدن قانون مكافحة المخدرات الذي يعتبر تجارة المخدرات المرتبطة بنظام الأسد تهديدًا أمنيًا عابرًا، ويدعو إلى وضع استراتيجية مكتوبة خلال 180 يومًا لتعطيل إنتاج المخدّرات والاتجار بها وتفكيك الشبكات المرتبطة بنظام الأسد في سورية[6].
2. الاتحاد الأوروبي
يستمر الاتحاد الأوروبي في موقفه الرافض للتطبيع مع النظام السوري، في محاولة لدفعه إلى التفاوض الجدّي من أجل التوصل إلى حل سياسي بشأن الأزمة. فقد شدّد الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل[7]، أمام البرلمان الأوروبي في بروكسل في عام 2021، على عدم التطبيع مع النظام السوري، وعدم رفع العقوبات عنه إلى حين تحقيق انتقال سياسي يلبّي متطلبات قرارات مجلس الأمن. وقد جدّد الاتحاد الأوروبي منتصف عام 2022 العقوبات المفروضة على النظام السوري عامًا آخر، بسبب استمرار قمعه السكان المدنيين[8]. وفي مطلع عام 2023، أطلق الاتحاد الأوروبي ثلاث لاءات في وجه جهود تأهيل النظام السوري[9]، وهي لا للتطبيع، ولا لإعادة الإعمار، ولا لرفع العقوبات عن النظام السوري ما لم يمتثل لمتطلبات الحل السياسي[10]. وقد جاء هذا الموقف الأخير على خلفية التقارب التركي مع النظام السوري، في انسجامٍ مع الموقف الأميركي الرافض لأيّ تقارب أو انفتاح معه.
3. قطر
بالنسبة إلى قطر، لا تزال كل أسباب عزل النظام السوري قائمة، بما فيها استمراره في سياساته القمعية ورفض أيّ مقاربة سياسية للحل. وقد عبّر أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في أكثر من مناسبة، عن رفضه محاولات “طيّ صفحة مأساة الشعب السوري بلا مقابل وتجاهل تضحياته الكبيرة من دون حل يحقق تطلعاته ووحدة بلاده”، كما أكد أن “جامعة الدول العربية قرّرت استبعاد سوريا لسبب وجيه، وأن هذا السبب ما زال موجودًا ولم يتغير”[11]. وكانت جامعة الدول العربية قد اتخذت، في 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011، قرارًا بتعليق عضوية النظام السوري فيها، وطالبت بسحب السفراء العرب من دمشق مع إبقاء الطلب “قرارًا سياديًا لكل دولة”. وصدر هذا القرار بموافقة 18 دولة، واعتراض 3 دول، هي سورية ولبنان واليمن، وامتناع العراق عن التصويت.
المتريثون
1. السعودية
تبدي السعودية تحفّظاتٍ على توجّهات التطبيع مع النظام السوري، على الرغم من حصول زيارات ولقاءات بين مسؤولين أمنيين في النظام السوري ونظرائهم في السعودية، كان آخرها، بحسب صحيفة الوطن القريبة من النظام السوري، زيارة رئيس إدارة المخابرات العامة (أمن الدولة) اللواء حسام لوقا، في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، إلى السعودية[12]. وقد عرقلت السعودية، إلى جانب مصر وقطر، جهود بعض الدول العربية لإعادة سورية إلى جامعة الدول العربية في قمة الجزائر، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، حيث علّلت الرياض وقتها موقفها باستمرار “التدخل الإيراني الذي يحول دون عودة سورية إلى “المحيط العربي”، ووجود “قرارات عربية ودولية، متى تم تنفيذها ستكون المملكة وكل الدول العربية حريصة على عودة سورية والشعب السوري”[13]. لكن مؤشرات طهرت في الآونة الأخيرة إلى احتمال حصول تغييرٍ ما في الموقف السعودي تجاه مسألة التطبيع. ففي مقابلة صحافية مع وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، منتصف كانون الثاني/ يناير 2023، أشار إلى جهود التطبيع مع النظام في دمشق وأكد على الحاجة إلى أن تقوم دول المنطقة بالعمل “معًا لإيجاد حل سياسي للحرب الأهلية المستمرة منذ 12 عامًا”، وأضاف “نحن نعمل مع شركائنا لإيجاد طريقة للتعامل مع الحكومة في دمشق بطريقة تقدّم تحركات ملموسة نحو حل سياسي، وأن ذلك سيتطلب بعض العمل”[14]. وجاءت هذه التصريحات بعد اجتماع عُقد بين بن فرحان والمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سورية، غيرد بيدرسون، على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في 18 كانون الثاني/ يناير 2023. وكان لافتًا أن هذه التصريحات تزامنت مع رفع النظام السوري الحظر عن استيراد المنتجات السعودية، إيذانًا باستئناف العلاقات الاقتصادية مع الرياض المتوقفة منذ عام 2012. والحقيقة أنه لا يوجد تغيير مبدئي في الموقف السعودي، الذي لا يعارض التطبيع مع النظام السوري منذ تسلّم الأمير محمد بن سلمان مقاليد الحكم عمليًا. والتغيرات التي تطرأ تتعلق بالتوقيت وتقدير إسهام التطبيع في الحد من النفوذ الإيراني في سورية.
2. مصر
على الرغم من عقْد اجتماعات متكررة بين مسؤولين في النظام السوري وكل من رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية، عباس كامل، ووزير الخارجية المصري، سامح شكري، الذي التقى في نيويورك في أيلول/ سبتمبر 2021، أول مرّة منذ عشر سنوات، وزير الخارجية السوري فيصل المقداد على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة[15]، فإن الموقف المصري يبدو، على الأقل في العلن، متّسقًا مع الموقف السعودي، لجهة التريث في التطبيع مع النظام السوري، مع عدم معارضته مبدئيًا. ففي بيان مشترك صدر عقب اجتماع لجنة المتابعة والتشاور السياسي بين مصر والسعودية في القاهرة في منتصف كانون الأول/ ديسمبر 2022، أشار البلدان إلى أنهما يتشاركان في دعم “الحل السياسي في سوريا وفق القرار 2254، ورفض أيّ تهديدات بعمليات عسكرية تمسّ الأراضي السورية، وتروّع الشعب السوري”، في إشارة إلى احتمالات شن تركيا عملية عسكرية شمال سورية. وأشار البيان إلى أن الطرفين اتفقا على “ضرورة دعم الحفاظ على استقلال سوريا ووحدة أراضيها، ومكافحة الإرهاب، وعودة اللاجئين والنازحين، والتوصل لحل سياسي للأزمة القائمة وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم 2254، ودعم جهود المبعوث الأممي لدفع العملية السياسية في سوريا”[16]. وكانت مصر تتخذ موقفًا مؤيدًا لعودة سورية إلى جامعة الدول العربية في وقت مبكّر من عام 2022، إلا أنّ تحولًا طرأ على موقفها لاحقًا في مؤشر إلى ابتعادها عن الموقف الإماراتي، واقترابها أكثر من الموقف السعودي الذي عارض هذه العودة، قبل أن يبدأ في التغير مجددًا في الأسابيع الأخيرة في ضوء استقبال الرياض رئيس المخابرات السورية ورفع علم سورية في شوارع الرياض أثناء القمة العربية – الصينية التي عُقدت في كانون الأول/ ديسمبر 2022.
3. الأردن
تغيّر موقف الأردن مرّات عديدة منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011؛ فمنذ استضافته غرفة العمليات الدولية المشتركة لدعم فصائل المعارضة السورية “الموك” عام 2012، تحوّل خلال عام 2021 إلى أبرز المدافعين عن التطبيع مع النظام السوري. وقد تمحورت أسبابه في ذلك حول مصالحه الاقتصادية والأمنية ومحاولته إيجاد حل لنحو 700 ألف لاجئ سوري مقيم على أراضيه. وفي تموز/ يوليو 2021، زار الملك عبد الله واشنطن وناقش رؤيته لسياسة خطوة مقابل خطوة للتطبيع مع النظام السوري، الذي قال عنه الملك، إنه “ما زال في السلطة، وينبغي أن يتم التعامل معه على هذا الأساس”[17]. وقد حصل الملك خلال الزيارة على موافقة واشنطن على مشروع تزويد لبنان بالغاز والكهرباء من مصر وإسرائيل عبر الأردن وسورية، واستثناء الأردن من قانون العقوبات (قيصر) الذي يستهدف أيّ دولة لها معاملات تجارية مع دمشق. وقد أدى استئناف الاتصالات بين عمّان ودمشق إلى اتفاق في أيلول/ سبتمبر 2021 على إعادة فتح معبر جابر – نصيب الحدودي، وفتح الباب أمام مفاوضات تتعلق بالتجارة والطاقة والزراعة خلال زيارات وزراء في الحكومة السورية إلى عمّان، وجاءت بعد المكالمة الهاتفية العلنية الأولى التي أجراها بشار الأسد مع الملك عبد الله في تشرين الأول/ أكتوبر 2021. لكن مسار التطبيع الأردني مع النظام تعثّر مع فشل مقاربة خطوة مقابل خطوة، إذ ازداد بعد الانفتاح الأردني على النظام تهريب المخدرات في اتجاه الأردن، كما تضاعف وجود الميليشيات القريبة من إيران على الحدود[18]. ومع ذلك، يواصل الأردن العمل في الشرق والغرب من أجل تقبّل فكرة التطبيع مع النظام بوصفه أمرًا واقعًا.
موقف النظام السوري
يتعامل النظام السوري مع جهود التطبيع الجارية معه (وهو في أضعف حالاته لناحية قدرته على السيطرة على الأرض وإفلاسه اقتصاديًا) من منطلق المنتصر، ويبدو هذا واضحًا في الشروط التي يضعها للتطبيع مع تركيا، التي تشمل مطالبتها بالتعهد بالانسحاب الكامل من الأراضي السورية، ووقف دعم المعارضة السياسية والعسكرية، والمساعدة في إعادة الإعمار وتخفيف أثر العقوبات الغربية المفروضة عليه. أما عربيًا، فيشترط النظام على الدول العربية التطبيع معه سياسيًا في مقابل فكّ الحصار عن مناطق ما زالت واقعة تحت سيطرة المعارضة ووقف قصف حاضنتها المدنية. فهو يطالب بتنازلاتٍ سياسية مقابل “تنازلاتٍ” في قضايا إنسانية. ويحاول النظام بهذه الطريقة إخفاء الضعف الشديد الذي يعانيه، خصوصا لجهة أوضاعه الاقتصادية، في ظل عجز حلفائه أو عدم رغبتهم في مساعدته. وقد اضطرّ النظام في الفترة الأخيرة إلى تعطيل المدارس والمصانع والجهات العامة لعدم توفر المحروقات اللازمة لتأمين وسائل المواصلات والتدفئة، في حين تفتقد مناطق عديدة، على نحو كلي أو جزئي، التيار الكهربائي، ما أدى إلى شلل اقتصادي كامل. وتعاني مناطق النظام خصوصًا أوضاعًا معيشية صعبة، متمثلة في ارتفاع أسعار المواد الغذائية على نحو غير مسبوق، وارتفاع التضخم إلى 150% خلال عام 2022، وذلك تزامنًا مع انهيار سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأميركي، حيث فقدت نحو 35% من قيمتها خلال الأسابيع القليلة الماضية (وصل سعر صرف الدولار إلى 7000 ليرة سورية أمام الدولار في مقابل 4500 مطلع تشرين الأول/ أكتوبر 2022)؛ ما دفع 90% من السوريين إلى ما دون خط الفقر. ولاحظ تقرير أخير للأمم المتحدة أنّ نصف السوريين (12 مليون شخص) غير واثقين من تأمين وجبتهم اليومية التالية، في حين يواجه 2,5 مليون سوري خطر المجاعة، ما يعني أن نحو 80% من السوريين باتوا يفتقرون إلى الأمن الغذائي، وبهذا تحتل سورية بحسب التقرير المرتبة السادسة في العالم من حيث الافتقار إلى الأمن الغذائي[19]. وعلى الرغم من أن النظام السوري بات مهدّدًا بثورة جياع مع ظهور بوادر تململ داخل حاضنته من الوضع الذي آلت إليه البلاد، فإنه يستمر في صلفه وعناده الذي يزيده قوةً توجّهُ دولٍ عديدة إلى التطبيع معه من دون شروط. إن توجّه بعض الدول العربية وتركيا إلى التطبيع مع النظام السوري، وهو في أحلك ساعاته وأضعف حالاته، هو من المفارقات التاريخية اللافتة.
خاتمة
تتفاوت المواقف الإقليمية والدولية من التطبيع مع النظام السوري، كما تختلف التقييمات حول جدواه بتوافر شكوك في قدرته على تقديم أيّ مقابل يسمح بفتح ثغرة في جدار الأزمة أو رغبته في ذلك، على الرغم من استمرار تدهور وضعه ووضع حلفائه السياسي والاقتصادي، علمًا أنه بات غير قادر فعليًا على تحمّل عبء توفير الغذاء (فضلًا عن الكهرباء والمحروقات) لنحو تسعة ملايين سوري يعيشون تحت سيطرته، وصار يعتمد على نحوٍ شبه كلّي تقريبًا على المساعدات الإنسانية والإغاثية التي تقدّمها الأمم المتحدة والوكالات المرتبطة بها، وكأنه يُلقي مسؤولية إطعامهم على المجتمع الدولي، في حين يستمرّ هو في الإمساك بسلطةٍ باتت عاجزة عن القيام بأيّ وظيفة من وظائفها.
[1] Aslı Aydıntaşbaş & Jeremy Shapiro, “Biden and Erdogan are Trapped in a Double Fantasy,” Foreign Policy, 6/1/2021, accessed on 5/2/2023, at: https://bit.ly/3CUrukP
[2] “التضخم في تركيا يقترب من 80%… أعلى مستوى في ربع قرن”، العربي الجديد، 3/8/2022، شوهد في 5/2/2023، في: http://bit.ly/3DJbm5b
[3] “الولايات المتحدة تدعو دول العالم إلى عدم التطبيع مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد”، فرانس 24، 4/1/2023، شوهد في 5/2/2023، في: https://bit.ly/3j8KYuj
[4] “Department Press Briefing – January 5, 2023” US Department of State, 5/1/2023, accessed on 5/2/2023, at: https://bit.ly/3R9cogf
[5] “H.R.31 – Caesar Syria Civilian Protection Act of 2019,” Library of Congress, 1/3/2019, accessed on 5/2/2023, at: https://bit.ly/3wvvdAI
[6] “H.R.6265 – Captagon Act,” Library of Congress, 14/12/2021, accessed on 5/2/2023, at: https://bit.ly/3Ha9YcP
[7] “الاتحاد الأوروبي: لا تطبيع مع النظام السوري ولا رفع للعقوبات عنه لحين انتقال سياسي وفق قرارات مجلس الأمن”، الجزيرة نت، 10/3/2021، شوهد في 5/2/2023، في: https://bit.ly/3kIUepB
[8] أمين العاصي، “لاءات أوروبية بوجه الأسد: التطبيع غير ممكن بلا حل سياسي”، العربي الجديد، 19/1/2023، شوهد في 5/2/2023، في: https://bit.ly/3wpuwJr
[9] “الاتحاد الأوروبي يجدد موقفه الرافض للتطبيع مع النظام السوري”، سيريانيوز، 18/1/2023، شوهد في 5/2/2023، في: https://bit.ly/3H7698j
[10] العاصي.
[11] “مقابلة سمو الأمير مع مجلة ’لو بوان‘ الفرنسية”، وكالة الأنباء القطرية، 14/9/2022، شوهد في 5/2/2023، في: https://bit.ly/3YqsWTr
[12] “الإمارات تقود مساعي تطبيع العلاقات بين السعودية والأسد”، جريدة المدن، 24/1/2023، شوهد في 5/2/2023، في: http://bit.ly/3HBLUQ6
[13] “السعودية: التدخل الإيراني يعيق عودة سورية إلى المحيط العربي”، السورية نت، 5/11/2022، شوهد في 5/2/2023، في: http://bit.ly/3Ygwaca
[14] “وزير الخارجية السعودي: نعمل لإيجاد طريقة للتعامل مع الحكومة السورية”، آر تي العربية، 19/1/2023، شوهد في 5/2/2023، في: http://bit.ly/3JD6v9v
[15] “أول لقاء بين وزيري خارجية مصر وسوريا.. والمقداد: تجمعنا روابط تاريخية”، سي إن إن بالعربية، 25/9/2021، شوهد في 5/2/2023، في: http://bit.ly/3juB2eU
[16] “الرياض والقاهرة: نرفض التهديد بعمليات عسكرية في سوريا وندعم الحل السياسي”، تلفزيون سوريا، 15/1/2023، شوهد في 5/2/2023، في: http://bit.ly/3I0I58N
[17] “الأردن يشدد على آلية التعاون مع مصر والعراق لتعزيز الاستقرار الإقليمي” جريدة الوطن، 23/7/2021، شوهد في 5/2/2023، في: http://bit.ly/3X82UmV
[18] عقيل حسين، “مصادر: انقلاب أردني على الأسد في واشنطن.. هل طلب الملك عبد الله منطقة آمنة بالجنوب؟”، أورينت نت، 26/5/2022، شوهد في 5/2/2023، في: http://bit.ly/3DJTreO
[19] “ WFP, “Syria Country Brief”, (November 2022), accessed on 05/02/2023, at: https://bit.ly/3RAG0TT
——————————–
بشار الأسد مدافعاً عن بقائه: “التطبيع الإماراتي” حلال!/ حازم الأمين
إنها دماء السوريين مرة أخرى، يستمر الاستثمار فيها. دماء ضحايا الزلزال، الذين لم يشعر بشار الأسد حين لاحت له فرصة زيارة سلطنة عمان، أنهم يستحقون ملازمة البلد من أجلهم.
تقود الإمارات العربية المتحدة جهوداً لإعادة النظام السوري إلى “الحاضنة العربية” على ما يقول مسؤولون فيها، وفي الوقت ذاته تدفع القيادة الإماراتية الى تطبيع العلاقة مع تل أبيب، وهي سبقت بأشواط دولتي معاهدتي السلام الأولى (كامب ديفيد) والثانية (وادي عربة) في تطبيعها. والمرء إذ يرصد المسارين الإماراتيين السوري والإسرائيلي، يجد أن النشاط الديبلوماسي الإماراتي لا ينقصه الانسجام، وأننا حيال خطين متوازيين، يلتقيان في لحظة الانسجام الإماراتية.
فبشار الأسد لا تفصله مسافة طويلة عن بنيامين نتانياهو. في سوريا، نشهد “ترانسفير” مذهبياً، وفي الضفة الغربية والقدس المزيد من الاستيطان ومشاريع “ترانسفير”، ناهيك بمشاريع القوانين المقدمة الى الكنيست الجديد لتشريع الرصاص الحي على الفلسطينيين، والحد من قدرة المحكمة العليا على ضبط الجنوح العنفي لأجهزة الشرطة.
إنه “التطبيع الحلال” الذي لا ترصده الأجهزة الرقابية للممانعة. فالتخوين يشمل أي اقتراب من الإمارات في مرحلة ما قبل قيادتها مشروع “إعادة الأسد الى الحاضنة العربية”. أما وقد باشرت مهمة تعويم الأسد، فمغفور لها التطبيع مع “العدو”، ومغفور للأسد غبطته بالحضن الإماراتي. ويبقى أن الحساب مع بنيامين نتانياهو أمر منفصل، ذلك أن للتخوين وظائف كثيرة ما زال من المبكر التضحية فيها. الاقتراب من إسرائيل يجب أن يحصل في موازاة اقتراب من الأنظمة الديكتاتورية التي ترعى خطاب المواجهة.
لكن مثلث العلاقات الغرائبي بين أبو ظبي وتل أبيب ودمشق، سيشهد في ظل ذلك مزيداً من التعقيدات التي ستجعل من المهمة التخوينية شاقة. فبالأمس القريب، أغارت طائرات إسرائيلية على قلب دمشق، وفي هذا الوقت كان المندوب الإماراتي في مجلس الأمن يسحب مشروع قرار كانت المجموعة العربية قد أعدته لإدانة التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس (الإمارات هي العضو العربي غير الدائم في مجلس الأمن هذه الأيام). وسحب مشروع القرار جاء لتفادي “العتب الإسرائيلي”، وهو جزء من “التطبيع الحلال”، الذي لا ترصده صحافة الممانعة في ظل العودة الميمونة إلى الحضن العربي! وإذا كانت مقولة “الرد في المكان والزمان المناسبين” هي الإجابة عن قصف دمشق، فإن التخوين المؤجل إلى حينه، هو الإجابة عن الخطوة الإماراتية في مجلس الأمن.
بشار الأسد لا تفصله مسافة طويلة عن بنيامين نتانياهو.
لكن هراء خطاب الممانعة يوازيه هراء خطاب التطبيع أيضاً، فالإمارات تريد أن تنتزع بشار الأسد من أيدي الإيرانيين على ما يردد كثيرون في محيطها. وهنا يكشف الممانعون عن ابتسامة صفراء هي، للحقيقة، في مكانها. فالنظام السوري في ذروة انخراطه في مشاريع عربية، لم يقم بالابتعاد خطوة من طهران، فما بالك اليوم وإيران وحرسها الثوري ينتشرون على مساحة الجغرافيا السورية، وقائد الحرس الثوري الجنرال إسماعيل قآني سبق بشار الأسد إلى حلب لتفقّدها بعد الزلزال؟! الأرجح أن الإمارات تعرف ذلك، وهي تتحرك في هامش سماح أميركي ضيّق يتيح لها رقصاً على ضفاف استثمارات كانت بدأت تطمح إليها منذ زمن جاريد كوشنير. إنها المساحة نفسها التي أتاحت لها استقبال الأموال الروسية الهاربة من العقوبات الأوروبية، والتي ربما ستتيح لها استقبال الموافقة على استقبال حاكم مصرف لبنان بعد انتهاء ولايته وبدء العقوبات عليه!
إنها دماء السوريين مرة أخرى، يستمر الاستثمار فيها. دماء ضحايا الزلزال، الذين لم يشعر بشار الأسد حين لاحت له فرصة زيارة سلطنة عمان، أنهم يستحقون ملازمة البلد من أجلهم. سلطنة عمان التي كانت سبقت دول معاهدات أبراهام على استقبال بنيامين نتانياهو. أتذكرون تلك الزيارة؟ ذلك أن ذاكرة الممانعين لن تسعفهم طالما أن مسقط فتحت ذراعيها لديكتاتورهم.
المرء إذ يشعر بالاحتفاء الممانعاتي بعودة بشار الأسد إلى “الحضن العربي”، يسأل نفسه عن كم الوضاعة التي ينطوي عليها خيار الانحياز إلى منظومة تمرر للإمارات بناء “جسر ديبلوماسي” بين تل أبيب ودمشق، وهو جسر لا تقتصر وظيفته على ابتلاع ضحايا الغارات على دمشق، إنما أيضاً لا يتردد في توظيف كارثة الزلزال في مهمته لتعويم النظام.
نعم “جسر ديبلوماسي” يجعل من قصف دمشق فعلاً روتينياً لا يستحق التروي في الاندفاع نحو أبو ظبي، وفي المقابل لا يحد من تصميم نتانياهو على مواصلة القصف. القضية الأهم هي أن يبقى النظام.
درج
———————————-
لماذا يستقبل الأسد الزوار بنفسه؟/ عمر قدور
تقتصر الأخبار ليوم الاثنين في صدارة موقع سانا على استقبال بشار الأسد البرلمانيين العرب، مجتمعين وفرادى، وعلى استقبال وزير خارجية مصر، لتظهر صورة كبيرة للأسد خلفه في قاعة مطار دمشق، قبل ذهابه من المطار إلى ضيافة صاحب الصورة. بالطبع سيكون سهلاً تأويل ذلك باحتفال سانا، والأسد شخصياً، بفكّ العزلة عنه، لذا هناك حرص على إبراز هذا الجانب، كحرصه أيضاً على استقبال البرلمانيين مجتمعين وفرادى لكسب قدْر أكبر من الظهور رفقة ضيوفه العرب.
ها هو الحضن العربي قد عاد إلى الأسد. وصياغة الجملة الأخيرة ليست خاطئة، هي تماشياً مع قول بشار “عندما سُئل يوماً في لقاء تلفزيوني عن عودته إلى العرب” أن السؤال يجب أن يكون عن عودة العرب إليه لا العكس. وثمة سابقة يستند عليها في توقعه عودة نظرائه العرب، ففي آب 2006 وصف القادة العرب بأنصاف الرجال، ملمِّحاً على نحو خاص إلى قادة مصر والسعودية والأردن، وبعد سنوات قليلة من القطيعة أُعيدت العلاقات معه كسابق عهدها أو أكثر. في خطابه آنذاك، الذي تلا اغتيال الحريري وحرب تموز، كان واضحاً في استقوائه بإيران وحزب الله وفي التعبير عن احتقاره العرب، بما أنه لا يحسب لهم حساباً ضمن القوى المؤثرة والفاعلة، باستثناء الأموال التي يمكن الحصول عليها منهم.
لن نستذكر مجمل مواقف الحكومات العربية منذ اندلاع الثورة في سوريا، وتراجعها إجمالاً لمصلحة الأسد، بعد اصطدام بعضها برفض أمريكي لدعم عسكري كافٍ لإسقاطه. فبشار عملياً لم يتراجع على الإطلاق، وموقفه المتشبّث بالسلطة هو أكثر مواقفه مبدئية، ونعني بالتشبّث تمسّكه بالسلطة المطلقة وعدم استعداده لمشاركة جزء منها مع سوريين، واستعداده باستثناء ذلك لتقديم تنازلات للخارج. ربما مثلاً، في مبادرة العرب الأخيرة، تحصل بعض الدول المتضررة على تنازلات تخص التوقف عن تهريب الكبتاغون إلى أراضيها، ولا ندري ما إذا كان وارداً تقديمُه القليل من التنازل في موضوع عودة اللاجئين من الأردن ولبنان.
باستقباله جميع الزوّار يريد بشار القول أنه، كما كان دائماً، المُمسك الوحيد بالسلطة في سوريا، والوحيد المخوَّل للبتّ في أصغر التفاصيل. هو يؤكّد على أن عودة العرب إليه شخصياً، وتحديداً كما هو عليه بلا أدنى تغيير. الرسالة هنا تستبق أي حوار أو مطالبات عربية بإجراءات حقيقية “لا شكلية ومؤقتة وكاذبة” من أجل اقتسام السلطة، إذا كانت هناك مطالبات من هذا القبيل لدى بعض الدول العربية.
اليوم، أكثر مما كان عليه قبل ادلاع الثورة، يمسك بشار بكافة مفاصل السلطة العسكرية والمخابراتية والاقتصادية، بما في ذلك اقتصاد الظل. خلال المدة ذاتها، وعلى نحو أوضح بعد التدخل الروسي لحمايته، لم يعد هناك من معنى حتى لمفهوم الموالاة، فهو قد بقي في السلطة بفضل إيران ثم روسيا، وداخلياً بفضل أولئك الذين نفّذوا أعمال الإبادة والتهجير والسطو على ممتلكات الضحايا. يمكن فقط استثناء المفاصل التي تمسك بها طهران أو موسكو من القبضة الحديدية للأسد، والعرب الذين طرقوا باب موسكو طُلب منهم التفاوض معه، بمعنى أن مستقبله هو غير مطروح للنقاش.
على كل حال، ليس من تقاليد الأنظمة العربية ربط علاقاتها البينية بموضوع الديموقراطية، والديموقراطية ليست حتى من تقاليد غالبية البرلمانات العربية. ما يجعل التطبيع مع الأسد أشدّ وطأة استقباله هؤلاء الزوار لإظهار مجيئهم على حقيقته، لإظهارهم معه في الصورة بعد قتله مئات ألوف السوريين وتهجير الملايين. الصورة هي التي تتكلم لتقول أنهم يطبّعون مع ذلك كله، وبلا أدنى حياء، بل مع المزيد من الابتسامات والحبور، وكأن القطيعة هي الخطأ الذي تم أخيراً تداركه.
بالتأكيد لسنا في معرض هجاء العرب، ولا نربط السياسة بالأخلاق، إلا أن هذا التهافت للتطبيع مع الأسد يعني بلا مواربة التطبيع مع كل ما يُنسب إليه من مجازر وجرائم حرب، لا وفق قولنا وإنما وفق العديد من التقارير الدولية، بما فيها تقارير جديدة تثبت استخدامه السلاح الكيماوي. حرصُ الأسد على لقاء المسؤولين العرب، من أكبرهم إلى أصغرهم، هو تماماً لإظهارهم مطبِّعين مع كل ما يمثّله، وشركاء بالمعنى الرمزي.
أما عدم ربط السياسة بالأخلاق فينبغي ألا يعني خروج الأولى عن كافة المعايير الأخلاقية، ومن المفيد التذكير بأن جزءاً معتبراً من نضالات الملايين حول العالم كان لجعل السياسة أكثر إنسانية وأخلاقية. ورغم كل ما نقوله عن القوانين الدولية واستباحتها من الأقوياء، أو المحميين منهم، فهذه القوانين ذاتها هي نتيجة لذلك السعي من أجل سياسة أكثر إنسانية وأكثر عدالة، وفي مقدمها القوانين التي تدين الأسد على جرائم حرب وأخرى ضد الإنسانية، وإن كانت تركيبة مجلس الأمن قد منعت وضع آليات محاسبة خاصة بسوريا، ولم يتبقَّ للسوريين سوى اللجوء إلى محاكم أوروبية محلية.
أن لا يظهر مسؤول عربي واحد من بين الذين أوفِدوا، أو سوف يوفدون وفق توقعاتنا، ليرفض لقاء الأسد أو مصافحته فهذه دلالة بالغة السوء على أحوال المنطقة والذين يمتهنون السياسة فيه. نستذكر، في مثال مغاير، وزير خارجية مصر محمد إبراهيم كامل الذي استقال عشية توقيع اتفاقية كامب ديفيد، احتجاجاً على تنازلات قدّمها السادات لا على مبدأ المفاوضات نفسه. الجدير بالذكر أن كامل، احتراماً منه لموقفه، رفض العودة بطائرة السادات رغم طلب الأخير، في تأكيد على رفض التواجد مع شخص ما في مكان واحد عندما يصبح لذلك رمزية غير مقبولة.
مهما كانت وستكون نتيجة المباحثات بينه وبين نظرائه العرب، كسبَ الأسد بتحطيم الحاجز النفسي الذي كان ينبغي أن يُبقي هؤلاء بعيدين عنه. وهو يعلم، كما نعلم جميعاً، أن عودة الحضن العربي إليه مشروطة بتوجه أمريكي أكثر ديمومة، لأن مجرد إعادة واشنطن العقوبات المفروضة عليه سيردع المسؤولين العرب وسواهم عن التعامل الاقتصادي الذي هو بيت القصيد بالنسبة له. من أجل ما هو أبعد من ذلك، من أجل الاتفاق على مستقبل سوريا، يلزم زلزال من نوع مختلف، مركزه واشنطن، ولا أحد حتى الآن يستطيع الجزم بأنه حدث حقاً في غمرة الانشغال بالزلزال التركي.
المدن
———————–
رهان الأسد على الزلزال المقبل/ مهند الحاج علي
أي سؤال يُطرح علينا اليوم مع تصاعد خطوات التطبيع العربي مع النظام السوري؟ أولاً، هل بالإمكان أن نتوقع نتيجة سوى استئناف نظام الرئيس السوري بشار الأسد علاقاته العربية؟ في نهاية المطاف، لم ينهار النظام، وغابت الأعمال العسكرية الرئيسية، وتبدلت المنظومة العربية. حتى تركيا عدلت سياستها الخارجية المؤيدة للانتفاضات العربية، وعاودت الانفتاح على دول كانت تُصنّف معادية لها سابقاً. لهذا، ربما علينا طرح السؤال بطريقة مغايرة، على أي أساس ستواصل الأنظمة العربية قطيعتها مع النظام؟ هل الأساس أخلاقي؟
بالتأكيد لا. معظم أنظمة المنطقة، إن لم يكن جميعها، تعتمد بشكل أو بآخر على القمع والتعذيب في إدارة الشؤون الداخلية، وبالتالي النظام استثناء فقط في إفراطه في استخدام هذه الوسائل، ونقلها لمستوى لم تشهد له المنطقة مثيلاً. ولهذا حديث آخر.
لكن فعلاً، ما المقصود اليوم بعودة العلاقات العربية لسوريا، أو بالتطبيع عموماً؟ وهل كانت العلاقات العربية أساساً أو عموداً في العلاقات الخارجية لسوريا (أم ايران وروسيا)؟
لم تتسم العلاقات السورية-العربية في ظل نظام الأسد (الأب والابن) بقدر من الحميمية، بل كانت غالباً تقتنص الفرص والصفقات من أجل تحقيق اعتراف هنا وهناك. وهذا ينسحب على العلاقات بين الدول الغربية وسوريا كذلك. العقوبات على سوريا، ونموذجها الاقتصادي انعكسا على علاقاتها مع العالم الخارجي.
كان الدور السوري في لبنان أساسياً في تعريف هذه الفرص، إذ تحولت الصفقات والتفاهمات الى معبر لعلاقات أقرب بين دمشق والعالم العربي، وأيضاً لبعض الفرص مع العالم الغربي، أكان لجهة تحرير المخطوفين في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي، أو التفاوض والتفاهم مع إسرائيل وإبقاء الضغط عليها مع ضبط ايقاعه في جنوب لبنان (ومن خلال وجود حماس في الداخل السوري).
والعلاقة مع تركيا كانت في أغلبها مرتبطة بتهديد “حزب العمال الكردستاني” ووجود زعيمه على الأراضي السورية، كورقة ضغط اضطر النظام الى التخلص منها في لحظة حرجة. حتى شهر العسل بين الرئيسين رجب طيب أردوغان وبشار الأسد لم يدم طويلاً نتيجة الثورة السورية.
في نهاية المطاف، هذا نظام يطلُ على العالم من نوافذ ضيقة. أوراقه موقتة وعليها تاريخ انتهاء صلاحية، كمثل الرهائن لدى العصابات، ينتهي الاهتمام فيها فور إتمام الصفقة.
كان النظام يطل على العالم الخارجي من نوافذ ضيقة، ليس فقط لأن سلوكه ميليشيوي الطابع، بل كذلك على قياس الدولة التي يبنيها، مع قدرات اقتصادية تنافسية محدودة وسياسات حمائية تترافق مع احتكارات لشبكة من المحسوبين على النظام، وغالباً من أبناء العائلة الحاكمة وأقاربها.
لذلك، حين نتحدث عن استئناف النظام علاقاته العربية، علينا إقامة دراسة جدوى. ما الذي لدى النظام ليُقدمه للعالم الخارجي؟ الآن هناك كذبتان. الأولى هي فك الارتباط عن إيران، وهذا بات صعب المنال نتيجة الحاجة اليها والى ميليشياتها في الحفاظ على أمن النظام. مع تراجع القدرات الروسية نتيجة الحرب في أوكرانيا، الاعتماد بشكل أكبر على إيران، هو الممر المنطقي للنظام لضمان أمنه.
الكذبة الثانية هي عودة اللاجئين. بيد أن مثل هذه العودة قد تحصل، ولو جزئياً، مع بعض النمو الاقتصادي وإعادة الاعمار، هذا لو افترضنا وجود النية السياسية لذلك. مشاريع إعادة الاعمار المحدودة تُظهر نية الاستحواذ وتحقيق الربح، وكذلك تُظهر وهن النظام في السيطرة على أقطاب فيه تتنافس في ما بينها على مراكمة الأرباح.
عدا هاتين الكذبتين، أي أدوات لدى النظام تُتيح انفتاحاً على العالم والمنطقة؟ بإمكان النظام بيع أوهام، ولكن في مرحلة موقتة، أكان لأردوغان قبل الانتخابات عبر وعود بإعادة جزء من اللاجئين، وربما بعودة رمزية لفئة الموالين، أو للأردن مثلاً مع خطوة رمزية كهذه، رغم أن عمّان راجعت خطواتها بعد انتشار عمليات تهريب المخدرات. لهذا كان الزلزال فرصة لبعض الزيارات والتضامن، ولكنها أيضاً موقتة.
حين يزول الغبار عن هذه الأدوات، ويظهر زيفها وضعفها، ستعود دول العالم والمنطقة لرؤية هذا النظام على حقيقته: مقر لصناعة المخدرات وتجارتها، وقاعدة لروسيا وإيران وحلفائها، وجميعهم على صدام مع المجتمع الدولي.
رهان النظام أمام مثل هذا الواقع، يبقى على مزيد من الكوارث الطبيعية لاستدرار زيارات التعاطف.
المدن
———————————
“الانفتاح” العربي على سوريا يفتح شهية الأسد على لبنان/ منير الربيع
يعود لبنان إلى القارعة السورية. ينظر اللبنانيون إلى “الانفتاح” العربي على دمشق. بعضهم يعارض وبعضهم الآخر يتأمل، والبعض الثالث يراقب وينتظر. المعارضون يحاولون التخفيف من الوطأة، ولا يتوانون عن التعبير عن اعتراضهم، كما قال رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع: “إنه من المخزي حقاً ان نرى وفداً من البرلمانيين العرب يستفيد من مأساة الزلزال الذي حلّ بالشعب السوري لكي يقابل بشار الأسد. إن الوفد البرلماني العربي الذي التقى بشار الأسد، أمس، تناسى أنه إذا كان الزلزال قد قتل في أسوأ الحالات 7 آلاف مواطن سوري، فإن نظام الأسد قتل مئات الآلاف”. آخرون يفضلون عدم الكلام، فثمة من لا يزال ينتظر الجثة، وثمة من يراهن على أن تبعث حية.
“مشكلة” برّي
يبدو الواقع اللبناني مشابهاً للواقع العربي إزاء المواقف، ومنقسمة تجاه النظام السوري. في لبنان، طرف يتحمس لإعادة تعويم النظام ولعبه دور سياسي في لبنان. مقابل طرف آخر يعارض ويراهن على انعدام القدرة على تحقيق ذلك. فيما طرف ثالث يفضل الانتظار ويسعى إلى مواكبة هذا المسار، إنطلاقاً من مواكبة المسار العربي كما هو الحال بالنسبة إلى رئيس مجلس النواب نبيه برّي، الذي أرسل وفداً برلمانياً إلى دمشق، وأرسل موفداً عنه إليها أيضاً وهو النائب أيوب حميد، لتمثيله ضمن وفد رؤساء البرلمانات العربية. في مواقفه يحرص برّي دوماً على الإشارة إلى ضرورة عودة سوريا إلى الجامعة العربية، ولكنه يعلم أن هناك مشكلة بينه وبين دمشق منذ اندلاع الثورة. إذ أن برّي اتخذ موقفاً متوازناً في هذا المجال، وكان يشير إلى حرصه على الدولة السورية وعلاقاتها مع الدول العربية. بينما من يعرف في حقيقة العلاقة يعلم أن هناك توتراً من جهة رئيس النظام السوري بشار الأسد تجاه برّي. لكن الإيقاع الذي يختاره رئيس المجلس تجاه دمشق يرتبط بإيقاع يعبّر عنه صراحة تجاه السعودية، من خلال التشديد على الحوار معها وبينها وبين إيران، بالإضافة إلى موقفه من إعادة سوريا إلى الجامعة العربية.
تناقضات عربية
هذه المواقف اللبنانية، تقابلها تناقضات عربية أيضاً. فهناك من ذهب إلى فتح العلاقات مع سوريا، كدولة الإمارات، سلطنة عمان، الأردن وصولاً إلى مصر، والتي زار وزير خارجيتها دمشق والتقى الأسد. في المقابل، هناك دول عربية لا تزال معارضة لذلك، أبرزها دولة قطر، فيما السعودية والتي لديها تواصل أمني مع النظام، لديها أيضاً شروطها لترفيع مستوى التنسيق أو العلاقة إلى الجانب السياسي، فيما تتضارب المواقف حيال ما يمكن للسعودية أن تقدم عليه. المتحمسون يعتبرون أن السعودية تسلك طريق التطبيع مع دمشق، وأنها لا تريد ترك الساحة لدول عربية أخرى، ولا لإيران وتركيا فقط. فيما آخرون يعتبرون أن السعودية لن تقدم على هذه الخطوة من دون تحقيق أهداف سياسية أساسية، أبرزها الإلتزام بالمسار السياسي بموجب القرار 2254 وبما يتعلق بالنفوذ الإيراني وغيرها.
بشار والتفاصيل اللبنانية
بقدر الاهتمام اللبناني بتطورات الوضع العربي مع سوريا، فإن ما سمعه زوار دمشق مؤخراً، ينطوي على إهتمام سوري بتفاصيل الوضع في لبنان. حسب ما ينقل الزوار، فإن الأسد قد سألهم عن تفاصيل التفاصيل اللبنانية، وتعمّد أن يظهر مدى متابعته للوقائع اللبنانية اليومية في المجالات السياسية، الاقتصادية، وحتى الواقع الاجتماعي، ولم يغب عنه تناول العلاقة مع “عائلات” لبنانية لديها علاقات اجتماعية مع النظام.
تقصّد الأسد الإطلالة التفصيلية على الملف اللبناني، لإفهام ضيوفه بأنه مهتم ويتابع. وبذلك تعبير عن جموح متجدد يريد إظهاره، تعبيراً عن تعاف. وهو ما يسارع اللبنانيون إلى استعادته بمعادلة “السين-السين”. علماً أن العقلاء يعتبرون أنه لا يزال من المبكر الذهاب إلى مثل هذه الاستنتاجات، خصوصاً أن الأسد، بداية، يحتاج إلى استعادة الكلام والحوار السياسي العربي معه، وبعدها سيكون منهمكاً في وضعيته الداخلية.
وبذلك يمكن أن يخلص المرء إلى استنتاج واحد يتعلق في معادلة النهر. فعودة الأسد إلى لبنان عبر النهر متأخرة، لا سيما أن الجريان معاكس، وبالتالي هناك من يخرج ليقول له بالتعبير القروي اللبناني: “مشمّر والنهر بعيد”. أما من ينتظر الجثة على ضفة النهر، فإنه سيتأخر أيضاً لأن منسوب الجريان خافت.
المدن
—————————-
يفرشون السّجاجيد الحُمر لزعيم عصابة؟/ غازي دحمان
معيبٌ أن تفرش أي دولة عربية السجاد الأحمر لبشار الأسد، وهو المُدان، وعبر قرارات دولية، وبشهادة منظمّات دولية مشهود لها بالحيادية والمصداقية، فذلك يعني احتفالا بهذا القاتل، في وقتٍ لا يزال ضحاياه يموتون بردا وجوعا في الخيام على حدود بلادهم، والغريب أن داعمَيْه الأساسيَّيْن، روسيا وإيران، اللذين تبنيا روايته عن الثورة، استقبلاه بخفر وحياء وخلسة.
ما المُراد من ذلك؟ كأن الغرض هو القول لملايين الضحايا فلتذهبوا إلى الجحيم. ما يهمنا في سورية هو بشّار الأسد، واليوم وبعد الرخاوة الدولية، وتراجع اللاءات العربية، نستطيع أن نعبّر عن مشاعرنا الحقيقية التي أخفيناها 13 سنة، نعم يحقّ لنا ذلك، ويستحقّ الأسد منا السجاد الأحمر، وما هو أكثر من ذلك. أما أنتم فلا نرى فيكم، الآن وقبل ذلك، سوى كم تافه لا معنى له، متطرّفين ومذهبيين، فلا تعتبوا علينا، فنحن أيضا لدينا عقائدنا، وقيمنا، ومقاساتنا للحقّ والباطل.
ثمّة مخاوف، توقّعاتٌ، بأنه في المرحلة المقبلة سيُمدّ السجاد الأحمر لبشّار في مطارات عربية عديدة، ليدوس على الدم العربي الذي سفحه في سورية، ضاحكا ضحكته البلهاء، وهو الذي، وبالأمس القريب، قال عن العرب ما قال، وما زال في مجالسه الخاصة وبين بطانته يقول أكثر من ذلك عنهم، ويعتبر أن هذا التهافت عليه نتيجة طبيعية لثباته على موقفه القائم على إصراره على قتل السوريين وتهجيرهم واضطهاد من تبقّى منهم في سورية، ورفض أي مبادرةٍ لإجراء تسويةٍ سياسية في سورية، وبالنسبة له، لا خيارات أمامهم سوى القبول بهذا الوضع، وما لم يستطيعوا الحصول عليه في المعركة، لن يحصلوا عليه بعد اندحارهم.
بالنسبة لعربٍ كثيرين الأمر بسيط، من السهل جدا تكييف هذا التحوّل باتجاه الأسد، فالطرف الآخر هو أبو محمد الجولاني، وهو زعيم الخمسة عشر مليون سوري من المهجّرين والنازحين، ولا يمكن تأييد هؤلاء لأن انتصارهم سيعني انتصار التطرّف الذي سيجتاح الإقليم كله، كما أن دعم الأسد هو إضعاف للمشروع الإيراني، إذ كلّما كان الأسد أكثر قوّة، استطاع الوقوف بوجه إيران، وأصبحت حاجته لها قليلة، وهذا يمنحه هامشا واسعا من المناورة والقدرة على تفكيك علاقته بإيران، في حين أن الاستمرار في مقاطعته ونبذه سيعطيانه المبرّر، وربما يكون إضعافاً لخياراته وتركه لإيران تتحكّم به.
الغريب أن هناك اعتقاداً واسعاً لدى العواصم العربية أن الأسد سينفكّ عن إيران، وكأنه شخص عقلاني واستراتيجي، تقوم حساباته على منطق سياسي، والوطنية والقومية ركيزتان أساسيتان لخياراته وتوجهاته. ومن غير المعلوم متى وكيف كان كذلك، والغالب أن الأشقاء العرب يلبسونه ثوبا ليس له، ويخلعون عليه صفاتٍ لا يعرفها هو نفسه، إذ لو كان حسب هذه المواصفات والمقاييس، لما باع سورية (بالمعنى الحرفي للبيع من خلال بيع أصولها) لإيران وروسيا، فقط من أجل الحفاظ على السلطة، والتي من أجلها أبدى استعداده لقتل كل سوري لا يخضع له.
في كل الأحوال، حسابات الدول السياسية وتوجهات سياساتها الخارجية لا تضع في عين الاعتبار العواطف، بل تقيم سياساتها على أساس المصالح بالدرجة الأولى، وهذا حقّ سيادي، وربما لدى الدول رؤى سياسية بعيدة المدى، لكن هل فعلا سيؤدّي إغراء بشّار بالفوائد إلى تخليه عن حليفه الإيراني؟ وحتى لو افترضنا ذلك، فهل يستطيع إخراج إيران التي تغلغلت بالحجر والبشر من سورية؟ هل يستطيع تفكيك هذا الوجود الأخطبوطي الماسك بنواصي سورية والجاثم على صدرها؟ وهل تخرُج إيران لمجرّد أن يقول لها بشار: شكرا لم نعد بحاجة لخدماتكم فكّكوا قواعدكم ومليشياتكم وأفرغوا حوزاتكم وارحلوا، اتركوا مستوطناتكم ومعاملكم واستثماراتكم، وسامحونا بديونكم التي تتجاوز المئة مليار دولار، ثم أعيدوا العقارات التي استوليتم عليها!
المذهل في العرب أنهم لم يستطيعوا مقارعة إيران في الحرب، كان من السهل كسرها وإلى الأبد في سورية، وضيّعوا هذه الفرصة، لم تكن إيران بتلك القوّة، وإلا لما راحت تتوسّل روسيا لإنقاذها، كانت مجرّد قوّة فوضوية، كل تقدّم كانت تحققه في ساحة المعارك في سورية كان معمولا من لحم فقراء الشيعة ودمهم. وكان من الممكن هزيمة إيران قبل تدخّل روسيا.
المذهل أيضا اليوم أن العرب لا يعرفون الطريق الى إضعاف إيران وإخراجها من سورية. وبدل ذلك، يقوّون وجودها عبر دعم بشّار وتمكينه، فكل تمكين لبشّار هو حتما تمكين للوجود الإيراني في سورية ودعم للسيطرة الأبدية له، وكل سياسةٍ لا تأخذ بعين الاعتبار مصائر ملايين السوريين لن تكلّل بالنجاح، وطريق إضعاف الجولاني لا تمرّ عبر إضعاف السوريين. الجولاني، في نهاية الأمر، ظاهرة مؤقتة، ومؤيدوها السوريون لا يتجاوزون 1%.
لماذا تفرشون السجاد الأحمر لقاتل وتاجر مخدّرات وفي قائمة جرائمه اغتصاب آلاف الحرّات؟ وباسم ماذا؟ العروبة أم الإنسانية أم العدالة؟ سؤال برسم من يجهّزون سجّادهم لاستقبال بشّار.
العربي الجديد
——————————–
إلهام أحمد لـ«الشرق الأوسط»: تعويم النظام لا ينتج حلاً سياسياً
رئيسة مجلس «مسد»: الروس حاولوا لعب دور الوسيط لكنهم منحازون للأسد
القامشلي: كمال شيخو
رأت القيادية الكردية السورية إلهام أحمد، رئيسة «مجلس سوريا الديمقراطية (مسد)»، أن التعامل «غير المشروط» مع النظام السوري يؤدي إلى تعويمه ولا ينتج حلاً سياسياً، في موقف يعبّر عن رفض للتطبيع العربي والإقليمي مع نظام الحكم في دمشق، ولا سيما في ضوء كارثة الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا أخيراً. وفي حوار مع «الشرق الأوسط» في مدينة القامشلي (محافظة الحسكة)، قالت إلهام أحمد التي ترأس كياناً يُعدّ المظلة السياسية العليا في مناطق شمال شرقي سوريا الخاضعة عسكرياً لـ«قوات سوريا الديموقراطية (قسد)»، إن المسؤولين الأميركيين «نقلوا لنا» أن الإعفاءات الأخيرة من العقوبات المفروضة على سوريا لا تتعارض مع «قانون قيصر». وهنا نص الحوار:
> ما تعلقيكم على زيارة الرئيس السوري بشار الأسد لسلطنة عُمان وهي ثاني زيارة عربية له خلال عقد من الحرب السورية؟
– لا أعتقد أن هذه الزيارات ستؤدي إلى حل سياسي على المستوى السوري؛ لأن التعامل غير المشروط عادةً يؤدي إلى تعويم النظام وليس إلى حلول سياسية. النظام لم يغيّر في سياساته قيد أنملة؛ ومن ثم لن تخدم هذه الزيارات الشعب السوري، والمساعدات الإنسانية الدولية والعربية يجب مراقبتها دولياً وتوزيعها بشكل عادل على جميع المواطنين الذين تضرروا بهذا الزلزال، أينما كانوا.
> عقدتم مؤخراً لقاءات رسمية مع جهات عربية، هل لمستم تغييراً في سياسة حكوماتها من النظام الحاكم؟
– خلال هذه اللقاءات لم تتحدث هذه الجهات عن تغيير في مواقف الحكومات العربية بإعادة تعويم النظام أو قبوله بالشكل الحالي. بدورنا طالبنا بضرورة تقديم مشروع عربي لحل الأزمة السورية، كما طالبنا تركيا بسحب قواتها من شمال غربي البلاد ووضع حد للتدخل الإيراني العسكري السافر. كما طالبنا جامعة الدول العربية بوضع خريطة طريق للحل السياسي والقيام بدورها لوضع حد للحروب الدائرة، وإنهاء معاناة الشعب وحل الخلافات العالقة بين أبناء هذا البلد المقسم عسكرياً.
> لكن تركيا أعلنت رغبتها التطبيع مع النظام الحاكم، وعقد مسؤولون أتراك اجتماعات رسمية مع نظرائهم السوريين. كيف تقيِّمون دور «الائتلاف السوري» المعارض وحكومته المؤقتة من هذه اللقاءات؟
– تصريحات الائتلاف، مع الأسف، كانت على الدوام مؤيدة للموقف التركي، بما فيها قضية التطبيع مع النظام السوري، حيث برّرت مواقفه سياسات الحكومة التركية، وجرى استخدامه بوصفه أداة لإقناع السوريين المعارضين. لكن رفض القاعدة الشعبية في المناطق الخاضعة للفصائل السورية الموالية لتركيا كان بمثابة رسالة للجهات التي تسيطر على تلك المناطق بعدم شرعيتها، وبذلك تكون مواقفنا متقاربة جداً، وأيادينا ممدودة للحوار مع هذه الجهات التي خرجت ونظّمت تلك التظاهرات.
> قررت الإدارة الأميركية تخفيف العقوبات على سوريا بعد الزلزال المدمر. هل أجريتم اتصالات مع السفراء الأميركيين العاملين شرق سوريا لفهم حيثيات هذا القرار؟
– نعم، أجرينا اتصالات مع السفراء الأميركيين الموجودين في مناطق شمال شرقي سوريا، ونقلوا لنا أن هذه الإعفاءات تدخل في السياق الإنساني ولا تتعارض مع «قانون قيصر»، وأصلاً هي معفاة من العقوبات. فالوجود الأميركي العسكري في شرق سوريا يأتي في سياق مكافحة الإرهاب والقضاء على تنظيم «داعش».
> تحاول روسيا لعب دور الوساطة بينكم وبين حكومة دمشق. إلى أين وصلت هذه المساعي؟
– الروس حاولوا لعب دور الوسيط بيننا وبين الحكومة السورية، خلال سنوات الحرب السورية، لكن هذه الجهود لم تثمر، ومعروف أنهم داعمون للنظام. هم مع الحل السياسي ضمن إطار تعزيز قبضة النظام الحاكم على كامل الأراضي السورية. وخلال لقاءاتنا الرسمية معهم لم نتلمس منهم أي دور حيادي بالصراع السوري؛ لأنهم منحازون لضفة النظام أكثر من ضفة الوساطة، وهذا كان السبب المباشر لعدم التوصل لأي نتائج مرجوّة.
> وهل تغيرت بالفعل سياسة النظام بعد هذه المساعي؟
– النظام الحاكم لم تتغير مواقفه؛ لا على الصعيد الإنساني، ولا على الصعيد السياسي، حيث لم يُبدِ أي مرونة بالتعامل مع بقية السوريين المختلفين معه، ولم يقبل قنوات التواصل للتعامل مع الزلزال المدمر والمأساة الإنسانية. المطلوب من جميع السوريين، نظاماً ومعارضة، التعامل مع هذه الكارثة ضمن الإطار الإنساني فقط وترك الخلافات السياسية جانباً. أيّ سوري قلبه على بلده، دولةً وشعباً، بإمكانه طي صفحة الخلافات السياسية، والتقدم باتجاه الحل الشامل. استغلال النظام هذه الكارثة الإنسانية وفرض نفسه وتقوية سلطته وتعزيز مكانته على حساب آلام السوريين وجراحاتهم، مأساة بحد ذاتها.
> هل سيُحدث الزلزال الذي ضرب مناطق واسعة شمال غربي سوريا تغييراً في المشهد السوري؟
– هناك تجارب عدة في التاريخ تؤكد أنه بعد الكوارث الطبيعية تقوم الأنظمة الحاكمة بمرحلة جديدة، وتشكل حكومات وطنية وتغيّر من سياساتها وتلتف حول مواطنيها، لكن في سوريا لم يحدث ذلك، ولا أرى إشارات إيجابية بأن الوضع سيتغير في هذا البلد المنقسم، خصوصاً بالنسبة للخلافات بين الأطراف المتحاربة والأجندات الدولية والإقليمية التي تفرض نفسها على الوضع الداخلي السوري، وهي العائق الأساسي في توحيد الرؤى السورية، ومن ثم فإن عدم قبول المساعدات المقدَّمة من قِبل الإدارة (الذاتية) ومجلسها السياسي أكبر دليل على أن الوضع لن يتغير في هذا البلد بالنسبة للخلافات السورية – السورية.
> ومن يتحمل مسؤولية تعقيد الحالة السورية إلى هذا المستوى؟
– تسييس الكارثة الإنسانية من قِبل النظام السوري وفرض نفسه على المجتمع الدولي على أنه نقطة ارتكاز لتلقّي المساعدات الدولية واحتكار توزعيها، دليلان على ضعفه. فالأمم المتحدة ترسل المساعدات لمناطق النظام، لكنها تبقى أياماً في العاصمة دمشق. وتابعنا جميعاً كيف أن النظام لم يعلن أن مدينتي جبلة وحلب من المناطق المنكوبة إلا بعد مرور أسبوع من الكارثة المدمرة، في الوقت الذي كان يستجدي فيه يومياً المساعدات، دون التحدث عن هذه المناطق. وتعامل المجتمع الدولي مع النظام على أنه الطرف الشرعي الوحيد وأنه المسؤول عن إدارة كل السوريين رغم التقسيمات العسكرية، كان أكبر غلط ارتكبه هذا المجتمع وهيئات الأمم المتحدة.
> المساعدات التي قدمتها الإدارة الذاتية ومجلس «مسد» للمناطق المنكوبة رفضتها مناطق العمليات التركية، وقبلتها مناطق النظام… فما تعليقكِ؟
– «مجلس مسد» والإدارة الذاتية اتخذا قراراً إيجابياً بإرسال المساعدات الإنسانية لحظة وقوع الزلزال، إلى المناطق المنكوبة شمال غربي سوريا، لكن الحكومة المؤقتة، التابعة للائتلاف السوري المعارض، رفضتها، وهذا الرفض مردُّه عدم وجود قرار سياسي بالموافقة لهذه الجهات السياسية لصالح توجهات الحكومة التركية، وهذا يثبت أن هذه القوى المعارضة لا تمتلك قرارها المستقل وتتبع لتركيا التي تقرر عنهم، ومن ثم فإن عدم وصول هذه المساعدات إلى المنكوبين في إدلب وشمال حلب وعفرين يتحمل مسؤوليتها الائتلاف وحكومته المؤقتة والفصائل العسكرية التابعة لها.
> وكيف تعاملت الحكومة السورية التابعة للنظام مع المساعدات المقدَّمة من قِبلكم؟
– فيما يخص المناطق التابعة للنظام الحاكم كانت مدينة جبلة أكثر المناطق المنكوبة، إضافة على حلب والأحياء الخاضعة للقوات النظامية، خصصنا مساعدات لها وكانت عبارة عن 100 صهريج وقود، إضافة لشحنات تتضمن مستلزمات طبية لوجستية جمعها مواطنو المنطقة، لكن النظام اعترض على إدخالها وبقيت لأكثر من أسبوع على المعابر ثم وافق على إدخال سيارات الوقود لتبقى المواد اللوجستية رهينة العراقيل والحواجز التي عاقت وصولها في الوقت المناسب.
> وهل هذا الرفض مردُّه قبول شرعية الإدارة لدى هذه الأطراف؟
– تماماً، فالخوف من استقبال مساعدات الإدارة ومجلس «مسد» دليل على ضعف هذه الأطراف وأن الإدارة ستستغلّ هذا الاعتراف للتعامل معها ومع مؤسساتها، وهذه كانت مجرد حجج لا أساس لها من الصحة ووضعوا حياة الناس في البازارات السياسية، حيث تتحمل هذه الجهات (النظام والائتلاف) مسؤولية عدم وصولها في الوقت المناسب بالدرجة الأولى.
الشرق الأوسط»
————————————
نظام الأسد يحقق فوائد سياسية من الزلازل ويحرم المتضررين من المساعدات عبر شروطه القاسية/ عدنان عبد الرزاق
ترك نظام بشار الأسد السوريين المتضررين من الزلازال التي ضربت أربع مدن سورية، منذ السادس من فبراير/شباط الجاري، لأقدارهم، بعد أن حقق، برأي مراقبين، الفائدة السياسية من مأساتهم الإنسانية.
ولم تتوقف المساعدات وزيارات مسؤولين من دول عربية، آخرها وفد البرلمانيين العرب يوم الأحد، بعد أن جمّدت الولايات المتحدة والدول الأوروبية العقوبات لمدة ستة أشهر.
ويقول بشار أحمد من ريف مدينة اللاذقية لـ”العربي الجديد” إنه لم يتلق أية مساعدة حكومية حتى اليوم، بعد أن تصدّع منزله جراء الزلزال وبات الاستمرار بالسكن، من دون تدعيم، خطراً على أسرته المؤلفة من خمسة أشخاص.
وأشار إلى أن القرض الذي أعلنت عنه حكومة الأسد، جاء مشروطاً وبحاجة لكفلاء ولن يستطيع جميع المتضررين الحصول عليه. وكان مصرف الوطنية للتمويل الأصغر قد طرح قرض “ساند” المخصص، لترميم وإعادة تأهيل المساكن المتضررة من الزلزال في محافظات حلب واللاذقية وحماة، مبيناً خلال بيان، أن قيمة القرض تصل إلى 18 مليون ليرة (نحو 2400 دولار) من دون فوائد وفترة السداد تمتد لست سنوات.
وأكد أحمد، وهو متقاعد، أن معظم المتضررين لا طاقة لهم بقرض “ساند”، لأن القسط الشهري 250 ألف ليرة، وشرط القرض أن يكون دخل المقترض الشهري 750 ألف ليرة، علماً أن متوسط دخل السوريين 100 ألف ليرة.
وأضاف خلال اتصال أن البديل إن لم يكن الدخل كبيراً، وجود 18 كفيلاً من أصحاب الدخول المرتفعة ليتم الحصول على القرض، بمعنى صعوبة الحصول على القرض إن لم نقل الاستحالة، مستدركاً أن القرض لا يشمل أيضاً من تهدّم منزله، بل فقط من تضررت منازلهم بشكل جزئي وبحاجة لتدعيم.
ووصف أحمد طلب نقابة المهندسين في مدينة اللاذقية مليون ليرة لتكشف على المباني المتضررة وتقدم تقريرها ليتم بناء عليه التقدم للقرض، بالفضيحة.
في المقابل، سألنا السيدة “فطينة.ح “من حي الكلاسة بمدينة حلب عما قدمته حكومة بشار الأسد للمتضررين من الزلزال فأكدت، بعد رجائها عدم ذكر اسمها كاملاً، أنها لم تتلق أية مساعدة، بل أقامت في الحدائق والساحات العامة وأسرتها، لأيام، “لأن الشقق في حي هنانو لم تستوعب سوى 1% من المتضررين”.
وتشير السيدة السورية العاملة في القطاع العام أن راتبها الشهري نحو 110 آلاف ليرة وتكلفة ترميم منزلها الذي تصدع “بالملايين” وأنها لا تستطيع تدبر تكاليف المعيشة بعد غلاء الأسعار ومحاولات “الترقيع وبيع الممتلكات على مدى سنين”، فمن أين سترمم المنزل الذي تصدع وربما يسقط بواقع عدم الاستقرار واستمرار الهزات الارتدادية.
وأعلنت لجنة السلامة العامة في سورية، عن وجود 2287 مبنى غير آمن في مدينة حلب، والتي تعد أكثر المدن تضرراً بالزلزال ضمن مناطق سيطرة النظام.
وتكشف لجنة السلامة في حلب، أن عدد المباني المتضررة بحلب وصل إلى 11 ألف مبنى، منها 300 مبنى غير قابل للإصلاح، بعد التقييم والكشف وعودة الأهالي إلى 8 آلاف مبنى بالمناطق المتضررة.
وحول الاستفادة من قرض “ساند” تتحدث السيدة السورية لـ”العربي الجديد” عن استحالة تحقيق شروطه، لأن دخلها محدود ولا يمكن تأمين 18 كفيلاً دخلهم مرتفع، معتبرة أن المستفيدين من القرض قلائل جدا وما إعلانه سوى “دعاية إعلامية”.
ولم يشمل القرض، على صعوبة الحصول عليه، من فقد منزله ويعيش نازحاً منذ خمسة عشر يوماً كما يقول أحمد خيرو من حي السكري في حلب الذي فقد منزله، مكتفياً خلال اتصال مع “العربي الجديد” بأن الجميع تخلى عنهم وهم بانتظار مبادرة غرف التجارة والصناعة بالمعونات أو ببناء وحدات سكنية للمتضررين.
ويقول “موفق.د” من الحي نفسه خلال اتصال معه “ليقارنوا بين ما تقدمه تركيا وما نعانيه من تخل بعد فقداننا كل ما نملك”، مشيراً لـ”العربي الجديد” إلى أن كل ما يملكه صار تجت الأنقاض، وهم يمنون علينا أننا على قيد الحياة”، مؤكدا أن “المواساة عبر الشعارات لا تفيد السوريين المتضررين، فنحن بحاجة لمأوى وتعويض لأننا فقدنا كل شيء”.
وتساءل السوري موفق عن الأبنية التي وعد بها بشكل عاجل وزير الأشغال العامة والإسكان، سهيل عبد اللطيف إذ لم يتم سؤالنا “مجرد سؤال حتى اليوم” كيف نتدبر أمرنا أو أين ننام، والخشية، بحسب المتحدث، أن تكون 300 شقة بشكل عاجل، كما غيرها من الوعود.
مبادرات شعبية
يقول الصناعي محمد طيب العلو لـ”العربي الجديد” إن لغرفة الصناعة قدرة محددة، ورغم ذلك أعلنت من منح مليوني ليرة سورية لكل من تهدم منزله، كاشفاً أن اللجنة العليا لإغاثة الزلزال برئاسة الوزير، حسين مخلوف طلبت لغرف الصناعة والتجارة تحويل أموال الرسوم للجنة لتسخيرها بالإغاثة، “لكن الغرف رفضت وتستمر بالمساعدة بطريقتها”.
ووصف العلو ردود فعل حكومة النظام بـ”البطيئة والمترددة، فحتى اليوم لا يوجد أي قرار واضح للتعويض أو منح المتضررين منازل ولو بأقساط شهرية”.
وأكد استمرار منح غرفة صناعة حلب المواد الإغاثية فضلاً عن منح مليوني ليرة لمن فقد منزله، مشيرا إلى “أنها لا تكفي ولكن هذه استطاعتنا فنحن تنظيم غير حكومي ولسنا دولة”.
ولم تقدم حكومة بشار الأسد، حتى اليوم، سوى الوعود خلال الاجتماعات بحسب السوريين، والتي كان آخرها ما تمخّض عن اجتماع الحكومة، إذ اكتفى مجلس الوزراء خلال جلسته برئاسة حسين عرنوس، بإقرار خطة العمل الوطنية للتعامل مع تداعيات وآثار الزلزال في مختلف القطاعات الأسرية والسكنية والخدمية والتنموية و”السعي لتأمين احتياجات المتضررين وآليات إعادة النشاط الاقتصادي والاجتماعي إلى المناطق المنكوبة.
ورغم تشرد عشرات آلاف السوريين بمناطق النظام ومضي أكثر من عشرين يوماً على الكارثة، قال رئيس مجلس الوزراء عرنوس خلال الاجتماع إن “الدولة تدرس كل الخيارات للتعويض على المتضررين”.
فرصة للتعويم عبر التسول والاستعطاف
ويقول الاقتصادي السوري، عبد الناصر الجاسم إن نظام بشار الأسد لم يبد سلوك دولة خلال كارثة الزلزال، بل تعامل مع الكارثة كفرصة لعودة تعويمه دولياً من خلال التسول واستعطاف الدول، رغم أنه لم يقدم أي شيء للمتضررين، وحتى المساعدات تباع في الأسواق السورية بعد سرقتها.
ويشير الجاسم لـ”العربي الجديد” إلى أن 119 طائرة مساعدات وصلت لمناطق سيطرة نظام الأسد، وهي بآلاف الأطنان، لكن حال السوريين لم يتغيّر، سواء على مستوى عرض السلع و الأسعار أو وضع المتضررين، وكل ما في الأمر برأيه، فائدة “عصابة الأسد” من الزلزال عبر جمع أموال وتجميد العقوبات الدولية والانفتاح على العالم.
وأبدى الجاسم خشية الاستمرار في استغلال الحالة الإنسانية وزيادة التطبيع العربي والدولي مع نظام الأسد وتناسي قتل وتهجير أكثر من نصف السكان “لو نظرنا إلى خريطة البيوت المهدمة في سورية لرأينا أنها في المناطق التي تعرض سابقاً لقصف الطائرات الروسية والأسدية.. بأصل الزلزال وآثاره هو نظام الأسد”.
وحول أضرار الزلزال على مناطق سيطرة النظام وحجم المساعدات، يضيف الاقتصادي السوري إنه حتى الآن لم تصدر أية تقديرات رسمية، واصفاً ما يصدر من تقديرات بالمبالغة، لأن بعض “أبواق النظام وصلت تقديراتهم بالخسائر لمئة مليار دولار في حين أقل التقديريات وصلت إلى 30 ملياراً” واصفاً تلك التقديرات بالتهويل لمزيد من الاستعطاف وحصد النتائج السياسية.
وكان أستاذ التنمية في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، أيمن ديوب قد قدر الخسائر الحاصلة في سورية بفعل الزلزال بحوالي 15 مليار دولار تقريباً، من بنى تحتية و أبنية وغيرها وهذه تحتاج، برأيه، إلى الضعف لإعادة البناء أي 30 مليار دولار، حتى تعود المناطق لما كانت عليه.
ويبدي الاقتصادي الجاسم خشيته من استمرار استغلال الكارثة الإنسانية وسرقة المساعدات التي وصلت لدمشق، وآخرها طائرة مساعدات مقدمة من دول الاتحاد الأوروبي، تحمل 120 طنًا من المواد الإغاثية والطبية للمتضررين من الزلزال.
وكان وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك بحكومة الأسد، عمرو سالم قد أعلن أمس الإثنين في تصريحات لوسائل الإعلام المحلية، عن توزيع مختلف المواد الإغاثية على المتضررين من جراء الزلزال عبر البطاقة الإلكترونية خلال الفترة القادمة، وذلك لضمان وصولها إلى مستحقيها في المحافظات المنكوبة في سورية.
(الدولار= 7500 ليرة)
العربي الجديد
——————————–
مؤيدو الأسد من رامي مخلوف إلى الزلزال/ رانيا مصطفى
كتب رامي مخلوف، رجل الأعمال السوري وابن خال الرئيس السوري، منشوراً على “فيسبوك”، ألبس فيه نفسه ثوب القداسة والخير، وادّعى امتلاك بصيرة الأنبياء، متنبئاً بحصول زلزال جديد مدمّر في سورية. كانت ردود أفعال الشرائح التي أيدت النظام لافتة، من حيث استهجانها شخصية مخلوف، وسخريتها من كوميديّتها من جهة، ومن سوداوية الحال السوري المتأزم معيشياً، والذي كان مخلوف، في مرحلة سابقة، أحد مسبّبي هذه الحال. تناولت الصفحات والمواقع المقرّبة من الحكومة منشور مخلوف، ربما لتحميله وحدَه كل أسباب الفساد والسرقة، بعد أن طردته العائلة الحاكمة، في 2018، من ملكوتها الاقتصادي، بينما كان من المحظور تناول اسمه في السابق، وقد كسر متظاهرو 2011 هذا الحظر بشعاراتٍ ولافتاتٍ نعتته بـ”الحرامي”، لما كان يرمز له حينها كحوت نيوليبرالي، يمثل الوجه المافيوي الاقتصادي للنظام.
لم يدرك القائمون على السلطة في البيت الحاكم مدى تأثير ظهور مخلوف العلني بفيديوهات على الشرائح المؤيدة للنظام، والتي طرح من خلالها خلافه مع العائلة، لأنه سمح بتناول دور العائلة الاقتصادي، وتحميلها مسؤولية الفساد، خصوصا ما تقوم به السيدة الأولى عبر سيطرتها على قطاع الأعمال الخيرية في البلاد. وتصاعدت تلك الانتقادات مع تفاقم الأزمة المعيشية، ما دفع الحكومة إلى إصدار قانون “الجرائم المعلوماتية” في 2022، لمراقبة ما يُنشر على وسائل التواصل الاجتماعي، ويواصل النظام التضييق على الفنانين المؤثّرين، واعتقال الصحافيين والناشطين المؤيدين بسبب انتقادهم الحكومة. بذلك، تمكّن النظام من إعادة إحكام السيطرة على المجتمع، لكنه لم يستطع أن يمحو تأثير الظهور العلني للشرخ العائلي في السلطة في معركة الصراع مع رامي مخلوف على نهب ما في جيوب الناس، وأن شرائح واسعة من الموالين قدّموا أرواح أبنائهم فداء لبقاء تلك العائلة في الحكم، وليس دفاعاً عن وحدة الوطن ضد عدوٍّ متخيّل مركب ما بين التآمر الخارجي والصهيونية والتطرف الديني.
إذا كان الصراع العلني ضمن العائلة قد هزّ الشرائح الموالية للنظام، فإن كارثة زلزال 6 فبراير/ شباط الجاري، وطريقة تعاطي الحكومة معها، قد صدّعتا تلك الشرائح؛ فعشية الزلزال، كان هناك انهيار دراماتيكي جديد في قيمة الليرة السورية، وتضخّم وارتفاع في الأسعار، فيما تعالج الحكومة ذلك كله بمزيد من الضرائب، إضافة إلى الإتاوات التي تفرضها المليشيات المختلفة الداعمة للنظام على حركة نقل البضائع في الداخل، والتي يدفعها التجار الصغار والمتوسطون، وبالتالي، هناك حالة ضيق عامة. سيطر النظام، وعبر دوائره الحزبية والنقابية، والمؤسسات غير الحكومية التي تشرف عليها السيدة الأولى، وعلى مرأى الجميع، على عملية توزيع الإعانات المقدمة للمتضررين، وكل تلك الدوائر غير موثوقة من الشعب، وهناك حالات سرقة مثبتة؛ وفي حين أن كمية التبرّعات القادمة من دول عربية كبيرة نسبياً، حسب ما تورده الصفحات المقرّبة من النظام، إضافة إلى تعليق الإدارة الأميركية والأوروبيين العقوبات التي تخصّ التحويلات المالية مؤقتاً، لم ينعكس على واقع العمل الإغاثي في الأماكن المنكوبة. فضلاً عن حجمٍ غير قليلٍ من التحويلات المالية القادمة من السوريين في الخارج لإغاثة أهاليهم في الداخل، والتي من المفترض أن ترفد خزينة الدولة بالعملات الصعبة. وكل ما سبق كان من المتوقع أن يحسّن من قيمة العملة السورية، وما حصل هو تذبذب في سوق العملة، ثم صعدت قيمة الدولار إلى أكثر من 7000 ليرة سورية، يضاف إلى ما سبق قرار الحكومة رفع سعر المازوت الصناعي في هذا التوقيت الحرج، وبالتالي، استمرار ارتفاع الأسعار.
في الغالب، العملات الصعبة القادمة من الخارج على شكل حوالات ومساعدات تُسيطر عليها شركات تحويل محدّدة، ولا تذهب إلى خزينة الدولة، بل إلى أطراف إيرانية، وهذا الافتراض الذي يتداوله السوريون يفسّر سبب عدم تحسّن قيمة العملة. استغلّ النظام حادثة الزلزال في الترويج، أمام المجتمع الدولي، لإمكانية المضي في مسار التطبيع معه، باعتباره يمثّل الدولة التي يقع على عاتقها إدارة أزمة ما بعد الزلزال؛ لكنه، في الوقت نفسه، عاجز عن القيام بهذا الدور، بسبب حجم الفساد الذي ينخر دوائره، وبسبب حجم التدخّل الخارجي، الإيراني خصوصاً، والذي بات يسيطر على قطاع التحويلات لتعويض نقص العملات الأجنبية التي تأتي إلى طهران، بسبب التضييق الأميركي أخيرا عليها في العراق.
باتت هذه الصورة واضحة أمام السوريين في مناطق سيطرة النظام، الموالين منهم والمشكّكين والحياديين وغيرهم، بأن النظام ليس أكثر من مافيا عائلية تسرق ما في جيوب السوريين بالشراكة مع داعميهم الإيرانيين والروس. والأزمة الإنسانية التي تسبّب بها الزلزال من ضحايا ومهجّرين كثيرين هي استمرار للأزمة التي بدأها النظام منذ 2011، من قتل وتشريد، ونهبٍ مستمر. لكن أزمة الزلزال هي الجديد، وتأثيرها لم ينته بعد، في ظل العجز الواضح للحكومة عن تقديم شيء للمتضرّرين، وفي ظل تضامن كبير بين السوريين، في كل المحافظات، في تقديم ما تيسّر من مواد إغاثية. هذا يعطي مؤشّراً إلى قدوم لحظة حرجة، من المفترض على النخب السورية المعارضة التقاطها وتقديم البرامج والحلول.
هذه النخب غائبة تماماً عن التقاط الحدث، كما كانت غائبة عنه في السابق، وبعضها انتظم في مؤسسات مكرّسة، كالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة والمجلس الوطني، ووضعت كل بيضها في سلة الطرف التركي، الذي وجد مصلحته أخيرا في مصالحة النظام، وإعادة اللاجئين السوريين، من دون حلّ سياسي. كانت هذه المعارضات، منذ نشأتها قبل الثورة، مفلسةً من أية برامج بنّاءة، وعجزت خلال الثورة عن بلورة رؤية واضحة سياسية واقتصادية واجتماعية، ولم تعالج مشكلة الموالين للأسد، بل صنّفتهم بالشكل الطائفي والمذهبي، في ما يخصّ العلويين وبقية الأقليات الدينية والقومية، تارة، وتارة أخرى بالشكل التخويني، في ما يخصّ أبناء المدن التي لم تشارك في الثورة، ولم تدرس أسباب ذلك التأييد، خصوصا ما يتعلق بالتخويف من الثورة بوصفها طائفية وسلفية ومرتهنة للخارج. فعلت المعارضة العكس، طبّقت تلك المقولة التي يريدها النظام، وحوّلت الثورة إلى فصائل إسلامية طائفية مرتهنة للخارج؛ فكيف سيكون بإمكانها امتلاك رؤية وطنية اليوم.
العربي الجديد
—————————-
الزلزال فرصة سياسية/ بشير البكر
يجب أن تحصل كارثة طبيعية مثل الزلزال الذي ضرب تركيا وسورية في السادس من فبراير/ شباط الجاري، كي يحسّ السوريون بمقدار الوجع، ويفتحوا عيونهم على حقيقة ما هم فيه. لقد أصابتهم على نحو مضاعفٍ كل الكوارث التي شهدتها المنطقة خلال العقد الأخير، ولم يتزحزح وضعهم، بل هو يسير إلى الوراء. لا تكفي الضربات اليومية التي تنهال عليهم كي يشعروا بالألم، لقد تعوّدوا هذه الحالة المأساوية، وتعلّموا التعايش مع التراجيديا، تلقّوا براميل رئيس النظام بشّار الأسد والأسلحة الكيميائية ودمار حلب وحمص وحماة ودير الزور والرقّة ودرعا وإدلب، وهناك ضربات أخرى. ومع كل ضربةٍ يعدون من الصفر، ولم يعد يفرق معهم إذا نزلوا درجة أخرى في الكوارث، طبيعية كانت أم غير طبيعية.
وفي كل مرّة يواجهون موقفا صعبا يفتحون مجالس عزاء من أجل شكوى الحال، وشتم رئيس النظام بشّار الأسد والروس والإيرانيين، وينتقدون التقصير الدولي والعربي والتمييز والكيل بمكيالين، ولا يتركون مظلمةً إلا ويرفعونها، ولكنهم عاجزون عمّا يجب أن يقوموا به. يضعون أنفسهم في موقع الضحية ويكتفون بذلك، ولا يفتحون دفاترهم المختومة بالشمع الأحمر، التي تغطّي على أسباب الهزائم السياسية والعسكرية التي لحقت بالثورة السورية. ينعون ضعفهم وتقصير العالم عن مساعدتهم، وهذا أمرٌ لا جدال فيه، إلا أنهم لا يواجهون الواقع كما هو، ومن ذلك الجيوش العاطلة من العمل في المناطق التي يسمونها “المحرّرة”، وهي فصائل عسكرية لو كان قرارها بيدها، لما صعُب عليها فتح معارك عسكرية تعيد وضع المسألة السورية في نصابها، وتُجبر الأسد وحلفاءه على الدخول في مفاوضات جادّة من أجل حل نهائي لسورية.
ويستدعي الأمر أيضا توافق الحكومتين اللتين تسيطران على “المحرّرة”، وهما الحكومة السورية المؤقتة التي تتبع للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة في إسطنبول، وهي حكومة لا حول لها ولا قوة، ولا حضور مميّزا لها، وتعد أصدق تعبير عن العجز الذي أصاب الجسم السياسي للمعارضة، الذي تشكّل من أجل هدف لم يعد موجودا، وتحوّل إلى عنوان في إسطنبول للتغطية على الفشل وتبرير السياسات الدولية، وصار إعلان وفاته واجبا. أما الحكومة الثانية فهي تحمل اسم “حكومة الإنقاذ” التابعة لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) بقيادة أبو محمد الجولاني، وهي تشكل مظهرا من مظاهر التدهور السوري، وغير أنها تكتم أنفاس الناس الذين يعيشون تحت ادارتها، فهي في نظر العالم بؤرة للتطرّف، وهي، في جميع الأحوال، تثير لدى السوريين نفورا بالقدر الذي تحاول فيه أن تبيّض صفحتها أمام المجتمع الدولي، من خلال التعاون في مجال مكافحة الإرهاب ومطاردة “داعش” والمتطرّفين من “القاعدة”. ويجب ألا ننسى أن ثلث سورية تسيطر عليه “قوات سوريا الديمقراطية”، تحت اسم “الإدارة الذاتية”، بدعم أميركي تحت ذريعة الحرب على “داعش”. وقد ظهر خلال كارثة الزلزال أن الحدود بين هذا الجزء من سورية أقوى منها بين مناطق النفوذ الأخرى.
وحتى لا نقع في السوداوية المطلقة، لا بد من الإشارة إلى ظواهر إيجابية تستحق التثمين والأخذ بها مثلا على ما يجب أن يقوم به السوريون من أجل إصلاح أحوالهم، ومنها منظمة الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) التي أدت دورا مهما في مواجهة كارثة الزلزال، ولولا وجودها لكانت الأضرار أضعافا مضاعفة. وقد شهد كل السوريين الذين أصابتهم المأساة أن وجودها كان العون الوحيد المادي والمعنوي. وما تقوم به هذه المنظمة ليس مستحيلا، بل هو أمر عادي في ظروف استثنائية، إذا توفرت إرادة صادقة، وهذه هي كلمة السر وراء نجاح الدفاع المدني الذي يجب أن يتمسّك به السوريون، ويعزّزوه ويبنوا عليه وينسجوا على غراره مؤسّسات تعيد تأسيس وضع سوري جديد في الشتات والداخل.
المدن
——————————–
رفع العقوبات الأميركية والعقوبات الأسدية/ راتب شعبو
يكثر الكلام اليوم، عقب الزلزال الذي نكب سورية، عن محاولة نظام الأسد استغلال الكارثة لفكّ العزلة المفروضة عليه في العالم وفي محيطه العربي. ينصبّ الحديث الأساسي على أهم عناصر عزلة طغمة الأسد، وهي العقوبات الأميركية والأوروبية. من جانبه، يحاول بشار الأسد لغة جديدة نسبياً للتشجيع على فكّ العزلة، فيتكلم، في خطابه أخيرا، عن “الأشقاء العرب”، ويمتنع عن استخدام كلمة “الاحتلال” الأميركي أو التركي، كما يتكلم عن حوار سوري، ما يضمر (بعد كل هذا الخراب) اعترافاً بآخر سوري غير خائن وغير عميل ويجب الحوار معه.
الواقع أن أهم ما تطمح إليه الطغمة الأسدية رفع العقوبات الاقتصادية، مستفيدةً من الأثر النفسي الذي خلفته كارثة الزلزال. عقدة هذا الموضوع تكمن في أن السوريين في الداخل أيضاً يتمنّون رفع العقوبات (نقصد العقوبات التي تؤثر على حياتهم)، وهو ما يفرض مناقشة هذا الأمر بعقلانية.
ما ينبغي التوقف عنده، في هذا الموضوع، محاولة الطغمة الأسدية جرّ معارضيها إلى الموقع الذي تختاره لهم، وهو موقع رفض رفع العقوبات التي تؤثر سلباً ليس فقط على مسؤولي النظام وزُلمه وزبائنه، بل تؤثر سلباً، أيضاً، على الاقتصاد السوري وعلى حياة السوريين. هدف طغمة الأسد أن تختزل الصراع كله في الموقف اللحظي من العقوبات، وأن تقطع، بالتالي، اللحظة الراهنة منه عن سياقٍ سابقٍ يفسّر سبب فرض العقوبات وسبيل الخلاص منها. ما تفعله، في هذا الصدد، طغمة الحكم في سورية هو نوع من الحرتقة السياسية التي تهدف إلى إظهار المعارضين لنظام الأسد بمظهر من لا يبالي بآلام السوريين في الداخل، ولا بالوضع البالغ السوء الذي صاروا إليه. هذا النوع من الاجتزاء أو “الحرتقة” يريد أن يقول إذا كنت تهتمّ بآلام الشعب السوري، عليك أن تنضمّ إلى حملة رفع العقوبات “الغربية”. بطريقة أخرى، على السوري الجيّد أن يهتم بما يفرضه الخارج على النظام من حصار أو عقوبات، من دون أن يكترث بما يفرضه النظام على السوريين من عقوبات ومن قتل وسجن وإغلاق البلاد على زعامة متفرّدة من دون أي أفق لحل سياسي قابل للحياة.
للوصول إلى هذه النتيجة، يقوم دعاة النظام بأمرين: الأول، ردّ بؤس السوريين كله إلى العقوبات، وهو ما لا تكفّ الألسنة الأسدية عن تكراره، الهدف هو إقناع السوريين ببراءة نظام الفساد والمحسوبيات والتشبيح والاحتكار وتهريب أموال السوريين إلى الجنات الضريبية في بنما وغير بنما، من بؤسهم وفقرهم. من دون أن يعني هذا إغفالَنا ما تسببه العقوبات من آلام للسوريين. والثاني، النظر إلى العقوبات وكأنها حالة معزولة، ولم يتم فرضها بناء على ممارسات إجرامية يقوم بها النظام وداعموه ضد السوريين. أهم قانون عقوبات مفروض على النظام السوري، نقصد قانون قيصر (2019)، يحدّد، في المادة 301 منه، سبعة بنود أساسية، من أجل رفع العقوبات، أهمها عدم استهداف السكّان المدنيين من خلال استخدام الأجهزة الحارقة من براميل متفجّرة أو أسلحة كيميائية وصواريخ ومتفجّرات، وإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين الذين يجري احتجازهم قسراً، وعدم استهداف المرافق الطبية والمدارس والأحياء السكنية والأسواق، والعودة الآمنة والطوعية والكريمة للسوريين الذين شرّدهم النزاع، ومساءلة مرتكبي جرائم الحرب في سورية والمشاركة في عملية حقيقية وموثوقة للحقيقة والمصالحة.
العقوبات متنوّعة ومتعدّدة المستويات، ومن الضروري التمييز بين عقوباتٍ تحدّ من قدرة النظام على البطش بمعارضيه، وتستهدف مسؤوليه ورجاله وزبائنه (هذه عقوبات لا ينبغي طمس طبيعتها المحقّة بدمجها مع بقية العقوبات)، وعقوباتٍ تخنق الاقتصاد وتمسّ بصورة أكبر حياة الناس. ولكن صحيحٌ أيضاً أنه لا يمكن، في الواقع، تخيّل عقوبات “ذكية” إلى حدٍّ لا تنعكس معه سلباً على حياة الناس، وبصورة خاصة في ظل استبدادٍ معمّرٍ يضع يده على اقتصاد البلد ويؤسّس لنفسه أنه أبدي، استبدادٍ يلتفّ على المجتمع، كما تلتفّ أفعى على ضحيتها، فلا يمكنك أن تستهدف الأفعى من دون أن تؤذي الضحية.
نعلم أن العقوبات لا تُسقط هذا النوع من الأنظمة، بل ربما تزيدها بطشاً ونزوعاً احتكارياً وتحيل المجتمع إلى جسدٍ منهك، كما بيّنت التجربة في العراق أو في كوريا الشمالية. ونعلم أن هناك إجراءاتٍ أكثر فاعلية بكثير من العقوبات الاقتصادية، إذا كان ثمّة إرادة جادّة لمساعدة السوريين على تغيير النظام الأسدي، أو لفرض الحل السياسي الذي أقرّه مجلس الأمن منذ خريف 2015، ونعلم أن العقوبات الاقتصادية المفروضة تتسبّب في زيادة معاناة الناس داخل سورية. أكثر من ذلك، نعلم أن العقوبات مع الزمن تُضعف الطاقة والتطلع الديمقراطي في المجتمع، لأنها تنهك المجتمع، وتُضعف الطبقة المتوسّطة التي تشكّل الحاضنة الأهم للمطلب الديمقراطي. ونعلم أيضاً أن العقوبات لم تُفرض بقرار سوري، ولا تُرفع بقرار سوري، فهي أولاً وأخيراً جزءٌ من سياسة دول كبرى لا نعتقد أن القيم الديمقراطية هي محرّكها الأساسي، وإلا لما متنا كل هذا الموت، ولا كنا في الحضيض الذي نحن فيه اليوم.
مع ذلك، ليس من الحرص المطالبة برفع العقوبات، بهذه العمومية التي تشمل العقوبات المفروضة بحق مجرمين وبحق أصحاب قرارات إجرامية، وبالتعامي عن الأسباب التي أدّت إلى فرض هذه العقوبات، ومن دون اكتراث بالعقوبات التي يفرضها نظام الأسد على محكوميه، ولا سيما منهم الذين يموتون في السجون (هل العقوبات الغربية هي المسؤولة عن بؤس عشرات آلاف السوريين في السجون؟) والذين يعيشون في بلدان اللجوء محرومين من العودة إلى بلدهم تحت طائلة السجن أو القتل، ومحرومين حتى أن يدفنوا في بلادهم إذا ماتوا. المطالبة برفع العقوبات الغربية من دون انتباه إلى العقوبات التي يفرضها نظام الأسد على سورية كلها حين يصرّ على استمراره في التفرّد بالحكم على منواله السابق، ويرمي باللعنة كل من يعارضه، هي مطالبةٌ مجزوءةٌ فيها إدارة ظهر للسوريين بقدر ما يبدو فيها حرص عليهم وتضامن مع آلامهم.
على الحريصين أن يطالبوا برفع كل العقوبات التي تُثقل على حياة الشعب السوري، رفع العقوبات الغربية والعقوبات الأسدية معاً، في هذا اتّساقٌ مع المنطق ومع الأخلاق، وفيه تضامنٌ فعلي مع الشعب السوري.
العربي الجديد
————————–
زيارة شكري إلى دمشق:كيف يستجيب الاسد للمبادرات العربية
حمل وزير الخارجية المصرية سامح شكري شعار “التضامن الإنساني في المقام الأول” لأول زيارة يجريها إلى دمشق، مسؤول مصري بهذا المستوى منذ 2011.
لكن رغم تجاهل شكري سؤالين صحافيين حول إمكان أن تعود العلاقات السياسية بين القاهرة ودمشق، إلى سيرتها الأولى قبل ثورة السوريين التي تستعد لتطوي عامها ال13، أو أن تلعب القاهرة دوراً في عودة النظام لشغل مقعد سوريا في الجامعة العربية، إلا أن زيارته لا يمكن فصلها عن مساعي بعض الدول العربية التي وجدت في الزلزال فرصة لتغطية عملية تعويم الأسد ونظامه تحت ستار الإنسانية.
تعويم الأسد
ولمّح شكري إلى ذلك بقوله ل”قناة سكاي نيوز عربية”، إنه “على الرغم من أن مباحثاتي في دمشق تحمل عنواناً إنسانياً، إلا أنها لم تخلُ من الحديث عن العلاقات بين البلدين”.
ويتفق الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش مع تصنيف زيارة شكري كجزء من التيار العربي المتنامي لتعويم الأسد عربياً الذي برز في 2018، ثم اكتسب زخماً أكبر بعد الزلزال المدمر الذي أفسح المجال أمام “دبلوماسية الكوارث” لتعميق التحولات في السياسات العربية تجاه سوريا.
ويقول علوش ل”المدن”، إن الزيارة تعكس رغبة مصرية في مواكبة التحولات العربية بالانفتاح على الأسد، إلا أن ضبابية وديناميكية التحولات، دفعت القاهرة لعدم إعطاء أبعاد سياسية للانفتاح وحصره بالدوافع الإنسانية، مضيفاً أن الانفتاح العربي على الأسد، سيكرس وضعاً جديداً للسياسات العربية في سوريا، كما ستظهر تنسيق المواقف العربية تجاه النظام بشكل أكبر في الفترة المقبلة.
الانفتاح ليس مجانياً
لكن السؤال الأكثر إلحاحاً من التحركات العربية، هو حول الثمن الذي تطالب به تلك الدول مقابل تعويم النظام؟ وما الذي باستطاعة الأسد أن يقدمه بالمقابل؟ وخصوصاً أن معظم ما يرشح من تسريبات تؤكد أن على الأسد أن يختار بين الارتماء في الحضن العربي أو الإيراني، لا في الاثنين معاً.
ويؤكد علوش أن الانفتاح لن يكون مجانياً، وسيبقى تطوره مرهوناً بما يُمكن أن يُقدّمه الأسد للدول العربية، خصوصاً في مسألة تقييد النفوذ الإيراني في سوريا، كما يرى أن التعويل على عودة الدور العربي لإضعاف التأثير الإيراني”غير واقعي وربما يأتي بنتائج عكسية”.
إضافة إلى ذلك، يعتبر علوش أن قدرة الأسد على تقليص دور طهران في سوريا، “تبدو محدودة حتى لو أراد ذلك فعلاً”، إذا لايزال يعتمد على إيران بشكل أساسي عسكرياً وبدرجة أقل اقتصادياً، فضلاً عن وجود رغبة كامنة لدى الأسد بموازنة مصالحه بين إيران والدول العربية، والتي قد لا تكون مثالية لهم لمن يرغب منها في تقييد الدور الإيراني في سوريا، وخصوصا السعودية.
رغبة عربية-روسية
بدوره، يرى الباحث في مركز “حرمون” للدراسات الدكتور سمير العبد الله أن لدى العرب رغبة في إضعاف الدور الإيراني عبر الانفتاح على الأسد، ويعولون على أن تدفع أزمات طهران الداخلية وكذلك واقع النظام الاقتصادي، الأسد إلى تقليص دور إيران في سوريا، إلى جانب تقديم تنازلات في العملية السياسية.
ويقول العبد الله ل”المدن”، إن هناك رغبة عربية-دولية مشتركة بإبعاد الأسد عن إيران، لكن تغلغل طهران في مؤسساته العسكرية والأمنية وأيضاً توقيع حكومته اتفاقات اقتصادية مع طهران، ستجعل أي محاولات للحد من النفوذ الإيراني، أمام تحدٍ كبير.
ويضيف أن رغبة بعض الدول العربية تتوافق مع الرغبة الروسية في الحد من نفوذ طهران وكذلك في تعويم الأسد، لكن ذلك لن يتحقق إلا بعودته للجامعة العربية وعودة علاقاته معها، خصوصاً أن موسكو تعول على الدعم العربي في إعادة الإعمار وبالتالي هي عملياً تريد ضرب العرب بالإيرانيين.
لكن العبد الله، يرى أنه من الصعب الوثوق بالنظام، متوقعاً من الأسد أن يساير المطالب العربية حتى يتمكن من العودة إلى الجامعة العربية وغيرها من المؤسسات، ليبدأ بعدها بالتذرع بكثير من التحديات التي تفوق قدراته على إخراج إيران من سوريا.
المدن
——————————-
“دليل إغاثة السوريين”… هل هناك فرق بين ما دمرته الحرب وما دمّره الزلزال؟/ مناهل السهوي
إن كان المبنى متضرراً من الحرب، ألا يمكن تدعيمه خوفاً من زلزالٍ آخر؟ أم أن الأبنية المتضررة من الحرب والمهددة بالسقوط هي خارج نطاق المساعدات الإنسانية؟
نتوقع بشكل تلقائي، حين نتخيّل وقوع كارثة في منطقة ما، أن يمد المجتمع الدولي يده لتقديم المساعدة للمتضررين، والحرص على استغلال كل دقيقة لإنقاذ من يمكن إنقاذه، فالكوارث الطبيعيّة سباق مع الزمن لحماية الأرواح.
المفترض أننا متفقون على المبدأ العام السابق، لكن هناك استثناء، الكارثة الطبيعيّة وقعت في سوريا، ووقف المجتمع الدولي متأملاً ما يحصل لأيام، قبل أن يجد أسلوباً ما لمساعدة السوريين، محتاراً بين طرق متعددة لإيصال المساعدات، طرق تحمل إلى الآن الكثير من الالتباس الذي يدفعنا الى التشكيك في نوايا الفاعلين الدوليين.
مخاوف الغرب تعطّل الإغاثة
خلال الأيام الأولى للكارثة، كانت احتمالات إنقاذ الأرواح مرتفعة، لكن لم يجد السوريون طريقة لإخراج عائلاتهم وأصدقائهم وأحبتهم من تحت الأنقاض سوى أيديهم، النقص الحاد في معدات الحفر والحماية الشخصية والوقود، أدى إلى الفشل في إنقاذ الكثيرين، وخلال هذه الأيام شديدة الحساسية، لم تُقَّدم أي مساعدات عاجلة لإنقاذ الأرواح من أي جهة أممية، وكان على السوريين أن يتدبروا أمورهم بأنفسهم، يمكن القول إن هذه أولى الخطوات التي تقاعسَ فيها المجتمع الدولي، الذي وإن كان يريد المساعدة لم يستطع، إذ فاقت السياسة والعقوبات الاقتصادية والإجراءات البيروقراطية إنسانيته ولهفته لإنقاذ المتضررين.
على رغم رفع بعض العقوبات جزئياً عن سوريا لستة أشهر، إلا أن الأسئلة لم تتوقف من الأفراد أو الكيانات التي انخرطت أو تريد الإنخراط في العمليات الإغاثية، ليُصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة الأميركية، في 21 شباط/ فبراير، دليلاً حول المحظورات والمسموحات في ما يتعلق بعمليات الإغاثة في سوريا.
جاء الدليل كردٍّ على استفسارات وأسئلة كثيرة تلقاها مكتب مراقبة الأصول الأجنبية المتعلقة بجهود الإغاثة من الزلزال في سوريا، إذ لدى الأفراد والكيانات والبنوك في الخارج مخاوف حقيقية من تعرّضهم لإجراءات قضائية في حال تعاملهم مع أي جهات في سوريا. وعلى رغم جدية الموقف، إلا أن طريقة طرح الدليل بدت مضحكة، إذ جاء على طريقة أسئلة شائعة يتبعها نعم أو لا، وكأنك أمام تعليمات بشأن دخول مسبح للاستجمام أو طريقة تستخدم بها جهاز تلفزيون، وليس الأمر متعلقاً بحياة الآلاف واحتياجاتهم الماسّة.
شمل دليل الخزانة الأميركية تأكيد استطاعة الأشخاص الأميركيين التبرع بالمال للمنظمات غير الحكومية دعماً للجهود الإغاثية في سوريا، كما يجوز جمع الأموال من الأشخاص الأميركيين من خلال التمويل الجماعي، كما يمكن للأشخاص الأميركيين إرسال الأموال إلى الكيانات والأفراد السوريين غير الخاضعين للعقوبات عبر التحويلات بأشكالها كافة، سواء البنوك أو مكاتب التحويل، لكن للأسف وعلى أرض الواقع، تبدي بنوك غربية كثيرة مخاوفها بشأن التحويل، إذ إن احتمال خطأ 1 في المئة قد يعرضها للمساءلة، وهو ما يعرقل بشكل واضح وصول المساعدات، الأمر إذاً لا يتعلق برفع العقوبات إنما بإزالة مخاوف الغرب من التعامل مع السوريين.
المسموح والممنوع في المساعدات الإنسانية
الدليل شديد التفصيل، إذ ورد فيه أن الأمثلة على جهود الإغاثة من الزلزال، تشمل تقديم المساعدة والغذاء والدواء، المياه والصحة والصرف الصحي وخدمات الطوارئ للجرحى والناس النازحين نتيجة الزلزال. حسناً، ولأن الموضوع شديد الوضوح، وهذا الجزء ليس بحاجة إلى دليل، هل يمكن ألا تشمل المساعدات الغذاء أو المياه الصالحة للشرب! يبدو الأمر في النهاية طريقة للتغطية على حجم التقصير الكبير لا أكثر، وكأن الولايات المتحدة تقول: “نحن لم نمنع دخول الغذاء والدواء”. لكن حتى في هذه النقطة، هناك شيء من اللبس، إذ لفت الدليل الى أنه يمكن إرسال البضائع إلى سوريا، والتي تشمل الطعام والأدوية، وعلى رغم أن هذه المواد لا تحتاج في معظمها الى رخصة للتصدير إلى سوريا، إلا أن الدليل ذكر أن جميع الأسئلة المتعلقة بالتصدير يجب أن يتم توجيهها إلى مكتب الصناعة والأمن في وزارة التجارة الأميركية! حسناً، يبدو الأمر وكأنه غير دقيق وبحاجة دائمة الى طرح تساؤلات تبعدها الخزانة الأميركية عن نفسها وتضعها على أكتاف بنك الصناعة والأمن.
يرد في الدليل أن المساعدات تشمل إقامة الملاجئ الموقتة، وعمليات البحث والإنقاذ وإزالة الأنقاض وإصلاح وتدعيم المباني الأخرى والطرق التي تضررت من الزلزال، وإصلاح أو إعادة بناء المستشفيات والمدارس في المناطق المتضررة من الزلزال، وعمليات التفتيش عن سلامة المباني. وهذا كلام لا غبار عليه، بخاصة أنه وبحسب الدليل، سرّع بنك التسويات الدولية معالجة رخصة التصدير.
ولأن الموضوع شديد الوضوح، وهذا الجزء ليس بحاجة إلى دليل، هل يمكن ألا تشمل المساعدات الغذاء أو المياه الصالحة للشرب!
لكنْ، هناك سؤالان، الأول، إن كان المبنى متضرراً من الحرب، ألا يمكن تدعيمه خوفاً من زلزالٍ آخر؟! أم أن الأبنية المتضررة من الحرب والمهددة بالسقوط هي خارج نطاق المساعدات الإنسانية؟. السؤال الثاني، كما نعلم تحتاج هذه المساعدات إلى آليات ومواد وغيرها من الضروريات، والتي قال الدليل إن تصديرها ليس ممنوعاً، لكن يجب الحصول على ترخيص لمرورها، وهذا يعني المزيد من الأوراق والبيروقراطية، ألا يعني ذلك تأخر وصول المساعدات إلى السوريين، لا سيما في ظل عدم طرح آلية لتسهيل التصدير؟!
يمكن تفهُّم مخاوف الغرب من سرقة النظام المواد القادمة واستخدامها كوسائل لقمع الناس والضغط على معارضيه، لكن ألا توجد طريقة تبسّط الأمور وبشكل شديد الوضوح، لتسهيل وصول كل ما يحتاجه الناس؟ هذه هي الأسئلة التي يطرحها السوريون اليوم في الشارع، وهي أسئلة محقّة بعد مضي ثلاثة أسابيع على الكارثة.
الاتحاد الأوروبي على خطى الخزانة الأميركية
يقوم الاتحاد الأوروبي اليوم بالخطوة نفسها، فهو يقدم تنازلات تبدو وكأنها مساعدة للسوريين، إذ أصدر الاتحاد الأوروبي بياناً في 23 من شباط، يتنازل فيه عن حاجة المنظمات الإنسانية الى الحصول على إذن مسبق من السلطات الوطنية المختصة، في الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، لإجراء عمليات نقل أو توفير السلع والخدمات المخصصة للأغراض الإنسانية للأشخاص والكيانات المدرجة في القائمة، إلا أن توقيت البيان الذي يأتي بعد دليل الخزانة الاميركية، يشي بمحاولة للتغطية على تقصير متعمد خلال قرابة ثلاثة أسابيع على وقوع زلزال 6 شباط، كانت نتيجته خسارة المزيد من الأرواح.
هذه التنازلات وبروشورات الإغاثة ما هي إلا طريقة للتغطية على حقيقة واحدة وهي، أن المجتمع الدولي بأطرافه كافة، ساهم بشكل مباشر في زيادة عدد ضحايا الزلزال ومعاناة الناجين في سوريا ، عن طريق التقصير والتأخر في الاستجابة. وعلى رغم عدم الحاجة الى موافقة النظام السوري لإدخال المساعدات، إلا أن الأمين العام للأمم المتحدة أكد مراراً ضرورة مرور المساعدات عبر النظام.
“لقد خذَلْنا الشعب في شمال غربي سوريا. يحق لهؤلاء أن يشعروا بأن الجميع تخلى عنهم وهم ينتظرون المساعدات الأممية التي لم تصل”، بهذه العبارة اختصر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة مارتن غريفيث، ما يختبره ملايين السوريين، فلثمانية أيام بعد الزلزال، لم تساعد الأمم المتحدة المناطق المنكوبة في شمال غربي سوريا، لثمانية أيام تركت السوريين ينبشون الأرض بأيديهم، ليأتي العالم اليوم ويمنّ عليهم ببروشورات وتنازلات لإغاثة من ماتوا بالفعل.
درج
—————————-
السوريون قتلى النظام واللجوء والزلزال… مَوتهم في كل مكان!/ ماجد كيالي
أغلق الموت الفظيع المنافذ أمام السوريين، مستخدماً كل أرصدته الفظيعة، والمؤلمة، والقاسية، وغير المسبوقة، إلى درجة يموت الكلام معها، أو يصبح غير قادر على مطابقة المعنى، في هذا الهول السوري الممتد منذ أكثر من 12 عاماً.
ربما لا يوجد شعب اختبر الموت، أو اختبره الموت، بكل أشكاله، كما السوريين، ومن في حكمهم ككرد سوريين وكفلسطينيين سوريين، فقد قتل السوريون بالكيماوي، وبالبراميل المتفجرة، وبهراوات الشبيحة وسكاكينهم، ونتيجة أفانين التعذيب المهولة في المعتقلات الرهيبة، وبرصاص حرس الحدود.
ومات سوريون كثر غرقاً في البحر، فيما كانوا يطلبون عيشاً آمناً، وماتوا من الجوع في المناطق التي خضعت لحصار مشدد (وضمنها مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين)، وماتوا من الصقيع في مخيمات البؤس على الحدود التركية في الشمال السوري، والآن ماتوا من الزلزال الذي دفن آلافاً منهم في الجنوب التركي وفي الشمال السوري.
أغلق الموت الفظيع المنافذ أمام السوريين، مستخدماً كل أرصدته الفظيعة، والمؤلمة، والقاسية، وغير المسبوقة، إلى درجة يموت الكلام معها، أو يصبح غير قادر على مطابقة المعنى، في هذا الهول السوري الممتد منذ أكثر من 12 عاماً.
بيد أن الأشد هولاً، ربما، من كل تلك الفظائع هو الخذلان، أو التنكر، اللذان واجههما الشعب السوري، من قبل النظامين العربي والدولي. وجرائم النظام السوري الحاكم منذ أكثر من ربع قرن، لا تغطي عليها، ولا تخفف منها، العقوبات الدولية، ولا محاولات العزل الضعيفة تجدي مع نظام لا يهمه سوى بقائه سيداً على “التركة”.
التنكر والخذلان في الحالة السورية، تكثفا معاً في لحظة الزلزال، فتركيا، مثلاً، التي عانى شعبها من نكبة الزلزال، باتت حكومتها تطلب موافقة النظام السوري على فتح معابر، لإدخال مساعدات إنسانية الى الشمال السوري، كأنها نسيت، فجأة، أنها اجتاحت تلك المنطقة مراراً، أقله في ثلاث عمليات عسكرية (درع الفرات 2016، وغصن الزيتون 2018، ونبع السلام 2019)، وأن قواتها موجودة في أكثر من منطقة من دون إذن من أحد، وأن الفصائل المعارضة في تلك المنطقة طوع أمرها، كما تمثل ذلك في العمليات العسكرية المذكورة. وطبعاً، ففي كل ذلك تبدو تركيا كأنها نسيت توعدها، منذ عامين، باجتياح الشمال السوري بعمق 30 كلم، وهي ذاتها المنطقة التي استهدفها الزلزال، الذي زلزل كل شيء.
هذا يشمل الولايات المتحدة الأميركية، التي باتت تطلب من مجلس الأمن الدولي التدخل لفتح معابر رسمية معترف بها، علما إنها مع ميلشيات “قسد” (الكردية) تسيطر على شرقي الفرات، وهي تقوم بين فترة وأخرى بعمليات عسكرية ولا ينقصها لا الآليات ولا الطائرات، لغوث المحتاجين ودعم فرق الإنقاذ في مناطق الشمال السوري الخارجة عن هيمنة النظام.
الغريب، أيضاً، أن الأمم المتحدة، التي كانت أوقفت عد ضحايا النظام، منذ سنوات بعدما تجاوزوا مئات الآلاف، تناست كل ذلك وباتت تطلب منه الإذن لفتح معابر، كأنها تطالبه بأن يرأف بالسوريين الذين هجّرهم، وقتل أهلهم، وطمرهم بالبراميل المتفجرة، في مشهد سريالي عجيب، فيما الرئيس ذاته يزور حلب، ويوزع ابتسامات لا معنى لها.
الحقيقة أن كل المشهد ينم عن “خيانة” السوريين، لآمالهم، ووجودهم، وحتى لإنسانيتهم، إذ تم التمييز في محاولات إنقاذ السوريين في تركيا، وتأخير وصول المساعدات الغذائية والإنسانية للمنكوبين في الشمال السوري، والحؤول دون وصول آليات للتمكن من رفع الأنقاض وإنقاذ ما يمكن إنقاذه إلى الشمال السوري؛ وهو دور حاولت منظمتا “الخوذ البيضاء” و”فريق ملهم” تغطية ما يمكن بإمكانياتهم المحدودة.
“الخيانة” تتمثل، أيضاً، في أن كل تلك الدول التي اعتبرت نفسها “صديقة” للشعب السوري، والتي كانت أخذته، أو استدرجته للعمل المسلح، قبل عشرة أعوام، بما استنزفه، وضيع طاقته الكفاحية، وقوض صورة ثورته، هي ذاتها الدول التي تخلت عنه في ما بعد، فتركيا ذهبت إلى التحالف مع روسيا وإيران (شريكي النظام!) في ما عرف بثلاثي استانة. أما الولايات المتحدة الأميركية، فعسكرت في شرق الفرات (كراعية لقوات قسد)، في حفاظ على معادلة قوامها عدم الحسم، أي إبقاء الوضع السوري من دون أي حل.
بيد إن “الخيانة” تبدو واضحة وجلية في حقيقة أن تلك الدول “الصديقة” التي أدخلت كل تلك الأسلحة والذخائر والجماعات المقاتلة، من هذا البلد أو ذاك، بدت لا تريد أن تفعل شيئاً لإدخال مواد غذائية، أو طبية، أو آليات للحفر ورفع الأنقاض.
الزلزال هو نكبة القرن الحادي والعشرين (للسوريين والأتراك)، إن في عدد ضحاياه، أو في دمار مدن، عمرها مئات أو آلاف السنين (انطاكية عمرها أكثر من ألفي عام)، لكن الكل يريد أن يهرب من الزلزال، أو يريد أن يختطفه، فالنظام الذي قتل شعبه وشرده، ودمر مدناً وقرى، يريد صك براءة، ويريد تعويم نفسه على الصعيد الدولي، كأنه يريد تصفير العداد، أو تبييض صفحته.
تركيا- أردوغان تريد فتح صفحة جديدة، نقيض ماضيها، لتجدد شرعيتها، فالانتخابات على الأبواب، والآن باتت تداعيات الزلزال تضاف إلى الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالاقتصاد التركي منذ سنوات.
أما الولايات المتحدة فما زالت عند ترددها في حسم الصراع السوري، بأي اتجاه، مركزة على بقاء إسرائيل آمنة في بيئة عربية مضطربة، كمصلحة استراتيجية لها.
منذ مطلع عام 2011، بات السوري منذوراً للموت، لمجرد أنه يريد التحرر من الهامش والذهاب إلى المتن، لمجرد أنه يريد أن يخرج من الصورة، كي يدخل في التاريخ، كفاعل بشري، ضد نظام أصم، جمد الزمان والمكان والمعنى في ما يعرف بـ”سورية الأسد”.
لا أدرى ما الذي كان سيقوله محمود درويش في “فنون” الموت السوري، بكل فظائعه، وهو الذي قال: هَزَمَتْكَ يا موتُ الفنونُ جميعُها
هزمتك يا موتُ الأغاني في بلادِ
الرافدين. مِسَلَّةُ المصري، مقبرةُ الفراعنةِ،
النقوشُ على حجارةِ معبدٍ هَزَمَتْكَ
وانتصرتْ، وأفْلَتَ من كمائنك
الخُلُود…
فاصنع بنا واصنع بنفسك ما تريد.
درج
——————————–
كيف ألقت كارثة الزلزال بظلالها على ملف التقارب التركي – السوري/ فاضل المناصفة
جاءت كارثة الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا بالعديد من المواضيع المتصلة بالشق السياسي فيما يخص علاقات سوريا مع محيطها الإقليمي والدولي، حيث قدم اتصال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بالرئيس بشار الأسد وزيارة وزير الخارجية الأردني إلى دمشق بعد 12 عاما من الغياب، وزيادة التمثيل الدبلوماسي لتونس وهبوط طائرة سعودية في مطار دمشق لأول مرة منذ بداية الثورة السورية، وزيارة الأسد الأخيرة إلى مسقط، مؤشرات توحي بأن النظام السوري قد استفاد من الكارثة للخروج من العزلة العربية فيما بقي باب الدوحة موصدا إلى إشعار آخر.
وبالحديث عن العلاقات السورية – التركية يبدو أن الزلزال لم يكتف فقط بتحريك الأرض بضعة أمتار بل أيضا بتأجيل اللقاء الذي كان من المزمع أن ينعقد بين وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ونظيره السوري فيصل المقداد في منتصف الشهر الحالي، بعد أن أجبر الزلزال الآلاف من اللاجئين السوريين على مغادرة تركيا، وهو ما تبحث عنه أنقرة من خلال رغبتها في فتح قنوات اتصال مع دمشق ولقاء المقداد.
العودة الطوعية للاجئين ستحقق المطلوب، وستعفي أنقرة من التودد إلى نظام الأسد الذي يمانع في لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ويتهرب من ذلك متحججا بمسألة احتلال الأراضي كشرط أساسي للتفاوض مع تركيا، ولكن وفي حقيقة الأمر فإن النظام السوري لا يرغب في عودة اللاجئين في الوقت الحالي لاعتبارات أمنية واقتصادية، ولا يرغب في تقديم خدمة مجانية لأردوغان.
لم تتوقع تركيا قبل الزلزال هذه العودة الطوعية الكبيرة للاجئين السوريين خلال الأيام القليلة الماضية، حيث بلغ عددهم أكثر من عشرين ألفا والرقم في تزايد مستمر. ولم تتوقع أنقرة أيضا أن تجبر الأمم المتحدة الجانب السوري على فتح معبرين إضافيين لتلقي المساعدات، ومنها عبور الآلاف من السوريين إلى بلادهم، وهي خدمة قدمتها الكارثة الطبيعية من دون أن تتدخل فيها السياسة، بل إنها حققت أحد الأهداف الأساسية من الرغبة في التقارب مع النظام السوري، ولم يعد مهمّا رأي دمشق في مسألة اللاجئين ما دام السواد الأعظم منهم يغادر طواعية، ومن المتوقع أن تستمر مغادرتهم تحت وطأة المخلفات الاقتصادية للزلزال التي ستزيد من معاناتهم.
من المنطقي أن يقوم النظام التركي بوضع الملف السوري جانبا بعد أن خلط الزلزال الحسابات السياسية لأردوغان وأصبح لزاما عليه الآن أن يهتم بالشأن الداخلي أكثر من الشأن الخارجي، خاصة أنه على بعد أقل من ثلاثة أشهر من الانتخابات الرئاسية، لذا سيتم تأجيل ملفات السياسة الخارجية الكبرى ريثما يتم التعامل مع الكارثة الاقتصادية التي أثقلت كاهل تركيا اقتصاديا ولم تكن في الحسبان، ولكنها في نفس الوقت فرصة مناسبة لأردوغان لتوظيفها في حملته الانتخابية والتي من شأنها أن تأخذ الحيز الكامل فيها وأن تنسي الأتراك فشله في إدارة ملف اللاجئين السوريين الذي يبقى ملفا عالقا لعقد كامل.
ربما لن يكون النظام السوري مجبرا على إعادة تقدير الموقف في ملف التقارب مع تركيا بعد كارثة الزلزال، خاصة أنه حقق مكسبا إستراتيجيا بعد موجة التعاطف العربي وتقارب الأنظمة العربية نحوه. كما أن الأسد يبدو في وضع مريح نسبيا بعد تعليق قانون قيصر بشكل مؤقت، مما سمح بتدفق المزيد من المساعدات والأموال وهي جرعة أوكسجين هامة لنظامه. لكنه، وفي نفس الوقت، فوّت فرصة كبيرة لابتزاز أنقرة بموضوع المعارضة والقضاء على آخر ما تبقى منها في تركيا، بعد أن أصبحت العودة الطوعية للاجئين لا تستدعي أيّ تفاوض وأيّ تنازلات من الجانب التركي، وبعد أن أصبحت تركيا مهتمة أكثر بالشأن الداخلي ولا تضع في أجندتها الملف السوري كأولوية بعد أن أتت أولوية الزلزال.
لقد ألغى الزلزال كل التوقعات والحسابات السياسية بعد أن ألقى بظلاله على مسألة التقارب السوري – التركي، ولكن وحتى وإن حققت أنقرة مكسبا من خلال فتح المعابر ومرور الآلاف من اللاجئين إلّا أن المسألة الأمنية قد تدفعها مكرهة إلى التقرب من الأسد في وقت لاحق.
العرب
—————————–
اجتماع دمشق!/ طارق الحميد
ضجت بعض وسائل الإعلام الأسبوع الماضي، بنقل خبر «أول غارة» إسرائيلية على سوريا بعد الزلزال المدمر، والحديث عن وقوع ضحايا مدنيين، لكن وكالة «رويترز» نشرت قبل أيام، خبراً حصرياً عن غارة الأحد الماضي، وأظهرت شكلاً مختلفاً للقصة.
تلك الضربة الإسرائيلية، بحسب عدة مصادر أمنية واستخباراتية، ومنها مصادر من النظام الأسدي نفسه، كشفت لـ«رويترز»، أن الضربة، استهدفت اجتماعاً في حي كفر سوسة بين خبراء عسكريين إيرانيين وسوريين، وعناصر من حزب الله.
وبحسب «رويترز»، فإن الضربة استهدفت إيرانيين كانوا يحضرون اجتماع الخبراء الفنيين بمنشأة عسكرية إيرانية في قبو مبنى سكني داخل مجمع أمني باجتماع خاص ببرنامج سري لإنتاج الصواريخ الموجهة التي يديرها الحرس الثوري.
ونقلت الوكالة عن مصدر مقرب من النظام بسوريا، أن الهجوم أصاب تجمعاً لخبراء فنيين سوريين وإيرانيين معنيين بتصنيع الطائرات المسيرة، ونجم عنه مقتل مهندس بالجيش، وإصابة مهندس بالحرس الثوري بجراح خطيرة، فيما نجا عضوان آخران من الحرس الثوري.
وحي كفر سوسة بدمشق هو منطقة تخضع لوجود أمني مكثف يضم عدة أجهزة أمنية إيرانية، وكذلك مركزاً ثقافياً إيرانياً. وهو الحي الذي اغتالت إسرائيل فيه الإرهابي عماد مغنية، قيادي حزب الله، عام 2008.
ومن هنا يتضح أن اجتماع دمشق هذا لم يكن اجتماعاً إيرانياً – سورياً، وبحضور حزب الله، الهدف منه بحث ومناقشة كيفية إغاثة ضحايا الزلزال المدمر، أو توفير الحماية والرعاية للضحايا السوريين، وإنما كان اجتماعاً خاصاً بتطوير الصواريخ الموجهة والطائرات المسيرة.
وهذه المسيرات، وحسبما رأى العالم، لا تدافع عن الحدود اللبنانية، ولا الإيرانية، بل إنها ترسل للحوثيين لاستهداف الأراضي السعودية، وإلى أوكرانيا، حيث تستهدف المدنيين هناك في قلب أوروبا.
واجتماع دمشق هذا لم يكن لمناقشة سبل بلورة «محاولات» البعض في العالم العربي للانفتاح على نظام الأسد، أو كيفية تحديد مشاريع إعادة الإعمار بسوريا، وإنما اجتماع يقول لنا إن دمشق هي أرض لتجار المعارك والميليشيات.
ولا يمكن أن يقال إن النظام الأسدي ليس على علم بذاك الاجتماع الخاص ببرنامج سري لإنتاج الصواريخ الموجهة والطائرات المسيرة، وإلا أصبح السؤال هنا أكبر، وهو من يدير دفة الأمور بدمشق؟ ومن يحكمها فعلياً؟
والسؤال الآخر هنا، ووسط ما يطرح اليوم من البعض عن ضرورة ملء الفراغ بسوريا، وعدم تركها لإيران هو كالتالي: من على استعداد لعقد ورشة عمل استثمارية، أو إنسانية، بجوار اجتماع إيراني يحضره حزب الله من أجل إنتاج صواريخ موجهة وطائرات مسيرة؟
وهل لدى «البعض» الآن استعداد للمنافسة بمعارك ميليشيات، وبمناطق تجار حرب وتهريب مخدرات، وكما يحدث بسوريا الآن، وعلى حدودها من ناحية الأردن أو لبنان؟
الأكيد أن لا أحد يرغب باستمرار هذا الانهيار السوري، لكن الأزمة هناك غير قابلة لحلول بسيطة، أو مبادرات «نوايا حسنة»، بل إنها تتطلب عملاً شاقاً جداً، مع ضرورة تذكر أن سوريا التي نعرفها انتهت على المدى المنظور وإنقاذها يتطلب معجزة، وهذا ليس زمن المعجزات.
الشرق الأوسط»
—————————
شكري في سوريا وتركيا.. زيارة تضامنية أم للتطبيع مع أنقرة وكسر عزلة الأسد؟/ محمود سامي
القاهرة- في خضم تحولات إقليمية متسارعة وجدول دبلوماسي مصري مزدحم، يبدو أن جولة وزير الخارجية سامح شكري لكل من سوريا وتركيا تحمل ما هو أبعد من عنوانها الإنساني وتتخطى ما يمكن وصفه بدبلوماسية الكوارث.
زيارة شكري لتركيا وسوريا تعد الأولى من نوعها منذ 10 سنوات، وتأتي -وفق مراقبين- في سياق استكمال مسار طويل ومساع لاستعادة علاقات القاهرة وأنقرة من جانب، والقاهرة والنظام السوري من جانب آخر، بعد أن مرت بعدة منعطفات خلال العقد الماضي.
فقد استهل الوزير المصري جولته للبلدين بزيارة دمشق صباح أمس الاثنين، وكان في استقباله في المطار نظيره السوري فيصل المقداد، وأشار شكري -في أثناء مؤتمر صحفي جمع الوزيرين- إلى أن الزيارة “إنسانية بالمقام الأول، وللتضامن مع شعب سوريا” في مواجهة آثار الزلزال، وذلك ردا على سؤال بشأن إمكانية إعادة مصر علاقاتها مع سوريا لسابق عهدها.
وبعد ساعات، وصل شكري إلى مدينة أضنة (جنوبي تركيا)، وشدد خلال مؤتمر صحفي مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو على أن بلاده “ستبقى بجانب شقيقتها تركيا” وأن العلاقات بين البلدين سترتقي لأفضل مستوى.
وتأتي جولة شكري بعد أيام من اتصالين هاتفيين أجراهما الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع كل من بشار الأسد ورجب طيب أردوغان.
وعلى ضوء هذا التحرك الدبلوماسي، تسعى الجزيرة نت إلى قراءة ما تحمله زيارة شكري للبلدين من أهداف، ودلالاتها على مسار تطبيع العلاقات المصرية التركية، ومساعي كسر عزلة رئيس النظام السوري بشار الأسد عربيًا، وتوابع وارتداد الزيارة.
في أول زيارة لوزير خارجية مصري إلى دمشق منذ 2011.. سامح شكري يقول إن هدف زيارته “إنساني في المقام الأول” pic.twitter.com/9pH0GDC441
— قناة الجزيرة (@AJArabic) February 27, 2023
ما أهداف زيارة شكري لسوريا وتركيا؟ وما ارتداداتها المحتملة؟
يمكن القول -وفق مراقبين- إن التطورات والتحولات الإقليمية والدولية الأخيرة، تشير إلى وجود رغبة جادة لدى قادة دول المنطقة في تصفير الأزمات الثنائية لمواجهة التحديات، مما يعزز فرضية عدم اختزال زيارة شكري -الأولى من نوعها للبلدين- في سياق “عنوان إنساني” فحسب.
ويعبر عن ذلك حديث وزير الخارجية التركي في المؤتمر الصحفي مع نظيره المصري، لدى استقبالهما سفينة المساعدات المصرية في ولاية مرسين جنوبي تركيا، بأن تطور العلاقات بين البلدين يصب في مصلحتهما وينعكس إيجابا على استقرار ورخاء المنطقة.
في هذا الصدد، يرى الخبير في العلاقات الدولية والأمن القومي المصري اللواء محمد عبد الواحد أن جولة شكري في سوريا وتركيا لها عوامل مشتركة ودلالات ورسائل، أهمها تأكيد التضامن بعد كارثة الزلزال، ودفع وتعزيز العلاقات الثنائية مع البلدين.
وفي حديثه للجزيرة نت، قال عبد الواحد إن الزيارة تخدم الجميع في توقيت حساس. وعن مصر، شدد على أن القاهرة هي الأخرى مستفيدة، على الأقل من وقف نشاط المعارضة والظهور الإعلامي لقيادات الإخوان من الأراضي التركية، وكذلك وقف الممارسات الضارة للأمن القومي المصري، كاستضافة تركيا بعض “العناصر الإرهابية” طبقا للتوصيف المصري.
من شعب مصر إلي الشعب التركى …. قلوبنا معكم فى مواجهة آثار الزلزال المدمر … حفظ الله شعوبنا وأوطاننا من كل سوء pic.twitter.com/ufOkhucs6X
— Egypt MFA Spokesperson (@MfaEgypt) February 27, 2023
هل تسرع الزيارة من وتيرة تطبيع العلاقات المصرية التركية؟
مشيدا بتطور العلاقات الثنائية مؤخرا بعد تخطي الأزمة الدبلوماسية التي تعود إلى عام 2013، يشدد عبد الواحد على أن زيارة شكري لتركيا بداية قوية للتطبيع، وأن للبلدين رغبة مشتركة في استئناف العلاقات وتعزيزها لتحقيق منافع مشتركة.
وأوضح أن الحديث عن عودة العلاقات بدأ عن طريق اتصالات سرية عبر ممثلين عن جهازي الاستخبارات في البلدين، وكانت هناك صيغ توافقية كثيرة طرحت للتوصل إلى مقاربات، وجرى الاتفاق على تشكيل لجان متخصصة أمنية وسياسية واقتصادية لبحث الملفات الخلافية، لافتا إلى أن المباحثات الاستكشافية التي بدأت جولتها الأولى في القاهرة مايو/أيار 2021 أدت إلى تحسين الأجواء، خاصة الإعلامية، والتوافق على استمرار المباحثات.
وبالنظر للعلاقات التاريخية والمصالح المشتركة وفرض سياقات مستجدة في المنطقة تحديات على البلدين، يرى اللواء عبد الواحد أن التقارب يصب في مصلحتيهما ولن يعود بأي ضرر، بل سيفتح مجالات أرحب في التعاون الثنائي، خاصة في الاستثمارات المشتركة والتبادل التجاري والتنسيق الأمني والسياسي في ملفات مشتركة بالمنطقة.
تطور طبيعي
متجاوزا الطرح السابق، يقول المحلل السياسي المصري وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة سكاريا التركية خيري عمر إن زيارة شكري لتركيا تعبر عن تطور طبيعي لمسار عودة اللقاءات الثنائية منذ مايو/أيار 2021 (اللقاء الاستكشافي الأول بالقاهرة).
وفي حديث للجزيرة نت، أضاف عمر أن العلاقات الدبلوماسية قائمة، وتبادل السفراء مسألة شكلية ليست منشئة للعلاقات، إضافة إلى أن هناك زيادة في معدلات التبادل الاقتصادي، والقابلية لتوسيعها وتحويلها لعلاقات إستراتيجية أمر يتوقف على قدرة البلدين.
ويعتقد عمر أن “دبلوماسية الكوارث والأزمات” لا تنطبق على الحالة المصرية التركية، موضحا أن البنية الأساسية لتطوير العلاقات بين البلدين تمت بالفعل، وبالتالي فإن زيارة شكري إلى تركيا تعبّر عن استجابة للكارثة من قبيل التعبير العفوي والأخلاقي، حيث كان من الممكن أن تكتفي مصر بإرسال مساعدات إغاثية لو كان هناك توتر في العلاقات مع تركيا.
وتابع أن المشكلات الأساسية بين مصر وتركيا كانت تتعلق بملفات ليبيا وشرق المتوسط والمعارضة المصرية الموجودة في تركيا، فكان منظور البلدين لحلحلتها متعلقا بكيفية تيسير الإجراءات، وليس التفاوض على وقف أو تجميد العلاقات.
مهمة ولكن
ومن منظور تركي، يشدد الكاتب والباحث التركي عبد الله أيدوغان على أهمية الزيارة التي تبقى إشارة من إشارات التقارب في المقام الأول، وبالتالي لن تتخطى “دبلوماسية الأزمات” ما هو أبعد من الجانب الإنساني، وفق قوله.
ويوضح أيدوغان، في حديثه للجزيرة نت، أن زيارة شكري لبلاده لا تعبر عن وصول البلدين لتطبيع كامل في العلاقات الثنائية، حيث لم تكن في العاصمة أنقرة بمراسيم رسمية ودبلوماسية كاملة، مضيفا “لا أتوقع تطور التمثيل الدبلوماسي إلى درجة سفير بين تركيا ومصر في هذه الأيام أو نتيجة زيارة شكري”.
هل تتجه مصر إلى كسر عزلة الأسد؟
حسب عبد الواحد، فإن زيارة الوزير شكري لدمشق، التي تعد أول زيارة لدبلوماسي مصري رفيع المستوى منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011، تحمل رسالة تضامن، وفك العزلة عن سوريا ومحاولة لعودة العلاقات ودفئها مرة أخرى.
ويرى أن تحسين العلاقات العربية السورية بداية لتحسين الوضع العربي بالكامل، في ظل التحديات المشتركة التي تواجه المنطقة بصرف النظر عن وجود خلافات عربية حول الوضع في سوريا.
وأضاف أن مصر كانت حريصة خلال الفترة السابقة على تغيير علاقاتها المتوترة مع سوريا منذ وصول الرئيس السيسي للحكم، موضحًا أنه كان حريصا على التمسك بـ”شعرة معاوية” في العلاقات مع سوريا، وكان داعما للمسار السياسي لحل الأزمة وأن تعود الدولة مرة أخرى لقوتها وممارسة مهامها في المنطقة، من دون النظر في مصير الأسد الذي كان مسألة على درجة عالية من الحساسية.
وتعد الزيارة، حسب الخبير الأمني المصري، بادرة انفراجة جديدة لتعزيز العلاقات المصرية السورية وعودة سوريا مرة أخرى للحضن العربي.
من جانبه، قال المحلل السياسي خيري عمر إن الملف السوري تتم تسويته إقليميا، وليس على مستوى مصر فحسب، حيث تتشارك فيه عدة دول، مشيرا إلى أن هناك اجتماعا آخر سيُعقد بين تركيا وإيران وروسيا لحل أزمة شمالي سوريا وسيحضره الأسد.
المصدر : الجزيرة
—————————-
حتى الزلازل عاجزة عن إثارة تعاطف الاسد/ حايد حايد
يُعتبر الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا في 6 فبراير/ شباط الاكبر في تاريخ المنطقة منذ عقود، حيث شعر به سكان في كل من لبنان والأراضي الفلسطينية واليونان وقبرص وأرمينيا وجورجيا والعراق وبعض المناطق في مصر. وتشير التقارير إلى وفاة أكثر من اربعين ألف شخص في تركيا وما يقارب ٦٤٠٠ آخرين في سوريا، بالإضافة إلى تضرر أكثر من ٨ ملايين.
وعلى خلاف الأعراف عقب أزمات بهذا الحجم، لم يقم النظام السوري (ممثلاً برئيسه او حكومته) بمواساة الشعب على أرواح الضحايا لمدة قاربت الأسبوعين. ركّز النظام في تلك الفترة جهوده على استغلال المأساة للضغط باتجاه رفع العقوبات، وفك عزلته السياسية، بالإضافة إلى طلب المزيد من المساعدات. حتى عندما خاطب الشعب السوري تحت ضغط التساؤلات عن غيابه، امتنع الأسد عن إعلان الحداد الرسمي، كما ركز في كلمته المتلفزة على “ضحاياه وجرحاه” متجاهلاً ادلب وسكانها.
من الملفت للنظر أن تعاطي السلطات التركية مع ضحايا الزلزال في بلدهم كان مختلفا تماما. حيث أصدرت الحكومة في الساعات الأولى التي تلت الزلزال بيان عاجل أعلنت فيه الحداد الوطني لمدة أسبوع. وعلى الرغم من أن عدد الضحايا في تركيا أكبر عن مثيله في سوريا، لكن من غير المرجح على الإطلاق ان يكون هذا هو السبب وراء احجام النظام السوري عن اعلان الحداد. ذلك ان ممارسة هذا الطقس مرتبطة عادة بهول المصيبة لا بعدد ضحاياها. فعلى سبيل المثال، قامت الحكومة اللبنانية بإعلان الحداد الوطني على ضحايا انفجار بيروت الذي وقع في أغسطس/ آب ٢٠٢٠ والذي أسفر عن مقتل ما يقارب ٢٢٠ شخص. كما قامت الحكومة العراقية بإعلان الحداد ثلاثة أيام على ضحايا العبارة التي غرقت في مدينة الموصل في شهر مارس/ آذار ٢٠١٩ والتي أدت إلى غرق 118 شخص.
الحداد الوطني هو بطبيعته فعل معنوي لإشعار الضحايا وأهاليهم بتضامن الحكومة معهم وتعاطفها مع مصيبتهم. غير أن هذا السلوك الأخلاقي البسيط يتطلب ان تشعر الحكومة أو الحاكم بمسؤولية تجاه مواطنيه، وهو ما يتناقض مع الأنظمة لتي تنظر لرعاياها على انهم اتباع. لذلك من غير المفاجئ عدم قيام النظام السوري بإعلان الحداد العام للتعاطف مع مواطنيه على مدى حكمه الطويل، حيث انه ينظر لهم كحاشية مفروض عليها أن تطيع الأوامر وتعلن امتنانها للعطايا. من الملفت للنظر أن غالبية المناسبات التي دفعت النظام السوري لإعلان الحداد كانت مرتبطة بأحداث سياسية خارجية. فيما ارتبطت باقي مناسبات الحداد العام بوفاة أحد أفراد العائلة الاسدية الحاكمة، وعلى رأسها وفاة الرئيس حافظ الأسد (٢٠٠٠) وأبنه باسل الأسد الذي كان يجري تأهيله لخلافة والده (١٩٩٤). أي ان النظام الاسدي لا يشعر بالمسؤولية إلا نحو نفسه أو تجاه دول أخرى (مع العلم أن الأخير يكون عادة مدفوعاً بمصالح اقتصادية أو سياسية).
عقلية الطاعة او العصا هي ما دفع النظام السوري لاستخدام العنف المفرط ضد مواطنيه طوال السنوات الماضية، حيث لا يُسمح للاتباع بطلب الحرية او التغيير. تساعد هذه الذهنية أيضاً في تفسير طريقة تعاطي النظام السوري مع كارثة الزلزال ومحاولته استغلالها لتحقيق مصالحه. حيث سعى الأسد منذ اللحظات الأولى لوقوع الزلزال إلى استغلال هذه المأساة للضغط على المجتمع الدولي لرفع العقوبات المفروضة عليه. على عكس العقوبات الاقتصادية التي لا تمنع المساعدات من دخول مناطق سيطرة الحكومة السورية، فإن النظام السوري حاول جاهداً، على مدى العقود الماضية، إيقاف او الحد من وصول المساعدات إلى مناطق المعارضة بهدف تعزيز احتكاره للمساعدات وتعزيز شرعيته على الساحة الدولية.
عدم تعاطف الأسد مع ضحايا الزلزال كان أيضا واضحاً في امتناع الأسد عن زيارة المناطق المنكوبة لمدة ٤ أيام. حتى عندما ظهر بشار في حلب، تحت ضغط تسليط الاعلام الغربي ووسائل التواصل الاجتماعي على غيابه، كان يضحك مما أثار غضب الضحايا الذين شاهدوا صور تغطية الحدث. عدم إحساس النظام بالمسؤولية تجاه الضحايا تجلى كذلك في استمرار انتهاكاته بحق المدنيين، حيث قام الجيش بقصف بلدة مارع المتضررة في شمال حلب وأرسل دبابات إلى السويداء بالساعات التي تلت الكارثة.
خطاب الأسد المتلفز كان فرصته الأخيرة لإظهار شعوره بالمسؤولية تجاها ضحايا الزلزال، لكنه لم يكن معني بذلك الأمر. حيث انصب تركيزه على ضرورة حماية الوطن بغض النظر عن حجم التحدي او الإمكانيات، وشكر الدول التي أرسلت مساعدات إلى الحكومة. “رحم الله فقداءَنا، وشفى جرحانا”. بهذه الكلمات التي ذيلت خطابه، توجه الأسد للمتضررين بالزلزال بشكل مقتضب وغير شخصي.
تسييس النظام للزلزال وتعاطيه معه بشكل خالي من التعاطف هو أحد الأمثلة التي لا تنتهي عن الأسباب التي دفعت السوريين للتظاهر في ٢٠١١ وما زالت تمنع الملايين من العودة إلى مناطقه بالرغم من كل الألم والصعوبات التي يعانون منها في الداخل السوري او خارجه.
المجلة
————————–
مصائب السوريين وفوائد قوم المتنبي/ عالية منصور
مع الهزات الارتدادية للزلزال الذي ضرب كهرمان مرعش التركية قبل اسبوعين التي لم تتوقف ويبدو انها ستستمر لفترة كما يقول علماء الجيولوجيا، ومع ارتفاع عدد الضحايا ليصل الى نحو خمسين الف انسان بينهم نحو 10 الاف سوري قضى معظمهم تحت الانقاض في مدن لجأووا اليها في تركيا، أو في مناطق شمال غرب سوريا الخارجة عن سلطة النظام السوري.
مع حكايا بدأنا نسمع بها لناجين تمنوا لو انهم قضوا مع عائلاتهم، واطفال باتوا بلمح البصر ايتاما ووحيدين، مع الاف البشر عاد العراء مآواهم بانتظار خيمة ما تأتيهم من جهة مانحة، لا يبدو ان بالامكان الحديث عن حدث آخر.
كلمة “كارثة”، قد لا تصف حقيقة ما حل بالناس، اقل من دقيقة استمر فيها الزلزال كانت كفيلة ان تغير حياتهم وتقلبها رأسا على عقب لسنين طويلة.
الصور التي شاهدها العالم بأسره على شاشات التلفزيون وصفحات الانترنت ليست المشاهد الوحيدة التي يمكن رصدها، مشاهد ما بعد الزلزال قد يكون لها اثر الزلزال نفسه.
في المشهد الاول، ايام تمضي والسوريون في مناطق شمال غربي سوريا محرومون من اي مساعدة، حتى من كانوا يقومون بمهام “دولة”، وهنا اقصد الدفاع المدني “الخوذ البيضاء”، على مدى ايام يطالبون ويستنجدون بالعالم بضرورة ارسال اليات ومعدات تساعدهم على رفع الانقاض وانقاذ من بقي فيه رمق، ولكن ما من مجيب.
كانت الذريعة ان لا طريق الى تلك المناطق، وان الطريق قد تضرر بفعل الزلزال، لكن نقل جثامين السوريين الذين قضوا في تركيا ليدفنوا في سوريا أثبت كذب الادعاء، فالطريق سالكة ولا اسباب لوجيسيتة منعت نقل الجثامين، اذن وحدها الاسباب السياسية منعت اغاثة وانقاذ السوريين.
في المشهد الثاني: بشار الاسد يزور حلب متفقدا الاضرار، زارها بعد زيارة اسماعيل قاني قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الايراني، زارها ضاحكا فرحا لم يستطع اخفاء فرحته. فرحة لم يفهمها البعض في تلك اللحظة ولكنها باتت اليوم مفهومة للجميع، وخصوصا اذا ما اخذنا بالاعتبار ان مقتل 10 الاف سوري لن يسبب اي حزن لمن تسبب بمقتل مئات الالاف منهم. في حلب توجه بالحديث لقائد ميليشيا عراقية تابع لايران وتسيطر على أجزاء كبيرة من حلب، مبتهجا قائلا له انهم سويا انتصروا.
المشهد الثالث الذي يجمع بين المشهدين، كانت حملة بعض الاعلام والاعلان المبرمجة التي تطالب برفع الحصار عن سوريا، وتقول ان العقوبات تحول دون انقاذ السوريين. بينما الحقيقة التي لا تقبل النقاش هو ان سوريا الدولة ليست محاصرة، وتجارتها مع دول العالم مستمرة، وان المحاصر كانوا السوريون العالقون تحت الانقاض في مناطق المعارضة، يحاصرهم النظام ومعه روسيا بمنع دخول مساعدات الا من معبر باب الهوى، هذا المعبر الذي سمح ان يتم نقل الجثامين ومنعت المساعدات في الايام الاولى من ان تمر من خلاله.
وبينما كانت تركيا تمنع دخول المساعدات للسوريين في مناطق شمال سوريا عن طريق المعبر، اوردت وكالة “رويترز” خبرا مفاده ان تركيا تبحث اعادة فتح معبر مع النظام السوري وارسال المساعدات عن طريقه، بعد قطيعة استمرت لاكثر من عشر سنوات، ليبدو ان الزلزال ايضا لم يؤجل من نية الرئيس التركي اردوغان بالتطبيع مع الاسد.
لتمر ايام اخرى وليبلغ مارتن غريفيث منسق الأمم المتحدة للإغاثة في حالات الطوارئ في اجتماع مغلق لمجلس الأمن الدولي أن الأسد وافق على السماح للأمم المتحدة بتوصيل المساعدات إلى سوريا عبر معبرين حدوديين آخرين من تركيا لمدة ثلاثة أشهر. اي انه اعترف انه هو من كان يحاصر السوريين لا “قانون قيصر” ولا العقوبات.
وليبدأ بعد ذلك المشهد الرابع: مشهد محاولات تعريب بشار الاسد والتطبيع معه، وليتوهم البعض ان الاسد منزعج من النفوذ الايراني وانه يستنجد بالاشقاء العرب، وان بالامكان مساعدة السوريين المنكوبين من خلاله، ولكن ضحكاته في حلب وكلماته كفيلة بأن تنفي هذا الادعاء. فهاهم وزراء عرب زاروا دمشق، ومسؤولون اتصلوا بالأسد الذي خطت طائرته الرئاسية في سلطنة عُمان، في زيارة هي الاولى التي اتخذت طابعا رسميا منذ انطلاق الثورة السورية في آذار 2011.
وفي مشهد غير ذي أثر، هو مشهد “الائتلاف السوري” المعارض والمؤسسات المنبثقة عنه وعن المعارضة، فقد يكون الزلزال هو القشة التي كشفتهم للجميع، واصبح وجودهم عبأ على الثورة والسوريين.
وبين هذا وذاك، وبعد توقف استمر اسابيع، عاودت اسرائيل قصف سوريا، هذه المرة قصفت قلب العاصمة، وهي نادرا ما تشن ضربات مماثلة داخل دمشق، بل تقتصر ضرباتها معظم الاحيان على مواقع عسكرية على أطراف العاصمة وفي ريفها ومناطق أخرى. وحتى لحظة كتابة هذه السطور لم يعرف تماما من او ماذا استهدفت اسرائيل، الا ان المؤكد ان موقع الاستهداف هو نفسه الموقع الذي اغتيل فيه القيادي في “حزب الله” اللبناني عماد مغنية عام 2008، وان الموقع هو عبارة عن مكان سري تعقد فيه قيادات من النظام مع شخصيات ايرانية اجتماعات.
وحده مشهد القصف الاسرائيلي لا يزال غامضا وان كان يبدو انه رسالة مزدوجة، فلا اقوال الاسد وتسريباته ستقنع الاسرائيلين بانزعاجه من الوجود الايراني، ولا محاولة تلميع صورته بالسماح بالمساعدات الانسانية بالدخول ستنسي العالم ان ايران ما زالت هناك باستخباراتها والميليشيات الموالية لها واذرعها الثقافية والاقتصادية والتعليمية والتجارية.
وحدهم السوريون يرون مشهدا آخر يبدو ان قلة غيرهم تراه، هو مشهد دمار مدنهم وقراهم وصور ابنائهم قتلى في المعتقلات، ولقب شهيد أمام اسم من يحبونه قضى ببرميل متفجر او بالسلاح الكيماوي او بقصف الطيران، هذه المشاهد التي لم تنسيهم اياها المشاهد التي خلفها الزلزال.
قال المتنبي يوما ان “مصائب قوم عند قوم فوائد”، وكان حينها يتحدث عن نساء من الروم أخذن سبايا، فمصيبة تلك النساء والصبايا وعائلاتهن هي فوائد لمن اخذهن.
واليوم يحاول الاسد ان يستثمر في دماء السوريين الضحايا الذين سقطوا تحت أنقاض الزلزال، وهو الذي أدمن منذ اثني عشر عاما على سحق السوريين وقتل أحلامهم، وفي حلب مدينة المتنبي وشاعرها الأثير ، وقف بشار ليستعيد حكمة المتنبي لكن بالاتجاه العكسي، لقد أخذ الأسد سوريا رهينة عنده، وبات السوريون جميعا أسرى لديه فلا هو يطعمهم ولا هو يطلقهم، حتى بات العالم أجمع أمام ابتزاز قبيح لم يصل له خيال المتنبي، فإما يدير العالم ظهره لهؤلاء الأسرى ويتركهم للموت تحت الركام والجوع، أو يبادر بإطعامهم ولكن وفق شروط الآسر القبيح.
المجلة
————————-
بعدما زاروا دمشق والتقوا الأسد.. هل يمثل المجلس الوطني الشعب الفلسطيني في تطبيعه مع النظام السوري؟/ ماهر حسن شاويش
زار وفد برلماني يمثل 8 دول عربية سوريا قبل أيام، في أول زيارة إلى البلد المُجمّدة عضويته في الجامعة العربية منذ عام 2011.
يضم الوفد رئيس الاتحاد البرلماني العربي ورئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي، ورؤساء مجلس النواب في الإمارات العربية المتحدة والأردن، وفلسطين، وليبيا، ومصر، إضافة إلى رؤساء وفدي سلطنة عُمان ولبنان، فضلاً عن الأمين العام للاتحاد البرلماني العربي.
قد التقى الرئيس السوري بشار الأسد هذا الوفد من الاتحاد البرلماني العربي المشارك في مؤتمر الاتحاد، والذي اختتم أعماله في بغداد.
أحدثت هذه الزيارة إلى سوريا، كما اللقاء مع الرئيس الأسد، جدلاً واسعاً، وكل طرف من الأطراف وضعها في السياق الذي يخدم سرديته وينسجم مع مصالحه وأهدافه في ظل النقاش العريض المتعلق بالتطبيع مع النظام، وإعادة تأهيله وتعويمه، لاسيما بعد الحراك تجاه دمشق إثر الزلزال الذي أصاب عدداً من المدن والمحافظات السورية.
لعل أبرز الأسئلة المطروحة حول هذا الحراك بشكل عام وزيارة الوفد البرلماني العربي بشكل خاص ترتبط بمدى تمثيل وتجسيد هذا الوفد لنبض الشارع العربي في هذا التوجه؟ وهل فعلاً تعكس هذه الوفود الرغبة الشعبية العربية في التطبيع مع نظام الأسد رغم كل ما ارتكبه من جرائم وفظائع بحق شعبه، مستخدماً فيها كل وسائل القتل والتدمير والاعتقال والتهجير، والتي طالت غالبية الشعب السوري.
لكن السؤال الأهم بتقديرنا: هل تمثل أصلاً وفود هذه البرلمانات العربية شعوبها بحق؟ وهل جاءت ضمن انتخابات حرّة وديمقراطية شفافة ونزيهة؟
للإجابة على هذا التساؤل نستعرض نموذجاً لأحد هذه الوفود، وقد اخترنا الوفد الفلسطيني الذي كان يترأسه السيد روحي فتوح رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، ولعلنا نقدم للقارئ الكريم نبذة عن هذا المجلس، وموجزاً مختصراً عن تاريخه، وكذا عن السيرة الذاتية لرئيسة المعيّن وليس المنتخب. ومن هذه النقطة ننطلق لنقول إن هذا المجلس لم يشهد انتخابات منذ تأسيسه!!
المجلس الوطني الفلسطيني
فقد انعقد أول مؤتمر وطني فلسطيني عام في 30 سبتمبر 1948 بمبادرة من الهيئة العربية العليا التي ترأسها الحاج أمين الحسيني، وبدعوة رسمية من حكومة عموم فلسطين المشكلة برئاسة أحمد حلمي عبد الباقي، ولتعذر إجراء انتخابات تشريعية في ظل ظروف حرب 1948، دعت الحكومة لتأليف المجلس بعدد 151 من الشخصيات المعروفة وممثلين عن هيئات لها صفة تمثيلية من أجل تأليف أول سلطة تشريعية فلسطينية بعد صدور قرار الأمم المتحدة رقم 181 لعام 1947.
انعقد المؤتمر في مدرسة الفلاح الإسلامية في غزة، وتراوح عدد الحضور بين 75 و97، وشمل ممثلين عن مختلف المناطق الفلسطينية باستثناء من تعذر حضورهم بسبب ظروف الحرب، وكذلك المقيمين في مناطق سيطرة شرق الأردن الذين مُنع حضورهم فأرسلوا برقيات تأييد واعتذار.
افتتح المؤتمر الكاتب “خليل السكاكيني” الذي دعا “أمين الحسيني” لترأسه، وقد أقر المجلس حينذاك إعلان دولة فلسطين بحدودها المعروفة كما كانت قبل 15 مايو 1948 رافضاً قرار التقسيم، وأقر تشكيل حكومة عموم فلسطين برئاسة “أحمد حلمي عبد الباقي” الذي مثّل فلسطين في جامعة الدول العربية، كان هذا المؤتمر هو الأول والأخير حتى حل حكومة عموم فلسطين رسمياً في يونيو 1963.
بعد ذلك أعيد تجديد المجلس الوطني الفلسطيني عام 1964، وذلك بعد أن قرر الملوك والرؤساء العرب في مؤتمر القمة العربي الأول تكليف أحمد الشقيري الذي أسس منظمة التحرير الفلسطينية وممثل فلسطين لدى جامعة الدول العربية آنذاك، بالاتصال بالشعب الفلسطيني والدول العربية.
حيث قام الشقيري بجولات زار خلالها الدول العربية، واتصل بأبناء الشعب العربي الفلسطيني في مختلف أماكن تجمعهم، وفي ربيع عام 1964 قامت لجان تحضيرية بإعداد قوائم بأسماء المرشحين لعضوية المؤتمر الذي سوف يعقد لهذا الغرض، وقد عُيّن الدكتور “عزت طنوس” مديراً لمكتب المؤتمر، وقد تم توجيه دعوة إلى 397 شخصاً ليكونوا أعضاء في المؤتمر الفلسطيني الأول.
فيما بعد حصل انشقاق كبير في المجلس الوطني الفلسطيني بعد اتفاقية أوسلو، وقد تم استبعاد العديد من المناضلين وأعضاء المجلس، وذلك لرفضهم العودة إلى فلسطين تحت غطاء معاهدة أوسلو.
قد كرس هذا الانقسام عقد جلسة للمجلس الوطني الفلسطيني برئاسة “سليم الزعنون” في الضفة الغربية، وقد كانت هذه ضربة قاضية للعديد من المناضلين القدامى وأوائل أعضاء هذا المجلس، مثل شيخ المناضلين “بهجت أبو غربية ويحيى حمودة وعبد اللطيف أبو جبارة ومسلم بسيسو”، وغيرهم الكثير.
السلطة الفلسطينية وتخفيض مصادر الدعم لمنظمة التحرير
قد اعتمدت السلطة الفلسطينية الحالية على تجفيف مصادر الدعم لمنظمة التحرير إلا من خلالها، من أجل ضمان سيطرتها التامة على القرار الوطني الفلسطيني، ومن ثم السيطرة على باقي الأطر، وبالتالي الالتفاف على حق الوصاية المفروض على السلطة من قبل المنظمة قانوناً بحكم اتفاقية أوسلو تلك، وإبقائها على مجلس وطني أصبح شبه وهمي بتعطيل كافة أدواره الفاعلة تجاه الجماهير الفلسطينية.
لم يستخدم الانتخاب المباشر كأداة للتمثيل في المجلس الوطني الفلسطيني نهائياً بحجة الصعوبات التقنية بشكل أساسي، علماً بأن المادة الخامسة تنص أن التمثيل يتم بالانتخاب المباشر، وبناءً على المادة السادسة من النظام الأساسي لمنظمة التحرير.
استمر وجود المجلس الوطني بلا انتخابات، وبالتعيين من قبل الأحزاب والفصائل الفلسطينية والاتحادات، والاستثناء الوحيد حصل في انتخابات للمجلس التشريعي الفلسطيني باعتباره جزءاً من المجلس الوطني، والذي تم حلّه بعد آخر انتخابات عام ٢٠٠٦ التي جاءت نتائجها على غير رغبة رئيس السلطة الفلسطينية “محمود عباس”، وأدّت التطورات التي تبعتها إلى الانقسام الفلسطيني الحالي بين غزة والضفة الغربية.
للعلم لا يُعرف العدد الفعلي لأعضاء المجلس الوطني الفلسطيني، ولا توجد آلية واضحة لتحديد هذا العدد وحصره أو حتى تعويض النقص فيه لأسباب متعلقة بالوفاة أو غير ذلك؟
إذا كانت الفكرة الأولى للمجلس الوطني الفلسطيني قد بدأت بـ150 عضواً فإن الرقم قد تجاوز الـ750 وفق تقارير رصدت عدد من حضروا جلساته، والتي يفترض أن تتوزع بين عادية وطارئة وفقاً لنظامه الداخلي.
لكن آخر جلسة له كانت في عام ٢٠١٨، والجلسة الطارئة الأخيرة كانت في عام ٢٠٠٩، وكلتاهما عُقدتا لترميم النقص الحاصل في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بعد وفاة بعض أعضائها وإقصاء وتهميش آخرين.
هذه الجلسات عُقدت بعد انقطاع طويل تخللته جلسة عام ١٩٩٦ خصصت لشطب بعض بنود الميثاق الوطني الفلسطيني بحضور الرئيس الأمريكي الأسبق “بيل كلينتون”، وبناءً على طلب الاحتلال الاسرائيلي؟!
بمعنى أن هذا المجلس الذي يجب أن يكون أعلى سلطة تشريعية فلسطينية لمنظمة التحرير الفلسطينية في الداخل والخارج، وأن يراقب أداء السلطة التنفيذية، حيث كانت تستدعيه السلطة التنفيذية مع الأسف فقط وقت الحاجة لتمرير قانون أو قرار معين أو للمناكفة في الأوساط الداخلية الفلسطينية.
أما بخصوص رئيس هذا المجلس فيكفي أنه في مارس من عام 2008، قررت اللجنة المركزية لحركة فتح إعفاءه عندما كان آنذاك مستشاراً لرئيس السلطة “محمود عباس” من كافة مسؤولياته الرسمية في الحركة، وفي السلطة الفلسطينية لحين البت في قضية تهريب أجهزة هواتف محمولة.
قالت اللجنة عقب جلسة ترأسها عباس إنها اتخذت هذا القرار بعد أن استمعت إليه بشأن واقعة تهريب أكثر من 2000 جهاز محمول في سيارته الخاصة عند عودته من الأردن.
هذا مقتطف من السيرة الذاتية لرئيس المجلس الوطني الفلسطيني المعيّن وليس المنتخب “روحي فتوح”، الذي مثّل فلسطين زوراً وبهتاناً في زيارة وفد اتحاد البرلمانيين العرب لسوريا ولقائه ”بشار الأسد”، وهو مؤشر حقيقي لطبيعة هذا الوفد وهؤلاء البرلمانيين.
باختصار هذا غيض من فيض، ولو تتبعنا كل برلمان من هذه البرلمانات سنجد أننا إزاء برلمانات لا تعكس نبض شعوبها، ولا تجسّد آمالها وطموحاتها أو حقيقة رغباتها، والتي طلبت من الأنظمة الرسمية العربية مقاطعة نظام ”بشار الأسد” أمرتهم الآن بالعودة إليه.
مُخطئ من يعتقد أن هذه الأنظمة وما ينبثق عنها من أطر تمتلك قراراتها، نحن أمام دمى تتحرك وفق رغبات مُشغليها، وأصلاً تحرُّك هذه الأدوات مع أو ضد ثورات الربيع العربي منطَلَقُه الأساس الحفاظ على مكتسبات هذه الأنظمة.
عربي بوست
——————————–
تداعيات مزلزلة/ فرانشيسكو سيكاردي
إن مرحلة ما بعد 6 شباط/فبراير 2023 لن تكون أبدًا كما قبله بالنسبة إلى تركيا وسورية. فقد أودى الزلزال المدمّر الذي ضرب المنطقة في ذلك اليوم بحياة عشرات الآلاف من السكان (كانت حصيلة الخسائر البشرية 37,000 شخص في تركيا و5,800 شخص في سورية أثناء كتابة هذا المقال)، وأسفر عن تهجير ملايين الأشخاص على طول حدود البلدَين.
لا شكّ في أن مشاعر الحزن ومساعي إعادة الإعمار سترافق المواطنين السوريين والأتراك على مدى السنوات المقبلة، لكن بتنا نتلمّس أولى التداعيات السياسية الناجمة عن هذه الكارثة. ففي تركيا، يبدو المصير السياسي للرئيس رجب طيب أردوغان على المحك.
فالسخط الشعبي من الاستجابة البطيئة التي أبدتها السلطات التركية للتصدّي إلى الكارثة قد يؤدّي إلى فقدان أردوغان فرصة إعادة انتخابه رئيسًا في السنة التي تصادف فيها الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية. لكن من المستبعَد أن يتوجّه الأتراك إلى صناديق الاقتراع يوم 14 أيار/مايو نظرًا إلى الأضرار التي خلّفها الزلزال، ومن المرجّح تأجيل إجرائها إلى منتصف شهر حزيران/يونيو، أي المهلة المحدّدة دستوريًا، أو إلى العام 2024 في حال تمكّن أردوغان وحزبه من تحقيق ذلك. أما في سورية، فالرئيس بشار الأسد يستخدم التعاطف مع ضحايا الزلزال من السوريين للدعوة إلى رفع العقوبات الغربية المفروضة على البلاد ووضع حدّ لعزلته الدولية.
ستكون للزلزال تداعيات ضخمة على العلاقات التركية السورية. لقد حدث تقدّم على مستوى تحقيق التقارب بين البلدَين لغاية كانون الثاني/يناير من العام الجاري، بعد أكثر من عقدٍ من العداء والضغينة. فبعد الإحجام عن تنفيذ التوغّل العسكري الخامس في شمال سورية، بدأت القيادة التركية إرسال إشارات مشجعة إلى دمشق. في المقابل، اشترط نظام الأسد انسحاب جميع القوات التركية من سورية. لكن بات التقاء المصالح بين أنقرة ودمشق ممكنًا على نحو متزايد بهدف إحباط تطلّعات استقلال الأكراد في شمال شرق سورية.
وإن كان اهتمام الأسد بالانفتاح التركي نحو بلاده قد أمْلته رغبته في الصمود السياسي، فسياسة تركيا المتعلقة بسورية تُحرّكها عوامل خارجية وداخلية على السواء. من جهة، كانت روسيا تدفع تركيا لفتح قنوات حوار مع سورية بهدف خفض فرص الانتشار العسكري التركي الموسّع في شمال سورية، ودقّ إسفين بين أنقرة وحلفائها الغربيين، الذين يعارضون أي مصالحة مع النظام السوري. ومن جهة أخرى، اعتبرت أنقرة أن تحسين علاقاتها مع سورية قد يساعدها على تحقيق مكاسب انتخابية من خلال إظهار أن الحكومة سعت من أجل التوصّل إلى حلول عملية لأعداد اللاجئين السوريين الكبيرة في تركيا. وسيكون ذلك بمثابة سرقة نقطة من المعارضة التي اقترحت إجراء حوار مع الأسد كحلّ لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم. وقد سلّط ذلك أيضًا الضوء على القضية الكردية في النقاش السياسي التركي، ما اعتبر أردوغان أنه سيصبّ في صالحه.
بعد زلزال 6 شباط/فبراير، تغّيرت هذه الاعتبارات بطرق عدّة. على الصعيد الدولي، ستواصل روسيا وقوى إقليمية أخرى الترويج للتطبيع مع نظام الأسد. وقد قدّمت بعض من هذه الدول، مثل الإمارات العربية المتحدة، بسخاء مساعدات طارئة إلى تركيا وسورية، إضافةً إلى المساهمة في تحسين المالية العامة لتركيا. وعلى الصعيد المحلي، من المنطقي ألا يكون الوقت مناسبًا لقيام أنقرة بتصعيد خطابها المناهض للأكراد السوريين، ناهيك عن إقناع ناخبيها بأن مكافحة الإرهاب وضبط الحدود يشكّلان مبرّرًا جيّدًا لنشر الجيش التركي في شمال سورية. علاوةً على ذلك، أعلن حزب العمال الكردستاني عن تعليق عملياته مؤقتًا في تركيا، ما من شأنه أن يصعّب أكثر على الحكومة تبرير موقفها. مع ذلك، برزت تقارير عن تنفيذ غارات تركية بطائرات مسيّرة في شمال سورية خلال الأسبوع الذي أعقب الزلزال.
وعلى الرغم من أن عمليات الإغاثة ستبقى الشغل الشاغل للحكومة التركية على الأمدَين القصير والمتوسط، ستشكّل قضية اللاجئين على نحو متزايد عقبة أساسية في طريقها. واقع الحال أن الخطاب الشعبوي المعادي للسوريين قد تصاعد في المناطق التركية الأكثر تضرّرًا من الزلزال. واتُّهم السوريون بالسرقة، وانتشرت مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي بفضل حملة نظمها سياسيون يمينيون متطرّفون مناهضون للاجئين على غرار أوميت أوزداغ. ومن المستبعد أن تنتهي هذه الظاهرة في وقت قريب. لكن من الصعب تخيّل عودة مئات الآلاف من اللاجئين السوريين إلى بلادهم في ظل الظروف الراهنة.
وسيتعيّن على تركيا أيضًا التعامل مع احتمال تدفّق المزيد من اللاجئين السوريين من محافظة إدلب، التي كانت قبل الزلزال تأوي نحو 3 ملايين من الأشخاص النازحين داخليًا. لهذا السبب، من المستحيل أن تتمكّن أنقرة من الوفاء بالشروط المسبقة التي وضعها نظام الأسد للحوار، والمتمثّلة في سحب تركيا جيشها من شمال سورية ووقف دعمها للمتمرّدين على الأرض. فتركيا ترى أن استمرار وجودها العسكري في إدلب يشكّل ضمانة في وجه أي تدفق للاجئين عبر الحدود في المستقبل.
لا يضع كلّ ما سبق الكثير من الخيارات الجيدة أمام تركيا. وبات من المؤكّد، على ضوء الحملة الانتخابية، أن زلزال 6 شباط/فبراير عزّز تمحور أهداف السياسة التركية في سورية حول مصالح أردوغان الانتخابية. هذا هو المبدأ الذي سيوجّه خطوات تركيا ومفاوضاتها في المستقبل.
يُعتبر بشار الأسد أيضًا في وضع مماثل، إذ يقوم باحتساب كل خطوة لتحقيق أكبر قدر من المكاسب وإبعاد نفسه عن صورته كمنبوذ على الصعيد الدولي. وسيقدّم الأسد تنازلات يراها مناسبة في هذا الشأن. وأحدث مثال على ذلك فتح ممرات للمساعدات الإنسانية إلى مناطق شمال غرب سورية الخاضعة لسيطرة المتمردين. لكن وبينما تتجلّى حسابات الجانبَين التركي والسوري، ستبقى على الأرجح معاناة ضحايا الزلزال في البلدَين مستمرة. لكن لا يبدو أن لمأساتهم ثقلًا كبيرًا ضمن اللعبة السياسية الأكبر التي ترتسم معالمها من حولهم.
———————————
يعزز العقوبات على الأسد.. مشروع قانون أميركي لمراقبة وصول المساعدات إلى سوريا
وافق مجلس النواب الأميركي على مشروع قانون بشأن الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا في 6 شباط الجاري، ينص على دعم الاستجابة الإنسانية في سوريا وتركيا، ويدين النظام السوري ويدعو إلى زيادة الرقابة على وصول المساعدات الإنسانية إلى سوريا.
ورعى القرار، الذي صدر مساء أمس الإثنين، أكثر من 40 مشرعاً من كلا الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، من أبرزهم النواب الجمهوريون جو ويلسن ومايكل ماكول وفرينش هيل، في حين يحتاج المشروع إلى تصويت من مجلس الشيوخ كي يصبح قانوناً نافذاً.
ووفق القانون فإن النظام السوري أعاق إيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين، بما في ذلك أولئك الموجودون في المناطق التي تأثرت بالزلزال، مشيراً إلى أن النظام “استخدم الزلزال “بشكل مخجل للدعوة إلى رفع العقوبات الأميركية، وادعى كذباً أن هذه العقوبات تعرقل استجابة المساعدات”.
وزير الخارجية المصري سامح شكري يلتقي رئيس النظام السوري بشار الأسد في دمشق ـ “رئاسة الجمهورية السورية”
على ماذا ينص المشروع؟
وينص مشروع القانون على تقديم التعازي لعائلات ضحايا الزلزال في سوريا وتركيا، والثناء على جهود المنقذين والمسعفين والعاملين والمنظمات الإغاثية، السورية والتركية والأميركية، ويحث المجتمع الدولي على تقديم الدعم للاستجابة للكوارث في تركيا وسوريا، وبشكل خاص الدفاع المدني السوري.
ويدين مشروع القانون “الجهود التي يبذلها النظام السوري لاستغلال الكارثة بسخرية، للتهرب من الضغط والمساءلة الدوليين، بما في ذلك منع الأمم المتحدة من تقديم المساعدة عبر المعابر الحدودية المتعددة بين سوريا وتركيا”.
ويدعو مشروع القانون إدارة الرئيس جو بايدن إلى “الاستمرار في استخدام جميع الأدوات الدبلوماسية، بما فيها مجلس الأمن، لفتح جميع المعابر الحدودية بين تركيا وسوريا لمساعدة الأمم المتحدة”، ويؤكد على “الحاجة إلى المساعدة الدولية للوصول إلى شمال غربي سوريا للمساعدة في الإغاثة في حالات الكوارث”.
كما يدعو مشروع القانون إلى “زيادة آلية الرقابة لضمان عدم تحويل المساعدات الإنسانية التي تمولها الولايات المتحدة الأميركية لصالح نظام الأسد”، ويحث إدارة بايدن على “الاستمرار في الالتزام بحماية الشعب السوري، بما في ذلك من خلال تنفيذ قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا، الصادر في العام 2019”.
الزلزال في سوريا
تعزيز العقوبات
وفي كلمته عقب التصويت على مشروع القانون، قال المشرّع الجمهوري في مجلس النواب الأميركي، جو ويلسن، إن القانون الذي أصدره مجلس النواب “يقف إلى جانب شعبي تركيا وسوريا، وضد نظام الأسد الوحشي في أعقاب الزلازل المدمرة”.
وأعرب ويلسن عن شعوره بـ “الحزن العميق لإضعاف العقوبات التي تفرضها إدارة بايدن على نظام الأسد، من خلال السماح بالمعاملات المباشرة معه”، مؤكداً أن ذلك “لن يساعد في الإغاثة من الزلزال، ولن يؤدي إلا إلى تعريض المدنيين السوريين للخطر من خلال إثراء النظام السوري”.
وأضاف ويلسن أننا “نشهد بالفعل نتيجة سياسة بايدن الضعيفة هذا الأسبوع، حيث بدأت الدول العربية في التطبيع مع النظام السوري، وتجاهل قانون قيصر الذي يهدد بعواقب وخيمة على التطبيع”، مؤكداً أنه “على الرغم من ذلك، فليكن معلوماً أن الكونغرس سيواصل تطبيق قانون قيصر بدعم من الحزبين، وتشديد العقوبات على نظام الأسد وأولئك الذين ينخرطون في هذا النظام الهمجي”.
وأكد أنه “لا يوجد حل في سوريا طالما ظل نظام الأسد الوحشي في السلطة، الذي صدّر الإرهاب، وارتكب جرائم الحرب، واستخدم الأسلحة الكيميائية للإبادة الجماعية لشعبه”.
وأشار السيناتور الأميركي إلى أنه “لن يصدق أحد أكاذيب نظام الأسد بشأن العقوبات، والكونغرس لن يسمح بالتطبيع مع الأسد وسيحاسب كل من يحاول التطبيع، ولن يتوقف عن دعم الشعب السوري في حكومة يستحقها على أساس الديمقراطية وحكم القانون، وليس الاستبداد مع حكم البندقية”
———————————
سيناتور أميركي: التطبيع العربي مع بشار الأسد سيفتح الباب أمام عقوبات محتملة
قال السيناتور الجمهوري، والعضو البارز في لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي، جيم ريش، إن موجة التطبيع العربي مع رئيس النظام السوري بشار الأسد ستفتح الباب أمام عقوبات أميركية محتملة.
جاء ذلك في تغريدة نشرها ريش على حسابه الرسمي في تويتر، تعليقاً على زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى دمشق، يوم أمس الإثنين.
وأضاف ريش أن الموجة الأخيرة من التواصل مع بشار الأسد لن تفيد شركاءنا العرب، ولن يكون من شأنها إلا فتح الباب لعقوبات أميركية محتملة.
وأكد أن كارثة الزلزال لن تمحو جرائم بشار الأسد بحق الشعب السوري، مضيفاً: “يجب منع إعادة تأهيل النظام أو إعادته إلى الجامعة العربية”.
وأجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري، أمس الإثنين، زيارة إلى دمشق، التقى خلالها مع بشار الأسد ووزير خارجيته فيصل المقداد، “بهدف التضامن مع سوريا لمواجهة تداعيات الزلزال المدمّر الذي ضرب شمال البلاد في 6 شباط الحالي”.
وهذه أول زيارة لوزير خارجية مصري إلى دمشق منذ تجميد الجامعة العربية عضوية سوريا في 2011، على خلفية قمع النظام السوري للتظاهرات السلمية المطالبة بالتغيير.
النظام يستغل الزلزال للخروج من عزلته
وكان بشار الأسد معزولاً دبلوماسياً في الساحة العربية – كما الدولية أيضاً – إذ ما تزال عضوية سوريا في جامعة الدول العربية معلّقة منذ العام 2011، لكن بعد الزلزال المدمّر، استأنفت دول عربية التواصل مع النظام الذي يستغل هذه الكارثة للخروج من عزلته الدبلوماسية.
ومنذ وقوع الزلزال المدمّر الذي ضرب سوريا وتركيا، في السادس من شهر شباط الحالي، تلقّى بشار الأسد سيلاً من الاتصالات من قادة دول عربيّة وهبطت أكثر من 223 طائرة مساعدات في مطارات دمشق وحلب واللاذقية، وسنحت الكارثة للأسد فرصة لدفع عملية تطبيع نظامه مع بقية دول العالم العربي، والتي إن كانت تسير ببطء لكنها تتقدم.
————————————
“التطبيع العربي مع الأسد” وتحدّي المصالح الأميركية والروسية/ إياد الجعفري
أحد أبرز الأسئلة التي تحدّد الإجابة عنها، مصير مسار الحراك الدبلوماسي “العربي” نحو “التطبيع” مع نظام الأسد، هو: هل هذا “الحراك” يتم بروافع إقليمية فقط، أم له روافع دولية، وبالتحديد، أميركية وروسية؟ وهو ما يستتبع السؤال الآتي: كيف تنظر الولايات المتحدة الأميركية إلى هذا “الحراك”؟
في المُعلن من المواقف والتصريحات والتحركات الدبلوماسية، لا يظهر أي دور لروسيا أو لأميركا في “الحراك العربي” الأخير نحو “الأسد”، ووفق المعلن أيضاً، فإن هذا “الحراك” يمثّل مصلحة استراتيجية لموسكو، فيما يتنافى مع المصالح الأميركية. لكن ما وراء الكواليس قد توحي بعض التفاصيل بخلاف ذلك، وإحدى النقاط المرجعية لفهم البعد الدولي الأميركي–الروسي في هذه الحيثية، ترجع إلى قبول النظام بفتح معبرين إضافيين لتمرير المساعدات الدولية إلى شمال غربي سوريا، لفترة أولية مدّتها ثلاثة أشهر.
قبولُ النظام هذا مثّل مرونةً غير معتادة، واختلفت الروايات في تفسير العوامل التي دفعته لذلك، إحداها تقول إنّ “الأسد وافق على هذا الإجراء، بعد أن حثّته الإمارات على ذلك، خلال زيارة وزير خارجيتها إلى دمشق، بُعيد كارثة الزلزال بأسبوع. وفي اليوم التالي التقى الأسد منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، قبل أن يُعلن عن قبوله بفتح المعبرين الإضافيين”.
لكن رواية ثانية مرّرها ذات التقرير الصادر عن وكالة “رويترز”، والذي تحدث عن الدور الإماراتي، تقول: إن “روسيا أبلغت الأسد بأنها لن تكون في وضع يمكّنها من استخدام حق النقض ضد قرار دولي كانت دول غربية تعدّه عبر مجلس الأمن، يسمح بإمكانية وصول أكبر إلى شمال غربي سوريا، لإغاثة المتضررين من الزلزال”، وهكذا، تنسب الرواية الثانية الفضل إلى روسيا في دفع “الأسد” لإظهار شيء من “المرونة”.
لكن رواية ثالثة، سبق أن روّجت لها وكالات أنباء دولية تحدثت عن صفقة روسية – أميركية أُمليت نتائجها على “الأسد”، وإن كان الأخير شارك تفاوضياً في صياغتها. وأكبر تفصيل لهذه الرواية جاء في تقرير تحليلي نشره مركز الإمارات للسياسات، قال فيه أرميناك توكماجيان – الباحث الذي أعدّ التقرير – إنه استند في معلوماته إلى مقابلة مع مسؤول أممي في واشنطن، لم يكشف عن اسمه. مشيراً إلى أنّ حكومة النظام استبقت محاولات الدول الغربية لاستصدار قرار أممي جديد بدخول المساعدات عبر منافذ حدودية جديدة، “من خلال إبرام اتفاق سياسي على هامش مجلس الأمن مع الولايات المتحدة وروسيا”.
وبحسب الباحث، فقد “توصّل مندوبو الولايات المتحدة وروسيا والنظام السوري في مجلس الأمن إلى اتفاق ثلاثي أفضى إلى تجميد العقوبات الأميركية على الأنشطة المالية المرتبطة بالزلزال لمدة ستة أشهر.
وفي مقابل ذلك، تعيّن على النظام السوري القيام بخطوات ثلاث:
الخطوة الأولى تتمثّل في رفع سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة السورية للمنظمات الدولية في سوريا، لتصبح مُقاربة من سعر صرف الدولار في السوق السوداء، حيث كانت تُصرف تحويلات الأمم المتحدة وفق سعر صرف رسمي منخفض.
الخطوة الثانية تتمثَّل في إعلان المناطق التي تضرّرت بالزلزال، والتي شملت حلب واللاذقية وحماة وإدلب (مناطق منكوبة)، إذ يترتب على إعلان كهذا جملة التزامات أممية لإغاثة الدولة التي طلبت المساعدة كجزء من اختصاص مجلس الأمن للحفاظ على السلم والأمن الدوليين، ويمنح ذلك حرية أكبر لعمل المنظمات الإنسانية.
الخطوة الثالثة كانت إبلاغ “الأسد” لـ مارتن غريفيث – وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ – خلال لقائهما في دمشق، يوم 13 فبراير/شباط، بموافقة (الحكومة السورية) على فتح معبري “باب السلامة والراعي” بين تركيا وشمال غربي سوريا لفترة أولية مدّتها ثلاثة أشهر.
بطبيعة الحال، لا يمكننا الجزم، أي الروايات الثلاث آنفة التفصيل، هي الأدق. لكن يمكن تلمس أن لا تناقض بينها، إذ ربما كان للإمارات دور إضافي في حث “الأسد” على إبداء مرونة. فيما كان للروس دور ضاغط حينما أخبروه بعدم قدرتهم على استخدام “الفيتو” لصالحه مجدداً.
أما واشنطن، فاستهدفت تمرير إجراءٍ يعبّر عن استراتيجيتها القديمة السارية حتى اليوم، حيال الوضع في سوريا، والقائمة على إدارة “الأزمة” وليس حلّها. فكارثة الزلزال، تطلبت من واشنطن تخفيف عقوباتها على “الأسد” مؤقتاً. لكنها فعلت ذلك بعد تحصيل تنازلٍ منه، تمثّل في وصول أكبر إلى شمال غربي سوريا، من دون الحاجة للدخول في مواجهة دبلوماسية مع روسيا في مجلس الأمن. وهي مواجهة لم ترغبها موسكو أيضاً.
هل لذلك علاقة بـ”الحراك العربي” الراهن نحو “التطبيع” مع الأسد؟ الإمارات بالذات، تحاول أن تُظهر ذلك. لكن لا دليل يؤكّد على أن “مرونة الأسد” مع المجتمع الدولي في قضية المعابر وإغاثة الشمال السوري ترتبط بتأثير اللاعبين الإقليميين، بقدر ما ترتبط بترتيبات القوى الدولية (روسيا وأميركا)، وما يدعم هذه القراءة أن الأمرين ينطلقان من دوافع متناقضة. فمسار “التطبيع” الراهن ينطلق في حالة دول كالإمارات والسعودية من زاوية المصالح الخاصة بكل دولة، ومن زاوية رغبتهما بخلق استقلالية لهما بعيداً عن الهيمنة الغربية، والتشبيك مع مختلف القوى الدولية، وفي مقدمتها الصين وروسيا، بعيداً عن صدوع الصراعات بين القوى الكبرى.
وهو ما يتنافى مع المصالح الأميركية بالذات، ويصب في جعبة المصالح الروسية. فيما مسار “المرونة الأسدية – الأميركية” المتبادلة، ينطلق من زاوية سياسة واشنطن في إدارة “الأزمة” بسوريا، كي لا تخرج من حدودها، وبصورة لا تؤدّي إلى وضع خاتمة قريبة لها، نظراً لأن أي خاتمة محتملة وفق موازين القوى على الأرض، تخدم مصالح روسيا وإيران، وبصورة أبعد، الصين. وهو ما لا تستطيع واشنطن تمريره، خاصة مع تصلّب الصراع الأميركي مع موسكو وبكين، وتصاعد تعقيداته، في السنة الأخيرة.
أي أن مسار “الحراك العربي” نحو “التطبيع مع الأسد” في الوقت الراهن، لا يتوافق مع مصالح أميركا في المنطقة. لكن، لماذا لا تتدخل واشنطن للجمه؟ يدرك صانع القرار الأميركي أن كلفة الضغط على الحلفاء الذين باتوا أكثر استقلالية، في قضية ما، تضرّ في استمرارية النفوذ الأميركي على هؤلاء الحلفاء، كما كشفت تجارب سابقة. لذا، لا تلجأ واشنطن إلى الضغط إلا وقت الضرورة. وكما حدث حينما تطور مسار “التطبيع التركي – الأسدي” برعاية روسية، قبل أشهر، إذ أبدت واشنطن معارضة علنية، لكنها لم تلجم ذاك المسار، نظراً لتشكيكها بوجود أفق له.
إذ من الصعب تحقيق تفاهمات مستقرة ونوعية بين النظام وأنقرة، وهو ما ينطبق على مسار “الحراك العربي” الراهن نحو “التطبيع مع الأسد”. إذ للدول الرئيسية في هذا المسار مصالح وأهداف منه. فالإمارات تريد دوراً في سوريا على حساب إيران. والسعودية تريد باباً للولوج نحو تفاهمات مع طهران تنهي الصُداع الحوثي لها في اليمن والمستمر منذ ثماني سنوات، في حين تريد الأردن الحد من تهريب المخدرات عبر أراضيها، وتهديد أمنها إيرانياً. وهي أهداف لا يمكن تحقيقها بالتفاهم مع “الأسد” وحده، بل لا بد من قبول إيراني لها. مما يعني أن “التطبيع العربي مع الأسد” مرهون بإرادة طهران، فيما الأخيرة، عينها على علاقة تفاهم ندّية مع واشنطن، تعيد لها وضعها كقوة إقليمية معترف بها دولياً في المنطقة، وعلى حساب دول الخليج بالذات.
لذلك، ولأن واشنطن تدرك هذه الحقائق، فهي لا ترى في مسار “الحراك العربي” نحو “التطبيع مع الأسد”، خطراً مباشراً على مصالحها في المنطقة، نظراً لمحدودية الآفاق التي سيمضي نحوها هذا المسار، لكن لو حدث أن أخذ ذاك المسار بالفعل، اتجاهات تضرّ بالمصالح الأميركية، حينها ستتدخل واشنطن للجمه باستخدام أدوات الضغط التي تملكها على الدول الخليجية.
تلفزيون سورريا
———————————–
تغييبُ الشعوب العربية.. عُمان تطبِّع مع بشار ومع الاحتلال/ د. أسامة عثمان
ليس غريباً على أرباب السلطة المستبدِّة أن يمعنوا في تغييب رأي شعوبهم، فهذا معنى الاستبداد، ولكن اللافت هو تجاهُل دولٍ ديمقراطية، وعلى رأسها أميركا، ومن تدِّعي الديمقراطية، كدولة الاحتلال، لهذه الحقيقة؛ وهي أنَّ هذه النُّظُم السياسية التي يجري التعاون معها، هي فاقدة للأهليَّة التمثيليَّة، وفاقدة للأهليَّة الرِّعائيَّة.
وأوَّلُ ما يقفز من الأسباب الداعية إلى هذه المفارقات هو مراعاة المصالح الدولية، وما يسمَّى باستقرار المنطقة العربية؛ من جانب الولايات المتحدة، أما إسرائيل، وعلى رأسها بنيامين نتنياهو فإنها لا تتورَّع عن أفدح معاني الانتهازية؛ من أجل دمجها في المنطقة العربية، كما حصل في اصطيادها في المياه العكِرة، وتمرير التطبيع مع السودان، منتهزةً وجود الحكَّام العسكريين. وكذا في استغلال فرصة قبول سلطنة عُمان، بعلاقات سمحت لطيرانها بالتحليق في أجواء السلطنة، برغم رفض الشعبين في السودان، وفي عُمان لمثل هذه العلاقات التطبيعية.
وكذلك، حصل من جانب حكَّام عُمان، حين استقبلوا بشار الأسد، وهو الذي ما يزال يقيم سلطته على أشلاء السوريِّين، وعلى أنقاض حياتهم.
والحاصل أنَّ الحكَّام المفتقِدين للشرعيَّة الحقيقية تجمعهم الأوضاع نفسها، ويتقاسمون النظرة المستخفِّة بشعوبهم نفسها، وقد اعتادوا تغييبهم لسنين وعقود، عن أهم القضايا التي تؤثِّر على مصالحهم، والتي تمَسُّ تكوينهم الوجداني.
هذه العقلية الميكافيلية، والبراغماتية النفعية، بأقبح تجليَّاتها، تستقر في أذهان هؤلاء المسؤولين، كأقوى مُحرِّك، للمواقف والتحالفات، حتى نتنياهو المتبجِّح، دوماً، بدولته ذات المؤسسات الديمقراطية، وأنه يمثِّل الأغلبية، انساقَ وراء اندفاعاته السُّلْطوية، ومعه نظراءُ له، شديدو الطموح للزعامة، ولفرْض أجنداتهم الحزبية العنصرية، مِن أمثال الوزيرين المستوطنَيْن، العنصريَّيْن؛ إيتمار بن غفير، وبتسلئيل سموترتش، نجحوا في الخطوة الأولى (بإقرار مشروع قانون الإصلاحات القضائية)؛ في السيْر نحو تقليص صلاحيات المحكمة العليا، لتُطلَق أيديهم سياسيّاً وحزبيّاً، ولتحصينهم، وبالذات نتنياهو، من تُهَم الرِّشوة الاحتيال وإساءة الأمانة.
لكن الفارق بين حكَّام عرب مستبدِّين، وبين نتنياهو وحلفائه، يكمن في أنَّ الأخير لا ينفكُّ، على علّاته، عن خدمة المصالح القومية لدولته، في حين يعمل الحاكم العربي المستبدّ على الحفاظ على مكتسباته، بالدرجة الأولى، ولو تعارضت، وأضرّت بالمصالح القومية العليا. وهو مطمئنٌّ إلى دعْمٍ خارجي – أميركي بالدرجة الأولى – يتغاضى عن ارتكاباته بحقِّ شعبه، مِن سوء الرعاية والفساد، ومِن تغييب تمثيلٍ عادل؛ هذا الدعم الخارجي الذي يقبل، ويتجاوز، ولا يحمل على محمل الجِد، استحقاقات الإصلاح المطلوبة.
هذه الحالة تثير التساؤل عن صدق تلك الشعارات الديمقراطية الغربية والأميركية، حين تقارَن بقوَّة المصالح، وحضورها في المواقف، والدعم، السياسي، وغيره؛ ذلك أن هذه القوى الخارجية، ومنها إسرائيل، تفضِّل نُظُمًا مِطْوَاعة، على نظُمِ منتخَبة، ودولة ذات مؤسسات، لا يتمكَّن الحاكمُ فيها من احتكار القرار، فمع هذا الحاكم المتفرِّد؛ ما أسلسَ الانتقالات المفاجئة، وما أسهلَ الانخراط في السياقات الخارجية!
ونحن واقعون فيما يشبه الدائرة الشِّريرة، إذ حين يخفق الحاكم في سياساته الاقتصادية والتنموية والاجتماعية، يتَّجه إلى تحميل الشعب أعباء هذه الإخفاقات، بفرض مزيد من الضرائب التي تُفضي إلى رفع أسعار السلع والخدمات الأساسية، بالتوازي مع مضاعفة الديون الخارجية والاقتراض، كما حصل في مصر، مثلًا. فالشعب الذي غُيِّب، وصودر قراره، ولم يرجع إليه، في أي مرحلة، رجوعاً حقيقيّاً، بالاستفتاء، عند المفاصل والقرارات الاستراتيجية، أو بمراكز استطلاع الرأي، ذات النزاهة والكفاءة، أو بالرجوع إلى ممثِّليه المنتخَبين، في انتخابات نزيهة وشفَّافة، هذا الشعب هو الذي سيكون عليه تحمُّل أعباء ذلك الفشل ورداءة السياسيات.
وهنا، مسألة مهمة، هي أن هذه النُّظُم الراهنة المستبدَّة هي استمرار لنظُمٍ تجاوزَها الزمن؛ لم تتغيَّر بِنيتُها، وإنْ تغيَّرت الوجوه، وبعض الشعارات. وهي عاجزة عن تغيير ذاتها، ما لم تتبلور إرادة شعبية واعية لتغييرها، وهنا محلُّ النظر، والأمل؛ أنَّ هذه الشعوب العربية لم تعد على ذاك الانغلاق، والوعي المصنوع، حين كانت شبهَ خاضعة لسطوة الدولة في وسائل إعلامها الرسمي، وفي أجهزتها التعليمية والتثقيفية، فقد تعزَّزت قنواتُ الاتصال بين الشعوب العربية؛ ما عمِلَ على تظهير حالات التضامن، مع قضاياها العادلة، ومهما قيل عن الشعوب، ونكوصها، أو انكفائها على مشاغلها وهمومها الداخلية، وتغلُّب الخطابات القُطْرية، بالمعنى السلبي، الأناني، إلا أن المؤشِّرات على بقاء هذا الصوت الأصيل الذي يناصر المظلوم، ولا ينافق للظالم الداخلي، أو المحتلّ الخارجي.
أما الموقف من المحتل الخارجي، فقد تكاثرت الأدلَّة، وتتابعت على رفض التطبيع مع دولة الاحتلال، وكان مونديال قطر مِن آخر الدلائل وأوضحها فيما أشبه الاستفتاء الشعبي الواسع والمتنوِّع الخلفيَّات، جغرافيّاً وثقافيّاً.
وفي عُمان التقى طرفا الدائرة، فيما يفترَض؛ من استقبال بشار الذي طالما سُوِّقَ على أنه في صُلْب محور الممانعة والمقاومة، إلى السماح بطيران الاحتلال بالتحليق في أجوائها، وليس بين الحدَثين ما يزيد عن ثلاثة أيَّام!
فهل سُئِل الشعب العُماني عن استقبال الأول، فرحّب (؟!)، وهل استُفتي في هذه النقلة التطبيعية الخطيرة، (التي رفضَها واستهجنها مفتي البلد، الشيخ أحمد الخليلي، ودعا إلى إعادة النظر فيها)؛ فرضِيَ وفَوَّض (؟!).
نحن لا نملك مؤشِّرات علمية دقيقة عن حجم القبول الشعبي في عُمان لهذا الاستقبال لحاكم لمّا تجفّ يداه من دماء شعبه، وإنْ كنّا لاحظنا، من خلال وسائل التواصُل الاجتماعي أصواتاً عُمانيَّة ترفض وتدين هذا الاستقبال؛ وقد تعود هذه الصورة الغائمة إلى نقص الشفافية الإعلامية المتاحة في السلطنة، أو إلى تغييب الحياة السياسية الفعلية عن البلد، منذ عقود.
وهذا يعيدنا إلى العنوان أعلاه، عن خطورة تغييب الشعوب العربية، ومصادرة رأيها، إزاء قضايا بالغة الأهمية والأخلاقية، بل الإنسانية، والأخوية، وفق المفترَض، وإلى متى يصمد هذا التغييب؟
——————————-
تساؤلات عن الدور الإماراتي في التطبيع العربي مع نظام الأسد/ بسام بربندي
أثارت سرعة التقارب بين الدول العربية وتركيا مع النظام السوري كثيرا من التساؤلات عن حقيقة ما يجري وأهدافه والمقابل المتوقع من هذه الزيارات.
وشكل الانكفاء الأميركي والدولي عن التدخل الجدي لإيجاد حل سياسي عادل للكارثة السورية سببا مباشرا لتركيا والدول العربية للعثور على آلية بديلة لحل الأزمة السورية تحمي مصالحهم، وتقوم على اعتبار أن التواصل مع النظام أصبح ضرورة، متأملين أن يكون النظام قادرا على التجاوب والعمل معهم لإيجاد حل للمشكلات التي تعاني منها هذه الدول نتيجة طريقة تعاطي النظام مع الثورة مثل مشكلة اللاجئين والوجود الإيراني وتهريب المخدرات كأولوية، وبداية لمعرفة جدية النظام بالتعامل مع هذه القضايا وليس حلا لمشكلة النظام مع شعبه.
تواصل الجانب التركي والإماراتي مع الجانب الأميركي وطلبا منه أن يكون أكثر جدية بالتعامل مع الكارثة السورية، ولكن لم يحصلا على أي جواب أو بادرة مفيدة، مما شجعهما على المضي في سياستهما بالتقارب مع النظام رغم معرفتهما المسبقة أنهما غير قادرين على تزويد النظام بأي مساعدات مالية حقيقية وبالتالي التأثير عليه لوجود العقوبات، وأن نفوذ إيران على النظام قوي لدرجة من الصعب أن يحققا النتائج المرجوة، مع ذلك قرر البلدان الاستمرار بالمحاولة متأملين أن مساعدتهم للنظام للعودة إلى الساحة الدولية بمساعدة روسية قد تكون محفزا له لتغيير تعاطيه.
سنتحدث في هذا المقال أكثر عن التفكير الإماراتي.
ينطلق الفكر الإماراتي من عدة نقاط:
أولا: إنه من غير المفيد ترك إيران تسيطر على سوريا من دون وجود عربي للحد من النفوذ الإيراني.
ثانيا: الصراع الأميركي الصيني سيزيد بالمرحلة المقبلة، ويجب أن يكون العرب على الحد الأدنى من الترابط للحد من أن يدفعوا ثمن هذا الصراع، وبالتالي لا بد من إيجاد حلول واقعية للمشكلات والأزمات (من وجهة نظر الإمارات) في سوريا واليمن ولبنان والعراق.
ثالثا: ترفض الإمارات العمل وفق شعارات تغيير النظام وانهيار أجهزة الدولة السورية.
رابعا: لا ترى الإمارات وجودا لأي قوى معارضة سياسية حقيقية لها تأثير على الأرض وبين السوريين يمكن العمل معها.
خامسا: ترى الإمارات أنه من الضرورة إيجاد حل يلبي مصالح الدول الفاعلة في الأزمة السورية كمرحلة أولى على الأقل.
سادسا: تتواصل الإمارات مع العديد من السوريين المقيمين في أراضيها أو القريبين منها لتطوير الأفكار المتعلقة بحل الأزمة السورية. ونظرا لغياب مؤسسات المعارضة السياسية وعدم وجود شخصيات وخطاب رسمي للمعارضة السورية يلقى قبولا شعبيا يبقى من غير المعروف تأثير هؤلاء الأشخاص على طريقة التعاطـي الإماراتي مع الأزمة السورية، وهل هي تضع أياً من أولويات الشعب السوري ضمن مطالبها مع النظام؟
ومن الأفكار “غير الرسمية “المطروحة هي إعادة التقسيم الإداري لسورية ليكون ٦ مناطق إدارية بدل من نظام المحافظات، بحيث كل منطقة إدارية تمثل حماية لنفوذ ولمصالح كل دولة في سوريا، مثلا جمع محافظات القنيطرة والسويداء ودرعا في منطقة إدارية واحدة تحمي مصالح الأردن والخليج وإسرائيل من النفوذ الإيراني وتهريب المخدرات، وجمع محافظات دير الزور والرقة والحسكة في منطقة إدارية واحدة تحفظ المصالح الأميركية في هذه المنطقة.
تم بحث الخطوات المقترح اتخاذها لمقاربة الأزمة السورية (ضمن ملفات ثانية) في القمة التي جرت في الإمارات والتي جمعت قادة دول سلطنة عمان ومصر وقطر والإمارات والبحرين والأردن بتاريخ ١٨/١/٢٠٢٣. وقد عبر وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان ١٨/٢/٢٠٢٣ في مؤتمر ميونخ عن نتائج القمة في الإمارات رغم عدم حضور المملكة لها “سترون أن إجماعا يتزايد ليس فقط بين دول مجلس التعاون الخليجي بل في العالم العربي على أن الوضع الراهن غير قابل للاستمرار”. وأضاف أنه في ظل غياب سبيل لتحقيق “الأهداف القصوى” من أجل حل سياسي فإن نهجا آخر “بدأ يتشكل” لمعالجة مسألة اللاجئين السوريين في دول الجوار ومعاناة المدنيين خاصة بعد الزلزال المدمر في سوريا وتركيا.
وأضاف الأمير فيصل “لذلك، ينبغي أن يمر ذلك عبر حوار مع حكومة دمشق في وقت ما بما يسمح على الأقل بتحقيق الأهداف الأكثر أهمية خاصة فيما يتعلق بالزاوية الإنسانية عودة اللاجئين وما إلى ذلك”.
تم إطلاع الولايات المتحدة على الخطوات التي تعتمد الدول العربية القيام بها تجاه نظام الأسد والتي رفضتها لاقتناعها بعدم جدية النظام بتطبيقها، وبنفس الوقت لم تمانع من الاستمرار فيها مع التأكيد على أن العقوبات المفروضة على النظام لها بُعد قانوني أكثر من السياسي ولا يمكن تجاوز هذا الأمر ضمن الواقع الحالي، وإنه لا ينبغي أن يكون هناك تطبيع مجاني.
سرّعت كارثة الزلازل خطوات هذه الدول للتواصل مع النظام. ومثلت زيارة إسماعيل قاآني قائد قوات القدس في الحرس الثوري الإيراني إلى حلب واللاذقية من دون أي مرافق رسمي سوري جرس إنذار لهذه الدول، وأن مشروعهم سينهار قبل أن يبدأ بسبب هذه الزيارة وما تحمله من رسائل قوة وسيطرة إيرانية حقيقية لمناطق سورية تحت سيطرة النظام، وظهور الأسد لاحقا في نفس المناطق التي زارها قاآني من دون أن يعلن حالة طوارئ إنسانية أو يعلن الحداد أو إظهار أي تعاطف مع الشعب السوري المنكوب في كل سوريا.
بل ظهر شامتا بالسوريين الأمر الذي سرّع بزيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى سوريا، وطلب من رأس النظام اتخاذ إجراءات سريعة لمساعدة الدول العربية في مساعيها لإعادة النظام إلى المجتمع العربي وإظهاره بأنه جدير بالاحترام والتحاور معه.
خلال هذه الزيارة تم الاتفاق على قيام النظام بالإعلان عن فتح معبرين إضافيين كرسالة إنسانية تجاه “شعبه”، والدول المانحة لمساعدة المتأثرين بالزلازل وتم إعطاء الأسد نصاً مكتوباً تحدث فيه عن الحوار السياسي “كرسالة سياسية” للمجتمع الدولي.
زار وزير الخارجية الإماراتي واشنطن بعد زيارته لدمشق وطلب إعطاء الدول العربية فرصة لمعرفة جدية النظام، وأشار إلى موضوع المعابر ونص الحديث الذي قام به الأسد واعتبرها خطوة مشجعة وأن كانت غير كافية.
واشنطن بقيت على موقفها بأنه لا فائدة من التعامل مع هذا النظام ولا يمكن تجاوز العقوبات المفروضة عليه وعلى كل من ساهم بانتهاك حقوق الإنسان واستخدام الكيماوي، وأنها غير جاهزة للانخراط الجدي بالموضوع السوري ولكنها لن تقف بوجه هذه المحاولة.
سرب النظام خبر زيارته لسلطنة عمان لتظهره وكأنه منتصر وتم استقبال رأس النظام بشكل رسمي ليظهر أن لديه شرعية عربية على الأقل، مع أن سلطنه عمان لم تقطع علاقتها الدبلوماسية مع النظام منذ بداية الثورة ولم يكن لديها موقف ضد النظام مقارنه بباقي دول الخليج. وتم نقل رسائل أو طلبات واضحة لرأس النظام من الجانب السلطاني العماني في الاجتماع المغلق وبناء على قدرة النظام على تلبية هذه الطلبات غير المعلنة سيتم تقييم الموقف والانطلاق إلى الخطوة الثانية أو التوقف عن المحاولة.
في النهاية، لا يوجد صوت للسوريين في هذا الحراك السياسي ومن غير المعروف ما هي المطالب التي تم تقديمها للنظام رغم كثرة التكهنات، ولا ماهية الخطوات المطلوبة من النظام وما الذي ستقدمه هذه الدول للنظام بالمقابل، وليس معروفاً أيضاً الجدول الزمني لهذا الحراك وغياب المعارضة السياسية الشرعية، يعطي النظام قوة مجانية ويعطي هذه الدول الحجة لعدم التشاور معهم وعدم الاستماع لأولويات الشعب السوري.
——————————-
هل سترعى سلطنة عمان مشروع التطبيع مع الأسد؟/ العقيد عبد الجبار عكيدي
ربما خرجت زيارة رأس النظام في دمشق عن سياق التوقعات السابقة التي كانت تشير بمجملها إلى توجه بشار الأسد إلى الإمارات أولاً بعد حدوث الزلزال المدمر في صبيحة السادس من شباط الجاري، إلّا أن زيارة سلطنة عمان من جانب الأسد أوضحت أن الحراك الإعلامي والسياسي الذي بدأ به النظام، موازاة مع الكارثة التي حلّت بالسوريين لم يكن مبنياً على فراغ.
ولعلها لم تكن تخفى رغبة بعض الدول العربية في إعادة العلاقات مع نظام دمشق منذ أواخر العام 2019، وبخاصة مصر والجزائر والأردن، إلّا أن الرادع الأميركي حال دون تحقق هذه الرغبة آنذاك، بينما بادرت الإمارات إلى ذلك غير عابئة باللوم الأميركي، ثم جاء ما يعزز هذا التوجه نحو دمشق منذ شهر آب الماضي حين أفصحت الحكومة التركية عن استدارتها السياسية الرامية إلى إقامة حوار مباشر مع حكومة الأسد.
إلّا أن التداعيات التي أعقبت حدوث الزلزال ربما أتاحت مزيداً من الفرص لدى جميع الأطراف لتسريع الخطوات، إذ أراد الكلّ استثمار التداعيات الكارثية للزلزال المدمر لتكون غطاء للخطوات السياسية، وهكذا أصبح المدخل الإنساني بوابة لعبور المشاريع السياسية.
ربما كان صحيحاً أن الموقف الأميركي ومن خلفه الأوروبي بات في مواجهة أكثر وضوحاً مع روسيا منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، ولكن هذه المواجهة في الوقت نفسه لا توجب الانسياق السريع لدول المنطقة، وخاصة الحليفة للولايات المتحدة الأميركية، إلى الاصطفاف المعادي لروسيا، خاصة أن موسكو ما تزال تحظى بوجود حلفاء أقوياء في الشرق الأوسط وفي طليعتهم الصين وإيران. فالتريث واجب إذاً، بل ربما كان الموقف الأكثر اتزاناً – وفقاً – لبعض الدول الخليجية على سبيل المثال – هو إعادة النظر في مواقفها السابقة وبناء سياسات جديدة تجنّبها الاصطفاف الذي ينتهي إلى العداء لمحور محدد.
لعل العامل الأبرز الذي يدفع إلى سياسة (المُهادنة) التي تحاول بعض الدول الخليجية اتباعها هو الموقف الأميركي (المُهادن) ذاته، وخاصة على ضوء الاستراتيجية التي تحاول إدارة الرئيس بايدن التمسّك بها حيال قضايا المنطقة، وتحديداً موضوع إيران الذي ما يزال يخضع لمقاربة أميركية تعتمد على منهج الاحتواء وليس المصادمة المباشرة.
ثم يأتي الموقف الأميركي من الملف السوري، والذي هو في الأصل ملحق بالملف الإيراني بالنسبة إلى واشنطن ولا يجسّد قضية قائمة بحد ذاتها، ولعل هذا الإلحاق لقضية السوريين بملف إيران هو ما يجعل واشنطن أكثر تمسّكاً بالشعار العائم الذي المتمثل بـ(تغيير سلوك النظام وليس تغييره)، ما يعني بالنسبة إلى الدول العربية، والخليجية على وجه الخصوص، أن لا رغبة أميركية حتى الآن في زوال نظام الأسد.
وهكذا تصبح الأبواب نحو دمشق مشرعة – بذريعة الكارثة الإنسانية – لصياغة سياسات أكثر جدوى، وفقاً لبعض القادة الخليجيين، وتتجسّد تلك السياسات بمسألتين إقليميتين، تكمن الأولى بمجاراة الموقف التركي الروسي الزاحف نحو دمشق، بناء على ذريعة قديمة جديدة، وهي الحرص على ألّا تنفرد تركيا – كقوة إقليمية – في التحكم بالمصير السوري، وكذلك الحرص على دور عربي فاعل في القضية السورية، وهي ذريعة وإن لم تكن مقنعة لضحايا الأسد، مثلها كبقية الذرائع الملازمة لتوجهات التطبيع مع دمشق، ولكنها شعار قابل للاستثمار أو كعنصر تبرير لبعض الدول.
وتتمثل المسألة الثانية بفكرة شعاراتية أخرى تحمل في طياتها نقيضها، وأعني تبرير التطبيع مع الأسد بذريعة احتوائه أو انتشاله من الحضن الإيراني، وتلك فريّة لا يقرّ بها عقل سليم، بل ويهزأ منها بشار الأسد ذاته.
يمكن الذهاب – إذاً – إلى أن زيارة الأسد إلى مسقط ليست لجس النبض أو التمهيد لعلاقات جديدة بين عمان والنظام السوري، إذ إن هذه العلاقة لم تنقطع أصلاً، وقد قامت عمان بتعيين سفير لها في دمشق عام 2020، بل إن سلطنة عمان هي الوحيدة من بين الدول الخليجية التي لم تقطع علاقاتها مع نظام الأسد عام 2011.
غالباً الزيارة تتناول الإجراءات العملية لترجمة تفاهمات جديدة ربما كانت تجري في الخفاء، ولكن بالتأكيد كانت شديدة الوضوح بالنسبة إلى سلطنة عمان التي شهدت العقود الأخيرة أنها باتت تتقن أكثر من غيرها دور (الوسيط)، بل لعلها هي الحديقة الخلفية لإنضاج الحلول وتسوية الأزمات المستعصية بين دول المنطقة والإقليم، ومن هذه الزاوية يمكن النظر إلى هذه الزيارة التي تعتبر الأولى له بعد انطلاق الثورة السورية في آذار 2011 من خلال أربعة أبعاد تتمثل بـ:
أولاً- نقل رسائل خليجية وخاصة من السعودية حول تطورات الموقف السعودي من القضية السورية، لا سيما بعد تصريح وزير خارجيتها بشأن ضرورة إيجاد تسوية في سوريا واستعداد الرياض لفتح قنوات اتصال وحوار مع دمشق غير معروفة الشروط التي وضعتها الرياض لعودة تلك العلاقات وهو ما تكفلت به مسقط.
البعد الثاني- يرتبط بعلاقة النظام السوري مع إيران في ضوء المخاوف الخليجية من الارتباط العضوي للنظام مع النظام الإيراني، وربما يأتي هذا اللقاء كمحاولة لاستشعار وفحص نيات الأسد ومدى استعداده لإعادة النظر بعلاقته مع طهران في حال حصوله على جائزة ترضية من دول الخليج.
البعد الثالث- من المرجح أن تكون هذه الزيارة ضمن مسار المبادرة الأردنية – خطوة مقابل خطوة- التي تعثرت ولم يكتب لها النجاح وإعادة إحيائها من خلال الحوار المباشر مع الطرف المعنيّ وهو النظام، خاصة أن الزيارة جاءت بعد زيارة وزير الخارجية الأردني إلى دمشق في الخامس عشر من الشهر الجاري، والتي من المحتمل أن يكون الأسد قد قدم إشارات باستعداده لمناقشة هذه المبادرة بشكل جدي.
البعد الرابع- من غير المحتمل أن تكون سلطنة عمان قد قامت بهذا الدور واستقبلت الأسد كرئيس دولة للمرة الأولى منذ العام 2011، إلا بضوء أخضر أميركي للعب دور ما في إعادة قنوات التواصل والحوار معه، وهذا يعني أن الإدارة الأميركية لديها رسائل وشروط لإعادة تطبيع العلاقات العربية والدولية مع النظام.
فهل حقاً سيكون السلطان هيثم بن طارق هو الراعي الخفي لمجمل الحراك العربي والإقليمي الزاحف إلى الأسد؟
تلفزيون سوريا
—————————–
مقاصد كليتشدار أوغلو من رسالته إلى بشار الأسد/ فراس رضوان أوغلو
لا شك أن تداعيات الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا كانت كبيرة وكثيرة وعلى كل الأصعدة، فأعداد الضحايا الذي فاق 44 ألفاً وأضعاف هذا الرقم من الجرحى إضافة إلى الأبنية المهدمة والتي سيعاد بناؤها في الولايات الإحدى عشرة والتي وصلت إلى 199739 ألف بناء علاوة على التصدعات والتشقاقات والاهتزازات الارتدادية، أضف إلى ذلك الارتدادات السلبية التي قد تلحق بالاقتصاد التركي من جراء توقف ردف هذه الولايات للدخل القومي التركي وربما هذه الارتدادت لن تقتصر على الصعيد الاقتصادي فحسب بل إنها طالت الصعيد السياسي حيث كان هذا الزلزال مدخلا للاتصالات السياسية بين دول كانت على قطيعة مع النظام في دمشق.
لم يحد رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض السيد كمال كليتشدار أوغلو عن هذا المسار وأرسلَ رسالة تعزية إلى بشار الأسد يعرب فيه عن غاية حزنه لما حل من تبعات كارثة الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا ويترحم على أرواح الذي توفوا تحت الأنقاض ويتمنى الشفاء العاجل للجرحى لأبناء الجارة العزيزة سوريا (من دون ذكر المتوفين من السوريين تحت الأنقاض في تركيا) ورغم أن هذه الرسالة تتسم بطابع إنساني بما تتضمنه من كلمات بسيطة وإنسانية إلا أن ما وراءها أهداف سياسية واضحة المعالم على عدة أصعدة أراد السيد كليتشدار أوغلو إيصالها.
المقصد الأول الذي أراد السيد كليتشدار أوغلو توضيحه لأعضاء حزبه وهي أنه مستمر على نهجه الذي أعلنه من قبل وهو التواصل مع النظام في سوريا مباشرة. سياسة التوجه نحو الأبواب مباشرة سواء في القاهرة أو دمشق وأنه ما زال على هذا النهج وأن حل الملف السوري سيكون هكذا في حال تم له الأمر في الانتخابات أو أي أحد من مرشحي الطاولة السداسية وطبعاً بنفس الوقت رسالة للداخل التركي وربما تحديداً الولايات الجنوبية التي ضربها الزلزال مستفيداً من حالة الغضب الموجودة هناك من أجل كسب أصوات لصالحه إن تم ترشُحه وخاصة أن أغلب تلك الولايات كانت تصوت لصالح حزب العدالة والتنمية ولعله أراد أن يقول أيضاً إن عودة السوريين الآن أصبحت حاجة ملحة فلا توجد مساكن تؤوي أبناء بلده فكيف بالسوريين علاوة على إعادة الإعمار التي قد تتحقق في عام بحسب ما تقول الحكومة أو لا تتحقق بعدة سنوات لكبر العدد المطلوب بناؤه وأيضاً لعله يريد أن يذكر الناخب التركي بأنه هو صاحب فكرة التواصل مع دمشق التي تقوم بها الحكومة الآن وأن صاحب الفكرة أولى بقضائها.
المقصد الثاني هو رسالة للخارج وذلك بأن المعارضة التركية الآن هي الخيار الأفضل دولياً وإقليمياً وخاصة أنها ليست على عداء مع أحد وأن من قام بتلك المناكفات السياسية هو الرئيس أردوغان أي الحكومة الحالية وأن المعارضة التركية الآن هي مقبولة بشكل أكبر من غيرها والدليل هذه الرسالة التي أرسلها السيد كليتشدار أوغلو وتم تقبلها بدمشق برحابة صدر فما بالكم بالدول الأخرى، وأن التجديد (وهو شعار المعارضة) قد آن أوانه رغم التحديات الكبيرة التي سوف تواجهها تركيا في السنوات المقبلة سواء في آثار الزلزال وتبعاته أو الحرب الروسية الأوكرانية وما نجم عنها من تغيرات سياسية ليست بالبسيطة أبداً.
المقصد الثالث وهي رسالة لا يمكن وصفها بالإيجابية أبداً نحو المعارضة السورية التي تدعمها تركيا بقيادة الحكومة الحالية مفادها أن المعارضة التركية لا تعترف بالمعارضة السورية بل حتى لا تراها فرسالة التعزية لرئيس النظام السوري فقط ولا رسالة للمعارضة السورية التي ضرب الزلزال مناطقها وخلف قتلى أكثر بكثير مما هو عليه الحال في مناطق سيطرة دمشق ولعل هذا سينعكس على التعاون بين المعارضة التركية في حال نجاحها بالانتخابات المقبلة وبين النظام في دمشق من أجل إعادة اللاجئين السورين وربما يتطور الأمر نحو إنهاء المعارضة السورية المسلحة وتعاون أمني وعسكري وغيره وبهذا يتم إرضاء روسيا وإرضاء الداخل التركي وإرضاء الولايات المتحدة الأميركية التي تعتبر المعارضة السورية مقربة من الفصائل الإسلامية وهنا يجب استحضار هيئة تحرير الشام وغيرها من الفصائل في إدلب وريفها.
رسالة وإن قلّت سطورها إلا أن ما بين السطور يحتاج لعدة رسائل كي تشرحه فسياسي مخضرم بحجم رئيس حزب الشعب الجموري لا يمكن أن يقوم بخطى سياسية غير محسوبة الأبعاد وخاصة أنه يرأس أكبر حزب معارض في تركيا وما هذه الرسالة إلا استمرار لنهج التواصل بينه وبين دمشق الذي قام به من عدة سنوات عبر زيارات وفديّة من حزبه نحو دمشق .
————————————–
واشنطن تؤكد رفضها “طويل الأمد” للتطبيع مع الأسد
أكدت وزارة الخارجية الأميركية أن نظرتها الرافضة للتطبيع مع النظام السوري واضحة وطويلة الأمد، ودعت جميع البلدان إلى التركيز على الاحتياجات الإنسانية للشعب السوري عقب الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس إن “الوقت ليس مناسباً لتطبيع العلاقات أو تحسينها مع نظام الأسد”، مضيفاً أن الولايات المتحدة “تعتقد أن جميع البلدان حول العالم قادرة على تلبية الاحتياجات الإنسانية للشعب السوري من دون إعادة النظر أو رفع مستوى علاقاتها مع الأسد”.
وذكر برايس أن بلاده تركز على الضرورة الإنسانية العاجلة في سوريا، وساعدت السوريين عبر المنظمات غير الحكومية الصديقة، فضلاً عن دعمها تقديم المساعدات والدعم لعشرات الآلاف من الأفراد في سوريا وتركيا، مؤكداً أن واشنطن تشجع جميع البلدان حول العالم على بذل كل ما بوسعها لمساعدة الشعبين السوري والتركي.
وعن زيارة وزير الخارجية المصرية سامح شكري لدمشق، ولقائه الأسد، قال برايس إن شكري اعتبر الزيارة بادرة إنسانية، مؤكداً أن موقف الولايات المتحدة الرافض لتطبيع العلاقات أو تحسينها مع نظام الأسد، هو “واضح وطويل الأمد”.
وقال: “لا نرى أن الوقت قد حان لتحسين أو تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، وما نركز عليه هو تلبية الاحتياجات الإنسانية للشعب السوري”، مضيفاً انه في الوقت الذي تركز جميع البلدان على الاحتياجات الإنسانية للسوريين عقب الزلزال، نعتقد أن عليهم تذكّر أن تلك المحنة الإنسانية والطارئة للشعب السوري موجودة قبل الزلزال بوقت طويل.
واعتبر أن المحنة الإنسانية التي تواجه السوريين منذ أكثر من عقد من الزمن هي “بسبب أفعال نظام الأسد الوحشية التي يمارسها ضد شعبه”، مشدداً أنه في الوقت الذي “نعطي الأولوية للاستجابة الإنسانية في سوريا، من المهم ألا ننسى سجل نظام الأسد”.
وتأتي تصريحات برايس عقب زيارة أجراها شكري إلى دمشق، التقى خلالها الأسد وسلّمه رسالة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تتضمن مواساة وتضامن القاهرة مع الشعب السوري عقب الزلزال الذي ضرب سوريا، في أول زيارة لوزير خارجية مصري منذ قطع العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري في 2011، على خلفية قمع الاحتجاجات المطالبة برحيله وتحقيق الحرية والعدالة في البلاد.
————————-
حراك عربي متسارع نحو الأسد
تعكس الزيارة التي قام بها عددٌ من رؤساء البرلمانات والوفود المشاركة في مؤتمر الاتحاد البرلماني العربي إلى العاصمة السورية دمشق تبدلاً في جزء من الموقف العربي الرسمي حيال هذا النظام، وسط توظيف لكارثة الزلزال التي طاولت تركيا وسورية وتسببت بمقتل الآلاف في مناطق سورية عدة، من أجل تمرير هذه التغييرات.
ووصل أمس الأحد وفد برلماني عربي إلى العاصمة السورية دمشق ضمّ رئيس الاتحاد، رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي، ورؤساء مجلس النواب في الإمارات العربية المتحدة والأردن وفلسطين وليبيا ومصر (صقر غباش المري وأحمد الصفدي وروحي فتوح وعقيلة صالح وحنفي جبالي)، إضافة إلى رئيسي وفدي سلطنة عُمان ولبنان (عضو مجلس الشورى حمود بن أحمد اليحيائي والنائب أيوب حميد)، والأمين العام للاتحاد البرلماني العربي (فايز الشوابكة)، لـ”التأكيد على دعم سورية والوقوف إلى جانب شعبها”، وفق وكالة “سانا” التابعة للنظام.
ونقلت الوكالة عن رئيس مجلس النواب المصري حنفي جبالي قوله من مطار دمشق: “نحن في سورية العزيزة الشقيقة لدعمها والتضامن معها في مواجهة محنة الزلزال، ونقول للشعب السوري نحن نقف إلى جواره في هذه الظروف الصعبة”.
وكان الحلبوسي قد أعلن أول من أمس السبت عن تشكيل وفد من الاتحاد لـ”زيارة سورية تأكيداً لدعمنا شعبها”، فيما ورد في “بيان بغداد” الذي نشر في ختام المؤتمر الـ34 للاتحاد البرلماني العربي أن المجتمعين يعلنون “تضامنهم مع الشقيقة سورية وتشكيل وفد من الاتحاد البرلماني العربي للتأكيد على دعمها والوقوف مع شعبها واستمرار تقديم الإمكانات اللازمة للوقوف مع الأشقاء السوريين بعد حادث الزلزال الذي أصاب عدداً من المدن والقرى فيها”. كذلك أكد البيان “ضرورة العمل العربي المشترك على كافة المستويات لعودة سورية إلى محيطها العربي وممارسة دورها في الساحات العربية والإقليمية والدولية”.
وفتحت كارثة الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سورية في 6 فبراير/ شباط الحالي الباب العربي أمام النظام السوري، والذي كانت الجامعة العربية قد جمّدت عضويته فيها أواخر عام 2011 بسبب رفضه التعاطي مع الجهود العربية لتطويق الأزمة التي خلقها النظام بسبب بطشه بالمطالبين بالتغيير السياسي في البلاد.
وللمرة الأولى منذ انطلاق الثورة السورية في عام 2011، زار وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي منتصف الشهر الحالي دمشق والتقى الأسد لـ”إظهار التضامن بعد الزلزال”، في خطوة حملت الكثير من الأبعاد السياسية، خصوصاً أن الأردن في صلب محاولات دول عربية تأهيل هذا النظام. كذلك زار الأسد منذ أيام سلطنة عُمان التي لم تقطع علاقتها بالنظام السوري كما فعلت الكثير من الدول العربية.
وبعد الاتصال الذي أجراه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع الأسد في 7 فبراير عقب الزلزال، سيتوجه وزير الخارجية المصري سامح شكري اليوم الإثنين إلى سورية وتركيا، بحسب بيان صدر أمس عن الخارجية المصرية، وذلك للمرة الأولى منذ عقد، بعد فتور ساد العلاقة بين القاهرة وكل من البلدين. ونقل البيان عن المتحدث باسم الخارجية المصرية أحمد أبو زيد قوله إن شكري سيزور البلدين بهدف “نقل رسالة تضامن من مصر مع الدولتين وشعبيهما الشقيقين عقب كارثة زلزال.
كما كانت تونس رفعت مستوى تمثيلها السياسي مع النظام وقررت إعادة فتح سفارتها في دمشق. كذلك زار وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان سورية عقب أيام من الزلزال، فيما كشفت وكالة “رويترز” أخيراً أنه أدى دوراً في إقناع الأسد بالسماح بدخول المساعدات إلى الشمال السوري عقب الزلزال.
وتعليقاً على هذا الانفتاح تجاه دمشق أشار الباحث السياسي في مركز “الحوار السوري” ياسين جمول، لـ”العربي الجديد”، إلى أن “محاولات دول عربية التطبيع مع نظام الأسد سبقت الزلزال، وفشلت”. ولفت إلى أن “هذه الدول وجدت في كارثة الزلزال ذريعة للمحاولة مجدداً تحت عنوان إنساني خادع، مع أنه لا يُخفى على جهاز عربي أن المتضررين أكثرهم في مناطق سيطرة المعارضة، وأن الأسد هو لصّ المساعدات”.
وأعرب الباحث عن اعتقاده بأن تخفيف الإدارة الأميركية العقوبات على نظام الأسد لإيصال المساعدات الإنسانية لمتضرري الزلزال “جعل أطرافاً عربية تعتبر هذا التخفيف ضوءاً أميركياً أخضر للتقرب أكثر من نظام الأسد المجرم والتطبيع معه”. غير أنّ جمول يعتقد أن المحاولات العربية لإعادة تعويم نظام بشار الأسد “لن تنجح لأسباب تعود إلى النظام نفسه، وعجزه عن أيّ إصلاحات تلبّي المطالب العربية”.
وفي السياق، قلّل المحلل السياسي رضوان زيادة من الأهمية السياسية للزيارة، مشيراً في حديث لـ”العربي الجديد” إلى أن “هذا البرلمان لا وزن سياسياً له”.
وبالتوازي مع جهود أطراف عربية تأهيل نظام الأسد، تكثف روسيا جهودها لتسريع التقارب بين دمشق وأنقرة والذي بدأ أواخر العام الماضي، وكان مخططاً له الاستمرار لولا وقوع الزلزال المدمر. وفي هذا الصدد، قال نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في مقابلة مع وكالة “تاس” الروسية للأنباء، نشرت أمس، إن “وزراء خارجية روسيا وتركيا وسورية وإيران (سيرغي لافروف ومولود جاووش أوغلو وفيصل المقداد وحسين أمير عبد اللهيان) يرتبون لعقد اجتماع“، موضحاً أنه “يوجد على جدول الأعمال الآن تنظيم اجتماع رباعي لمسؤولي الشؤون الخارجية، والاستعدادات جارية له”.
وكان بوغدانوف قد صرّح قبل أيام أن “الخلافات بين دمشق وأنقرة يمكن تجاوزها”، مشيراً إلى أن بلاده “ستواصل مساعدة الطرفين في إيجاد حلول مقبولة لهما من أجل تطبيع العلاقات واستعادة علاقات حسن الجوار التقليدية السورية التركية”. ورأى أن “استئناف عمل البعثات الدبلوماسية في كلا البلدين يجب أن يكون إحدى نتائج الجهود المشتركة في هذا الاتجاه”.
وكانت أنقرة قد دشّنت تقارباً مع النظام السوري بدفع من الجانب الروسي في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تجلى في اجتماع وزراء دفاع روسيا وتركيا والنظام السوري، سيرغي شويغو وخلوصي أكار وعلي محمود عباس، في موسكو (في 28 ديسمبر الماضي)، وهو اللقاء الرسمي الأول على المستوى الوزاري بين تركيا والنظام منذ عام 2011. وكان من المفترض أن يُعقد لقاء بين وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، ووزير خارجية النظام فيصل المقداد خلال الشهر الحالي، إلا أن كارثة الزلزال جمّدت جهود موسكو التي تريد تطبيعاً كاملاً بين أنقرة ودمشق يبدو أن طهران لا تعترض عليه.
وفي هذا السياق، اعتبر المحلل السياسي رضوان زيادة في حديثه لـ”العربي الجديد”، أن لقاء وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري المرتقب “كان مجدولاً قبل الزلزال، ويأتي في سياق مسار أستانة، بحيث سُمح بتمثيل للنظام واستثناء المعارضة”. ورأى أن اللقاء “لن يسفر عنه شيء، لكنه يعكس للأسف رؤية سياسية تركية جديدة حيال النظام”.
العربي الجديد
———————
“ارتدادات الزلزال” تصل إلى العلاقات السورية السعودية
الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، كانت له أيضاً ارتدادات سياسية متفاوتة الشدة، سواء بين البلدين المنكوبين أو بينهما ودول الجوار.
ومنذ بدء تدفق المساعدات الإنسانية إلى سوريا، كانت الأنظار تراقب الارتدادات السياسية المرافقة لها، وخاصة فيما يتعلق بالسعودية، التي بدت علاقاتها مع سوريا تتأرجح بين قرب تطبيع كامل، أو عودة إلى القطيعة التي بادرت إليها الرياض منذ بداية الأزمة السورية عام 2011.
تأخر إرسال المساعدات السعودية إلى سوريا، كان مؤشراً على أن العلاقات بين البلدين ما زالت دون مستوى التطبيع، إلا أنها ليست في طور القطيعة الكاملة، وهو ما يشير إليه وصول طائرة سعودية إلى الشمال السوري، إذ حطت أولى الطائرات السعودية في مطار حلب، وبعد ستة أيام على كارثة الزلزال، في حين كانت السعودية سباقة لتقديم المساعدات لتركيا في الحال.
علاقة متقلبة
القطيعة السياسية بين البلدين تعود لبداية الأزمة في سوريا، إذ برز دور السعودية باكراً عام 2011، لدفع الدول العربية، والخليجية خاصة، إلى اتخاذ مواقف صارمة من سوريا، قبل أن تعلن القطيعة الكاملة معها، وتغلق سفارة الرياض في دمشق، عام 2012.
وهو موقف بقي مستمراً، رغم مرونة بعض الدول، تجاه سوريا، وخاصة الإمارات العربية التي ترجمت علاقاتها الجيدة مع سوريا، بجسر مساعدات جوي شبه متواصل، وكانت الدولة الأكثر تقديماً للمساعدات إلى سوريا.
العلاقات المتقلبة بين الرياض ودمشق، والتي ما زالت تميل نحو القطيعة أكثر، رغم بوادر الانفتاح، يعزوها كثير من المحللين إلى الدور الأميركي، وتأثير واشنطن في قرارات الرياض.
ويرى الكثير من المحليين أن هذا يرتبط بعوامل عدة، أبرزها الدور الإيراني في سوريا، وكذلك تأثير القرار الأميركي على السياسة السعودية.
تقييم ميداني
يقول محلل سياسي سوري لنورث برس، إن السعودية تأخرت بإرسال المساعدات إلى سوريا، وذلك بسبب التقييم الميداني استخباراتياً وسياسياً، وهو تقييم تطلب من الرياض أياماً من دراسة تبعات القرار، قبل الموافقة على هبوط طائرات إغاثية في مطار حلب، لتكون الطائرة السعودية الأولى التي تصل سوريا منذ 2012.
ويعرب المحلل السياسي عن اعتقاده بأن تحسن العلاقات بين البلدين مرهون بدور إيراني أقل فعالية في سوريا، إذ أن إيران العدو الإقليمي الأول للسعودية في المنطقة، ولن تقبل الرياض بدور حاسم لطهران في سوريا.
السعودية تتطلع لدور مختلف وأكثر نفوذاً وتأثيراً في المنطقة، وهو دور لا تمانعه روسيا، اللاعب القوي في سوريا، لكن ذلك الدور يصطدم بوجود إيراني قوي في سوريا.
ويرى المحلل السياسي أن قراءة الدور السعودي يجب أن تلحظ علاقات السعودية بالولايات المتحدة، وكذلك موازين القوى في المنطقة وخاصة سوريا التي تحولت إلى ساحة نفوذ وساحة صراع، وهو صراع لم يحسم بشكل نهائي بعد وهو ما يبقي البلاد وكأنها على صفيحة غير مستقرة.
العائق الإيراني
تريد السعودية دوراً إقليميا في القرار السوري، وليس فقط في الجغرافية السورية، حسب المحلل، ولهذا هي تتساهل مع الوجود التركي في شمالي سوريا، لكنها لا تقبل الدور الإيراني هناك، فالعداء بين البلدين يجعل مصالحهما في حالة تنافر دائم.
ويضيف المحلل، أن الرياض تدرك التأثير القوي للقرار الإيراني على دمشق، ولهذا فإن كل ما تقدمه لسوريا سيكون مرهوناً بابتعاد دمشق عن طهران، وهو هدف يدرك الجميع أن تحقيقه بالكامل ودفعة واحدة، أمر غير ممكن.
لذلك تتصف العلاقات بين الرياض ودمشق بـ”التأرجح”، ويمكن وصفها بأنها تسير وفق سياسة: “خطوة مقابل خطوة، فما يتم تقديمه، يجب أن يكون له مقابل، أو تعود العلاقات خطوة إلى الوراء”.
خطوة للأمام
ضمن ذلك السياق يمكن قراءة تصريحات المسؤولين السعوديين مؤخراً، ومنها ما أعلنه وزير الخارجية فيصل بن فرحان في مؤتمر ميونيخ للأمن، حين ألمح إلى إمكان حدوث تغيير في علاقات بلاده بسوريا.
وعلّق على ما يشاع عن بوادر عودة التطبيع، وكذلك حول ما يشاع من تسريبات زيارة مرتقبة له إلى دمشق بالقول إن “الدول العربية بدأت في تطوير معالجة جديدة للاقتراب من سوريا وأن الحوار مع دمشق مطلوب نظراً لأن الوضع الراهن غير قابل للاستمرار”.
ولكنه أعلن أيضاً أنه لا يتوقع زيارة الرئيس السوري بشار الأسد للسعودية كما الحال مع الإمارات وسلطنة عمان.
الاقتصاد
واقع العلاقات الاقتصادية بين الرياض ودمشق، كان يبدو متقدماً خطوة عن العلاقات السياسية، إذ أن العلاقات الاقتصادية لم تنقطع بين البلدين، رغم أنها تراجعت بشكل حاد، خاصة منذ 2013 بعد إغلاق معبر نصيب الحدودي بين سوريا والأردن (المعبر الرئيسي للبضائع السورية باتجاه السعودية)، والإجراءات المتشددة من قبل السعودية بشأن دخول السيارات السورية.
ولكن بيانات المعابر الحدودية تبين أن حركة السيارات التي تذهب للسعودية هي الأكثر بين دول المنطقة بعد العراق.
وكانت وزارة الاقتصاد السورية، وفي خطوة اقتصادية لا فتة، سمحت مؤخراً، وقبل كارثة الزلزال، بالاستيراد مباشرة من السعودية، لتخفيض التكاليف، حسب تصريح وزير الاقتصاد السوري سامر الخليل.
تراجع الحركة
وتشير الاحصاءات إلى أن حجم التبادل التجاري الذي وصل إلى 140 مليار ليرة، شهد تراجعاً كبيراً خلال سنوات الحرب، إذ بلغت قيمة الصادرات السورية إلى السعودية في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي، 279 مليون ريال، بينما الصادرات السعودية إلى سوريا، بلغت في الفترة ذاتها 105.4 مليون ريال.
وينظر أصحاب الفعاليات الاقتصادية إلى تحسن العلاقات بين البلدين بإيجابية كبيرة، ويرون أن المساعدات قد تكون فرصة لعودة العلاقات السياسية التي سيتبعها علاقات اقتصادية أفضل تحقق المنفعة في أسواق البلدين.
إعداد: ليلى الغريب ـ تحرير: قيس العبدالله
نورث برس
————————–
موسم “المبادرة العربية”/ عبدالناصر العايد
سنشهد، كسوريين، شهوراً مقبلة من الجدل حول ما سُمي منذ الآن بالمبادرة العربية، والتي راح الجميع يناقشها رغم غموضها وعدم طرح أي دالة رسمية عليها بعد، لكن هذا لا ينفي وجود “تفكير” في شأنها، في هذه الدائرة أو تلك من دوائر صنع القرار، ونحن هنا لا يسعنا أن ننفي أو نؤكد ما يتم تداوله من شروط وعروض سياسية، لكننا سنفكر بصوت عال في ما يجب أن يكون عليه موقف المعارضة السورية في هذه المرحلة.
في مقال نشرته هنا بعنوان “أفكار لمبادرة عربية في سوريا”، منتصف الشهر الماضي، قلت ان أي طرح مسؤول للحل في سوريا يجب ان يتحلى بالواقعية، وأن يأخذ مصالح وهواجس كافة الأطراف بجديّة. وخلصتُ إلى القول بأن العرض الوحيد الذي يمكن قبوله من طرف السوريين الثائرين، مشروط بشرط وحيد، هو إزاحة بشار الأسد من السلطة، وكل ما دون ذلك قابل للنقاش. من ناحية أخرى، تحتاج الفئة الموالية لبشار الأسد، إلى ما يضمن أمنها ومصالحها عند زواله، وهو زائل في النهاية بحكم الموت الفيزيائي على الأقل، ولا بد من البحث عن حلول غير التوريث الذي يبدو وصفة مجزرة مستقبلية أخرى للفئة الموالية قبل المعارضة.
الطرف العربي، إن بادر، فإن دوره سيتجاوز الوساطة لتحقيق اللقاء العسير بين هذين المطلبين، إلى دور الضامن الذي تفوضه المعارضة بتقديم التنازلات الضرورية لعقد الصفقة، ويستطيع إقناع المولاة بأنه قادر على الوفاء بتعهده أمنها ومصالحها المستقبلية، سواء من خلال الالتزام المباشر بتلك المصالح اقتصاديا وعسكرياً، أو من خلال اتفاقيات أو عقد اجتماعي مكفول من طرف تحالف عربي أو دولة عربية موثوقة تقود الصفقة منفردة.
لكن ما نوع التنازلات التي تستطيع المعارضة تقديمها، في مقابل إزالة بشار الأسد من المشهد؟ في تصوري أنها تستطيع أن توافق حتى على التنازل عن السلطة التنفيذية برمتها، لصالح الطرف الآخر في المرحلة الانتقالية، ما دام ذلك يكفل حدوث التغيير الذي ينهي حكم الديكتاتورية المؤبد، ويفسح المجال أمام عودة السوريين إلى ميدان اللعب السياسي ومأسسة العمل المعارض في الداخل. فالمسألة السورية برمتها تفجرت بسبب نظام الحكم المفروض بقوة السلاح، وإزاحته تعني زوال العقبة الرئيسية أمام تطور الحياة السياسية السورية بالتدريج، لتصل إلى الشكل المأمول.
إن قلة قليلة ممن يقرأون هذا الكلام سيجدونه قابلاً للتطبيق، فيما ستجد الغالبية أن الأسد ونظامه سيرفضان هذا الطرح مسبقاً، وأنا واحد من هذه الأكثرية التي تقول بذلك. فلماذا أرفع هذه الدعوة إذن؟ في الواقع أنا أدعو المعارضة السورية إلى الانخراط في المبادرة العربية بشرطها الوحيد آنف الذكر، وإبداء الاستعداد لتقديم أقصى التنازلات، لأن الانكفاء ورفض يد العون العربي، سيمنحان تلك اليد، ببساطة، لنظام الأسد.
فبشار الأسد الذي قتل مئات الآلاف من معارضيه ومؤيديه على السواء، للبقاء في الحكم، لا يوجد في عقله الأحادي المهووس بالسلطة، مساحة للقبول بالتنازل عن تنصيب أحد أبنائه خلفاً له، فما بالك برحيله هو ذاته عن كرسي الحكم. لكنه، وبما عُرف عن نظامه منذ عهد أبيه، من إتقان لعبة القفز على حبال التناقضات الإقليمية والدولية، سيتوجه في المرحلة المقبلة إلى الصف العربي للحصول على دعمه بعدما استنفد كامل رصيده لدى إيران وروسيا، هو ما سينجح فيه إن واصلت المعارضة السورية اعتصامها بعزلتها البليدة، ورهبتها التاريخية من التعاطي مع الأحداث والوقائع بالأساليب “السياسية”.
بلى، العرب يفكرون في أن شيئاً ما يجب أن يفعل من جانبهم في سوريا، وقد التقط نظام الأسد الإشارة، وبادر. وكان يفترض بالمعارضة أن تسبقه خطوة في هذا المجال، نظراً لحظوتها عند عدد لا بأس به من الدول المحورية، لكن الأوان لم يفت بعد لقطع الطريق عليه. وعلى تلك المعارضة أن توضب أوراقها في أسرع وقت ممكن، وأن تبادر إلى عقد اللقاءات مع الأطراف العربية وطرح عرضها ذي المطلب الوحيد، وهو إزاحة بشار الأسد. ولديهم عدد لا نهائي من مسوغات هذا الشرط، أحدها قتله لمليون سوري. فإن تحقق هذا الشرط، فإنها فازت، وإن تعثر فإنها تكون بذلك قد تفادت خسارة كبيرة هي إدارة العرب لأزمة النظام الخانقة وإخراجه منها في الرمق الأخير.
المدن
——————————-
“خطوة واقعية”.. كيف تنظر إيران لـ”الانفتاح العربي” مع النظام؟
رحبت إيران بما أسمته “الانفتاح العربي” الأخير مع نظام الأسد، والذي تجلى عبر اتصالات وزيارات غير مسبوقة منذ عام 2011، تحت ذرائع المساعدة الإنسانية لضحايا الزلزال.
وقال المتحدث باسم الخارجية الإيراني، ناصر كنعاني، عبر حسابه في “تويتر”، اليوم الثلاثاء، إن زيارات الوفود العربية إلى دمشق هي خطوة “واقعية وإيجابية”.
وأضاف: “الانفتاح الأخير في علاقات الدول العربية مع سورية، بما في ذلك زيارة وفد البرلمانات العربية إلى دمشق لإعلان التضامن مع سورية بعد الزلزال المدمر الأخير، بالإضافة إلى كونها خطوة واقعية، هي خطوة إيجابية في طريق التكافل الإسلامي”.
واعتبر أنه “باعتماد نهج وطني مستقل، وتجاهل رغبات طالبي الهيمنة الأجنبية، ستكون دول المنطقة قادرة على حل مشاكلها من خلال الحوار والآليات الإقليمية”.
گشایشهای اخیر در روابط کشورهای عربی با سوریه از جمله سفر هیات پارلمانهای عربی به دمشق برای اعلام همبستگی با سوریه پس از زلزله ویرانگر اخیر، علاوه بر واقع بینی، گامی مثبت در مسیر همبستگی اسلامی است.
— Nasser Kanaani (@IRIMFA_SPOX) February 28, 2023
يأتي ذلك عقب تسارع وتيرة جهود بعض الدول العربية للتطبيع مع نظام الأسد، تحت ذريعة تقديم المساعدات الإنسانية الخاصة بالزلزال، وسط مخاوف من استغلال الوضع من أجل إعادة النظام “للحضن العربي”.
وتجلى ذلك التقارب من خلال اتصالات وزيارات غير مسبوقة لقادة ومسؤولين عرب، هاتفوا والتقوا رئيس النظام السوري بشار الأسد، معربين عن تضامنهم مع ضحايا الزلزال المدمر الذي ضرب سورية.
ويرى مراقبون أن التقارب العربي مع النظام يمكن أن يؤدي إلى تحجيم دور إيران في سورية، على اعتبار أن عودة النظام للجامعة العربية ستكون مشروطة بموافقة السعودية على ذلك، والسعودية لن توافق إلا بشروط متعلقة بالوجود الإيراني في سورية.
وتعتبر إيران حليفاً أساسياً لنظام الأسد، حيث توغلت سياسياً وعسكرياً واقتصادياً في سورية منذ عام 2011، ما يجعل من الصعب على النظام اتخاذ موقف يحجّم دور طهران، حسب محللين.
وسبق أن رحبت الخارجية الإيرانية، العام الماضي، بالنهج الذي اتخذته بعض الدول العربية (منفردة) للتقارب مع نظام الأسد، ومن بينها الإمارات.
وقال وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، بعد زيارة مفاجئة أجراها الأسد إلى الإمارات، في مارس/ آذار 2022، “نرحب بسعي بعض الدول العربية لتطبيع علاقاتها مع الجمهورية العربية السورية من خلال اعتماد نهج جديد. نحن مرتاحون لذلك”.
وكانت الجامعة العربية قد علقت مشاركة سورية في اجتماعاتها عام 2011، نتيجة لعدم التزام النظام بقراراتها، فيما يتعلق بالمبادرة العربية حينها، لوقف عنف النظام في الشوارع التي كانت تشهد مظاهرات ضده.
—————————-
النظام السوري يستغل كارثة الزلزال والمساعدات للعودة إلى المجتمع الدولي… فهل ينجح؟/ هبة محمد
حوّل النظام السوري الكارثة الإنسانية التي حلت بالشعب إلى مناسبة من أجل إعادة العلاقات السياسية معه، واستقبال التعازي وتحريك المنظمات المرتبطة به، وسط مزاج إقليمي يحاول إعادة الاعتبار والاعتراف بالنظام السوري والتطبيع معه مستغلاً الكارثة، وأمام هذه المؤشرات اعتبرت منظمات حقوقية وإنسانية، أن العمليات الإغاثية والمساعدات الدولية المقدمة للنظام السوري، بعد الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وشمال غربي سوريا، في السادس من فبراير /شباط، أصبحت البوابة المجانية للتطبيع مع النظام، بعد سنوات من التهديد بالمحاكم والعقوبات.
ووقعت 22 منظمة حقوقية وإعلامية وطبية أخرى، بيانًا مشتركًا يؤكد على ضرورة عدم التهاون مع الانتهاكات التي ارتكبها النظام السوري، وغيره من الأطراف، بحق الشعب السوري، وألا تكون الكارثة الإنسانية التي حلت نتيجة الزلزال وسيلة للاستثمار السياسي، مشيرة إلى أن عملية الاستجابة للزلزال يجب ألا تصبح وسيلة لإعادة العلاقات مع نظام متورط بجرائم حرب ضد شعبه.
223 طائرة «مساعدات للنظام»
وقالت منظمة “منسقو استجابة سوريا” في بيان الجمعة إن أكثر من 223 طائرة وصلت إلى مطارات حلب ودمشق واللاذقية وتمت السيطرة عليها من قبل قوات النظام السوري وتحويلها إلى مخازن ومستودعات لتباع فيما بعد ضمن الأسواق المحلية. كما أن أكثر من 28 دولة ترسل مساعدات تحت مسمى مساعدات إنسانية للمتضررين في مناطق النظام السوري، من بينها إيران التي تستمر بنقل المعدات العسكرية تحت مسمى مساعدات إنسانية للمتضررين من الزلزال.
ووفقاً لفريق “منسقو استجابة سوريا” فإن أكثر من عشرة أيام ومنظمات المجتمع المحلي تناشد المجتمع الدولي بدخول المساعدات الإنسانية والمعدات الثقيلة إلى الشمال السوري لإغاثة المنكوبين ورفع الأنقاض دون جدوى، و “كل ما يتم الآن هو بعلم وموافقة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي والذين كانوا أحد أسباب معاناة السوريين على مدار الأعوام السابقة إلى جانب روسيا والصين من حيث التلاعب بقرارات مجلس الأمن على صعيد الملف الانساني السوري”. واعتبر الفريق أن الولايات المتحدة التي ادعت أنها فصلت مسار المساعدات الإنسانية عن العقوبات، يمكن القول بأن العقوبات أصبحت ضد الشعب السوري فقط وليس ضد النظام السوري.
في غضون ذلك، وقعت الشبكة السورية لحقوق الإنسان وأكثر من 20 منظمة حقوقية وإنسانية وغير ذلك، منها المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية ورابطة الأطباء المغتربين السوريين – سيما -والمركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية واتحاد المنظمات الألمانية السورية والمركز السوري للإعلام وحرية التعبير بيانًا مشتركًا أكدت فيه على أن الاستجابة للزلزال يجب ألا تصبح وسيلة لإعادة العلاقات مع نظام متورط بجرائم ضد الإنسانية.
وقال البيان “يجب الأخذ بعين الاعتبار التاريخ الطويل لتسييس المساعدات من قبل النظام السوري وألاَّ تعطيه الكارثة الإنسانية فرصةً للإفلات من العقاب، ولتهاون المجتمع الدولي مع جرائمه بحجة الوصول للمحتاجين.
وأطلقت الأمم المتحدة نداء استغاثة للاستجابة للكارثة، وبناءً عليه تدفقت المساعدات إلى مناطق النظام السوري مما يزيد عن 25 دولة، في حين تأخر الأسد 8 أيام قبل أن يعلن عن السماح باستخدام المعابر الحدودية مما لا يترك مجالاً للشك أن الغرض هو الاستثمار السياسي في كارثة إنسانية.
3 نقاط
وتعتقد المنظمات السورية الموقعة على الرسالة بضرورة تذكير هذه الدول، والدول الداعمة للنظام السوري بالنقاط الأساسية التالية:
أولاً، أن النظام السوري على مدار 12 عاماً تسبب في مقتل ما يزيد عن 200422 مواطناً سورياً مدنياً، بينهم 22953 طفلاً، و11955 امرأة، وعمليات القتل سياسة منهجية لدى النظام السوري وتشكل جرائم ضد الإنسانية.
ثانياً أن النظام السوري ما زال مستمراً في ارتكاب الانتهاكات بحق الشعب السوري، من أبرزها الإخفاء القسري والتعذيب، بناءً على ذلك، فإن إعادة العلاقات مع النظام السوري أو أية محاولة لتأهيله تعتبر دعماً لنظام متورط بجرائم ضدَّ الإنسانية، وهذا يشكل انتهاكاً للقانون الدولي.
ثالثا، أن النظام السوري وعبر كافة الوزارات المنخرطة في الاستجابة لا يقدم بيانات الضحايا والمتضررين، ولدينا شكوك عن حقيقة الأرقام التي تصدر عنه. رابعا أن حليف النظام السوري (روسيا) استخدم الفيتو 4 مرات ضد دخول المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى شمال شرق وشمال غرب سوريا.
الباحث لدى مركز مشارق ومغارب للدراسات عباس شريفة اعتبر في تصريح لـ “القدس العربي” أن النظام السوري حوّل الكارثة الإنسانية التي حلت بالشعب إلى مناسبة من أجل فتح علاقات عامة واستقبال التعازي وتحريك المنظمات المرتبطة بالهلال الأحمر السوري ورجال الدين المسيحيين والمنظمات المسيحية والفنانين، بهدف المطالبة برفع العقوبات والادعاء أن هذه العقوبات المفروضة أثرت على الاستجابة للكارثة الإنسانية.
وقال الباحث: هذا غير صحيح لأن المساعدات لا تخضع للعقوبات ثم أن العقوبات هي على الشخصيات النافذة لدى النظام السوري والأدوات التي تستعمل بقتل الشعب، مضيفاً أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي استثنيا لمدة 6 أشهر التحويلات المالية التي تذهب للأعمال الإغاثية.
مساعدات معروضة للبيع
ورأى شريفة أنه ثمة مزاجاً إقليمياً يحاول تأهيل النظام أو التطبيع معه بهذه المناسبة مستغلاً الكارثة الإنسانية وغير مهتم بالشعب السوري، مدللاً على ذلك بجملة من التقارير المحلية والأصوات في مناطق سيطرة النظام والتي كانت تتحدث عن عدم وصول هذه المساعدات الإنسانية إلى المستحقين، بل إنها كانت معروضة للبيع أو تم تحويلها إلى السوق السوداء ومستودعات الحرس الثوري الإيراني والفرقة الرابعة ولم تصل إلى الشعب السوري.
وبرأي المتحدث فإن هذا دليل على أن النظام يستغل العمل الإنساني ومساعدات الأمم المتحدة من أجل دعم آلته العسكرية بالإضافية إلى أنه عطّل وأخّر دخول المساعدات الإنسانية إلى الشمال السوري وكان يضغط من أجل عدم إرسالها إلى معبر باب الهوى.
وقال: تقريبا 65 بالمية من المساعدات وصلت إلى مناطق النظام رغم أن نسبة الضرر هناك لا تزيد عن 35 بالمئة بينما لم تحصل مناطق المعارضة إلا على 35 بالمئة من المساعدات الإنسانية رغم أنها المناطق الأكثر تضرراً بالزلزال، ما يدل على وجود تسييس وتحكم ومحاولة لمعاقبة الشعب السوري وتأهيل النظام بحجة العمل الإغاثي دون النظر إلى كارثة الشعب السوري.
من جهته، اعتبر الباحث لدى مركز عمران للدراسات الاستراتيجية علي العبد المجيد أن المساعدات اليوم باتت تشكل بوابة للتطبيع من قبل المجتمع الدولي بإشراف الأمم المتحدة بوجود مؤشرات عديدة أولها مسألة تمرير المساعدات عبر الحدود وخلق مسار جديد للتطبيع، معتبرًا أن هذه المحاولات جزء من محاولة استرداد سيادة النظام.
مساعدات قليلة للمعارضة
وقال المتحدث: هناك حجم مساعدات هائل أعطي للنظام ولم يعط للمعارضة وسط تلكؤ دولي بتقديم المساعدات للمناطق المنكوبة في مناطق سيطرة المعارضة، حيث عمل النظام السوري على محاولة استثمار كبير للكارثة بهدف العودة للحصن العربي وإحياء مسار التطبيع مع المجتمع الدولي.
وبالنظر لدور الأمم المتحدة، رأى الباحث السوري أنه كان بالإمكان إدخال المساعدات عبر الحدود عن طريق الأمم المتحدة ودون ولاية مجلس الأمن وقرارته بالاستناد إلى الحجج القانونية التي تشرّع هذا التحرك وتدحض الفرضية الروسية التي تصنف إدخال المساعدات كخرق للسيادة، وهي عديدة وفقاً لدراسة قانونية معمقة أجريت في هذا الإطار، أبرزها: عدم مصادقة سورية على البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقيات جنيف الأربع والذي يشترط موافقة الحكومة الرسمية، مما يعني أن إدخال المساعدات سيكون قانونياً حسب المادة الثالثة من اتفاقيات جنيف والتي تشرع إدخال المساعدات الإنسانية بموافقة أطراف النزاع. إضافة للاستناد إلى سوابق قانونية قضت فيها محكمة العدل الدولية – بصفتها السلطة الأعلى في تفسير القانون الدولي الإنساني – كقضية نيكاراغوا ذات السياق المشابه للسياق السوري من حيث تصنيف النزاع ووجود سلطات الأمر الواقع وآلية عمل المنظمات الإنسانية في إدخال المساعدات.
القدس العربي
——————————-
====================