الناس

“الأمانة السورية للتنمية”.. الحديقة الخلفية لنظام الأسد/ بتول حديد

منذ انقلاب 1970 وإلى اليوم تُحكم دمشق من قبل الفرد الواحد المتمثل بقائد الانقلاب والحزب إلى حكم الوريث وصولاً إلى سوريا المدارة من قبل المنظمات والجمعيات غير الحكومية التابعة للشخص الواحد والتي يسمح –لها فقط أو لفروعها– بالعمل على الأراضي السورية في مناطق النظام، قوى مجتمعية ناعمة تنامت سيطرتها بشكل معاكس لفشل حكومات نظام دمشق المتعاقبة خلال السنوات الـ12 الأخيرة، لتنضج وتظهر كمنظومة “الأمانة السورية للتنمية” المتكاملة التي اثبتت وجودها بشكل واضح مع كارثة زلزال 6 شباط.

ورأينا كيف أطلقت هذه المنظومة مبادرات جمع المساعدات المحلية، ودعوات التطوع والمساعدة بالإغاثة، وتأمين مراكز الأيواء، وتجري إحصاء الأضرار والمتضررين… والأهم من ذلك أنها كانت تتسلم المساعدات من المعابر الحدودية بالنيابة عن نظام الأسد المعاقب دولياً، وتخزين آلاف الأطنان من المساعدات الدولية التي قدمت لها مباشرة أو للهلال الأحمر الذي أودعها في مخازن الأمانة.

فكيف ومتى وصلت الأمانة السورية للتنمية (Syria Trust For Development) التي تقودها زوجة رئيس النظام إلى هذه القدرة والوجود كدولة في الظل، وهل هي بالفعل منظمة غير حكومية لا تعرف الأمم المتحدة من يقف ورائها؟

علم الأمم المتحدة بحقيقة الأمانة السورية للتنمية منذ نشأتها

بعد عام من موت حافظ الأسد في الـ10 من حزيران 2000 وانتقال السلطة ليد بشار الأسد عبر إجراء مشبوه في مجلس الشعب، بدأت نواة الأمانة السورية بالظهور كمشروع تنمية ريفية يحظى بدعم حكومي في 15 تموز 2001

، وأطلق عليه الصندوق السوري لتنمية الريف “مشروع فردوس” غطى مناطق إدلب وحمص وحماة وريف دمشق، وهو مشروع مسجل لدى الأمم المتحدة كأحد برامج السورية للتنمية؛ على الرغم من أن الأخيرة لا تذكره بشكل واضح على منصتها الرقمية، فوجود اسم المشروع

والبذرة الأولى لتكوينها في سجلات الأمم المتحدة يُخبر عن وجود تعاون “غير مؤكد” بينهما يعود إلى أكثر من عشرين عام. وسواء إن قُدم لها الدعم أم لا فنحن على يقين بأن الدعم الأممي يقدم لها اليوم إذ لدينا سلسلة من المنظمات والفرق التي تعمل في المجال المجتمعي تحت مظلة الأمانة، والتي كانت تنشئ بشكل يتسق مع مشاريع الأمم المتحدة والدول المانحة.

 خلال السنوات الأولى لحكم بشار الأسد ومع رصد الأمم المتحدة الملايين لدعم مشاريع الطفولة؛ أُطلقت “منظمة آمال” لرعاية الأطفال من ذوي الإعاقة سنة 2002، ليتبع سنة  2005 بـ “مشروع مسار”

الداعم للطفولة والذي قام (فكرةً ومشروعاً) بالاعتماد على الدعم الدولي المقدم لأسماء التي استولت على أرض المعارض القديمة وقامت ببناء كتلته الاسمنتية العملاقة في قلب العاصمة لم تكتمل إلى اليوم، فمع انطلاق الثورة السورية توقف الدعم المالي للمشروع لأن مُقاول “مُجمع مسار ” هو مؤسسة الإسكان العسكرية التي شملتها العقوبات الأوروبية في تموز 2012، وهذه العقوبات كانت السبب في إيجاد “دياري للانشاءات” المشروع الربحي الذي أطلق سنة 2015، كشركة شخص واحد تعمل في مجال البناء والترميم

لصالح الأمانة ويعتبر ذراعها في الترميم والإنشاء والبناء.

لم تكتفِ “أسماء الأسد” بالمشاريع الممولة دولياً لجمع ثروتها الخاصة، بل كان لها مجموعة من المشاريع المحلية، فأطلقت “المؤسسة الوطنية

للمشاريع الصغيرة” سنة 2007 والتي تُعرف باسم “الوطنية”، مشروع سُبق بإصدار الأسد لمرسوم تشريعي خاص به يسمح لهذا النوع من المؤسسات المالية بالعمل، وألحق به بعد عدة سنوات برنامج مشروعي للتسليف ودعم المشاريع التنموية في المناطق الفقيرة. تعتبر الوطنية أول وأكبر مؤسسة تمويلية وواحد من 3 مصارف صغيرة هي مصرف الإبداع للتمويل الأصغر

والذي يمتلك توأماً في البحرين مكان إقامة شقيق أسماء الاسد، والثالث هو مصرف بيمو السعودي الفرنسي للتمويل الأصغر،

ما لا يعرفه الجميع أن المنظمات الغير حكومية العاملة في التمويل الصغير الموجه للشرائح الفقيرة والدعم المجتمعي تحقق أرباحاً لا تقل عن بنوك التمويل المعروفة، وذلك لأنها لا تستقطب أصحاب رؤوس الأموال والتجار الكبار أصحاب التعداد المحدود في المجتمع، بل تجذب النساء وعدد كبير من العوائل الفقيرة، وتبعاً لتقرير  Microfinance Information Exchange قام على استطلاع رأي

فإن: مؤسسات التمويل الصغير الغير حكومية تقدم قروضاً أصغير قيمة لعملائها (الأكثر عدداً) ولكن بمعدلات فائدة على القروض الصغيرة أكبر من تلك التي تفرضها بنوك التمويل المتوسطة أو الأكبر.

في عام “2007” تم دمج مشاريع أسماء وبرامجها المتفرقة تحت مظلة الأمانة السورية للتنمية وحل مشروع فردوس لصالح توجه مجتمعي جديد لا يقتصر على الريف بل يتوجه لكل فئات المجتمع السوري، وبعد هذا التاريخ أندرج تحت اسم الأمانة السورية الكيانات الجديدة التالية لتضاف إلى الفردوس ومسار والمؤسسة الوطنية للمشاريع الصغيرة منها “السورية للحرف، شباب، المتطوعين، الاستجابة المبكرة، دياري للانشاءات، جامعة المنارة، جريح الوطن، المنارات والاستجابة القانونية”.

تؤاطؤ أممي على الرغم من مجازر الأسد والعقوبات

على الرغم من أن بعض المشاريع السابقة توقفت مع بداية الثورة السورية كنتيجة للعقوبات المفروضة على النظام السوري، إلا أن الأمم المتحدة بقيت تدعم  منظومة الأسد غير الحكومية بشكل علني عبر اليونسكو التي اعتبرت الأمانة السورية للتنمية الممثل الوحيد والخبير المعتمد لديها لصون التراث الثقافي اللامادي في الشرق الأوسط ورغم كل المجازر فقد جدد اعتمادها للمرة الثالثة

، حيث اعتمدت للمرة الأولى في 2012 بعد بدء الثورة بعام واحد وجدد في 2017 ثم في 2021 حتى 2025. منح المنظومة دورأ جديداً كحارسة وخبيرة في التراث استوجب السيطرة على التراث الغير مادي في سوريا، أي القيام بمحو هوية الصناعات التقليدية كنتاج فردي ومجتمعي في سورية وربطها بوجود مؤسسة زوجة رأس النظام، وتم الأمر عبر السورية للحرف، أو ما يعرف بـ “أبهة” التي مكنت الأمانة من السيطرة على صناعات النول والزجاج وصابون الغار بالإضافة إلى القيشاني والاغباني وجملة من التراث السوري الغير مادي في سنة 2019 وروفق ذلك بلسيطرة على معالم دمشق الأثرية من تكية سليمانية وخان أسعد باشا ومحطة الحجاز.

وفي الوقت الذي كانت فيه براميل الأسد تُمطر السوريين قامت الأمانة بفتح مناراتها في المحافظات الخاضعة لسيطرة النظام، لتظهر كبرنامج مجتمعي يهدف إلى مساعدة ضحايا الحرب والفئات المهمشة مجتمعياً من نساء واطفال ، فمراكز برنامج “منارات” – التي سنتحدث عنها لاحقاً – تحظى بدعم وتمويل دولي في كل ورشاتها ومشاريعها، وعلى سبيل الذكر لا الحصر منارة منطقة برزة في دمشق تعتبر شريكة للمجلس النرويجي للاجئين

هذا عدا المساعدات المقدمة من الأمم المتحدة لهذه المنظمة “الغير حكومية” والتي لم تتقدي بمعابر أو عقوبات.

من بديل لمنظمات الحزب الواحد إلى أداة لتطويع المجتمع المدني

عندما أطلقت تلك المشاريع والمنظمات لم يكن الهدف منها استقطاب التمويل الدولي وحسب، بل تطويع المجتمع المحلي بأدوات وقوالب جديدة تتلائم مع العالم الجديد بما فيه من ثورات رقمية وعلمية، خاصة أن المنظومة التعليمية في سورية قبل قدوم بشار الأسد اتسمت بصفتين اثنتين الأولى هي الطابع العسكري الظاهر في اللباس الموحد “كاكي / عسكري اللون” للطلبة ومواد التربية العسكرية الإلزامية من الصف السابع حتى البكالوريا؛ والثاني هو الإنتماء المتدرج للمنظومة الحزبية – الحزب الواحد حزب البعث الإشتراكي – حيث يدخل الطالب الصف الأول منتسباً إلى طلائع البعث، ينتقل منها في الصف السابع إلى صفوف الشبيبة مع إرتداء للبذة العسكرية ليترفع بعد ثلاث سنوات ليصبح مؤهلاً للانتساب التلقائي لحزب البعث. في سنة 2003 أُحدث “التطوير والإصلاح” وانتقل النظام التعليمي إلى طور جديد يبدأ بإلغاء دروس العسكرية لصالح قيادة الحاسب وتحويل لون اللباس الموحد

إلى الأزرق والرمادي. هذا الانتقال بالمنظومة التعليمة أضاع التنظيمات التدجينية للناشئين الممثل بالطلائع والشبيبة وكان لا بد من استبدالها بقوالب جديدة تتوافق مع نشاطات أسماء الأسد المجتمعية.

إن أعدنا التفكير في مشروع مسار الداعم للطفولة سنجد استهدافه لفئة الاطفال من عمر (بين 5 إلى 18)، وهو ملائم ليكون بديلاً أكثر حداثة لطلائع البعث، وإن وسعنا منظور الرؤية أكثر فسنلاحظ مشروع “شباب” كبديل للشبيبة، المشروع الذي أطلق سنة 2010 ووجه للفئات الشابة من طلبة الثانوية (بين 15 إلى 24 سنة) ويقدم لهم التدريب والمشورة بهدف تجهيزهم لسوق العمل، وهو مشروع

أردف ببرنامج ” المتطوعين” الذي يقوم على جذب الطاقات الشابة المدربة لإدخالهم في منظومة الأمانة “دون أي مقابلات مادية أو رواتب”. ومع بداية الثورة زادت نشاطات الأمانة لجذب المتطوعين للعمل ككوادر رديفة بها متطوعين يشبهوا “الرفاق الحزبيين” واجتماعاتهم عقب انتهاء الدوام المدرسي، أي أن الأمانة كانت تعد جيشها المنسجم مع رؤيتها، ولأن إعداد جيش قادر على فهم متطلبات التنمية أمر مهم وضروري تم إيجاد “جامعة المنارة

” الخاصة في اللاذقية سنة 2016 التي “تُوجه العملية التعليمية نحو متطلبات التنمية في المجتمع” وتقديم المنح لحاضنتها.

ما بدأ كمنظومة بديلة لحزب منخور مفرغ من أهدافه صار يأخذ دوراً أوضح في التعامل مع المجتمعين المحلي والدولي خاصة خلال سنوات الثورة “الحرب” فمن جهة استهدف المجتمع السوري الموالي وخاصة المتضررين من الحرب واستقطب التمويل الدولي من جهة أخرى، وبشأن مرتبط بالحرب وتبعاتها أُطلق مشروع المنارات للدعم المجتمعي سنة 2016 وهي مراكز مجتمعية تجاوز عددها الـ “24 منارة” تتوزع في 12 محافظة (عدا إدلب والرقة) وتعتني بالعوائل المتضررة من الحرب، وتبعت بمبادرة جريح الوطن

الاقتصادية سنة 2019 التي استهدف جرحى الجيش مشترطة وجود ضرر بنسبة 80 بالمئة وما فوق، لتُخفض إلى 40 بالمئة عبر تقديم منح وتسهيلات طبية وأطراف تتناسب وشدة الإصابة.

ختاماً.. الأمانة السورية للتنمية ودروها

باستخدام المشاريع غير الحكومية وفتح باب التطوع المنظم تمكنت الأمانة من ضبط المجتمع المدني الموالي وتوجيهه بالفعل نحو أكثر الفئات المجتمعية هشاشة وتأثيراً في الحاضنة الشعبية للنظام، وتلقائياً تمكنت من التحكم بجيل من الشباب بشكل ينسجم مع توجهات النظام خلال الحرب، فعلى سبيل الذكر لدينا “استجابة التعافي المبكر” مشروع جديد من وحي الحرب التي شنها نظام أسد على المدنين، وهو أداة شبابية تقدم السورية للتنمية كمنظمة مجتمعية موازية للهلال الأحمر تعمل على توزيع الإعانة للمتضررين من “الأزمة التي بدأت في 2011 تبعاً لما ذكرت في تعريفها عن المشروع” وهو مشروع انطلق في 2021 بشكل متوازي مع محاولة الأمم المتحدة – بقيادة روسية-  على ربط البرامج الإغاثية بمشاريع التعافي المبكر خاصة مع الاستقرار النسبي الذي عاشته سوريا بين 2020 – 2021 ومن المناطق التي يهدف هذا المشروع تغطيتها “إدلب”. كما لدينا الاستجابة القانونية الأولية، فريق محاميين يفوق الـ 60 محامي يعملون تحت مظلة الأمانةالسورية ويتوزعون في سورية بهدف “تقديم الدعم المتعلق بالخدمات القانونية” نشط عملهم بشكل واضح خلال عملية التهجير القسري من المدن الحاضنة للثورة وكمثال عليها الغوطة الشرقية

التي ظهر عمل هذا الفريق عليها للمرة الاولى في سنة 2018.

اليوم تلعب الأمانة السورية للتنمية دوراً متكاملاً كأداة خفية لإنقاذ نظام دمشق، فهي باب خلفي لموارد مالية مقدمة من الأمم المتحدة مباشرة للوجه الألطف للنظام السوري والذي يلبس العباءة المجتمعية ليخفي نفسه، من جانب أخر هو أداة تنظيمية تؤطر الرغبة الفردية لدى حاضنة الأسد بإحداث تغيير في ظل الظروف السياسية والاقتصادية السيئة وتمنع ظهور أي منظمة غير حكومية قد تستفيد أو تشكل تجمع بشري أياً كان شكله بعيداً عن أعين أفرع الأمن والمخابرات.

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button