سوريا: مآلات اللحظة وخوف المستقبل القريب/ كمال شاهين
أقر في آخر العام 2022 مشروع قانون “استراتيجية أميركية لوقف وتفكيك تجارة المخدرات والكبتاجون في سوريا”. وقد دمجه المُشرّعون اﻷميركيون في موازنة وزارة الدفاع للعام 2023، وأصبح ملزِماً ﻹدارة بايدن. كما يتضمن تقديم الدعم للحلفاء من دول المنطقة ممن يتلقون كميات كبيرة من الكبتاجون، ويطلب وضع استراتيجية مكتوبة خلال 180 يوماً لتعطيل وتفكيك إنتاج المخدرات والاتجار بها وشبكاتها في سوريا.
في منتصف كانون الأول/ ديسمبر 2022، سرّبت موظفة مهتمة بالملف السوري في وزارة الخارجية الأمريكية، أمام عدد من قياديي المعارضة السورية في بروكسيل، عبارةً تناقلها الوسط السياسي المعارض بكثرة ووصلت للداخل السوري وانتشرت. تقول تلك العبارة بالحرف: “إنّ واشنطن تتوقع انهيار النظام السوري اقتصادياً في غضون ستة أشهر”.
لم تكن هذه هي المرة اﻷولى التي تتنشر فيها توقعات تشير إلى “قرب” سقوط وانهيار النظام السوري، فقد “سربت” سواها على مدار سنوات سابقة وبأهداف مختلفة، على أنّ التوقع الأخير بالانهيار الاقتصادي الوشيك، احتفي به وكأنه سيحدث سريعاً. ولم يكن هذا الاحتفاء الذي انتشر بكثافة في إعلام المعارضة آتياً من فراغ هذه المرة، فقد بات البلد يعيش خلال اﻷشهر اﻷخيرة كارثةً إنسانية وسياسية واقتصادية حادة.
أرضية التوقع اﻷميركي
أميركياً، وفي قراءة متأنية، لا يظهر التوقع السابق وكأنه رمية نرد طائشة، فهو يأتي بعد تصريحات الجنرال مظلوم عبدي (القائد العام لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (“قسد”) التي حمل فيها نسبياً على واشنطن لموقفها المتراخي من العمليات التركية على الشمال السوري مؤخراً. وعلى ما يظهر، فإنّ قيام واشنطن بتسيير دوريات مشتركة مع قوات “قسد” على مناطق التماس مع القوات التركية جاء مراعاةً لاحتجاجات “اﻹدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” المتكررة ضد تركيا. وقد يساهم التسيير المشترك للدوريات في تباطؤ العمليات التركية، إلا أن ذلك مرتبط بعوامل داخلية ومنها الانتخابات الرئاسية في الصيف المقبل، وعوامل إقليمية ودولية أخرى.
تزامن تسيير الدوريات المشتركة مع قطع “اﻹدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” إمدادات الوقود عن مناطق دمشق حتى أجل غير معلن. وإذا كان هذا القطع قد حدث عدة مرات سابقاً بغاية الضغط على دمشق، فإنه يأتي اﻵن في وقت أشد صعوبة على اﻷخيرة وبالتزامن مع إيقاف “القاطرجي” – رجل المهمات الصعبة للنظام – توريداته النفطية للمرة الثالثة هذا العام في عموم مناطق استثماراته، التي هي واجهة النظام الاقتصادية غير الرسمية والمنفذ الثاني لتأمين الوقود لمناطق سيطرة دمشق بعد الناقلات اﻹيرانية المتوقفة منذ عدة أشهر.
إلى جوار قطع إمدادات الوقود لدمشق من مناطق اﻹدارة الذاتية، ظهرت توجهات أميركية جديدة تستهدف دمشق، وجديدها إقرار الكونغرس اﻷميركي، بمجلسيه، الشيوخ والنواب، في 15 كانون اﻷول/ديسمبر 2022 مشروع “قانون” وضع استراتيجية أميركية لوقف وتفكيك تجارة المخدرات والكبتاجون “المرتبطة بالنظام ورئيسه بشار اﻷسد” وفق تعبير المشروع.
المشروع اﻷميركي الذي أصبح قانوناً بعد إقراره لم يقف عند حدود التشريع، بل دمجه المشرّعون اﻷميركيون في موازنة وزارة الدفاع للعام 2023، بدعم من 83 سيناتوراً ومعارضة 11، وأصبح “ملزماً ﻹدارة بايدن”، ويتضمن تقديم الدعم للحلفاء من دول المنطقة ممن يتلقون كميات كبيرة من الكبتاجون، ويطلب وضع استراتيجية مكتوبة خلال 180 يوماً لتعطيل وتفكيك إنتاج المخدرات والاتجار بها وشبكاتها في سوريا.
يستثني القانون الجديد المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية من العقوبات، وإنْ لم يذكر ذلك صراحة، علماً أن مناطق المعارضة، في مجال تصنيع المخدرات وتجارتها، تحتل مرتبة متقدمة في هذه الصناعة في سوريا بحكم أنّ الفصائل المسلّحة اتجهت إليها بعد أن بدأ تمويلها (القطري والسعودي) ينخفض بحدود كبيرة. وهذا الاستثناء المتوقَع يعزز فرضية أنّ غاية القانون الجديد تعزيز الخِناق على دمشق الذي يصب في اﻹطار اﻷوسع لحرب واشنطن مع موسكو.
مؤشرات الانهيار الاقتصادي في الداخل السوري
يُفهم من مقولة الانهيار الاقتصادي حدوثُ فوضى اجتماعية واضطرابات وإفلاس وحجم تجاري منخفض وتقلّب أسعار العملة وتداعٍ في النظام العام دون تحديد مدة زمنية لحدوث الانهيار الاقتصادي أو انتهائه.
تظهر تطابقات كثيرة للتعريف السابق على سوريا، على رأسها تخبّط حكومي في إدارة البلاد. ويكاد لا يصدر قرار حكومي دون أن تتناوله ألسنة الناس بالنقد اللاذع، مثل تخصيص سبعة مليارات ليرة سورية (120 مليون دولار فما فوق) لترميم ملعب العباسيين في دمشق، في وقت تتزايد فيه دعوات الاحتجاج السلمي من جديد في السويداء بعد هدوء حذر شهدته المحافظة، في حين أن اللاذقية الموصوفة بأنها “معقل النظام”، تشهد دعوات للاحتجاج للمرة اﻷولى في تاريخها دون أن يعني هذا حتى الآن تداعياً في النظام العام.
وإن كان زلزال شباط/ فبراير 2023 المدمّر وتداعياته طويلة الأمد قد حرف الأبصار لبعض الوقت، داخلياً ودولياً، عن مشكلة المخدرات، إلا أنه وبطبيعة الحال، قد فاقم الاوضاع سوء. ومن جهة أخرى، فإن ما يبدو من انفراجات في الخناق العربي الرسمي الملتف على رقبة السلطة السورية، ما زالت نتائجه ضبابية.
تتزامن هذه التطورات مع انهيار متصاعد يومياً في قيمة الليرة السورية، فقد واصل الدولار ارتفاعه أمام الليرة حتى وصل إلى أكثر من 6300 ليرة مع ارتفاع مواز في أسعار المواد الغذائية، وانقطاع في التيار الكهربائي وصل إلى اثنين وعشرين ساعة يومياً في مختلف المحافظات. أما أهم عقدة في الاقتصاد أي النقل، فقد توقفت تقريباً حركة النقل الداخلية بين المحافظات السورية، حيث أعلنت عدة شركات توقفها عن نقل البضائع والركاب بين المدن لعدم توافر الوقود، وأدى ذلك إلى زيادات جديدة في كلفة النقل وهي مرتفعة قياساً بالأجور اليوم، يفاقمها وجود جباية متكررة من قبل جهات أمنية وعسكرية على مختلف طرقات البلاد. وكمثال، فإنّ سعر طن البندورة في سوق الخضرة في بانياس الساحلية يبلغ بين مليون إلى اثنين مليون ليرة (بين 200 ـ 400 دولار)، وأجرة إيصاله إلى دمشق تبلغ القيمة ذاتها.
وفي الوقت نفسه، رفعت الحكومة أسعار اﻷسمدة الزراعية أضعاف سعرها السابق (ارتفع سعر طن سماد اليوريا 46 في المئة وهو لازم للزيتون والقمح والقطن، فبلغ ثلاثة ملايين بدلاً من مليون ونصف ليرة) وهو ما سينعكس سلباً على الزراعة التي تعاني أشدّ المعاناة من غياب الوقود والكهرباء والتصحر والجفاف، ويقلل من المساحات المزروعة بالقمح والخضار والمحاصيل الاستراتيجية،. كما سيؤثر على أسعار المنتجات الزراعية ويتسبب في ارتفاع معدل التضخم المرتفع أصلاً وسيوسع الفجوة بين الدخل وتكاليف المعيشة. ولا يتوقف الغلاء عند قطاع الزراعة فقط، إذ زادت تكاليف التشغيل في القطاع الصناعي مع رفع أسعار الوقود والكهرباء للصناعيين والتجار، بالتزامن مع تقنين قاس جداً شمل كافة المحافظات. واليوم، يشهد سوق العقارات عروضاً كثيرة للبيع بما في ذلك في مناطق محسوبة على الطبقات الغنية الباقية في البلاد، ويظهر أنّ كثيرين يجهزون حقائبهم للفرار من السفينة قبل غرقها.
بالتزامن، بدأت دمشق بالتخلي عن سياسات دعم الفئات اﻷكثر فقراً في المجتمع السوري، ومنها شريحة منتسبي الجيش والقوى اﻷمنية والعسكرية المختلفة، وهذا مؤشر خطير على العموم لطريقة تعامل النظام مع القطاع الذي حماه طيلة السنوات الفائتة. وتعزز سياسة التخلي عن الدعم الاجتماعي هذه من الانقسام الطبقي الحاد أصلاً بين سوريي الداخل، كما أنها تضيف شرائح فقيرة جديدة تضم غالبية موظفي الدولة (مليون ونصف سوري وسورية، مدنيين وعساكر) براتب لا يصل إلى عشرين دولاراً شهرياً.
وحتى اﻵن، قاوم النظام الانهيار الاقتصادي لسنوات مستفيداً من جملة من العوامل الداخلية، أهمها ميراث الدولة نفسه الذي خزّنته طيلة عقود حكم البعث، ونعني به صفر ديون خارجية، واحتياطي مقبول من العملات اﻷجنبية، ودورة إنتاجية اقتصادية مقبولة، ساعدها في ذلك قطاع زراعي أمّن حاجات الناس بأسعار مقبولة، مع اعتماد سياسات مراوغة في تأمين عملة صعبة من هنا وهناك. ويظهر أن هذا اﻹرث – الحصيلة قد استنزف خلال الأعوام الماضية إلى درجة كبيرة، ولم يعد كثير من العناصر السابقة مشاركاً في حماية الدولة السورية واقتصادها من الانهيار. ومؤخراً أكد البنك المركزي أنه قادر على دفع رواتب موظفي الدولة لسنوات قادمة، ردّاً على شائعات انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي تفيد بوصول المخزون الاحتياطي من العملة الصعبة حدوداً دنيا. وإذا كان يمكن فهم اﻹشاعات ضمن سياق حرب إعلامية مستمرة منذ سنوات، إلا أنّ توقف المئات من المشاريع الاقتصادية الحكومية يشي بغير ذلك.
فهم بنية النظام السياسي السوري
تضم شرائح المؤيدين للسلطة السورية فقراء بمعظمهم ومن يسمون بالرماديين، وحتى بعض المعارضين، وهؤلاء في الغالب ممن بنوا موقفهم من الحراك على قناعة (أو دون ذلك) بضرورة المحافظة على كيان الدولة ووحدة ترابها وسيادتها أياً كان النظام الحاكم، أو بنوا موقفهم بناء على علاقة مصلحية وخدمية، أو حتى على مبدأ ديني “الله يطفيها بنوره”. إلا أن تدافع التأثيرات الاقتصادية والخسائر المتتالية في الاقتصاد السوري، وارتفاع اﻷسعار الجنوني، وغيرها من أسباب الانهيار الاقتصادي، أفضى وسيفضي إلى مزيد من انفضاض هذه المجاميع عن جسم النظام. يتأكد ذلك بمعرفة أنّ نسبة المشاركين في انتخابات اﻹدارة المحلية اﻷخيرة (أيلول /سبتمبر 2022) لم تتجاوز فعلياً نسبة خمسة بالمئة من مجمل عدد من يحق لهم المشاركة (عشرون مليونا تبعاً لتعداد وزارة اﻹدارة المحلية).
ومع توقع اتساع انفضاض غير المستفيدين عن جسم النظام خلال الأشهر القادمة، وربما تجسّدهم في أشكال مختلفة من الاحتجاجات، بما فيها العنفية والتفجيرات (في درعا بالدرجة اﻷولى)، إلاّ أنّ الانهيار السياسي لا يبدو ظاهراً بوضوح في الأفق السوري حالياً، ولذلك أسباب مرتبطة بالعديد من العوامل البنيوية في تركيبة النظام من جانب، وبعوامل إقليمية ودولية من جانب ثان، وكلاهما يتشابكان في حماية النظام السياسي من الانهيار الفجائي.
فمما لم يعد خافياً أن التشابك بين مؤسسات النظام ومؤسسات الدولة السورية هو في حده الأدنى، إذ تشكّل مؤسسات النظام ما يمكن وصفه بـ “دولة ضمن الدولة”، عسكرياً ومالياً واستثمارياً، ولكل من هذه القطاعات مؤسسات خاصة لا تخضع ﻷي نوع من الرقابة الحكومية. وعلى الرغم من استقلالية مؤسسات النظام، إلا أنّ لهذه اﻷخيرة سلطة مؤثرة وواسعة على مؤسسات ووزارات الدولة المختلفة، وتخضع لتوجهاتها. مثلاً، فإنّ قرار صرف منح مالية يأتي من رئاسة الجمهورية، والعديد من القرارات الوزارية لا تمر دون موافقة الرئاسة. ويظهر ذلك بوضوح في مسألة زيادة الرواتب التي توجب موافقة رئيس الجمهورية عليها دستورياً. يقصد مما سبق بشكل فيزيائي أنّ القوة اﻷكبر هي في اﻷعلى، وهي صانعة القرار والتوجهات.
تمتلك القوة اﻷعلى العديد من الموارد التي تشكل لها قوة مضافة مركزية التأثير، منها موارد شبكات الخليوي واستثمارات كبيرة في التعليم الخاص (جامعات ومدارس خاصة) وشركات وساطة مالية، وغيرها، وتشكل لها قيمة نقدية عالية غير معروفة بدقّة، ويتم تناقل قيم بمليارات الدولارات في الميديا العالمية، ويضاف لها موارد غير معلنة يعرفها السوريون جيداً، تحاول واشنطن محاصرتها وتقييدها.
القرار اﻷميركي، بمحاصرة وتفكيك شبكات صناعة المخدرات والاتجار بها – وهي من مصادر تمويل النظام غير الرسمية وفق التصور اﻷميركي – يستهدف مصدراً مهماً للتمويل تبلغ قيمته بالقياس إلى كميات المخدرات وحبوب الكبتاغون المصادرة أممياً مليارات الدولارات. وتمتد هذه التجارة إلى شبكات عابرة للحدود نحو الأردن والخليج العربي وتركيا وأوروبا، وبمساهمة من شركاء محليين وميليشيات سورية وإيرانية. ومما لا شك فيه أنه ليس من السهل تنفيذ القرار اﻷميركي نظراً لكون تلك الشبكات المفترَضة لا تسلك سبلاً مكشوفة، وهي لا تعمل وحدها في هذا المجال، بل كجزء من منظومة دولية ضخمة.
وفق هذا التحليل، يمتلك النظام أوراق قوة اقتصادية خاصة، وهي قليلة التأثر بالمجريات العامة للبلاد، سواء انهار الاقتصاد أم لم ينهر. وقوة هذه اﻷوراق تكمن في أنها استثمارية متغيرة القيمة تبعاً للسوق، مالية بالعملة الصعبة، وحتى لو كان جزء منها بالعملة المحلية، فإنّ التأثير المتوقع على النظام في حال الانهيار الاقتصادي لن يكون كبيراً.
إلى جوار القوة الاقتصادية التي تمتلكها السلطة، هناك قوى أخرى تشكّل العمود الفقري لها وتدعمها وتحميها بشكل عضوي، وهذه القوى عسكرية وأمنية واقتصادية. وإن كان جزء منها هو من طبقة التجار المستفيدين من جنّة النظام، مثل بعض تجار المدن، ويمكنهم نقل الولاء من نظام إلى آخر ومن سلطة إلى أخرى، فإنّ القوى العسكرية واﻷمنية ليس من السهل عليها تبديل ولائها، هذا إذا تجاهلنا عوامل الطائفية والعشائرية وغيرها من الفواعل المخفية في بنية النظام، والتي لها دور فاعل في تأمين نوع من الحماية من الانهيار.
على ما سبق، يمكن بناء استنتاجٍ أوّلي، وهو أنّ الانهيار الاقتصادي المتوقع أميركياً قد يصيب أجهزة الدولة السورية، وهذا ليس مستبعداً تبعاً لمجريات اﻷحداث الراهنة، ولكن تأثر مؤسسات النظام بهذا الانهيار سيكون محدود اﻷثر ويصعب قياسه بدقة. ومما هو مؤكّد قدرة النظام على الاستمرار برعاية مؤسساته واستثماراته وتقديم الخدمات المطلوبة لمناصريه حتى أجل قد يقصر وقد يطول.
إقليمياً، هناك مصلحة متبادلة لدى العديد من دول الجوار في عدم حصول انهيار سياسي في دمشق وذهاب اﻷمور باتجاه حرب أهلية جديدة أو استعادة ﻷجواء العراق بعيد انهيار نظام صدام حسين، حيث تدفق المهجرون إلى دول الجوار وسط فوضى كبيرة. وتزيد هذا الحرص أوضاع الدول نفسها في ظل صعوبات اقتصادية متصاعدة وضعف اهتمام دولي، وليس هناك استعداد ﻷي منها لاستقبال موجات جديدة من المهجرين السوريين. ويلحظ ذلك مثلاً في التخوف التركي من وصول القوات الحكومية إلى مناطق إدلب وما بعدها، واحتمال كبير لنشوء موجات تهجير جديدة بسبب العمليات العسكرية… ومن هنا الحديث عن مصالحة مع دمشق.
سيناريوهات ما بعد التصريح الأميركي
لا يتحدث التصريح اﻷميركي عن انهيار سياسي سوري مرافق للانهيار الاقتصادي، ولا نظن أن عدم الربط هذا غير مقصود. فالخبرة اﻷميركية في التعاطي مع مسائل من هذا النوع كبيرة، ويقدّم التصريح السابق بياناً (ليس جديداً أبداً) عن طريقة التفكير اﻷميركية في تعاملها مع الدول “المارقة” على سياساتها (أو الفاشلة).
اﻷكثر احتمالاً لفهم التصريح اﻷميركي هو توقع الانهيار الاقتصادي السوري دون السياسي، أي أنّ الوضع الداخلي السوري سيستمر على حاله وعلى وضعه المتجه نحو الانهيار ما أمكن، مستغلاً التضييق على كل منافذ الحياة المحتملة للنظام. وهذا سيستغرق سنوات ربما، سيعيش فيها السوريون كافة صنوف الإذلال المزدوج. فالحكومة ومؤسساتها تعمل في مناطق نفوذها للمحافظة على بنية الدولة نفسها من الانهيار مع محاولة القيام بما يخفف عن الناس أعباء الحياة في الحدود الدنيا، والنظام يعمل على حماية نفسه من مرحلة قادمة غير واضحة المعالم بشأنه، على الرغم من وجود رغبات إقليمية في بقائه، وفي سبيل ذلك يزداد حذراً وتوجساً.
هذا السيناريو هو اﻷكثر احتمالاً كونه لا توجد تغيّرات ملحوظة في سلوك اﻷطراف المتصارعة على الكعكة السورية. ولكن السيناريو اﻷسوأ، هو سيناريو العدوان اﻷميركي على دمشق، وليس من المحتمل اللجوء اليه اﻵن في سوريا بسبب جملة من العوامل المحلية واﻹقليمية والدولية.
وانما من الممكن ضمن السيناريو السابق، وبعد صدور القانون المتعلق ب”الكبتاجون” وتحديد آليات تنفيذه، أن تقوم طائرات “التحالف الدولي” بقيادة واشنطن، باستهداف بعض المنشآت الاقتصادية والخدَمية في الداخل السوري بذريعة الاشتباه بتصنيعها المخدّرات أو اتّهامها بتسهيل تجارتها وعبورها إلى دول الجوار، ويعزز هذا الاحتمال ما تم تناقله مؤخراً عن نية واشنطن العودة إلى مدينة الرقة السورية.
من الممكن أيضاً أن تتولى إسرائيل هذه المهمة، بصفتها “متضررة” من التشبيك اﻹيراني ـ السوري في مسألة المخدرات كما تقول وسائل إعلامها منذ سنوات. ولكن حدود هذا التصعيد المحتمل تبقى مرهونة بالوجود الروسي في سوريا وردّة فعله، وإن كان مرجحاً أن روسيا لن تمانع طالما لا تقترب تل أبيب من مناطق نفوذها في البلاد.
السفير العربي