السوريون والانتخابات التركية -مقالات مختارة-
تحديث 31 أيار 2023
———————-
أردوغان وانقسامات السوريين/ إبراهيم حميدي
اهتمام السوريين بالانتخابات الرئاسية التركية، أكثر من غيرهم في الإقليم، مفهوم. فتركيا دولة جارة تفصلها عن سوريا حدود بحوالي ألف كيلومتر. دولة فيها نحو أربعة ملايين لاجئ سوري. دولة يقيم جيشها في الشمال السوري وينتشر في جيوب تضم أربعة ملايين سوري، نصفهم من النازحين.
لكن هذا الاهتمام السوري، ليس واحدا ولا موحدا؛ فالرئاسيات التركية مناسبة جديدة لتمظهر الانقسام؛ السوريون كانوا منقسمين في “اقتراعهم” التركي، كما هو حال التشظي السوري المتعمق خلال العقد الأخير.
رجب طيب أردوغان، هو الرئيس الثالث عشر. أردوغان سلّم أردوغان مفتاح القصر. انتقال سلس من المئوية الأولى إلى الثانية من عمر الجمهورية. هذا أمر واقع، لا بد أن يتعايش معه السوريون، على اختلاف مشاربهم، في السنوات الخمس المقبلة. هنا يمكن الحديث عن ثلاثة اتجاهات سورية فيها الكثير من الأسئلة والترقب والقليل من الأجوبة والسكينة:
أولا، الموقف في دمشق. معروف أن الرئيس فلاديمير بوتين، ضغط على الرئيس بشار الأسد كثيرا كي يعقد قمة ثلاثية سورية- تركية– روسية (بمشاركة إيرانية أيضا). هدف “القيصر”، كان تجميع أوراق لصديقه “السلطان” كي يمدد إقامته في القصر. الأسد رفض هذا اللقاء قبل الانسحاب العسكري التركي من شمال سوريا، أو التعهد بالانسحاب، أو وضع جدول زمني بالانسحاب. لكن السبب الحقيقي لرفض الأسد، أنه لم يكن يريد دعم خصمه أردوغان كي يفوز بولاية جديدة. واقع الحال، أنه كان يراهن على المنافس كمال كليشدار أوغلو، ذي الصلة والتحالف مع دمشق.
تحت ضغط بوتين وخامنئي، وافق الأسد على إيفاد وزير خارجيته فيصل المقداد للقاء نظيره التركي مولود جاويش أوغلو في موسكو. عمليا، انتقل التطبيع السوري– التركي من المسار الأمني إلى المسار السياسي، دون/قبل الانسحاب أو التعهد بالانسحاب. هذه هدية الأسد لبوتين.
ماذا الآن مع الرئيس التركي الثالث عشر؟ أغلب الظن أن روسيا وإيران ستضغطان لتعظيم التقارب السوري- التركي. لكن الفرق أن أردوغان ليس تحت ضغط الوقت وصندوق الاقتراع. ألم يقل جاويش أوغلو قبل أيام، إن الوجود العسكري التركي سيبقى إلى حين إزالة التهديد الإرهابي؟ هناك واقع جديد، أردوغان موجود لسنوات. الأسد موجود لسنوات. كلاهما في حاجة الى بوتين. السؤال كيف سيتعاملان مع الواقع الجديد. جزء من الجواب عند بوتين إذا سمحت له حرب أوكرانيا ببعض الوقت للتفكير في الشأن السوري.
ثانيا، الموقف في القامشلي. أيضا، كان الرهان الكردي السوري على خروج “السلطان العثماني” من القصر. لم يكن رهانا وحسب، بل كانت قناعة بأن أردوغان ذاهب، وخصمه حليف الأكراد والعلويين قادم.
إذا كانت هناك خيبة في دمشق، فإن القلق هو السائد في القامشلي. يشعر أردوغان، الرئيس التركي الثالث عشر، بأن لديه تفويضا بـ”محاربة الإرهاب” ومقارعة “وحدات حماية الشعب” الكردية، الظل السوري لـ”حزب العمال الكردستاني”، وحليفة “الوحدات” أي القوات الأميركية، في شمال شرقي سوريا.
هذا أولا. ثانيا، أميركا المقيمة شرق الفرات السوري، ترى أن أردوغان أمر واقع في السنوات المقبلة. هو جزء من المعادلة التي تخص العلاقة مع روسيا، و”حلف شمال الأطلسي” والحرب في أوكرانيا.
بين السيناريوهات المحتملة، أن يكون أردوغان حرا في التحرك عسكريا شرق الفرات والضغط على حلفاء أميركا من الأكراد. أيضا، ضغط روسي لتفاهم سوري– تركي ضد حلفاء أميركا. الحديث هنا عن “قوات سوريا الديمقراطية”.
ثالثا، الموقف في إدلب من أهلها ونازحيها ولاجئيها. رد الفعل الأولي لكثير من اللاجئين السوريين في تركيا بعد إعلان فوز أردوغان، لقد تنفسوا الصعداء. خطاب المعارضة التركية بث الخوف والقلق وسط نحو أربعة ملايين سوري في تركيا ومثلهم في شمال سوريا. الانطباع كان أن فوز كليشدار أوغلو يعني: الضغط على اللاجئين للعودة، والتعاون مع دمشق على حساب المعارضة.
فوز أردوغان، قوبل باحتفالات من معارضين ولاجئين. الأيام وحدها ستثبت ما إذا كانوا محقين في مشاعرهم وحساباتهم بين معادلات عربية وإقليمية ودولية، فيها كثير من الصفقات والحسابات الجيوسياسية. بين الخطط سيكون تعاون تركي عربي لبناء مشاريع سكنية لمناطق النفوذ التركي في الشمال السوري كي يعود السوريون “بشكل طوعي وآمن” إلى بلادهم.
المنعكسات السورية لفوز أردوغان كثيرة. أغلب الظن أنه سيسرع قطار التطبيع العربي مع دمشق، الذي اكتسب سرعة جديدة بعد عودة دمشق إلى الجامعة العربية وحضور الأسد القمة العربية في جدة. تركيا التي تتدخل في مسارح عربية كثيرة من ليبيا والعراق وسوريا وغيرها، يرى البعض أن نقطة وقف التمدد أو “التوغل”، هي في سوريا، والشريك في هذه المعادلة، هو دمشق أو تعزيز “الدولة السورية” وتعزيز الدور العربي في دمشق.
ما يعزز هذا الاتجاه، انكفاء أردوغان عن سياساته التطبيعية في الإقليم بعد فوزه بالانتخابات. وقتذاك ستكون سوريا مختبرا لكثير من التحولات والمفاجآت والصفقات.
المجلة
——————————
لماذا فشلت المعارضة التركية في إطاحة أردوغان؟/ بشير البكر
انتهت جولة الانتخابات الرئاسية والتشريعية التركية بتثبيت حكم حزب العدالة والتنمية، وخسارة المعارضة فرصة الفوز بكرسي الرئاسة، التي لاحت بقوة بفضل اتفاق أحزابها الستة على دعم مرشح واحد هو كمال كلجدار أوغلو لمواجهة الرئيس رجب طيب أردوغان.
المفاجأة التي لم يكن ينتظرها أحد هي ترشح زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كلجدار أوغلو للسباق الرئاسي، في حين كانت الأنظار تتجه إلى شخصيات أخرى من داخل ائتلاف المعارضة ومن خارجه.
من الخارج، سرت توقعات حول احتمال أن تختار المعارضة شخصية وسطية غير محسوبة على أحزابها الستة، وجرى تداول اسم الرئيس السابق عبد الله غل، أحد شركاء أردوغان في تأسيس حزب العدالة والتنمية عام 2001، والذي تولى الرئاسة بين عامي 2007-2014، وغادر بعدها الميدان السياسي على خلاف مع أردوغان.
ومن الداخل، جرى تداول أسماء مرشحين آخرين، أبرزهم منافس أردوغان في انتخابات 2018 محرم إنجه، الذي حاز في حينه نسبة 30 في المائة من الأصوات، وانشق عن حزب الشعب الجمهوري ليؤسس حزب البلد عام 2021، ويترشح للانتخابات الحالية التي انسحب منها قبل الدورة الأولى بسبب ما قال إنها تهديدات وابتزاز من بعض المحسوبين على المعارضة.
وهناك مرشحان آخران لا يقلان وزناً عن إنجه، هما منصور ياواش رئيس بلدية أنقرة، وأكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول، وكلا المدينتين خرجتا عن سيطرة “العدالة والتنمية” في الانتخابات البلدية عام 2019، وصارت المعارضة تحوز فيهما أغلبية الأصوات، وهذا مؤشر انتخابي مهم.
لم يكن من السهل اتفاق المعارضة على مرشح واحد، ولكنها تجاوزت هذه العقبة في اتفاق تشكيلها في فبراير/شباط 2022، وبقي الاتفاق من حول شخصية المرشح، والذي بدا صعباً لأسباب عدة، أبرزها وجود أكثر من مرشح مؤهل من داخل حزب الشعب الجمهوري.
دار التنافس بين منصور ياواش وأكرم إمام أوغلو وكلجدار أوغلو، وكانت المفاجأة اختيار الأخير، وقبول الآخرين بذلك باستثناء زعيمة الحزب الجيد ميرال أكشنر التي رفضت ترشح كلجدار أوغلو وفضّلت الاختيار بين ياواش وإمام أوغلو، وكادت تهدد بفرط تحالف المعارضة، ولكنها رضخت في النهاية.
التحفظات على ترشح كلجدار أوغلو كثيرة، منها وفق ما هو شائع أنه يفتقر لمؤهلات الزعامة، من كاريزما وحضور فاعل في الوسط السياسي وموهبة في الخطابة وشعبية تتجاوز حزبه ورصيده في العمل العام، كما أنه لا يحظى بالإجماع عليه من داخل الحزب.
عوامل رفعت أسهم المعارضة التركية
التقت تقديرات داخلية وخارجية على أن هناك فرصتين مهمتين في الانتخابات. الأولى هي وحدة قوى المعارضة على مبدأ تقديم مرشح واحد لمواجهة أردوغان، وهذه الفرصة فريدة من نوعها لم تحصل في السابق، وقد لا تتكرر في المدى المنظور.
أما الفرصة الثانية، فهي تتمثل في تقاطع عوامل عدة، يمكن أن تؤدي إلى خسارة أردوغان الرئاسة، وقد بدا هذا الاحتمال أقرب مما كان عليه في أي وقت، والدليل على ذلك إحساس الرئيس التركي بالتهديد الفعلي، وهو ما انعكس في حملته الانتخابية حتى أسبوع من الجولة الأولى.
وجرى الترويج خلال الشهر الذي سبق الانتخابات، أن هزيمة أردوغان ممكنة، وخسارة حزبه للانتخابات التشريعية مؤكدة، لأن الشارع التركي ينشد التغيير، ويريد أن يجرب حكماً آخر غير الذي عاش معه أكثر من عقدين.
ورقة الرهان الكبيرة تمثلت في الجيل الجديد، الذي يناهز الخمسة ملايين. وهؤلاء ولدوا في بداية حكم “العدالة والتنمية”، ويصوّتون للمرة الأولى. وأكدت تقديرات المعارضة أن أغلبية هؤلاء تطمح إلى تركيا بعيدة عما تمثله برامج وأفكار التحالف الحاكم المحافظ، وأقرب للعلمانية والخيارات الغربية.
استندت الحسابات الداخلية والخارجية لهزيمة أردوغان على معطيات اقتصادية وسياسية. وعلى هذا الأساس جرى الرهان على تقديم برنامج متين، يمكن أن يجذب جيل الشباب، والشرائح المترددة من الناخبين.
وتم توظيف المسألة الاقتصادية بقوة ضد الرئيس التركي، خصوصاً ارتفاع نسبة التضخم والأسعار، إلا أنها لقيت انقساماً من حولها، لأن حكم “العدالة والتنمية” الذي تجاوز عقدين، هو الفترة الأولى التي شهدت فيها تركيا نمواً اقتصادياً واسعاً على مستوى مشاريع البنى التحتية العملاقة من مستشفيات وجامعات ومطارات وطرق وشبكات سكك الحديد وقطارات الأنفاق.
ولعبت المعارضة ورقة الموقف الغربي السلبي من سياسات أردوغان، التي تحظى بالتأييد الواسع، حينما يتعلق الأمر بالخلافات مع اليونان حول الغاز في المتوسط، وتأييد أذربيجان في الحرب مع أرمينيا، وتنويع مصادر السلاح بين أميركا وروسيا وحرب أوكرانيا.
حسابات خاطئة للمعارضة
إلى وقت قصير من الجولة الأولى، لم يكن معسكر أردوغان واثقاً من فوزه، بل كان هناك شبه تسليم بخسارة البرلمان بسبب تراجع أداء “العدالة والتنمية”، ومنذ خسارة البلديات المهمة، أنقرة، إسطنبول، إزمير، عام 2019، ساد الاعتقاد أن سيناريو الخسارة يمكن أن يتكرر على مستوى الانتخابات التشريعية.
وجاءت نتائج الجولة الأولى على عكس كافة الحسابات، بما فيها تلك التي استقرت عليها ماكينة “العدالة والتنمية”، الذي حافظ على تقدمه على المعارضة، وتفوق أردوغان على منافسه الرئيسي بفارق كبير هو خمس نقاط، أي ما يتجاوز مليونين ونصف مليون صوت.
كما أكدت نتائج الجولة الثانية عدم دقة حسابات المعارضة، لجهة القدرة على هزيمة أردوغان، وزاد في ذلك الأخطاء السياسية التي ارتكبتها، وسوء الأداء على مستوى إدارة التحالفات، وظهر ذلك بوضوح بعد ظهور نتائج الجولة الأولى، وتفاقم قبل الجولة الثانية بقليل.
وأكثر ما أضر مرشح المعارضة، يمكن تلخيصه بأربع نقاط. الأولى هي تقربه الشديد من القوميين العنصريين المتطرفين المعادين للأجانب، ورفع لواء حملة طرد اللاجئين السوريين.
والنقطة الثانية هي تحالفه مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، وهو أمر يعتبره القوميون الأتراك عملاً انتهازياً، لأنه لا يراعي الموقف التركي العام من “حزب العمال الكردستاني” المصنف إرهابياً في تركيا.
والنقطة الثالثة هي محاولة الاستثمار الطائفي من قبل كلجدار أوغلو نفسه، وهو أمر أثار ردود فعل سلبية في الوسطين العلماني والمحافظ، لأن هذا العنصر لا يدخل في تركيب الهوية التركية.
والنقطة الرابعة هي المواقف الخارجية، خصوصاً الغربية التي دعمت كلجدار أوغلو، لتظهر المواجهة في نظر الشارع التركي بين أردوغان الوطني المحافظ، وكلجدار أوغلو حليف الغرب الذي يريد تغيير سياسات تركيا المستقلة عن الغرب والشرق.
بعض هذه النقاط أثارت ردود فعل سلبية على المستوى الداخلي، وخارجياً بدأ الإعلام الغربي بتغيير رأيه في ما يخص دعم مرشح المعارضة التركية، وحصل تحول ملحوظ قبل أسبوع من الجولة الثانية.
كانت وجهة النظر من الخارج أن الجامع المشترك بين الأحزاب الستة المعارضة، هو أنها تتبنى خطاباً “ديمقراطياً وسطياً” يتجنب الإقصاء أو التطرف تجاه فئة محددة من الشعب، كما تجمعها معارضة أردوغان والسعي إلى إطاحته.
وبعد أن كانت أغلبية وسائل الإعلام الغربية تتحدث عن المعارضة التركية بوصفها حاملة مشروع التغيير والانفتاح والديمقراطية، أخذت تلاحظ بقوة أن خطابها انحرف نحو القومي العنصري المتطرف.
انحراف نحو الخطاب القومي العنصري
وكان لافتاً أن صحيفة “لوموند” الفرنسية التي كانت ترى قبل ذلك في أردوغان مرشحاً محافظاً، ومنافسه رمزاً للعلمانية، عنونت على “الانحراف الخطير للمعارضة نحو اليمين”، وقالت إنه قبل أسبوع من الجولة الثانية باتت لهجة وموضوعات حملة كلجدار أوغلو مستوحاة من الخطاب القومي المتطرف.
وحسب الصحيفة الفرنسية، فإن التغير في خطاب المعارضة بدأ عشية ظهور نتائج الجولة الأولى من الانتخابات في 14 مايو/أيار الحالي، حينما تبيّن بشكل ملموس الثقل الذي يمثله القوميون. وقالت إن منافس أردوغان قرر أن ينحرف نحو اليمين بعيداً. وقصدت أنه ذهب باتجاه اليمين المتطرف.
وبالفعل التقى كلجدار أوغلو مع أوميت أوزداغ زعيم حزب “النصر” العنصري والمحرض البارز على اللاجئين السوريين، حليف المرشح الذي فاز بالموقع الثالث في التنافس الرئاسي زعيم “تحالف الأجداد” سنان أوغان، الحائز نسبة 5,3 في المائة من الأصوات في الجولة الأولى، والذي عرض عليه في حال فوزه، منصب وزير الهجرة وحتى موقع نائب رئيس الجمهورية.
وركزت وسائل إعلام غربية على الهجوم الذي شنه زعيم “الشعب الجمهوري” في 17 مايو/أيار على اللاجئين الذي حدد عددهم بحوالي 10 ملايين، وقالت إنه سبق له أن تحدث عن إعادة اللاجئين السوريين، لكنه لم يسبق له أن استعار خطاب الأحزاب القومية المتطرفة.
وأكدت مراكز تركية متخصصة في تحليل نتائج الانتخابات أن تقدّماً كبيراً حققته الأحزاب القومية المنضوية في التحالفين الكبيرين، أحزاب الحركة القومية والحزب الجيد والاتحاد الكبير والنصر، ونالت في الانتخابات التشريعية حوالي 23 في المائة من أصوات الناخبين.
والملاحظ أن هذه النسبة لا تشمل القوميين الذين ينضوون داخل الحزبين الرئيسيين، “العدالة والتنمية” و”الشعب الجمهوري”. وقد أظهرت هذه الدورة على نحو واضح نمو الحس القومي داخلهما، الذي يظهر في صيغة تمجيد الشعور القومي والأمة التركية والوطن والعلم التركي.
تشير عدة آراء إلى أن خسارة المعارضة من شأنها أن تؤثر سلباً لجهة بقائها موحدة، وتبدو احتمالات تفككها أقرب، لأن العامل الذي جعل اللقاء بينها ممكناً لم يعد قائماً وهو قطع الطريق على ولاية رئاسية جديدة لأردوغان. وبدأت مؤشرات عدة إلى ذلك داخل بعض الأحزاب.
العربي الجديد
———————————
تجدّدت رئاسة أردوغان … ماذا بعد؟/ عمر كوش
فاز الرئيس رجب طيب أردوغان بالرئاسة التركية مجدّداً، بعد انتخاباتٍ مفصلية وتاريخية، بالنظر إلى أنها الأولى من نوعها في تاريخ تركيا، التي جرت فيها جولة ثانية لانتخاب الرئيس، وشهدت تنافساً شديداً بين كل من مرشّح تحالف الجمهور، أردوغان، ومرشّح تحالف الأمة المعارض، كمال كلجدار أوغلو، اللذين وظفا في حملتيهما الانتخابيتين كل الأوراق المتاحة لهما من أجل الفوز بالرئاسة. إضافة إلى أن هذه الانتخابات حظيت باهتمام وترقّب كبيرين على المستويين الإقليمي والدولي.
ويشي فوز أردوغان بكرسي الرئاسة، بعد 20 عاماً حكم فيها البلاد، بصفته رئيساً للوزراء بدءاً من 15 مارس/ آذار 2003، ثم رئيساً للجمهورية منذ 10 أغسطس/ آب 2014، بأن الناخب التركي منحه تفويضاً جديداً، كي يحكُم بموجبه البلاد خمسة أعوام أخرى، ليصبح أطول الرؤساء بقاء في السلطة في تاريخ تركيا المعاصر. وبالتالي، يعني فوزُه استمرار نموذج الحكم والنهج المتّبع، ومواصلة السياسات التي عرفتها تركيا خلال العقدين الماضيين، على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بما يعني استكمال التوجّهات في السياسة الخارجية، القائمة على الانفتاح على العالمين العربي والإسلامي، مع موازنة علاقات تركيا بحلف الناتو والغرب عموماً مع تلك التي تربطها مع كل من روسيا وإيران والصين، وإعطاء دفعة للتيار الأوراسي في تركيا.
استند أردوغان في فوزه بالرئاسة إلى رصيد من إنجازاتٍ عديدة، حقّقها في السنوات السابقة في مجالات الاقتصاد والصناعات الدفاعية والمشاريع الخدمية، ووفّرت له كتلة انتخابية شعبية كبيرة، إضافة إلى قاعدة حزبية صلبة في حزب العدالة والتنمية، أدارها بشكلٍ ناجح، فضلاً عن أنه تمكّن من تشكيل تحالف متماسك، وخصوصا مع حزب الحركة القومية بزعامة دولت بهشلي، إلى جانب أحزاب أخرى صغيرة، حيث استطاع تحالف الجمهور الذي قاده الحصول على أغلبيةٍ في البرلمان الجديد، الأمر الذي يعني أن رئاسته ستكون على تناغم وتفاهم مع أكثرية البرلمان الجديد، ولن يواجِه أي عقباتٍ في تمرير مراسيمه وقراراته المقبلة. أما منافسه الخاسر، كمال كلجدار أوغلو، فلم يتمكّن من إقناع أكثرية الناخبين ببرنامجه الانتخابي، كما أن أطروحاته ووعوده الانتخابية لم تجدِ نفعاً، لذلك حاول في الجولة الثانية من الانتخابات تبنّي خطاب يميني متشدّد، خصوصا حيال اللاجئين السوريين، وذلك في محاولة يائسة منه لاستمالة الناخب القومي اليميني، ولم ينجح في ذلك. إضافة إلى أن تحالف الطاولة السداسية الذي شكّله لم يكن صلباً، بالنظر إلى اختلاف الرؤى والأطروحات الإيديولوجية والسياسية بين أحزابه، وبالتالي، خسر المعركة الانتخابية، التي قد تؤدّي إلى انتهاء حياته السياسية.
ولكن التفويض الذي منحه الأتراك لأردوغان ليس بمثابة شيك وقّع على بياض، كما يُقال، بل إن استحقاقات وتحدّيات عديدة تواجه الرئيس أردوغان في المرحلة المقبلة، تطاول الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالاقتصاد التركي منذ بضع سنوات، والأوضاع المعيشية المتردّية لدى عموم الأتراك، نتيجة ارتفاع معدّل البطالة، وارتفاع نسب التضخّم، الذي أفضى إلى انخفاض احتياطي البلاد من العُملات الأجنبية، وأثر سلباً على قيمة الليرة التركية، وعلى أسعار صرفها أمام العملات الصعبة، الأمر الذي أضعف من قدرتها الشرائية، وساهم في ارتفاع تكاليف المعيشة، وزيادة أسعار السلع الاستهلاكية، وزاد من معاناة الفئات الفقيرة والمتوسّطة في المجتمع التركي. وهو أمر يرى الرئيس أردوغان أن حلّه يكمن في مواصلة سياسة الاستقرار، والتخطيط لبناء اقتصاد إنتاجي، يقوم على أساس الاستثمار، وإيجاد فرص العمل. لكن أسئلة كثيرة تحوم حول كيفية تحقيق ذلك في ظل استمرار الحكومة على مواصلة سياسات التدخّل في عمل البنك المركزي، وخفض سعر الفائدة، وسوى ذلك.
وتتعدّد الاستحقاقات الداخلية، لتطاول التعامل مع آثار الزلزال المدمّر الذي ضرب مناطق عديدة جنوبي تركيا في السادس من فبراير/ شباط الماضي، إذ لا يزال أكثر من مليون تركي يعيشون في الخيام والمنازل المؤقّتة، وما زالوا في حاجةٍ إلى تقديم مساعدات، وإلى تضميد جراحهم. وقد تستغرق عملية بناء بيوتٍ جديدةٍ لهم سنوات عديدة، على الرغم من وعود الرئيس أردوغان ببناء منازلهم خلال عام. لكن تصويت أغلبية الناخبين في المناطق التي ضربها الزلزال لصالح أردوغان يشي بأنهم ظلّوا، كما كانوا، جزءاً من كتلته الانتخابية الصلبة، وبتعويلهم عليه من أجل إعادة إعمار مناطقهم، وإعانتهم في معالجة آثار الكارثة التي حلّت بهم. أما ورقة اللاجئين السوريين التي حاولت المعارضة توظيفها في حملتها الانتخابية في مواجهة أردوغان، فإنها لم تغب عن خطاب أردوغان في حملته الانتخابية، ويبدو أنها ستكون من بين القضايا التي يجب معالجتها في المرحلة المقبلة، خصوصا أن إعادتهم إلى بلادهم باتت تشكّل هاجساً للحكومة والمعارضة، لكن كلّ بطريقته، حيث إن طريقة معالجة أردوغان لها تقوم على خطّة الترحيل، ضمن ما يسميها “العودة الطوعية” إلى مناطق “آمنة” في الشمال السوري، وجرى بالفعل ترحيل ما يقارب 600 ألف سوري وفقها في الفترة الماضية. وهناك خطّة لترحيل مليون لاجئ إلى البيوت التي تبنيها تركيا بالتعاون مع دولة خليجية في مناطق من شمالي سورية، بالإضافة إلى الأمل في عودة لاجئين سوريين آخرين إلى مناطق تخضع لسيطرة نظام الأسد، وذلك في سياق التقارب التركي معه.
على المستوى الخارجي، سيواصل أردوغان سياساته القائمة على الموازنة في علاقات تركيا مع دول حلف الناتو من جهة، ومع روسيا وإيران والصين مع جهة أخرى، ولن تكون هناك تغيرات كبيرة في توجّهات السياسة الخارجية بعد فوزه، إذ سيستمر النهج الذي اتبعته تركيا خلال الفترة الماضية، القائم على تبريد الملفّات الساخنة في المنطقة، والبحث عن حلول عن طريق الحوار والتفاهمات للخلافات مع دول الجوار، وفق منطق تصفير المشكلات، الذي عادت إليه السياسة التركية، وأفضى إلى تطبيع العلاقات مع الإمارات والسعودية ومصر، وكذلك مع إسرائيل. أما التقارب مع نظام الأسد، فلن يكون أردوغان في عجلةٍ من أمره، إذ جعله فوزه في موقع أقوى، ولم يقبل بأي اشتراطاتٍ أو مطالباتٍ بسحب القوات التركية من مناطق وجودها في الشمال السوري، قبل أن تحلّ هواجس تركيا ومخاوفها الأمنية، المتمثلة بالتهديدات القادمة من مناطق سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي و”قوات سوريا الديمقراطية”.
العربي الجديد
——————————–
تحديات تواجه إردوغان بعد فوزه بالانتخابات
بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية التركية الأحد لولاية جديدة تمتد خمس سنوات، تواجه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان تحديات كبيرة، أبرزها محاربة التضخم، إعادة الإعمار بعد الزلزال، انضمام السويد إلى حلف «الناتو» والمصالحة مع سوريا، حسب تقرير نشرته اليوم (الاثنين) مجلة «لو بي إس» الفرنسية.
محاربة التضخم
تعدّ محاربة التضخم أكثر من أولوية، لتخفيف الضائقة الاقتصادية عن السكان. فالرقم الرسمي للتضخم يبقى في أبريل (نيسان) يفوق 40 في المائة خلال عام واحد بعد أن تجاوز 85 في المائة في الخريف، نتيجة للانخفاض المستمر في أسعار الفائدة الذي يدعمه الرئيس إردوغان.
بين أغسطس (آب) وفبراير (شباط)، تم تخفيض سعر الفائدة من 14 في المائة إلى 8.5 في المائة، وهو التخفيض الذي برره البنك المركزي بالاهتمام بدعم «التوظيف والإنتاج الصناعي».
يجادل رجب طيب إردوغان، خلافاً للنظريات الاقتصادية التقليدية، بأن أسعار الفائدة المرتفعة تعزز التضخم، مشيراً خلال حملته الانتخابية إلى أنه لا ينوي رفعها.
وفقدت الليرة التركية أكثر من نصف قيمتها في عامين، ووصلت إلى 20 ليرة للدولار هذا الأسبوع. وبحسب معطيات رسمية، أنفقت أنقرة 25 مليار دولار في شهر لدعم الليرة. لكن انهيارها، وفق التقرير، يبدو حتمياً، خاصة وأن احتياطيات العملات الأجنبية قد بلغت الخط الأحمر للمرة الأولى منذ عام 2002.
إعادة الإعمار بعد الزلزال
دمّر الزلزال الذي بلغت قوته 7.8 درجة في 6 فبراير مناطق بأكملها في جنوب شرق تركيا؛ ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 50000 شخص وتشريد أكثر من ثلاثة ملايين.
ووعد الرئيس إردوغان بإعادة بناء 650 ألف منزل في المحافظات المتضررة في أسرع وقت ممكن.
وبلغت التكلفة الإجمالية لأضرار الكارثة أكثر من 100 مليار دولار، بحسب الأمم المتحدة ورجب طيب إردوغان.
انضمام السويد إلى «الناتو»
ينتظر حلفاء تركيا في «الناتو» أن ترفع أنقرة حق النقض (الفيتو) على انضمام السويد إلى الحلف الأطلسي، المحظور منذ مايو (أيار) 2022.
فبينما ضاعفت استوكهولم إشارات النوايا الحسنة، بما في ذلك اعتماد قانون جديد لمكافحة الإرهاب في أوائل شهر مايو، ظلت تركيا – مثل المجر – غير مرنة، وتواصل أنقرة مطالبة السويد بتسليم عشرات المعارضين الذين تم تصويرهم على أنهم «إرهابيون» أكراد أو من حركة الداعية التركي في المنفى فتح الله غولن، الذي تتهمه أنقرة بالوقوف وراء محاولة الانقلاب في يوليو (تموز) 2016.
ومن المقرر أن يجتمع وزراء خارجية «الناتو» في أوسلو يوم الثلاثاء قبل قمة رؤساء الدول في يوليو في فيلنيوس (عاصمة ليتوانيا)، متوقعين أنباء طيبة من الجانب التركي (لرفع الفيتو ضد انضمام السويد إلى الحلف).
المصالحة مع سوريا
حاول رجب طيب إردوغان في الأشهر الأخيرة التقرب من جاره الرئيس السوري بشار الأسد، لكن رغم الوساطة الروسية لم تنجح محاولاته.
وطالب بشار الأسد قبل أي لقاء مع نظيره بانسحاب القوات التركية المتمركزة في شمال سوريا الخاضعة لسيطرة المعارضة، وإنهاء دعم أنقرة للفصائل المعارضة لدمشق.
وتستقبل تركيا، التي شنّت توغلات عدة ضد الجماعات المتطرفة والكردية في الأراضي السورية منذ عام 2016… 3.4 مليون لاجئ سوري فرّوا من الحرب على أراضيها.
وأعلن الرئيس إردوغان في أوائل مايو ع
الشرق الأوسط
———————–
اردوغان واستحقاقات تركيا ما بعد الانتصار
رأي القدس
منطقي تماماً لرجل دولة مثل رجب طيب اردوغان، الرئيس التركي الحالي والمنتخب مؤخراً لولاية رئاسية ثانية تمتد 5 سنوات، أن يحظى بالكثير من الإعجاب لدى المناصرين والخصوم على حد سواء، داخل تركيا وفي الجوار الإقليمي والعالم شرقاً وغرباً، فسجلّه خلال 21 سنة في ترؤس الحكومة ورئاسة الجمهورية حافل وغني ومتميز، أياً كان الرأي في نهجه وأفكاره وخياراته.
ليس أقل منطقاً أن يستدر أردوغان الحسد، الإيجابي والسلبي على حد سواء هنا أيضاً، ومن رجال السياسة في تركيا وفي الخارج أيضاً، لأسباب متعددة تبدأ من مسارات صعوده السياسي في قلب الشارع الشعبي ولا تنتهي عند التحديات والعراقيل الكثيرة التي واجهها أو تمكن من تذليلها، بما في ذلك السجن وحظر العمل السياسي والانقلاب العسكري. ولعل في رأس نقاط الحسد، التي تثير الاستغراب كذلك، أن 9 من أصل 11 ولاية داخل مناطق الزلزال الكارثي الأخير اختارت التصويت لأردوغان، رغم أن الأعراف الانتخابية التقليدية في سياقات كهذه كانت تقتضي العزوف عنه أو محاسبته عن طريق التصويت لمنافسه.
وقد تكون هذه وجهة أخرى لتثمين فوز أردوغان في هذه الدورة التاريخية من الانتخابات الرئاسية التركية، وذلك من خلال استشراف المستقبل واستحقاقات ما بعد الانتصار وسلسلة المشكلات والمصاعب التي واجهت البلاد، وتظل مطروحة وتتصدر برامج عمل الرئيس التركي والحكومة وأطراف «تحالف الشعب». ومن مفارقات ولاية أردوغان الجديدة أن الاقتصاد، الذي كان امتياز إدارته حتى العام 2016، بات اليوم أحد أبرز الملفات الملحّة التي تستدعي علاجات بنيوية في ميادين حاسمة مثل معدلات التضخم التي اقتربت من 44٪ قبيل الانتخابات، وانخفاض العملة الوطنية إلى مستوى يزيد عن 20 ليرة تركية مقابل الدولار الأمريكي، وارتفاع معدل البطالة إلى أكثر من 10٪ خلال الأشهر الأخيرة.
كذلك فإن مواطني مناطق الزلزال ينتظرون الكثير العاجل من أردوغان وحكومته، وإذا كانوا قد جددوا الثقة به مؤخراً عبر صناديق الاقتراع، فإن جداول أعمال الحكومة المقبلة يتوجب أن تحفل بإجابات عملية واضحة حول مسائل عديدة معقدة تتصل بالمضي أبعد وأنجع وأسرع في إيواء المنكوبين، وإعادة إعمار أحياء بأكملها في قرى وبلدات ومراكز عمران متضررة تمتد على نطاق عريض.
كذلك أحسن أردوغان صنعاً، كما كان منتظراً منه في الواقع، حين شدد في خطاب الفوز على الوحدة الوطنية وعزم إدارته وحلفائه على ترك خلافات الحملة الانتخابية وراء الظهر والتطلّع إلى التعاون والعمل المشترك. ذلك لأن انقسامات المجتمع التركي سياسياً ومناطقياً وعقائدياً واضحة وضاغطة وتزداد تجذراً، خاصة وأنها ليست بين أحزاب الحكم مقابل أحزاب المعارضة، فهذه الأخيرة تعاني بدورها من خلافات شتى ولم يكن اتحادها الأخير حول الطاولة السداسية سوى إجراء تكتيكي مؤقت اقتضته ضرورات منافسة أردوغان و«العدالة والتنمية» وبقية أحزاب «تحالف الشعب».
وإلى جانب هذه وسواها من الملفات، بصدد الصناعة العسكرية ومعدلات الإنتاجية والسياسة الخارجية وتطوير موقع تركيا كقوة جيو – سياسية إقليمية ومتوسطية وعالمية، فإن مواجهة استحقاقات المستقبل هي خير تكريم لتركيا وشعبها ونظامها الديمقراطي.
القدس العربي
——————————-
إيكونوميست: المعارضة ضيعت فرصة العمر لإصلاح الديمقراطية التركية وهزيمة أردوغان
إبراهيم درويش
تحت عنوان “خمس سنوات أخرى” حيث تمت إعادة انتخاب رجب طيب أردوغان رئيسا، قالت مجلة “إيكونوميست” إن انتخابه من جديد هو فرصة العقد الخاسرة لإعادة إصلاح الديمقراطية المفقودة.
وقالت “كما في الكثير من الانتخابات فإن الشائعات عن نهاية رجب طيب أردوغان السياسية تبين أنها مبالغ فيها. وبعد فرز كل الأصوات للجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التركية في 28 أيار/مايو، فقد حصل الزعيم التركي على نسبة 52.1% من الأصوات وهي كافية لأن يعلن النصر. وحصل المنافس له كمال قليجدار أوغلو على نسبة 47.9% وسيكون أمام أردوغان الذي حكم تركيا منذ عشرين عاما، كرئيس للوزراء أولا ثم كرئيس، خمس سنوات أخرى وربما أكثر”.
وقالت إن الرئيس تحدث إلى أنصاره من فوق حافلة قرب جامع جماليكا في حي إسكودار بإسطنبول، ودعا إلى الوحدة وقال “المنتصر الحقيقي اليوم هو تركيا” وبعد دقائق عاد لخطابه المعروف واتهم المعارضة بدعم المنحرفين “بالنسبة لنا العائلة مقدسة” وظل في مزاج الحملة الانتخابية، حيث يتطلع للانتخابات المحلية المقررة في آذار/مارس العام المقبل “لا توقف”.
وفي سيكوربا، بعيدا 1.000 كيلومتر عن العاصمة وقفت امرأة في منتصف العمر أمام حطام بيتها وعلم تركي يرفرف من قضيب حديدي، وأطلقت السيارات أصواتها. ومات حوالي 200 شخص في القرية قبل أربعة أشهر عندما ضرب زلزال الجنوب. ولم تصل فرق الإنقاذ إلا في وقت متأخر، وقتل حوالي 50.000 شخص، لكن الكارثة لم تترك أي أثر على أردوغان، الذي حصل في 2018 على نسبة 78% من أصوات تيراغلو التي تنتمي إليها قرية سيكوربا. وبعد خمسة أعوام حصل على نسبة 82% من أصوات السكان الذين قالوا إنهم يثقون برجل واحد منحوه صوتهم وبجهود عمليات التعافي من الكارثة. وقالت المرأة “نحبه” حيث لوحت بالعلم التركي “من أذان الصلاة إلى بيوتنا وحجابنا”.
وكان لدى المعارضة أفضل فرصة للتخلص من أردوغان في جيل، حيث تجمعت ستة أحزاب على برنامج شامل ومرشح رئاسي. وظل الاقتصاد كما هو يعاني من أزمة ووصل التضخم العام الماضي نسبة 80%، كل هذا نتيجة لسياسة رأت في أسعار الفائدة طريقا لتخفيض الأسعار. وكشفت الهزة الأرضية التي غطت منطقة بمساحة بلغاريا عن أساليب الغش في البناء والفساد وعدم الاستعداد. ولكن لم يكن أي من هذا كافيا لهزيمة أردوغان الذي استخدم نفس الأسلوب للفوز بانتخابات بعد أخرى. فقد فاز الرئيس من خلال إشعال نار الحرب الثقافية ووصف المعارضة بكونها تهديدا على الثقافة التركية والأمن القومي. واستخدم الدعم الذي حصل عليه قليجدار أوغلو من حزب تركي اتهمه بالتعاطف مع حزب العمال الكردستاني، بي كي كي لمهاجمة المعارضة.
وقبل أيام من الانتخابات اعترف أردوغان بطريقة عرضية أن شريط فيديو يظهر عناصر بي كي كي وهم يغنون أغنية حملة قليجدار أوغلو- مزيف. كما وساعد التحيز الإعلامي على هزيمة المعارضة، فهي تدار من رجال أعمال مرتبطين بأردوغان في وقت تحول فيه إعلام الدولة لأداة بيد الحكومة وقدم للرئيس تغطية غير محدودة ورفض تحدي مزاعمه التي لا أساس لها أمام الكاميرات.
وزعمت المجلة أن قليجدار أوغلو ظهر في معظم الوقت عبر منصات التواصل الاجتماعي إلى جانب عدد قليل من القنوات المؤيدة للمعارضة. ولم تنجح محاولته الأخيرة للحصول على أصوات اليمين المتطرف ووعده بإرسال اللاجئين إلى بلدانهم وتراجع عن فكرة عقد سلام مع بي كي كي. ودعم المرشح القومي سنان أوغان الذي حصل على نسبة 5% أردوغان ويبدو أن الكثيرين من أتباعه فعلوا نفس الشيء. وكان هامش أردوغان في انتصاره بعد حصوله على 2.3 مليون صوت أقل من 2.5 مليون صوت في الجولة الأولى.
وقالت المجلة إنه تمت خسارة فرصة لإصلاح الديمقراطية التركية. ووعدت المعارضة بإلغاء النظام الرئاسي الذي يقود إلى حكم الفرد، وإطلاق سراح بعض المعتقلين السياسيين وتسليم السلطة إلى مؤسسات مستقلة بدءا من البرلمان والمصرف المركزي. ولدى أردوغان اليد المطلقة لفعل ما يريد واستخدام السلطات التي جمعها للتحكم بالمحاكم والمصرف المركزي. وبدلا من متابعة أرقام الاستطلاعات على الأتراك متابعة سعر الفائدة.
ولمساعدة أردوغان الفوز في الانتخابات، كان المصرف المركزي يبيع مليارات الدولارات من العملة الصعبة كل أسبوع لمنع انهيار العملة التركية وكذا الحفاظ على معدلات التضخم وعدم خروجها عن السيطرة. والنتيجة هي المبالغة في قيمة العملة رغم خسارتها نسبة 80% من قيمتها أمام الدولار. لكن المشاكل تتزايد، فحجم الاحتياطي من العملة الصعبة في المصرف المركزي في السالب، ولأول مرة منذ عام 2002. وتقدر العملة الصعبة إلى جانب التبادل مع المقرضين المحليين والأجانب بـ 70 مليار دولار، وعلامات الضغط بادية. وفقدت الليرة نسبة 2% منذ الجولة الأولى وتدنت إلى 20 ليرة للدولار. وحتى يقرر أردوغان التراجع وزيادة سعر الفائدة فلن يكون لدى المصرف المركزي الطرق لحماية العملة.
وقال أردوغان إن هذه هي آخر ولاية رئاسية، ويجب ألا يحصل هذا. وبحسب الدستور الذي دفع به أردوغان عام 2017، يصح للرئيس في فترة ثانية الترشح لولاية ثالثة لو قرر البرلمان عقد انتخابات مبكرة وقبل نهاية التفويض الرئاسي. ونظرا لأن تحالف أردوغان يملك 323 مقعدا من 600 مقعد في البرلمان، فربما حدث هذا. ولو ظلت صحته جيدة فيمكن لأردغاون البالغ من العمر 69 عاما أن يظل في الحكم حتى ثلاثينيات القرن الحالي.
————————–
الولاية الثالثة لأردوغان: خيارات محتملة تجاه الداخل والخارج/ جابر عمر
أغلق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان صفحة الانتخابات بالاحتفاظ في كرسي الرئاسة، بعد حصوله على 52.2 في المائة من الأصوات في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي جرت أمس الأول الأحد، مقابل 47.8 في المائة من الأصوات لمنافسه مرشح المعارضة كمال كلجدار أوغلو.
كما نجح التحالف الجمهوري، الذي يضم حزب العدالة والتنمية وحلفاءه، في الحفاظ على الأغلبية البرلمانية بحصده 323 مقعداً من أصل 600. لكن انتصار أردوغان هذه المرة جاء أضعف من السنوات السابقة، إذ اضطر للمرة الأولى لخوض جولة ثانية، كما أنه خسر المدن الكبرى، وأبرزها إسطنبول وأنقرة وإزمير.
تحديات أمام أردوغان
وبعد حسمه الانتخابات، يواجه أردوغان جملة تحديات خلال ولايته الجديدة، يأتي على رأسها تحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي بعد التراجع الذي شهده في الأشهر الأخيرة من ولايته، وارتفاع نسبة التضخم وتراجع قيمة العملة المحلية.
يضاف إلى ذلك إعادة إعمار المناطق المنكوبة بفعل الزلزال الذي ضرب البلاد في 6 فبراير/شباط الماضي، وتعزيز الأمن والتعامل مع ملف اللاجئين والمهاجرين غير النظاميين، وهو الذي قدّم وعوداً بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
كما تنتظر أردوغان تحديات خارجية، ولا سيما استكمال مسار تسوية الخلافات مع الدول الإقليمية والعالم، الذي بدأه أردوغان قبل أكثر من عام بعد تنافس وصراعات مع العديد من دول المنطقة.
وفي كلمة ألقاها بعد الإعلان عن فوزه، أكد أردوغان أن حكومته ستسخّر كافة إمكاناتها في الفترة المقبلة لنهضة الاقتصاد وتأهيل مناطق الزلزال. وأضاف في خطاب في المجمع الرئاسي التركي في أنقرة أمام أنصاره، أن المسألة الأهم في الأيام المقبلة هي حل مشاكل زيادة الأسعار الناجمة عن التضخم. وبيّن أن هذه المسألة ليست بالأمر الصعب بالنسبة لحكومته، مستشهدا بخفض الفائدة إلى 4.6 في المائة والتضخم إلى 6.2 في المائة عندما كان رئيساً للوزراء.
ولفت إلى خفض الفائدة في الوقت الحالي إلى 8.5 في المائة، مؤكداً أن التضخم سيهبط بدوره. وأضاف: “سنواصل سياسة الاستقرار، والتخطيط لبناء اقتصاد إنتاجي يقوم على أساس الاستثمار وخلق فرص العمل”.
وأوضح أن حكومته تعمل على تأسيس إدارة مالية “تحظى بالاحترام على الصعيد الدولي”، وتخطط لإنشاء اقتصاد إنتاجي “يركز على الاستثمار والتوظيف”. وأردف: “تضميد جراح منكوبي زلزال 6 فبراير وإعادة بناء مدننا المدمرة ستكون في مقدمة أولوياتنا، وكذلك سنسخّر كل وقتنا وطاقتنا للعمل وإنجاز المشاريع وتقديم الخدمات”. وحول نتائج الانتخابات، قال أردوغان: “لم يخسر أحد اليوم، فالفائز 85 مليون مواطن، حان الوقت لنجتمع ونتحد حول أهدافنا وأحلامنا الوطنية”.
وعن “مكافحة الإرهاب”، أكد الرئيس التركي العزم على تعزيزها من أجل القضاء على التهديدات الأمنية في جنوب البلاد. وأشار إلى اعتزامه استخدام القنوات السياسية والدبلوماسية بفعالية أكبر وتوجيه التطورات الإقليمية بشكل صحيح واللجوء إلى أساليب متعددة بهدف مواصلة إبعاد التنظيمات الإرهابية عن حدود تركيا. وتطرق إلى مسألة عودة اللاجئين السوريين قائلاً: “وفّرنا الإمكانية لعودة نحو 600 ألف شخص إلى المناطق الآمنة في سورية حتى اليوم”.
واستطرد: “سنضمن عودة مليون سوري إضافي في غضون سنوات قليلة من خلال مشروع سكني جديد ننفذه مع قطر”. وبيّن أن العودة الطوعية لطالبي اللجوء هي جزء من سياسة حكومته بما يتوافق مع مطالب الشعب، مضيفاً: “من واجبنا تلبية هذه المطالب لمواطنينا بالطرق التي تليق ببلادنا وأمتنا”.
تمسك بالسياسات السابقة؟
ومع تعهداته هذه، يرى مراقبون أن أردوغان سيواصل اعتماد الكثير من سياساته السابقة، إلا أن بعض الملفات ستشهد تغييرات، لا سيما الاقتصادي، في ظل توقعات بعودة مهندس السياسة الاقتصادية، وزير المالية السابق محمد شيمشك الذي يحظى باحترام كبير محلياً ودولياً، وكان يرافق أردوغان سابقاً في قيادة اقتصاد البلاد، قبيل عزوفه عن السياسة منذ نحو خمس سنوات.
وكان الملف الاقتصادي حاسماً في المدن الكبرى التي صوتت ضد أردوغان، على الرغم من الجهود التي بذلها لتحسين الرواتب، وتقديم زيادات كبيرة لجميع الموظفين والعاملين، ورفع الحد الأدنى للأجور، ومحاولة تخفيض نسب التضخم. ومع اقتراب الانتخابات البلدية بعد أقل من عام، يتطلع أردوغان لخطوات تؤدي لاستعادة المدن الكبرى وأبرزها أنقرة وإسطنبول.
أما قضية الأمن التي ترتبط بها مسألة اللجوء والهجرة غير النظامية في البلاد، فتُعتبر من التحديات الرئيسية أمام أردوغان، خصوصاً أنها كانت محوراً أساسياً في الوعود التي قدّمها أردوغان للجمهور، وشكّلت ورقة حاولت المعارضة الاستفادة منها.
ومع استمرار الأزمات العسكرية والسياسية والاقتصادية في دول محيطة بتركيا، تتواصل الهجرات باتجاهها وهي المعبر باتجاه دول الاتحاد الأوروبي، خصوصاً من أفغانستان وسورية والعراق ودول وسط آسيا، وهي قضية مرتبطة بأمن الحدود والتعامل مع المهاجرين غير النظاميين.
وفي السياق، ستكون قضية اللاجئين السوريين في تركيا حاضرة أيضاً خلال الفترة المقبلة، في ظل حديث أردوغان عن خطط حكومية لإعادتهم بشكل طوعي وآمن، وسيكون عليه البدء بتنفيذ وعده هذا، وكذلك منع حصول موجات نزوح جديدة عبر تعزيز أمن الحدود وتشديد القبضة الأمنية عليها، خصوصاً حدود شرق البلاد الجبلية الوعرة.
أما العنوان الثالث المهم فإنه يتعلق بقضية الزلازل، بعد الزلزال الذي ضرب 11 ولاية في 6 فبراير، من بينها ولايات دُمرت مدنها بشكل شبه كامل، كولاية هاتاي، وادي يامان، وملاطية، جنوب البلاد. وتتطلب الفترة المقبلة مواصلة إزالة الأنقاض وهدم المباني المتضررة، وإعادة البناء في ظل وعود قدمها أردوغان لتسليم المنازل في فترة أقصاها عام.
هذه الوعود أدت إلى تصويت الناخبين في مناطق الكوارث بشكل مكثف لأردوغان خلال الجولتين، ليصبح أمام تحدٍ كبير خلال الفترة المقبلة، في ظل اتساع رقعة الكارثة وضرورة معالجتها سريعاً. يضاف إلى هذا العنوان الخطط الحكومية المتعلقة بالاستعداد للزلازل في تركيا، فالبلاد تقع في منطقة مليئة بخطوط الصدع، ويحذر خبراء من زلزال وشيك في السنوات المقبلة يضرب إسطنبول بقوة قد تصل إلى أكثر من 7 درجات.
وخلال فترة ما قبل الانتخابات، أطلق أردوغان خطة تتعلق بهدم المنازل غير المقاومة للزلازل وبناء منازل جديدة، وتقديم الحكومة دعماً لمن يُقدم على هذه الخطوة بدفع نصف تكاليف البناء، ودفع جزء من أجرة المنازل المؤقتة إلى حين انتهاء المشاريع، وتقديم النصف الآخر قروضا ميسرة. وخلال السنوات المقبلة ستعمل الحكومة على تطبيق هذه الخطة.
العلاقات الداخلية والخارجية
سياسياً، سيكون أردوغان أمام تحدي الحفاظ على وحدة مكونات التحالف الجمهوري الذي بات يضم 6 أحزاب، وضمان الانسجام في البرلمان، بالتوازي مع تشكيل الحكومة التي قد تشهد إيجاد وزارات جديدة للاهتمام بالآفات الطبيعية ومسألة الهجرة غير النظامية.
وعلى صعيد الملفات الخارجية، من الواضع أن سياسة التطبيع وتصفير المشاكل ستتواصل في مسعى من أردوغان لتأمين الاستقرار الخارجي وانعكاس ذلك على مواجهة التحديات الداخلية. ويتوقع مراقبون أن يواصل أردوغان أداء دور الوسيط بين روسيا والغرب.
وقال غالب دالاي من معهد “تشاتام هاوس” لوكالة “فرانس برس”: “خمس سنوات جديدة في ظل حكم أردوغان تعني مزيداً من الموازنة السياسية بين روسيا والغرب”. وأضاف “ستنخرط تركيا والغرب في تعاون براغماتي أينما أملت المصالح ذلك”.
وباتت الدول الغربية ومنها الولايات المتحدة، أمام واقع التعامل مع أردوغان، وقد تصبح العلاقات أكثر دفئاً بالفترة المقبلة، بعد سنوات من الاضطراب، خصوصاً في ظل الترحيب من معظم الدول بفوز أردوغان. وتبادلت تركيا في الفترة السابقة رسائل مع اليونان أو الدول الأوروبية والولايات المتحدة، وبدأت الأخيرة بتزويد تركيا قطعاً مرتبطة بمقاتلات أف 16، وكانت خطوة في إطار إبقاء قنوات التعاون مفتوحة بين الدولتين. وكذلك فيما يتعلق بالعلاقة مع الدول العربية وبالموقف من الحرب الروسية في أوكرانيا والسعي لتأسيس قنوات الحوار بين الطرفين وقيادة المفاوضات.
أولوية الاقتصاد والهجرة
وعن الملفات التي ستشغل الرئيس التركي في المرحلة المقبلة، قال الصحافي إبراهيم آباك، لـ”العربي الجديد”، إن “الاقتصاد والهجرة أبرز المحددات في الفترة المقبلة لسياسات أردوغان، وهي أكبر التحديات التي تواجه”، مضيفاً “في الفترة الأخيرة كانت هناك أيضاً أزمات متعلقة بالمهاجرين غير النظاميين من خلال قدوم الأفغان وقبلهم السوريين، وسعت المعارضة لتوظيف الملف بالحديث عن محاولات توطين”.
ولفت إلى أنه “جرى الحديث عن برامج إنشاء المناطق الآمنة، وستتم إعادة الإعمار وإنجاز مشاريع متعلقة بهذا الصدد في الفترة المقبلة، وإعادة عدد كبير من اللاجئين”، متابعاً “خلال ستة أشهر أو خلال عام ستتم إعادة السوريين بطريقة مدروسة، وهي الأولوية التي تأتي بعد أولوية الاقتصاد، وسيتم العمل على تعزيز الأمن على الحدود”.
وأكد أن “المسألة الاقتصادية مهمة جداً ومن الواضح أن هناك سياسات مقبلة تتعلق بالاقتصاد وتشكيل الحكومة والفريق الاقتصادي، ويتم طرح اسم محمد شيمشك بقوة، وهي قضية ملحّة”. وفي السياسة الخارجية، قال “قد نشهد هدوءاً ولكن التركيز سيكون في العلاقات الدولية حيث ستشهد نشاطا مع بقية الدول بهذا الخصوص”.
واعتبر آباك أن “الملف الثالث المهم هو إعادة إعمار المناطق المنكوبة، وأهالي هذه المناطق يعلقون آمالا كبيرة على الرئيس أردوغان، وتحدي إنجاز المشاريع هناك سيكون كبيراً”، متوقعاً أن المعارضة ستراقب هذه الملفات “للطعن بها خلال الفترة المقبلة وهي تحديات لن تكون سهلة أمام أردوغان”.
من جهته، قال الكاتب إسماعيل جوكتان، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن “الاقتصاد سيكون الشق الأول في أولويات حكومة أردوغان الجديدة، كما أن قضية اللاجئين ستكون ضمن هذه الأولوية”، مشيراً إلى أن “أردوغان بدأ بخطوات في هذا السياق قبل الانتخابات، والتقى وزير المالية السابق محمد شيمشك، وأيضا هناك خطوات من قبل الحكومة لإعادة ما يقرب من مليون لاجئ سوري إلى الشمال السوري”.
وأضاف أن “مراقبين يشيرون إلى أن أردوغان وشيمشك اتفقا على استمرار المشاورات لكن بعد الانتخابات، وهناك احتمال لإعادة شيمشك إلى منصبه القديم، كما أن اردوغان شدد على أنه سيتعامل مع من يتسببون بزيادة الأسعار والغلاء في البلاد، لذلك يمكن أن نعتبر الاقتصاد من أهم أولويات اردوغان في عهده الجديد”.
في السياسة الخارجية، رأى جوكتان أن “أردوغان يرغب باستمرار تعزيز علاقاته مع روسيا، بينما هناك شبه انقطاع مع الولايات المتحدة”، معرباً عن اعتقاده بأن “الولايات المتحدة وجبهة الغرب ستعيدان النظر في علاقاتهما مع أنقرة بعد فوز أردوغان، لأن إضعاف تركيا اقتصادياً سيكون خطراً بالنسبة للمنطقة في وقت تستمر محاولات روسيا والصين التوسعية”. واعتبر أن “الغرب لن يسمح لموسكو وبكين أن تضما أنقرة إلى صفوفهما بشكل كامل”.
وشدد على أن “الأزمة السورية ستكون أيضاً مادة مهمة في سياسة الخارجية التركية بعد الانتخابات، وهناك توقعات تشير إلى استمرار التطبيع مع دول المنطقة بما فيها نظام بشار الأسد، لكن وجود مليشيات حزب العمال الكردستاني بدعم من الولايات المتحدة، سيؤدي لاستمرار العقدة أمام التطبيع وتحسن الأوضاع بين تركيا وسورية”.
العربي الجديد
————————-
المعارضة التركية: سياسة متعرّجة وحسابات خاطئة/ محمود سمير الرنتيسي
لعل أصعب المواجهات التي قد يتعرّض لها السياسي مخاطبة فئات متنوعة من الناس لديها مواقف متباينة، أو في حالة صراع مع بعضها في الوقت نفسه، من أجل تأمين الدعم منها في استحقاق انتخابي أو موقف استثنائي. في هذه الحالات، يميل القادة العقلانيون إلى مخاطبة الجهة الأكبر والأكثر تماسكاً والملتفّة حول القضايا الوطنية، وتلبية مطالبها، وتضمين تطلّعاتها في خطاباتهم، ويتّجه سياسيون آخرون إلى سياسة متعرّجة وخطابات التفافية على القضايا الحسّاسة، حتى يستطيعوا أن يجمعوا، وفق تقديرهم، الدعم من كل هذه الفئات جميعاً. ولكن يتضح، في حالاتٍ كثيرة، أنهم يعودون بخسارة كبيرة، حيث إن السواد الأعظم، من الفئات التي يخاطبونها، لا يقتنع بخطابهم الموارب، خصوصاً عندما لا يكون العامل المشترك بين كل هذه الفئات واضحاً أو بارزاً.
في الحالة التركية، طبّق الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، النموذج الأول بتحالفه مع القوميين المحافظين، ومع الأحزاب المحافظة الصغيرة في تحالفٍ متجانس نسبياً، فيما اتّجه مرشّح المعارضة كمال كلجدار أوغلو إلى الاجتماع على طاولة واحدة مع خمسة أحزاب أخرى متنوعة الأفكار والأيديولوجيات، وتعاون مع حزب سادس، هو حزب الشعوب الديمقراطية الذي يختلف تماماً مع أكبر الأحزاب الخمسة، وهو الحزب الجيد، ما أثّر في نتائج الانتخابات سلباً على المعارضة، وعلى الناخب العادي الذي لا ينتمي لأي حزب، ولكنه يراعي الحساسية والشعور القومي، وكذلك الاستقرار وعدم الرغبة في رؤية نظام مكوّن من شركاء متشاكسين.
على كل حال، عندما رأى كمال كلجدار أوغلو الواقع الذي أفرزته نتائج الانتخابات في 14 مايو/ أيار الحالي، سواء نتائج الانتخابات البرلمانية أو نتائج الجولة الأولى من الانتخابات، وقد كان يقول إن دوراً كبيراً كان للناخب القومي في تحديد نتائج الجولة الأولى، كما أن كتلة المرشّح الثالث للرئاسة كانت من هذا التيار الذي لم يُعره كلجدار أوغلو اهتماماً في الحملة الانتخابية، وفي السلوك السياسي عموماً، بل ذهب إلى الطرف النقيض. وعليه، بدأ كلجدار أوغلو في محاولة جذب الناخب القومي، وظهر هذا في خطابه، سواء في موضوع اللاجئين، أو تجاه الجهات الانفصالية في تركيا.
هذا التحرّك المتعرج لكلجدار أوغلو من الاعتماد على الأحزاب المحافظة الصغيرة لاستقطاب كتلة حزب العدالة والتنمية الانتخابية، ثم التحالف غير المعلن مع حزب الشعوب الديمقراطية ذي الأغلبية الكردية، ثم حالياً بروز النفس القومي، وبنسخة متطرّفة منه، خصوصاً بموضوع اللاجئين، يدل على تخبّط وارتباك سبّبته نتائج الجولة الأولى لدى المعارضة التركية.
في السياق نفسه، نجد أن أردوغان استمرّ في المسار نفسه، من دون تعرّج. ولهذا وجد سنان أوغان، الذي يطمح من بين أهدافه أن يبرز اسماً صاعداً في قيادة التيار القومي في تركيا، والذي يبدو أنه سيستمر في البقاء حجر زاوية في السياسة التركية، نفسه يربح أكثر بالتموضع، حيث فضّل التيار القومي الأعم الوجود. وتجدُر الإشارة إلى أن التيار القومي في تركيا ليس كتلة واحدة، وهناك جهات عدة تمثله، وتمثل أنواعاً مختلفة من القومية.
من زاوية ثانية، يعتمد هذا التحرّك على حسابات خاطئة تماماً، إذ إنّ تفاهم كلجدار أوغلو مع رئيس حزب الظفر أوميت أوزداغ، والذي يشمل بنوداً لا يقبلها حزب الشعوب الديمقراطية، يخاطر بانفضاض كتلة حزب الشعوب الديمقراطية التي صوتت لكلجدار أوغلو في الجولة الأولى عنه، حيث يعتقد أن 10% من 44% التي حصل عليها كلجدار أوغلو جاءت من أصوات أنصار حزب الشعوب الديمقراطية، فيما يمثل حزب الظفر 1%. كما يخاطر بانفضاض الأصوات الليبرالية التي دعمت كلجدار أوغلو، والتي ترى مشكلة في السلوك المتطرّف تجاه اللاجئين، والذي يتبناه أوميت أوزداغ، ووضعه شرطاً في اتفاقه مع كلجدار أوغلو. وكذلك الحال، وجدنا أن كلجدار أوغلو قام بحسابات خاطئة في الجولة الأولى، حيث أعطى أربعة أحزاب صغيرة متحالفة معه قرابة 35 نائباً في البرلمان من قائمة حزب الشعب الجمهوري، بينما تفيد التقديرات بأن مجموع تأييد الأحزاب الأربعة يتراوح بين 1-2%. ولهذا بنى الرئيس أردوغان جزءاً من دعايته قبل الجولة الثانية على التشهير بالسلوك المتعرج لكلجدار أوغلو وحساباته الخاطئة، وقال له “منذ متى أصبحت قومياً؟”، ووجهت انتقادات لكلجدار أوغلو مفادها بأن التظاهر بالقومية لن ينطلي على الكتلة القومية. وبالرغم من أن حزب الشعوب الديمقراطية أصدر موقفاً يؤكّد استمرارية معارضة أردوغان، وأكد أنه لا يدعم استمرارَه، فإنه لم يؤكّد دعم انتخاب كلجدار أوغلو بالاسم (ربما لأسباب تتعلق بعدم استفزاز القوميين ضده أكثر)، كما انتقد اتفاق كلجدار أوغلو مع أوميت أوزداغ، سواء في ملفّ اللاجئين، أو مسألة تعيين رؤساء مكلفين في ملفّ البلديات، في مدن الجنوب الشرقي، ذات الأغلبية الكردية.
يمكن القول، بناء على قراءة سلوك المعارضة في الانتخابات أخيراً، وقبل الجولة الثانية، وتحديداً زعيم حزب الشعب الجمهوري، إن أداء المعارضة التركية المتخبّط والمرتبك والمعتمد على حساباتٍ غير دقيقة، كان له العامل الأبرز في عدم نجاح المعارضة في تحقيق أي إنجاز يمكّنها من الوصول إلى الحكم.
————————–
رئاسيات تركيا: اليوم التالي/ حسام كنفاني
تترقّب تركيا اليوم الأحد (28/5/2023) مصير رئاسة البلد في الدورة الثانية من الانتخابات بين الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان وزعيم المعارضة كمال كلجدار أوغلو، ومعها ينتظر مئات آلاف اللاجئين السوريين بقلق كيف يمكن أن تنعكس النتائج على وضعهم في تركيا، خصوصاً أنهم زُجّوا طرفا أساسيا في الحملات الانتخابية للطرفين، وإن بنسبٍ متفاوتة من التحريض والعداء والوعود بالترحيل، القسري أو الطوعي، إلى الأراضي السورية. القلق مبرّر بالتأكيد في ظل ارتفاع منسوب الممارسات العنصرية في الداخل التركي ضد كل من هو أجنبي عموماً، وعربي خصوصاً، والأمر ليس حكراً على السوريين.
من الواضح مبدئياً أن حظوظ الرئيس أردوغان هي الأكبر في الدورة الانتخابية الثانية، بالنظر إلى طبيعة مؤيديه وخلفياتهم الأيديولوجية التي تجعلهم أكثر التزاماً في التوجّه إلى صناديق الاقتراع، إضافة إلى الدعم الذي حظي به من المرشّح الخاسر في الانتخابات الرئاسية سنان أوغان، الذي نال 5% من الأصوات في الدورة الأولى. وبغضّ النظر عن القدرة التجييرية للأصوات التي يملكها أوغان، إلا أن انتقال 1% على الأقل من الأصوات إلى أردوغان سيكون كافياً لحسم النتيجة.
في المقابل، فإن الكتلة الانتخابية لمعسكر المعارضة بزعامة كلجدار أوغلو، أو بشكل أوضح الأصوات التي حصل عليها في الجولة الأولى، ليست بدرجة الالتزام الأيديولوجي نفسه لأصوات المعسكر الآخر، خصوصاً أن معظم المصوّتين لمعسكر المعارضة فعلوا ذلك اعتراضاً على سياسات أردوغان العامة وطلباً للتغيير بعد 21 عاماً من حكم حزب العدالة والتنمية. يُضاف إلى ذلك أن معسكر المعارضة نفسه ليس على “قلب رجل واحد”، خصوصاً بعد تكريس الخطاب المعادي للاجئين كأساس الحملة الانتخابية لكلجدار أوغلو، وهو ما أثار امتعاض بعض أطراف “التحالف السداسي” الذي خاض الدورة الأولى في وجه تحالف أردوغان. والامتعاض الحالي داخل “تحالف الشعب” هو امتداد أيضاً لاعتراضاتٍ سابقة على إصرار كلجدار أوغلو على أن يكون هو المرشّح المواجه لأردوغان، إذ يرى معارضون عديدون أن شخصية كلجدار أوغلو تمثل سبباً جوهرياً في خسارة الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، وأنه لو سنحت الفرصة لترشح شخص آخر، على غرار رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، لكان معسكر المعارضة حسم الرئاسة من الجولة الأولى.
ما سبق لا شك سينعكس على نسبة الاقتراع في الجولة الثانية، والتي لن تقترب من نسبة 87% التي شهدتها الدورة الأولى، وهو ما يصبّ في صالح أردوغان. لكن بغض النظر عن الفائز في الانتخابات، ستركّز الأنظار على مشهدين أساسيين داخليين في اليوم التالي للانتخابات، الأول تعامل الرئيس الجديد مع قضية اللاجئين، فاستغلال أردوغان ورقة اللاجئين قبل الانتخابات، في حال فوزه، لن يكون هو نفسه بعدها، بل على العكس، خصوصاً مع انتفاء الحاجة إليها، إضافة إلى الدور الذي لعبه المجنّسون منهم في فوزه. الأمر نفسه بالنسبة لكلجدار أوغلو لكن لأسباب مختلفة، إذ إن معسكر المعارضة أقرب إلى الموقف الأوروبي من معسكر أردوغان، وهو ما يعني عدم الدخول في صدامٍ مع الأوروبيين في قضية أساسية، مثل اللاجئين السوريين في بداية فترته الرئاسية، خصوصاً أن الموقف الأوروبي لا يزال الأكثر تشدّداً في مسألة التطبيع مع نظام بشار الأسد.
المشهد الثاني هو التركيبة الحزبية في الداخل التركي بعد الانتخابات، ومصير تحالف المعارضة، إضافة إلى مستقبل حكم حزب العدالة والتنمية، فمن الواضح أن خريطة حزبية جديدة في طريقها إلى التشكّل في الساحة التركية، وهو ما عكسته نتائج الانتخابات البرلمانية مع نيل عدد من الأحزاب الصاعدة بقيادة منشقّين عن “العدالة والتنمية” مقاعد على حساب الحزبين الكبيرين “الشعب الجمهوري” و”العدالة والتنمية”. ولعل مشكلة الحزب الأخير أكثر تعقيداً في ظل غياب قيادي بديل لأردوغان، والذي ستكون هذه العهدة الرئاسية الأخيرة في حال فوزه، بعدما أبعد كل النجوم الذين سطعوا في سماء الحزب خلال سنوات حكمه، وهي معضلةٌ لا بد للحزب من العمل عليها سريعاً.
انتخابات اليوم حاسمة على المدى البعيد، وسيكون لنتائجها دور كبير في تشكيل مستقبل المشهد السياسي التركي.
العربي الجديد
——————————-
عن فوز السوريين في الانتخابات التركية/ عمر قدور
من المؤكد أن فوز أردوغان بالرئاسة قد أراح أعصاب اللاجئين السوريين في تركيا، وكذلك أعصاب السوريين في مناطق الشمال الخاضعة لنفوذ أنقرة. فملايين السوريين على طرفي الحدود كان ينتظرهم المجهول فيما لو فاز المرشح الخاسر كمال كليتشدار أوغلو، فهو كما نعلم تعهّد بإعادة اللاجئين إلى بلادهم وكأنه سيرميهم وراء الحدود كيفما كان، ويُستنتج من مجموع أقواله استعداده غير المشروط لعلاقة ودية مع الأسد. ومع تصاعد حدة المنافسة مع أردوغان، أظهر أوغلو قابلية للتخلي عن أفضل ما كان في شعاراته لقاء كسب أصوات أقصى اليمين المتطرف المحرِّض على اللاجئين، والمعادي للأكراد بالطبع.
لكن من الجيد، مع أجواء الارتياح عقب إعلان النتائج، الانتباه إلى إعلان أردوغان عن توطين مليون لاجئ سوري في مناطق سيطرته شمال سوريا. وهذا ليس بالمشروع الجديد، أما إعادة الإعلان عنه في خطاب الفوز فتخدم أكثر من هدف في وقت واحد، فهي رسالة إلى قسم من جمهوره وحلفائه تتتضمن الوفاء بوعد التخلص من مشكلة اللاجئين، وهي أيضاً رسالة تنطوي على إجراء أحادي لا يتوقف على تقدم مفاوضات التطبيع مع الأسد، ولا يصعب تأويلها في منحى عدم وجود نوايا للانسحاب من سوريا في المدى القريب أو المتوسط. ورغم أن إشارة أردوغان إلى تمويل قطري لمشروع التوطين تهدف إلى طمأنة الأتراك بأنه بلا عبء مالي عليهم، إلا أن معارضة الدوحة التطبيع مع الأسد تعطي المشروع أبعاداً سياسية.
على ذلك من المحتمل أن تنقلب الأدوار في مفاوضات أردوغان-الأسد، فمن المعلن أن الثاني كان يماطل فيها منتظراً مجيء نتائج الانتخابات التركية لغير صالح الأول، والآن يتعيّن عليه التعايش مع وجوده خمس سنوات قادمة لا يكون فيها أردوغان متلهفاً للقائه. على صعيد متصل، لن تبقى ورقة اللاجئين ضاغطة طوال الوقت في السجال التركي الداخلي، وقد تعود قليلاً إلى الواجهة لمناسبة الاتتخابات البلدية في العام المقبل ثم تتوارى، بمعنى أن أهم مبرر للتطبيع مع الأسد لن يكون له الحضور الضاغط كما كان في الشهور الأخيرة الماضية.
بتصويت غالبيتهم لأردوغان، اختار الأتراك الاستقرار، وفضّلوه على تغيير لا يستحق المخاطرة. وقد ينسحب الاستقرار على الجبهة السورية، ما لم يكن لواشنطن رأي آخر. هذا ما يقوله حال اللاعبين الكبار في الساحة؛ فموسكو يكفيها انشغالها اليومي بورطتها الأوكرانية، وطهران مرتاحة لنفوذها على الأسد ولانشغال موسكو ولا تسعى إلى المزيد، وأنقرة لا تريد تغييرات كبيرة في التقاسم الحالي، إلا إذا لوّحت واشنطن بالانسحاب من سوريا، وهذا مستبعد في المدى القريب. استقرار ساحة الصراع السورية هو ما يسند مشروع توطين بهذه الضخامة، ويصعب التكهن بآثاره المستقبلية على الخريطة السورية ككل.
ومن المفهوم أن استقرار الجبهات، ووقف أعمال العنف، مطلبٌ لنسبة عظمى من السوريين الذين لم تعد لديهم طموحات تتعدى وقف استباحة دمائهم. لكن من الخطأ الركون إلى الاستقرار بوصفه مستداماً، وبصرف النظر عن المواقف الشخصية أو التنظيمية فإن تركيا هي الجار الأكبر، وأي تغيير ملحوظ في السياسات الخارجية التركية سيترك آثاره على الشأن السوري. ورغم فوز أردوغان بفارق خمس نقاط عن منافسه، وهو فارق جيد في اللعبة الديموقراطية، إلا أن نسبة الاقتراع الكبيرة جداً وتوزُّع الأصوات أشارا إلى رغبة الناخبين في التغيير، وقد يكون من أهم نواقص أوغلو عدم تلبيته حقاً التطلّع إلى التغيير.
في الواقع قد لا يتأخر استحقاق التغيير في الظهور، ففي جهة الخاسرين لا يسمح سنّ أوغلو بتجديد شبابه السياسي، وهو أخذ فرصته كاملة، ومن شبه المحتّم أن يُنحّى عن صدارة الحزب المعارض الأكبر، ربما لصالح أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول الحالي برمزيته كفائز في الانتخابات البلدية على مرشح حزب العدالة؛ جدير بالذكر أن أردوغان نفسه استهل مشوار زعامته برئاسة بلدية إسطنبول. أما في جهة حزب العدالة، فمن المتوقع أيضاً الشروع في تدبير مرحلة ما بعد أردوغان، ربما يكون ذلك بعد الانتخابات البلدية، وتحضير خلافة أردوغان لا بد أن يلحظ أمرين؛ افتقاد الكاريزما الشخصية الخاصة به ورغبة الناخبين في رؤية تغيير ملحوظ.
لن يكون لخليفة أردوغان الإرث نفسه مع الشأن السوري، ومن ذلك موضوع استضافة اللاجئين الذي استُخدم ضده في المواسم الانتخابية الماضية، ويصعب معرفة ما سيكون عليه موقف الزعيم الجديد لحزب العدالة، حتى إذا كان مدعوماً ومختاراً من قبَل سلفه. لكن، مهما كان القائد الجديد، سيتعين على المعارضة السورية المقيمة في تركيا التعاملَ مع التغييرات، وقد تكون هذه عمليةً شاقة لا بسبب التغيير في حزب العدالة الحاكم فقط، وإنما بسبب اعتياد المعارضة على نمط من القيادة التركية يعفيها من المبادرة، وحتى من التفكير.
نفترض في كل الأحوال ألا يقع حزب العدالة في مطب التوريث على صعيدي الشخص والنهج، لأن أي خلف سيكون أصلاً أمام تحدي إثبات استقلاليته وجدارته بعد نجاح سلفه في الهيمنة على الحياة السياسية التركية لعقدين. ونفترض تالياً أن على المعارضة السورية استيعاب أن أردوغان غير باقٍ إلى الأبد، بخلاف علاقة الجوار بين البلدين وتبعاتها. لقد فاز اللاجئون والمعارضة في الانتخابات التركية بالنجاة من تغيير دراماتيكي غير مستعدين له، ما يمنح فرصة زمنية لاستباق التغييرات المقبلة، ولمحاولة تخفيف أضرار ما قد يكون سلبياً منها.
لا يقتصر ذلك على المعارضين الواقعين تحت نفوذ أنقرة، فحتى الذين يعتبرون تركيا عدواً لهم “بصرف النظر عمّن يحكمها” مضطرون إلى التعامل مع حقائق الجغرافيا، ومع حقيقة أن التغيير في تركيا ضمن العملية الديموقراطية تقرره غالبية الأتراك لا أمنيات الأصدقاء أو الأعداء في الجوار. أما التفاعل مع الحياة السياسية التركية فيتطلب ديناميكية ومبادرة، فلا يقتصر على ردود الأفعال؛ إيجابية كانت أم سلبية. لقد حضر السوريون في الانتخابات الأخيرة كمشكلة “لاجئين عرب” و”إرهابيين كرد”، مع ما لذلك من أثمان مدفوعة أو كان من المرتقب دفعها. تغيير هذه الصورة النمطية لن يكون سهلاً من الآن حتى الانتخابات المقبلة، أما ترسيخها فمضمون باستسلام السوريين لها.
المدن
———————————
عن السلطنة التي اصبحت ديموقراطية/ ساطع نور الدين
اذا لم تكن تلك هي الديموقراطية الحقة، فما الذي يمكن ان توصف به التجربة الانتخابية النموذجية الفريدة التي خاضها الاتراك، ووضعوا بلادهم في مصاف الدول الغربية المتقدمة في ثقافتها السياسية، في ما يبدو انه تعبير عن توقٍ دفينٍ للانتماء الى ذلك الغرب الذي لطالما نبذهم، وأخرجهم مؤخرا من فردوسه الاطلسي، وتركهم في العراء..يتدبرون أمورهم على خطوط جبهات تلوح في أفقها اسلحة يوم القيامة النووية.
ديموقراطية فريدة، بدت وكأنها حصن الاتراك الوحيد في هذا العالم المتفجر بالصواريخ والمسيّرات التي تتطاير على مقربة من حدودهم الشمالية، وملاذهم، او ربما مخرجهم، من الاضطرابات التي تورطوا بها على حدودهم الجنوبية. كان التوجه الى مراكز الاقتراع ، أكثر من طقس سياسي، كان كرنفالاً شعبياً حاشداً لا مثيل له في أي بلد ديموقراطي، رسخ العصبية الوطنية التي تترفع على العصبيات القومية والطائفية التركية، وإعتمد السياسة بأرقى صورها، لحماية الدولة ومؤسساتها وصون المجتمع على اختلاف مكوناته.
هي أفضل انتخابات في تركيا الحديثة، ليس لأن الحزب الحاكم، حزب الرئيس الفائز، أو الحزب المعارض، الذي خسر الرئاسة والبرلمان صارا أكثر ديموقراطية وليبرالية، بل لأن الحزبين ومعهما بقية الاحزاب الحليفة، التزموا بميثاق عالمي قديم، ان تكون صناديق الاقتراع هي الممر الالزامي الوحيد للسلطة، الذي يسلكه الجميع، من دون أن تشوبه أي شائبة، ولا أي شكوى، ولا أي شك طبعا.
في تلك التجربة التي اختتمت بالامس بإرقام ونسبٍ وخطابات لا تختلف في شيء عما يجري في ارقى الديموقراطيات الغربية، ارتقت تركيا كدولة، وتطور مجتمعها ككيان متماسك، وسجل السلوك السياسي لشعبها واحداً من اهم الانجازات في التاريخ التركي. وهو ما تم في الوقت الذي تبدو فيه تركيا وكأنها بلاد مستوحدة، ليس لها مكان في أحلاف الغرب ولا في منظماته، وليس لها هامش واسع لتفادي نوبة جنون العظمة التي تصيب جارتها الشمالية، وليس لها أملٌ كبير في أن تستعيد مفاتيح بوابات جنوبها العربي، الذي كان طوال السنوات العشرين الماضية مجالها الحيوي، وبديلها العملي عن طموح اوروبي مستحيل.
بعد تلك التجربة، ستجمع تركيا، اكثر من أي وقت مضى، الكثير من هوياتها السابقة من دون ان ترسو على برٍ : لن تكون غربية ولا شرقية، ولا جسراً بين عالمين.. لن تكون اسلامية ولا علمانية.. ستكون ديموقراطية أكثر من ذي قبل، وهذا يكفي لضمان الاستقرار ، والتعامل بواقعية مع الزلازل، الطبيعية منها والمفتعلة، كدولة موحدة تستطيع ان تصمد في مواجهة مخاطر حرب عالمية شبه نووية، وتقدم نموذجاً جديداً قد يكون أوفر حظاً من النموذج الذي قدمته للعالمين العربي والاسلامي في العقدين الماضيين.
تحتاج تركيا في السنوات الخمس المقبلة الى الكثير من الحكمة، لكي تخرج من حرب أوكرانيا بلا أضرار جسيمة، وأن تخرج من سوريا بلا خسائر فادحة، بعدما كانت مطامحها في البلدين أكبر بكثير من إمكاناتها ومن الادوار التي اصطنعتها ، والتي فشلت في تحقيق أي مكاسب غير القدرة على الانكفاء، والافساح في المجال للاخرين بأن يعلنوا الهزيمة نصراً، وبان يرغبوا بمصالحة تركيا بشروطهم، وحسب مقتضيات المصلحة اليومية المجردة من الافكار الاستراتيجية التي لطالما كانت تغوي الاتراك.
لن تكون نتائج الانتخابات دافعا للمزيد من المغامرات في السياسة الخارجية التركية. فالسلطان الذي توجته صناديق الاقتراع، بالامس، والذي أدمن التفرد في السلطة، وظهر وحيداً فريداً في احتفالات النصر، سيكون مضطراً في سنواته الخمس الاخيرة في السلطة للبحث عن وريث أو شريك سواء من الحزب او حتى من الخارج، يكمل المسيرة، ويحد من آثار الازمة الاقتصادية التي تواجهها تركيا ، والتي تكاد تطيح بكل ما حققه السلطان والحزب في العقدين الماضيين، من منجزات نقلت الاتراك من حافة الفقر والانعزال، الى رحاب الثراء والنفوذ الممتد الى بلدان لم تبلغها السلطنة العثمانية في أيام عزّها.
المدن
—————————-
“سنشد على رقابكم”… إردوغان يفتتح ولايته الجديدة بتهديد المثليين!/ جو حمورة
طوال شهر كامل من الحملات الإعلامية والانتخابية، ركز إردوغان وحزبه على موضوع مجتمع الميم عين وتأييد أحزاب المعارضة لحقوقهم، وذلك من أجل كسب أصوات الأتراك المحافظين.
لطالما وصف الرئيس التركي مجتمع الميم عين بأبشع النعوت، إذ يسميهم أحياناً “سيئي السمعة” و”مدمّري العائلة”، ويحمّلهم مسؤولية إضعاف الأمة ويتهمهم بالعمل لمصلحة الغرب في أحيان أخرى. لم يتغيّر مضمون حديث رجب طيب إردوغان كثيراً في خطاب النصر بعد فوزه بالجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية. لا يزال الرجل على موقفه، ولا يفوّت فرصة لتعزيز الكراهية في المجتمع، حتى خلال كلمته التي شكر فيها من انتخبه، مشدداً على الوحدة في “أمة الـ85 مليون تركي”.
وقبل التوجّه إلى مقره في العاصمة أنقرة، خاطب إردوغان مناصريه في اسطنبول سائلاً: “حزب الشعب الجمهوري المعارض هذا، هل يؤيد مجتمع الميم عين؟” فأجاب الحشد الغاضب بـ”نعم”. ثم سأل، “وهل حزب الشعوب الديمقراطي (الكردي) هذا مؤيد لمجتمع الميم عين؟”، فأجاب الحشد الساخط بـ”نعم”. وبذلك انتهى إردوغان بالقول، “حتى الصغار من هؤلاء الأحزاب يؤيدونهم، لكن اعلموا أن مجتمع الميم عين لا يمكنه أبداً التسلل إلى حزبنا أو أن يحكم أمتنا”.
يتعامل إردوغان مع أفراد الميم عين بقسوة وإجحاف، رافضاً الاعتراف بأبسط حقوقهم وانخراطهم في المجتمع والعمل.
في مرحلة سابقة، عندما نظم أفراد مجتمع الميم عين تظاهرات مطلبية تندد بالعنف ضدهم، كانت الشرطة التركية “تداوي العنف بالمزيد من العنف”. هذه السياسة “الإردوغانية” مردها إلى الفِكر المحافِظ الذي يؤمن به، إذ لا يستطيع رؤية الفرد، بعيداً من فرائض العقائد الإسلامية والمحافِظة.
بالعودة إلى ليلة النصر “الإردوغاني”، تابع الرجل خطابه المحرض على الكراهية قائلاً: “بالنسبة إلينا، لا نقبل أن يهين أي أحد العائلة والقيم العائلية… سوف نقوم بكل ما وعدنا أمتنا به، وسنشد على رقاب هؤلاء”، وفي ذلك تهديد واضح بالعنف أطلقه إردوغان أمام آلاف المناصرين المزهوين بالرئيس ووعده. ثم أكمل خطابه: “فلتسمع كل أحياء إسطنبول ذلك”.
يتعامل إردوغان مع أفراد الميم عين بقسوة وإجحاف، رافضاً الاعتراف بأبسط حقوقهم وانخراطهم في المجتمع والعمل.
في السنوات الأخيرة، أصبح حضور مجتمع الميم عين أكثر علانية في تركيا، وبخاصة في المدن الكبرى وتحديداً إسطنبول، المدينة الميتروبوليتية والتعددية، وهو ما قوبل بخطاب كراهية وتحريض، إضافة إلى استخدام الشرطة العنف لـ”مكافحتهم”، إلى جانب حملات التشهير التي يتعرض لها أفراد مجتمع الميم عين على الإعلام الرسمي والحزبي الموالي، والتسويق الدائم لـ”انحلالهم الأخلاقي” وبُعدهم من الدين والقيم العائلية التركية وتراث البلاد.
بعد ساعتين من خطابه في اسطنبول، حط إردوغان في أنقرة ليخطب في جماهير العاصمة. في ذلك الوقت، كان الإعلام التركي المعارض يقر بهزيمته الانتخابية، كما يستنكر هذه العدائية ضد مجتمع الميم عين ولا يرى ضرورة للحض على العنف في مثل هذا اليوم، على حد قول الصحافي التركي مصطفى كورداش.
في أنقرة، بدا خطاب إردوغان أكثر هدوءاً. لم يسمِ مجتمع الميم عين كما فعل في إسطنبول، لكنه شدد على “أهمية القيم العائلية ومنع الأحزاب التي تحمل أفكاراً غريبة وغربية من قيادة مجتمعنا”. في هذا الخطاب، تذكير بما قاله في إسطنبول، وطيلة حملته الانتخابية، كما وَعَد بأن “التيارات المنحرفة أخلاقياً، لن تنجح يوماً في حكم أمتنا”.
طوال شهر كامل من الحملات الإعلامية والانتخابية، ركز إردوغان وحزبه على موضوع مجتمع الميم عين وتأييد أحزاب المعارضة لحقوقهم، وذلك من أجل كسب أصوات الأتراك المحافظين. أما المعارضة وأحزابها، فركزت على موضوع اللجوء السوري بوصفه “ضعفاً” يعتري سياسة إردوغان، وذلك من أجل حشد أصوات القوميين. في نهاية الأمر، تحوّل اللاجئون كما مجتمع الميم عين إلى أدوات إعلامية وسياسية للمواجهة، من دون أن يكترث أي من إردوغان أو كيليجدار أوغلو لحقوقهم وأوضاعهم بأي شكل من الأشكال.
مع فوز إردوغان بولاية رئاسية جديدة تدوم حتى عام 2028، لن تكون السنوات الخمس المقبلة سهلة على الأتراك. إن رجلاً تسيّد الحكم طوال عقدين من الزمن، وأقصى كل من حاول مواجهته، لا شيء يمنعه من التشدد مع أفراد الميم عين أو غيرهم من المجموعات المهمّشة، بخاصة أن النظام السياسي في تركيا يُعطي صلاحيات شبه مطلقة لرئيس الجمهورية، تمكّنه تقريباً من فعل كل ما يريده و”الشدّ على رقاب” الجميع.
درج
————————
ملاحظات “نيويورك تايمز” على انتخابات تركيا
كتب رئيس مكتب “نيويورك تايمز” (New York Times) في إسطنبول بن هابرد أن إعادة انتخاب الرئيس رجب طيب أردوغان تمنحه 5 سنوات أخرى لتعميق بصمته المحافظة على المجتمع التركي، وتحقيق طموحه في تعزيز القوة الاقتصادية والجيوسياسية للبلاد.
ويرى أن حلفاء تركيا في حلف شمال الأطلسي (ناتو) -الذين غالبا ما اعتبروا أردوغان شريكا محبطا بسبب خطابه المعادي للغرب وعلاقاته الوثيقة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين- تابعوا الانتخابات عن كثب.
ولفت تقرير الصحيفة الأميركية إلى أن أردوغان لم يعط أي مؤشر على أنه يخطط لتغيير سياساته الخارجية، ولخص أهم ملاحظاته على هذه الانتخابات في النقاط التالية:
أولا: الأزمات أضرت بأردوغان لكنها لم تكسره. فقد كانت الانتخابات الأكثر تحديا له منذ 20 عاما كأبرز سياسي في تركيا وكرئيس للوزراء منذ عام 2003 ورئيس للبلاد منذ عام 2014. ومع ذلك انتصر بفضل الدعم القوي من قطاع كبير من السكان وبفضل مهاراته كمناضل.
وأضاف الكاتب أن الأتراك المتدينين الذين يقدرون توسيعه لدور الإسلام في الحياة العامة، وحتى الكثير من الغاضبين من التضخم، قالوا إنهم لا يثقون في أن المعارضة يمكن أن تحكم بشكل أفضل.
ثانيا: الزلزال الذي ضرب البلاد مؤخرا لم يؤثر كثيرا على الانتخابات. فقد تقلد أردوغان السلطة قبل 20 عاما وسط غضب من استجابة الحكومة “الكارثية” لزلزال ضرب منطقة قريبة من إسطنبول عام 1999 أسفر عن مقتل أكثر من 17 ألف شخص.
وتوقع الكثيرون أن يضر زلزال هذا العام بمكانة أردوغان أيضا، لكن ليس هناك ما يشير لذلك.
ثالثا: تحذيرات الإرهاب لقيت صدى لدى الناخبين. فقد قوض أردوغان المعارضة بتصوير قادتها على أنهم ضعفاء وغير مؤهلين. وكان يحتج دائما بأنهم سيكونون متساهلين مع الإرهاب. وصدقه العديد من الناخبين وأعربوا عن عدم ثقتهم في المعارضة للحفاظ على أمن البلاد.
رابعا: التصويت كان حرا لكن لم تتساو الفرص. فلم يبلغ المراقبون الدوليون عن أي مشاكل واسعة النطاق في عملية جمع الأصوات وعدها، معتبرين أن العملية كانت حرة. لكنهم -حسب الكاتب- لاحظوا المزايا الهائلة التي كان يتمتع بها أردوغان قبل بدء التصويت، بما في ذلك قدرته على إطلاق مبادرات للإنفاق الحكومي بمليارات الدولارات سعيا لتعويض الآثار السلبية للتضخم والضغوط الاقتصادية الأخرى.
المصدر : نيويورك تايمز
———————————-
ماذا بعد فوز أردوغان بالرئاسة التركية؟/ عمر اونهون
مهاراته السياسية وقدرة حزبه على الحشد والتنظيم عوامل رئيسة للفوز في الانتخابات
انتهت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا أخيرا. وانتُخب رجب طيب أردوغان رئيسا للبلاد، للمرة الثالثة، وأصبح للبلد برلمان جديد.
لم يتمكن أي من المرشحين الأربعة في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي جرت في 14 مايو/أيار الحالي من اجتياز عتبة 50 في المئة+1.
وكانت النسب وعدد الأصوات التي حصل عليها المرشحون في الجولة الأولى في 14 مايو/أيار كما يلي:
رجب طيب أردوغان: 49.52 في المئة (27.133.849 صوتا).كمال كليشدار أوغلو: 44.88 في المئة (24.595.178 صوتا).سنان اوغان: 5.27 في المئة (2.831.239 صوتا).محرم إنجه: 0.43 في المئة (235.783 صوتا).
وقد تأهل رجب طيب أردوغان وكمال كليشدار أوغلو، بصفتهما المرشحين الأوفر حظا في الفوز، إلى الجولة الثانية.وفيما يلي النسب المئوية وعدد الأصوات التي حصل عليها المرشحون في الجولة الثانية التي جرت في 28 مايو/أيار (مع فتح 99.9 في المئة من صناديق الاقتراع):
رجب طيب أردوغان: 52.16 في المئة (27.725.131 صوتا).كمال كليشدار أوغلو: 47.84 في المئة (25.432.951 صوتا).
وقد أخفق أردوغان في الفوز في الجولة الأولى بفارق ضئيل جدا بلغ 0.48 في المئة، ولكنه فاز بفارق 4 في المئة من الأصوات في الجولة الثانية.
وسيطر أردوغان على السياسة التركية على مدار الـ22 عاما الماضية. وهو يتمتع بشعبية كبيرة بشكل خاص في الريف وبين الأشخاص الذين هاجروا إلى المدن الكبرى، حيث يرونه كواحد منهم، كما يعتبر وسط الأناضول والبحر الأسود خزّاني أصواته.
ودخل أردوغان وحزب العدالة والتنمية الانتخابات وهما يواجهان عدة عوائق، فالأزمة الاقتصادية الخطيرة، والزلزال المدمر الذي حدث في 6 فبراير/شباط الماضي، والاتهامات بالفساد والصفقات غير المشروعة، والفضائح المتعلقة بأوساط حزب العدالة والتنمية، بما في ذلك أردوغان ووزراء حزب العدالة والتنمية، كل ذلك ترك بصمته على حملة الانتخابات.
لكن أردوغان نجح في وضع القضايا الأمنية في صدارة الحملة الانتخابية ودفع بالاقتصاد إلى الخلف. واستطاع إقناع الموالين له بأنه على الرغم من وجود مشاكل في الاقتصاد، إلا أنه سيصلح الأمور إذا أعيد انتخابه. كما تمكن من التأثير على الناجين من الزلزال بتعهداته بإعادة الإعمار، وتمكن من الحفاظ على أصواته حتى في المناطق الأكثر تضررا من الزلزال بخسائر قليلة نسبيا. أما أنصاره فتجاهلوا مزاعم الفساد.
وكانت مهارات أردوغان السياسية وقدرة حزبه على الحشد والتنظيم عوامل رئيسة أدت به إلى الفوز في الانتخابات، لكن المحاباة الهائلة لصالح أردوغان طوال الحملة الانتخابية لا يمكن تجاهلها أيضا. فالمعسكر الذي يقوده أردوغان يتمتع بسيطرة مطلقة على معظم وسائل الإعلام في تركيا. إذ إنه كان يظهر طوال الحملة الانتخابية على التلفزيون عدة مرات في اليوم الواحد للمشاركة في الافتتاحات والبرامج المباشرة والتجمعات وغيرها. كما كان يظهر في مقابلات مباشرة على أكثر من 20 قناة تلفزيونية في وقت واحد. كما استخدم أردوغان امتيازات الرئاسة وموارد الدولة على أكمل وجه طوال الحملة.
أما بالنسبة لتحالف الأمة، فقد نجح كليشدار أوغلو في جمع ستة أحزاب مختلفة والحفاظ على وحدتها. وقاد حملة نشطة وواصل الهجوم، لكنه لم يتمكن من تحطيم وحدة مؤيدي أردوغان أو جذب الناخبين القوميين/المحافظين بالقدر الذي كان يهدف إليه.
وتمكن تحالف آتا، المعروف باسم الطريق الثالث في الانتخابات من جذب القوميين والكماليين والناخبين المناهضين للاجئين والناخبين الشباب الذين لم يكونوا راضين عن حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية فبحثوا عن توجه آخر. وفي الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية صوت هؤلاء لصالح سنان أوغان الذي حصل على 5.28 في المئة (2.796.613 صوتا). وفي الجولة الثانية، تفكك تحالف آتا، وانضم أوغان إلى أردوغان، أما حزب النصر، المكون الرئيس لتحالف آتا، وباقي المكونات الأخرى فدعموا كليشدار أوغلو.
لعبت القومية دورا هاما في هذه الانتخابات وستظل مهمة جدا في الفترة المقبلة. وانفصلت جميع الأحزاب القومية في المسرح السياسي، مثل الحزب الخيّر، وحزب النصر، وغيرهما، سابقا عن حزب الحركة القومية الرائد في مجال القومية. والسبب الرئيس لانفصالهم عن حزب الحركة القومية كان تعاونه مع حزب العدالة والتنمية أو بالأحرى، سيطرة أردوغان وحزب العدالة والتنمية عليه. وسنرى إذا كانت هذه الأحزاب ستتقدم في شكلها الحالي، وتشكل تحالفات جديدة بينها، أم تعود إلى حزبها الأصلي، على أمل تغييره.
وخاض حزب الشعوب الديمقراطي الذي يهيمن عليه الأكراد الانتخابات مع حزب اليسار الأخضر لتجنب أي حظر أو حلّ محتمل. وتأخر أداء حزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات في الجولة الأولى عن التوقعات، لكنه مع ذلك استطاع الحصول على 4.803.218 صوتا (8.86 في المئة)، وإيصال 61 نائبا إلى البرلمان. لم يقدم حزب الشعوب الديمقراطي مرشحا للرئاسة، وأدلى ناخبوه بأصواتهم بكثافة لصالح كليشدار أوغلو. وأعلن الحزب دعمه لكليشدار أوغلو في الجولة الثانية. لكن بعض ناخبي حزب الشعوب الديمقراطي لم يذهبوا إلى صناديق الاقتراع في الجولة الثانية، على الأرجح احتجاجا على اتفاق حزب الشعب الجمهوري والحزب الوطني الذي يحتوي على عناصر اعتبروها معادية.
في الفترة التي سبقت الجولة الثانية، قام كليشدار أوغلو بمراجعة سياساته وإجراء تعديلات عليها. ونظرا لأن كليشدار أوغلو تمكن من حشد دعم تحالف آتا وما يسمى بالقوميين المتطرفين، وضع سياسات الأمن وعودة السوريين في صلب حملته الانتخابية.
شكّل السوريون في تركيا علامة فارقة في الانتخابات بعد الجولة الثانية حيث وضع الحزب الوطني شروطه لدعمه للسياسات المتعلقة باللاجئين. وكان أحد البنود السبعة في الاتفاقية الموقعة بين حزب الشعب الجمهوري والحزب الوطني الالتزام بإعادة السوريين في غضون عام واحد.
وفي ظل هذه الخلفية، هدف المرشحان إلى الحصول على دعم مجموعة من 12 مليون صوت، بما في ذلك 8.3 مليون ناخب مؤهل لم يصوتوا في الجولة الأولى و2.7 مليون شخص صوتوا لسنان أوغان في الجولة الأولى، والذين أمل كلا المرشحين في الاستفادة منهم. وتظهر النتائج أنه على الرغم من زيادة أصوات كليشدار أوغلو، كان أردوغان هو المستفيد الاول.
نتائج الانتخابات النيابية:
دخلت الأحزاب التي لم تواجه مشكلة في تجاوز العتبة الوطنية البالغة 7 في المئة الانتخابات وهي تحمل شعاراتها الخاصة. ودخلت الأحزاب التي عرفت أو اعتقدت أنها لن تستطيع الوصول إلى العتبة الوطنية بمفردها الانتخابات كجزء من التحالفات. (تحالف الأمة وتحالف الشعب وتحالف العمل والحرية وتحالف آتا).
يضم تحالف الأمة: حزب الشعب الجمهوري، والحزب الديمقراطي، وحزب الديمقراطية والتقدم، وحزب المستقبل، والحزب الجيد، وحزب السعادة، وحزب التغيير في تركيا.
ويتألف تحالف الشعب من: حزب العدالة والتنمية، وحزب الوحدة الكبرى، وحزب العمل القومي، وحزب الرفاه الجديد، وحزب القضية الحرة، وحزب اليسار الديمقراطي.
النتائج غير الرسمية للانتخابات النيابية التي جرت للحصول على 600 مقعد
جاءت نتائج الانتخابات على النحو الآتي:
عدد النواب في البرلمان الجديد:
حزب العدالة والتنمية: 268
حزب الشعب الجمهوري: 169
حزب اليسار الاخضر: 61
حزب الحركة القومية: 50
الحزب الخيّر: 43
حزب الرفاه الجديد: 5
حزب العمال التركي: 4
تحالف الشعب: 323
تحالف الأمة: 212
آخرون: 65
وفيما يلي عدد نواب الأحزاب السياسية الذين دخلوا الانتخابات في إطار تحالفات بشعاراتها الخاصة أو من قوائم الأحزاب السياسية الأخرى:
حزب التقدم والديمقراطية: 15 (انتخبوا من قائمة حزب الشعب الجمهوري)
حزب المستقبل: 10(انتخبوا من قائمة حزب الشعب الجمهوري)
حزب السعادة: 10 (انتخبوا من قائمة حزب الشعب الجمهوري)
الحزب الديمقراطي: 3 (انتخبوا من قائمة حزب الشعب الجمهوري)
حزب الشعوب الديمقراطي: 1 (انتخب من قائمة حزب الشعب الجمهوري)
حزب هدى بار (الدعوة الحرة): 4 (انتخبوا من قائمة حزب العدالة والتنمية)
حزب اليسار الديمقراطي: 1 (انتخب من قائمة حزب العدالة والتنمية)
حزب الشعوب الديمقراطي: 59 (انتخبوا من قائمة GLP).
ملاحظات عن البرلمان الجديد:
كانت التوقعات في بداية العملية الانتخابية تشير إلى أن حزب العدالة والتنمية سيفقد الأغلبية التي يتمتع بها في البرلمان. لكن النتائج كانت مخيبة للآمال بالنسبة لتحالف الأمة، حيث فاز حزب العدالة والتنمية مرة أخرى بأغلبية المقاعد، على الرغم من تراجع نسبة الأصوات وعدد النواب مقارنة بانتخابات عام 2018.
وفاز في الانتخابات البرلمانية 15 حزبا من بينها 11 ينتمون إلى الجناح اليميني، القومي/ المحافظ. ولن يكون قادة الأحزاب الستة الأعضاء في تحالف الأمة في البرلمان، إذ كانوا من المفترض أن يصبحوا نوابا للرئيس، ولهذا السبب لم يرشحوا أنفسهم لعضوية البرلمان.
ولا يسمح تشكيل البرلمان الجديد لأي حزب أو تحالف بتغيير الدستور بمفرده. لذلك، ومن أجل تحقيق نصاب ثلثي النواب المطلوب لتعديل الدستور- أي (400) نائب، أو نصاب ثلاثة أخماس المجلس لإحالة التعديلات المقترحة للاستفتاء- أي (360) نائبا، فإنه من المرجح ترتيب تعاونات جديدة وشراكات وتبادلات بين الأحزاب.
إلى ذلك، بلغ عدد السيدات اللواتي فزن بعضوية البرلمان 121 سيدة، وهو أعلى تمثيل للنساء في تاريخ البرلمان. حيث انتُخبت 50 سيدة من حزب العدالة والتنمية، و30 سيدة من حزب الشعب الجمهوري، و30 سيدة من حزب اليسار الأخضر، و6 نساء من الحزب الجيد، و4 نساء من حزب الحركة القومية، وواحدة من حزب العمال التركي.
كيف سيتشكل المشهد السياسي الآن؟
حصل أردوغان على 27.7 مليون صوت، لكن خصومه حصلوا أيضا على ما يقرب من 25.4 مليون صوت؛ فالمجتمع التركي منقسم بشدة، وكان على الرئيس الجديد أن يحتضن الجميع بشكل مثالي، إلا أن أردوغان لم يفعل ذلك. ففي الليلة التي فاز فيها، ألقى خطابا أمام أنصاره الذين تجمعوا أمامه يلوحون بأعلامهم ووصف خصومه بأنهم مؤيدون لحقوق “مجتمع الميم” وداعمون للمنظمات الإرهابية، كما دفع الجماهير أيضا نحو السخرية من منافسه كليشدار أوغلو. فإذا كانت هذه هي طريقة حكم أردوغان، فسيواجه الأتراك فترة توتر شديد في المستقبل. وسيتعين على الأطراف الخاسرة مواجهة حساباتها الداخلية وتسوية أمورها.
وصرح كليشدار أوغلو بأنه سيواصل نضاله، ولكن فرصه في الاستمرار في قيادة حزبه باتت ضئيلة للغاية بعد أن خسر عشر مرات أو نحو ذلك منذ أن أصبح قائدا لحزبه منذ 13 عاما. أما الحزب الجيد فسيعقد مؤتمره العادي الثالث في نهاية شهر يونيو/حزيران المقبل. ومن المرجح جدا أن تواجه زعيمته الوحيدة ميرال أكشينار تحديات كبيرة.
ويعتبر الاقتصاد قنبلة موقوتة يشعر بها جميع المواطنين في حياتهم اليومية. إذ يعاني الناس من ضغوط شديدة بسبب التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة. أما احتياطي المصرف المركزي فمنخفض جدا، ولهذا، فإن علينا أن ننتظر لنرى ما إذا كانت نتائج الانتخابات ستساهم في بناء الثقة الدولية. وصرح أردوغان في خطاب النصر أنه تمكن من التغلب على الصعوبات الاقتصادية في الماضي وسيفعل ذلك مرة أخرى.
وسيشكل أردوغان الحكومة الجديدة في غضون أيام قليلة. ونجح جميع وزراء حكومته السابقة في الانتخابات البرلمانية، باستثناء اثنين منهم تركا الحياة السياسية. وهناك أقاويل بأن بعضهم سيعودون كوزراء في الحكومة الجديدة، كوزراء شؤون الخارجية والداخلية والدفاع.
أما الحدث الرئيس القادم فهو الانتخابات البلدية في مارس/آذار 2024. حيث سيكافح أردوغان بقوة لاستعادة إسطنبول وأنقرة والمدن الكبرى الأخرى التي خسرها في الانتخابات البلدية عام 2019. وستشكل هذه الانتخابات أيضا فرصة للمعارضة لتوجيه ضربة لأردوغان.
سياسة تركيا تجاه الشرق الأوسط بعد الانتخابات
يعتبر الرئيس أردوغان أن الشرق الأوسط منطقة تتشارك مع تركيا الدين والثقافة والتاريخ. وتستند سياسته تجاه الشرق الأوسط إلى مزيج من المشاعر الدينية والتاريخية والآيديولوجية، بالإضافة إلى المصالح التجارية والمالية.
ومرت علاقات أردوغان بالدول العربية بمراحل مختلفة. وكان العصر الذهبي بين عامي 2002-2013، حيث أنشئت مجالس استراتيجية ثنائية بين تركيا وكثير من الدول العربية، وازدهرت العلاقات السياسية والاقتصادية.
إلا أن التطورات خلال فترة الربيع العربي أدت إلى توتر بين تركيا وبعض الدول العربية. إذ ردت تركيا بحدة على ما حدث في مصر عام 2013، وتورطت أنقرة في الخلافات العربية، وانحازت إلى الإسلاميين وقطر. كما تدهورت علاقاتها مع السعودية والإمارات والكويت ومصر وغيرها بشكل حاد.
وفي عام 2021، انضمت تركيا أيضا إلى قافلة إعادة العلاقات في المنطقة، وآتت جهودها، إلى حد كبير، بثمارها. ففي عام 2022، كانت تركيا نقطة جذب رئيسة للسائحين العرب، حيث زارها 5.3 مليون سائح. وبلغ حجم التبادل التجاري بين تركيا والدول العربية 43.5 مليار دولار. ونشطت شركات البناء التركية مرة أخرى في المنطقة.
وتواجه تركيا أزمة اقتصادية بما فيها نقص العملات الأجنبية. وكانت إحدى طرق التغلب على هذه المشكلة هي محاولة جذب تدفقات العملات الأجنبية من منطقة الخليج. ويذكر أن تركيا وقعت اتفاقيات تبادل بقيمة 28 مليار دولار مع عدة دول من بينها الإمارات وقطر والصين وكوريا الجنوبية.
وقال الرئيس أردوغان في بث تلفزيوني مباشر قبل يومين إن “بعض الدول الخليجية ودولا أخرى أودعت أموالا في النظام (التركي) ساهمت حتما في تخفيف الضغط عن المصرف المركزي التركي والسوق، ولو لفترة قصيرة. ولم يذكر أردوغان الدول الخليجية التي كان يشير إليها، لكنه قال إنه سيزورها بعد الانتخابات للتعبير عن امتنانه.
وستظل سوريا ملفا رئيسا، حيث سيتعين على الحكومة التعامل مع عدة قضايا في وقت واحد. وتعتبر عودة اللاجئين السوريين ووجود قوات وحدات حماية الشعب (YPG) من القضايا الرئيسة فيما يتعلق بسوريا. كما ستكون قضية المياه ووجود القوات التركية في سوريا من القضايا التي يجب حلها أيضا. وسيتعين على أردوغان التعامل مع الأسد الذي استعاد مقعده في جامعة الدول العربية.
ووصل التقارب الأخير بين تركيا ومصر إلى نقطة التقاء رئيسي البلدين وارتفاع العلاقات الدبلوماسية إلى مستوى السفراء. وكانت تركيا أقامت علاقات تعاون استراتيجي عام 2007 مع جامعة الدول العربية، ومجلس التعاون الخليجي، لكن هذه العلاقات توقفت بعد عام 2013. وسيكون إحياء هذه العلاقات مع هاتين المنظمتين الإقليميتين على جدول الأعمال.
وتوفر تركيا جزءا من احتياجاتها من الطاقة من الشرق الأوسط. إذ تأتي 22 في المئة من وارداتها النفطية من العراق و12.56 في المئة من واردات الغاز الطبيعي من الجزائر. كما أنها بدأت مؤخرا تشتري الغاز الطبيعي المسال من مصر. إلا أن تركيا لم تعد تعتمد على المنطقة كما كانت في وقت سابق، إذ باتت توفر الجزء الأكبر من احتياجاتها من الطاقة من روسيا وإيران وآسيا الوسطى وأذربيجان.
لكن تركيا تحتل موقعا يمكّنها من أن تكون لاعبا رئيسا في نقل الطاقة من خلال تقديم بديل ملائم من حيث التكلفة والمسافة. ويعتبر الاتصال بالأسواق العالمية من خلال خط أنابيب كركوك-جيهان، وتمديد خط الأنابيب العربي، ونقل غاز شرق البحر الأبيض المتوسط ومصر بعض الفرص الرئيسة في هذا الصدد.
——————————————-
تركيا في مهب رياح اقتصادية عاتية/ خالد القصار
ماذا عن التضخم والليرة وهل يحقق أردوغان معجزة جديدة
صبيحة السادس من فبراير/شباط 2023، وعلى وقع كارثة الزلزال التي ألمت بإحدى عشرة مدينة تركية تمثل 16,4 في المئة من سكان تركيا و9,4 في المئة من اقتصادها، وخلفت عشرات آلاف الضحايا، عدا الدمار الهائل مدنيا واقتصاديا، راهن كثرٌ من الأتراك والعالم أن تلك الكارثة كفيلة أن تنهي حكما استمر لأكثر من 20 عاما. وكان زلزال إزميت عام 1999، قد مهد لقيام هذا الحكم، نظرا الى فشل الإدارة الاقتصادية آنذاك في التعامل مع أزمة كبيرة أدت إلى تدهور الليرة وسوق الأسهم، وظن كثيرون أنه سيزول على وقع زلزال فبراير/شباط المنصرم في ظل الظروف نفسها.
رجب طيب أردوغان، الشخصية المميزة ذات الكاريزما العالية، الواثقة بمكانتها ورسوخ عقيدتها في نفوس أكثر من نصف الأتراك، ها هو يثبت قدميه لخمس سنوات رئاسية جديدة ممتدة منذ عام 2014، بعدما شغل سابقا منصب رئيس مجلس الوزراء من عام 2003 الى عام 2014، وقبلها رئيسا لبلدية اسطنبول عام 1994 لأربع سنين.
يكاد الرئيس الفائز، يكون المتفائل الوحيد في قدرته على إخراج تركيا من مأزقها الاقتصادي الحالي، في وقت تجتاح السوداويةُ غير المسبوقة معظم التحليلات الاقتصادية، ولا تقف عند شخص الفائز بالحكم.
من الازدهار الى الانهيار؟
قبل عرض الوقائع والتوقعات عن المستقبل الاقتصادي لتركيا، من المفيد فهم ماهية الاقتصاد التركي والمراحل التي مر بها خلال عقدين من الزمن. يحتل الاقتصاد التركي المرتبة 19 بين أقوى اقتصادات العالم بناتج محلي إجمالي وصل إلى نحو 900 مليار دولار في 2022، محققا نموا بلغ 5,6 في المئة في العام نفسه بحسب تقديرات البنك الدولي.
وعلى الرغم من أن البعض يُرجع هذا النمو إلى اجراءات اقتصادية وهمية اتخذتها الحكومة لرفد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لصالح أردوغان، وهو الذي اعتدّ بالرخاء الذي حققه في البلاد مع ارتفاع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من نحو 3600 دولار عام 2002 إلى 10,650 دولارا حاليا (كما توقع أن يصل إلى 15 ألف دولار في الأشهر المقبلة كما قال لـ “سي. إن. إن” في 19 مايو/أيار الجاري اثر جولة الانتخابات الأولى)، إلا أن هذا النجاح الاقتصادي اعتمد بشكل كبير على الاندماج في الأسواق الأوروبية التي افادت من دور تركيا كبلد رخيص للعمالة المتخصصة بالصناعات الموجهة الى تلك هذه الأسواق.
وكانت تركيا تبنت إصلاحات طموحة وسجلت معدلات نمو عالية ما بين عامي 2006 و2017 تخطى الـ7 في المئة، أي بعد أربعة أعوام من انطلاق حكم أردوغان وتأسيسه “حزب العدالة والتنمية”، وساهمت تلك الاصلاحات في رفع مستويات الدخل في البلاد وخفض التضخم والفقر الى النصف تقريبا، فوصلت نسبة من يعيشون على أقل من 6,85 دولارات في اليوم إلى 9,8 في المئة فقط ما بين عامي 2006 و2020. إلا أن زخم الإصلاح تباطأ خلال العقد الماضي لتنخفض معه الانتاجية في البلاد ولتتحول تلك الجهود الى موجات عدة من الاقتراض بالعملات الأجنبية لتمويل عجز الحساب الجاري وتحفيز الطلب، فتخلخلت أسس الاقتصاد التركي داخليا وخارجيا مع تنامي مواطن الضعف، وتفاقمت ديون القطاع الخاص، وكذلك العجز المتراكم في الحساب الجاري، وزاد التضخم، وارتفعت البطالة نتيجة عدم الاستقرار المالي منذ أغسطس/آب 2018.
مع ترقب نتائج جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية في #تركيا بين #أردوغان و #أوغلو اليوم الأحد.. #البنك_الدولي الأكثر تفاؤلاً بنمو الاقتصاد التركي العام الجاري#اقتصاد_الشرق pic.twitter.com/m0ZI2sq9XE
— Asharq Business اقتصاد الشرق (@AsharqBusiness) May 28, 2023
وعلى الرغم من النمو الذي حققه الاقتصاد التركي في عام 2022، إلا أن السياسات النقدية غير التقليدية التي اعتمدها أردوغان، زادت الاقتصاد اضطرابا وضعفا، بحيث لا يمكن الإنفاق الاقتصادي والاجتماعي الكبير الذي سبق الانتخابات أن يعوضه، ولا جهود إعادة الإعمار لتعويض خسائر قدرت بـ 34 مليار دولار استنادا إلى البنك الدولي، الذي يتوقع أن يصبح الرقم مضاعفا، مع نمو اقتصادي لا يتخطى 3,2 في المئة في 2023 و4,3 في المئة في 2024.
تحسن الاستثمار الأجنبي بشكل ملحوظ في السنوات الأولى لحكم أردوغان، مما أفضى إلى نمو اقتصادي سنوي بلغ 7 في المئة في المتوسط بين 2002 و2007، ليزدهر الاقتصاد مجددا بعد الأزمة المالية العالمية في 2008 و2009، وتراجع الفوائد على إثرها مما دفع بالمستثمرين إلى الاقتراض واستثمار الأموال في أسواق ناشئة مثل تركيا بحثا عن عوائد مجزية، لكن بعد ذلك تميز العقدان السابقان بهروب الرساميل الأجنبية من البلاد.
شكل عام 2013 الذي بلغ فيه الناتج المحلي الإجمالي ذروته عند 957 مليار دولار، نقطة تحول لهؤلاء المستثمرين الذين بدأوا بالانسحاب من الأسواق الناشئة، ومنها تركيا، تبعا لتشديد الاحتياطي الفيديرالي سياسته النقدية. ولم تعد الرساميل إلى تركيا منذ ذلك الحين خصوصا بعد تحول الحكم في 2017 إلى ما يشبه حكم الحزب الواحد، وحصر معظم السلطات في يد أردوغان، وتقليص استقلالية المؤسسات الناظمة وفاعليتها، مما زاد تآكل ثقة المستثمرين. فانخفضت الملكية الأجنبية للأسهم والسندات الحكومية التركية وفقا للـ”إيكونوميست” من نحو 64 في المئة و25 في المئة على التوالي قبل خمس سنوات فقط، إلى 29 في المئة و1 في المئة على التوالي حاليا، وعمد المستثمرون الى سحب أكثر من 7 مليارات دولار من سوق الأسهم التركية، بحسب موقع “ذا كونفيرزايشن” (The Conversation). لعل ذلك يمثل أبرز مؤشر الى الأخطار الجمة التي تحيط بالاقتصاد التركي وعدم الاستقرار النقدي والمالي الذي طغى في السنوات الأخيرة ويكاد يقضي على جاذبية الاقتصاد للاستثمار في البلاد.
أما الأتراك القلقون من المستقبل السياسي لبلادهم ، فتراهم في البازار الكبير في اسطنبول أو في شارع أنافارتالار في أنقرة، يخزنون الذهب بكميات قياسية.
استمرار العهد بتكلفة 177 مليار دولار
ليس صعبا استشراف آفاق الاقتصاد التركي في مرحلة ما بعد الانتخابات مع استمرار حكم أردوغان، وهو الذي دافع بثقة في مقابلة مع الـ”سي. إن. إن” عن سياسة خفض الفائدة للجم التضخم، باعتباره “خبيرا اقتصاديا” على حد قوله، وعلى الرغم من عدم نفيه التوجه لتغيير في السياسة الاقتصادية. فمن المرجح استمراره في سياساته النقدية التي لا تحاكي المعادلات الاقتصادية الكلاسيكية المتعارف عليها عالميا، والتي أدت الى أن تفقد العملة التركية 80 في المئة من قيمتها حتى الآن، 40 في المئة منها في عام واحد، لتصل الى أكثر من 20 ليرة للدولار الواحد، وهذه هي المرة الأولى التي تسجل فيها الليرة التركية هذا المستوى المنخفض في مقابل الدولار، مع عدم وجود سقف منظور لتدهور العملة، خصوصا مع استنفاد احتياطات العملة الأجنبية في دعم الليرة، حيث لم تعد تتخطى الـ61 مليار دولار في أبريل/نيسان الماضي وفقا للمصرف المركزي التركي، في وقت أظهرت بيانات رسمية أن صافي احتياطات النقد الأجنبي للبنك المركزي التركي انخفض إلى المنطقة السلبية للمرة الأولى منذ عام 2002، ليبلغ (151,3-) مليون دولار في 19 مايو/أيار الجاري بحسب “رويترز”.
العملة التركية تراجعت خلال تعاملات اليوم الجمعة قرب أدنى مستوى على الإطلاق أمام نظيرتها الأميركية عند 20 ليرة لكل دولار، قبيل الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في #تركيا والمزمع عقدها يوم الأحد
1/2#اقتصاد_الشرق pic.twitter.com/9LHrWsHLjC
— Asharq Business اقتصاد الشرق (@AsharqBusiness) May 26, 2023
وقدر اقتصاديون من “بلومبرغ” إنفاق المصرف المركزي التركي لدعم الليرة بأكثر من 177 مليار دولار منذ ديسمبر/كانون الأول 2021. ذلك على الرغم من نجاح الحكم في خفض التضخم من 86 في المئة في أغسطس/آب 2022، إلى نحو 44 في المئة حاليا، لكن من دون أساس يحمي من انفلات زمام الأمور مجددا في المدى المنظور بما يؤشر الى اقتراب دخول البلاد في حالة ركود طويلة الأمد.
فسياسة المصرف المركزي التركي هي مرآة لسياسة أردوغان وقراراته، وبعكس ما اعتمدته كل المصارف المركزية في العالم، تبعا لقرارات الاحتياطي الفيديرالي الأميركي، من رفع للفائدة كوسيلة للجم التضخم، عمد المصرف المركزي التركي إلى خفض أسعار الفائدة بشكل حاد من 19 في المئة إلى 8,5 في المئة مع بدء تصاعد الضغوط التضخمية في 2021.
هذا عدا العجز في الحساب الجاري الذي ناهز الستة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ورافق سياسة خفض الفائدة توسعا في الاستيراد لدفع عجلة النمو، وهي معضلة إضافية تمعن في إضعاف الليرة وتغذي التضخم الى مستويات جديدة تتفاقم معها الأزمات المعيشية والاجتماعية في البلاد وسط ارتفاع البطالة بين الشباب خصوصا إلى أكثر من 20 في المئة. وقد سجلت مجموعة أبحاث التضخم التركية “ENAG”، التي تقيس التضخم في سلة من السلع والخدمات، زيادة في الأسعار بنسبة 105 في المئة في الشهر الماضي مقارنة بالشهر نفسه من العام المنصرم، وهو ما يمثل ارتفاعا بمقدار الثلث تقريبا مقارنة ببداية عام 2023.
يجري ذلك كله مع تزايد المخاوف من نشوء سوق موازية للعملة حيث يتم تداول الليرة حالياً عند مستوى 20,53 ليرة للدولار في شركات الصرافة، بعيداً عن السعر الرسمي الذي يحدده البنك المركزي يومياً، مع غياب أي إجراءات لمواجهة هذا الوضع على مدى أكثر من شهرين. وكانت المعارضة توقعت أن ينهار سعر العملة التركية إلى 30 ليرة للدولار في حال فوز أردوغان.
أمام هذه المعطيات، هناك شك كبير في قدرة الفريق الحاكم على الاستمرار في تدابيره الاستثنائية التي اتخذها للحفاظ على دوران عجلات الاقتصاد، وعلى وعوده التي أطلقها في شأن قروض مدعومة للشركات الأصغر حجما، ووعود بالتقاعد المبكر للملايين بقيمة 13 مليار دولار سنويا، وفرض زيادة 55 في المئة في الحد الأدنى للأجور. وإذا ما أبقت الحكومة حماية الودائع المصرفية بالليرة من انخفاض قيمة الدولار من خلال الوعد بتعويض أي خسائر، فإن الخيارات المتاحة أمامها لتحقيق ذلك شبه معدومة مع تلاشي الاحتياطات الأجنبية. وإن لم يكن هناك حزمة اقتصادية متكاملة تعمل عليها الحكومة تتضمن تدابير مفصلة حول المالية العامة، وأنظمة الضرائب، والسياسة الصناعية، والتجارة الدولية، فقد لا يطول الأمر قبل أن يدخل الاقتصاد التركي نفقا مظلما.
وهذا ما سيجعل الرئيس التركي مضطرا إلى الانفتاح أكثر على دول الخليج والغرب، في محاولة للحصول على قروض أو استثمارات مباشرة، وتوسيع قاعدة صادرات تركيا حفاظا على استقرار المؤشرات الاقتصادية. كما كانت “موديز” متشائمة في تقييمها لسياسة أردوغان الاقتصادية التي أدت إلى نفور المستثمرين من تركيا، وخفض التصنيف الائتماني للبلاد، الى جانب استمرار التضخم وانخفاض قيمة العملة. وهي تتوقع أن يعمق فوز أردوغان في الانتخابات، خسائر الاقتصاد التركي.
ويرى محللون في “جي. بي. مورغان” أن “تركيا ستحتاج إلى كبح جماح التضخم، وحماية الاستقرار المالي، ووضع الاقتصاد على مسار النمو المستدام بغض النظر عن نتائج الانتخابات”، مضيفين أن التوقعات بالنسبة إلى البلاد ستعتمد على التحولات في الاتجاه الاقتصادي السائد، فإذا “تم اعتماد السياسات التقليدية، فستكون معالجة التضخم أسرع”.
لكن لأردوغان رأيا آخر، إذ قال في إحدى المقابلات، إن سياسته الخاصة بالإقراض الرخيص ستستمر.
اقتصاد الترليون
لا بد في الختام أن نبقى نتذكر أن تركيا دولة صناعية منتجة، وهي دولة كبرى وتلعب دورا محوريا في المجتمع الدولي، ليس فقط كعضو في حلف شمال الأطلسي “الناتو”، ومجموعة العشرين، بل أيضا على مفترق طرق الممرات البحرية وطرق التجارة بين آسيا وأوروبا، ولا يزال لديها إمكانات هائلة في مختلف القطاعات التجارية والسياحية، نظرا إلى تمتعها بنسبة عالية من الشباب وثقافة أعمال ديناميكية، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل حجم الاقتصاد التركي إلى تريليون دولار في السنة الجارية، بعد أن كان نحو 315 مليارا فقط في عام 2003.
لكن على الرغم من ذلك، ستشهد تركيا في المرحلة المقبلة رياحا اقتصادية عاتية ستهب على البلاد من جميع الاتجاهات، كما يرى معظم المحللين المتابعين للشأن الاقتصادي التركي. هل يصدقون أم يحقق أردوغان معجزة جديدة ويختم عهده الأخير بأمجاد عهده الأول.
المجلة
—————————————
هل تقبل قادة المعارضة السورية تطبيق “الديمقراطية التركية” في مناطقها..؟
تفاخر عدد من قادة المعارضة السورية، من قادة الجيش الوطني ومنصات المعارضة السياسية والدينية والعسكرية وغيرها، بـ “الديمقراطية التركية”، التي أوصلت لإعادة انتخاب الرئيس “أردوغان” في جو ساده الكثير من التجاذبات السياسية، كان صوت الشعب هو الفيصل في اختيار من يمثله، بنسبة لم تتجاوز الـ 52%.
وسجل تداول العديد من الصور، لقادة من الجيش الوطني السوري وغيرهم، وهم يدلون بأصواتهم في الانتخابات التركية، كونهم حاصلين على الجنسية التركية، علاوة عن سلسلة كبيرة من البيانات التي صدرت بشكل فردي، تبارك “الديمقراطية التركية” وفوز الرئيس “أردوغان”.
إضافة لذلك، سجل حالات إطلاق نار كثيفة من قبل مجموعات تتبع للجيش الوطني السوري في عدة مناطق شمالي حلب، فرحاً بفوز “أردوغان”، سببت إصابات بين المدنيين نظراً لعشوائيتها وعدم الالتزام بالابتعاد عن المناطق المدنية، في وقت لم يصدر أي إطلاق نار من النقاط التركية ذاتها المنتشرة في المنطقة.
هذه الأجواء، جددت طرح المزيد من التساؤلات في أوساط النشطاء وفعاليات شعبية ومدنية، عن مدى قبول قادة المعارضة سواء كانت السياسية أو العسكرية أو الشرعية أو غيرها، بتطبيق ذات الديمقراطية في تولي مناصبها، ومدى قدرة رئيس المؤقتة أو الائتلاف أو قادة الجيش الوطني السوري على قبول هذا الاختبار شعبياً ومدى ثقتهم في الفوز بمناصبهم في حال إجراء انتخابات حرة ونزيهة.
ويفتقر “الشعب السوري” طيلة عقود من الزمن، في حقه في ممارسة الديمقراطية بالشكل الصحيح المتعارف عليه دولياً، مثله مثل كل شعوب الأرض، حيث دأبت الحزب الواحد ممثلاً بحزب البعث على تمرير مسرحيات الانتخابات في سوريا طيلة عقود بنسب وصلت لـ 99%، وكان طموح الشعب السوري في ثورته أن ينهي هذه المسرحيات، وأن يكون للشعب كلمته الحرة.
ومع طول أمد الحراك الشعبين وكل الخطوب التي عاشها ولازال، باتت “الديمقراطية” وتطبيق أحلام الشعب السوري الثائر، ضرباً من المعجزة، مع تملك قادة المعارضة في مناصبهم، دون انتخاب أو تعيين فرضتها ظروف المرحلة، تعدى الأمر للمعارضة السياسية والدينية وغيرها، والتي يتم تعيينها وفق الولاء الدولي ووفق التحزبات، بانتخابات صورية شكلية، ليس للشعب السوري أي قرار أو مشاركة بها.
ومنذ الجولة الأولى للانتخابات التركية الجارية، واجهت قوى المعارضة السورية بكافة أطيافها، انتقادات لاذعة، بعد سلسلة المواقف الأخيرة حيال الانتخابات التركية، وقال المنتقدون، إن جل قادة المعارضة سواء كانت القيادة العسكرية أو السياسية كالائتلاف أو الحكومة المؤقتة أو المجلس الإسلامي وغيرهم، حاصلين على الجنسية التركية، وكان لهم مشاركة في الانتخابات، وتغني وإشادة بالديمقراطية، التي يفتقدونها في الوصول لمواقعهم التي يمثلونها.
وكان قال المحامي والناشط في مجال حقوق اللاجئين “طه الغازي”، إن قيادات وأعضاء مؤسسات المعارضة السورية ( الائتلاف الوطني، الحكومة المؤقتة ) والهيئات و المنظمات واللجان الملحقة بها، شاركوا في الانتخابات الرئاسية و البرلمانية التركية (ممن حصل منهم على الجنسية التركية).
ولفت إلى أن هؤلاء (في تركيا) يؤمنون بقيم الديمقراطية و بحرية التعبير عن الرأي وحق الشعوب في تقرير مصيرها واختيار من يمثلها سياسياً وبرلمانياً، لكن بالمقابل هؤلاء هم أنفسهم من يجثم على صدور المجتمع السوري منذ أعوام رغم فسادهم و فشلهم، وهؤلاء هم من وأدوا حرية المجتمع وفرضوا أنفسهم على مؤسسات باتت لا تمثل السوريين”.
وأضاف الغازي أن “هؤلاء هم من كانوا / ما زالوا رافضين لأي عملية انتخاب ( أو حتى استفتاء) تقترن بمدى موافقة ورضى المجتمع السوري على توليهم لمناصبهم ومراكزهم الوظيفية، كما أن هؤلاء هم من سيتم توليتهم علينا في الأمد القريب بعد أن يجتمعوا و يضعوا قدماً لهم في حكومةٍ ائتلافية مع نظام الأسد”.
وقال: “من شارك اليوم من هؤلاء في الانتخابات، هل سيجرؤ على مواجهة موقف ورأي المجتمع السوري من المؤسسة التي يمثلها إن كان ائتلافاً أو حكومة موقتة أو حتى مجرد منظمة مجتمع مدني”، مستدركاً بالقول: “إن كانوا لايؤمنون بحريتنا في تقرير مصيرنا، فمن نصّبهم علينا أولياء على ثورتنا و قضيتنا”.
وأشار الناشط الحقوقي إلى أن “معظم هؤلاء شارك ونشر صوره التي التقطها في المراكز الانتخابية والابتسامة بادية على محياه، مقرناً صورته بتعابير منمقة عن الديمقراطية وحرية التعبير، في الوقت الذي ما زال يصمّ مسمعه عن أصوات السوريين المشردين التي تطالبه بالاستقالة منذ سنوات”.
——————————————–
الانتخابات الرئاسية التركية والسياسة الخارجية.. أي انعكاسات؟
تثير الانتخابات التركية اهتمامًا إقليميًا ومتابعة عالمية، أقرب ما تكون إلى الاهتمام في متابعة الانتخابات الأمريكية، وذلك لأسباب عدة، فالبلد الذي يُعدّ ضمن أكبر 20 اقتصادًا في العالم، وعضوًا بالغ التأثير في حلف الناتو، يلعب أدوارًا هامةً على الصعيد الإقليمي والعالمي، سواء في تحركاته بالمنطقة من سوريا والعراق وليبيا، وصولًا للغزو الروسي على أوكرانيا، ومحاولته التوسط فيه.
وما زاد من أهمية الانتخابات التركية، هو ظهور منافس لأردوغان، تمثل في المعارضة التركية ومرشحها كمال كليجدار أوغلو، النقيض التام لأردوغان، والذي كان من الممكن أن يفتح تركيا على تقلبات واسعة في التوجهات والمواقف السياسية الخارجية.
أمّا العامل الآخر، هو توجه السياسة الخارجية التركية، إلى التخفيف من حدة الخلافات والذهاب نحو سياسة خارجية “تصالحية” إلى حدِّ ما. وفي حوار سابق لـ”الترا صوت” مع المختص في الشأن التركي سعيد الحاج، قال عن سياسة أنقرة الخارجية: “انعطاف بوصلة السياسة الخارجية التركية نحو تدوير زوايا الخلاف، مع عدد من الدول الإقليمية، هو أمر سرعت من وتيرته الانتخابات التركية. ولكنه، ليس مسارًا مرتبطًا في الانتخابات بشكلٍ حصري، وباعتقادي هو مسار تبدو أنقرة مقتنعة به ومرشح للاستمرار بعد الانتخابات”.
ويُنظر للسياسة الخارجية التركية باعتبارها من أبرز الملفات التي سيتعامل معها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وذلك بعد فترة متوترة مع الدول الغربية، مع توجه أردوغان إلى سياسة “تصفير الخلافات”، بالإضافة إلى انعكاسها على الحالة الاقتصادية الداخلية في تركيا.
الانتخابات التركية 2023
وظهرت انعكاسات الانتخابات على سياسة تركيا الخارجية بشكلٍ مباشر، فقد أعلن مساء الإثنين، عن اتفاق الرئيس التركي مع عبد الفتاح السيسي، على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وأنقرة وتبادل السفراء، وذلك بعد بداية التقارب خلال الشهر الأخير من العام الماضي، وتبادل زيارات وزراء الخارجية، وهي علاقات يمكن أن تنعكس على ملفات أخرى، مثل الحالة في ليبيا، بالإضافة إلى ترسيم الحدود في المتوسط.
في تقرير سابق لـ”الواشنطن بوست” قالت الصحيفة الأمريكية، إنه في ظل حكم أردوغان “نما دور تركيا كوسيط إقليمي ودولي وكقوة لا يستهان بها”، وعلى ذلك الأساس، ستتم مراقبة نتائج الانتخابات عن كثب في جميع أنحاء الشرق الأوسط وحول العالم. وستحاول هذه المادة، عرض انعكاس الانتخابات الرئاسية التركية، على بعض الملفات الإقليمية والدولية.
تركيا ونظام الأسد
ظلال الانتخابات التركية الثقيلة انعكست بشكلٍ كبير على اللاجئين السوريين في تركيا، وسط حملة تحريض واسعة من المعارضة التركية القومية، تبناها المرشح الرئاسي التركي كمال كليجدار أوغلو، والتي دارت كلها حول ترحيل اللاجئين السوريين.
سبق ذلك، تقارب بين تركيا والنظام السوري، تسارع بشكلٍ كبير نهاية العام الماضي ومطلع العام الحالي، وذلك بناءً على خطة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، التي بدأت بالحديث عن اجتماعات أمنية يتبعها لقاءات وزراء الخارجية، وصولًا إلى اللقاء بين الرئيس التركي ورئيس نظام الأسد، وهي خطة تعثرت مع زيادة وتيرة تطبيع نظام الأسد مع الدول العربية.
لم تتقدم الخطة التركية ضمن تصور أنقرة، وبعد لقاء وزير دفاع تركيا مع وزير دفاع نظام الأسد، لم تصل الاجتماعات إلى لقاءات وزراء الخارجية، إلّا خلال الفترة الماضية، وذلك بعد تأجيل متكرر، بالتزامن مع وضع نظام الأسد عدة شروط من أجل استكمال عملية التطبيع، من بينها انسحاب تركيا من الشمال السوري.
وفي التصريحات الأولى، بعد ظهور نتائج الانتخابات التركية، أكد المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن، عدم وجود خطة لعقد قمة على مستوى الرؤساء، بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس النظام السوري بشار الأسد في الوقت الحالي.
وأوضح كالن، أن الاجتماعات حاليًا مع نظام الأسد، تعقد على مستوى رؤساء أجهزة المخابرات، مشيرًا إلى أن النقاشات مع النظام السوري تدور حول “مكافحة الإرهاب واتخاذ الخطوات اللازمة لإنهاء وجود حزب العمال الكردستاني في المنطقة”، والقضية الثانية “تتعلق بضمان عودة اللاجئين إلى سوريا بطريقة آمنة وكريمة وعلى أساس طوعي، وضمان استمرارية هذه العملية، وتوفير بيئة اقتصادية مستدامة لهم”.
وعلى مستوى مسألة اللاجئين، جدد كالن التأكيد على النهج التركي الذي يتحدث عن “العودة الطوعية للاجئين”، رافضًا المواقف العنصرية التي ظهرت في الحملة الانتخابية، ومجددًا دعم عملية المفاوضات بين النظام السوري والمعارضة السورية.
وبحسب تقديرات إعلامية، فإن تطبيع أنقرة مع النظام السوري، هو من أصعب الملفات المطروحة على طاولة أردوغان، خاصةً مع رفض الأخير مطلب النظام السوري بالانسحاب من الشمال، بدون إنهاء سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على الشمال الشرقي من سوريا، وذلك في ظل بناء حملته الانتخابية حول ما يصفه بـ”محاربة الإرهاب”، مع الإشارة إلى تقدم في هذا الملف لن تكون سريعةً.
أنقرة وتل أبيب: علاقة مستقرة “حاليًا”
ترتبط تركيا بعلاقة شائكة مع إسرائيل، فهي علاقة قوية ومستقرة حتى عام 2008 مع بداية توتر نسبي في العلاقات، وصل إلى حدِّ القطيعة بعد مجزرة أسطول الحرية، وطرد السفير الإسرائيلي من أنقرة، وبداية عقد من العلاقات الباردة، لم تعد إليها الحرارة إلّا في آب/ أغسطس 2022، مع استئناف العلاقات الدبلوماسية بشكلٍ كامل وتبادل السفراء، مع استمرار الشراكة الاقتصادية والرحلات السياحية طوال الوقت.
هذه العلاقة المركبة، ظهرت في تهنئة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “الباردة”، والتي قدمت باللغة الإنجليزية وعلى حساب رئاسة الوزراء وليس حسابه الشخصي، بالإضافة إلى أنها وصلت بعد أكثر من نصف يوم على نهاية الانتخابات الجولة الثانية من الانتخابات التركية. بالمقارنة مع تهنئة رئيس الدولة يتسحاق هرتسوغ، التي نشرت على حسابه الشخصي بالتركية والعبرية والإنجليزية، وخلال الساعة الأولى من إعلان نتائج الانتخابات. قبل أن يتحدث أردوغان ونتنياهو، مساء الإثنين، هاتفيًا حيث “ناقشا تعزيز العلاقات بين البلدين. كما أعرب أردوغان عن شكره لنتنياهو على مساعدة إسرائيل في أعقاب الزلازل التي ضربت البلاد في شباط/ فبراير”.
ويُعد هرتسوغ “عراب” إعادة العلاقات بين أنقرة وتل أبيب، وذلك بعد زيارته تركيا العام الماضي واللقاء مع الرئيس التركي، حيث كانت زيارته هي الأولى لمسؤول إسرائيلي منذ عام 2008، وهي الزيارة التي انتهت مع وعود بـ”تعزيز” العلاقات، وتجاوز فترة “الجفاف”.
إلى جانب ما سبق، فإن بداية عودة العلاقات الفعلية بين تركيا وإسرائيل، كانت في عهد حكومة يائير لبيد ونفتالي بينيت، حيث زار الأول أنقرة، بصفته وزيرًا للخارجية، وساهم في بداية استئناف الرحلات الجوية من الشركات الإسرائيلية للمطارات التركية، بعد خلافات طويلة على الترتيبات الأمنية.
وعلى مستوى حكومة نتنياهو الحالية، فقد زار وزير الخارجية الإسرائيلية إيلي كوهين أنقرة، في شباط/ فبراير الماضي، عقب وقوع الزلزال المدمر، وإرسال إسرائيل لفريق إغاثة من جيش الاحتلال، استمر عمله لعدة أيام.
وشهد عهد حكومة لبيد وبينيت، التعاون الأمني الأبرز بين تل أبيب وأنقرة، وذلك بعد اغتيال عقيد في الحرس الثوري في العاصمة الإيرانية، حيث نشطت فرق أمنية تركية وإسرائيلية، في تركيا بعد تقديرات أمنية تتحدث عن إمكانية تنفيذ مجموعات إيرانية عمليات انتقامية داخل تركيا ضد سياح من إسرائيل. وفي المقابل، أعلنت أنقرة، الأسبوع الماضي، عن اعتقال خلية مرتبطة في الموساد الإسرائيلي، بعد تقارير مشابهة صدرت في تشرين الثاني/ نوفمبر وكانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي.
وعلى صعيد التواصل المباشر مع مركز صنع القرار الفعلي في إسرائيل خلال الفترة الماضية، وباستثناء المكالمة مع نتنياهو يوم أمس، تحدث أردوغان عبر الهاتف مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، بعد أسبوعين من فوز الأخير في الانتخابات، وأعرب عن رغبته في مواصلة تعزيز العلاقات بين البلدين، وكانت هذه هي المحادثة الأولى بين الاثنين منذ عام 2013، عندما اعتذر نتنياهو لأردوغان عن مقتل نشطاء أتراك، على يد جيش الاحتلال، خلال اقتحام سفينة مافي مرمرة.
كما تحدث أردوغان مع رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، والتقى مع يائير لبيد خلال فترة توليه منصب رئيس الوزراء في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
أمّا عن تقييم العلاقة بين إسرائيل وتركيا حاليًا، يقول محلل شؤون الشرق الأوسط في صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية سيث فرانتزمان، إن “العلاقات وثيقة على السطح فقط، لأن تحديات كبيرة لا تزال قائمة”.
ويسرد فرانتزمان التوترات “متعددة الطبقات” بين أنقرة وتل أبيب، مع الإشارة للنشاط التركي في المنطقة خلال العقد الأخير، حيث يشير إلى أنها استضافت حركة حماس، كما أنها حاولت في مرة أن تعلب دورًا ضمن عملية السلام بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. بالإضافة إلى أن تركيا نشطت إقليميًا على مدار السنوات الماضية، وبالأخص خلال سنوات حكم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، التي توصف بأنها سنوات “التراجع الأمريكي في المنطقة”.
ومع نمو مكانة تركيا، ووضع إسرائيل الحالي، يقول سيث فرانتزمان: “اليوم، تبدو أنقرة أكثر ثقة في أن سياساتها قد حققت النجاح والاحترام الذي تريده. ما قد يعنيه ذلك هو أنه يمكن لتركيا وإسرائيل تحقيق تسوية مؤقتة، حيث لا تتشارك حكومتا نتنياهو أو أردوغان في القيم أو تتفقان بالضرورة، لكنهما يستطيعان المناورة مع قدر أقل من الجدل مما كان عليه في الماضي”.
أمّا تقديرات الكاتب الإسرائيلي حول العلاقة بين أنقرة وتل أبيب، فهي تدور حول ما يصفه بـ “بدون توترات، ولكن ليست علاقات دافئة”، مشيرًا إلى أن الوقت سيكشف عن إمكانية تغير هذا المبدأ الذي يحكم العلاقة حاليًا.
ويختتم سيث فرانتزمان مقالته بالإشارة إلى أن، “الاتجاه العام نحو الحلول الدبلوماسية في المنطقة، يخفف من إمكانية تراجع العلاقات”، ومع ذلك يضيف “لا يوجد الكثير من الريح في أشرعة أي تحسن عام في العلاقات، لأنه من غير المرجح أن يستفيد نتنياهو أو أردوغان من أي نوع من الاحتضان العلني”، وفق تعبيره.
أمّا افتتاحية صحيفة “جيروزاليم بوست”، فقد انطلقت في التعامل مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان باعتبارها “زئبقيًا ومتقلبًا”، مشيرةً إلى أن هذه الصفة كانت الأكثر ظهورًا في علاقته مع تل أبيب.
وتلخص الصحيفة الإسرائيلية العلاقة الإسرائيلية التركية، بالقول”لقد تأرجح من موقف هادئ تجاه إسرائيل في الأيام الأولى من ولايته، إلى موقف معادٍ صريح تجاه إسرائيل في الجزء الأكبر من فترة حكمه، إلى نهج أكثر براغماتية اليوم”.
وحول التغير الجديد في العلاقة بين أنقرة وتل أبيب، تضيف الصحيفة الإسرائيلية: أنه “ليس نتيجة أي تغيير مهم من القلب. أردوغان لم يرى النور فجأة، وأدرك أن إسرائيل ليست نقمة في الشرق الأوسط بل نعمة”، معتبرةً أن هذا التغير جاء نتيجة “تصور أردوغان المتغير لمصالح تركيا”.
وترى الصحيفة الإسرائيلية هذا التغير، ضمن ثلاثة نقاط أساسية، الأولى تتعلق بالاقتصاد التركي ورغبة أردوغان في شحن الغاز من إسرائيل إلى أوروبا عبر تركيا، والثانية تدور حول مساعدة تركيا في الخروج من العزلة الإقليمية بالإضافة إلى تحقيق الاستقرار من أجل جلب الاستثمارات، والثالثة تدور حول رغبته في استعادة العلاقة غير المستقرة مع الولايات المتحدة. والأخيرة هي نقطة محل تشكيك، نظرًا لعلاقة نتنياهو المتوترة مع إدارة بايدن.
والصحيفة الإسرائيلية التي تشكك في نوايا أردوغان، تؤكد أيضًا على مصالح إسرائيل الاقتصادية والاستراتيجية من التقارب مع أردوغان، لكنها تشكك في انقلابه الجذري تجاه إسرائيل، قائلةً في نصيحة للحكومة الإسرائيلية: “أردوغان الذي تقابلونه اليوم قد لا يكون أردوغان الذي ستقابلونه غدًا”.
أمّا عن التقديرات الإسرائيلية الرسمية، فهي تتوقع استمرار العلاقة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وإسرائيل، بحسب صحيفة “هآرتس”.
ويرى القنصل العام السابق لإسرائيل في تركيا عودي إيتام، أن العلاقة بين تركيا وأنقرة لن تتوج بأزمة، على الأقل في الفترة الحالية، كما أن أردوغان لا يمتلك سببًا لذلك حاليًا.
من جانبها، تقول الخبيرة في شؤون تركيا والباحثة في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي جاليا ليندنشتراوس، إن التقارب التركي مع إسرائيل هو جزء من تحرك أوسع من جانب أردوغان لتحسين العلاقات الخارجية لتركيا.
ويدور إجماع إسرائيلي حول ثبات العلاقات بين أنقرة وتل أبيب في الفترة الحالية، فيما يقول الأستاذ في جامعة تل أبيب حي إيتان كوهين ياناروجاك لـ “هآرتس”: “لقد مررنا بالفعل بتدهور كبير في علاقتنا مع أردوغان، ويبدو أنه لا يمكن أن تتدهور إلى نفس الدرجة مرة أخرى، لكن هذا لا يعني أنه لن يكون هناك المزيد من الأزمات”، مشيرًا إلى إمكانية يحصل ذلك نتيجة حرب إسرائيلية واسعة في قطاع غزة على سبيل المثال.
علاقة شائكة مع الغرب
في تصوره حول شكل السياسة الخارجية التركية، قال نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لأوروبا وأوراسيا من 2005 إلى 2009 ماثيو بريزا لصحيفة “العربي الجديد” بالإنجليزية، إن “تركيا في ظل حكم أردوغان، ستواصل دورها في بناء الجسور بين الشرق والغرب، وإن كان ذلك بتركيز أنقرة الآن على أن تكون راسخة في الشرق وعلى استعداد للتمسك بالغرب، أي أوروبا والولايات المتحدة، على مسافة ذراع أكثر”.
وعلى مدار الأشهر الماضية، كانت الصحف الغربية أبرز المتحمسين لمرشح المعارضة التركية كمال كليجدار أوغلو في مواجهة أردوغان، مكررةً الحديث عن قيام الأخير بقلب شكل العلاقات القائمة حاليًا بين أنقرة والعواصم الغربية، بحيث يساهم في تقارب تركيا مع أوروبا والولايات المتحدة بشكلٍ أكبر. ومع فشل الرهان الغربي على المعارضة التركية، فإن أردوغان سيحدد شكل العلاقة والسياسة الخارجية لتركيا والدول الغربية في الخمسة أعوام المقبلة.
والتوتر التركي مع الدول الغربية دار في الفترة الأخيرة، حول رفض تركيا فرض عقوبات شاملة على روسيا إثر غزو موسكو لكييف، مع محاولة تركيا القيام بدور الوسيط بين روسيا وأوكرانيا، بالإضافة إلى رفض تركيا انضمام السويد إلى حلف الناتو، وهو ما انعكس على توترات مع الولايات المتحدة.
والمدخل لفهم هذه العلاقة الشائكة، يتكثف في التعامل التركي مع الغزو الروسي لأوكرانيا، وبينما ترفض تركيا فرض عقوبات شاملة على روسيا نتيجة الغزو، وتسعى للتوسط بين روسيا وأوكرانيا، وساهمت بشكلٍ فاعل في إتمام اتفاقية الحبوب، كما تمنع السفن الحربية الروسية من المرور عبر مضيق البسفور. وفي المقابل، فإن تركيا قامت ببيع الطائرات المُسيّرة لأوكرانيا.
أمّا الاختبار الأول للعلاقة بين تركيا والناتو، سيكون مع قمة الناتو المقبلة في فيلنيوس عاصمة ليتوانيا في تموز/ يوليو المقبل، حيث سيطلب من تركيا رفع “الفيتو” عن انضمام السويد للحلف، مثلما حصل مع فنلندا مطلع العام الجاري.
وفي أحدث تصريحات للرئيس التركي طيب أردوغان عن عضوية السويد في حلف الأطلسي، قبل نحو أسبوع، أكد على أن بلاده لن تنظر بإيجابية إلى عضوية السويد في حلف شمال الأطلسي، ما دامت تسمح لامتدادات “التنظيمات الإرهابية” بأن تصول وتجول في شوارعها، وفق تعبيره.
وتسعى الولايات المتحدة الأمريكية، لربط الموافقة على انضمام السويد للحلف، بصفقة طائرات مقاتلة أمريكية، متعثرة منذ حصول تركيا على مضاد إس- 400 الروسي. وعقب فوز أردوغان بالرئاسة، وخلال مكالمة هاتفية مع الرئيس الأمريكي، مساء الإثنين، قال الأخير إن “أردوغان يريد المضي قدمًا في موضوع مقاتلات إف-16″، فيما أعرب بايدن عن رغبته بإتمام ملف انضمام السويد لحلف الناتو، مشيرًا إلى حديث آخر مع الرئيس التركي الأسبوع المقبل لبحث هذا الملف.
هذه العلاقة المتشابكة بين تركيا والدول الغربية، تجعل من الصعب الضغط عليها بشكلٍ كبير من أجل قطع العلاقة مع روسيا بشكلٍ كامل وفرض عقوبات عليها، رغم وجود شركات روسية تعمل في تركيا كقناة لتجاوز العقوبات الغربية، خاصةً في ظل حاجة تركيا لضخ المزيد من الأموال في اقتصادها المتعثر،
والترجيحات تدور حول استمرار العلاقة التركية مع الدول الغربية في شكلها الحالي، مع الحفاظ على مستوى توترات منخفض ودون الوصول إلى انقلابات وخلافات جذرية كبيرة، في ظل التوازنات القائمة، والتي اتجهت نحو الثبات.
وفي هذا السياق، قال الخبير في الشؤون التركية الذي يدير مكتب بروكسل لصندوق مارشال الألماني إيان ليسر، لـ”نيويورك تايمز”: “انتصاره [أردوغان] مفيد للمجتمع والسياسة التركية، كما أنه أقل اضطرابًا للسياسة الخارجية. لا أرى علاقة مضطربة تزداد سوءًا”.
من جانبها، قالت مديرة المعهد الإيطالي للشؤون الدولية ناتالي توتشي، “إنه بالنسبة لبروكسل، فإن فوز أردوغان فيه نوع من الارتياح، كان فوز المعارضة يعني أن بروكسل كان عليها أن تأخذ مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي بجدية أكبر”، وهو ملف من غير المتوقع أن يتقدم في ظل حكم أردوغان.
ويترافق مع ذلك، سعي تركيا نحو التقليل من حدة خلافاتها في المنطقة المحيطة، مثل التوجه إلى تطبيع العلاقات مع أرمينيا، والاستمرار في الحوار مع إيران ودول آسيا الوسطى، والعمل على بناء شراكة متنامية مع الصين، مع الحديث عن إمكانية الانضمام إلى منظمة شنغهاي.
—————————
“تصفير مشاكل” داخلية لتركيا/ أرنست خوري
الجديد الذي أظهرته الانتخابات الرئاسية والتشريعية في تركيا ليس جديداً حقّاً. لا انقلابات دراماتيكية في مركّبات الهوية السياسية لهذا البلد الشاسع والمعقّد ديمغرافياً. الأكراد بغالبيتهم انتخبوا نوابهم القوميين وصوّتوا رئاسياً ضد رجب طيب أردوغان أكثر مما صوّتوا لكمال كلجدار أوغلو المتحالف مع قوميين وفاشيين يتمنّون الموت صبحاً ومساءً للأكراد. العلويون كذلك حافظوا على تراثهم الكمالي تصويتاً لحزب أتاتورك، “الشعب الجمهوري”. سكان ولايات عمق الأناضول والبحر الأسود شمالاً وجزء من الجنوب ظلّوا أوفياء لـ”تحالف الجمهور”، أي لأردوغان وحزبه “العدالة والتنمية” ولحليفه اليميني المتطرّف دولت بهشلي. سكان المدن الثلاث الكبرى (إسطنبول وأنقرة وإزمير) فضلوا مرّة جديدة ما يمثله العلمانيون. فاز أردوغان في 52 ولاية في مقابل 29 لكلجدار أوغلو، وهو ما كان يحصل تقريباً في الدورات الانتخابية الماضية. تعكس نسبة المشاركة المرتفعة (85.71%) حدّة الانقسام العمودي المشابه لما أظهرته انتخابات عامة سابقة في تركيا استحقت لقب “التاريخية”، كحال انتخابات 12 يونيو/ حزيران 2011 التي عادل فيها أردوغان وحزبه رقماً قياسياً كان مسجّلاً باسم عدنان مندريس وحزبه “الديمقراطي” قبل نصف قرن، لجهة الفوز في ثلاثة استحقاقات انتخابية متتالية. حزب العدالة والتنمية انخفضت شعبيته مع 35.58% من الأصوات في الانتخابات التشريعية، مقارنة مع 42.56% عام 2018. لكن النظام الرئاسي سيعيش خمس سنوات إضافية، بما أن الغالبية البرلمانية متوفّرة للرئيس (322 مقعداً من أصل 600)، وسيغادر أردوغان منصبه في 2028 عن 74 عاماً، أي أصغر بعام من عمر كمال كلجدار أوغلو اليوم، هو الذي عاب عليه كثيرون تمسكه المرضيّ بمنصبه الحزبي وبصفته مرشّحاً مزمناً ضد أردوغان رغم تقدمه في السن. “مرض” كلجدار أوغلو، زعيم الحزب العضو في الأممية الاشتراكية، كان أحد أعراضه إدمانه طوال أشهر على إطلاق التصريحات العنصرية والتقاط الصور مع فاشيي تركيا بإشارة الذئب التي يرسمونها بأصابع أيديهم بعدما تحالف مع قياداتهم من ميرال أكشنر إلى أوميت أوزداغ، بجرعات زائدة من التحريض على الأجانب الفقراء (وهو ما كان حاصلاً عند معسكرَي الانتخابات).
هذا عبور عَرَضي على ما تقوله بعض أرقام الانتخابات ومعطياتها. الأصعب يكمن في مكان آخر، في تمنّي نيل اعتراف بأنّ من العسير أن تصعد تركيا عالياً في درجات السلم الأهلي والتطوّر والديمقراطية والانفتاح ما لم تحلّ أزمتها الوجودية مع الأكراد. يصعب أن تتجاوز تركيا نواقص المواطنة والمساواة فيها، قبل أن تستنفر مؤسّسات حكمها مخيّلتها وأفكارها الجريئة لإبرام صفقة تاريخية، تعني حُكماً جرأة تقديم التنازلات المتبادلة وضرورة اختراع نظرية كالتي ابتدعها أحمد داود أوغلو للسياسة الخارجية، “تصفير المشاكل”. حاول داود أوغلو تطوير نسخة محلية من هذا “التصفير” مع الأكراد، وهو ما كان سينعكس، بطبيعة الحال، على العلاقة بأكراد البلدان المجاورة. قبل 12 عاماً، جرت لقاءات عديدة وعقدت مؤتمرات من ديار بكر إلى إسطنبول برعاية داود أوغلو وحضوره. بقية القصة معروفة، غادر داود أوغلو السلطة في 2016 ليصبح معارضاً راديكالياً لأردوغان. قبل ذلك، عرفت تركيا جولاتٍ في محاولة إرساء تلك المصالحة. زيارة الرئيس عبد الله غول إلى ديار بكر في نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2010 كانت صفحة في ذلك الكتاب، كذلك اجتماعه مع صقر القوميين الأكراد حينها، رئيس بلدية ديار بكر، عثمان بيدمير. قبلها بعامين، في 2008، كسر غول التابو الأعظم، ونطق بثلاث كلماتٍ كانت محرّمة آنذاك: “إقليم كردستان العراق”، بدل المصطلح الرسمي الإلزامي “حكومة إقليم شمال العراق”. كان مشروعاً واعداً في إطار “خطة الانفتاح الديمقراطي”. واكبها حزب العمال الكردستاني بهدنات طويلة حتى صدر حينها قرار بالتفاوض مع أوجلان في سجنه. كل ذلك عمره 10 و12 عاماً فقط. فشل كل شيء لأسباب عديدة أبرزها قناعة رجب طيب أردوغان بأنه ليس بحاجة لمثل هذه المصالحة التاريخية، وأن لا شيء اسمه “قضية كردية”.
كلما علا صراخ القوميات والشوفينية والشعبوية خفت صوت العقل، من دون أن تخبو الحقيقة: تركيا المتصالحة مع أكرادها هي تركيا ديمقراطية أكثر وتركيا أجمل لمواطنيها وللمقيمين فيها ولجيرانها وللعالم.
العربي الجديد
————————————–
اردوغان بطل الذين لا بطل لهم/ جلبير الأشقر
إن الشعبية التي يحوز عليها رجب طيب اردوغان لدى قسم من الرأي العام العربي لمثيرة حقاً للاهتمام. فثمة العديد من الناس في منطقتنا يتحمّسون للرئيس التركي وكأنه بطلهم، مثلما كان هناك في منطقتنا، حتى بداية أفول الإمبراطورية العثمانية، من كانوا يفتخرون بتبعيتهم للسلطنة وللخلافة الإسلامية التي كانت بحوزتها. وقد بقيت هذه الحال حتى النهضة العربية ومقاومتها لسياسة التتريك التي اتبعتها الإمبراطورية العثمانية في مرحلة احتضارها. أما اليوم فتبدو الأمور وكأن الانحطاط الذي تعيشه المنطقة العربية في الوقت الراهن، مقترناً ببعثة المشروع العثماني بحلّة جديدة مع الرئيس التركي الحالي، قد أعادا التاريخ إلى الوراء: ألغى الانحطاط مفعول النهضة، بما جعل إحياء المشروع العثماني محطّ فخر لدى الذين لا مدعاة للفخر لديهم في أمتهم، فبات اردوغان بطل الذين لا بطل لهم من أبناء قومهم ولا قدرة لديهم على إفراز الأبطال.
والحال أن شعبية اردوغان عند بعض العرب لا مثيل لها لدى شعوب إسلامية أخرى، عدا ربّما لدى بعض الشعوب المنتمية إلى الثقافة التركية في القوقاز وآسيا الوسطى، لاسيما في أذربيجان التي يؤازرها الحكم التركي ضد جارتها الأرمنية. أما المعجبون العرب بالرئيس التركي، فيُلبسونه الثوب الذي يحلمون به، ويغضّون الطرف عن تقلّباته السياسية العديدة والشهيرة، سواء أكانت في الشأن السوري، أم في الموقف من روسيا أو من الحكم المصري وغيره من الأنظمة العربية، أو حتى من الحكم الصهيوني. ويتصوّرون أن «الغرب» برمّته ـ أو «الإعلام الغربي» (وكأنه إعلام موحّد منسجم، ربّما ظنّه بعض العرب مثيلاً لما يسمّى بالإعلام داخل بلدانهم) ـ يعادي اردوغان لأنه زعيمٌ مسلمٌ، جاهلين أو متناسين ما كان للرجل من شعبية كبيرة في الغرب خلال العقد الأول من حكمه، عندما أشرف على تقدّم هام في مجالات الديمقراطية والسلام الأهلي (المسألة الكردية) والتنمية الاقتصادية، قبل أن ينقلب تدريجياً في العقد الثاني إلى حاكم سلطوي (ولو ضمن حدود لم تقض بعد كلياً على الديمقراطية، خلافاً لما جرى في تونس على سبيل المثال) ويعيد إشعال الحرب مع الحركة الكردية، ويخرّب الاقتصاد بإصراره على المسك بدفّته بما ينذر اليوم بحدوث أزمة خانقة.
أفلا تنتقد المصادر الإعلامية الغربية، ذاتها التي تنتقد اردوغان اليوم، غيرَه من الزعماء السلطويين، بمن فيهم أوروبيون كرئيس وزراء المجر فكتور أوربان أو أمريكيون كدونالد ترامب؟ إن الإقرار بذلك يعني الإقرار بأن الكثير من الانتقادات التي يتم توجيهها إلى اردوغان إنما تستوحي مبادئ الديمقراطية ذاتها التي باسمها يتمّ نقد المذكورين أعلاه، أو نقد بعض الحكام العرب، بمن فيهم عبد الفتّاح السيسي الذي كان خصم اردوغان اللدود حتى وقت قريب، ناهيكم من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أو الرئيس الصيني شي جين بينغ، بل حتى بنيامين نتنياهو الذي يكنّ له قسم كبير من الإعلام الغربي العداء على الرغم من الميل السائد في الغرب إلى الكيل بمكيال خاص عندما يتعلّق الأمر بدولة إسرائيل.
أولم يأخذ معظم الإعلام الغربي على منازع اردوغان في الانتخابات الأخيرة، كمال كليتشدار أوغلو، تغيير لهجة خطابه بعد الدورة الأولى في اتجاه العداء للاجئين السوريين؟ (أهم المنابر الإعلامية الغربية وتعليقات الصحف الكبرى أدانت خطاب كليتشدار أوغلو، الذي رأت فيه صدىً لأسوأ خطابات أقصى اليمين في بلدانها.) أولم ينتصر «الإعلام الغربي» لمسلمي البوسنة في الأمس ضد أخصامهم الصرب والكروات (المسيحيين) وللمسلمين الروهينجا اليوم ضد دكتاتورية ميانمار العسكرية؟ أوليس صحيحاً أن «الإعلام الغربي» يبدي تعاطفاً مع مسلمي سنجان (شينجيانغ) في الصين أكبر بكثير مما يبديه معظم الإعلام العربي، الذي يعكس سكوت الأنظمة العربية عن مصاب الأويغور (الذين يزيد عددهم عن أحد عشر مليوناً)؟
كفانا إذاً تقليداً للنزعة المعهودة لدى الأنظمة الدكتاتورية في منطقتنا في دحض الانتقادات التي تأتيها من مصادر إعلامية غربية بإحالة هذه الانتقادات إما إلى عداء غربي للشرق، أو عداء غربي للإسلام، أو حتى عداء غربي للعرب تحديداً، مثلما كان قادة الاتحاد السوفييتي ينسبون كافة الانتقادات التي كانت تستهدفهم في موضوع الديمقراطية إلى مصلحة رأسمالية، وكما ينسب حكم الملالي في إيران تضامن «الإعلام الغربي» مع انتفاضات شعبه برجاله ونسائه ضد الاستبداد إلى مؤامرة صهيونية.
ويلٌ لأمة لم تعد قادرة على صنع الأبطال فتنتصر لزعيم عند جارتها وتتصوّره منزّهاً عن الشعوذة، معصوماً عن الخطأ، بينما يكرهه ما يناهز نصف شعبه.
كاتب وأكاديمي من لبنان
القدس العربي
——————————
هل يكبح فوز أردوغان التطبيع السياسي مع الأسد؟/ العقيد عبد الجبار العكيدي
ما إن لاحت ملامح الحسم في انتخابات الرئاسة التركية مساء 29 أيار/مايو، وقبل أن تصفو الأجواء من الصخب الإعلامي الموازي لاحتفالات حزب العدالة والتنمية وحلفائه، حتى بدأت تتوارد العديد من الأسئلة عن ماهية السياسة التركية حيال القضايا الساخنة، وفي طليعتها القضية السورية.
ولعل ما زاد بوتيرة تدافع الأسئلة تصريح الناطق باسم رئاسة الجمهورية في تركيا إبراهيم قالن صبيحة 29 أيار، مؤكداً استبعاده لأي لقاء في المدى المنظور بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس النظام السوري بشار الأسد، مشيراً في الوقت ذاته، إلى أن هكذا لقاء ينبغي أن يكون مسبوقاً بلقاءات على المستوى الوزاري واستخبارات الطرفين. والواضح من تصريح السيد قالن هو خفوت نبرة الحماس والترويج لتسارع عودة العلاقات بين أنقرة ودمشق، وذلك خلافاً لما كان عليه الأمر قبل أن تُحسم الانتخابات التركية، إذ سبق لوزير الخارجية التركية مولود تشاووش أوغلو أن صرّح قبل يوم واحد، بأن أنقرة باشرت بالإجراءات العملية لإعادة اللاجئين وذلك بالتشارك والتشاور مع نظام دمشق، الأمر الذي يثير أكثر من تساؤل في المشهد السوري: هل بات موقف تركيا من التطبيع مع الأسد قبل نتائج الانتخابات يختلف عما بعدها؟ وهل كانت سخونة الاستعجال التركي بالحديث عن إعادة العلاقة مع نظام دمشق مسألة ذات صلة بالحملة الانتخابية فحسب، أم أن قرار أنقرة حيال التطبيع مع الأسد كان قراراً إستراتيجياً ولا يمكن ان يعوقه أو يؤثر في سيرورته أي حدث عارض؟
ويتخذ الصراع الدولي من الجغرافية السورية ساحة صراع لم تعد أهدافها محصورة داخل سوريا أو بما يخصها فحسب، بل يصح القول إن حل القضية السورية بات رهينة توافقات حول مسائل دولية أخرى. ومن هنا يمكن القول إن التقارب التركي مع نظام الأسد لم يكن مرهوناً بمصلحة تركية-سورية بقدر ما كان متشابكاً مع العلاقات التركية-الروسية بالدرجة الأولى، ذلك أن ما يجمع بين موسكو وأنقرة من مصالح، وخصوصاً في الجانب الاقتصادي، يكاد يفوق في أهميته المسألة السورية بالنسبة إلى تركيا على الأقل.
وغني عن القول أن أنقرة لم يكن يغيب عنها وعورة المسعى التطبيعي مع نظام الأسد لأسباب عديدة، ليس أقلها الدعم والتنسيق الذي قدمته تركيا لفصائل وقوى سياسية مناوئة للأسد طيلة 12 سنة، فضلاً عن التواجد التركي في العديد من مدن وبلدات الشمال السوري، ولكن مع ذلك فقد أبدت الحكومة التركية حماساً تجاه التقارب مع الأسد حرصاً على استمرار علاقاتها مع روسيا التي أبدت بدورها استعداداً كبيراً لدفع نظام الأسد إلة التقارب مع تركيا، وعلى الرغم من حصول سلسلة من اللقاءات بين الطرفين التركي والسوري، سواءً على المستوى العسكري أو الأمني أو الوزاري، فإن ثمة عقبات يمكن تسميتها بالمفصلية ما زالت تحول دون تقارب حقيقي بين الطرفين، إذ لا يمكن إغفال الدور الإيراني الذي يحرص أن يكون حاضراً بقوة في أي تفاهمات دولية أو إقليمية تطال مصير الأسد، ولعل هذا بات شديد الوضوح من خلال التشدّد الذي تبديه حكومة النظام حيال أي تقارب مع تركيا، إذ لا يزال الشرط الأساسي الذي يتمسك به نظام الأسد قائماً، ونعني مطالبته بانسحاب تركيا من كافة مدن وبلدات الشمال السوري قبل البدء بأي تقارب حقيقي بين الطرفين، فيما تجد تركيا أن خروجها من الأراضي السورية مشروط بخروج أو زوال قوات سوريا الديقراطية من شمال شرق سوريا، وحيال هذين المطلبين التعجيزيين من كلا الطرفين يبدو الجانب الأميركي هو من يمسك بمفصل هذا الخلاف، باعتباره الجهة الوحيدة القادرة على إخراج قسد أو تذويبها، وهكذا يجد الأتراك والروس أنفسهم مدفوعين من جديد إلى ضرورة التفاهم مع الجانب واشنطن التي لا تبدو مستعجلة لتقديم أي مبادرة، ليس بخصوص قسد فحسب بل تجاه القضية السورية برمتها.
الواضح أن قطار التطبيع مع نظام الأسد لن يتوقف، أقله على صعيد المسار الأمني والعسكري الذي تحدد طبيعته وسرعته عدة عوامل من أهمها هاجس التهديدات الإرهابية، وعودة اللاجئين ومناطق النفوذ التركي في شمال سوريا، وهذه الأمور تحتاج إلى تعاون وتنسيق أمنى وعسكري بين البلدين.
أما التطبيع السياسي فلا شك أن الحسابات، بعد الفوز المريح لحزب العدالة والتنمية وتحالفه، على صعيد الانتخابات البرلمانية والرئاسية، سوف تختلف ويتحرر صانع القرار التركي من الضغوط سواء الداخلية أو الخارجية، ولم يعد مضطراً بشكل كبير وليس في عجلة من أمره للمضي قدماً فيه. وربما يصبح هذا المسار مرتبطاً بطبيعة التوجهات التركية في المرحلة القادمة، هل ستكون مع المحور الشرقي؟ وبهذه الحالة سوف يستمر التطبيع تلبية لاحتياجات تحالفها مع روسيا والصين وإيران، أم أن للعلاقة مع الولايات المتحدة والغرب حسابات ومصالح أخرى لا يمكن إغفالها؟
من غير المستبعد أن يستمر الخطاب التركي حول التقارب مع الأسد قائماً، باعتباره ذا صلة وثيقة بموضوع اللاجئين الذي يدفع الحكومة التركية إلى تحديث أجوبتها باستمرار حيال الشارع التركي، وكذلك حرصاً على استمرار تماسك علاقاتها مع روسيا، ولكن هل سيكون لهذا الخطاب الذي يهدف إلى استمرار التوازن في العلاقات مع الأطراف الإقليمية قادراً على تحقيق نتائج عملية على الأرض؟ هذا ما هو مستبعد على المدى القريب.
المدن
———————————–
“إمامة البطل”… إردوغان زعيم الإحباط السنّي في لبنان/ جو حمورة
يعاني طيف كبير من سنة لبنان من حاجة ملحّة لراعٍ إقليمي، يخرجهم من حالة الإحباط وعدم القدرة على التأثير. هذه الحاجة التي ما عادت السعودية تلبيها بشكل واضح، ربما تدفع بالطائفة السنّية إلى حضن إردوغان، هذا طبعاً إذا اكترث هذا الأخير للعب دور سياسي جدي في لبنان.
يأتي إحباط الطوائف على أشكال عدة. بعضهم يتقوقع على نفسه، فيما يجهد آخرون بحثاً عن راعٍ إقليمي مفقود. الطائفة السنّية اللبنانية يمكن أن توصف بالقوم التائهين في بحر التنافس الطائفي في لبنان، يبحثون عن راعٍ إقليمي غائب، ربما يجدونه في تركيا.
طوال ليلة الانتصار الانتخابي لرجب طيب إردوغان، احتفل قسم لا بأس به من أبناء الطائفة السنّية في لبنان بفوز الرئيس التركي بولاية رئاسية جديدة. في طرابلس، أقيم احتفال في ساحة التل، فيما أطلقت المفرقعات النارية في صيدا، كما جابت السيارات شوارع بيروت ومجدل عنجر فرحاً بالأخبار الآتية من تركيا.
لا يختلف ميل الطائفة السنّية إلى البحث عن راعٍ إقليمي أو دولي عن بقية الطوائف اللبنانية كثيراً، فالكل يبحث عن حماية ما، إلا أن الطائفة السنّية تبدو الأكثر ضعفاً وتراجعاً في الوقت الحالي، لا سيما مع تراجع الدعم السعودي الذي لطالما استفادت منه، أقله من عام 1992.
اللهاث في البحث عن “زعيم”
البحث عن الراعي، رحلة طويلة خاضتها الطائفة السنية في لبنان، تخللها صعودٌ وخيبات وإخفاقات ووجوه جديدة وأفول أخرى قديمة.
فحتى قبل تحقيق الاستقلال، كان ميل الطائفة السنّية للوحدة العربية، ثم تخلت عنه في “الميثاق الوطني” الذي أرساه ممثل الطائفة، رياض الصلح، بتسوية تأسيسية مع بشارة الخوري، ممثل الطائفة المارونية. من بعدها، بات دور الطائفة هامشياً في لبنان، فانتظرت حتى منتصف الخمسينات، يوم تحمّس سنّة لبنان للرئيس المصري جمال عبد الناصر بعد “العدوان الثلاثي” على مصر عام 1956. حينها، رُفعت صور عبد الناصر في بيروت وصيدا وطرابلس، وبات “زعيم الطائفة” وراعيها.
مع غياب الزعيم المصري عن مسرح الأحداث، وتطور العمل الفدائي المسلح في لبنان، تحوّل ياسر عرفات إلى “زعيم السنّة”، فراهنوا عليه قبيل اندلاع الحرب اللبنانية وبعدها من أجل تغيير النظام السياسي اللبناني، بهدف الحصول على حصة أكبر فيه. لم يغب، في تلك الفترة، حافظ الأسد عن المسرح اللبناني، وحصد بعض التأييد بين أطياف محدودة من الطائفة السنّية اللبنانية، وصولاً إلى رفيق الحريري، السعودي الجنسية والهوى، الذي دعمته بشكل أساسي الرياض بعد إقرار اتفاق الطائف ونهاية الحرب.
أما اليوم، فيبدو واقع الطائفة السنّية في حالة يرثى لها، هذا طبعاً إن قيست الأمور من زاوية القوى الطائفية والصراعات المذهبية في لبنان. زعيمهم المحلي، سعد الحريري، غادر لبنان إلى أجل غير مسمى، فيما السعودية أدارت ظهرها للطائفة وإن مرحلياً، وباتت تفضل العمل السياسي والدبلوماسي الأقل تدخلية في الوقت الحالي، أقله إن قورن أسلوب هذا العمل مع الماضي القريب.
أمام هذا الواقع، يجهد أبناء الطائفة السنّية في البحث عن راعٍ وزعيم جديد. يتحمّسون لتركيا وإردوغان أكثر مما يتحمسون للعب هذا الدور الذي يريدونه لهما في لبنان. في المقابل، لا تكترث تركيا للبنان إلا من ثلاث زوايا، مفضلة عدم البحث عن نفوذ سياسي تقليدي في “بلد كثير المتاعب”، أو السعي للاستثمار في طائفة والرهان عليها لتحقق مكاسب سياسية في بيروت. إن جلّ ما تكترث له تركيا في لبنان هو الحصول على بعض الاستثمارات في المرافق الحيوية اللبنانية، كما دوام تدفق رجال الأعمال والسياح اللبنانيين لصرف أموالهم في تركيا، وأخيراً الاهتمام بالتركمان الذين يسكنون لبنان، وبخاصة في بعض قرى عكار والضنية وطرابلس.
طوال ليلة الانتصار الانتخابي لرجب طيب إردوغان، احتفل قسم لا بأس به من أبناء الطائفة السنّية في لبنان بفوز الرئيس التركي بولاية رئاسية جديدة
تركمان لبنان… قاعدة النفوذ التركي
يحوي لبنان ثلاثة أطياف من التركمان.
أولاً هناك المرتبطون بتركيا ليس سياسياً وحسب، بل أيضاً بالدم والجنسية. ففي عكار، وتحديداً في قريتي عيدمون والكواشرة، وبعض الأحياء الصغيرة في قرى قضاء الضنية، تركمان عثمانيون “تُركوا” في هذه المنطقة بعد انسحاب السلطنة عن مسرح المنطقة والتاريخ. الكثير من هؤلاء حصلوا على الجنسية التركية، بعدما أثبتوا جذورهم العثمانية والتركية عبر أوراقهم الثبوتية، وبالتعاون المباشر مع السفارة التركية في بيروت.
الطيف الثاني هم “الكريتيون”، وهؤلاء يسكنون في مدينة طرابلس بشكل أساسي، وقد أتوا إليها من جزيرة كريت عام 1898 بعدما أخلتها السلطنة العثمانية إثر خسارتها الحرب هناك. لهؤلاء ارتباط أقل عمقاً مع تركيا بالمقارنة مع تركمان عكار، وذلك “لأنهم اندمجوا بشكل كبير في مدينة طرابلس، فنسي كثر منهم هويته الأصلية”، بحسب ورقة بحثية أصدرها “معهد الشرق الأوسط للدراسات والأبحاث الاستراتيجية” عام 2014.
أما في بيروت، فيسكن “الماردينيون” بعض الأحياء الفقيرة، وهؤلاء أتوا إلى لبنان من مدينة ماردين التركية في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي، على وقع الأزمة الاقتصادية العالمية والمشكلات التركية الداخلية. سكن هؤلاء القسم الغربي من بيروت، وهم مؤلفون من سنّة وسريان وحتى بعض الأرمن.
من المجموعات الثلاث، يبدو تركمان عكار الأكثر قرباً من تركيا، فيما حصل كثر منهم على الجنسية ضمن إطار السياسة التركية الخارجية القائمة على تعزيز الشعور القومي والارتباط بين تركمان العالم وبلدهم الأم. في المقابل، رعتهم السفارة التركية بشكل كبير، فرممت مساجدهم، وأنارت طرقاتهم، وعلّمت شبيبتهم بمنح دراسية مجانية، كما اهتمت في البنى التحتية في هذه القرى من بناء طرقات وساحات عامة وملاعب رياضية… فأنتجت هذه الرعاية ولاءً لتركيا.
أما بقية الطائفة السنّية اللبنانية، فتبحث اليوم عن “بطل” قد تجده في إردوغان، بخاصة أن فراغاً سياسياً حقيقياً يعتري الطائفة التائهة في الصراعات المحلية التي باتت، حالياً، لاعباً قليل التأثير فيها.
إردوغان “البطل”… تعبئة فراغ سنّة لبنان
في كتابه المرجعي “إمامة الشهيد وإمامة البطل”، يبحث فؤاد إسحاق الخوري عن كيفية تأثير التنظيم الديني للطوائف على مواقفها السياسية ورؤيتها للزعيم أو “الإمام”. يخلص الأكاديمي اللبناني إلى أن السنّة يبحثون عن “إمام بطل” يشبه إلى حد كبير صورة الخلفاء الراشدين، فيكون قاسياً مقاتلاً حازماً، يجمع في شخصه صورة السياسي والعسكري، ويكون حاملاً للبُعد الديني في أعماله. وذلك على عكس الشيعة مثلاً، حيث “الإمامة” هي للشهيد المضرّج بالدم والفِداء، والذي يُرفع من مقامه في مخيال الجماعة بعد الاستشهاد، فتتحوّل الشهادة والفِداء والموت إلى بطولة تستجلب تطوعاً جديداً وشهداء آخرين.
لا تشذ هذه الرؤية عن السنّة في لبنان، ورؤيتهم للزعيم. فإن كانوا قد رأوا حالتهم الصعبة وفراغ ساحتهم من راعٍ إقليمي في الوقت الحالي، فإنهم باتوا يرون إردوغان بمثابة “البطل” أو “الإمام”. فهو، في مخيالهم طبعاً، يجمع في شخصه الزعيم السياسي الذي رفع من مقام بلاده سياسياً وعسكرياً، ويحمل بُعداً دينياً محافِظاً واضحاً، وهو حازم قاسٍ ومقاتل شرس في سبيل ما يؤمن به.
هذه الصورة البطولية لإردوغان تتجسد في الولاء الذي بات يتمتع به بين الأفراد والجماعات السنّية اللبنانية، كما من ميل عام لدى الطائفة للحصول على الدعم التركي بشكل أو بآخر، إضافة إلى الثناء الإيجابي الذي يُسمع منهم عند الحديث عن “التجربة التركية” الرائدة.
في مقابل ذلك، يشكّل الفراغ السياسي عند الطائفة السنّية اللبنانية نقطة ضعف فيها، أو ربما حجر عثرة في داخلها يمنعها من التأثير الجدي في مجريات الحياة السياسية المحلية، كما الوقوع السهل في فخ التطرف أو الزعامات الطارئة. وللطائفة تجربتان حديثتان في هذا المجال، الأولى تمحورت حول الشيخ أحمد الأسير، الذي ظهر عام 2013 في صيدا وحاول التمدد سريعاً إلى مناطق أخرى. هذا النموذج الرديء عن “الزعامات” المحلية للطائفة ما كان ليبرز لولا غياب القيادة الحقيقية في داخلها. وهناك نموذج آخر مدفوع ببعض الحماسة للحركات المتطرفة شمال لبنان على وقع الحرب السورية في السنوات الماضية. لم يدم هذا النموذج كثيراً ولم يتوسع على جميع الأحوال، وتبدد بسرعة.
هذه النماذج من ظهور جماعات وأفراد يحملون فكراً متطرفاً ما هو إلا نتيجة لأسباب عدة منها، بشكل أساسي، غياب “الإمام البطل” عند الطائفة في لبنان. هذا الغياب الذي يُسهّل جرّ الجماعة إلى مشاريع غريبة عنها، كما يحمّسها، في الوقت عينه، للبحث عن راعٍ إقليمي بسبب غياب الزعامة المحلية الحاضرة والقوية.
مع فرز الأصوات في الانتخابات الرئاسية التركية، احتل الأتراك الذين انتخبوا في لبنان مركز الصدارة في لائحة الدول التي صوتت لإردوغان. انتخب 3286 مواطناً في لبنان (معظمهم من اللبنانيين المجنسين)، حصل إردوغان على 3135 صوتاً منهم، أو ما نسبته حوالى 95 في المئة من مجمل الأصوات. هذه النسبة الضخمة من الأصوات جعلت لبنان يحتل المرتبة الأولى في الدول التي صوتت لإردوغان، وبفارق كبير جداً عن بقية الدول التي توزعت فيها النسب بين الرئيس التركي وخصمه.
يعاني هؤلاء وطيف كبير من سنة لبنان من حاجة ملحّة لراعٍ إقليمي، يخرجهم من حالة الإحباط وعدم القدرة على التأثير. هذه الحاجة التي ما عادت السعودية تلبيها بشكل واضح، ربما تدفع بالطائفة السنّية إلى حضن إردوغان، هذا طبعاً إذا اكترث هذا الأخير للعب دور سياسي جدي في لبنان.
درج
————————-
لوفيغارو: هذه هي تحديات أردوغان في السنوات الخمس المقبلة
تحت عنوان: تركيا.. تحديات أردوغان للسنوات الخمس المقبلة”، قالت صحيفة ”لوفيغارو” الفرنسية إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي أعيد انتخابه بنسبة %52 وحقق حزبه العدالة والتنمية وحليفه حزب الحركة القومية للانتصار البرلماني، يتمتع الآن بكل الحرية اللازمة لتوطيد سلطته، ولإزالة المزيد من تراث جمهورية أتاتورك العلمانية وهي تقترب من الذكرى المئوية لتأسيسها.
واعتبرت الصحيفة أنه في نهاية حملة استقطابية وغير متوازنة، تلاشت الآن أحلام العودة إلى حكم القانون التي تغذيها المعارضة، حيث كان انتخاب كمال كليتشدار أوغلو بمثابة انفتاح ديمقراطي. في برنامجه، كان الأمر يتعلق بإعادة دمج الموظفين المدنيين المفصولين. وتنقل الصحيفة عن زينب جامبيتي، الأستاذة المتقاعدة من جامعة البوسفور، قولها: “لقد كان أملاً عظيماً لآلاف المعلمين الذين جرى تطهيرهم بعد الانقلاب الفاشل في عام 2016”.
واعتبرت “لوفيغارو” أنه بدلاً من لعب ورقة التهدئة، بمجرد إعادة تعيينه، فضّل رجب طيب أردوغان تجاهل طلبات الإفراج عن السجناء السياسيين، حيث انتقد مرة أخرى خلال خطاب النصر الذي ألقاه يوم الأحد الماضي خصومه من خلال صيحات الاستهجان ضد الزعيم الكردي صلاح الدين دميرتاس، المسجون منذ ست سنوات.
وتابعت الصحيفة القول إن لدى الرئيس التركي، الذي عزز موقعه من خلال النتائج الجيدة التي حققها في وسط الأناضول وفي المناطق المتضررة من زلزال 6 فبراير، هاجسا واحدا فقط: استعادة العاصمة أنقرة، وخاصة إسطنبول. وهو ما يدفع إلى توقّع أن تأتي أشهر مظلمة للصحافة المستقلة والناشطين والأكراد وأي قوة معادية تحاول عرقلة هدفه […] بالنسبة إليه، إنها حرب ثقافية بين قسمين متعارضين من المجتمع. وينطبق الشيء نفسه على علاقته بالدين. إذا كان يفرض ضرائب على الكحول، فهو لا يحظرها، تمامًا كما أنه لا يؤيد تخفيض سن زواج الفتيات، وهو ما طلبه بعض أعضاء حزب العدالة والتنمية.
يدرك أردوغان أن التنوع الثقافي في تركيا هو محرك لسياحتها، ومصدر أساسي للدخل في خضم الركود المالي، وفق المؤرخ والباحث التركي هوارد إيسنستات.
وأوضحت “لوفيغارو” أنه بعد عقدين في السلطة، يعد الاقتصاد أكبر مشروع ينتظر أردوغان، فعلى الرغم من العوائق الشعبوية في الأشهر الأخيرة (زيادات الأجور والتقاعد المبكر والمساعدات الاجتماعية)، فإن الأزمة التي تؤثر على المواطنين صارخة: التضخم المتسارع وارتفاع البطالة وهبوط الليرة التركية – ففي يوم الاثنين 29 مايو، في اليوم التالي للجولة الثانية، انخفضت إلى مستوى تاريخي (1 يورو مقابل 21.60 ليرة تركية). إن الخطأ، بحسب الخبراء، يكمن في سياسة تخفيض أسعار الفائدة، خلافا لكل منطق اقتصادي.
على عكس معتقدات أردوغان، فإن أسعار الفائدة المنخفضة لم تمنع التضخم ولا حفزت الاستثمار وخلق فرص العمل. على العكس من ذلك، فقد زاد الاستهلاك السنوي بنسبة 22% خلال العامين الماضيين، وبالتالي الواردات، من خلال توسيع عجز الميزان التجاري، كما يلاحظ إيرينك يلدان، أستاذ الاقتصاد في جامعة قادر هاس.
واعتبرت “لوفيغارو” أنه لتجنب الإفلاس، لا مفر من تدابير التقشف. فالبنك المركزي ينفد من الاحتياطيات، و لا خيار أمام أردوغان سوى خفض أسعار الفائدة: قرار سيلقي باللوم فيه على الأزمة الاقتصادية العالمية. وبما أنه وجد نفسه في موقع قوة بعد إعادة انتخابه، فلن يواجه أي مشكلة في “بيع” هذا البرنامج إلى قاعدته، تحت ستار التضحية الجماعية نيابة عن الأمة التركية العظيمة، يتابع الخبير الاقتصادي.
في تركيا في عهد أردوغان، يسير الاقتصاد جنبًا إلى جنب مع الجيوسياسة. لا شك في أنه سيستمر في التأثير على توازنه عندما يتعلق الأمر بالدبلوماسية. اعتمادًا على موسكو فيما يتعلق باستهلاك الغاز (لم تُدفع الفواتير لمدة عام)، ويفترض ألا تشهد الدولة أي تغيير كبير في علاقتها مع روسيا – التي افتتحت للتو أول محطة للطاقة النووية في تركيا. في الوقت نفسه، يعتزم الرئيس التركي إعادة تأكيد دوره كوسيط بين موسكو وكييف، حيث يوفر له طائرات مقاتلة بدون طيار.
و الذوبان الذي بدأ قبل بضعة أشهر مع دول المنطقة – إسرائيل والسعودية والإمارات وإلى حد ما سوريا – سيستمر أيضًا، تقول “لوفيغارو”، مشيرة إلى أنه خلال اتصال هاتفي يوم الاثنين، اتفق أردوغان ونظيره المصري بالفعل على تعزيز العلاقات وتبادل السفراء، بعد سنوات من التوتر بعد الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي في عام 2013.
ويمكن لتركيا، بصفتها عضوًا أساسيًا في الناتو، العودة إلى طاولة المفاوضات لجلب السويد إلى الحلف الأطلسي – وهو موضوع أثير في بداية الأسبوع بين أردوغان وجو بايدن خلال مكالمة من الرئيس الأمريكي للتهنئة بفوزه.
—————————–
واشنطن بوست: فاز أردوغان بالرئاسة التركية.. فماذا سيفعل الغرب الآن؟
إبراهيم درويش
نشرت صحيفة “واشنطن بوست” افتتاحية علقت فيها على نتائج الانتخابات الرئاسية التركية وقالت فيها “فاز أردوغان في تركيا، ما الذي سيفعله الغرب الآن؟”. وأضافت أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي فاز بخمس سنوات أخرى نهاية الأسبوع هو “حليف تتمنى واشنطن وحلفاؤها الغربيون أن يعملوا بدونه، ولم يعد هذا خيارا، ولكن لدى الولايات المتحدة والشركاء الأوروبيين بعض الأوراق التي يمكنهم من خلالها لكز الرئيس التركي عن بعض سياساته المؤذية”.
وعلقت الصحيفة أن أردوغان رجل قوي أضعف الديمقراطية والحقوق المدنية في بلاده واصطف مع موسكو مقابل مليارات الدولارات الروسية لدعم الاقتصاد التركي المتداعي و”سيظل أردوغان مشكلة يجب التعامل معها” وإدارتها.
وقالت إن الدبلوماسية الصعبة واستعراض العضلات والعلاقات التعاقدية جلبت لأردوغان منافع، ولكنها تظل المفتاح لتقليل المشكلات التي يتسبب بها. وأشارت إلى أن أردوغان يواصل الوقوف أمام انضمام السويد إلى الناتو، لرفضها اتخاذ خطوات قاسية، بما فيها ترحيل ناشطين أكراد يعتبرهم أردوغان إرهابيين.
وحسب الصحيفة فقد عارض أردوغان العقوبات الغربية التي فرضت على روسيا وفتح ممرا استطاعت من خلال موسكو استيراد بعض السلع التي منعت الولايات المتحدة وأوروبا تصديرها إلى هناك. ولدى أردوغان طلب كبير من الولايات المتحدة، وربما طلب أكثر مع استمرار انهيار الاقتصاد التركي. فلأكثر من عام يحاول شراء مقاتلات أف-16 بقيمة 20 مليار دولار، إلى جانب أجهزة لتحديث مقاتلاته القديمة. ويدعم بايدن صفقة المبيعات، لكن قادة الكونغرس الغاضبين من عرقلته انضمام السويد إلى الناتو علقوا الصفقة. وتقول الصحيفة إن عرقلة العضوية السويدية هي هدية لفلاديمير بوتين، ولكنها تظل رمزية في الوقت الحالي لأن الناتو يدمج القوات السويدية في بنيته العسكرية بدون منح ضمانات أمنية.
وفي هذه المواجهة لدى الولايات المتحدة ورقة نفوذ على تركيا من خلال صفقة أف- 16، وعلى قادة الكونغرس التصرف بحكمة قبل أن يفتحوا الطريق أمام الصفقة. وعلى إدارة بايدن الحصول على مزيد من التنازلات من تركيا التي تمنع الأوليغارش الروس من استخدام تركيا كقاعدة لعملياتهم ومكان للسياحة، فقد كانت الضغوط السابقة من أمريكا فعالة جزئيا، ودفعت تركيا إلى منع نقل البضائع الممنوع التداول بها مع روسيا، ويجب على المسؤولين الأمريكيين استخدام الحزم ومعاقبة الكيانات التي تتخذ تركيا مقرا لها والتي تقوم بكسر العقوبات.
ويظل الدعم المالي الروسي حيويا في الحفاظ على الاقتصاد التركي، حيث تواصل العقوبات الغربية الضغط على موارد النفط الروسية. لكن مع العجز العسكري الروسي في أوكرانيا وتراجع موارد النفط بسبب العقوبات، يجب أن تكون رسالة واضحة لأردوغان بأن علاقاته الدافئة مع بوتين لن تعود عليه بالكثير من الدعم.
صحيح أن الغرب لن يكون قادرا على وقف الزحف الثابت لأردوغان بعيدا عن الديمقراطية، إلا أن انتصاره الانتخابي مرتبط بالقمع الذي مارسه ضد الإعلام الإلكتروني وسجنه للمعارضة وتلاعبه القاسي بمؤسسات الدولة ومصادرها وسجله الشنيع في حقوق الإنسان، كلها كانت مهمة في حفاظه على السلطة.
ومع ذلك، فإن إدارة بايدن والحلفاء الأوروبيين يجب أن يواصلوا الحديث من أجل القيم الأوروبية الأساسية التي داس عليها أردوغان، حتى مع مواجهة واقع أنه يحظى بحماية واحدة من أهم المؤسسات الأوروبية المتميزة.
——————————
الانتخابات التركية: أي ارتدادات على الأحزاب؟/ زاهر البيك
أسدلت تركيا الستار على ماراثونها الانتخابي، بفوز رجب طيب أردوغان بالرئاسة على منافسه كمال كلجدار أوغلو، لكنها في الوقت نفسه تقف أمام مرحلة جديدة في السياسة قد تضع حداً لمرحلة امتدت على العقدين الماضيين.
وتُعتبر الولاية الجديدة آخر فترة رئاسية لأردوغان، وربما أيضاً نهاية الحياة السياسية لشخصيات أخرى مثل كلجدار أوغلو، وزعيم الحركة القومية دولت بهتشلي بسبب مرضه وتقدمه في السن، وغيرهما من القادة.
رسائل من الناخبين الأتراك
وبعدما تمكّن حزب العدالة والتنمية ومرشحه أردوغان وحلفاؤه من تحقيق نصر صعب في الرئاسيات والبرلمان، فان نتائج الانتخابات ونسب التصويت تحمل رسائل تغيير مهمة للمنتصرين والمهزومين.
وقال مصدر من “العدالة والتنمية” لـ”العربي الجديد”، إن الفوز الصعب وتقدّم مرشح المعارضة في ولايتي إسطنبول وأنقرة سيدفعان أردوغان لإجراء تحسينات وتغييرات على مستوى معظم الوزارات وإعادة وزراء سابقين كانوا قد حققوا نهضة اقتصادية للبلاد مثل وزير المالية السابق محمد شمشك، ووزير التنمية السابق جودت يلماز لتولي مناصب حكومية، إضافة لتكليف قوميين وخبراء مستقلين عليهم إجماع في الشارع التركي.
وأضاف: “بعد تشكيل الحكومة الجديدة وحلف البرلمانيين اليمين القانوني، سيقوم الحزب بتقييم فترة الانتخابات وربما يتجه لإجراء تغييرات في قيادته في ولايتي أنقرة وإسطنبول استعدادا للانتخابات البلدية بعد عشرة شهور”.
وفي السياق، ذكرت صحيفة “جمهورييت” المقربة من الحكومة، أن براءت البيرق صهر الرئيس، سيعود لتولي وزارة الطاقة والموارد الطبيعية في الحكومة الجديدة.
من جهته، قال الباحث في كلية العلوم السياسية بجامعة سكاريا نورالدين أحمد أوغلو، لـ”العربي الجديد”، إن “حزب الحركة القومية وزعيمه دولت بهتشلي تمكنا في هذه الانتخابات من الحفاظ على قوة الحزب على عكس التوقعات، وتثبيت حاجة حليفهما العدالة والتنمية المصيرية لهما للاستمرار في السيطرة على الأغلبية البرلمانية”، متوقعاً عودة المرشح الرئاسي سنان أوغان إلى الحزب تحضيراً لخلافة بهتشلي.
ولفت إلى أن “نتائج الانتخابات منحت أحزاب التحالف الجمهوري الصغيرة، خصوصاً حزبي الرفاه الجديد والهدى الكردي، الفرصة للحصول على مكاسب سياسية مهمة، لا سيما أنهما دخلا البرلمان للمرة الأولى وربما يحصلان على جزء من كعكة البيرقراطية”.
أما على جبهة تحالف الشعب المعارض، فرجح أحمد أوغلو تمسك كلجدار أوغلو بمنصبه على الرغم من هزيمته والمطالبات باستقالته لا سيما أنه يسعى لتقديم هذه النتيجة كنصر على اعتبار أنه حصل على رقم قياسي بالنسبة للمعارضة.
ورأى أن كلجدار أوغلو سيسعى أيضاً إلى الحفاظ على تحالف الشعب من دون تغيير جوهري حتى الانتخابات البلدية المقبلة على اعتبار أنه سيقدمها للجمهور كفرصة جديدة لاستعادة المعنويات والنصر في المدن الكبرى بالذات.
واعتبر أن كلجدار أوغلو فقد مرتكزاته السياسية المبنية على إعادة النظام البرلماني المعزز وإسقاط أردوغان وتقاسم السلطة، وبالتالي فإنه سيواجه انتقادات حادة على مستوى قواعده في ظل مطالبات صريحة لتولي أكرم إمام أوغلو رئاسة الحزب خلال الفترة المقبلة وهو المنصب الذي يصبو إليه. وأضاف أن كلجدار أوغلو سيواجه أيضاً تحديات على جبهة الحزب الجيد.
وكان رئيس بلدية بولو، القيادي في حزب الشعب الجمهوري تونجو أوزجان، قد طالب كلجدار أوغلو بالاستقالة من رئاسة الحزب وتولي إمام أوغلو المنصب. كما تجمهر عدد من أعضاء الحزب عقب الإعلان عن نتيجة الانتخاب أمام مقر الحزب الرئيسي في أنقرة وهتفوا باستقالة كلجدار أوغلو.
من جهة أخرى، لفت أحمد أوغلو إلى أن فشل رهان حزب الشعوب الديمقراطي على كلجدار أوغلو سيجعله يبحث عن خيارات أخرى في المرحلة المقبلة التي سيشهد الحزب فيها تشديد الخناق القضائي عليه وربما إغلاقه.
وتعتبر الأحزاب الصغيرة المستقلة التي انتهجت خيار الطريق الثالث، مثل حزبي النصر بقيادة أوميت أوزداغ والبلد بقيادة محرم انجه، من أبرز المتأثرين بهذه النتائج أيضاً، فبينما حققت نتائج منخفضة وفشلت في الدخول إلى البرلمان، رأى أحمد أوغلو أن هزيمة المعارضة بهذا الشكل واستمرار قياداتها الحالية ستمنح أحزاب الطريق الثالث زخماً خاصاً على المدى المتوسط والطويل بما يعزز أطروحة الطريق الثالث.
أردوغان ونزيف شعبية “العدالة والتنمية”
من جهته، توقع الباحث في الشأن التركي سعيد الحاج، في حديث مع “العربي الجديد”، أن يعيد أردوغان النظر في نتيجة حزب العدالة والتنمية الذي تراجع في الانتخابات التشريعية بنسبة 7 في المائة عن آخر انتخابات، والتي كان تراجع فيها أصلاً 7 في المائة كذلك عن الانتخابات التي سبقتها في 2011.
ورأى أن هذا النزيف المستمر في شعبية الحزب الحاكم ظاهرة مقلقة وستحتاج للوقوف أمامها ومحاولة علاجها، وإلا كان التحدي في الانتخابات المقبلة مختلفاً جداً، لا سيما مع اختلاف شكل المعارضة وتحالفاتها وخلفيات أحزابها أخيراً.
وأكد الحاج أن كلجدار أوغلو أضاف إلى سجله هزيمة إضافية أمام أردوغان، ولكن هذه المرة في ظل آمال وتوقعات بإمكانية كبيرة للفوز وكذلك بعد أن فرض ترشحه على الرغم من الاعتراضات على حزبه ثم على الطاولة السداسية، متوقعاً أن يكون للنتيجة ارتدادات داخل حزب الشعب الجمهوري.
وتساءل الحاج حول مصير الطاولة السداسية المعارضة، فهي جهة خسرت الفكرة الرئيسة التي جمعت أحزابها وهي العودة بالبلاد للنظام البرلماني التي كانت تحتاج أغلبية في البرلمان، كما أن مرشحها خسر الانتخابات الرئاسية، مبينا أن بعض ملامح التململ تبدت في التحالف المعارض وحالة من الخلافات أخفيت عن الأنظار قدر الإمكان حتى جولة الإعادة لعدم التأثير على نتائجها.
ورأى أن خروج كلجدار أوغلو وحيداً في كلمته بعد النتيجة، وخروج حلفائه بتصريحات منفصلة، يشير بوضوح إلى أن الخلافات الكامنة مرشحة للخروج للعلن قريبا، مما يعني أن وحدة الطاولة السداسية ستكون على المحك في المرحلة المقبلة.
العربي الجديد
————————–
تلك الانقسامات/ مروان قبلان
لطالما كانت الانقسامات والاستقطابات سمةً بارزةً من سمات النظام الدولي وتفاعلاته، لكنها باتت أيضا السمة الغالبة داخل الدول والمجتمعات، وتهدّد بتحوّلها اليوم إلى مصدر الصراع الأول في مناطق عديدة، فحيثما نظرت تجد الشعوب والمجتمعات منقسمةً على ذاتها، وقد يصل هذا الانقسام إلى حد النزاع المسلح والحروب الأهلية، كما يحصل في منطقتنا العربية، مثلا. أسباب الانقسام، بعد أن تراجع دور الأيديولوجيا، وإنْ كانت تحضر بلبوس وأشكال مختلفة أحيانا (إسلامي – علماني، محافظ – ليبرالي)، متعدّدة تبدأ بالصراع على توزيع السلطة والثروة، حيث يحتدم الخلاف بشأن السياسات والبرامج الاقتصادية والاجتماعية، والتمثيل السياسي، وصولا إلى مسائل اللجوء والهجرة والتحدّيات التي يفرضها التعدد الثقافي والإثني في مجتمعاتٍ حديثة، أو التنوّع المذهبي والطائفي والقبلي في مجتمعات تقليدية، مرورًا بالانقسام حول شكل نظام الحكم (ملكي – جمهوري أو رئاسي – برلماني)، وحتى حول شخصيات قادة وزعماء، يتحوّلون بحضورهم الطاغي إلى موضع انقسام عميق في مجتمعاتهم، كما هو الحال في أميركا (ترامب) وإسرائيل (نتنياهو). ويكاد لا يخلو مجتمع اليوم من انقسامات، واستقطابات، عميقة تهدّد نسيجه الاجتماعي وتماسكه السياسي، بدءا بأكثر النظم الديمقراطية عراقةً في العالم (الولايات المتحدة مثلا) وصولا إلى أكثرها استبدادا، سواء كانت علمانيّة التوجّه (الصين) أو ثيوقراطية (إيران) وما بينهما من نظم هجينة.
بضع حالات بدت لافتة في الفترة الأخيرة لجهة عمق انقساماتها الأهلية، أبرزها الولايات المتحدّة، إسرائيل، إيران، وتركيا. ففي الولايات المتحدة تتعمّق الانقسامات الحزبية والمجتمعية منذ مطلع التسعينيات (رئاسة بيل كلينتون) بين فئات يمينية بيضاء، تتدهور أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية باستمرار، وباتت تخشى من تحوّلها إلى أقليةٍ نتيجة موجات الهجرة واللجوء المتنامية، وبين بقية الفئات الاجتماعية (الملوّنة في غالبيتها) التي تناضل ضد عنصريةٍ متأصلةٍ في المجتمع، وتسعى من أجل فرص متكافئة. وقد اشتدّ الانقسام مع وصول أول أميركي من أصول غير بيضاء الى رئاسة الولايات المتحدة (باراك أوباما) وردّة الفعل التي تمثلت ببروز ظاهرة ترامب والقاعدة التي تسندها من دعاة تفوّق العرق الأبيض (white supremacists). وقد بات هذا الانقسام يهدّد فعليا تماسك المجتمع الأميركي ومستقبل الديمقراطية فيه مع تضاؤل قدرة الطرفين على التعايش.
في إسرائيل يبرز الانقسام جليا بين معسكر اليمين المتطرّف الذي يشمل أتباع الصهيونية الدينية واليمين الفاشي من جهة والقوى العلمانية (الاشتراكية ثم الليبرالية) التي مثلت أغلبية في إسرائيل خلال العقود الأولى لقيامها. وقد بلغ الانقسام ذروته في محاولات اليمين الديني والقومي إخضاع القضاء لأجندته، وردّة الفعل التي حصلت من الطرف الآخر، وتمثّلت في الاحتجاجات الواسعة التي دفعت رئيس الوزراء نتنياهو إلى التراجع، بعد أن أخذ الانقسام أبعادا خطرة بوصوله إلى الجيش وأجهزة الأمن.
في إيران، تزداد الهوة بين نظام أحادي مغتربٍ عن مجتمعه، يعتمد في بقائه على أجهزة الأمن والقاعدة الاجتماعية المرتبطة بها اقتصاديا، ومجتمع تعدّدي متعلم، اعتادت طبقاته الوسطى الانفتاح على الخارج والتفاعل معه. يظهر هذا الانقسام بوضوح في الاحتجاجات المتكرّرة التي تشهدها البلاد حول قضايا متنوعة، اقتصادية واجتماعية، وفي هجرة العقول الإيرانية، حيث تسجّل إيران أعلى نسبة نزيف أدمغة في العالم (في إيران مثلا 1.6 طبيب لكل ألف من السكان في حين أن الحد الأدنى بحسب منظمة الصحة العالمية 2.5 طبيب لكل ألف من السكان).
في تركيا، برز الانقسام عميقا في الانتخابات أخيرا بين معسكري “الشعب” الحاكم و”الأمة” المعارض. ورغم أن الانقسام بدا للوهلة الأولى أيديولوجيا ومتمركزا حول هوية البلد (إسلامية أو علمانية)، إلا أن الاستفتاء كان في حقيقة الأمر بشأن بقاء الرئيس أردوغان أو رحيله، حيث توزّع المحافظون والقوميون والعلمانيون والأكراد وغيرهم من ألوان الطيف السياسي التركي على المعسكرين، وكانت المرارة واضحة في معركةٍ انتخابيةٍ لم تشهد تركيا مثيلا في استقطابها. مع ذلك، ومع أن الناس تصبح أقلّ تسامحا باستمرار مع الاختلافات، إلا أنه وفي كل الحالات التي سقناها تبقى احتمالية لجوئهم إلى القوة لحل الخلافات أقلّ لوجود مؤسسات وطرق للتعبير. في عالمنا العربي، للأسف، إما أن تبقى الانقسامات مكبوتةً في ظل الاستبداد أو تتحوّل إلى حرب أهلية إذا تراخت قبضته.
العربي الجديد
———————————–
هل ستشكل الانتخابات التركية الأخيرة نهاية لاستخدام ورقة اللاجئين السوريين؟/ فراس فحام
وضعت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة في تركيا عبئاً غير مسبوق على اللاجئين عموماً، وبشكل خاص السوريين الذين وجدوا أنفسهم في عين العاصفة، بعد أن أسس أكبر أحزاب المعارضة التركية حزب الشعب الجمهوري حملته الانتخابية على وعود رئيسية أبرزها التعهد بترحيل السوريين خلال عامين من تسلّم حكم البلاد.
وازدادت اللهجة التصعيدية لمرشح الطاولة السداسية للرئاسة كمال كيلتشدار أوغلو، بعد جولة الانتخابات الأولى، التي أظهرت تقدم مرشح تحالف الجمهور رجب طيب أردوغان عليه بفارق يقارب 5 نقاط، مما دفع مرشح المعارضة لإبرام تحالف مع زعيم حزب الظفر أوميت أوزداغ المعروف بخطابه المتطرف تجاه الأجانب واللاجئين السوريين تحديداً، وامتلأت بعدها المدن التركية باللافتات التي يتوعد فيها كيلتشدار بترحيل اللاجئين السوريين في حال فوزه، وهذه المرة دون الإشارة إلى مدة سنتين!
مع حلول مساء 28 أيار/ مايو الجاري، ورفع الحظر عن نتائج جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية، حصد أردوغان أكثر من 52% من أصوات الناخبين وحسم السباق الانتخابي، وخسر مرشح تحالف المعارضة، وسبق هذا فوز تحالف الجمهور بغالبية مقاعد البرلمان، على الرغم من إصرار أردوغان حتى اليوم الأخير في السباق الانتخابي على رفض طرد اللاجئين بشكل مهين، وأبدى التمسك بتهيئة الأرضية المناسبة لإعادتهم بشكل إنساني.
في نظرة سريعة على نتائج الولايات التركية، يظهر بشكل واضح تقدم أردوغان وتحالف الجمهور عموماً في غالبية الولايات التي تستضيف اللاجئين السوريين، إذ حازوا على أغلبية مريحة في كل من هاتاي وغازي عنتاب وكهرمان مرعش وكيليس وقونيا وبورصة، وهي الولايات التي تحتضن أكبر نسبة من اللاجئين السوريين، كما أن تقدم كيليتشدار أوغلو على أردوغان في ولاية إسطنبول كان بفارق طفيف يبلغ 2.5 نقطة تقريباً، ولا يمكن الجزم أن التفوق بإسطنبول مرتبط باقتناع الناخب بدعاية المعارضة حول اللاجئين، حيث هناك عوامل أكثر تأثيراً منها دعم شريحة كبيرة من الأكراد لمرشح المعارضة بحكم التوافقات السياسية، بالإضافة إلى الاصطفاف الإيديولوجي خاصة في القسم الأوروبي من إسطنبول، والأثر الكبير للتضخم في المدن الكبرى مقارنة مع باقي المناطق.
أيضاً؛ تفوق مرشح المعارضة في ولاية مرسين التي تستضيف قسما من اللاجئين السوريين، لا يتعلق بملف اللاجئين بشكل أساسي، إذ إن هذه الولاية إلى جانب إزمير وأنطاليا من المعاقل التقليدية لحزب الشعب الجمهوري الذي يرأسه كيليتشدار.
ومن الخلاصات اللافتة التي يمكن استخلاصها من نتائج الانتخابات الأخيرة، عدم نجاح حزب الظفر بقيادة أوزداغ بحصد أي مقعد في البرلمان، واقتصار نتيجته على قرابة 2% من غالبية أصوات الناخبين، على الرغم من كل الدعاية التحريضية وتخويف المجتمع التركي من خطر اللاجئين.
أيضاً، لا يمكن ربط صعود التيار القومي في الحياة السياسية بقضية كراهية الأجانب واللاجئين، إذ ثمة عوامل أخرى أشد تأثيراً وتفسر صعود التيار القومي التركي، وهي متعلقة بالمخاوف من تنامي دور حزب الشعوب الديمقراطي الكردي في الحياة السياسية التركية (متهم بالتنسيق مع حزب العمال الكردستاني)، خاصة بعد التوافقات التي حصلت بين هذا الحزب والطاولة السداسية، التي أدت لإثارة القلق في الأوساط التركية وزادت المخاوف من تكرار سيناريو سوريا والعراق من حيث إقامة حكم ذاتي، لكن هذه المرة بتوافقات سياسية، وبالعموم هذه المخاوف ليست وليدة اللحظة، بل زادت وتطورت منذ إعلان وحدات الحماية الكردية في سوريا بالاشتراك مع قوى أخرى مشروع الإدارة الذاتية قرب الحدود التركية، والدليل على التحليل السابق تراجع شعبية الحزب الجيد إلى ما دون 10% مقارنة مع انتخابات عام 2018، بسبب تأييد حزب الشعوب الديمقراطي لتحالف المعارضة الذي ينضوي ضمنه الحزب الجيد ذو الخلفية القومية، في حين حافظت الحركة القومية على شعبيتها عند 11% رغم كل استطلاعات الرأي التي كانت ترجح تراجع شعبية الحركة إلى 7%.
المرجح أن تكون الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة نقطة تحول في سياسة استثمار اللاجئين لتحقيق مكاسب سياسية، خاصة مع توجه التحالف الحاكم في تركيا لاستكمال جهوده الرامية لتسهيل عودة مئات الآلاف من اللاجئين بعد إنشاء تجمعات سكنية لهم شمال غربي سوريا، وفتح مسار تفاوضي مع النظام السوري من أجل تحصيل ضمانات لتسهيل عودة اللاجئين إلى باقي المناطق السورية، وإبراز هذا الجهد أمام وسائل الإعلام التركية، مما يعني أن ورقة اللاجئين ستفقد كثيرا من بريقها وتأثيرها لدى الشارع التركي، الذي يبدو هو الآخر أصبح أكثر وعياً وأقل تأثراً بالمعلومات التضليلية التي تُنشر حول اللاجئين، ومدرك أنها في سياق التوظيف السياسي ليس أكثر.
لقد أظهرت نتائج الانتخابات الأخيرة في تركيا غياب الجدوى الكبيرة لعملية التحريض على اللاجئين، وأن الناخب التركي لديه اهتمامات أخرى تحتل قائمة أولوياته، بل توجد شريحة من الشعب التركي لا تخطئها العين، ترفض خطاب الكراهية تجاه الآخر وخاصة العرب، ولذا فمن المنتظر أن يتراجع الجموح باتجاه التحريض خلال الحملات الانتخابية المقبلة، وإن كان لن يغيب بالمطلق، بل المتوقع أن تحافظ بعض التيارات على سياساتها التحريضية.
—————————–
نتائج الانتخابات التركية و”القرن الجديد” بعد رؤيتين متباعدتين/ أسامة آغي
كشفت الانتخابات التركية الأخيرة مسألة هامة، تتعلق بعمق وعي الشعب التركي بتحديد خياراته عبر صناديق الاقتراع.
هذه الانتخابات، نفت بصورة ملموسة ادعاءات داخلية وخارجية، حول مركزة السلطة بشخص الرئيس طيب رجب أردوغان على حساب النهج الديمقراطي في البلاد، الذي تمثّل بعدم قدرة المتنافسين على الرئاسة بحسم التنافس من الجولة الأولى.
الانتخابات التركية، كشفت أيضاً عن مسائل عديدة، تتعلق ببنية التحالفين الرئيسيين الذين دخلا معركة الانتخابات برؤيتين متباعدتين.
الرؤية الأولى، والتي أطلقت على نفسها تسمية “تحالف الجمهور” وتضم الحليفين الأساسيين “حزب العدالة والتنمية و”الحركة القومية”، يرتكز على مسألتين رئيسيتين، الأولى تتعلق بتعميق التنمية التركية الشاملة، والتي نقلت تركيا من مرتبة الاقتصاد الذي كان ترتيبه ما دون المئة قبل عام 2002، وأصبح عام 2019 في المرتبة 17 عالمياً.
والمسألة الثانية تتعلق بموقع تركيا السياسي العالمي المتوازن، الذي يتجنب الاصطفاف الحاد في الصراع العالمي بين الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة من جهة، والحلف الروسي الصيني من جهة ثانية.
الرؤية الثانية، والتي أطلقت على نفسها تسمية “تحالف الأمة”، الذي ضمّ ما يسمى أحزاب الطاولة السداسية، هذا التحالف لم يكن لديه برنامج عمل اقتصادي، يستطيع مقابلة برنامج تحالف الجمهور، إنما وضع لنفسه رؤية سياسية ارتكزت على نقطتين رئيسيتين، هما إسقاط النظام الرئاسي والعودة إلى النظام البرلماني كقضية أولى، وترحيل اللاجئين السوريين دون مراعاة حقيقية للقوانين الدولية بهذا الأمر كمسألة ثانية.
تحالف الأمة، كان على استعداد لتنفيذ مطالب الغرب، بوقف برامج تصنيع الأسلحة الدفاعية، والتي تمنح تركيا حرية اتخاذ مواقفها، دون أن يستطيع الغرب التأثير عليها بمسألة التسليح الدفاعي، وقد ظهر ذلك حين أبعدت الولايات المتحدة تركيا عن الشراكة في برنامج انتاج الطائرات من صنف F35. كما ظهر حين تمت عملية سحب منظومة الدفاع الجوي الأمريكية المسماة “باترويت “بعد إسقاط تركيا لطائرة روسية خرقت مجالها الجوي.
كما أن تحالف الأمة يعتبر نفسه حليفاً للغرب، وهذا الأمر، دفع الأخير (الغرب) لمساندة تحالف الأمة في معركته الانتخابية، من خلال تصويره على أنه من يريد استعادة النظام البرلماني الذي يمثّل برأيهم جوهر الديمقراطية، والرجوع عن النظام الرئاسي الذي تم اعتماده من قبل حزب العدالة بعد انقلاب الخامس عشر من تموز عام 2016.
تحالف الأمة وضع هدف ترحيل اللاجئين عن تركيا، وفي مقدمتهم السوريين، كنقطة رئيسية في اجتذاب الناخبين، هذا الهدف تمت نسج روايات غير واقعية حوله، حيث صوّر تحالف الأمة اللاجئين كجهة مسؤولة عن مزاحمة الأتراك في سوق العمل التركي. هذا الأمر لم يكن صحيحاً، واستخدم كنقطة ارتكاز لمواجهة تحالف الجمهور.
لقد بالغ تحالف الأمة بأرقام عدد اللاجئين في تركيا، والغاية من ذلك تحميله مسؤولية الأوضاع الاقتصادية في البلاد الناجمة عن التضخم الاقتصادي، والذي أساسه ركود عالمي بسبب جائحة كورونا، وغير ذلك من أزمات عالمية، كالحرب الروسية على أوكرانيا.
إن تحالف الجمهور الذي يقوده الرئيس أردوغان، كان معنياً باستمرار تعميق وتوسيع مسيرة التنمية التركية الكبرى، حيث أعلن أردوغان في أكثر من مناسبة، بأن بلاده التي تنتهي معاهدة لوزان المجحفة بحقها عام 2023، ستبدأ مرحلة ما أسماه (قرن تركيا)، هذا يعني دفع تركيا اقتصادياً، لتحتل موقعاً متقدماً لها بين مجموعة الدول العشر الأكبر اقتصاداً على المستوى العالمي.
هذا الهدف الكبير لا يمكن إنجازه وفق رؤية الرئيس رجب طيب أردوغان بغير التحلل من سياسات التبعية للغرب، وبغير بناء القوى الذاتية للأمة التركية، وهو يستلزم توفير الشروط السياسية والأمنية له، وفي مقدمة ذلك سحق القوى المهددة للأمن القومي التركي، ومحاولة العمل على حل للقضية السورية، عبر مقاربة القرارات الدولية.
الأتراك، وعبر أكثر من عشرين عاماً في ظل حكم حزب العدالة والتنمية، لمسوا واقعياً تحسن مستوى معيشتهم على كل الصعد، فلم يأكل التضخم قدراتهم الاقتصادية، لأن الحكومة كانت تدير معادلة التوازن بين الأسعار والدخل، بما يجعل الاستقرار في الحياة اليومية قاعدة لاستمرار التنمية الشاملة الكبرى.
كما أن الوضع الاقتصادي العام الذي جعل تركيا بين مجموعة العشرين الأكثر قوة اقتصادياً، هو من جعل الشعب التركي يبحث عن استعادة دوره في إدارة شؤون العالم سياسياً.
إن نجاح الانتخابات في تركيا، سيعزز من توق شعوب بلدان عربية وإسلامية في العمل من أجل أن تلعب دوراً حاسماً في اختيار أهدافها في التنمية والبناء، وسيجعل من طريقة الوصول إلى سدّة الحكم عبر صناديق الاقتراع الشفّاف هدفاً أساسياً لهم.
لهذا حاولت قوى عديدة التدخل في هذه الانتخابات عبر دعم تحالف الأمة، ظناّ منهم بضرورة إبعاد برنامج التنمية الكبرى التركي عن التنفيذ، وهذا لن يتم بغير دعمهم لمن يرى في هذا البرنامج نهاية وجودهم السياسي بعد استنفاذ دورهم التاريخي منذ ما قبل مرحلة حكم حزب العدالة والتنمية.
إن مهام التنمية التركية الكبرى، لا تزال بحاجة لإتمام فصولها، وهذا يرتب على حزب العدالة والتنمية وحلفه (الجمهور) تجديد القوى الحاملة لهذه المهام، والاعتماد على قوى الشباب في إتمام إنجاز المرحلة، مما يمنع العودة إلى الخلف.
فهل سيعمل تحالف الجمهور على تجديد الرؤية باستمرار، وجذب حركة الشباب إلى معركة تطوير تركيا المستمرة، إنها الضرورة، التي لا يمكنها العيش بدون مناخات الحريات والديمقراطية في هذه البلاد التواقة لاستعادة أمجادها، بما يتفق وتطور العصر؟
كاتب وصحافي سوري
———————————
===================
تحديث 26 أيار 2023
قبيل الجولة الثانية من الرئاسيات التركية/ بكر صدقي
بعد ثلاثة أيام سيذهب الناخبون في تركيا، مرة ثانية، إلى صناديق الاقتراع ليقرروا من سيكون رئيس الجمهورية في تركيا للسنوات الخمس القادمة، بعدما تعذر حسم الأمر في الجولة الأولى التي جرت في منتصف الشهر الجاري.
كانت المفاجأة الأبرز في نتائج الجولة الأولى هي حصول المرشح الثالث سنان أوغان على نسبة من الأصوات تجاوزت الخمسة في المئة، فبات في موقع «مفتاحي» كما يقال لحسم النتيجة في الجولة الثانية. الدور المفتاحي المزعوم هذا ينطلق من عملية حسابية بسيطة مفادها أن جمع الأصوات التي حصل عليها أوغان إلى عدد أصوات أي من المرشحين الرئيسيين من شأنه أن يمنح الأخير الفوز. ولكن هل الأمر بهذه البساطة حقاً؟ وهل وجود أوغان في الانتخابات هو ما منع حسمها من الجولة الأولى؟
قبل كل شيء، كان يمكن لأردوغان أو كليتشدار أوغلو أن يحسم النتيجة لمصلحته من الجولة الأولى على رغم وجود أوغان بين المتنافسين، وذلك بتحقيق نسبة الخمسين في المئة من الأصوات زائد صوت واحد على الأقل، ولا مشكلة، في هذه الحالة من تقاسم الأصوات المتبقية بين المنافسين الآخرين. لكن الناخب كان له رأي آخر حين امتنع عن منح أحدهما تفويضه، فيضطر لخوض غمار جولة ثانية للحسم.
أما أولئك الذين صوتوا لأوغان فقد فعلوا ذلك من غير أن تكون لديهم أوهام بشأن احتمال فوزه، بل فعلوا ذلك لأنهم لا يريدون الفوز لأي من المرشحين القويين، أردوغان وكليتشدار أوغلو. وقد تحقق لهم ذلك في الجولة الأولى، ومن المحتمل أنهم لن يتجشموا عناء الذهاب إلى صناديق الاقتراع والانتظار في الطوابير ساعات طويلة ليساهموا في فوز مرشح لا يريدونه. ذلك لأنهم ليسوا منتظمين في حزب أو حركة معينة ليقتدوا بما قد يتخذه أوغان من قرار دعم أردوغان أو كليتشدار أوغلو. الواقع أن أوغان الذي أصبح نجم الأسبوعين الفاصلين بين الجولتين قد اختار دعم الأول، وطلب ممن صوتوا له التصويت للرئيس أردوغان، بعد جولتي مشاورات ومفاوضات مع كل منهما. غير أن زعيم حزب النصر أوميد أوزداغ هو صاحب الكلمة الفصل بهذا الشأن، باعتباره أبرز قادة ائتلاف «الأجداد» الذي اعتمد ترشيح أوغان في الرئاسيات. وقد وقّع أوزداغ مع كمال كليتشدار اوغلو على وثيقة تفاهمات تصدرها موضوع الالتزام بإعادة جميع اللاجئين إلى بلدانهم في غضون عام واحد كحد أقصى، ومواصلة الحرب على الإرهاب بكل مسمياته، وتشريع إقالة من تثبت علاقتهم بالإرهاب من المناصب الإدارية التي انتخبوا لها، إضافة إلى الالتزام بعدم جواز تغيير المواد الأربع الأولى من الدستور، وكذلك المادة المتعلقة بشروط منح الجنسية التركية.. وذلك مقابل دعم «تحالف الأجداد» للمرشح كلجدار أوغلو في الجولة الثانية.
والحال أن حزب النصر المتشدد قومياً ويتلخص برنامجه السياسي في بند وحيد هو طرد اللاجئين، هو الحزب الوحيد الذي له وزن، وإن كان صغيراً جداً، في تحالف الأجداد، في حين أن أحداً لا يعرف أسماء الأحزاب الأخرى (خمسة أحزاب) أو من يمثلونها، فهي مما يوصف بأحزاب على الورق. هذه الواقعة تشير إلى أن وزن حزب النصر أو تحالف الأجداد أو مرشحه سنان أوغان إنما يعبر عن اتساع شعبية مطلب التخلص من اللاجئين، السوريين بصورة خاصة باعتبار أنهم يشكلون القسم الأكبر منهم. ومع ذلك فهو يبقى تياراً هامشياً يتم نفخه إعلامياً من خلال الإيهام بتفوق ميل التخلص من اللاجئين على جميع الميول الأخرى لدى الناخبين، وتصوير الأمر وكأنه إذا تحقق ستحل جميع مشكلات البلاد كالأزمة الاقتصادية أو غياب العدالة أو تركيز السلطة في يد شخص واحد وغيرها من المشكلات الضاغطة على المواطنين.
الخلاصة أن الوهم المسمى بظاهرة سنان أوغان وما يمثله من تيار هامشي قد طبع المشهد السياسي في تركيا في أعقاب الجولة الأولى من الانتخابات، وقد تعزز ذلك بنتائج الانتخابات النيابية التي كرست غالبية برلمانية لمصلحة تحالف الجمهور، فبات الانتقال الذي وعدت به «الطاولة السداسية» إلى النظام البرلماني مجدداً في خبر كان، حتى لو فاز مرشحها كليتشدار أوغلو بمنصب الرئاسة.
أما بعد وثيقة التفاهمات التي وقعها كليتشدار أوغلو مع أوميد أوزداغ فقد انتهى ما كان يمثله لدى جمهور عريض من طالبي التغيير من أمل في التغيير نحو الأفضل، وتحول إلى مجرد طالب آخر للسلطة يفعل أي شيء للوصول إليها. على أي حال من المحتمل أن هذا التوقيع سيكلفه أصوات الناخبين الكرد الذين صوتوا له في الجولة الأولى، ولا يمكن لأي أصوات جديدة قد يكسبها بفضل التفاهم مع أوزداغ وتبني أجندته المعادية للاجئين والكرد، أن تعادل ما سيخسره من أصوات الكرد والأوساط الديمقراطية واليسارية والليبرالية، فضلاً عن الأصوات المحافظة التي ساهمت في ارتفاع نسبة التصويت لحزب الشعب الجمهوري بمقدار نقطتين مئويتين.
لقد أشارت نتائج الانتخابات البرلمانية والجولة الأولى من الرئاسية إلى صعود لافت للتيار القومي المتشدد الذي يتوزع على بضعة أحزاب ومرشح رئاسي، سنان أوغان، وعلى عدة تحالفات في السلطة والمعارضة. وهي ظاهرة غريبة أن ينقسم حزب فيزداد قوة التيار ككل بدلاً من أن يضعف كما هو متوقع.
بناء على مجمل هذه القراءة بات من الممكن التكهن بالفائز المحتمل في الجولة الثانية بلا مجازفة ذات شأن. وهو الرئيس أردوغان الذي يحقق مطالب التيار القومي بأكثر مما يمكن أن يحققه منافسه الذي انساق لتبني المطالب ذاتها من موقع أضعف، فخسر تميزه. كان يمكن أن يفوز في الجولة الثانية أو يخسر بشرف كما يقال، أي بفارق شعرة. أما الآن فمن المرجح أن يخسر خسارة تنهي حياته السياسية.
كاتب سوري
القدس العربي
—————
هل يتعلّم السوريون من الانتخابات التركية؟/ عمار ديوب
أجيالٌ كاملة في سورية لم تمارس الانتخاب الديمقراطي. كانت تتدبّر شؤونها، كأن تحصل على وظيفةٍ أو بعثة أو تسيير معاملة ما، عبر آليات الفساد والإفساد؛ فهو القانون المسيطر على مؤسسات الدولة السورية، أمّا المتحكّم الفعلي بها، فهي الأجهزة الأمنية، وعبر الأخيرة، تدار الدولة السورية بالمعنى الواقعي، وطبعاً يرأس المؤسسات والأجهزة الرئيس المطلق الصلاحيات والسلطات، ولا أهمية حقيقية للدستور، وللقوانين، وبالطبع لا استقلالية لأيّ سلطات في بلادنا.
بالتأكيد، ذُهل السوريون الذي هُجّروا، أو اختاروا تركيا للإقامة، من المساواة في ممارسة الحق الانتخابي. إنّ الكتل السياسية، والتحالفات، تصرّح وتختلف وتؤكّد وترفض وتَعِدْ وتُحجِم، وذلك كله عبر برامجها الانتخابية والتصريحات الإعلامية. وهذه الحقوق لا تخص كتلة حزب العدالة والتنمية، بل كذلك الأحزاب المعارضة. رأى السوريون ذلك كله، وهذه ليست المرّة الأولى طبعاً، وأنَّ الانتخابات التي جرت مُورست من دون صداماتٍ بين الأهالي، ومن دون طبلٍ وزمرٍ ودبكات ونخٍّ على الركب ومن دون تدخلٍ أمنيٍّ، والأهم من دون خوفٍ من المقترعين. يا للخوف الذي كنّا نعيشه، حينما تقترب الانتخابات الرئاسية بالتحديد، فأغلب المعارضين كانوا يقبعون في منازلهم، ويأكلهم القلق والخوف ساعاتٍ وساعات، ولطالما قام أقارب هؤلاء بالانتخاب عنهم من دون معرفتهم؛ من وقاحات أجهزة الأمن، أنّها كانت تفرض الانتخاب على المعتقلين السياسيين وفي معتقلاتهم!
حين توفي حافظ الأسد، حدث فراغ رهيب في مؤسسات الدولة، وتعطّلت، وحتى الشرطة لم تعد تقوم بواجبات تنظيم السير. هكذا تكون البلاد حينما تغيب الحقوق عن الشعب، ويصبح الحاكم “إلهاً”. هل سيتعلم السوريون شيئاً من العملية الديمقراطية في تركيا، وقد شهِدوا الانتخابات، والتحوّل نحو النظام الرئاسي في تركيا من قبل، والصراع بين المعارضة وحزب العدالة والتنمية حول ذلك، وعايشوا المنافسة الديمقراطية بين الكتل على أدقّ التفاصيل. هل سيعترفون للآخر بحقّه في الممارسة، والاختلاف، والدفاع عن رؤاه، وبرنامجه، وفي مختلف القضايا، وحتى في الممارسة الدينية، قبولاً أو رفضاً.
لا يتعلّم المرء بشكلٍ جاد إلّا في الممارسة. سارع الشيخ أكرم راجح، شيخ قرّاء الشام “المعارض”، والمجلس الإسلامي السوري إلى تصدير بيانات لتأييد أردوغان وائتلافه، وأنّ واجب السوريين المجنسين انتخابه. هذا فعل خاطئ، ويوضح أنّ السوريين لم يتعلموا ضرورة عدم إشراك الدين في السياسة. وهناك شخصيات أخرى، ومجموعات إسلامية سورية قامت بالفعل ذاته. علاقة الدين بالسياسة والدولة، سيما بقضية ممارسة الديمقراطية والانتخابات قضية شائكة، وهناك نقاش كبير لم ينتهِ بأن الانتخابات التي توافق عليها القوى الإسلامية هي انتخابات المرّة الواحدة، أي توصلهم إلى الحكم، ومن ثم تتحكّم بالسلطة وبالعباد. هذا لم يعد قائماً كما يبدو، وهناك أغلبية من القوى الإسلامية، تؤكّد على الممارسة الانتخابية، والعملية الديمقراطية، وإن كانت ما لزال تؤكّد أن الشريعة هي المصدر الاوّل للدستور؛ أردوغان وحزب، وهناك في الضفة الأخرى المواجهة له إسلاميون أيضاً، والجميع يؤكّد ضرورة الانتخاب وإبعاد الدين عن السياسة، ولم نشاهد تدخلاً دينياً تركيّاً في الانتخابات الأخيرة.
التجربة التركية مهمة للسوريين، وللعالم الإسلامي، وتقول إنّ الديمقراطية ليست لمرّة واحدة، ويجب ألا تتدخل فيها المؤسسات الدينية أو رجال الدين بالإفتاء مع أو ضد، فهذا تسييس، قد يُدخِل المجتمع بمشكلات كبرى، ونقصد الإفتاء والافتاء المضاد، أو خلافات بين الجماعات الأهلية؛ وعدا ذلك، فإن الديمقراطية ليس من مرجعياتها الإفتاء الديني، بجوازها أو بعدمه.
في حال انتصار المعارضة التركية، وهذا ما لن يكون كما يبدو، سيكون وبالاً على السوريين؛ فالكتل المتنافسة في تركيا تراقب مواقف السوريين جيداً، وموضوع اللاجئين هو من القضايا الرئيسية في أوراقهم الانتخابية للوصول للسلطة وكذلك في قضايا الدعاية الانتخابية والتحشيد الحزبي، والمواقف اليومية للساسة، فهل يَفهم السوريين ذلك، ويلوذون بالصمت. عدا ذلك، هناك سياسة ثابتة ومنذ 2017 لأردوغان وحزبه وتحالفاته للتعامل مع اللاجئين، والسوريين عامة عبر التحالف مع روسيا، وضمن إشراف الدول الضامنة لمسار استانة، وقد كان لتركيا دوراً كبيراً في تسهيل تسليم مناطق خفض التصعيد وتهجير الأهالي وبالتالي، ورغم عدائية أغلبية قوى الكتلة المناهضة الرئيسية “لأردوغان” وللسوريين، فهذا لا يجب أن يدفع بعض السوريين إلى تأييد هذه الجهة أو تلك، ولا نقصد المجنسين هنا؛ فهؤلاء لهم كامل الحق بالانتخاب، والاختيار، فهم الآن مواطنون أتراك.
أن يعيش السوريون أكثر من خمسة عقود من دون ممارسة الديمقراطية، وبصمتٍ إجباري عن قول كلمة: لا، فهذا يعني أنّ علاقتهم بالانتخابات والتنافس “الشريف” واحترام حق الآخر بالاختلاف في غاية التعقيد، والقصد أنّهم لم ينتقلوا بعد بتفكيرهم من عقلية الرعايا إلى المواطنين، من الاعتماد على الأسرة والجماعة الدينية والعشيرة والمنطقة والقومية إلى الاعتماد إلى العقل والاختيار الفردي وممارسة الاختلاف.
قام السوريون بثورة كبيرة في 2011، لكنّهم لم يكونوا على درايةٍ جيدة بالعملية الديمقراطية، وتجربة ما بعد ذلك العام وإلى 2023، لم تكن فيها أيّ انتخابات تُذكر في مؤسسات الثورة والمعارضة؛ كلّها كانت تجرى بالتزكية أو كانت هامشية، وقواها هامشية كذلك. ووجود ملايين السورين في تركيا وأوروبا وأغلبية الدول، ومنهم من صار ينتخب، ويبكي، نعم يبكي، حينما يفعل ذلك، أقول: ستفيد تلك المشاركات السوريين بالتأكيد، لكنّ هؤلاء أصبحوا أتراكاً أو ألماناً أو فرنسيين، أو أو، وبالتالي لن تعود أغلبيتهم إلى البلاد، ولن يمارسوا الانتخابات فيها، بينما من سيعود قد لا يتعلم الكثير عن العملية الانتخابية والديمقراطية والتنافس والاختلاف وسواه.
هناك جولة ثانية، في 28 مايو/ أيار الجاري، من الانتخابات التركية، وهي فترة مناسبة ليراقب السوريون أحداثها ومراجعة وقائع الجولة الأوّلى، والتعلّم منها، وبعيداً عن الولاء لأردوغان، أو انتقاد الكتلة المعارضة له. التعلّم يفيد في مراكمة الخبرات الديمقراطية، والاعتراف بحقوق الناس والقوى السياسية بالاختلاف.
لن تكون ساعة العودة إلى سورية من دون ممارسة الانتخابات، والتعايش المشترك، وقد حدث في البلاد ما يعيد الحرب الأهليّة مرّاتٍ ومرات؛ فهل يستفيد، من في الخارج أو الداخل، من الانتخابات التركية، ويعي أهمية الديمقراطية والانتخاب واحترام الاختلاف؛ عبر هذه الحقوق والممارسات تتشكّل الدول الحديثة وأنظمتها السياسية، وتقوى وتتقدّم في مختلف مجالات الحياة وتجد المخارج لأزماتها، والسوريون أحوج ما يكونون إليها؟
العربي الجديد
———————————
إردوغان: لن نعيد اللاجئين السوريين «طرداً» أو «قسراً»
بعدما تصدرت قضيتهم الأجندة السياسية في فترة الانتخابات التركية
أنقرة: سعيد عبد الرازق
وقال إن مؤسسات الدولة والمنظمات المدنية بالتعاون مع بعض الدول الشقيقة، أنشأت منازل في شمال سوريا، وإن العمل جارٍ لبناء منازل جديدة تستوعب نحو مليون سوري في المناطق التي تسيطر عليها القوات التركية وفصائل «الجيش الوطني السوري» (موالٍ لتركيا) في شمال سوريا بدعم قطري.
ولفت إردوغان، في مقابلة تلفزيونية ليل الخميس – الجمعة، إلى قيام وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، بوضع حجر الأساس لقرية سكنية تحوي 240 ألف منزل بمدينة جرابلس في محافظة حلب، الواقعة ضمن ما يسمى منطقة «درع الفرات» الخاضعة لسيطرة القوات التركية، الأربعاء، والتي يتم إنشاؤها بتمويل من الصندوق القطري للتنمية، قائلاً: «ومع هذا المشروع نكون قد بدأنا بتأسيس البنية التحتية للعودة الطوعية للسوريين إلى تلك المناطق».
عربة عسكرية تركية تحرس حفل تدشين بناء مجمع سكني بمدينة جرابلس في محافظة حلب الأربعاء الماضي (أ.ف.ب)
وأضاف إردوغان: «قد يستغرق الأمر سنة واحدة للانتهاء من إقامة المنازل… لا يمكن لمن يرون هذا المشروع أن يقولوا لن نذهب».
وقال وزير الداخلية سليمان صويلو، في مقابلة تلفزيونية الخميس، عقب عودته من جرابلس، إن مشروع القرية السكنية يهدف لاستقبال العائدين طوعاً، وسيستكمل خلال 3 سنوات، وإن المرحلة الأولى بدأت ببناء 5 آلاف وحدة سكنية، سيتم تسليمها قبل نهاية العام الحالي.
وأوضح أن المشروع لا يتضمن بناء وحدات سكنية فقط، وإنما يتضمن أيضاً مناطق زراعية ومنشآت صناعية وتجارية وبنى تحتية، لافتاً إلى أن الوحدات السكنية ستتوزع على 9 مناطق خاضعة للنفوذ التركي في شمال سوريا.
ولفت إلى أن 554 ألف سوري عادوا إلى بلادهم طواعية، مضيفاً: «نعمل من أجل عودة مشرفة للجميع. هناك حالياً 3 ملايين و381 ألف سوري في تركيا، وهذه الأعداد آخذة في التناقص، وسوف تنخفض أكثر».
وقال إردوغان: «لن نعيد السوريين إلى بلادهم طرداً أو قسراً، بل سنعيدهم بشكل يليق بالقيم الإنسانية والإسلامية، ونجري محادثات مع روسيا وإيران وسوريا. أعتقد أن إخواننا وأخواتنا السوريين سيعودون إلى أراضيهم من خلال هذه المحادثات الرباعية».
وكثفت حكومة إردوغان تحركاتها في الملف السوري على صعيد مفاوضات التطبيع مع دمشق، التي ترعاها روسيا وتشارك فيها إيران، وكذلك لاتخاذ خطوات على صعيد عودة اللاجئين بعد أن صعد الملف إلى قمة الأجندة السياسية قبل جولة إعادة الانتخابات الرئاسية التي ستُجرى الأحد، ويتنافس فيها إردوغان ومرشح المعارضة كمال كليتشدار أوغلو.
وكرر إردوغان على مدى الأيام القليلة الماضية، تصريحاته عن إعادة أكثر من مليون لاجئ إلى المناطق الآمنة، التي أقامتها تركيا من خلال عملياتها العسكرية في شمال سوريا، وأنشأت فيها البنية التحتية اللازمة لعودتهم.
وقال وزير الخارجية التركية مولود جاويش أوغلو، الثلاثاء، إن نحو 550 ألف سوري عادوا إلى بلادهم، لكن ذلك ليس عدداً كافياً. وأضاف: «نحتاج إلى إرسالهم؛ ليس فقط إلى مناطق آمنة، ولكن أيضاً إلى أماكن تسيطر عليها الحكومة السورية، وهذا لن يتأتى إلا من خلال المفاوضات مع نظام الرئيس بشار الأسد، ولذلك أطلقنا مفاوضات معه»، في إشارة إلى مسار تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا.
ورأى أن عودة اللاجئين تحتاج أيضاً إلى تضافر الجهود من جانب الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي لضمان العودة الكريمة والآمنة لهم.
ولا تختلف تصريحات جاويش أوغلو كثيراً عن التصريحات المتكررة لمرشح المعارضة للرئاسة، كمال كليتشدار أوغلو، الذي أكد أنه سيعيد جميع اللاجئين إلى بلادهم في خلال عامين، عبر تطبيع العلاقات تماماً مع سوريا وفتح السفارات والتفاوض مع الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لتهيئة ظروف عودتهم.
وبات السوريون في تركيا يشعرون بأنه لن يكون هناك ظهير يدافع عنهم بعد الانتخابات الرئاسية. وبدأ القلق يتسرب إلى أوساطهم بعدما أخذت مفاوضات التطبيع مع حكومة الرئيس بشار الأسد طابعاً جدياً، بدا فيه أن أنقرة الطرف الذي يستعجل النتيجة، لا سيما أن مسألة العودة الآمنة للاجئين هي أحد المبادئ الرئيسية التي يخوض الجانب التركي المفاوضات على أساسها.
كما تبدو المعارضة التركية حازمة في موقفها بشأن إعادة السوريين إلى بلادهم خلال عامين، عبر إعادة العلاقات مع الأسد، وبالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وهو ما لا يختلف كثيراً عما تقول به الحكومة.
——————————
الرئاسيات التركية بين المعطيات الفعلية والأماني المشتهاة
رأي القدس
جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية التركية، التي ستجري يوم 28 أيار/ مايو الجاري، تشهد على صعيد يومي تطورات نوعية ترسم بوضوح متزايد ميزان القوى بين الرئيس الحالي رجب طيب اردوغان ومنافسه كمال كليتشدار أوغلو، كما تفصح أكثر فأكثر عن طبيعة الرهانات التي ستواجهها تركيا ما بعد الرئاسيات، على أصعدة داخلية وخارجية تشمل السياسة والاقتصاد والموقع الجيو ـ سياسي فضلاً عن التباينات العقائدية والثقافية.
ولعل التطور الأول اللافت هو قرار المرشح الرئاسي السابق سنان أوغلو بدعم أردوغان في جولة الإعادة، لسبب أول هو أن المعارضة «لم تستطع أن تقنعنا ولم تتمكن من الحصول على أغلبية البرلمان» ومن زاوية عملية هي أن الرئيس المقبل يتوجب أن يضمن التوافق مع البرلمان. أهمية هذا الانحياز المعلن لا تقتصر على حقيقة أن أوغان حصل خلال الجولة الأولى على 5.17٪ من الأصوات وقد يكون العامل الأرجح وراء انتقال الرئاسيات إلى جولة إعادة للمرة الأولى منذ 100 سنة، بل تمتد أيضاً إلى خصوصية تأثير الشرائح السياسية والاجتماعية التي يمثلها في المشهد المزدحم للتيارات القومية التركية.
تطور آخر لافت هو استقالة 11 عضواً من مجلس مؤسسي حزب «المستقبل» بقيادة أحمد داود أوغلو الذي ترأس في الماضي حزب «العدالة والتنمية» خلفاً لاردوغان كما شغل منصب وزير الخارجية ورئيس الحكومة خلال رئاسة اردوغان، والمنضوي اليوم في صف التحالف السداسي المعارض والداعم لترشيح كليتشدار أوغلو. أسباب الاستقالة المعلنة هي «ابتعاد الحزب عن مبادئه التأسيسية» كما قال بيان الأعضاء المستقيلين، وكذلك صمت قيادة الحزب عن «الخطابات والدعوات المطالبة بترحيل اللاجئين السوريين، والسقوط الأخلاقي لدى الساسة العنصريين في تحالف الأمة».
وإذا لم تنعكس هذه الاستقالة على صناديق الاقتراع فتبدّل هذا المقدار أو ذاك من توجهات أعضاء حزب «المستقبل» فإن القيمة المعنوية والإيديولوجية لهذا التطور لم تتأخر في التبلور على مستوى السجالات المشحونة التي تشهدها الحملات الانتخابية، خاصة وأن خطابات مرشح المعارضة صارت تتصف بنبرة عنصرية صريحة وبغيضة ضد اللاجئين، مقابل افتقار جلي إلى برامج إصلاح عملية ملموسة وقادرة على منافسة حصيلة حكم اردوغان و«العدالة والتنمية».
ولا يصح أن تُغفل في هذه السياقات أهمية تركيز الرئيس الحالي على الصناعات العسكرية التركية خاصة في ميادين تكنولوجيا الطائرات المسيرة وحاملاتها، حتى صار مألوفاً أن يتندر أتراك كثر حول الفارق بين تفاخر أردوغان بمسيّرة بيرقدار المتطورة الشهيرة عالمياً خلال تفقده معامل تصنيعها، مقابل ظهور منافسه في المطبخ متشكياً من ارتفاع سعر البصل.
وبصرف النظر عن الاختلاف مع سياسات اردوغان و«العدالة والتنمية» في ميادين عديدة، فإنه ليس من دون تأثير مباشر على مزاج الناخب التركي أن العديد من وسائل الإعلام الغربية التي شاركت في حملات شيطنة اردوغان قبيل الجولة الأولى وتنبأت بهزيمته، تراجعت سريعاً بعد ظهور النتائج واعترفت بفشل المعارضة ونظرت بموضوعية أكثر إلى المعطيات الواقعية خلف شعبية الرئيس الحالي وحقائق الانتخابات الفعلية وليس المتخيلة أو المشتهاة.
القدس العربي
——————————-
المفهوم وغير المفهوم في حماسة عربٍ لأردوغان/ أرنست خوري
حماسة طيف واسع من المواطنين العرب لفوز الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بولاية رئاسية جديدة، مفهومة وغير مفهومة في آن، لكنها تعبّر أولاً عن الحيّز الذي تشغله العاطفة عندنا في خياراتٍ سياسيةٍ يُفترض أن تكون أبعد ما يكون عن التفكير الرغبوي المنفصل عن الواقع في الغالب.
في الشقّ المفهوم من تلك الحماسة، يمكن سرد عشرات الأسباب: ــ تركيا بلد مجاور لديه ديمقراطية، والبلدان العربية، كلها تقريباً، محرومة من تلك الديمقراطية ومن أدوات اشتغالها، أحزاباً وإعلاماً ومعارضة وانتخابات حقيقية. فراغ ديمقراطي عربي قد يكون تعويضه العاطفي انحيازاً غير مكلف لمرشّح في انتخابات بلد كتركيا نعرفه، على الأغلب زرناه، نعرف تاريخه وشيئاً من تفاصيل مدنه وناسه ومطبخه وعاداته وثقافته. ــ تاريخنا مع تركيا إشكالي، ينقسم حياله العرب بين من يعتبر الحكم العثماني كارثياً ظلامياً قمعياً تتريكياً، ومن يراه مجيداً. وبالنسبة للفئة الأخيرة، لمَ لا نتعامل مع كل ما هو تركي وكأنه شأن محلي؟ ــ تركيا بلد ذو غالبية ساحقة من المسلمين، أثبتت التجربة أن الديمقراطية تجوز على أتباع هذا الدين، وهنا يمكن رصد انعكاس المرآة أيضاً على شعوب عربية مسلمة ليست لديها نماذج عربية ديمقراطية كثيرة لكي تتشبه بها وترى نفسها من خلالها. حصل ذلك في الحماسة العربية لانتخابات مصر 2012، وانتخابات تونس المتعاقبة في عشريتها الديمقراطية. كذلك فإن أردوغان محسوب على تيار الإسلام السياسي الذي له أتباع كثر في المنطقة العربية، يترجمون بتأييدهم لأردوغان شيئاً من الأممية الإسلامية مثلما يتخيلونها. ــ اتخذ أردوغان لسنوات عديدة مواقف واضحة ضد محور عربي كان يُرمز إليه باسم الحلف السعودي ــ الإماراتي ــ المصري. محور لديه خصوم كثر في أوساط الرأي العام العربي، وجدوا في السلطة التركية، أي في شخص أردوغان، ممثلاً شرعياً لهم في الفضاء الإقليمي. أما أن الرجل عاد وصالح خصوم الأمس، مثلما صالح حكّام إسرائيل، فإنما ذلك قلّما يؤخذ به في حسابات المؤيدين العاطفيين. ــ أردوغان، رغم كل ما يُقال عن حقّ ضده، عن شعبويته وقوميته ويمينيته ونزعته إلى التسلط، فإنه يفوز منذ 2002 في انتخاباتٍ حتى خصومه يعترفون بنزاهتها. وأردوغان ذاك نموذج لحاكم يميني محافظ، للدين مكانة أساسية في سلوكه وخطابه وشعبويته، وذلك أيضاً بالنسبة لطيفٍ واسع من العرب، جدير بالتقليد ويستحق الحماسة وأكثر من الحماسة لو تطلب الأمر. ــ تركيا في زمن حكم أردوغان أقام فيها ملايين من العرب الهاربين من جحيم بلادهم، سوريين ومصريين ويمنيين وعراقيين وليبيين وفلسطينيين ولبنانيين، ولهؤلاء ملايين من الأشباه الذين يتماهون معهم حماسةً لأردوغان وكرهاً لخصومه. كلام مشابه يمكن قوله عن سببٍ آخر ينتمي إلى عالم الذكريات، هو انحياز أردوغان إلى انتفاضات عربية عديدة، لا تقلّل من أهميته حقيقة أنه فعل ذلك انطلاقاً من قناعاتٍ دينيةٍ أو انسجاماً مع مصلحة وطنية تركية.
هذا شيء من خلفيات حماسة عرب كثر لأردوغان. أما غير المفهوم ولا المنطقي فيها، فيحتاج أكثر من مقال، وربما أكثر من كتاب، ربما يختصره دعم شيوخ اليمين المتطرّف والفاشيين الأتراك لأردوغان، من دولة بهتشلي إلى سنان أوغان. رجلان تكاد سيرتهما السياسية تُختصر بكره العرب أولاً وكل الأجانب الآتين من خارج “العالم التركي” عموماً.
قبل المبالغة في الحماسة لأردوغان، جدير تذكّر أن ترحيل السوريين والتضييق عليهم بدآ منذ أكثر من عامين في تركيا، وأن أردوغان هو المرشّح المفضل لفلاديمير بوتين، أكثر شخص أجنبي قتل عرباً ومسلمين ربما في العصر الحديث، وأن أردوغان هو رمز المصالحة مع إسرائيل ومع أنظمة عربية كاد يعلن الحروب ضدها في ما مضى. جدير تذكّر أن الفراغ الديمقراطي العربي لا يُعوَّض بأي انتخاباتٍ حتى ولو كانت ديمقراطية في أي بلد غير عربي.
العربي الجديد
———————————
السوريون في تركيا بين نارين/ جلبير الأشقر
إنه لمشهدٌ مقزّزٌ حقاً مشهد الانتخابات التركية التي أصبح اللاجئون السوريون فيها كبش فداء ومحطّ مزايدة عدائية من قِبَل شتى الأطراف. وقد شهدت الأيام الأخيرة ذروةً في هذا الصدد، عكست نتيجة الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي جرت بالتزامن مع الانتخابات البرلمانية يوم الأحد في 14 مايو/ أيار الماضي. فقد حصل الرئيس الحالي، رجب طيّب أردوغان، على أقل بقليل من نصف الأصوات، بحيث لزمت دورة ثانية، بينما حصل مرشّح المعارضة، كمال كليتشدار أوغلو، على ما يناهز 45 في المئة، وحاز مرشّح أقصى اليمين الفاشستي على حوالي 5 في المئة.
وللتذكير، يخوض أردوغان الانتخابات عن «حزب العدالة والتنمية» الذي أسّسه ويتزعمه، و«تحالف الشعب» الذي يجمع بين حزبه و«حزب الحركة القومية» القومي المتعصّب والمصنّف في أقصى اليمين، فضلاً عن جماعات صغيرة منها «حزب الدعوة الحرّة» المعروف في تركيا بلقب «حزب الله التركي». أما كليتشدار أوغلو فهو زعيم «حزب الشعب الجمهوري» الذي ينتسب إلى تراث مصطفى كمال، مؤسس الجمهورية التركية، كما إلى التيار الاشتراكي الديمقراطي العالمي. وقد خاض الانتخابات الرئاسية عن ائتلاف يضم ستة أحزاب، يُعرف باسمي «طاولة الستة» و«تحالف الأمة» ويجمع أطرافاً تتراوح مواقفها بين الكمالي («الحزب الجيّد») والإسلامي المحافظ («حزب السعادة»).
أما المرشّح الثالث، سنان أوغان، فهو عضوٌ سابق في «حزب الحركة القومية» خاض الدورة الرئاسية الأولى تحت لواء «تحالف الأجداد» الذي يتماثل مع التراث الفاشستي. وعلى نسق جماعات أقصى اليمين في كل مكان، فإن ركناً رئيسياً في برنامج «تحالف الأجداد» كما لدى «حزب الحركة القومية» هو العداء للمهاجرين واللاجئين، الأمر الذي يعني في المقام الأول العداء للاجئين السوريين الذين يبلغ عددهم في تركيا ما يزيد عن ثلاثة ملايين ونصف المليون، من أصل خمسة ملايين ونصف المليون غادروا سوريا في السنوات العشر الأخيرة.
هذا وقد ارتأى المرشّحان الطليعيان، الباقيان في الميدان لخوض الدورة الثانية يوم الأحد القادم، وهما أردوغان وكليتشدار أوغلو، ارتأى كلٌ منهما أن كسب دعم المرشح الثالث، أي أوغان، من شأنه أن يقود الذين صوّتوا لهذا الأخير في الدورة الأولى إلى التصويت له في الدورة الثانية بما يسمح له بالفوز. وقد بُذلت مساع محمومة في هذا السبيل خلال الأسبوع الماضي، حيث تبارى المرشّحان المتنافسان على اجتذاب تأييد مرشّح التحالف الفاشستي.
فقد ألقى كليتشدار أوغلو يوم الخميس الماضي خطاباً غارقاً في الانتهازية في محاولة بائسة لاستهواء الناخبين الذين صوّتوا لأوغان في الدورة الأولى. فشنّ هجوماً على أردوغان متهماً إياه بإغراق تركيا باللاجئين، مع المبالغة في عددهم بالادعاء أنه عشرة ملايين، وبقطع وعد بإخراجهم من البلاد لو فاز في الانتخابات. كما أخذ كليتشدار أوغلو على أردوغان تفاوضه في أولى سنوات حكمه مع «الإرهابيين» قاصداً «حزب العمّال الكردستاني». وهذا الخطاب، الذي يعبّر عن يأس كليتشدار أوغلو من تحقيق حلمه، إنما هو حسابٌ خاسر، إذ فشل في استهواء أقصى اليمين، بل تسبّب في انتقادات كثيرة من المعارضة اليسارية التي يراهن على ضمان أصواتها، بما فيها أوساط «حزب الشعوب الديمقراطي» المتعاطفة مع «حزب العمّال الكردستاني».
وفي الجهة المقابلة، اجتمع أردوغان بأوغان يوم الجمعة الماضي، ولم يُفصَح عما دار في الاجتماع، لكنّه أفضى إلى إعلان مرشّح «الأجداد» يوم الإثنين تأييده لتجديد ولاية الرئيس الحالي. ومن المرجّح أن تكون أوساط «حزب الحركة القومية» قد لعبت دوراً في حثّ أوغان على دعم أردوغان. والحال أن هذا الأخير، بعد أن خسر الأغلبية المطلقة في الانتخابات البرلمانية لعام 2015، قام بانعطاف سياسي حاد وتحالف مع «حزب الحركة القومية» الذي بات يشاركه في الحكم منذ ذلك الحين، الأمر الذي ترافق مع إعادة إشعال الحرب مع الحركة الكردية.
كما حصل انعطاف تدريجي في خطاب الحكم التركي وإجراءاته العملية، من الترحيب باللاجئين السوريين إلى اعتبارهم عبئاً على البلاد لا بدّ من التخلّص منه. فبات أردوغان مصمماً على خلق «منطقة آمنة» داخل الأراضي السورية بغية إخراج اللاجئين من تركيا إليها، مع الإيحاء بأن إعادة اللاجئين قسراً إلى الشرق السوري سوف يُغرق مناطق التمركز الكردي بالعرب. بيد أن هذا المشروع قد اصطدم بعقبات كبيرة، منها عدم الرضى الأمريكي عنه ومنها على الأخص رفض النظام السوري مدعوماً من روسيا وإيران. فبادر الحكم التركي إلى محاكاة الأنظمة العربية التي كان متخاصماً معها حتى زمن قريب، في توجّهها إلى التصالح مع حكم آل الأسد، آملاً أن يعقد مع هذا الأخير صفقة يتمكن بنتيجتها من إعادة معظم اللاجئين إلى داخل الأراضي السورية، مثلما يسعى وراءه الحكمان اللبناني والأردني.
وعلى أي حال، فقد غدا أقصى اليمين القومي ماسكاً بمفتاح الحكم التركي منذ عام 2015، أي منذ أن بات «حزب العدالة والتنمية» محتاجاً إليه لضمان أغلبية في البرلمان التركي، وقد تكرّس الأمر في انتخابات عام 2018 التي حصل الحزب فيها على أقل من نصف المقاعد بقليل (295 من أصل 600). أما في الانتخابات الأخيرة، فلم يحصل الحزب سوى على 268 مقعداً بينما حاز حليفه القومي على 50 مقعداً، في حين حاز «تحالف الأمة» على 212. وهذا يعني أن أي من فاز في انتخابات يوم الأحد القادم، سواء أكان أردوغان (كما هو مرجّح) أم كليتشدار أوغلو، سيُضطر إلى الاستناد إلى «حزب الحركة القومية» في تشكيل أغلبية برلمانية، ما يؤكد أن اللاجئين السوريين سوف يشكّلون كبش الفداء بامتياز في المرحلة القادمة.
كاتب وأكاديمي من لبنان
القدس العربي
——————————
تركيا: اللجوء السوري لاعب أساسي في الجولة الرئاسية الثانية/ جو حمورة
استنفار الحملات والخطابات العنصرية تجاه اللاجئين حالياً، يعود بشكل أساسي إلى نيات المعارضة وسياستها الإعلامية، فاللعب على وتر كراهية “الأجانب”، وجعله المحدِّد لخيار الناخب التركي، يشكّل مكسباً شعبياً للمعارضة هي في الواقع بأمسّ الحاجة إليه.
يتصدّر ملف اللجوء السوري في تركيا الخطابات الانتخابية لحشد الأصوات، قبيل الجولة الثانية في 28 أيار/ مايو، التي ستحدد مصير الرئاسة وتوجهات البلاد في السنوات المقبلة.
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، يواجه أزمة شعبية حقيقية، وإن كان لن يُهزم بالضرورة، إلا أنه يواجه وابلاً من الانتقادات الشعبية ومن المعارضة حول إدارته أزمة اللجوء، وبخاصة السوري، وهو ما يُعرّض شعبيته الكبيرة إلى خطر القضم والانحسار.
وقبل الجولة الثانية بأيام، أخذت المعارضة وزعيمها المرشح الرئاسي كمال كيليجدار أوغلو، الانتخابات إلى مكان آخر. ما عاد النقاش في البلاد حول قضية اللجوء وبضع قضايا أخرى كالاقتصاد والعلاقة مع أوروبا وشؤون التنمية المحلية، إنما بات شبه محصور في كيفية التخلص من اللاجئين وحلّ “أزمة اللجوء”.
استنفار الحملات والخطابات العنصرية تجاه اللاجئين حالياً، يعود بشكل أساسي إلى نيات المعارضة وسياستها الإعلامية، فاللعب على وتر كراهية “الأجانب”، وجعله المحدِّد لخيار الناخب التركي، يشكّل مكسباً شعبياً للمعارضة هي في الواقع بأمسّ الحاجة إليه.
قال أوغلو صراحة، “نحن ترشحنا لتخليص تركيا من الإرهاب واللاجئين”، وشدد في خطاب آخر على “أننا نريد إعادتهم جميعاً إلى بلادهم بغضون سنتين”، مشيراً إلى أن الحزب الحاكم “باع الجنسية التركية للأجانب للحصول على أصوات مستوردة”.
الجولة الأولى من الانتخابات كانت شهدت “موجة قومية” على حد تعبير أوغلو، فرأى أنه لا بد من تغيير الخطاب السائد، “ليكون أكثر قومية، لأننا تلقينا رسالة أمتنا، ونحن نفهم ما تريده”. هذه النظرة القومية ليست غريبة عن المجتمع التركي في جميع الأحوال، وهي مستلة من أفكار المنظر التركي الأشهر وعالم الاجتماع ضيا غوكالب (1875-1924)، الذي راجت أفكاره خلال العهد “الأتاتوركي”، والقائمة، بشكل أساسي، على رفع شأن كل عنصر تركي والحط من كل العناصر، وحتى الشعوب الأخرى.
أردوغان يستعجل الانتخابات الرئاسيّة…تحضيراً لولاية ثالثة؟
تبعاً لذلك، راح أعضاء “الحزب الجمهوري” ومجمل حلفاء كيليجدار أوغلو، يزيدون من حدّة الخطاب القومي القائم على العنصرية، فضُخمت الأرقام وكثُر التصويب والتحليلات حول تأثير اللجوء على الأمن والسلام الاجتماعي والاقتصاد التركي. ما عاد عدد اللاجئين السوريين حوالى 3.6 مليون كما تقول الوزارات التركية والمنظمات الدولية، بل 8 ملايين حيناً و13 مليوناً أحياناً أخرى بحسب رئيس حزب “الظَفر” أوميت بوزداغ. بات اللاجئون مسؤولين عن كل شيء سيئ يحصل في تركيا، من ارتفاع فاتورة الكهرباء وكلفة التنقل، إلى ديون تركيا المتراكمة وعلاقتها السيئة مع دول الغرب، مروراً بالمشادات الكلامية وضرب السكاكين بين الشبان على شواطئ البحر الأسود.
مع تزايد حدة الخطاب القومي والعنصري تجاه اللاجئين، بات على إردوغان عمل شيء، فهَمّ الفوز عنده في ولاية رئاسية جديدة أهم بكثير من أوضاع اللاجئين وظروفهم. هذا وكان قد تعهد سابقاً، ولأكثر من مرة، بـ”حماية إخواننا السوريين، لأننا نعمل تبعاً لقيمنا الإسلامية”، إلا أنه الآن بات أقل جزماً تجاه القضية، ويرى “أن إعادتهم باتت قريبة وتنقصها ظروف مؤاتية”.
في موازاة ذلك، راحت المؤسسات الرسمية تعلن بشكل استثنائي عن أعداد السوريين الذين غادروا تركيا. إذ أصدرت “إدارة الهجرة التركية” بياناً رسمياً يوم الأحد الماضي، وهو يوم عطلة رسمية، يتضمن أرقام السوريين الذي غادورا تركيا وعادوا طوعياً إلى بلادهم، وقدرت عددهم بـ554 ألفاً و107 سوريين عادوا إلى “المناطق الآمنة” التي يسيطر عليها الجيش التركي شمال سوريا. هذا ولم تكتفِ هذه الإدارة بذلك، بل راحت بعض مكاتبها المحلية في المحافظات تنشر أعداد الذين غادروها إلى بلادهم.
هذا ويبدو توقيت هذه البيانات ومضمونها أقرب إلى دعاية انتخابية “إردوغانية” تريد القول للناخب التركي إن الدولة والحزب الحاكم ورئيس البلاد يعملون على حل قضية اللجوء، وأنهم ليسوا ضد العودة بالمطلق إنما يعملون عليها بعقلانية وتأنٍّ قدر المستطاع.
لم ينجر إردوغان وحزبه كثيراً في “الحرب الإعلامية” التي تشنها المعارضة في موضوع اللجوء، أقله إلى الآن. وربما تكون هذه حنكة إعلامية إردوغانية أو ربما مجرد ضعف وعجز عن رد يشفي قلوب الأتراك، وبخاصة القوميين منهم. في جميع الأحوال، هذه العقلانية الإردوغانية قد تفيده في الانتخابات بعض الشيء، لكن الأكيد أنها لن تشفع له في نسيان من أرسل اللاجئين الى الموت في معارك غير متكافئة في سوريا أو في غض النظر عنهم للهجرة والموت في البحر صوب أوروبا.
يبقى أن خطاب المعارضة العنصري هو أداتها شبه الحصرية لمقارعة إردوغان، الأمر الذي يُثبت مدى سطحية وضعف المعارضة ككل ومرشحها الرئاسي في هزيمة رجل حكم تركيا وتسيّد عليها منذ أكثر من عقدين من الزمن.
درج
—————————————-
واشنطن بوست: بعد مقتل أحدهم في إسطنبول.. اللاجئون السوريون خائفون من تهديدات كليتشدار أوغلو بترحليهم
إبراهيم درويش
مع اقتراب الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية في تركيا، يشعر اللاجئون السوريون بالخوف على مستقبلهم في البلد. فقد اتسمت الحملات الانتخابات بالنبرة المعادية للمهاجرين.
وفي تقرير أعدته لويزا لافلاك وأسماء العمر، قالتا إن مقتل لاجئ سوري أثار خوف السوريين. فقد ظهرت ملصقات في مدينة إسطنبول تعد بترحيل اللاجئين السوريين في اليوم الذي قُتل فيه اللاجئ صالح سبيكة.
وتظهر لقطات الكاميرا في مصنع للجوارب، معركة باللكمات بين سبيكة (28 عاما) وزميله التركي. ولم يمر وقت طويل حتى ذهب التركي إلى مطعم قريب وأمسك بسكين وعاد ليطعن سبيكة في صدره، الذي كان ميتا عندما وصل المستشفى.
وقال صديق طفولته عصام: “لم يقتل فقط بالسكين، ولكن قتلته الكلمات من كل السياسيين الذين زرعوا أيديولوجية في عقول الناس ضدنا.. لن يكون آخر شخص يموت”.
ومع تحضير تركيا لجولة الإعادة المصيرية، فإن مصير أشخاص مثل سبيكة وعصام متعلق بصناديق الاقتراع. وبعد سنوات من الأزمة الاقتصادية، تحول اللاجئون السوريون وطالبو اللجوء إلى هدف للقادة الأتراك من كل الطيف السياسي، والذين يوافقون على أن المهاجرين باتوا يغيرون شكل الأمة ويجب إعادتهم إلى بلدانهم بالقوة.
وحتى قبل الانتخابات، شهدت البلاد موجة ترحيل بالقوة وتحرشات من الشرطة وجرائم كراهية تركت السوريين بشعور المحاصَر. وكافح الرئيس التركي الذي رحب باللاجئين السوريين للرد على الغضب العام في بلاده. وتعهد رجب طيب أردوغان في حملته الانتخابية بإرسال ملايين منهم إلى بلادهم.
وقبل جولة الإعادة يوم الأحد، ذهب زعيم المعارضة كمال كليتشدار أوغلو أبعد من ذلك، حيث جعل من ترحيل السوريين جوهر حملته الانتخابية. وفي الساعات الأولى من صباح السبت، ظهرت ملصقات عليها صورة المحاسب السابق البالغ من العمر 74 عاما برسالة: “سيرحل السوريون”.
وعندما انتشرت أخبار مقتل سبيكة ووصلت إلى مجموعة إسلام على واتساب، ظن الطالب البالغ من العمر 21 عاما، أنها خدعة، وحاول الصراخ عليه لأن سبيكة كان شخصا يحب المزاح، مع أنه خفف منه، وقال لإسلام إن مجرد السير في شوارع إسطنبول جعله يشعر بالخوف.
وقال طه الغازي، الناشط من شرق سوريا، إن جريمة الكراهية هي الرابعة هذا الشهر. فقبل أيام، كان يراجع قصة طفلة سورية عمرها 9 أعوام اختطفت وقُتلت في بلدة حدودية بمدينة كلّس التركية. وقال إن ضحايا الكراهية عادة ما يكونون من الأطفال والشباب.
وتقول السلطات في إسطنبول إنها اعتقلت الرجل التركي بتهمة قتل سبيكة، ولكنها لم تقدم أدلة. ومع اندلاع الحرب الأهلية السورية في عام 2011، فرّ حوالي 150.000 سوري إلى تركيا. وفي تجمع عام 2012 أخبرهم أردوغان: “لقد عانيتم كثيرا” وأن تركيا هي “بلدهم الثاني”.
ومع استمرار الحرب، فرّ حوالي 5.5 مليون من السوريين إلى دول الجوار، واستوطن نحو 4 ملايين منهم في تركيا، ولا يزال منهم 3.6 مليون حسب أرقام الأمم المتحدة في تركيا.
ويقول المسؤولون الأتراك إن حوالي نصف مليون سوري عادوا طوعا إلى بلادهم، مع أن هناك ملايين منهم لا يزالون نازحين في وطنهم.
ولأن تركيا سمحت للاجئين السوريين بالعمل، فقد اندمجوا سريعا. وبحلول عام 2014، منحتهم الدولة بشكل رسمي حماية ورعاية صحية وتعليما. وأصدرت الحكومة التركية هوية مؤقتة أطلق عليها “كيمليك” لحماية السوريين من العودة الإجبارية إلى بلدهم.
وقالت وزارة الداخلية التركية العام الماضي، إن أكثر من 700 ألف طفل سوري وُلدوا في تركيا منذ بداية الحرب. ومع مرور الوقت، كافحت تركيا لمواجهة أزمات مثل التضخم والأزمة الاقتصادية، بشكل أدى لتراجع الترحيب باللاجئين.
وبدأت القنوات التلفازية خاصة التابعة للمعارضة، تصف السوريين بالغزاة، وقالت بدون أدلة إن السوريين يسرقون الوظائف من الأتراك.
ووصل عصام وإسلام إلى تركيا عام 2018 من مدينة الرقة التي سيطر عليها تنظيم الدولة في 2014، وكان قريبين من بعضهما البعض. ومثل بقية السوريين، تعلم إسلام اللغة التركية، ولكنه تمنى في بعض الأوقات أنه لم يفعل ذلك، فلم يعد قادرا على تجنب العنصرية التي انتشرت في الإعلام “كانت لعنة” تعلمه اللغة، كما قال.
وشعر الصديقان أن بطاقة “كيملك” كانت بمثابة مصيدة، فقد اشترطت عليهما البقاء في المنطقة، رغم عدم توفر الأعمال. وكان سبيكة واحدا من الذين سافروا إلى إسطنبول وبحثوا عن عمل وعاش في الظل. واعتُقل المئات بسبب خرقهم شروط الإقامة، فيما تم اعتقال مئات آخرين في مداهمات لأماكن العمل والبيوت، ونُقلوا إلى مراكز الترحيل وعددها 25 مركزا، والتي يدعمها بشكل جزئي الاتحاد الأوروبي لمنع اللاجئين من الوصول إلى شواطئه.
وأشهر مراكز الترحيل موجود في منطقة تولا في إسطنبول. وقضى صديق لسبيكة وإسلام أسبوعا فيه، وأخبرهم أن الظروف هناك قاسية، لدرجة أن لاجئا بكى في الليل وناشد المسؤولين عنه أن يرحلون. وقال: “لو أردتم ترحيلنا فقوموا بذلك الآن”.
وقال عدد من المرحلين لمنظمات حقوق الإنسان، إن الضباط الأتراك استخدموا العنف أو هددوا باستخدامه لدفع اللاجئين للموافقة على الترحيل الطوعي. وبالنسبة للكثير من السوريين، فالعودة إلى سوريا أمر لا يفكرون به. فقد وثقت منظمات حقوق إنسان حالات للتحرش والتجنيد الإجباري لمن عادوا، واختفى بعضهم بدون أثر.
وبداية هذا العام، وجد سبيكة نوعا من الاستقرار، حيث وجد عملا في مصنعين للجوارب بإسطنبول، والذي كان كافيا لدعمه عندما يتقدم لطلب “كيملك” في المدينة، أما الوظيفة الأخرى فلتوفير مبلغ من أجل شراء هاتف نقال. وطُرد سبيكة من عدة بيوت لأنه سوري، وعاش في شقة مكتظة وكان ينام على فراش خفيف، لكنه كان متفائلا ويستخدم عطر “زارا”، وفي صباح مقتله، استقبل أقارب له.
وبحسب شهادة الوفاة، فقد مات في الساعة 12.30 ظهرا بسبب “إصابة عمل”. ووصلت الأخبار إلى إسلام في المدينة الساحلية التي تبعد 300 ميل عن اسطنبول، حيث ركب أول حافلة في رحلة استمرت 12 ساعة، ولم يخف من إمكانية مواجهة الشرطة في الطريق، فهو لا يستطيع البقاء ليلا في إسطنبول، وتجنب سريعا، شرطيين في محطة المترو.
ولأن سوريا مقسمة بسبب الحرب، فقد كانت الرحلة إلى الرقة تقتضي مرور جثة سبيكة على عدة نقاط تفتيش. وكان شيخ قبيلة هو من أخبر والديه اللذين لم يستطيعا الحزن عليه، وفكّرا بالطريقة التي يمكنهما بها استعادة جثة ابنهما.
وبعد سنوات من الكفاح، شعر إسلام بالخوف بعد مقتل صديقه، وهو الخوف الذي ظل يخفيه دائما.
وأُفرج عن جثة سبيكة وكُفّن بالكفن الأبيض، ونقل عبر سيارة إسعاف في رحلته الطويلة. ووضع إسلام يده حول جثة صديقه وبكى، فلن يرافقه في رحلته للوطن، وحتى لو كان يريد ذلط، فبطاقة الإقامة ستُسحب منه لو اقترب من حدود سوريا.
——————————-
السوريون الحاصلون على الجنسية التركية قلقون من اشتعال «الخطاب الانتخابي» المعادي للاجئين/ وائل عصام
تسود أوساط السوريين الحاصلين على الجنسية التركية حالة من الترقب والقلق، بسبب وعود المعارضة التركية بمراجعة ملفات التجنيس السوريين. وبعد إعلانه دعم مرشح تحالف المعارضة، توعد رئيس حزب “الظفر” المتطرف المعادي للاجئين أوميت أوزداغ، بمراجعة كل ملفات تجنيس السوريين، وذلك في حال تسلمه وزارة الداخلية، كما وعده المرشح الرئاسي كمال كليتشدار أوغلو في حال فوزه في الانتخابات، حسب صفحات إخبارية متابعة للشأن التركي رغم أن كل المؤشرات تستبعد فوز كليتشدار أوغلو في جولة الإعادة الثانية الأحد المقبل.
وفي أكثر من مناسبة هاجم أوزداغ سياسة حكومة “العدالة والتنمية” في ملف التجنيس، زاعماً حصول نحو مليون ونصف مليون لاجئ سوري على الجنسية التركية، في حين تؤكد أرقام رسمية نشرتها الحكومة التركية قبل أيام أن عددهم لا يتجاوز 235 ألفاً.
ويقول الشاب السوري صالح الحاصل على الجنسية التركية، إن “الشارع المشحون ضد اللاجئين، يجعل من الجنسية أمراً ثانوياً، وخاصة في حال تمكن المعارضة من الفوز بالانتخابات”.
ويشير لـ”القدس العربي” إلى المخاوف التي تخالطه، ويقول: “على الصعيد القانوني نعامل معاملة الأتراك، لكن شعبياً ينظر إلينا كسوريين، وبالتالي فإن احتمالية نجاح المعارضة تقلقنا فعلاً، وخاصة في ظل التهديد بمراجعة ملفات التجنيس”. ويقول إن “ارتفاع منسوب الكراهية في الشارع التركي للسوريين يجعلنا في حالة خوف دائم على مستقبلنا، نأمل أن تمر الانتخابات سريعاً، وأن يفوز رجب طيب اردوغان، وأن تعود الأمور إلى نصابها”.
وحول الحالات التي يُجيز فيها القانون التركي سحب الجنسية التركية، يتحدث أحد المحامين السوريين لـ”القدس العربي” عن أسباب عديدة، أهمها تقديم وثائق ثبوتية مزورة عند التقدم للحصول للجنسية والتركية، والتعاون مع جهات تعتبرها تركيا “إرهابية”.
ويضيف المحامي طالباً عدم ذكر اسمه، أن الجنسية الاستثنائية منحت للسوريين بموجب قانون يمثل “الدولة التركية” ولا يمثل حكومة “العدالة والتنمية”، وهو ما يجعل قرار سحب الجنسية صعباً، لأنه يتطلب تغيير القوانين التركية. وبذلك، يصف المحامي مخاوف السوريين في هذا الإطار بـ”غير المبررة”، ويقول: “أساساً منح الجنسية التركية لشريحة محددة من السوريين (شهادات جامعية، رجال أعمال)، جرى بالاتفاق مع الاتحاد الأوروبي، وهو في مصلحة تركيا، وكل الحديث هنا يأتي في إطار الحملات الانتخابية التي تستهدف القاعدة المعادية للاجئين”.
وبالعودة إلى أوزداغ، أعلن رئيس حزب “المستقبل” (أحد أبرز أحزاب تحالف الطاولة السداسية – المعارضة) أحمد داود أوغلو، أن حزبه لن يمنح أوزداغ منصب وزير الداخلية، معتبراً أن “مسألة المناصب لا يمكن التفاوض عليها إلا بموافقة قادة الطاولة السداسية”.
وأضاف داود أوغلو الذي شغل منصب رئيس وزراء تركيا، أن “مرشح المعارضة كمال كليتشدار أوغلو لا يجب أن يدخل في مثل هذه الصفقة، وإننا لا نقبلها”، مضيفاً: “لا نتفق مع أوميت أوزداغ في العديد من الأفكار، لكن هذا لا يعني أننا لن نتفاوض”.
يذكر أن مرشح المعارضة كمال كليتشدار أوغلو أكد في وقت سابق أن حزبه (الشعب الجمهوري) على دراية تامة بكل الناخبين، وقال: “يمكننا استنتاج عدد الحاصلين على الجنسية، من خلال اطلاعنا على أماكن الولادة، ونعلم الأجانب الذين يصوتون، ولا يوجد عدد مرتفع من قبيل 400 – 500 ألف ناخب”.
——————————–
تركيا: ماذا كان الأب ليقول؟/ أمير طاهري
الأحد القادم، يتوجَّه الناخبون الأتراك إلى مقرات الاقتراع لانتخاب رئيسهم، في الوقت الذي تعكف قوة عمل خاصة على الإعداد للاحتفالات بالذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية في 29 أكتوبر (تشرين الأول) 1923. والسؤال: كيف كان سيرى الرجل الذي أسس الجمهورية تركيا اليوم؟
الرجل المشار إليه هنا مصطفى كمال باشا، والمعروف بأتاتورك (أي «أبو الأتراك»)، القائد العسكري صاحب الشخصية الكاريزمية الذي حوّل أطلال الإمبراطورية العثمانية إلى دولة قومية تطمح إلى تحديث نفسها. للوهلة الأولى، سيشعر أتاتورك بالفخر تجاه ما حققه، خصوصاً أن الجمهورية التي أنشأها هي الأقدم على مستوى العالم المسلم، ومن القلائل التي تأسست على أيدي رجال أقوياء خارج الغرب خلال عشرينات القرن الماضي ولا تزال قائمة حتى يومنا هذا. الأهم من ذلك، أن أتاتورك يبقى الشخصية الأيقونية الوحيدة التي لا تزال تحظى بالتوقير حتى الآن، من أبناء مختلف الأطياف السياسية.
ومع ذلك، ربما كان الأب المؤسس لتركيا ليجد أن أحفاده قد انحرفوا عن المسار الذي رسمه لهم. المعروف أن جمهورية أتاتورك جرى بناؤها حول جيش كان ينهض من حطام الحرب العالمية الأولى، ويطرح نفسه بوصفه حامي الدولة الجديدة والحكم الأخير داخل المشهد السياسي.
وربما يشعر أتاتورك بالدهشة كذلك من التغييرات الآيديولوجية الراديكالية التي ضربت جيشه وجمهوريته على مدار ربع القرن الأخير. لقد حاولت الأتاتوركية إعادة اختراع هوية تركيا بوصفها دولة حديثة لها جذور حيثية وسلتيكية، في محاولة لإقصائها عن «الشرق المتداعي»، وعلى أمل استعادة مكانتها الصحيحة داخل أسرة الأمم الأوروبية.
وحاول أتاتورك صياغة الهوية الجديدة من خلال التخلي عن الأبجدية العربية، والاستعاضة عنها بنسخة معدلة من الأبجدية اللاتينية، وتطهير التركية من الكلمات العربية والفارسية المقترضة لصالح كلمات مستقاة من لغات أوروبية، أبرزها الفرنسية.
الأهم من ذلك، أقر أتاتورك فكرة العلمانية، مستخدماً المصطلح الفرنسي «لايسيتيه»، لإنهاء قرون من خلط الدين بالسياسة في ظل حكم الخلفاء العثمانيين.
وتحت شعار «أمة واحدة وعلم واحد»، انصهرت مجموعة متنوعة من الهويات، من أرمن ويونانيين إلى عرب وأكراد، في هوية تركية واحدة تسع الجميع، مع رفضٍ في الوقت ذاته للانحرافات الشوفينية، مثل القومية التركية المتطرفة.
وبفضل سلسلة من الإصلاحات القوية التي نفّذها الرئيس رجب طيب إردوغان، أصبح الجيش اليوم بمثابة مراقب «صامت» للشأن السياسي التركي.
إلى جانب ذلك، تعرضت الهوية الجديدة التي حاول أتاتورك خلقها للتغيير بسبب إصلاحات إردوغان. وقد حاول إردوغان إعادة ضخ جرعة كبيرة من الأفكار الإسلامية على غرار ما تعتنقه جماعة الإخوان المسلمين، داخل الهوية التركية. وفي الوقت ذاته، شجع إردوغان على التعبير عن الهويات الفرعية، من أجل تبرير ترويجه للإسلام التركي بوصفه المظلة الكبرى التي يمكن لجميع الأتراك أن يجتمعوا تحتها في ظل علم واحد. وبذلك تمكن الأكراد، الذين يشكّلون قرابة 15% من إجمالي السكان، من التخلي عن الهوية التي فرضها عليهم أتاتورك بوصفهم «أتراك الجبال»، وادّعوا دوراً أكبر في الشأن السياسي والثقافي التركي باسمهم.
أما العلمانية التركية، فقد انقلب حالها. عام 1923، كانت الدولة من يسيطر على المسجد من خلال وزارة الشؤون الدينية. اليوم، يبهت في بعض الأحيان الخط الفاصل بين الدولة والمسجد.
وفيما يتعلق بالانضمام إلى أوروبا، تتحرك تركيا اليوم بعيداً عن ضمان مكان لها داخل أسرة الأمم الأوروبية أكثر من أي وقت مضى. حتى في ظل حكم العثمانيين، نظرت تركيا إلى نفسها بوصفها قوة أوروبية، حتى وإن كانت وحيدة بصفتها «رجل أوروبا المريض». حتى أتاتورك نفسه، قد يشعر بالصدمة إزاء عودة التيارات القومية التركية صاحبة الخطاب الشوفيني التي كان يرفضها بشدة.
وأخيراً، المؤكد أن أتاتورك لم يكن ليسعد بمدى تفشي الفساد عبر قطاعات واسعة من الحياة العامة التركية. ربما يجد أتاتورك أن الأسلوب السلطوي في الحكم لا يزال قائماً دونما تغيير، لكن يجري استغلاله اليوم لخدمة مصالح دوائر نخبوية ذات نفوذ تضيق باستمرار. وفي محاكاة للنظام البريطاني القائم على حزبين، أسس أتاتورك حزبين: حزب «الشعب الجمهوري»، لتوفير خيار اشتراكي ـ ديمقراطي مبهم، وحزب «العدالة» بوصفه صوتاً محافظاً بصبغة إسلامية خفيفة. واندمج الحزبان في ائتلافات واسعة تضم مجموعات مصالح متنوعة تسعى لإيجاد مكان لها على الطاولة السياسية.
السؤال: هل كان أتاتورك ليندهش إذا فاز إردوغان الأحد القادم؟ لا أعتقد ذلك، خصوصاً أن إردوغان يحظى بقاعدة تأييد صلبة تشكل قرابة 30% من الناخبين، وتمكّن من اجتذاب أو تقديم مساعدة لمجموعات أخرى من الناخبين كي يصوّتوا لصالحه.
ومنذ محاولة الانقلاب المزعومة عام 2016، عمل إردوغان على ضمان فرض هيمنته على الساحة السياسية التركية، من خلال القضاء على أكبر عدد ممكن من قواعد المعارضة المحتملة.
في هذا الإطار، قوّض إردوغان القيادات الكبرى في صفوف الضباط العسكريين، وفكَّك شبكة غولن للأندية والشركات الإسلامية، وطرد 2745 قاضياً ومدعياً عمومياً من الخدمة، وفرض التقاعد المبكر على 36000 معلم و1755 من رؤساء الجامعات وعمدائها.
الأهم من ذلك، أحكم إردوغان قبضة حزبه على وسائل الإعلام من خلال إغلاق 45 صحيفة يومية و25 صحيفة أسبوعية و23 محطة إذاعية و16 قناة تلفزيونية و29 دار نشر كتب، وألغى 50000 جواز سفر، ومنع حامليها من مغادرة البلاد.
جدير بالذكر أن أتاتورك تولى رئاسة الجمهورية التي أسسها طوال 15 عاماً، كانت خلالها تركيا واحدة من الدول القليلة التي نجت من تسونامي التضخم الذي عصف بأوروبا، وأدى إلى صعود موسوليني في إيطاليا، وانهيار جمهورية فايمار بألمانيا وصعود هتلر.
المؤكد أن «الأب» لن يكون راضياً بما يرى. ورغم ذلك يبقى عزاؤه الوحيد أنه بعد 100 عام، لا تزال غالبية الأتراك تنظر إليه بوصفه قوة تسهم في توحيد صفوف البلاد، في وقت تسعى النخب القيادية من مختلف الأطياف الآيديولوجية إلى تقسيمهم.
الشرق الأوسط
——————————
تركيا بعد الانتخابات أطلسية بامتياز لا أوروبية بالتفاوض!/ هدى الحسيني
في تغريدة لجاكوب ريس موغ وزير الطاقة والأعمال في الحكومة البريطانية الحالية، وهو من اليمين المحافظ حتى التطرف، قال إنه معجب بتوق الشعب التركي إلى «ممارسة حقه الديمقراطي، حتى لو انتخب مَن هو ليس ديمقراطياً بل هو شمولي وقمعي في أدائه»، ويعني طبعاً الرئيس رجب طيب إردوغان الذي حصل على 49.24 في المائة من أصوات الأتراك الذين أقدم 89 في المائة من المقترعين على ممارسة حقهم الديمقراطي، وعلى الأغلب سيعاد انتخاب إردوغان في الدورة الثانية.
ريس موغ يمثل معضلة الغرب الحقيقية التي تنادي بممارسة الديمقراطية حقاً أساسياً للشعوب وتشن حروباً ضروساً لإزالة أنظمة لا تمارسها، ومن بعدها تتعامل مع النتائج بحسب مصالحها، والتاريخ يشهد على كثير من خيارات الشعوب التي انتخبت من يمثلها ديمقراطياً وتم إقصاؤهم بالحصار الاقتصادي والترهيب والاغتيال من قبل الغرب نفسه الذي دعا إلى ممارسة الديمقراطية، وما مثالُ اغتيال سلفادور الليندي في تشيلي، وصولاً إلى تجويع فنزويلا، إلا مثلان لما سلف ذكره مع الفارق الكبير بين الليندي وهوغو شافيز، فضلاً عن غض النظر والتعايش مع أنظمة ديكتاتورية قامعة ومذلة لشعوبها.
بالعودة إلى الخيار الديمقراطي للشعب التركي، فإن الاتحاد الأوروبي وبريطانيا ومعهما الأخ الأكبر الولايات المتحدة سيرضيهم انتخاب إردوغان إلى ولاية ثالثة، لعدد من الأسباب؛ فالرجل وفى بالتزاماته تجاه حلف «الناتو»، وفي الوقت نفسه لم يقطع شعرة معاوية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو سيكون حتماً جسر عبور لأي حل لقضية أوكرانيا مما ليس مضموناً مع كمال كليتشدار أوغلو. وفي القضية السورية كان إردوغان عنصراً مؤازراً للقوات الغربية الموجودة على الأراضي السورية، واستوعب أعداداً كبيرة من المهجرين مانعاً لجوأهم إلى أوروبا ولو تقاضى أثماناً كبيرة لذلك. وحافظ إردوغان على علاقة سوية مع إسرائيل، القاعدة المتقدمة في المنطقة للولايات المتحدة، ما عدا العروض المسرحية في المؤتمرات بين الحين والآخر. ولكن الميزة الكبرى لتفضيل إردوغان على سواه أنه استوعب الإسلام المتطرف في تركيا وخارجها؛ فهو الإسلامي الذي لا يمكن لأي من الأصوليين المزايدة عليه، وفي الوقت ذاته هو منفتح ومتعاون مع الغرب، وهذا أمر لا ينطبق على أوغلو الذي تقول تقارير دبلوماسية غربية إنه لو انتُخب فسيعود التطرف الديني إلى الظهور.
على كلٍ لا يزال مسؤولو الاتحاد الأوروبي يهضمون النتيجة المفاجئة للدورة الأولى للانتخابات العامة التركية يوم الأحد قبل الماضي، في حين أن عداء إردوغان تجاه الاتحاد الأوروبي وحلف «الناتو» قد أكسبه عدداً قليلاً من الأصدقاء في بروكسل. يتساءل كثيرون أيضاً عن صحة المثل الشهير: «الشيطان الأفضل هو الذي تعرفه»، بالنظر إلى أن التغيير في الحكومة يمكن أن يواجه الاتحاد الأوروبي بأسئلة صعبة ليس مستعداً تماماً للإجابة عنها.
يأمل العديد من الأتراك الليبراليين الذين يفضلون العلاقات الوثيقة مع أوروبا بمعجزة في الجولة الثانية المقرر إجراؤها في 28 مايو (أيار). لكن إردوغان يظهر في طريقه للفوز بالنظر إلى عرضه الأفضل مِن المتوقع في الجولة الأولى وتأييد سنان أوغان، المرشح الثيوقراطي اليميني المتطرف له.
كانت هذه الانتخابات، من نواحٍ كثيرة، الفرصة الأخيرة لتركيا لعكس المسار والاقتراب من الاتحاد الأوروبي – أو على الأقل تطوير شراكة قوية معه. في العقدين الماضيين، وجه إردوغان أنقرة بشكل متزايد بعيداً من أوروبا وقاد بلاده إلى طريق الشعبوية الإسلامية.
ربما أيد 45 في المائة من الناخبين الأتراك رؤية أوغلو لمستقبل أوروبي، ولكن في ديمقراطية الفائز يأخذ كل شيء، ستمثل النتيجة الرئاسية اختيار تركيا «للنظر إلى الشرق» نحو أنظمة مثل روسيا والصين.
بالنسبة إلى حلفاء أنقرة في حلف «الناتو» في أوروبا والولايات المتحدة، من الواضح تماماً أن نتيجة يوم الأحد ذاك كانت نكسة مخيبة للآمال، لأنها تعني إعادة انتخاب إردوغان المرجح أن يستمر في العمل معرقلاً داخل التحالف، حيث لا يزال يمنع محاولة السويد للانضمام، ويستمر في مقاومة الضغوط الأوروبية لدعم العقوبات الغربية ضد روسيا، والمساعدة في تسليح أوكرانيا. في الوقت نفسه، يمكن اكتشاف مسحة من الارتياح هذا الأسبوع لدى بعض كبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي الذين اعتمدوا وجهة نظر عملية مفادها أن «الشيطان» الذي يعرفونه قد يكون أفضل من أوغلو، وهو «كيان» غير معروف.
عندما سُئِلت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين عن نتيجة الانتخابات في مؤتمر صحافي، يوم الاثنين قبل الماضي، تحدثت على نطاق واسع عن «الأخبار السارة» التي يمثلها الإقبال الكبير: أكثر من 90 في المائة، في الانتخابات، مضيفة أنها «علامة على أن الشعب التركي ملتزم بممارسة حقوقه الديمقراطية».
ولكن عندما سألها صحافي تركي عن رغبة كليتشدار أوغلو المعلنة في انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، تجنبت فون دير لاين السؤال، مشيرة فقط إلى أن «تركيا شريك مهم بالنسبة إلينا».
يعكس رد فون دير لاين الحبل المشدود الذي كان على مسؤولي الاتحاد الأوروبي دائماً السير عليه فيما يتعلق بمستقبل تركيا الأوروبي. في الواقع، تعرف بروكسل أن عملية انضمام تركيا، التي بدأت في عام 1999 ليس لديها سوى القليل من الدعم اليوم بين أعضاء الكتلة، ولديها فرصة ضئيلة للنجاح. كان أبطالها الأكثر حماسة هم المملكة المتحدة – التي انسحبت من الاتحاد – والولايات المتحدة، التي تخلت في الغالب عن مستقبل تركيا داخل المدار الأوروبي. لكن عرض عضوية تركيا لا يزال مفتوحاً من الناحية الفنية ولا يمكن إلغاؤه واقعياً من دون تكبد خطر الانتقام من إردوغان.
ببساطة، تركيا كبيرة جداً وفقيرة جداً وبعيدة جداً «نفسياً» عن أوروبا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. إذا انضمت تركيا إلى الاتحاد اليوم، فستكون أكبر عضو من حيث عدد السكان، وبالتالي ستحصل على أكبر عدد من الأصوات في مجلس الاتحاد والبرلمان الأوروبيين.
إذا كان عرض تركيا للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي بالفعل على أرض هشة، فإن ترشيح أوكرانيا، بدافع من الغزو الروسي، يؤكد أن عملية انضمام تركيا ستستمر في المماطلة.
من المحتمل أن يبدأ قادة الاتحاد الأوروبي مفاوضات بين كييف وبروكسل – وهي خطوة رئيسية – في ديسمبر (كانون الأول) 2023. وراء الكواليس، تنطبق مخاوف مماثلة بشأن توسيع عضوية الاتحاد الأوروبي لتشمل تركيا على أوكرانيا – أي حجمها وجغرافيتها وفقرها. ولكن مع ترشيحها لن تتحرك تركيا إلا إلى أسفل قائمة الأولويات.
وقال مسؤول أوروبي كبير هذا الأسبوع: «في مرحلة ما، سيتعين علينا توضيح أن أوكرانيا وغرب البلقان هي التوسيع الأخير. من غير المتصور أن يتمكن الاتحاد الأوروبي من استيعاب كل من تركيا وأوكرانيا».
كانت آفاق تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي دائماً بعيدة، لكن إردوغان بالتأكيد جعلها ما لا يمكن تصوره. سيمثل فوز كليتشدار أوغلو في الجولة الثانية الأمل الأخير لتركيا في الالتفات أوروبياً. إذا صوت الأتراك لإبقاء إردوغان في السلطة في 28 مايو، كما يبدو مرجحاً، فإن قصة تركيا الأوروبية تكون قد انتهت بشكل أساسي.
ويكتفي إردوغان بالاستمتاع بمقعد تركيا المميز جداً في حلف «الناتو».
الشرق الأوسط
——————————-
ماذا يتغير لو فاز كليتشدار أوغلو أو انتصر أردوغان؟.. سؤال لحوح إليك إجابته/ عبد الناصر القادري
تحمل الجولة الثانية من الانتخابات التركية كثيراً من الترقب والمتابعة، ليس على المستوى الداخلي فقط، بل يتعداه إلى العديد من دول العالم، خاصة أن أنقرة لعبت أدواراً إقليمية مهمة خلال العقدين الماضيين، جرى خلالها كثير من التحولات في السياسات الداخلية أو الخارجية.
تخوض تركيا نوعاً من الاستفتاء على الاستمرار في سياسات داخلية وخارجية معينة مع التجديد للرئيس رجب طيب أردوغان أو التحول إلى وضع آخر تماماً في سياقاته وتموضعاته مع فوز مرشح المعارضة كمال كليتشدار أوغلو.
ومع الصراع الهوياتي الدائر بين العلمانيين والمحافظين في تركيا، أخذت سياسات الدولة شكلاً متصلاً بأيديولوجية الحزب الحاكم، وعلى أساسها بنيت العلاقات الدولية التي صعدت بتركيا من دولة هامشية إلى أكثر تأثيراً في عشرات الملفات الإقليمية والدولية، عبر دبلوماسية استخدمت أنقرة فيها قوتها الناعمة التي تأسست بشكل فعلي بعد عام 2003، إلى أن اضطرت لاستخدام القوة الصلبة في ملفات لها اعتبارات أمن قومي، كالتدخل العسكري في سوريا منذ عام 2016.
يعد فوز كليتشدار أوغلو سيناريو صعباً ولكنه غير مستحيل (وإن كانت الترجيحات تميل إلى أردوغان بشكل أكبر بسبب النتيجة السابقة والحملة الهادئة) في انتخابات لا يمكن الاعتماد فيها على نتائج استطلاعات الرأي بشكل قاطع، حيث لا يمكن حسم عدد المصوتين في الجولة الثانية، ولا إجبار أي مصوت لسنان أوغان (أو حزب أوميت أوزداغ) على التصويت لأحد الطرفين.
وتعطي نتائج الانتخابات التركية العديد من السيناريوهات بما يخص المرحلة المقبلة داخلياً وخارجياً، وسنتناول في هذا التقرير التغيرات التي يمكن أن تحصل في حال فاز أحد الطرفين.
الانتخابات التركية
وضع داخلي شديد التعقيد
لا يمكن استشراف الوضع الداخلي بشكل كامل للتعقيد الكبير في الداخل التركي، ولكن في حال فاز كليتشدار أوغلو بالرئاسة سنشهد تغيرات كبيرة في الخطاب السياسي، حيث إن للرجل تحالفاً يضم 5 أحزاب أخرى متنوعة كلٌ منهم يريد حصته من الكعكة السياسية، وقد يحمل ذلك خلافات غير ظاهرة حالياً.
لن يتمكن كليتشدار أوغلو والطاولة السداسية من العودة إلى النظام البرلماني المعزز، ما يعني استمرار النظام على شكله الرئاسي، وفي ذلك صلاحيات كبرى للرئيس مقابل برلمان معارض له.
قد يحمل ذلك مخاوف من عدم وجود استقرار سياسي قريب، باعتبار أن تشكيل حكومة ائتلافية من هذا النوع قد تربك الطاولة السداسية وتعرضها لهزات قريبة، بدأت ملامحها مع دخول أوميت أوزداغ على الخط، والاتفاق المبهم الذي عقده كليتشدار أوغلو منفرداً معه، عبر وعود بوزارة الداخلية أو جهاز الاستخبارات أو وزارات أخرى.
في هذا الوضع سينتقل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى زعامة جبهة المعارضة، وقد يقود تحالفاً أكبر من تحالف الشعب، في محاولة لكسر الطاولة السداسية وإظهار الفشل الحكومي، مع الدعوة لانتخابات مبكرة بشكل متكرر.
ويصعب المهمة أن النظام الجديد في تركيا، يصعب حكم البلاد عبر مراسيم تصدر من القصر الجمهوري، حيث لا بد من وجود توافق بالحد الأدنى بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية.
ولذلك فإن عدم وجود هذا التناغم بين البرلمان والرئاسة سيجعل مهمة أي رئيس صعبة تذكر بفترة الحكومات الائتلافية في التسعينيات، وقد تجره إلى أن يدعو بنفسه لانتخابات مبكرة متأملاً الفوز بالمنصبين، وهو لن يحصل في حال فوز أردوغان.
ومع فوز الأخير ستستمر البلاد بوضعها الحالي، ضمن استقرار سياسي معروف، وإن كانت البلاد ستشهد تغيرات من نوع آخر، بما يتعلق بخريطة الصاعدين في البرلمان وخصوصاً على جبهة القوميين والمحافظين، حيث كسب المحافظون من الأحزاب الصغرى مثل المستقبل ودوا والسعادة والديمقراطي والرفاه الجديد والهدى.
على الجانب الاقتصادي، لن يكون هناك تحسن اقتصادي مباشر بعد فوز كمال كليتشدار أوغلو، لأن العودة إلى النظام الاقتصادي التقليدي السابق سيكون له كثير من العوائق، إلى جانب ابتعاد كثير من المستثمرين الأجانب عن دولة غير مستقرة سياسياً.
أما في حالة الرئيس أردوغان، فلن يكون الوضع الاقتصادي ممتازاً بعد فوزه أيضاً، حيث من المتوقع أن تشهد الليرة التركية انخفاضاً مع زيادة نسب التضخم خصوصاً في حال رفع الحد الأدنى للأجور، إلا أن المستثمر الأجنبي قد يستمر في القدوم لتركيا مع ميزة الاستقرار السياسي المستمر لخمس سنوات جديدة.
سنشهد حضوراً أكبر للحريات والأحزاب مع فوز كليتشدار أوغلو، عبر السماح بأنشطة لها حساسيتها لدى المحافظين مثل “تجمعات المثليين” ومجتمع “الميم”، ومساحة أوسع للحفلات الراقصة والغنائية كما حصل أخيراً بعد فوز حزب الشعب الجمهوري ببلدية إسطنبول التي دعمت هذا النوع من الحفلات.
السوريون على صفيح ساخن
يحتل الملف السوري اهتماماً بالغاً لدى أردوغان وكليتشدار أوغلو، حيث استبقت الرئاسة التركية الانتخابات وبدأت بإجراء محادثات لتطبيع العلاقات مع النظام السوري بوساطة روسية، قاطعة الطريق على المعارضة التركية من بدايته، خصوصاً أن الأخيرة وعدت بإجراء لقاءات مباشرة مع رئيس النظام بشار الأسد بحال فوزها بالانتخابات.
مع انتقال الانتخابات إلى جولة ثانية، كانت الدعاية الانتخابية لمرشح المعارضة كلييشدار أوغلو أكثر هجوماً على اللاجئين السوريين، وأخذ مناحي عنصرية شديدة الوضوح وصلت إلى مرحلة الكذب في أعدادهم والتحشيد ضدهم بهدف جذب أصوات اليمين المتطرف والتي كان آخرها التحالف مع أوميت أوزداغ الذي يوجه خطاباً عنصرياً ضدهم.
في حال فوز أردوغان سيتم تنفيذ خطة “عودة السوريين الطوعية” عبر إغرائهم ببيوت ومحال تجارية وفرص عمل في مناطق شمال غربي سوريا بتمويل قطري، قد يتطور إلى تمويل عربي أيضاً.
كما ستأخذ المباحثات مع النظام السوري طريقاً متعثراً لعدم وجود أي توافقات حقيقية بين الجانبين، مع إصرار النظام ومن خلفه إيران وروسيا على انسحاب الجيش التركي من المنطقة، وهو ما ترفضه أنقرة، محاولة الاستمرار في إقناع الولايات المتحدة بشن عملية عسكرية جديدة على مناطق في شرق الفرات.
في المقابل، سيكون التخبط سيد الموقف مع فوز كليتشدار أوغلو، فهو وعد بترحيل السوريين خلال عام واحد، من دون وجود أي خطة واضحة، فقط وعد انتخابي، قد يضطر عبره لاستخدام القوة في إعادة السوريين، وهو ما قد يعود على تركيا بإساءة كبيرة لسمعتها لأنها لا تحترم المواثيق الدولية وحقوق الإنسان.
كما أن حزب الشعب الجمهوري رفض في البرلمان التمديد لاستمرار القوات التركية في سوريا، ما يعني أنه يفضل الانسحاب، وسيعود ذلك على تركيا بمخاطر أمنية كبيرة، وإن كان ذلك سيؤدي إلى خلط كثير من الأوراق داخلياً في ظل التحالف غير الرسمي بين الطاولة السداسية وحزب الشعوب الديمقراطي، الذي تتهمه أنقرة بدعم حزب العمال الكردستاني.
تلفزيون سوريا
—————————
كليتشدار أوغلو – أوزداغ: “الكوميديا الإلهية”!/ سمير صالحة
قرر أوميت أوزداغ رئيس حزب النصر القومي دعم زعيم المعارضة كمال كليتشدار أوغلو في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية التركية. قبل عام كان يردد بأن وصول كليتشدار أوغلو إلى الرئاسة “يفتح الأبواب أمام حرب أهلية في تركيا”، وهو ما دفع المتحدث باسم وزارة الداخلية التركية للإعلان أن الوزارة سترفع دعوى قضائية ضد أوزداغ بسبب تصريحاته هذه.
قرار أوزداغ يأتي بعد نقلة استراتيجية نفذها زعيم المعارضة التركية كليتشدار أوغلو باتجاه توسيع دائرة بيكار تحالفاته السياسية والحزبية، وقبل أيام من ذهاب الناخب التركي للتصويت في جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية. وبهذا يكون حزب الشعوب الديمقراطية قد استرد زمام المبادرة والإمساك ببيضة القبان ليكون هو مقرر مصير كليتشدار أوغلو، قبل أن يعلن ذلك منافسه الرئيس رجب طيب أردوغان مساء الأحد المقبل. قيادات “الشعوب” لم تخيب آمال حزب الشعب وتتخلى عن كليتشدار أوغلو رغم انضمام أوميت أوزداغ اليميني القومي المتشدد إلى صفوف الداعمين له. فالرئيسة المشاركة للحزب برفين بودان أعلنت ظهر الخميس أن حزبها سيدعم مرشح المعارضة، كما فعل في الجولة الأولى “لإزاحة حكم الرجل الواحد” حسبما ذكرت. خطورة أن يفقد كليتشدار أوغلو مخزون البرغل في البيت وهو في الطريق لحصاد الأرز في دمياط، كما يقول المثل الشعبي التركي، موجودة حتما. لكن المعارضة ما زالت تعول على أن فوز كليتشدار أوغلو في مواجهة الإعادة قد يقربه أكثر من “العز للرز والبرغل شنق حاله”.
يبدل كليتشدار أوغلو قراراته بين الساعة والأخرى من أجل الفوز في معركة الرئاسة التركية. لو كان هناك جولة ثالثة لكان بحث عن وسيلة لكسب صوت المجنسين العرب في تركيا حتى ولو كان اللاجىء السوري ورقته الانتخابية الأولى التي يلعبها هذه المرة. الغاية تبرر الوسيلة كما يقول مكيافيللي. لكن حليفه الجديد أوميت أوزداغ يذكر أكثر بملحمة دانتي أليغييري الكوميديا الإلهية بعدما كثر الحديث قبل أيام من الذهاب إلى صناديق جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية، عن إغلاق أبواب جهنم أو نقل الحطب إليها على خط التحالفات والاصطفافات السياسية والحزبية الجديدة. خط جهنم والمعبر المطهر قبل الانتقال إلى الجنة السياسية هو ما تعول عليه المعارضة التركية. سنعرف مساء الأحد المقبل من الذي سيحقق أحلام مناصريه، لكنها لن تكون مشابهة لما دار في ذهن أليغيري، لأن هناك من سيحاول مواصلة نقل الحطب إلى جهنم وسط كل هذا الشحن والتعبئة السياسية والحزبية.
حاول كليتشدار أوغلو أن يصل إلى ما يريد من خلال تحالف الأمة والطاولة السداسية فخاب أمله. ذهب يغازل “الصوت الكردي” فلم يتمكن من الفوز في الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة. فهل يجد ضالته عند رئيس حزب النصر أوميت أوزداغ؟ ساعات ونعرف إذا ما كان كليتشدار أوغلو قد نجح في مهمة مستحيلة تقوم على الجمع بين أصوات أحزاب الطاولة السداسية وأصوات حزب الشعوب الديمقراطية ثم أصوات حزب النصر الذي يقوده أوزداغ في صندوق انتخابي واحد.
يدافع أوزداغ في الساعات الأخيرة أمام الشاشات التي كانت تستبعده لسنوات، عن اتفاقه مع كليتشدار أوغلو لكنه يدافع أكثر عن مواقفه وسياساته. بين ما يريده أوزداغ عند جلوسه أمام طاولة القرار السياسي في حال فوز كليتشدار أوغلو بالرئاسة، أن يلزمه بمراجعة الاتفاقيات الموقعة بين أنقرة وبروكسل قبل 8 أعوام حول موضوع اللجوء والهجرة لأنها خدمت الطرف الأوروبي أكثر من إعطاء تركيا ما تريد كما يقول. لكنه يريد أيضا تجميد مشاركة تركيا في اتفاقية أوتاوا لنزع الألغام وحظرها وهي الاتفاقية التي صدّقت عليها أنقرة ودخلت حيز التنفيذ عام 2004. والهدف هنا هو تجاوز كل جهود وخطط حكومة العدالة والتنمية وما تعلنه حول أن أمن حدودها يتم عبر أبراج كهروضوئية، وكاميرات حرارية، وأنظمة إضاءة، وأسلاك شائكة، وأدوات تكنولوجية حديثة، وطائرات بلا طيار، وجدران خرسانية. فما هو رأي حلفاء الطاولة السداسية الذين قبلوا انضمام أوزداغ إليهم، في طرح تجميد تركيا لمشاركتها بتنفيذ بنود هذه الاتفاقية؟
هو يقول أيضا إن خطوته الأولى ستكون تأمين عودة المقيم داخل الأراضي التركية بطريقة غير شرعية. ثم تسهيل إعادة مئات الآلاف من السوريين القادمين من مناطق نفوذ النظام. وبعدها تأتي خطوة إعادة مئات الآلاف إلى مناطق شمال سوريا. المطلوب من أجل كل ذلك التفاهم السياسي والأمني السريع مع النظام في دمشق. يتحدث عن ضرورة عرقلة مخطط بناء “بيشاور” جديدة على الحدود التركية الجنوبية. ويرفض خطط تشييد المساكن داخل الأراضي السورية من دون موافقة الدولة هناك. التفاهم مع الأسد هو وسيلة الحل الوحيدة للتخلص من الجهاديين في إدلب الذي سيشكلون خطرا أمنيا كبيرا على تركيا كما يرى أيضا. يضيف أن تركيا تتحمل سنويا 30 مليار دولار أعباء الملف السوري في الداخل والخارج. 180 مليارا أنفقت حتى الآن. الإقامة المؤقتة تنتهي عند انتهاء أسباب منحها. الحل هو بالمصالحة والتفاهم مع النظام في دمشق. “لو لم يتحرك حزب النصر لكنا في تركيا نناقش مسألة سبل إبقاء اللاجئين بدلا من البحث في أسباب تسهيل عودتهم”. هي كلها رسائل سياسية واجتماعية واقتصادية يوجهها أوزداغ إلى حلفائه الجدد لكنها تنتظر مواقف وسياسات واضحة من قيادات حزب العدالة والتنمية في حال انتخاب أردوغان من جديد.
هناك 3 نصوص تعهد كليتشدار أوغلو بتنفيذها وهي متضاربة متناقضة في الكثير من موادها فكيف سيجمع بين كل ذلك وأي التزام سينفذ؟ ما قاله لشركاء الطاولة السداسية؟ أم ما قدمه من وعود لقيادات حزب الشعوب الديمقراطية؟ أم نص البروتوكول الذي وقعه مع أوميت أوزداغ قبل أيام؟
يحاول كليتشدار أوغلو الرقص فوق أكثر من حبل على حلبة السيرك السياسي الذي أعده منذ أشهر: إقناع قيادات الطاولة بقبول ودعم ما يقول ويفعل، وكسب المزيد من الأصوات عبر التفاهم مع أوزداغ، وإبقاء “الصوت الكردي” إلى جانبه في الجولة الثانية لمعركة الرئاسة، والتواصل مع محرم إنجة لإقناعه بتغيير موقفه وقبول دعمه، ثم إقناع قواعده الحزبية أن ما يقوم به هو من أجل الحزب ووصوله إلى السلطة في النهاية. يفرح اللاجىء السوري أن أوزداغ ليس في البرلمان التركي هو وحزبه. لكنه يقلق لاحتمال فوز كليتشدار أوغلو وتنفيذ وعده بإشراك زعيم حزب النصر في الحكومة التي سيشكلها عند فوزه واحتمال تسليمه وزارة الداخلية الأكثر احتكاكا بملف اللجوء، قبل الحل السياسي في سوريا.
سنكون صباح الإثنين أمام خارطة مشهد سياسي وحزبي جديد في تركيا وهي ستحمل الكثير من المتغيرات والمفاجآت من خلال إزاحة العديد من الأسماء والشخصيات وإبعاد غالبية الأحزاب الصغيرة عن الساحة. من الصعب على سنان أوغان مرشح الرئاسة الثالث وبعد قرار الوقوف إلى جانب الرئيس أردوغان في المعركة الرئاسية، قيادة الجبهة القومية في تركيا كما كان حلمه قبل أيام. فهناك عقبة دولت بهشلي وميرال أكشينار. لكنه قد يكون سياسيا الفائز من خلال قراره هذا لأن حليفه الأسبق أوميت أوزداغ قد يبقى في ثبات أحلامه التي أشرك كمال كليتشدار أوغلو بها.
—————————
ورقة السوريين في حسابات الانتخابات التركية/ محمد طاهر أوغلو
في غضون أيام قليلة فقط، تحول ملف السوريين في تركيا من مجرد ورقة ضغط بيد المعارضة إلى محور مركزي على رأس أجندة مرشح “تحالف الأمة” الرئاسي كمال كليتشدار أوغلو، في خضم حملته لجولة الإعادة للانتخابات الرئاسية التي ستنعقد في 28 أيار/مايو الحالي.
ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها المعارضة ورقة السوريين لجذب الناخب التركي لا سيما اليميني أو الذي يعاني من أزمة اقتصادية، لكن حملة كليتشدار أوغلو المختلفة جذرياً عن حملته السابقة قبيل الانتخابات الأولى تجاوزت المتوقع وحتى الحدود الإنسانية، فليس من المعقول نصب لوحات دعائية ضخمة تستهدف ملايين الناس وتنتهك شعورهم الإنساني وكرامتهم.
بينما كان يعد كليتشدار أوغلو بترحيل السوريين إلى بلدهم في غضون عامين “بالطبل والزمر وبدون عنصرية”، بات اليوم يستخدم لغة حادة وأرقاماً غير واقعية ويتحدث عن وجود 10 أو 13 مليون لاجئ، ويحذر من وصولهم إلى 30 مليون مستقبلاً، وينصب لوحات ضخمة في الشوارع يعد فيها بترحيلهم.
في غضون أيام قليلة فقط، تحول كليتشدار أوغلو من مرشح متسامح هادئ مبتسم يرسم إشارة القلب، إلى شاحب الوجه يستخدم لهجة حادة ولغة الكراهية والتضليل. لماذا؟
يحاول كليتشدار أوغلو الذي حصل على 44.9% فقط في الجولة الأولى، تعويض النقص بأصوات ناخبي اليمين المتشدد الذين صوتوا لمرشح تحالف الأجداد، سنان أوغان، ونسبتهم 5.2%، ومن جانب آخر، يسعى لتحريك الشريحة الصامتة التي لم تذهب لصناديق الاقتراع في الجولة الأولى، على أمل بعث مخاوفها بشأن اللاجئين وخطرهم على البلد، وفق تعبيره.
التحالف مع أوزداغ
بالطبع تحالف الأجداد انهار بعد انتخابات الجولة الأولى، وهو تحالف متطرف يقوده أوميت أوزداغ رئيس حزب النصر، واتفق التحالف على ترشيح سنان أوغان والذي حصل كما أشرنا على 5.2%، لكن الأخير وهو يميني متشدد كذلك أعلن مؤخراً دعمه لمرشح تحالف الجمهور رجب طيب أردوغان في جولة الإعادة.
في المقابل، أعلن أوزداغ دعمه لمرشح الطاولة السداسية كليتشدار أوغلو، إثر الاتفاق على “مذكرة تفاهم” من 7 مواد من ضمنها “ترحيل اللاجئين على رأسهم السوريون خلال عام على أبعد تقدير”.
وبدا كليتشدار أوغلو متفائلاً من هذا الدعم وتحدث عن “نتائج جيدة” تم تحقيقها من المناقشات مع أوزداغ، وجدد وعده بترحيل السوريين والتحذير من خطر بقائهم واللاجئين عموماً.
وللعلم، البنود الأخرى ركزت على قضايا مثل مكافحة الإرهاب، ومواصلة العمل بقانون تعيين “أوصياء” على الإدارات المحلية مثل البلديات، بعد إقالة الرؤساء المنتخبين إذا ثبت تورطهم بدعم الإرهاب، وهذا البند بالطبع يستهدف رؤساء بلديات تابعين لحزب الشعوب الديمقراطي بالدرجة الأولى.
وعليه، فإن حزب الشعوب الديمقراطي الذي دعم كليتشدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية، تحت سقف تحالف “العمل والحرية”، لا يبدو مرتاحاً لهذا التحالف مع أوزداغ. وهذا ما يدفعنا لاستطلاع نتائج ذلك:
أولاً، نسبة كبيرة للغاية من الأكراد الذين دعموا كليتشدار أوغلو في الجولة الأولى، لن يكونوا متحمسين لدعمه في جولة الإعادة، أو بالأحرى لن يجدوا أنفسهم مضطرين للذهاب إلى صناديق الاقتراع في ظل خطاب أوزداغ من جهة، ومعارضتهم لأردوغان من جهة أخرى.
إضافة لذلك، الناخب الكردي الداعم للشعوب الديمقراطي يجد أنه قد أدى المهمة في انتخابات الجولة الأولى حينما منح صوته لحزبه وأوصله للبرلمان بنسبة جيدة، ولذا فإن ذهابه الآن فقط للتصويت بين خيارين أحلاهما مرّ بالنسبة لهذه الشريحة لن يكون مدفوعاً بحماس أو معنويات عالية.
ثانياً، دعم أوزداغ لا يعني بالضرورة ضمان الحصول على نسبة الـ5.2% التي صوتت لسنان أوغان في الجولة الأولى، فهذه الشريحة هجينة وليست محسوبة على التيار اليميني بالضرورة، والدليل أن نسبة 2.2% فقط صوتت لحزب النصر الذي يقوده أوزداغ.
ولذا فإن مراهنة كليتشدار أوغلو في جذب أصوات اليمينيين له من خلال الحصول على دعم أوزداغ يخالف الواقع والمنطق على حد سواء.
ثالثاً، دعم أوزداغ وخطابه التحريضي والعنصري أزعج شرائح واسعة من الأحزاب المحافظة الصغيرة الداعمة لكليتشدار أوغلو مثل السعادة، المستقبل، الديمقراطية والتقدم، ورأينا ردات فعل عبر انشقاق بعض مسؤولي هذه الأحزاب عقب إعلان أوزداغ دعمه لمرشحهم الرئاسي في الجولة الأولى.
لا سيما وأن خطاب أوزداغ لا يتفق مع أدبيات وعقيدة التيار المحافظ، وعليه فمن المرجح أن تمتنع نسبة كبيرة من الذين صوتوا لهذه الأحزاب عن دعم كليتشدار أوغلو في الجولة الثانية، والعزوف عن الذهاب للتصويت من الأساس.
رابعاً، خطاب أوزداغ وكذلك كليتشدار أوغلو من حيث الوعود بترحيل السوريين، يُزعج بالضرورة أصحاب رؤوس الأموال والمعامل والمصانع الذين يعتمدون على تشغيل اللاجئين والسوريين بشكل خاص بنسبة كبيرة.
خامساً، تحالف كليتشدار أوغلو مع أوزداغ وتوقيعهما على مذكرة تفاهم تناقض بنسبة كبيرة خطاب كليتشدار أوغلو الهادئ والمتسامح الذي كان تبناه في حملة الجولة الأولى، وهذا التحول السريع والراديكالي يخلق نوعاً من عدم الثقة لدى الناخبين المعارضين بالدرجة الأولى.
الناخبون الموالون للحكومة لن يُقنعهم كليتشدار أوغلو خلال أسبوعين وهي المدة الفاصلة بين الجولتين في السباق الرئاسي، أما الناخبون المعارضون الذين صوتوا لكليتشدار أوغلو في الجولة الأولى فلا شك أن جزءاً جيداً منهم يشعرون بعدم ثقة بإدارة كليتشدار أوغلو للأمور.
سادساً، الناخب اليميني الذي تحول كليتشدار أوغلو لأجله لا يزال يضع إشارات استفهام حول العلاقة مع حزب الشعوب الديمقراطي المتهم بتبعيته السياسية لحزب العمال الكردستاني، وحول نظام الحكم برئيس و7 نواب، وتقاسم السلطات والوزارات والمناصب، إلى جانب نقاط عديدة لا تزال تمنع هذا الناخب المعارض اليميني من التصويت لكليتشدار أوغلو، إلا أن الأخير مقتنع بأن الوعد بترحيل السوريين سيضمن له الحصول على هذه الأصوات.
ماذا عن الشريحة الصامتة؟
كما تعلمون، بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 14 أيار/مايو نحو 89%، ما يعني أن هناك 11% من الناخبين لم يصوتوا ويقدّر عددهم بنحو 8 ملايين في الداخل والخارج، فما قصتهم. وهل سيحسمون الفوز في الجولة الثانية؟
في الحقيقة، منذ 2002 إلى الآن أي طيلة عهد العدالة والتنمية وأردوغان، هناك ما يقارب من 7 إلى 8 ملايين لا يذهبون إلى صناديق الاقتراع، ورغم زيادة النمو السكاني فإن هذا الرقم لا يتغير بشكل كبير.
وليس من المتوقع أن يختلف الأمر الآن في جولة الإعادة، لكن بما أنها المرة الأولى التي تشهد فيها تركيا جولة إعادة، قد نتفاجأ بزيادة الإقبال على التصويت، لكن مع ذلك سيكون الأمر منضبطاً، مثل أن تصل نسبة المشاركة إلى 90% أو أكثر بقليل، والسبب هو أن هذه الشريحة ليست مقتنعة بأحد وعازفة عن التصويت لأسباب مختلفة من الصعب أن تتخلى عنها فجأة.
لكن كليتشدار أوغلو يعول على هذه الشريحة الصامتة لحسم فوزه في جولة الإعادة، ولذلك فهو يركز على قضيتي الاقتصاد والسوريين، لكن السؤال الأهم؛ هل هذه الشريحة يمينية بالضرورة؟ وهل ستغير رأيها فجأة بعد رؤيتها لوحات الوعود بترحيل السوريين في الشوارع؟ لا أعتقد.
القضية أكبر من ذلك، وأسباب العزوف جذرية ومن الصعب تغييرها في أسبوعين.
خلاصة القول؛ أعتقد أن نسبة لا بأس بها من الذين صوّتوا لكليتشدار أوغلو في الجولة الأولى قد يمتنعون عن التصويت في الجولة الثانية.
في المقابل، الذين صوتوا لأردوغان هم شريحة صلبة، بدليل وجودهم في كتلة واحدة جميعاً هي “تحالف الجمهور”، ولأنهم سيطروا على البرلمان فإن الدافع عندهم سيكون قوياً لدعم مرشحهم أردوغان في جولة الإعادة للحفاظ على هذا المكتسب.
—————————————
التصويت خوفاً/ غسان ياسين
يمكننا بكل أريحية أن نضيف عاملاً جديداً إلى مجموعة عوامل تساهم في تحديد خيارات الناخب التركي صباح يوم الحسم الأحد المقبل، إنه الخوف فالجميع اليوم في تركيا خائف ولكل طرف أسبابه الخاصة.
بعد انتهاء الجولة الأولى مباشرةً تغير خطاب المعارضة بشكل واضح وفجّ، فبعد أن كانت تقدم نفسها كحامية للديمقراطية والحقوق وللحريات في مغازلة واضحة للغرب وحين كان كليتشدار أوغلو يوصف بأنه غاندي تركيا بسبب فيديوهاته البسيطة التي يبثها من مطبخه، وبسبب كثرة حديثه عن حرية الصحافة مطلقا شعاره: كل شيء سيكون جميلاً. تبدل كل شيء بعد إعلان نتائج الجولة الأولى والتي خسرتها المعارضة برلمانياً.
وفي السباق الرئاسي كان الفارق كبيرا بين الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان ومنافسه كمال كليتشدار أوغلو، بعدها تغير خطاب كليتشدار أوغلو ونزع عنه ثوب الحريات والكلام المعسول، لأنه كان فضفاضاً عليه ولبس بدلا من ذلك وجهه الحقيقي لأنه ابن وفي للتيار “اليساري الكمالي” في تركيا والذي طالما كان عدواً للحريات بذريعة الحفاظ على القيم العلمانية! وخلف هذه الذريعة كانت هناك حياة سياسية مضطربة في تركيا وكانت مدخلاً لتدخل الجيش في السياسة أكثر من مرة. تصاعد خطاب كليتشدار أوغلو العنصري في الأيام الأخيرة بشكل مخيف للأتراك والسوريين معاً، واستخدم فيه المعلومات المضللة المتعلقة بالسوريين حول عددهم ومخاطر وجودهم لدرجة ملأ بعدها شوارع إسطنبول ومدن تركيا بلافتات عملاقة فيها رسالة واضحة للناخب: إذا أردت أن نطرد السوريين انتخبني.
هذا الخطاب المتطرف مردّه الخوف، فالكماليون بشكل خاص يشعرون أنها فرصتهم الأخيرة للوصول لحكم تركيا ولكبح جماح التيار المحافظ الذي يحكم منذ أكثر من عقدين، وسبب هذا الاعتقاد أنهم فعلوا كل شيء لأجل جمع المعارضة في تحالف واحد وفي حال فشلهم فسيتحولون لاحقا إلى أقلية معارضة مع صعود القوميين مؤخراً. هذا الخوف دفعهم للنزول إلى الشوارع وبخ العبارات التحريضية ضد السوريين على الجدران في حركة تذكرنا بما فعله النازيون من قبل في ألمانيا والتي تحوي بالمناسبة على أكبر عدد من الأتراك خارج تركيا!
في المقابل هناك خوف لدى أنصار التحالف الحاكم من ضياع جهد وعمل عقدين من التنمية والازدهار الاقتصادي في حال خسر الرئيس أردوغان منصب الرئاسة، لأن نظام الحكم الحالي رئاسي ويستطيع كليتشدار أوغلو في حال فوزه حل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة ربما تفقد حزب العدالة وشركاءه الأغلبية. يضاف إلى هذا الكابوس خوف من نوع آخر يقلق طيفا واسعا من أبناء التيار المحافظ – الإسلامي في تركيا، خوف من عودة الإقصاء الذي مورس عليهم لعقود وأذكر هنا حديثا جرى قبل أيام بيني وبين ناشط سياسي تركي أخبرني خلاله بأن كثيرين من عائلته هربوا من تركيا إلى الدول العربية ومنهم إلى أوروبا خوفا من الاعتقال نتيجة ملاحقات طالت أفرادا ينتمون للأحزاب والتيارات الإسلامية، خصوصا بعد انقلاب أيلول ١٩٨٠ والذي قاده الجنرال كنعان إيفرين، محدثي (الناشط السياسي) أنهى حديثه معي مبتسماً: لو عادوا للحكم بذات العقلية سنكون نحن وأنتم (يقصد السوريين) ملاحقين منهم وسيطردوننا معاً. ظننته يبالغ في تقديراته قبل أن أشاهد صباح اليوم فيديو متداول على وسائل التواصل الاجتماعي لصاحب مقهى يطرد امرأة محجبة فقط لأنها ترتدي الحجاب، هذه الحادثة جرت في حي أوسكودار المعروف بأن سكانه معظمهم محافظون.
هذه الأجواء المشحونة فوق العادة جعلت الزمن يتوقف بين الجولتين، وكأن المدة شهران وليست أسبوعين، يستطيع أي متجول قناص في شوارع إسطنبول تصيد الخوف والترقب في وجوه المارة سواء أكانوا أتراكاً أم سوريين، لدرجة وصف الوضع الحالي من قبل إبراهيم كراغول وهو صحفي مشهور بالحرب الأهلية، أما السوري الذي يشاهد لافتة عملاقة عليها صورة لكليتشدار أوغلو وعبارة سنطرد السوريين لن يستطيع إخفاء ذهوله وقلقه مهما حاول لأنه لحظة نظره للافتة العملاقة يشعر أن الكون كله ينظر إليه وأنه تُرك وحيداً وعارياً إلا من خوفه.
تلفزيون سوريا
————————-
“لكنّكَ لا تبدو سوريّاً” عن العنصرية في تركيا/ مالك داغستاني
تحدى منير إرتيغون، سفير تركيا في الولايات المتحدة الذي خدم لعشر سنوات هناك، بدءاً من عام 1934، العنصرية في الولايات المتحدة. دعا الرجل أشهر فناني موسيقى الجاز الأميركيين من أصل إفريقي، لإحياء حفلات السفارة التركية في العاصمة واشنطن. في الوقت الذي كانت فيه العنصرية في ذروتها هناك. فعلها السفير التركي وشكّل نموذجاً مهماً ومبكّراً للكفاح ضد العنصرية، رغم التحذيرات من السياسيين الأميركيين. عندما نصحه أحد أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بإدخال ضيوفه السود من الباب الخلفي للسفارة، أجاب الرجل: “أياً كانوا، نحن لا نستقبل ضيوفنا، إلا من الأبواب الأمامية”.
ذهب ولدا السفير أحمد ونصوحي، وهما مؤسسا شركة تسجيلات موسيقية، أبعد من ذلك. نظّما أول حفل موسيقي متكامل في المدينة عام 1942 في مركز الجالية اليهودية. بعد مرور أكثر من ثمانين عاماً، وبمناسبة اليوم العالمي لمكافحة العنصرية في 21 آذار/مارس الماضي، سيقول موريس جاكسون أستاذ الدراسات الأميركية الإفريقية في جامعة جورج تاون لوكالة الأناضول: “رجلان مسلمان يجلبان موسيقى سوداء إلى مؤسسة يملكها يهودي! أنا حتى لا أعرف إن كان من الممكن حدوث هذا الآن”.
“الأتراك عنصريون” جملة يتداولها السوريون اليوم في تركيا. شخصياً لست ألومهم، سوى على اللغة التعميمية، فما يواجهونه في تركيا منذ بضع سنوات، وخصوصاً في الشهور الأخيرة، يبدو لهم تهديداً وجودياً. في ظل سُعار الانتخابات الأخيرة، أصبح السوريون عرضة لحملة كراهية فجّة ووقحة من بعض السياسيين الأتراك. بعد الجولة الأولى من الانتخابات وحصول المرشح الرئاسي سنان أوغان القومي المتطرف، على نسبة أكثر من 5 بالمئة، اشتد خطاب العنصرية لدى المنافس على الجولة الثانية كمال كليتشدار أوغلو، وغدا يعِدُ ناخبيه بترحيل السوريين فور وصوله للسلطة، بعد أن كان خطابه أقل تشدداً.
كان الرجل يتحدث عن إعادة السوريين خلال عامين من ترؤسه البلاد، ويردد على الدوام بأنه ليس عنصرياً. اليوم اختلفت الأمور، وبدا له أن الحصول على أصوات ناخبي أوغان أمر ممكن فيما لو كرر عباراته المتطرفة اتجاه اللاجئين، فراح يصفهم بعبارات مُسفّة ولا تليق برجل دولة، لم يسبق له أن استخدمها. هذا الأسبوع نشرت بلدية إسطنبول التي يرأسها إمام أوغلو وهو من حزبه، لوحات إعلانية ضخمة تحمل صورة كليتشدار وبجانبها عبارة “السوريون سيرحلون”. ازدراها باعتبارها انتهازية انتخابية كثير من الأتراك.
على عكس الأتراك، فإن السوري المقيم هنا، لا يهتم اليوم إن كان أردوغان أفضل لمستقبل تركيا أم أن كليتشدار أوغلو هو من سينقل تركيا لمرحلة جديدة. السوري يصوِّت إن كان حاصلاً على الجنسية التركية، ويكتفي بالتعبير عن أمنياته إن لم يكن كذلك، من موقع الخائف، بل والمذعور على مصيره، غاضّاً النظر إن كان الأول يمينياً والثاني يسارياً، فهذا إن كان يعني له شيئاً قبل هذه الفترة، فهو ليس مجال المفاضلة اليوم. طبعاً هذه السمة العامة لما يخالج السوريين، لا تعني انتفاء وجود من يهتمون بانتماءات المرشح العرقية بل وحتى الطائفية، قبل سياساته ومواقفه من الوجود السوري.
بينما كان الفخر التركي في أوجه قبل عامين، بأن مطوري لقاح كوفيد19 كانا ألمانيين من أصول تركية، فإن نسبة ليست بالقليلة، كانت تردد في ذات الوقت نداءات عنصرية ضد الأجانب في تركيا، خصوصاً السوريين. ستبدو تلك الازدواجية غريبة أكثر، حين نستمع إلى أفراد المجتمع التركي وهو يتداولون باستنكار شديد قصصاً عن العنصرية ضد الأتراك في ألمانيا وبلدان أوروبية أخرى، بينما تساهم شرائح لم تعد قليلة منه، في تكوين صورة نمطية عن الأجانب في تركيا مما يعزز الكراهية والخطاب العنصري!
خلال دعوة إفطار في رمضان 2022، قال السفير التركي في برلين “على الرغم من مرور أكثر من 60 عاماً على وجودهم في ألمانيا، لا يزال الأتراك يواجهون تهديدات عنصرية” وهذا أمر حقيقي. فالأتراك بمن فيهم حاملو أعلى الشهادات الأكاديمية، يعانون من التميييز العنصري في ألمانيا، يصل أحياناً إلى ارتكاب جرائم القتل. حتى المواقف التي تبدو على شكل مجاملة يتلقونها من الألمان تستبطن تمييزاً عنصرياً.
في تحقيق أنجزته د.غوتاي توركمان عام 2019، وهي باحثة في جامعة غوتنغن الألمانية تكتب: كانت مفاجأة لي أن قال لي أحد الألمان حين عرف هويتي: “لكنك لا تبدين تركية”. وتصل إلى نتيجة مفادها أن الصورة النمطية والتصور المسبق أمر راسخ في ألمانيا عن التركي الذي لا ذنب له سوى أنه أتى من تركيا.
للمفارقة، فإن بعض الأتراك الجدد في ألمانيا بدت لديهم في ذات التحقيق، نزعة عنصرية واضحة، بل ويتفهون بدرجة كبيرة العنصرية الألمانية. تقول ميرف، كيميائية أتت إلى ألمانيا لدراسة الدكتوراه: “بمرور الوقت، وجدتُ أننا يجب أن نتعاطف مع الألمان، فهم يعيشون مع الأتراك منذ سنوات، وليس كل تركي في ألمانيا متعلم ومتطور مثلنا. حالياً، كلما عدت إلى تركيا، أشعر بالانزعاج من عدد العرب والأكراد في مسقط رأسي. فأضع نفسي مكان الألمان وأسأل: هل أريد أن يذهب طفلي إلى المدرسة مع أطفال سوريين؟”.
لا يختلف المجتمع السوري في تركيا، من حيث التنوع والاختلافات بين أفراده، كثيراً عن التنوع التركي في ألمانيا، ومع ذلك يخضع للتنميط العمومي في الذهن التركي. والأدهى أن كثيراً منا يقعون في فخ الصورة النمطية عن السوري، حتى لو كنا ضد ذلك. شخصياً ضبطت نفسي في عدد من الحالات، عندما أرى مخالفة أو تصرفاً سيئاً من شخص ما في الشارع هنا في إسطنبول، أهمس: “أخشى أنّه سوري”.
كما بالنسبة للأتراك في ألمانيا، كثر من السوريين تلقوا ما يشبه هذا النوع من المجاملات العنصرية في تركيا “لكنك لا تشبه السوريين”. وغالبا حين تحدثوا عن الأمر تلقوا تعليقات سورية متهكمة من مثل: وهل كانوا يعتقدون أنك سويدي! نعم في تركيا أيضاً هناك صورة محددة عن اللاجئ السوري، الذي يتم تناوله بخطاب ازدرائي غالباً، خصوصاً على وسائل التواصل الاجتماعي. يقول بكير بيرات أوزبك البروفيسور في جامعة ميديبول إسطنبول، والباحث في شؤون اللاجئين لموقع ديلي صباح باللغة الإنكليزية: “الأخبار الكاذبة والمعلومات المتعلقة باللاجئين السوريين تتواصل على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى بعد ثبوت زيفها. وفي أغلب الأحيان يتم دفن المعلومات الصحيحة تحت وطأة المعلومات الكاذبة”.
يوجد اللاجئ السوري على وسائل التواصل لدى الأتراك، غالباً حين الحديث عن التحرش أو السرقة أو حتى بسبب أية مخالفة بسيطة. وتوجد اللاجئة كأم فقيرة وأحياناً بصورة أكثر سلبية، وغالباً هي عالة على المجتمع. يركّز الإعلام المتطرف ضد اللاجئين على الادعاء بأن تركيا تنفق بسخاء على رعاية اللاجئين، وربما تفضلهم على المواطنين الأتراك الذين يعيشون في ضائقة. لن يكون هناك مثل هذا الانحياز في الشارع لو قيل للأتراك إن الدولة لا تطعم اللاجئين، ولا تدفع لهم رواتب. وإن الأموال التي يدفعها الهلال الأحمر التركي للمحتاجين منهم، إنما هي مُقدّمة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ومن منظمات دولية أخرى.
بالعودة إلى التوصيف التعميمي “الأتراك عنصريون”. رغم كل ما يحدث اليوم، شخصياً لا أرى تلك الصفة ثابتة في المجتمع التركي، وجميعنا يذكر المبالغة في الترحيب خلال السنوات الأولى، وأجدها حالة عرضية تنامت بسبب أزمات خانقة يواجهها المواطن التركي منذ سنوات، وساهم في تنميتها واستغلها سياسيون عنصريون. ومع ذلك سيكون لهذه الموجة أثر سيئ على مستقبل تركيا، فقد حفرت العنصرية عميقاً في المجتمع وفي وجدان الكثيرين. أما نحن، فقد نعود يوماً إلى سوريا التي هُجِّرنا منها قسراً، وقد نتذكر بين حين وآخر ما حدث هنا بحلوه ومرّه.
———————————-
السوريون وقضاياهم في البرامج الانتخابية للأحزاب التركية/ سمير العبد الله
في 14 أيار/ مايو 2023، ستكون تركيا على موعد مع انتخابات رئاسية وبرلمانية، وهي انتخابات مصيرية، بالنسبة إلى الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية الذي يحكم تركيا منذ عام 2002، ولا سيّما أنها تأتي في وقتٍ تعاني فيه تركيا مشاكل اقتصادية وارتفاعًا كبيرًا في نسبة التضخم، وتأتي أيضًا بعد الزلزال الذي ضرب تركيا في 6 شباط/ فبراير الماضي، وخلّف أكثر من 50 ألف ضحية، وسط دمار هائل في 10 ولايات تركيا، وخاصة ولايات كهرمان مرعش وهاتاي.
كما تأتي هذه الانتخابات في وقتٍ تلعب فيه السياسة الخارجية التركية دورًا فاعلًا، في العديد من القضايا في المنطقة، وخاصة في الملف السوري والليبي والأوكراني، فضلًا عن تأثيرها في الصراع الأذري الأرمني، وترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط، ولذلك فإن نتيجة هذه الانتخابات قد تترك أثرًا مباشرًا أو غير مباشر على كل تلك القضايا، وخاصة إذا فازت المعارضة وأرادت تغيير السياسة الخارجية التركية، وتترافق أجواء هذه الانتخابات مع وعودٍ تطلقها العديد من الأحزاب التركية لإعادة السوريين إلى وطنهم.
وتُعدّ القضية السورية من المسائل المهمّة في السياسة التركية الداخلية والخارجية، لما لها من تأثير على الصعيد الداخلي وعلى السياسة التركية في المنطقة، وكانت القضايا المرتبطة بالسوريين قد شكّلت جدلًا كبيرًا في تركيا في السنوات الأخيرة، سواء قضايا اللاجئين السوريين في تركيا، أو ما يرتبط بها من قضايا، مثل عودة اللاجئين السوريين لوطنهم، وتجنيس السوريين ومستقبلهم في تركيا، وكذلك العمالة السورية، وغيرها من القضايا التي أرادت بعض أحزاب المعارضة استغلالها، لاستقطاب الشارع التركي، ولانتقاد حكومة العدالة والتنمية التي حاولوا تحميلها كامل المسؤولية عن تلك القضايا.
كان من المتوقّع أن تكون القضايا المرتبطة بالسوريين ضمن ثلاث قضايا أساسية، ستتضمنها برامج الأحزاب الانتخابية بشكل موسع ومفصل، مع الاقتصاد والنظام ونظام الحكم (برلماني/ رئاسي)، لولا أن جاءت كارثة الزلزال، فتراجعت لصالح القضايا المرتبطة بالاقتصاد، وشكل الحكم المستقبلي في تركيا، لكن بعض الأحزاب المعارضة ما زالت تسعى لجعلها القضية الأولى والأساسية، وخاصة “حزب النصر” وزعيمه أوميت أوزداغ، والمرشح الرئاسي سنان أوغان، المدعوم من الحزب نفسه، حيث إنهما يركزان في حملتهما الانتخابية على مسألة عودة السوريين إلى وطنهم، حتى إنّ سنان أوغان قال إنه سيعيد السوريين، ولو بالقوة.
يمكنكم قراءة البحث كاملًا والاطلاع على كافة التفاصيل بشكل موسع من خلال الضغط على علامة التحميل أدناه:
مركز حرمون
—————————
========================
تحديث 19 أيار 2023
سيناريوهات الجولة الثانية.. ما الذي يحتاج إليه أردوغان للفوز بالانتخابات؟
مركز الجزيرة للدراسات
أجرت تركيا الانتخابات الرئاسية والبرلمانية متزامنة في 14 مايو/أيار 2023، في ثاني جولة انتخابية منذ انتقال البلاد إلى النظام الرئاسي. وبالرغم من التكهنات المتتالية طوال السنوات الثلاث الماضية بذهاب البلاد إلى انتخابات مبكرة، فقد جرت الانتخابات في موعدها، بعد 5 سنوات كاملة على الانتخابات البرلمانية والرئاسية السابقة في 2018. وكانت هذه بالتأكيد أكثر الجولات الانتخابية ترقبا منذ عقود طويلة، ليس فقط لمستوى الاستقطاب الذي سبقها في الرأي العام التركي، ولكن أيضا لدلالاتها السياسية الداخلية والخارجية، خاصة إن كان الشعب التركي سيقرر المضي في الطريق الذي شقّه حزب العدالة والتنمية وزعيمه رجب طيب أردوغان منذ عقدين، أو سيختار الانعطاف عن هذا الطريق وإعطاء الطبقة الحاكمة القديمة فرصة أخرى للعودة إلى الحكم.
سبقت يوم الاقتراع حملة انتخابية قصيرة نسبيّا، نظرا لانشغال البلاد بالتعامل مع عواقب زلزال فبراير/شباط الماضي 2023، الذي أصاب منطقة واسعة وملايين من سكان الجنوب التركي. ولكن، ما إن انطلقت الحملة الانتخابية حتى شهدت الساحة السياسية التركية تبادلا حادّا وغير مسبوق للاتهامات بين مرشحي الرئاسة والكتل الحزبية المتنافسة. كما أطلق المتنافسون وعودا سخية لكافة الكتل الاجتماعية، ووعودا أخرى بتطبيق سياسات واتخاذ إجراءات لم تتسم دائما بالواقعية والقابلية للتنفيذ.
ربما لم تجذب انتخابات تركية اهتماما إقليميّا ودوليّا كما فعلت هذه الانتخابات. قادة الدول الأعضاء في منظمة الدول التركية جميعا تقريبا دعوا الشعب التركي إلى دعم الرئيس أردوغان، وكذلك فعلت شخصيات عامة في الجوار العربي، لكن عددا بارزا من بين أهم وسائل الإعلام الغربية المطبوعة، سواء في أوروبا الغربية أو الولايات المتحدة، اتخذت موقفا مناهضا لأردوغان، وشجعت على هزيمته أو أعربت عن أملها في ذلك. خلال الأيام القليلة السابقة على يوم الاقتراع، بدا كأن هذه الانتخابات لم تعد شأنا تركيّا فحسب، بل شأنا يتصل بمستقبل المحيط المشرقي برمته، كما دول البلقان والقوقاز.
اصطفافات المتنافسين
خاض الانتخابات الرئاسية 4 مرشحين: الأول: كان الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي يقود حزب العدالة والتنمية والبلاد، رئيسا للحكومة ومن ثم رئيسا للجمهورية، منذ عام 2003. الثاني: كمال كليجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري، وزعيم المعارضة منذ أكثر من عقد. الثالث: محرم إنجه، القيادي السابق في حزب الشعب الجمهوري ومرشحه لرئاسة الجمهورية في 2018، وقد خاض الانتخابات هذه المرة مرشحا عن حزب البلد الذي أسسه بعد انشقاقه عن حزب الشعب قبل سنوات قليلة. والرابع: سنان أوغان، مرشح تحالف أحزاب قومية راديكالية صغيرة، باسم تحالف الأجداد.
أطلقت مواقع المعارضة الإعلامية حملة هائلة ضد “محرم إنجه” منذ أن أعلن ترشحه للانتخابات، للاعتقاد بأن أصواته ستأتي من أصوات حزبَي المعارضة الرئيسيين، الحزب الجمهوري والحزب الجيد. وقبل أيام قليلة من يوم الانتخابات، ظهرت على مواقع الاتصال الاجتماعي المقربة من المعارضة صور ذات طبيعة جنسية، تجمع محرم إنجه بفتاة غير معروفة، وكان واضحا أن محاولة أخيرة بدأت لتحطيم سمعة الرجل وإجباره على الانسحاب من المنافسة. وعلى الرغم من أن معظم مَن اطّلع على الصور توصل إلى أنها صور مزيفة، وأن النائب العام فتح قضية لملاحقة من أطلقوا الصور وتداولوها، فإن إنجه، الذي بدا مثقلا بعبء المواجهة، أعلن بالفعل انسحابه قبل أيام فقط من يوم الاقتراع. جاء انسحاب إنجه متأخرا، ولم يكن ممكنا إلغاء اسمه من على ورقة التصويت، ولكن الانتخابات الرئاسية أصبحت فعليّا سباقا بين ثلاثة مرشحين وليس أربعة.
المفاجأة الثانية في ساحة الانتخابات الرئاسية جاءت من لقاء مفاجئ عقده كمال كليجدار أوغلو مع قادة حزب الشعوب الديمقراطي، القومي الكردي، انتهى بقرار حزب الشعوب عدم التقدم بمرشح في الانتخابات الرئاسية، والإعلان عن دعم كليجدار أوغلو. وكان مرشح حزب الشعوب الديمقراطي في انتخابات 2018 الرئاسية حصل على 8.5% من الأصوات، وهي نسبة ملموسة ومرجِّحة. وليس ثمة شك أن مثل هذه الكتلة من الأصوات كانت هي ما دفع كليجدار أوغلو إلى المغامرة بالظهور بمظهر المتحالف مع حزب كردي قومي انشقاقي.
كان أردوغان وكليجدار أوغلو طرفي الصراع الانتخابي الرئاسي الرئيسيين نظرا لحجم الحشد الحزبي الكبير خلف كل منهما، ولكن هذا لا يعني أن سنان أوغان كان بلا تأثير، فمن البداية أصبح واضحا أن حجم الأصوات التي سيحصل عليها أوغان سيحدد ما إن كان من الممكن حسم الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى، أو أن الحسم سيتأخر إلى جولة ثانية في 28 مايو/أيار، نظرا لأن القانون الانتخابي التركي يشترط للمرشح الفائز الحصول على ما يزيد عن 50% من الأصوات.
أما الانتخابات البرلمانية فكانت أكثر تعقيدا، وإن كانت لا تتطلب سوى جولة واحدة من الاقتراع، مهما كانت طبيعة خارطة الفائزين. اجتمعت الأحزاب التركية المتنافسة في الانتخابات البرلمانية في تحالفين رئيسيين، وتحالفين آخرين أقل أهمية ووزنا.
التحالف الأول هو تحالف الجمهور، وضم حزب العدالة والتنمية، الذي يحكم البلاد منذ 2002، وحزب الحركة القومية، قومي التوجه، وحزب الرفاه الجديد، إسلامي التوجه، وحزب هدى بار، الكردي الإسلامي، وحزب الوحدة الكبرى، القومي المحافظ، وحزب اليسار الديمقراطي، الذي يُحسب على يسار الوسط. بخلاف العدالة والتنمية والحركة القومية، تعتبر أحزاب تحالف الجمهور الأخرى أحزابا صغيرة، ولم يُتوقع لأي منها الحصول على نسبة ملموسة من الأصوات، ولكن وجودها منح التحالف صورة الإطار السياسي الوطني الجامع، وعزز فرص مرشحيه في مناطق محددة تمتع فيها واحد من هذه الأحزاب بنفوذ مميز.
التحالف الثاني هو تحالف الأمة، الذي ضم الكتلة المعارضة الأكبر، بما في ذلك حزب الشعب الجمهوري، الكمالي العلماني الذي قاد الجمهورية منفردا طوال ربع قرن، والحزب الجيد، قومي التوجه المنشق عن الحركة القومية، وكلاهما من الأحزاب ذات الثقل، إضافة إلى أحزاب السعادة، والمستقبل، والديمقراطية والتقدم، والحزب الديمقراطي، وتُحسب جميعا على الجناح المحافظ أو الإسلامي للسياسة التركية، لكن هذه الأحزاب الأربعة تعتبر أحزابا صغيرة، إلى حدِّ أنه لم يُتوقع لأي منها الحصول على 1% من الأصوات. والمؤكد أن الدافع إلى تشكيل تحالف الأمة لم يكن بالضرورة الانتخابات البرلمانية، نظرا لأن حزبي الشعب والجيد، اللذين يشكِّلان مركز ثقل التحالف، لم يكونا بحاجة ماسَّة إلى دعم من قوى أخرى. الدافع خلف هذا التحالف كان الانتخابات الرئاسية، نظرا لأن أحزاب المعارضة كانت تدرك أن مرشحا عن أي من أحزاب المعارضة لم يكن بإمكانه إيقاع الهزيمة بأردوغان، وأن الفوز في الانتخابات الرئاسية يتطلب حشدا واسع النطاق، ومن أطياف سياسية متعددة، خلف المرشح المعارض.
أما التحالف الثالث فيدعى الجهد والحرية، ويقوده حزب الشعوب الديمقراطي الكردي القومي، المتهم بكونه الذراع السياسية لحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابيّا لدى الدولة التركية. لكن، لأن الشعوب الديمقراطي يواجه قضية لحله في المحكمة الدستورية العليا لم تُحسم بعد، قرر -تحوطا- خوض الانتخابات في هذا التحالف باسم حزب اليسار الأخضر، إلى جانب عدد من أحزاب اليسار غير ذات الوزن.
التحالف الرابع هو تحالف الأجداد، ويضم عدة أحزاب قومية راديكالية صغيرة، بما في ذلك حزب النصر، عنصري التوجه، وهو التحالف الذي يقف خلف المرشح الرئاسي، سنان أوغان. وأخيرا يأتي التحالف الخامس، وهو اتحاد القوى الاشتراكية، الذي يضم حزب الحركة الشيوعية ومنظمات ماركسية هامشية أخرى.
لم تخض الكيانات الانتخابية الائتلافية الانتخابات دائما ضمن قوائم واحدة، ففي حالة تحالف الجمهور، قرر حزب الحركة القومية خوض الانتخابات بصورة منفردة، وكذلك كان خيار الحزب الجيد في حالة تحالف الأمة.
فاجأت النتائج كافة الأطراف المهتمة بالانتخابات، سواء تركيّا أو إقليميّا أو دوليّا. خلال الأسابيع القليلة السابقة من يوم الانتخابات، وُلِد إجماع في الأوساط السياسية التركية، حتى في دوائر العدالة والتنمية، أن تحالف الجمهور، الذي يقوده العدالة والتنمية، سيخسر أغلبيته في البرلمان لصالح تحالف الأمة المعارض وحزب الشعوب الديمقراطي الكردي معا، ولكن ما أسفرت عنه الانتخابات كان عودة تحالف الجمهور إلى البرلمان متمتعا بأغلبية مريحة، بحوالي 322 مقعدا من مقاعد البرلمان الـ600. صحيح أن نصيب العدالة والتنمية من الأصوات تراجع قليلا عن نصيبه في 2018، ولكن حزب الحركة القومية لم يرفع حصته من الأصوات والمقاعد وحسب، ولكنه تفوق أيضا على الحزب الجيد، المنشق عنه، والذي كان يسعى إلى أن يصبح الحزب القومي الرئيسي في البلاد، وأن تصبح زعيمته، ميرال أكشنار، رئيسة الحكومة المقبلة إن فازت المعارضة في الانتخابات واستطاعت العودة بالبلاد إلى النظام البرلماني.
ولأن النظام الانتخابي التركي يشترط حصول أي حزب يخوض الانتخابات باسمه، أو أي تحالف انتخابي، على 7% من الأصوات ليُسمح له بدخول البرلمان، فإن أصوات الأحزاب والائتلافات الصغيرة التي فشلت في تجاوز الحافة الانتخابية يجري توزيعها في كل دائرة انتخابية على الأحزاب والائتلافات التي نجحت في تجاوز الحافة الانتخابية بنسب تتفق وما حققته من أصوات الناخبين. هذا النظام هو ما وفر لتحالف الجمهور فرصة العودة إلى البرلمان بأغلبية مريحة.
رئيس حزب الهدى التركي زكريا يابيجي أوغلو (يسار) بجانب أردوغان (غيتي إيميجز)
إضافة إلى ذلك، نجح حزبان صغيران متحالفان مع العدالة والتنمية في تحالف الجمهور في دخول البرلمان للمرة الأول، إذ حصل حزب الرفاه الجديد، إسلامي التوجه، على 5 مقاعد، كما حصل حزب هدى بار الكردي الإسلامي على 3 مقاعد على الأقل. وليس ثمة شك في أن دخول هدى بار البرلمان يحمل معه دلالة رمزية بارزة، نظرا إلى أنه سيرفع راية الأكراد الإسلاميين، ويكشف عن التنوع البالغ في الصوت الكردي، وأنه ليس كافة الأكراد الأتراك هم من دعاة الانشقاق والمناهضين للدولة التركية. أما حزب الرفاه الجديد، فإن فوزه المستحق يرشحه لوراثة حزب السعادة الإسلامي بالكامل، بعد أن اختار الأخير الانخراط في تحالف الأمة ودخول البرلمان، ليس بأصواته، بل بأصوات حزب الشعب الجمهوري.
حزب الرفاه الجديد بقيادة فاتح أربكان أعلن في 22 مارس/آذار 2023 الانضمام إلى “تحالف الجمهور” (أسوشيتد برس)
من جهة أخرى، زادت أصوات حزب الشعب الجمهوري قليلا عن حصته في 2018، ولكنها لم تتجاوز نسبة الـ25% من الأصوات، إلا بصورة طفيفة. ولكن الأسوأ أن مقاعد حزب الشعب البرلمانية تراجعت عن 163 التي حققها في انتخابات 2018 نظرا إلى أن الصفقة التي وقَّعها كليجدار أوغلو مع أحزاب تحالف الأمة الصغيرة المحافظة منحت هذه الأحزاب ما مجموعه 34 مقعدا في البرلمان. بمعنى أن هذه الأحزاب حصلت على هذه المقاعد البرلمانية بعد أن ترشحت على قوائم حزب الشعب، مقابل دعم كليجدار أوغلو وتوفير غطاء إسلامي ومحافظ له في الانتخابات الرئاسية.
بالمثل، تراجعت حصة حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، الذي خاض الانتخابات باسم اليسار الأخضر، عن حصته من الأصوات في انتخابات 2018، محققا أقل من 10% من الأصوات. كما تراجعت حصة الحزب الجيد إلى حوالي 9% من الأصوات، أي أقل بثلاث أو أربع نقاط بالمئة عما كانت تتوقع استطلاعات الرأي قبل أزمة خلاف تحالف الستة على المرشح الرئاسي.
في غضون ذلك، فشلت كافة التحالفات والأحزاب القومية الراديكالية واليسارية الماركسية الأخرى كلية في دخول البرلمان، سوى تلك التي ترشحت ضمن التحالف مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، أو على قوائمه. كما فشل حزب البلد كذلك في تجاوز الحافة الانتخابية.
حقق سنان أوغان، القومي-العنصري، 5% من الأصوات لأن هناك قلقا متصورا لدى قطاع من المواطنين الأتراك من العبء الذي يمثله عدد اللاجئين المتزايد في البلاد. (أسوشيتد برس)
أما في الانتخابات الرئاسية فقد جاءت النتائج هي الأخرى لتكشف عجز استطلاعات الرأي من مختلف الاتجاهات عن توقع ما ستنتهي إليه المواجهة بين المرشحين الثلاثة. حقق سنان أوغان، القومي-العنصري، 5% من الأصوات، ليس لأن ثمة توجها قوميّا عنصريّا لدى كافة هؤلاء الذين صوَّتوا له، ولكن لأن هناك قلقا متصورا لدى قطاع من المواطنين الأتراك من العبء الذي يمثله عدد اللاجئين المتزايد في البلاد. ولكن هذه الـ5% التي حققها سنان أوغان كانت كافية على أي حال لمنع حسم الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى.
مفاجأة الرئاسيات الثانية جاءت في الفارق الكبير بين ما حققه المرشحان الرئيسيان: رجب طيب أردوغان وكمال كليجدار أوغلو. صحيح أن أردوغان لم يستطع حسم الانتخابات من الجولة الأولى، ولكنه حقق ما لا يقل عن تسعة وأربعين ونصف النقطة بالمئة من الأصوات، مقابل ما يقل قليلا عن 45% من الأصوات لكليجدار أوغلو. بمعنى أن النتائج أظهرت أن حصتَي المرشحين الرئيسيين من الأصوات لم تكن متقاربة كما توقعت معظم استطلاعات الرأي والمراقبين داخل البلاد وخارجها قبل عقد الانتخابات، وأن فوز كليجدار أوغلو لم يكن صعبا وحسب، بل يكاد يكون مستحيلا.
ديناميات الانتخابات
يصعب فهم القوى التي دفعت نحو تبلور هذه النتائج وتفاعلاتها بدون العودة إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية السابقة، وذلك لأن نظام الحكم الرئاسي في تركيا هو نظام جديد، وأن الانتخابات الرئاسية-البرلمانية الوحيدة التي جرت من قبل في ظل هذا النظام كانت انتخابات 2018.
ما شهدته انتخابات 2018 كان منافسة رئاسية محتدمة بين أربعة مرشحين رئيسيين، ينتمي كل منهم إلى كتلة تعتبر جزءا من التيار السياسي العام: رجب طيب أردوغان، مرشح العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية؛ محرم إنجه، مرشح حزب الشعب الجمهوري؛ صلاح الدين دميرطاش، مرشح حزب الشعوب الديمقراطي الكردي؛ وميرال أكشنار، مرشحة الحزب الجيد، القومي التوجه. فاز أردوغان في تلك الانتخابات من الجولة الأولى، متجاوزا نسبة الـ50% بما يزيد عن نقطتين، أما منافسوه الثلاثة فقد حصلوا معا على ما فاق 45% من الأصوات بقليل. الحقيقة أن مجموع أصوات منافسي أردوغان في انتخابات 2018 يتطابق تماما مع ما حصل عليه كمال كليجدار أوغلو في هذه الانتخابات، والسبب خلف ذلك واضح، وهو أن القوى الحزبية كافة التي وقفت خلف مرشحي المعارضة الثلاثة في 2018 قد اصطفت معا خلف مرشح حزب الشعب.
بشيء من التفصيل، يمكن القول إن كليجدار أوغلو حصل على معظم أصوات مصوتي حزب الشعب الجمهوري التقليديين، وجزء ملموس من الصوت القومي، وعلى ما يزيد أو يقل، بهذا القدر أو ذاك، عن المعدل التقليدي للصوت الكردي القومي.
أما إخفاق كليجدار أوغلو في الفوز في الجولة الأولى أو حتى في التفوق على أردوغان فيعود بالتأكيد إلى أن قطاعا ملموسا من الصوت الكردي، لا سيما الصوت الكردي المحافظ، رفض التصويت له. كما امتنعت عن التصويت لكليجدار أوغلو نسبة صغيرة من أصوات حزب الشعب الجمهوري، أو ما أُطلق عليهم وصف “الكماليين السنَّة”، ونسبة ملموسة من أصوات الحزب الجيد، الذين عارضوا تحالف كليجدار أوغلو مع الأكراد القوميين. ويبدو أن الأحزاب الإسلامية والمحافظة الصغيرة الأربعة، التي اصطفت خلف كليجدار أوغلو، فشلت في إقناع ما يكفي من الصوت المحافظ لترجيح حظوظ مرشح المعارضة العلماني العلوي الذي يحمل على كتفيه ميراث حزب الشعب الجمهوري ثقيل الوطأة.
كان بإمكان أردوغان بالطبع حسم الانتخابات من الجولة الأولى، ولكن عجزه عن تحقيق ما يقارب نسبة الأصوات التي حققها في 2018 يعود إلى ما نجح سنان أوغان في تحقيقه من الصوت القومي، وإلى مشكلة أردوغان مع الصوت الكردي، وانفضاض جزء من الصوت الكردي المحافظ عنه، الصوت الذي اعتاد التصويت للعدالة والتنمية حتى توقف مسار السلام الكردي في 2016. والأرجح أن جزءا يصعب تقديره من الصوت الشاب، لا سيما المصوتين للمرة الأولى، حتى بعض أولئك المنتمين لأسر محافظة، لم يحسم أمره بالتصويت للرئيس، لهذا السبب أو ذاك. وليس ثمة شك أن أزمة البلاد الاقتصادية، ومعدلات التضخم التي لم تزل عالية، كان لها بعض الأثر على إحجام مصوتين تقليديين لأردوغان والعدالة والتنمية عن التصويت لهما هذه المرة.
أما نتائج الانتخابات البرلمانية المفاجئة فلا بد أن تُقرأ في ضوء صلابة القاعدة الأساسية لحزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية. والواضح أن نسبة معتبرة من مصوِّتي حزب السعادة انحازت إلى حزب الرفاه الجديد. كما نجح حزب هدى بار في حشد عدد ملموس من أنصاره من الأكراد الإسلاميين في ديار بكر ومناطق الأغلبية الكردية في الجنوب الشرقي، وفي التصويت له بالرغم من مناخ الخوف والتهديد الذي صنعه الناشطون الأكراد القوميون في المنطقة.
من جهة أخرى، فإن معدلات التصويت للعدالة والتنمية تشهد تراجعا حثيثا في انتخابات 2018 عن انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2015، ثم في هذه الانتخابات عن انتخابات 2018، وأن الحزب لم يعد قادرا على كسب أغلبية برلمانية بمفرده كما كان عليه الحال في الفترة من 2002 إلى 2015. مثل هذا التراجع لا بد أن يدفع قيادة الحزب إلى مراجعة أكثر جدية وشمولا على مستوى البنية التنظيمية والقيادات في كافة المراتب، كما على مستوى السياسات وكيفية إدارة الحكم، إن كان لم يزل لدى الحزب حافز الاستمرار في قيادة الدولة التركية خلال السنوات المقبلة.
في العموم، ليس من الصحيح أن الانتخابات أظهرت ميلا متزايدا للناخبين الأتراك نحو المعسكر القومي. تتمثل الكتلة القومية التقليدية بحزبي الحركة القومية والحزب الجيد، وما حدث في هذه الانتخابات أن قطاعا من مؤيدي الحزب الجيد عاد وأعطى صوته للحزب الأم، حزب الحركة القومية، وهذا هو السبب في الانخفاض في حصة الجيد من الأصوات والزيادة الملموسة في حصة حزب الحركة القومية.
تشير نتائج هذه الانتخابات بوضوح إلى أن أغلبية الشعب التركي لم تزل ترغب في الاستمرار في نهج العقدين الماضيين من حكم العدالة والتنمية، وفي استقرار الدولة التركية، بالرغم من الصعوبات الاقتصادية التي أخذت تركيا في مواجهتها في العامين الأخيرين. لم يستطع تحالف المعارضة الضخم وغير المسبوق إقناع الناخب التركي بأنه يمثل بديلا جادّا، بديلا يمكن الثقة فيه لقيادة البلاد في خضم أزمة اقتصادية واضطرابات إقليمية وتحولات في المشهد الدولي.
ثمة مؤشرات على أن أغلبية الناخبين الأتراك لم يزالوا مقتنعين بأن العدالة والتنمية، بسجل إنجازاته الكبير في العقدين الماضيين، يمكنه إخراج تركيا من الأزمة الاقتصادية، وأن سياسة أردوغان الاستقلالية في السياسة الخارجية هي الأفضل لتركيا ودورها في الإقليم والعالم. ويبدو أن تحالف الستة، بالتباينات الأيديولوجية الواسعة في صفوفه، لم ينجح في إقناع أغلبية الناخبين بأنه سيستطيع تشكيل حكومة مستقرة ومتماسكة، وأنه لن يعود بالبلاد إلى حقبة الحكومات الائتلافية القلقة، التي تسببت في التدهور الاقتصادي-الاجتماعي خلال سنوات التسعينيات، وجعلت تركيا رهينة للإرادات الدولية ومنظمات الإقراض المالي.
ذلك كله لا يعني أن انتصار أردوغان في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية بات مضمونا، أو أن ما يقوله كمال كليجدار أوغلو من أن توجهات التغيير التي أظهرتها الجولة الأولى ستجعل انتصاره في الثانية ممكن التحقق. يتعلق تحدي الجولة الثانية الأول للطرفين المتنافسين بقدرتهما على تحفيز من شاركوا في انتخابات الجولة الأولى على العودة للإدلاء بأصواتهم من جديد في الإعادة. ثمة خطر يكمن في شعور عدد من أنصار أردوغان بأن الانتصار بات مؤمَّنا وأن ليس من الضروي الذهاب للتصويت، وخطر مقابل يهدد فرص كليجدار أوغلو بانتشار الشعور باليأس والقنوط لدى قطاع من مصوِّتيه، وفقدان الأمل في الانتصار، وأن أصواتهم لن تصنع فرقا على أي حال. أما التحدي الثاني فيتلخص في كتلة الـ5% من الناخبين الذين أعطوا أصواتهم لسنان أوغان، وما إن كانوا سيمتنعون عن التصويت في الجولة الثانية، أو أنهم سينقسمون بين تأييد أردوغان وكليجدار أوغلو، بنسب متفاوتة.
كانت أغلب التوقعات تقول بأن نسبة المصوتين في الجولة الأولى ستتجاوز 89% ممن يحق لهم التصويت، ولكن الأرجح أن هذه النسبة كانت بالفعل أقل من ذلك بنقطتين، وأن معظم من أحجموا عن التصويت قرروا الامتناع عن الإدلاء بأصواتهم لأردوغان، على وجه الخصوص، لأسباب اقتصادية، لا سيما من الناخبين في إسطنبول، المدينة الأكبر والأكثر تأثرا بالأزمة الاقتصادية. سيحتاج أردوغان إلى إيجاد طريقة ما لإقناع هؤلاء بأنه سيُولي اهتماما خاصّا للوضعين، الاقتصادي والمالي، وأن عليهم وضع ثقتهم فيه وليس في مرشح المعارضة، وأن مشاركتهم في الجولة الثانية تتعلق بمستقبل البلاد ككل وليس مستقبله السياسي وحسب. في النهاية، ثمة من يقول: إن الرئيس أردوغان بإمكانه حسم الجولة الثانية بدون جهد كبير إن بادر بالإعلان عن أسماء حفنة صغيرة من طاقمه الحكومي المقبل، على أن يكون هؤلاء من الشخصيات ثقيلة الوزن، القادرة على كسب ثقة قطاعات واسعة من الشعب.
_____________________________________
هذا التقرير منقول عن مركز الجزيرة للدراسات
—————————
لن يُطرد السوريون من تركيا بعد غد/ عمر قدور
من المفروغ منه أن السوريين في مقدمة الذين يترقّبون نتائج الانتخابات التركية غداً، الرئاسية منها خاصةً. والصورة الرائجة في بعض الأوساط أن اللاجئين منهم في تركيا سيُطردون غداة الانتخابات، أو سيتعرضون لأفعال منفلتة شديدة العنصرية بغطاء من أحزاب المعارضة فيما لو خسر أردوغان منصبه. السيناريو المتشائم الآخر، الرائج في أوساط سوريّة خارج تركيا، أن كمال كليتشدار أوغلو “حال فوزه بالرئاسة” سيُهرع إلى دمشق ليضع يده في يد بشار الأسد، ويعيد إليه اللاجئين مع الأراضي السورية الواقعة تحت نفوذ أنقرة.
ما يدعم السيناريو المتشائم الخاص باللاجئين أن التقديرات تشير إلى درجات من العنصرية ورفض اللاجئين متفشية بين ما لا يقل عن 75% من المواطنين الأتراك، وهذه نسبة ضخمة حقاً فيما لو انفلت قسم منها بلا ضوابط، أو بتحريض خفيّ من السلطة. في الأرقام أيضاً، تمنح استطلاعات الرأي الرئيس أردوغان ما يقارب 50% من الأصوات، أي أن نصف قاعدته الانتخابية مضادة للاجئين بموجب النسبة السابقة، هذا إذا قلنا أن القواعد الشعبية لأحزاب المعارضة مضادة لهم بشكل مطلق، وهو غير صحيح بالتأكيد ما يرفع النسبة المشار إليها ضمن جمهوره.
في السياق نفسه، الخاص بتعاطي أردوغان وقاعدته الشعبية مع موضوع اللاجئين، كنا قد شهدنا منذ خمس سنوات تحولاً معلناً عن النظرة الإيجابية السابقة. فمن المعلوم أن قضية اللاجئين استُخدمت مبكراً في التجاذبات التركية-الأوروبية، وكان يمكن أن تبقى في العموميات لو لم يقل الرئيس التركي أن بلاده تكبّدت 40 مليار دولار لقاء استضافة ما يزيد عن ثلاثة ملايين ونصف سوري. تلك المليارات المُشار إليها هي رقم ضخم جداً، ويزداد ثقله مع التراجع الاقتصادي والمعيشي للمواطن التركي، ومع مرور خمس سنوات لاحقة بتكاليف مضافة عليه. وبصرف النظر عن عدم إعلان تفاصيل متعلقة بالمليارات الأربعين، أو بالمليارات التي قدّمها الاتحاد الأوروبي لأنقرة ضمن الاتفاق على الحد من تدفق اللاجئين إليه، فإن صدور التصريح عن الرئيس يمنحه مصداقية لا تحظى بها تصريحات المعارضين، أو أية جهة معادية للاجئين.
يصبّ في المسار ذاته أن انعطافة أردوغان تجاه بشار الأسد، منذ بدء المحادثات بين مخابرات الطرفين، تم تبريرها بالعمل على إعادة اللاجئين إلى سوريا بينما رُبط الوجود التركي في الشمال السوري فقط بالحرب على قسد والفرع السوري من حزب العمال الكردستاني. وفي الغضون أُبرِزت إعلامياً “وبمبالغة واضحة” مشاريعُ إنشاء وحدات سكنية في مناطق النفوذ التركي، حيث رُبطت بترحيل لاجئين من تركيا تحت لافتة “عودتهم طوعياً إلى بلادهم”. في المحصلة، لا غرابة إذا بدا التنافس الانتخابي الحالي، في جزء مهم منه، كأنه تنافس على مَن هو الأقدر على التخلص من اللاجئين السوريين أسرع من الآخر، والتخلص من تداعيات الحدث السوري برمته.
لكن الخلاصة السابقة سينقضي مفعولها مع انتهاء الانتخابات، سواء في الجولة الحالية أو جولة الحسم بعد أسبوعين. فالفائز في الانتخابات، أيّاً يكن، لن يدفع باللاجئين السوريين إلى الأراضي السورية فور تسلمه السلطة. لا أردوغان أعلن عن نيته فعل ذلك، ولا كليجدار أوغلو الذي بالغ في “تفاؤله” بإعلانه العزم على إعادتهم خلال سنتين، مع التنويه بأن شطراً كبيراً من تفاؤله يتوقف على تعاون الأسد واستعداده لإعادتهم بتوفير ضمانات أمنية لهم، وأيضاً ضمانات معيشية.
وإذا ناقشنا فرضية فوز كليتشدار أوغلو؛ فهو مرشّح المعارضة التي تضع في برنامجها استعادة النظام البرلماني، وإلغاء تفرّد الرئيس بسلطة اتخاذ القرار. ومن المحتمل جداً، في حال خسارة أردوغان، أن توافق كتلته البرلمانية على مشروع من هذا القبيل. في كل الأحوال، سيُضطر مرشح الطاولة السداسية إلى مراعاة حلفائه الانتخابيين، ومنهم مثلاً حزب المستقبل برئاسة أحمد داود أوغلو الذي له موقف إيجابي من اللاجئين، ومنهم أيضاً حزب “الجيد” القومي برئاسة ميرال آكشينار التي لن تقبل انسحاباً من سوريا لا يراعي هواجس حزبها تجاه الأكراد. جدير بالذكر أن أحزاب الطاولة السداسية تخوض الانتخابات البرلمانية معاً، وحتى في حال تحقيقها الأغلبية فإن حزب الشعب الذي يرأسه كليتشدار أوغلو سيبقى بحاجة إلى أصوات حلفائه، ما لم يتنكر تماماً لوعوده الانتخابية ويستفرد بالحكم بموجب الصلاحيات الممنوحة للرئيس.
أما فوز أردوغان بالرئاسة فيعني تمسّكه بالصلاحيات التي بذل أقصى جهوده لإقرارها مع التحول من نظام برلماني إلى رئاسي، وقد يصبح هذا من أهم شواغله إذا نالت أحزاب المعارضة أغلبية كافية لطرح تعديلات دستورية تستعيد النظام القديم. من دون شطط في التوقعات يبدو أردوغان مرشّحاً أكثر من كليتشدار أوغلو لاتخاذ قرارات دراماتيكية “بما فيها تلك الخاصة بسوريا”، بحكم تفرّده بصلاحيات الرئاسة وتفرّده بقرار حزب العدالة والتنمية. جدير بالذكر أنه من ضمن رؤساء أحزاب الطاولة السداسية هناك ثلاثة كانوا إلى جانب أردوغان في حزب العدالة؛ أحمد داود أوغلو وميرال آكشينار، وعلي باباجان وزير الاقتصاد السابق الذي أسس حزب “الديموقراطية والتقدم” بدعم من الرئيس السابق عبدالله غُل. وخروج هؤلاء الثلاثة وعبدالله غُل وغيرهم بمثابة مرآة للتحول في الحزب، والذي يمكن اختصاره بتحول أردوغان من زعيم للحزب إلى “أنا الحزب”.
أُفرِغ حزب العدالة من التنوع والحراك في داخله، وذهبت معهما الآمال التي كانت معقودة على حزب إسلامي يقدّم للمنطقة صورة مغايرة عن الأحزاب الإسلامية، ويكون قاطرة لها على سكة التغيير. وكان من المأمول أن تُقبل تركيا في عضوية الاتحاد الأوروبي ما يعزز الوعود التي أتى بها حزب العدالة في مستهل انطلاقته، فتقدّم التجربة التركية نموذجاً لجيرانها على صعيد الديموقراطية، وأن يساعد حل القضية الكردية في تركيا على إيجاد حلول لها في الجوار. بدل تلك الآمال انهار التقارب التركي-الأوروبي، وإن تكن المسؤولية لا تقع على أنقرة منفردة، وابتعدت الأخيرة عن واشنطن خاصةً على وقع العلاقة الشخصية المميزة بين أردوغان وبوتين، والتي أفضت سوريّاً إلى مسار أستانة، ثم إلى المسار الرباعي “أستانة+الأسد”، بينما قدمت الفصائل في الشمال السوري أسوأ نموذج إسلامي تحت إشراف أنقرة.
الخبر الوحيد الجيد حالياً للسوريين أن قضيتهم ليست ممسوكة كلياً من أنقرة وشركائها في المسار الرباعي، وهو ما يحدّ من أي شطط للرئيس المقبل، وأقصى ما يمكن فعله يمضي به أردوغان من خلال هذا المسار الذي وصل إلى المصافحة والتقاط الصور التذكارية بين وزير خارجية تركيا ووزير خارجية الأسد، وإلى إعلان موسكو عن خريطة طريق لتطوير العلاقات بين الجانبين تم الاتفاق عليها في الاجتماع الرباعي الأخير. مع ذلك يبقى مفهوماً خوف السوريين من أي تغيير، خشية أن يكون على حسابهم، رغم أن الفكرة الرائجة ومفادها نكوص أردوغان عن تقاربه مع الأسد إذا فاز في الانتخابات ليس لها ما يسندها، أما ما هو معهود من تراجع عن الوعود الانتخابية بعد الفوز فقد يكون خبراً سيئاً للذين يحلمون بتركيا خالية من السوريين بعد غد.
المدن
————————–
نحن والانتخابات التركية/ محمد كريشان
في الانتخابات التركية الأخيرة برز بين ظهرانينا، نحن العرب، تياران شقّا أوساط رأي عام يتابع بكل حماسة مجرياتها وكأنها تجري في عقر داره وكأن نتائجها، الرئاسية بشكل خاص قبل البرلمانية، ستنعكس مباشرة على حياته اليومية ولقمة عيشه.
لا ضير طبعا في متابعة هذه الانتخابات أو غيرها باهتمام خاص ولكن من الغريب أن يصبح جزء من الرأي العام العربي، سواء عبر مواقع التواصل أو غيرها، جزءا من الاستقطاب الحاد الذي عرفه المجتمع التركي إلى حد الانخراط في تأجيجه عندنا.
الشق المناهض للرئيس التركي رجب طيب أردوغان نزل بكل ثقله وكأن لديه ثأرا شخصيا مع الرجل، شرع جمهوره في تعداد ما يرونه عيوبا فيه حتى تستغرب كيف قبل هؤلاء الأتراك ببقائه طوال هذه السنوات ثم لتجزم لاحقا أن عليهم أن يطيحوا به فورا. حدثني أحد الأصدقاء أنه في العاصمة العربية التي يقيم فيها تعالت في حيّه لفترة صيحات الفرح ومنبهات السيارات بمجرد أن نزلت نسبة أردوغان عن 50% خلال عملية الفرز…نعم إلى هذا الحد!!
هذا الشق تختلط عنده الاعتبارات وتتداخل في فوضى حقيقية، فأردوغان بالنسبة إليه «سيء وشرير» إما لأنه وقف مع الثورات العربية المختلفة وأيّد الحركات الإسلامية التي تصدّرت المشهد بعدها أو لأنه بالتحديد، كل وفق زاويته الخاصة، ضد بشار الأسد أو ضد الانقلاب العسكري في مصر الذي أطاح بالراحل محمد مرسي، أو ضد انقلاب خليفة حفتر في ليبيا إلى حد إرسال قوات له لنصرة الحكومة الشرعية في طرابلس، أو ضد حصار قطر من قبل مصر وجيرانها الخليجيين وإرسال قوات عسكرية إلى الدوحة.
بعض هذا الشق، وفي تماه شبه كامل مع أغلب الإعلام الغربي المستنفر بغلّ شديد ضد الرجل، يركّز على ما يرونه استبدادا في عهده وكأنهم يرفلون في بلادهم في نعيم من الديمقراطية لا مثيل له، مع أن الانتخابات الهزيلة، والهزلية في آن معا، التي شهدتها بعض بلدانهم بلغت فيها نسبة المقاطعة المرتفعة ما بلغته نسبة المشاركة في انتخابات تركيا (!!)، ناهيك عن أن بعضهم لم تعرف بلاده أصلا مثل هذه الانتخابات أبدا، وإن عرفتها فالتزوير الفاحش هو من يحسمها بطبيعة الحال.
في المقابل، نجد شقا آخر أبدى من الحماسة لأردوغان، بل والمغالاة في ذلك أحيانا، ما لا يفترض أن يقبل من أناس لا تجري هذه الانتخابات على أرضهم أصلا. لا أحد من هؤلاء أشار إلى الرجل بملاحظة نقدية واحدة حتى لأن تظن أننا أمام شخص معصوم وليس سياسيا يخطئ ويصيب. لا لوم يمكن أن توجهه هنا مثلا للاجئين السوريين الذين يخشون إن فاز خصمه كليجدار أوغلو أن يتم ترحيلهم عنوة إلى بلادهم أو أن تبدأ مرحلة محمومة من الملاحقات ضدهم، خاصة مع موجة العداء للعرب عند معسكره، لكن المشكل مع آخرين وغالبيتهم من الإسلاميين، من أكثر من دولة عربية، انطلقت أكفّهم بالدعاء لأردوغان الذين وجدوا فيه الظهير الذي وقف معهم في محنتهم وكذلك النموذج الذي نجح طوال عقدين في حين قصفت تجاربهم وخابت في بضع سنين لا غير.
الاعتراف بالجميل طيب لكن ما لا يدركه هؤلاء هو أن مغالاتهم في تأييدهم للرجل لا تسهم فقط في إظهارهم بمظهر التابعين له بشكل يمس من مكانتهم الوطنية ومدى حرصهم على استقلالية توجهاتهم وقرارتهم، وإنما أيضا قد يؤدي، من حيث لا يشعرون، إلى إظهار صاحبهم وكأنه الراعي لمصالحهم بما يوازي أو يفوق مراعاته لمصالح شعبه، وهذا مسيء له فضلا عن أنه غير صحيح.
ربما تقود الشقَ الأول النكايةُ لا غير، والشقَ الثاني العرفانُ والخوفُ من المستقبل، لكن كليهما من حيث لا يدري أصيب بغبار معركة ليست معركته. صحيح أن جمهور الشق الأول سينكّد فوزُ أردوغان عليهم حياتهم، وصحيح كذلك أن جمهور الشق الثاني تنتظرهم سنوات صعبة إن لم يفز، لكن الفرق هو أن المسألة مع الشق الأول تبدو مزاجية خالصة ومع الشق الثاني مصلحية خالصة، وكلاهما قد يكون أخطأ في إظهار هذا القدر من الكره أو من المحبة.
ينسى الشقان أن هذه الانتخابات تجري في تركيا وليست عندنا، وأن أردوغان ومنافسه يسعيان لكسب ود الناخب التركي وليس العربي، وأن الرهانات والتحديات تركية خالصة، رغم امتداداتها الإقليمية والدولية التي لا شك فيها، وأنه كان من الأنسب أن تتم متابعة هذه الانتخابات المشوّقة بأعلى قدر من الإيمان بأن الشعب التركي هو وحده من سيقرر مستقبله، ويكفيه شرفا وفخرا بأن تجري انتخاباته بكل هذا القدر من التنافس والإقبال الشعبي.
بعد أن يهدأ غبار هذه المعركة السياسية سيلتفت كل من الشق الأول والشق الثاني ليعاين كل منهما بنفسه أن كليهما ما زال في بؤسه السابق، السياسي أو المعيشي، أو كليهما، في حين يمضي الأتراك في طريقهم لفرض أنفسهم قوة إقليمية ولاعبا دوليا رغم كل شيء.
القدس العربي،
—————————–
وجدانيات سورية على هامش انتخابات تركيا/ مالك داغستاني
غالباً، تُعرِّف التلفزات العربية ضيوفها حين يكون الحدث تركياً على النحو التالي “باحث مهتم بالشؤون التركية” أو “مختص بالشأن التركي”. أما أنا فلن أدخل هنا من هذا الباب. ليس فقط لأنني لست مهتماً ولدي ما يشغلني أكثر، بل لأنني حتى لا أجيد اللغة التركية لأطّلع كما يجب على أوضاع البلد الذي أقيم فيه منذ أكثر من أحد عشر عاماً، وهذا تقصير مني بالتأكيد. مع ذلك سأغامر وأقتحم هذا الميدان بطريقتي. دون أن أعذّب نفسي بالبحث عنها، كانت الانتخابات التركية البرلمانية والرئاسية، تحيط بي وبعائلتي وبمنزلي وبالحي الذي أسكنه وفي كامل البلد في الشهور الأخيرة. ما جعل الشأن التركي هو من اختصَّ بي.
تابع السوريون الانتخابات كلٌّ من موقع إحداثياته الجغرافية والسياسية. في مناطق شرق الفرات وغرب الفرات، وفي مناطق سيطرة الأسد. كما تابعها السوريون في تركيا، وفي أوروبا وباقي دول العالم. إذا كان كرد تركيا يصوتون لحزب العدالة ورئيسه أردوغان بأعداد ليست بالقليلة، فإن كرد سوريا مع استثناءات نادرة لم يتمنوا فوزه، ويأتي موقفهم بسبب احتلال تركيا لمناطق ذات غالبية كردية في سوريا، إضافة إلى موقف تاريخي متجذّر لدى معظمهم من تركيا أيّاً كان المرشح. باقي السوريين العرب وغيرهم، في الشمال الغربي وفي تركيا، من يستطيع التصويت منهم ومن لا يستطيع، يتمنون بغالبيتهم فوز العدالة والتنمية. بعضهم ليس تأييداً لسياساته، وإنما لاختيار الأقل ضرراً على السوريين حسب تقديراتهم ومعاناتهم في السنوات الأخيرة. يقارنون بين خطاب العدالة والتنمية وخطاب الشعب الجمهوري، ويلمسون ما يعلنه وما يستبطنه خطاب الأخير من مواقف تجاههم وحتى تجاه نظام الأسد، فيميلون إلى الضفة الأخرى.
لم أستطع تماماً سبر مواقف السوريين في مناطق سيطرة الأسد، فهم، كما نعلم، لا يستطيعون إبداء رأيهم بحرّية، وهذا مفهوم. أما موالو الأسد فهؤلاء حتماً يعادون أردوغان وحزبه، ويتمنون فوز خصومه أيّاً كانوا. أما السوريون الموزعون على بلدان العالم فكانت آراؤهم متباينة، حتى أن الإيديولوجيا لم توحّدهم، فقد تابعت علمانيين منقسمين بين من يتمنى فوز أردوغان باعتباره لن ينكّل بالسوريين، وبين من يتمنى خسارته باعتباره ليس أكثر رأفة بهم من خصومه.
كمعظم السوريين لم أكن أشعر قبل ثورة عام 2011 بقوة الشارع، الذي هو حاصل قوة أفراده. ومع ذلك بدأت ألمس هذه القوة أكثر بعد خروجي من سوريا، ومعايشتي مجتمعاً يصل إليه قادة البلد عبر صندوق الانتخابات. أعتقد أن السوريين ممن عاشوا في بلدان ترسخّت فيها الديمقراطية بقوة أكبر من تركيا، لا بدّ أنهم شعروا بهذا بطريقة أشد مما شعرت بها هنا. يعتبر التركي هنا، أن لصوته دوراً حاسماً، رغم أنه فرد واحد من بين أكثر من ستين مليون ناخب، بينما ما زالت لدى السوريّ المجنّس بقايا وإرثٌ مما عاشه في سوريا. ما زال يحمل إحساس اللا جدوى، وأن رأيه وصوته لن يقدّم ولن يؤخّر كما اعتاد دوماً.
عنّي شخصياً، واقعياً وليس على سبيل الطرفة، فإن التجارب الانتخابية التي عشتها في سوريا، بمعنى أنها تجارب انتخابات ديمقراطية حقيقية، دون أي ضغط أو إكراه، كانت فقط في سجن صيدنايا في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. أقدّرُ أنكم تبتسمون الآن، مع ذلك سأتابع. كانت إدارة السجن تفرض رئيساً لكل جناح من بين السجناء أنفسهم، باستثناء أجنحتنا حيث تم الإصرار على اختيار الرئيس بالانتخاب العام، وللأمر تفاصيل لست بواردها الآن. كانت انتخاباتنا تحدث بين فترة وأخرى، يترشح عدد من الأشخاص وتصوت هيئة الناخبين وعددها أكثر من مئتي معتقل. يتم فرز الأصوات وعدّها، ليظهر بعدها اسم المرشح الفائز الحائز على ثقة الناخبين، والحاصل على أعلى الأصوات (للأمانة، لم يكن لدينا دورة ثانية، فيما لو لم يتعد المرشح حاجز النصف زائد واحد). وكذا انتخابات اللجنة الاجتماعية التي تدير شؤوننا من النواحي المادية والاجتماعية. للأسف عشت تجربتي الديمقراطية والانتخابية تلك لسنوات طويلة ومريرة. أما بعد السجن فلم أعايش أي تجربة أخرى مماثلة في سوريا، ولا قبل ذلك طبعاً. حتى عشتها، على نحوٍ غير متوقع، هنا في إسطنبول هذا الأسبوع.
يتدرب مئات آلاف السوريين في السنوات الأخيرة، في كثير من بلدان العالم، على عمليات الانتخاب الحقيقية وعلى الاختيار الحر، ومما يصل من تجاربهم فإنهم، إضافةً إلى فرحتهم بأول تجربة لهم في هذا الحقل، بدوا غالباً مترددين. وأحياناً غير مدركين تماماً لأهمية صوتهم. هل يمكن وصف حالتنا تلك على أنها من مفاعيل “صدمة الحرّية”؟ ربما، خصوصاً وأن السوريين عاشوا أجواء كابوسية خلال تجارب ما يسمى “استفتاء” على الرئيس الأوحد خلال عقود. والحرية كما نعلم جميعاً، مُربِكة في بداياتها وتحتاج بعض التدريب، لتتمكن من أن تكون جزءاً أصيلاً من بنية الفرد.
باستثناء بضعة مُعمّرين ربما، فلا يوجد سوري اليوم قد عاش تجربة الانتخابات الحرَّة في بلده. والأكبر سنّاً هم من سمعوا من الآباء عن تلك التجارب خلال فترة الخمسينيات. لذا نلحظ أحياناً بعض الخفة في الآراء عن تلك التجارب الجديدة التي يختبرها سوريون آخرون. مع ذلك، ليس حلماً بعيد المنال، مع تغييرات غير متوقعة حتى اليوم، أن ينقل هؤلاء، فيما لو عادوا بوعيهم الجديد وتجاربهم إلى سوريا، خبرات مميزة ليست بالقليلة عن واقع الديمقراطية والانتخابات الحرة والشفافة والنزيهة في البلدان التي عاشوا بها، ما قد يضخّ وعياً مغايراً حول تلك المسألة المجهولة، إلى حدٍّ كبير، سوريّاً.
بينما كان الأتراك، وهم يصطفون بالدور من أجل التصويت، يتبادلون الأحاديث فيما بينهم، كما يفعل كل الناس الطبيعيين، فقد التزمنا زوجتي وأنا صمتاً مطبقاً متعمداً ومتفقاً عليه مسبقاً. كانت زوجتي تحذرني كلّما خرقته وهمست لها بكلمة ما. كنا حذرين من اكتشاف الناخبين الأتراك أن أصولنا سوريّة، مما قد يعرّضنا لتعليقات عنصرية من أحدهم، لن نحب سماعها، ولم يكن لنا أن نتنبأ بقدرتنا على ضبط ردة فعلنا عليها، فيما لو حصلت. لكني أخمِّن أن هناك أمراً آخر أكثر عمقاً، وهو أننا كنا نخوض تجربة لم نألفها من قبل، ونراقب المحيط بحذر الجاهل بكيفية سير الأمر، ونشعر أننا محاطون بأناس، سيكتشفون بعد قليل حتماً، عدم معرفتنا عن الانتخابات الحرّة يوماً. لكننا أخيراً فعلناها. فعلناها كأي سورييَن تجاوزا الستين من العمر ينتخبان للمرة الأولى.
تلفزيون سوريا
—————————
قراءة في نتائج الجولة الأولى من الانتخابات التركية/ بكر صدقي
كان المواطنون الأتراك، يوم الأحد الماضي، على موعد مع ليلة انتخابية طويلة لم ينته فيها فرز الأصوات إلا في ساعات الصباح الأولى، حين حسمت النتائج غير الرسمية، مع بقاء قسم من الصناديق القادمة من خارج البلاد قيد الفرز. وحملت تلك النتائج عدداً من المفاجآت التي كسرت توقعات استطلاعات الرأي والأحزاب المشاركة معاً، فيما يلي أهمها:
حقق الرئيس أردوغان نجاحاً كبيراً بحصة من الأصوات اقتربت كثيراً من نصف الناخبين، لكنه فشل في المقابل في تحقيق الفوز بالمنصب الرئاسي الذي من المتوقع أن يحسم في الجولة الثانية بعد أقل من أسبوعين.
وحصل المرشح المنافس، زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كلجدار أوغلو، على نتيجة تجاوزت 45 في المئة من أصوات الناخبين، محققاً بذلك أعلى نسبة تصويت لمرشح المعارضة في تاريخ الانتخابات الرئاسية، لكنه فشل في المقابل في إنجاز ما توقعته استطلاعات رأي كثيرة في الأشهر الماضية، أي الفوز في الجولة الأولى كما كانت تأمل أحزاب المعارضة وتظهر تفاؤلها بتحقيقه.
أما المرشح الثالث سنان أوغان فقد حقق المفاجأة الأكبر بحصوله على نسبة تفوق 5 في المئة من أصوات الناخبين، في حين لم تتجاوز التوقعات بشأنه نسبة 2,3 في المئة. وبذلك سيكون لمن انتخبوه دور حاسم في ترجيح كفة أحد المتنافسين في الجولة الثانية.
هذا بخصوص الانتخابات الرئاسية، فماذا عن نتائج الانتخابات النيابية؟
فشل تحالف الأمة المعارض في تحقيق اختراق كبير على رغم حصول حزب الشعب الجمهوري على أكثر من 25 في المئة من أصوات الناخبين و169 مقعداً في البرلمان، بزيادة مقدارها 2,73 في المئة من نسبة الأصوات و23 مقعداً إضافياً بالقياس على انتخابات 2018. ولكن 36 من هذه المقاعد هي لشركائه في التحالف المعارض الذين قدموا مرشحيهم على قوائمه، وهذا ما يكشف عن تراجع عدد نوابه في البرلمان، ويفسر الزيادة الطفيفة في نسبة التصويت.
غير أن حزب العدالة والتنمية الحاكم لم يحقق نتائج أفضل من منافسه الرئيسي، فقد تراجعت نسبة التصويت لقوائمه من أكثر من 42 في المئة إلى نحو 35 في المئة من أصوات الناخبين، وعدد نوابه في البرلمان من 295 إلى 266 نائباً، محتفظاً بموقع الحزب الأول في البرلمان من حيث عدد نوابه.
وحقق حزب الحركة القومية المتحالف مع الحزب الحاكم مفاجأة بتجاوزه نسبة 10 في المئة من أصوات الناخبين، و50 نائباً في البرلمان، بزيادة نائب واحد عن الانتخابات السابقة، وذلك بخلاف معظم التوقعات التي كانت تدور حول نسبة 7 في المئة أو حتى أقل من ذلك، على رغم دخوله الانتخابات على قوائم مستقلة عن قوائم حليفه الكبير. في حين تراجعت نسبة التصويت للحزب الخيّر تراجعاً طفيفاً من 9,96 إلى 9,75 في المئة من أصوات الناخبين، بالقياس إلى الانتخابات السابقة، ولكن بتخلف كبير عن توقعات استطلاعات الرأي (13-16 في المئة). الأمر الذي يعزوه المعلقون إلى انسحاب زعيمة الحزب مرال آكشنر من التحالف المعارض ثم عودتها إليه في شهر آذار.
أما حزب الشعوب الديمقراطي – الممثل الرئيسي لكرد تركيا – الذي قدم مرشحيه على قوائم حزب اليسار الأخضر، فقد تراجعت نسبة التصويت له من 11,7 في المئة إلى 8,8 في المئة من أصوات الناخبين بالقياس إلى الانتخابات السابقة، مع خسارة 5 مقاعد نيابية.
ودخل البرلمان للمرة الأولى كل من حزب الرفاه مجدداً من تحالف السلطة بخمسة نواب، وحزب العمال التركي من تحالف العمل والحرية بأربعة نواب. كذلك أحزاب السعادة والمستقبل الإسلاميين، والديمقراطية والتقدم الليبرالي الذين قدموا مرشحيهم على قوائم حزب الشعب الجمهوري.
نلاحظ من مجمل هذه الصورة صعوداً لافتاً للتيار القومي. فبحساب نسبة التصويت لكل الأحزاب القومية (التركية) نرى أن حزب الحركة القومية بزعامة دولت بهجلي قد حصل على 10,06 في المئة ، والحزب الخيّر 9,75 في المئة ، وحزب النصر بزعامة أوميد أوزداغ المعروف بعدائه للاجئين 2,25 في المئة ، وحزب الوحدة الكبرى 0,99 في المئة ، بمجموع يفوق 23 في المئة من أصوات الناخبين، وهي نسبة كبيرة بالمقاييس التركية تنبئ بصعود موجة يمينية قومية معادية لكرد البلاد وللأجانب، بخاصة منهم اللاجئين السوريين الذين يقارب عددهم أربعة الملايين. كما أن انقسام ممثلي التيار القومي بين تحالفات عدة ينبئ أنهم سيشكلون جزءاً رئيسياً من السلطة بصرف النظر عن نتائج التنافس بين تلك التحالفات. وسياسياً يشكل هذا الصعود ترجمة سياسية شفافة للتوجهات الاجتماعية من عداء للأجانب والأقليات واقتراب من الكتلة الأوراسية مقابل الابتعاد عن الكتلة الأطلسية في العلاقات الدولية.
أما التيار الإسلامي فقد شهد تراجعاً ملحوظاً بالنظر إلى نسبة التصويت للعدالة والتنمية، وإن كانت الأحزاب الإسلامية الصغيرة تمكنت، بفضل التحالفات، من دخول البرلمان.
يبقى أن حسم اتجاه تركيا، في السياسات الداخلية والخارجية، سيتحدد أساساً بنتيجة الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في 28 من الشهر الجاري. ويبدو الرئيس أردوغان، للوهلة الأولى، الأوفر حظاً في احتمال الفوز فيها بالنظر إلى تقدمه على أقرب منافسيه بأكثر من أربع نقاط، ولكن أساساً بسبب امتلاكه لكل إمكانات الدولة في معركته الانتخابية. مع ذلك لا يمكن التنبؤ بهذه النتيجة، بسبب تقارب النتائج بين المرشحين، وسيتوقف الأمر على قدرة كل منهما على دفع ناخبيه للإدلاء بأصواتهم للمرة الثانية، وكسب الناخب المتردد أو أولئك الذين صوتوا في الدورة الأولى للمرشح الثالث سنان أوغان. غير أن إضفاء صفة «صانع الملوك» على أوغان قد لا يكون في محله، لأنه لا يملك كتلة ناخبة منظمة يضمن تصويتها في الاتجاه الذي سيحدده لهم. إذ من الممكن أن يمتنع ناخبوه، أو قسم منهم، عن التصويت في الجولة الثانية، أو يتوزعوا بين المرشحين. كما يمكن أن يجد الممتنعون عن التصويت في الجولة الأولى حافزاً يدفعهم للمشاركة، فيساهمون بترجيح هذا المرشح أو ذاك.
مبدئياً يلاحظ أن جبهة السلطة تحمل الجولة الثانية على محمل الجد بأكثر من جبهة الخصوم الذين سيطر عليهم، في اليوم التالي للانتخابات، جو خيبة الأمل وتبادل الاتهامات وربما اليأس من القدرة على الفوز. في حين ستعمل جبهة السلطة بكامل طاقتها على الحشد لضمان فوز مرشحها أردوغان.
القدس العربي
———————————
الانتخابات التركية والانهيار الكبير للمعارضة/ توران قشلاقجي
أظهرت نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي أجريت في تركيا يوم 14 أيار (مايو) الماضي، انهيار المعارضة في تركيا بشكل كامل. شهدت الانتخابات التركية نسبة إقبال كبيرة ربما تكون الأعلى في تاريخ العالم، وحصل فيها «تحالف الشعب» بقيادة حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ 21 عاما على النسبة الأكبر من الأصوات على صعيد البرلمان لكنه لم يتمكن من تجاوز عتبة الـ50 في المئة اللازمة لضمان فوز مرشحه رجب طيب أردوغان، في الانتخابات الرئاسية. على الجانب الآخر، تعرضت الأحزاب الـ6 المعارضة المجتمعة تحت سقف «تحالف الأمة»، لخسارة كبيرة في الأصوات على مستوى البرلمان، وحصل مرشحها للرئاسة كمال كليجدار أوغلو، على 45 في المئة فقط من أصوات الناخبين في السباق الرئاسي. أما حزب اليسار الأخضر وحزب العمال التركي، فقد منيا بأكبر هزيمة. وكشفت نتائج الانتخابات أن المجتمع التركي لا يزال يريد الاستمرار مع حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان، على الرغم من الرسائل التي وجهها في هذا الصدد للمطالبة بإجراء التغييرات الداخلية اللازمة.
كان هناك شبه إجماع لدى الخبراء والمحللين السياسيين في تركيا خلال السنوات الأخيرة على وجود مشكلة معارضة وليست مشكلة حكومة في البلاد، والسبب في ذلك هو حفاظ حزب العدالة والتنمية على قوته ونفوذه رغم حالة الإرهاق الناجمة عن استمراره في السلطة منذ 21 عاما. شارك في انتخابات الأحد الماضي 36 حزبا بينها 24 حزبا صغيرا لم يحصل أي منها على نسبة ملموسة من الأصوات. وهذه هي المرة الأولى التي يحتضن فيها البرلمان التركي مثل هذا الجناح اليميني الكثيف. كما تشهد الأحزاب اليسارية والعلمانية أقل حضور نيابي لها في تاريخ البرلمان.
تعيش أحزاب المعارضة نوعا من الصمت حاليا في انتظار الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية بعد موجة نقاشات داخلية استمرت يومين، لكن يمكننا القول إنها تعاني من خيبة أمل وتراجع ملحوظ في المعنويات وسط اشتداد نبرة الخطاب لديها وزيادة الاستقالات في صفوفها. ومن المؤكد أن هذه الأحزاب ستواجه أزمة كبيرة فيما بينها بعد الجولة الثانية. الكاتب المعارض يلماز أوزديل، المعروف بانتقاداته الحادة لحزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان، اتهم حزب الشعب الجمهوري بالابتعاد عن «إعداداته التأسيسية»، وقال إن «استعادة تركيا (السلطة) لن يكون ممكنا ما لم تتم استعادة حزب الشعب الجمهوري». وأشار أوزديل، وهو من ذوي التوجهات الكمالية، إلى أن الحزب الذي أسسه مصطفى كمال أتاتورك، محتل اليوم من قبل الأكراد والعلويين.
حاول زعماء التحالف المعارض أن يتهموا الهيئة العليا للانتخابات بإدخال نتائج الانتخابات بطريقة خاطئة بهدف التستر على فشلهم وخسارتهم لكنهم سرعان ما تعرضوا لانتقادات كبيرة من قبل الصحافيين والكتاب الموالين لهم لأنهم استخدموا بيانات غير دقيقة وصلت إلى حواسيب حزب الشعب الجمهوري بشكل خاطئ. وقال الصحافي ليفينت غولتكين، في تعليقه على هذا الأمر، إن «أصوات حزب الشعب الجمهوري وحزب الجيد لم تسجل أي زيادة رغم كل الإرهاق الذي أصيب به الحزب الحاكم منذ 21 عاما، كما أن حزب اليسار الأخضر الكردي تعرض لخسارة تاريخية. يعتقدون أنهم سيحتفظون بقواعدهم الشعبية عن طريق ادعاءات الغش بعد أن فشلوا في تفسير هذا الوضع المثير للشفقة. لا تدعوا الأحزاب والسياسيين يلعبون بمشاعركم».
أما دجانة جندي أوغلو، أحد المثقفين البارزين في تركيا، فقال في تحليل نشره عقب الانتخابات: «لو أن رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، ورئيس بلدية أنقرة منصور ياواش، شاهدا مرة أخرى تصرفاتهما على شاشة التلفزيون ليلة الانتخابات، فكم نقطة سيمنحان لنفسيهما؟ لقد تصرفا بطريقة طفولية للغاية وقاما بتضليل الشعب، لذلك عليهما الاعتذار. أما فيما يخص كليجدار أوغلو؛ السيد كمال ليس زعيما صاحب كاريزما. الكاريزما ليست شيئا يتم إنتاجه. انظر هل يوجد عند داوود أوغلو مثلا؟ إنه مثل أطفال يرتدون معاطف آبائهم في المدارس الاعدادية. هؤلاء يحاولون ممارسة تصرفات أردوغان الطبيعية عن طريق التقليد. لم أرَ شيئا كهذا في السياسة طيلة حياتي. قادة المعارضة لا يتمتعون بشخصيات كاريزمية ويحاولون أن يكونوا نسخة سيئة من أردوغان. توقفوا عن خداع أنفسكم وخداع الشعب، ولا تشجعوا الناس دون فائدة وحان الوقت لكي تنسحبوا من طريق الشعب».
خلاصة الكلام؛ هناك نقاشات حادة تدور حاليا خلف الستار في صفوف المعارضة التركية. ومن الواضح أن أحزاب المعارضة ستشهد تغييرات كبيرة بعد الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية. لأن الجميع، بما في ذلك المعارضة، يعتقد أن أردوغان الذي لم يفز بفارق ضئيل للغاية في الجولة الأولى، سوف يفوز بمنصب الرئاسة مرة أخرى في الجولة المقبلة. السؤال هنا هل سيفوز أردوغان في هذه الانتخابات بفارق ضئيل أم كبير. ويمكن للجميع أن يرى من الآن أنه إذا حصل أردوغان على أكثر من 55 في المئة من الأصوات في الجولة الثانية، فإن النقاشات داخل أحزاب المعارضة ستكون محتدمة للغاية. ولاحظنا يوم الإثنين أي بعد يوم من الانتخابات كيف أعلن الصحافي المناهض للحزب الحاكم فاتح ألطايلي، استقالته من قناة «خبر تورك»، التي كان من أبرز وجوهها ومسؤوليها منذ سنوات طويلة. لذلك بدأ الحديث بالفعل عن موجة الاستقالات الكبيرة التي ستشهدها صفوف المعارضة بعد الجولة الثانية المزمعة يوم 28 مايو/أيار الجاري.
كاتب تركي
القدس العربي
——————————–
عن أردوغان/ أسامة أبو ارشيد
ليس الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قدّيساً ولكنه ليس شريراً أيضاً. وهو ليس زعيماً ملهماً، ولكنه ليس زعيماً عادياً كذلك. وهو ليس ديكتاتوراً، ولكنه ليس ديمقراطياً واهماً. وهو ليس أباً لتركيا، ولكنه في المقابل مجدّد لها باعث لتطلعاتها، ولا شك طبعت بصماته مستقبلها. وهو ليس فاتحاً إسلامياً، ولكنه أحيا لدى كثيرين أمجاداً سطّرها فاتحون مسلمون كثر. وهو ليس رهينة إيديولوجيا ولا تنظيمات ولا تيارات كما يتوّهم بعضهم، ولكنه لا يتنصّل من الإيديولوجيا ولا يتبرّأ من انتماء تركيا إلى الإسلام، تاريخاً وجغرافية وثقافة وحضارة. أردوغان رئيس لدولة إقليمية كبرى، لها طموحاتها وأطماعها، كما أن لها حساباتها وتحدّياتها، داخلياً وإقليمياً ودولياً. وأولاً، وقبل أي شيء، يدرك أردوغان أن رئاسته وزعامته لا تعنيان شيئاً، بل ولا تتحقّقان، من دون دعم غالبية الأتراك، لا سواهم له. وتركيا بلد منقسمٌ إثنياً ومذهبياً وثقافياً وإيديولوجياً. من لا يفهم هذه التعقيدات وما قد تبدو تناقضاتٍ لا يفهم أردوغان ولا يفهم تركيا الحديثة، التي لم يجد حتى مرشّح المعارضة، كمال كلجدار أوغلو، الذي يقدّم نفسه مدافعاً عن الإرث الأتاتوركي للبلاد، إلا أن يتمسّح بالإسلام ويتودّد إلى طبقات المتدينين الأتراك.
يدرك خصوم تركيا، غربياً وعربياً، أن تركيا من دون أردوغان ليس كتركيا بزعامة أردوغان. هذا رجل لديه رؤية لتركيا قوة إقليمية كبرى، وصاعدة ومؤثّرة عالمياً. وهو محترفٌ في القفز بين الحبال المتعدّدة والمتناقضة في سياق مشروعه لتركيا. من ناحيةٍ، يحافظ على علاقاته بالغرب ويبقي على عضوية بلاده بحلف شمال الأطلسي (الناتو)، لكنه لا يسلّم سيادتها إليهم ولا يتردّد في الاصطدام بما يراه مشاريع تستهدف تركيا ومصالحها، كما في سورية. ومن ناحية أخرى، يعزّز خطوط التواصل مع روسيا والصين، ولكنه لا يغامر بالتحالف معهما ضد الغرب. يعلم أردوغان أن الولايات المتحدة ومعسكرها الغربي لا ينظران إلى تركيا ولا يريدانها إلا تابعة ومخلباً متقدّماً لهما في فضاء الشرق الأوسط وفي مساعي احتواء روسيا. وهو لا يتردّد في التصدّي للمحاولات الأوروبية، المدعومة أميركياً، لخنقها في شرق المتوسط عبر اليونان. هم يريدون إعادة تركيا ضعيفة كما كانت، معتمدةً عليهم تدين بالولاء لهم، وهو يريد تركيا أكثر استقلالاً عنهم لا ترهن مصالحها الاستراتيجية لإمبرياليتهم.
خلال عقدين من زعامته تركيا، حدّث بنيتها التحتية وعزّز قوتها الاقتصادية وأحدث قفزاتٍ غير مسبوقة في صناعاتها العسكرية وضاعف حضورها الإقليمي والدولي. وهو فوق ذلك أعاد جسور التواصل بين تركيا والعرب، ولا نبالغ إن قلنا إن شعبية أردوغان بين الشعوب العربية أعلى منها بين الأتراك. لكن، أردوغان الذي لديه انتماء إيديولوجي واضح، ويعرف كيف يوظّفه عندما يجعل من نفسه رهينة له أبداً، دون أن يعني ذلك التمرد عليه. هو يفهم أنه زعيم دولة كبيرة حقيقية لا يمكن اختزالها بشخص مهما عظم، ولا بحزبٍ مهما امتلك أغلبية. كما أن قرار التسييد في يد الأتراك وحدهم، وهم منقسمون، كما سبق القول. كل من عجزوا عن إدراك ذلك سقطوا إما في فخ تهويل أردوغان وتحميله فوق ما يحتمل، أو أنهم سقطوا في فخ التهوين منه وشيطنته.
عمل أردوغان على بناء صورته داخلياً زعيما قوميا مسلما تركيا قويا. الإسلام هنا جزء من بناء الصورة والزعامة في بلد يحضر فيه الإسلام بقوة، دون التشكيك طبعاً بإيمان الرجل. كما لم يغب عنه بناء صورة موازية موجهة للخارج كزعيم مسلم منافح عن حقوق المسلمين المستضعفين، كما في فلسطين وسورية وميانمار. لكن، عندما تعارضت مصالح تركيا الكبرى مع هذه الصورة مال إلى المساومة، فأعاد تطبيع العلاقات مع إسرائيل بعد سنوات من التوتر والجفاء. وكان صوته أكثر انخفاضاً في الحديث عن حقوق المسلمين الإيغور في الصين. ثمَّ جنح إلى المساومة والمهادنة مع بعض الدول التي شهدت انقلابات على الثورات العربية، كما مصر. ومع ذلك، تقتضي الموضوعية أن ننبه هنا أنه لم يتواطأ في ظلم أو الإعانة عليه، بقدر انطلاقه من حسابات الضرورة والممكن. دعم الشعب السوري ما استطاع قبل أن تتبدل موازين القوى وتجد تركيا نفسها، بل حتى حظوظه الرئاسية نفسها، في عين العاصفة. ومع ذلك، لم يتبنّ خطاباً عنصرياً بغيضاً ضد اللاجئين السوريين في بلاده، كما يفعل كلجدار أوغلو، ولم يتركهم لمصيرهم. وهو ضغط على المعارضين المصريين المقيمين في تركيا للتهدئة، ولكنه لم يسلمهم لنظام بلادهم. سعى إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ولكنه لم يهادنها على حساب الفلسطينيين ولم يتخلّ عنهم.
لا توجد مفاجأة في أن أردوغان عجز، حتى اللحظة، عن تأمين ولاية رئاسية ثانية بعد أكثر من عقدين من استفراده وحزبه العدالة والتنمية بقيادة البلاد، بل المفاجأة أن تعجز المعارضة الموحّدة ضده في هزيمته. يئن الاقتصاد التركي تحت وطأة ملايين اللاجئين والتضخّم وتداعيات جائحة كورونا والزلزال الرهيب قبل بضعة أشهر. ولم يألُ الغرب جهداً في التحشيد ضد أردوغان والتحذير من خطره. ومع ذلك، تقدّم أردوغان بفارق كبير في الجولة الأولى، وعلى الأرجح سيحسم الرئاسة في الجولة الثانية، مدفوعاً بمشاريعه وإنجازاته الكبرى في حقول الطاقة والاقتصاد والصناعات العسكرية. تُرى كم من الديمقراطيات الغربية نجح فيها حزبٌ في البقاء في الحكم 20 عاماً؟ أما سفسطة بعض أبواق أنظمة الطغيان العربي عن “ديكتاتورية” أردوغان، الذي ينافح للظفر برضى 50% من شعبه، فهي أسخف من إعارتها انتباهاً. وكلمة أخيرة، إذا كان الأتراك أنفسهم يجدون مشكلة في الوثوق في كلجدار أوغلو، فكيف يتمنّى بعض العرب نجاحه، وهو الذي لا يُخفي عنصريته ورغبته في إشاحة الوجه عنهم؟ شخصياً، لا أظن ذلك يأتي من باب السفاهة، وإنما لؤماً على أمل أن تنهار تركيا وتعود سيرتها الأولى ضعيفة تابعة في فلك الغرب، حتى لو كانت معاديةً للعرب. بالنسبة لهؤلاء، يتمنّون تركيا متعالية علينا نحن العرب على تركيا التي قد تقدم نموذجاً أفضل يمكن لنا أن نحتذيه. إنهم يودّون رؤية تركيا منهارة على أن يقدّموا تجربة تنافسها.
العربي الجديد
————————-
أكراد تركيا: من كمال أتاتورك إلى كمال كلجدار/ هوشنك أوسي
ثمّة تهمّة غريبة توجّه إلى حزب العمّال الكردستاني، مفادها بأنّه انفصالي، يدعو إلى تشكيل دولة كردستان الكبرى. ولكثرة تكرار هذا التوصيف النّمطي في الإعلامين، العربي والغربي، أصبح من المسلّمات واليقينيّات الدامغة غير القابلة للتزحزح والنقاش.
الحقّ أنّ الحزب المذكور تأسّس على شعار تحرير كردستان الكبرى وتوحيدها، لكنّه تخلّى عن ذلك الطرح والمطلب، ليس فقط عقب اعتقال زعيمه عبدالله أوجلان، منتصف فبراير/ شباط 1999، بل في أثناء المفاوضات غير المباشرة بين أنقرة والحزب، في مارس/ آذار 1993، والتي كان الرئيس العراقي السابق، جلال طالباني، وسيطًا فيها، وانتهت بمجزرة دمويّة ارتكبها مقاتلو الحزب بأمر من أوجلان، وراح ضحيّتها 33 جنديا تركيا، غير مسلّحين، عائدين من إجازاتهم، بالإضافة إلى ثلاثة مدنيين (معلمو مدارس).
المهمّ، أنّ “العمال الكردستاني” صار بالضدّ من الحقوق القوميّة الكرديّة، ويشيطن حقّ الكرد في أن يكون لهم دولة ولو على مساحة كيلو متر مرّبع! هذا ليس مجرّد رأي، بل نتيجة تستند إلى قراءة كتب أوجلان، أو ما يقال: إنّها كتبه، التي ألّفها في سجنه، وأصبحت “إنجيل” الحزب، والدستور الآيديولوجي لبرامج التدريب والتوجيه المعنوي العقائدي لمقاتليه، والرافعة السياسيّة لخطاب الحزب. مع ذلك، بات من شبه المستحيل إقناع الإعلامين، العربي والتركي، وربّما الغربي أيضًا؛ أنّ “العمّال الكردستاني” لم يعد حزبًا قوميًّا، بل لم يعد حركة تحرّر وطني أيضًا، لأنّه صار يطالب بمستوىً للحقوق، تطالب بها جمعيّات مجتمع مدني، لا حزب مسلّح. وعليه، مع حفاظه على نزوعه العلماني، اليساري، صار أوجلان وحزبه يروّجان الأتاتوركيّة، ويدعوان إلى دمج الكرد في الدولة، تحت مسمّيات طوباويّة وفذلكات آيديولوجيّة ــ سياسيّة، خلاصتها؛ “الأمّة الديمقراطيّة” و”الجمهوريّة الديمقراطيّة” اللتين ينظّر لهما أوجلان، منذ سنة 2000.
مناسبة هذا الكلام؛ الحديثُ عن الانتخابات الرئاسيّة والبرلمانيّة التي شهدتها تركيا أخيرا، والإشارة إلى دور “العمّال الكردستاني” ووزنه فيها. ذلك أن نتائجها التي أثبتت أنّ تركيا أعطت المنطقة درسًا في الديمقراطيّة، (ولو أنّها مشوبة ببعض المشكلات والمثالب). بالتوازي مع ذلك، فضحت تلك النتائج “العمّال الكردستاني” الذي يحمل السلاح، ضدّ هذه الديمقراطيّة، بحجّة تحقيق الجمهوريّة الديمقراطيّة والأمّة الديمقراطيّة! هذه الانتخابات، حشد لها الحزب القنديلي (نسبة إلى جبال قنديل، معقل الحزب) كلّ طاقاته الإعلاميّة والسياسيّة، وقنواته الإعلاميّة في أوروبا وسورية وتركيا، واستنفر علاقاته مع فلول اليسار التركي، بعجرهِ وبجرهِ، إلاّ أنّ “الكردستاني” فشل في تحقيق ما حققه في الانتخابات السابقة (24/6/2018)، حين حصل حزب الشعوب الديمقراطي ـ “HDP” (الواجهة الرسميّة للعمّال الكردستاني)، على 11.70%، و5876302 صوت، وفاز بـ67 مقعدًا برلمانيًّا. بينما حقّق في الانتخابات الأخيرة 8.81%، وحصل على 4791441 صوتًا، وفاز بـ61 مقعدًا. وبحسبةٍ بسيطة، نرى مستوى تراجع شعبيّة “العمّال الكردستاني”، وكيف أن تحالفه مع فلول اليسار العفن، من جهة، ومع حزب الشعب الجمهوري الأتاتوركي القومي التركي، من جهة أخرى، كان وراء ذلك الانحدار والتراجع. وكأنّ الناخب الكردي، وجّه صفعة قويّة لخيارات الكردستاني، الفاشلة.
مارس حزب العمال الكردستاني الذي يدعو إلى الأمّة الديمقراطيّة والجمهوريّة الديمقراطيّة أعتى درجات (ومستويات) الخطاب التحريضي السياسي الفاشي ضدّ العدالة والتنمية، كمَن يسدّ الأبواب أمام أيّ خيار أو احتمال مستقبلي في التعاون والتنسيق، بما تقتضيه مصالح الكرد في تركيا. وجعل من شعار حملة حزب الخضر اليساري الانتخابيّة؛ “محاسبة حكومة أردوغان”. ربّما نجح الكردستاني في إضعاف شعبيّة أردوغان وحزبه في المناطق الكرديّة، لكنه، استجلب فاشيّة حزب الشعب الجمهوري إلى تلك المناطق، وبل عزّزها. فحصل مرشّحه كلجدار أوغلو على الدعم والتفويض الشعبي في المناطق الكرديّة، بينما لم يدعُ كلجدار أوغلو حزبه؛ الشعب الجمهوري، إلى دعم تحالف الخضر اليساري، في المحافظات التي يعتبرها الأوّل؛ معاقله التقليديّة، كمحافظة إزمير. ليس هذا وحسب، بل يمكن اعتبار النتائج التي حققها العمّال الكردستاني، عبر حزب الخضر اليساري، في انتخابات 14 مايو/ أيار الجاري فشلاً ذريعًا، إذا ما قارنّاها بما حققه حزب العمّال الكردستاني في انتخابات 7 يونيو/ حزيران 2015، فقد حقق وقتذاك 13.12%، وحصل على 6057506 أصوات، وأرسل 80 نائبًا إلى البرلمان التركي.
واضح أنّ الأرقام السابقة تشير إلى انحدار الخطّ البياني لحزب العمّال الكردستاني، وأنّه كلّما خفّض من منسوب خطابه الكردي وتنازل عن المطالب الحقوق الكرديّة العادلة، ورفع من خطابه التركي، وتحديدًا الأتاتوركي، سحب الكرد منه التفويض الشعبي، الذي كثيرا ما يستعرضه ويتفاخر به أمام منتقديه، على أنّه حزب جماهيري. والمعروفُ عن الحزب، نتيجة الضخّ الإعلامي، والتكرار من دون تدقيق وتمحيص، أنّه قومي، انفصالي، كما أسلفنا. لكن، بالعودة إلى كتب أوجلان الصادرة أخيرا، وأدبيات حزبه منذ 2000، سيكتشف المتابع مستويات الخداع والتضليل، لجهة الصورة الثوريّة القوميّة المضللة، المصدّرة عن هذا الحزب، الذي ما زال يحمل البنادق في وجه الديمقراطيّة التي سمحت له بإيصال 80 عضوا إلى البرلمان التركي سنة 2015، و61 عضوا في الانتخابات أخيرا!
أمّا بخصوص المدائح التي يكيلها أوجلان لمصطفى كمال أتاتورك، عقب اعتقاله وسجنه في جزيرة إيمرالي، فحدّث ولا حرج. تلك المدائح الأوجلانيّة لأتاتورك لا يتجاوزها في مستويات السخف والسطحيّة شيء إلاّ مدائح أوجلان نفسه لحافظ الأسد، حين كان في دمشق، من 1979 ولغاية 10 أكتوبر/ تشرين الأول 1998. وبما يقدّمه من تنظيرات، في الدولة الوطنيّة الديمقراطيّة، لا يختلف أوجلان كثيرًا عن الوعود التي كان يقطعها مصطفى كمال أتاتورك للأكراد، إبّان انشقاقه عن السلطنة وتشكيله حكومة في أنقرة، تناهض وتعارض حكومة “الباب العالي” في إسطنبول. وحين أطاح مصطفى كمال أتاتورك الدولة العثمانيّة نهائيًّا، لم يتنصّل من وعودهِ وحسب، بل ارتكب في حقّ الكرد المجازر سنتي 1925 و1930. وكان أبشعها مجزرة ديرسم سنة 1938، حيث قصف المدينة بالطائرات، وقتل ما يزيد على 12 ألف مدني، كردي علوي، وقتذاك، حسب الإحصائيّات الرسميّة. تلك المجزرة التي يعتبر كمال كلجدار أوغلو أحد ضحاياها، حيث تمّ ترحيل عشرات الألوف من أبناء محافظة ديرسم (تونجلي) وتوزعهم وسط الأناضول، ومن أولئك المهجّرين قسرًا، والد وجد، كلجدار أوغلو. تلك المجزرة الرهيبة التي اعتذر عنها الرّئيس التركي رجب طيب أردوغان في 22/11/2011، ولم يعتذر عنها زعيم المعارضة التركيّة، لأنّ حزبه بزعامة كمال أتاتورك، ارتكبها بحقّ العلويين الكرد، الذين ينتمي إليهم كلجدار أوغلو!
الحال أنّه مثلما خدع كمال أتاتورك الكرد من 1920-1923، كذلك خدع كمال كلجدار أوغلو الكرد في الانتخابات أخيرا. ذلك أن برنامجه الانتخابي خلا من أيّة إشارة واضحة وصريحة لحلّ القضيّة الكرديّة في تركيا. زد على هذا وذاك، حصل كلجدار أوغلو على تفويض شعبي في المناطق الكرديّة، بأمر من “الكردستاني”، وصل إلى ما يزيد على 70% في مدينة دياربكر (آمد) الكرديّة، في حين أنّ حزب الخضر اليساري (واجهة الكردستاني) حصل في مدينة إزمير، معقل حزب الشعب الجمهوري، على نحو 7.5%!
ربّما قلّة من المتابعين للمشهد الكردي في تركيا يعلمون أن حزب الشعوب الديمقراطي الذي تأسّس سنة 2012 هو أصلاً ائتلافٌ يضمّ الموالين للعمّال الكردستاني، (وهم الأغلبيّة)، بالإضافة إلى مجموعات يساريّة علويّة، وجماعات مؤيدة للبيئة، وأبناء مجتمع الميم وأنصاره، ومناهضي العولمة. أُضيف إليهم شخصيّات يساريّة وقوميّة تركيّة أخرى، كي يتّسع الائتلاف، ويتحوّل إلى حزب الخضر اليساري. هذا الائتلاف دخل الانتخابات الأخيرة بقائمة ضمّت أسماء كتّاب قوميين أتراك، أرسلهم الكردستاني إلى البرلمان التركي، بأصوات الأكراد، بوصفهم يمثّلون المدن الكرديّة. على سبيل الذكر لا الحصر؛ الكاتب القومي ـ اليساري حسن جمال، حفيد جمال باشا السّفاح، أحد المسؤولين عن إبادة العرب والأرمن والسريان إبّان الحرب العالميّة الأولى. ومن المفارقات السياسيّة الغبيّة السخيفة التي اقترفها “العمّال الكردستاني” أنّه جعل شخصيّة يساريّة تركيّة، تنتمي إلى مجتمع الميم، مرشحًّا وبرلمانيًا عن محافظة موش الكرديّة المحافظة!
حاصل القول: يمكن لحزب العمّال الكردستاني تلافي الفضائح والكوارث التي مُني بها في الانتخابات التركية أخيرا، بطريقتين إسعافيتين، لا ثالث لهما: سحب التفويض الشعبي من كلجدار أوغلو، ومنحها لأردوغان، ضمن صفقة سياسيّة شاملة، أو الوقوف على الحياد. والحياد هنا، دعمٌ لأردوغان. وذلك عملاً بالمبدأ الذي صدّع “العمّال الكردستاني” رؤوسنا به، سواء في سورية أو تركيا، على أنّ الحزب، وأفرعه، تتبنّى الخيار الثالث وتمثله؛ “لا مع النظام، لا مع المعارضة”. لكن، واقع الحال في سورية أكّد ووثّق أنّ الحزب الأوجلاني كان مع النظامين السوري والإيراني، ضدّ معارضتيهما. بينما في تركيا، وقف الحزب مع المعارضة ضدّ السلطة. بالرغم من أنّ المكاسب التي حقّقها الحزب في تركيا، كانت على زمن حكومات “العدالة والتنمية”، وليس على زمن الحكومات التي سبقتها.
زد على هذا وذاك ضرورة إلقاء “العمّال الكردستاني” سلاحه. لأنّ ما حققهُ عبر صناديق الاقتراع، من دون إراقة قطرة دم، يتجاوز بسنوات ضوئيّة ما حققه عبر صناديق البارود، وممارسة العنف والترهيب. وإذا استمرّ الحزب على عناد تبنّي خيار العنف المجّاني، من دون مبرر، فهذا يعني أنّ بندقيّته مشبوهة، وأقلّ ما يقال فيها إنّها إحدى أدوات الدولة العميقة في تركيا.
العربي الجديد
————————–
ملاحظات على هامش الانتخابات… تركيا الفائز الأكبر/ عبد الحميد صيام
«هل غادر الشعراء من متردم» في موضوع تحليل الانتخابات التركية؟ لكني سأحاول أن أقدم بعض الملاحظات حول الدورة الأولى التي جرت يوم 14 مايو/أيار الجاري والتي، على عكس جيمع التوقعات، لم تحسم من هو الرئيس التركي المقبل والذي سيترأس احتفالات الجمهورية في شهر أكتوبر/تشرين الأول بمناسبة الذكرى المئوية الأولى على إنشاء الجمهورية.
لقد جذبت هذه الانتخابات اهتماما دوليا غير مسبوق يكاد يعادل، إن لم يتفوق على، الاهتمام بانتخابات الرئاسة الأمريكة. لم يبق نظام أو حزب قريب أو بعيد إلا وكان له رأي في تلك الانتخابات. اصطفت أوروبا كلها والولايات المتحدة وأنظمة الفساد والطغيان العربية جميعا تنتظر سقوط مدويا لمن يسمونه «السلطان، أو الدكتاتور أو الخليفة أو بوتين التركي» لكنهم نسوا أو تناسوا أن الذي يطيح بأردوغان ليس ماكرون أو بايدن أو السيسي أو الأسد أو محمد بن زايد، ولا الذي سيبقيه في السلطة الشيخ تميم أو عبد المجيد تبون أو بوتين أو علييف، بل الشعب التركي، صاحب الحق الحصري في عقاب أردوغان والإطاحة به أو مكافأته ومنحه دورة ثانية.
* من الواضح من نتائج الانتخابات في دورتها الأولى أن الشعب التركي كان متحمسا لها فقد بلغت نسبة المشاركة نحو 89 % بزيادة 3% عن انتخابات 2018، وهي نسبة لا تصل إليها الانتخابات في أعرق الديمقراطيات في العالم. كان التنافس حادا وحقيقيا بين تحالف أحزاب المعارضة الستة التي بلغ بها الخيلاء أن توقعت فوز مرشحها للرئاسة كمال كليجدار، بنسة 60 % كما أن تحالف الجمهور كان يتوقع فوز أردوغان من الجولة الأولى بسهولة. لقد أخطأ التوقعان. الشعب التركي قال كلمته. ظل حزب العدالة والتنمية الأقوى في الانتخابات التشريعية لكنه خسر عددا من المقاعد قياسا للانتخابات السابقة، كما أن هناك تراجعا واضحا في شعبية الرئيس أردوغان مقارنة بانتخابات 2018 وكأن الشعب يقول: نؤيد الحزب لكن لنا تحفظات على أداء الرئيس، كما أننا لا نصدق وعود المعارضة وأمامنا العديد من الإنجازات التي تحققت في السنوات العشرين الماضية؟ وواضح أن التراجع في شعبية أردوغان جاء بسبب الاقتصاد، خاصة بعد الزلزال المدمر، وارتفاع نسبة الغلاء وانحدار قيمة الليرة، وتراجع حرية الصحافة، والتركيز على شخصية الرئيس. أسباب كلها وجيهة لكن الإنجازات العظيمة التي تحققت في عهده وضعت تركيا في مصاف الدول الناجحة اقتصاديا وعلميا وعسكريا. الانقسام النصفي كان واضحا ولهذا لم يفز أحد في الدورة الأولى وسيعود الشعب التركي ليقرر من هو الأكثر أهلية ليضع ثقته فيه للمرحلة المقبلة. وفي كلتا الحالتين ستكون تركيا الفائز الأكبر.
* لقد خيبت الانتخابات التركية والطريقة الحضارية السلمية الشفافة التي أقيمت بها ظن الكثيرين من زعماء الغرب العنصري وخاصة فرنسا وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة والتي راحت تروج لسقوط أردوغان المحتوم، إضافة إلى الطغاة العرب الذين لا يريدون أن يروا نموذجا ساطعا للانتخابات الحرة على مقربة منهم فهم يكرهون شيئا اسمه الصندوق والتنافسية والتعددية والشفافية والدعاية الانتخابية لكل المرشحين وفرز نتائج الانتخابات بصورة سليمة لا تزوير فيها.
هؤلاء مجتمعون كانوا ينتظرون فشل التجربة الديمقراطية التركية ليؤكدوا ما قاله برنارد لويس وتلميذه صاموئيل هنتنغتون حول «الاستثناء الإسلامي» الذي يعني سير الإسلام والديمقراطية في خطين متوازيين لا يلتقيان. ومع أن هذه النظرية ثبت خطلها عشرات المرات، إلا أن هناك من يصر على أن العرب والمسلمين لا يحكمون إلا عبر الاستبداد والطغيان والحاكم القوي.
* لقد تعرضت الديمقراطية التركية لمطبات عديدة لكنها عادت ووقفت على رجلين صلبتين. ونتذكر في هذا السياق انقلاب تموز/يوليو 2016، الذي دبرته الولايات المتحدة وبتمويل عربي. لكن الشعب التركي هو الذي أفشل الانقلاب وأنقذ الديمقراطية عندما نزل إلى الشوارع ليقف أمام الدبابات والجنود المتمردين، ووقفت الأحزاب جميعها صفا واحدا في معارضة الانقلاب. يومها بدأ الطغاة العرب يرقصون في الشوارع ويوزعون الحلوى. وأسرعت الصحافة في تلك الدول لتعلن سقوط «الدكتاتور». فالأهرام صدرت في صباح اليوم التالي بعنوان «الجيش التركي يطيح بأردوغان». وصحيفة المصري اليوم :»الجيش التركي يطيح بأردوغان»، وصحيفة الوطن كتبت: «الجيش يحكم تركيا ويطيح بأردوغان». لقد كشف هؤلاء عن رعونة سياسية وأنهم يفضلون الدبابة والبندقية على الصندوق.
* ومن المطبات التي خرجت منها البلاد سالمة مظاهرات 2013 التي جذبت مئات الألوف للاحتجاج على إنشاء مسجد وحديقة في ميدان غازي في منطقة تقسيم/ حيث حصلت مواجهات مع قوات الشرطة قتل على أثرها 3 متظاهرين وجرح نحو 4000. أسرعت أنظمة الطغيان والقمع العربية تهلل لسقوط أردوغان وتدعوه للاستقالة ونصحه يومها وزير الإعلام السوري باحترام إرادة شعبه واختيار الدوحة كمنفى اختياري له، وأضاف قائلا «إن استخدام العنف المفرط ليس صحيحا في مواجهة الشعب التركي والمتظاهرون ليسوا إرهابيين». نصيحة توزن بماء الذهب من أنظمة العدل والحرية وسيادة القانون والتعددية السياسة! لقد أثبتت الانتخابات الأخيرة أن الديمقراطية التركية نضجت ووصلت حد الاستقرار. ولو لم ينجز أردوغان إلا إقصاء الجيش عن السياسة وتقليم سطوة المحكمة الدستورية حليفة الجيش لكفاه ذلك فخرا.
نصاب بنوع من الغيرة والحزن ونحن نرى الشعوب من حولنا شرقا وغربا تذهب إلى الانتخابات الدورية لتبديل الرؤساء والحكومات والبرلمانات بطريقة سلمية وعادلة وشفافة. يتنافس المرشحون بطريقة شريفة ويترك الخيار للشعب ليقرر من الأصلح لإدارة دفة البلاد والاستجابة لخيارات شعبه. يعطى الرئيس فرصة أولى لمدة محددة فإذا كان عند وعوده وحقق إنجازات مشهودة يعاد انتخابه مرة أخرى وإلا يتم إسقاطه عبر الصندوق لا عبر فوهة المدفع. هكذا تنهض الأمم وهكذا تستمتع الشعوب بالاستقرار وهكذا يتعزز الانتماء إلى الوطن بدل الفرار عبر قوارب الموت والحدود المسيجة بالأسلاك.
لقد حاولت بعض الدول العربية بما فيها فلسطين أن تلتزم بانتخابات عادلة وشفافة وصحيحة لكن شيئا ما يحدث، وتتم الإطاحة بالحكومة المنتخبة، أو يتمترس المسؤول في مكانه ويغير الدستور على هواه كي يبقى في كرسيه حتى الموت. فقد وصل مجموع سنوات الحكم لستة من قيادات العالم العربي قبيل الربيع العربي نحو 200 سنة.
لقد خاضت بعض الدول العربية تجربة الانتخابات الحرة والعادلة والشفافة والسلمية، لكن سرعان ما يطاح بها عن طريق العسكر أو الانقلاب الدستوري. لقد أطيح بالانتخابات الحرة التي فازت بها حركة «حماس» في فلسطين المحتلة في يونيو/حزيران 2006، ورفضت النتائج وتمت مقاطعتها وحصرها في غزة واعتقال كوادرها وقطع كل سبل المساعدات عنها وتركت لتواجه مصيرها وحدها عبر حروب واعتداءات إسرائيلية لا تتوقف. وتم الانقلاب على نتائج انتخابات مصر الرئاسية التي عقدت في جولتين عام 2012 وفاز فيها محمد مرسي بنسة 51 % فقط لكن العسكر أطاحوا بالتجربة بعد سنة واحدة بتمويل خليجي وتواطؤ إسرائيلي لتعود مصر إلى حكم العسكر. وكذلك تم الانقضاض على ثورات اليمن وليبيا والبحرين وسوريا كي يبقى حكم الطغاة أبديا. حتى الثورة السودانية التي توافقت على تقاسم السلطة مؤقتا بين المكونين المدني والعسكري، لكن العسكر، بقيادة عبد الفتاح البرهان، انقلبوا على المكون المدني يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021. وتحت الضغط الدولي قبلوا بالاتفاق الإطاري في ديسمبر/كانون الأول 2022 الذي يدعو لتسليم السلطة إلى المدنيين بعد سنتين وإخراج الجيش نهائيا من السياسة، فقامت ميليشيات الدعم السريع المدعومة من الموساد ونظام خليجي معروف، بالانقلاب على الشريك العسكري، ما أدخل البلاد شبه حرب أهلية على طريقة اللواء خليفة حفتر الليبي.
لقد كانت تونس هي الشذوذ الذي يثبت القاعدة فأبى محور الشر والطغيان إلى أن يجرها إلى مستنقع الدكتاتورية، حيث تمت هندسة انقلاب دستوري بامتياز للإطاحة بتجربة الديمقراطية الأكثر تطورا في العالم العربي والتي أوصلت قيس سعيّد إلى كرسي الرئاسة، لكنه عاد وانقلب على الدستور والبرلمان والأحزاب كلها يوم 25 يوليو/تموز 2021، ليُـلحق تونس بطابور الطغاة أسوة بغيرها من دول الربيع العربي.
* من أراد أن يقارن بين انتخابات تركيا والانتخابات العربية فليتابع الانتخابات الرئاسية المصرية في العام المقبل. لقد تجرأ النائب في البرلمان أحمد الطنطاوي أن يعلن عن نيته فقط بالترشح للرئاسة فقامت سلطات الأمن باعتقال نحو 30 من عائلته سلفا وحرمانه من العودة إلى البلاد. وفي المرتين السابقتين، كل من ترشح ضد السيسي طلب منه أن ينسحب أو هدد بالأنسحاب أو وجهت له تهم وأودع السجن أو هرب من البلاد.
وبعد هذه الصورة نتمنى للتجربة الديمقراطية في تركيا النجاح لعل رذاذها يصل يوما الى جيرانها العرب.
محاضر في مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز في ولاية نيوجرسي
القدس العربي
—————————–
شعبوية معارِضة في الانتخابات التركية/ بشار نرش
دَرَجَ استعمال مصطلح الشعبوية في وقتنا الراهن للإشارة إلى الخطاب السياسي والإعلامي الذي يرمي إلى دغدغة مشاعر الناس البسطاء، من خلال توظيف منطق تبسيطي، يُقدّم نوعاً من الحلول التبسيطية السهلة والسريعة لحلّ المُشكلات، كما دَرَجَ استعمال هذا المصطلح للإشارة إلى الخطاب السياسي غير المسؤول الذي لا يقوم على العقل، ولا على الرؤية، ولا على الحكمة، إنّما على المغامرة والصدمات والاصطدام ومواجهة الكلّ، من خلال الهجوم على المؤسّسة، وانتقاد النظام ومسؤوليه.
ما يدعو إلى استحضار هذا التعريف الموجز ممارسات وخطابات مارسها وأطلقها المرشّح الرئاسي ورئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كلجدار أوغلو، والتي يمكن وضعها في إطار الظاهرة الشعبوية الهادفة إلى دغدغة مشاعر فئات وشرائح معينة من الشعب التركي في سبيل استقطاب أصواتها في انتخابات أمس الأحد (14 مايو/ أيار)، والتي كان جديدها ما كشفته صحف ومواقع إعلامية تركية عن صفقة جرى توقيعها بين تحالف الأمة المعارض ومرشّحه الرئاسي كمال كلجدار أوغلو من جهة، وحزب الشعوب الديمقراطي الموالي لحزب العمال الكردستاني من جهة أخرى، تنصّ على تقديم وعود للأكراد، كإطلاق سراح كبار المسؤولين الأكراد من السجون، مع تقديم مقعدين وزاريين في الحكومة للأكراد، وتسهيل إقامة الحكم الذاتي لهم في الجنوب التركي والشمال السوري في حال فوز كلجدار أوغلو بالرئاسة، مقابل دعم حزب الشعوب الديمقراطي وأحزاب كردية حليفة له، كمال كلجدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية.
أطلق عليها الإعلام التركي صفة “الصفقة القذرة” على هذا الاتفاق، ويمكن وضعها في إطار الممارسات الشعبوية التي كرّرها كمال أوغلو أخيراً في محاولة منه لاستقطاب الناخبين الأكراد، من خلال دغدغة مشاعرهم بوعود وحلول لا تقوم على العقل، ولا على الرؤية، ولا على الحكمة، إنّما على منطق تبسيطي يُقدّم نوعاً من الحلول التبسيطية السهلة والسريعة القائمة على المغامرة لحلّ ما تُسمّى “المسألة الكردية” في المنطقة.
تتكامل هذه الصفقة مع مجموعة من الممارسات الشعبوية الأخرى التي لا تقلّ خطورة عن “الصفقة القذرة”، منها ما يتعلّق ببعض خطاباته القائمة على لغة تُركّز على الانتماءات الطائفية والقومية مثل “مسألة العلوية” و”مسألة الأكراد” في محاولة لكسب تأييد الجمهور، من خلال هذه المسائل بإيجاد تصوّر المظلومية، ومنها ما يتعلّق بـ “التقية” التي يمارسها من خلال تظاهره بالتدين، وممارسة بعض الشعائر الدينية، التي تتنافى مع هوية الحزب العلماني، لاستقطاب أصوات الناخبين المتديّنين المحافظين، وهذا ما بدا واضحاً في تعمّده المشاركة مع حلفائه من الإسلاميين في موائد الإفطار خلال شهر رمضان، وزياراته المتكرّرة لمعالم إسلامية كقبر “ولي” في قضاء آق شهير التابع لمحافظة قونيا، بل ذهب كلجدار أوغلو في تقيّته إلى أبعد من مجرّد إظهار مظاهر التديّن أو عدم معادة الإسلاميين، فوصل به الأمر إلى التحالف مع ثلاثة أحزاب ذات خلفيات إسلامية، في مسعى منه إلى طمأنة توجّسات الناخبين المحافظين من صدق نياته، على الرغم من أنّ القاصي والداني يعلم أنّ أيديولوجية حزب الشعب الجمهوري الذي يرأسه قامت تاريخياً (ولا تزال) على محاربة الدين والتدين بحجّة الدفاع عن علمانية الدولة، كما أنّ كلجدار أوغلو نفسه وصف الحجاب يوماً بأنه “قطعة قماش بمساحة مترين”، وهو نفسه من ظهر قبل فترة وجيزة يدوس بحذائه على سجادة الصلاة لالتقاط بعض الصور.
كما ظهرت شعبويته في محاولة التوظيف السياسي لكارثة الزلزال لصالح رؤيته ورؤية المعارضة تبريراً أو تفسيراً أو ترويجاً، حتى وإن كان هذا رقصاً على جثث عشرات الآلاف من الضحايا الأتراك والسوريين، من خلال تصيّد أخطاء الحكومة في تعاملها مع كارثة الزلزال والنفخ فيها لتأليب الرأي العام التركي عليها، ودفعه إلى مواجهتها والحطّ من قيمة ما تقوم به وما تقدّمه من أعمال إغاثية. كما ظهرت في خطاباته معاداة الأجانب، وتحديداً اللاجئين السوريين، ومحاولته توظيف ورقة إعادة اللاجئين السوريين إلى سورية لاستقطاب الناخب التركي، بعد أن أدرك، والمعارضة التركية معه، مدى الوزن العاطفي والسياسي الذي يعطيه الناخبون الأتراك لهذه القضية. لذلك استخدموا خطاباً تحريضياً شعبوياً استند إلى تحميل اللاجئين السوريين والحكومة التركية والرئيس أردوغان مسؤولية تردّي الأوضاع الاقتصادية، إلى درجة أن أصبح ملف إعادة اللاجئين السوريين جزءاً أساسياً في البرنامج السياسي لكلجدار أوغلو وللمعارضة التركية التي قامت بتضمينه بشكلٍ رسمي في برنامجها الحكومي وأهدافها المشتركة للمرحلة المقبلة في حال فوزها بالانتخابات.
شكّلت الشعبوية مرتكزاً مهماً في خطابات كلجدار أوغلو، والتي يمكن تلمّسها في مواضيع وأفكار وقضايا عديدة تناولها في حملته الانتخابية، والتي حاول من خلالها توظيف هذه الشعبوية لاستقطاب الناخبين الأتراك من دون تمييز بين اليمين واليسار.
العربي الجديد
——————————
أردوغان في الجولة الثانية لانتخابات الرئاسة/ عمر كوش
تشهد تركيا، لأول مرة في تاريخها، جولة ثانية من الانتخابات الرئاسية في 28 مايو/ أيار الجاري، لحسم نتيجتها إما لصالح الرئيس رجب طيب أردوغان، مرشّح تحالف “الجمهور”، أو لصالح كمال كلجدار اوغلو، مرشح تحالف “الأمة”، الذي يضم أحزاب “الطاولة السداسية”، وسط توقّعات بأن يحسم أردوغان نتيجة المنافسة بينهما، ويُعاد انتخابه ثانية وفق النظام الرئاسي ليحكُم البلاد حتى عام 2028، خصوصا أن تحالفه يتّجه إلى الفوز بأغلبية في البرلمان الجديد، بحصوله على 321 مقعداً من مجموع أعضائه البالغين 600 عضواً.
لن تكون الجولة الثانية من الانتخابات سهلة، بالنظر إلى فارق النقاط الضئيل بين أردوغان (49.51%)، وكلجدار أوغلو (44.89%)، بحسب النتائج النهائية الرسمية للجولة الأولى، وإلى توقّف حسمها بالدرجة الأولى على أصوات من انتخبوا المرشّح الثالث، سنان أوغان، مرشّح تحالف الأجداد (أتا)، الذي حصل على نسبة 5.17%، ووضع شروطاً وصفها بالخطوط الحمراء، تمثلت في “مكافحة الإرهاب، والابتعاد عن الأحزاب السياسية التي تدعم المنظّمات الإرهابية، وإرسال طالبي اللجوء إلى بلادهم”. ولم يخف أن هدفه إزاحة حزبين كرديين عن “المعادلة السياسية” التركية، ودعم القوميين والعلمانيين الأتراك، معتبراً أن “نتائج الانتخابات أظهرت نجاحه” في ذلك، حيث يقصد بالحزبين الكرديين، الشعوب الديمقراطي الذي دخل الانتخابات تحت اسم حزب اليسار الأخضر وأعلن عن دعمه كلجدار أوغلو، وحزب الدعوة الحرّة “هدى بار” الكردي الإسلامي الذي يدعم أردوغان.
وبالفعل، بدأت الاتصالات مع أوغان فور أن أعلنت الهيئة العليا للانتخابات التركية الانتقال إلى الجولة الثانية، وبعد أن أطلق سلسلة من المساومات استهدفت كلا التحالفين، الجمهور والأمة، وبات يطلق عليه لقب “صانع الملوك” المحتمل، نظراً إلى امتلاكه النسبة المرجّحة من الأصوات لترجيح كفّة أحد المرشّحين، حيث تمكّن من فرض نفسه في معادلة التأثير على نتائج الجولة الثانية من الانتخابات، وباتت كل الاحتمالات ممكنة، في ظل طبيعة التحالفات بين الأحزاب التركية التي جمعت بين أحزابٍ مختلفة في الأيديولوجيات والتوجّهات السياسية من اليمين واليسار، ومن المحافظين الإسلاميين والعلمانيين الأتاتوركيين. وبالتالي، من المرجّح أن تشهد الجولة الثانية من الانتخابات تحالفاتٍ واصطفافات جديدة، تفرضها ضرورة البحث عن حيثيات الفوز بها وممكناته.
ويبدو أن بازار المساومات قد بدأ مبكّراً مع أوغان، إذ لم يتأخّر كلجدار أوغلو في الاتصال به، وتهنئته على نسبة الأصوات التي حصل عليها، في خطوةٍ قد تمهّد لعقد لقاءٍ بينهما، ولإمكانية عقد صفقة بينهما، خصوصا أنهما يتفقان على نقطة ترحيل اللاجئين إلى بلادهم، الذين يبالغ أوغان كثيراً في تقدير أعدادهم، ويزعم إنهم 13 مليوناً، وخصوصا اللاجئين السوريين والأفغان، حيث سبق أن توعّد كلجدار أوغلو اللاجئين السوريين بإعادتهم إلى بلادهم خلال عامين في حال فوزه بالرئاسة. وفي المقابل، من الصعب على حزب الشعب الجمهوري التخلي عن دعم حزب اليسار الأخضر ذي الغالبية الكردية، نظراً إلى أن الكتلة الانتخابية الداعمة له وصلت إلى نسبة 10.54% من أصوات الناخبين، وبات يمتلك تحالف “العمل والحرية”، الذي يقوده، 65 مقعداً في البرلمان الجديد. أما الرئيس أردوغان وتحالف الجمهور الذي يقوده، فيمكنهما التخلّي عن حزب الدعوة الجديدة، بالنظر إلى عدم أهمية كتلته التصويتية مقارنة بالنسبة التي حصل عليها أوغان، لكن من الصعب أن يحصل التحالف بينهما، بالنظر إلى أن أوغان كان ضمن قيادة حزب الحركة القومية بزعامة دولت بهجلي، واختلف معه لأنه كان يعارض قيادته الحزب وتحالفه مع أردوغان، الأمر الذي أدّى إلى طرده منه. ومع ذلك، كل شي ممكن في السياسات الحزبية التركية، خصوصا أن أوغان سيحاول، في المرحلة الحالية، البحث عن مصالح شخصية وحزبية، في افتقاده حزبا داعما له، كونه لا ينتمي لأي حزب تركي، ولا يريد أن يبقى خارج المعادلة السياسية، وسيسعى إلى إبرام صفقة مع طرفٍ يعطيه مكاسب أكثر.
الواقع أن عوامل عديدة أفضت إلى حصول أوغان على 5.17% من الأصوات، وهي لا تمثل قاعدته التصويتية فقط، بل تمثل أيضاً الأصوات التي ذهبت إليه نتيجة انسحاب المرشّح محرم إنجيه، زعيم “حزب البلد”، من السباق الرئاسي قبل ثلاثة أيام من الجولة الأولى. كما أنها تتألف من فئات الشباب الذين لم يفضّلوا التصويت لأي من أردوغان وكلجدار أوغلو، فضلاً عن المتردّدين.
يكشف المشهد الانتخابي أن حظوظ الرئيس أردوغان أكبر للفوز في الجولة الثانية من الانتخابات، ليس فقط لأن النسبة التي حصل عليها في الجولة الأولى هي الأكبر، بل أيضا لأن تحالفه متماسكٌ أكثر من تحالف كلجدار أوغلو، إلى جانب أن خروج معظم الأحزاب الصغيرة من معادلة الانتخابات الرئاسية سيدفعها إلى السعي إلى عقد تحالفاتٍ جديدة، والأمر يتوقف على قدرة كلا المرشّحين على جذبها وتشجيعها للتحالف معه، وعلى اللعب على التعقيدات الناشئة. إضافة إلى أنه في حال حصول تفاهم أو تحالف بين كلجدار أوغلو وأوغان، فلن تذهب كتلته التصويتية في الاتجاه نفسه، على اعتبار أن الديناميات ستختلف في الجولة الثانية، ضمن معادلة عدم إمكانية التوفيق بين نزعات القوميين الرافضة التحالف مع الأحزاب التي تمثل الأكراد في تركيا.
يمكن القول، إضافة إلى ما سبق، إن نتائج الجولة الثانية لانتخابات الرئاسة التركية سترتبط أيضاً بالمحافظة على نسبة التصويت العالية وزيادتها، والتي كانت مرتفعةً في الجولة الأولى وبلغت 88.9%، وهي أعلى نسبة مشاركة في تاريخ الانتخابات التركية، وعلى قدرة كلا المرشّحين على التحشيد وجذب مزيد من الناخبين الأتراك، وخصوصا الشباب، للتصويت لصالحه، في ظل ارتفاع تكاليف المعيشية نتيجة ارتفاع الأسعار وانخفاض سعر صرف الليرة التركية أمام العملات الصعبة، وتراجع القدرة الشرائية لعموم الأتراك، خصوصاً الفئات محدودة الدخل والفقيرة.
يبقى أن الانتخابات الرئاسية التركية تحظى باهتمام وترقّب مختلف أوساط الرأي العام التركي، نظراً إلى تداعيات نتائجها على النظام في تركيا ووضعها الداخلي، إلى جانب اهتمام أوساط سياسية عربية وأوروبية وأميركية، كونها ستؤثّر على مجمل علاقاتها مع أوروبا والولايات المتحدة، حيث تختلف كثيراً وجهات نظر كلا المرشحين إزاء العلاقة مع أوروبا والعالم، وتطاول السياسة الخارجية لتركيا، وطبيعة العلاقة مع حلف الناتو والتعامل مع روسيا، وكذلك الاتحاد الأوروبي، وسوى ذلك.
العربي الجديد
—————————-
السوريون في تركيا يخشون الترحيل بعد الانتخابات
لا فرق إذا فاز إردوغان أو كليتشدار أوغلو
أنقرة: سعيد عبد الرازق
بات السوريون في تركيا يشعرون بأنه لا مغيث لهم ولا ظهير سيدافع عنهم بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي تشهدها البلاد، الأحد.
بدأ القلق يتسرب إلى أوساط اللاجئين السوريين في تركيا بعدما أخذت مفاوضات التطبيع مع نظام الرئيس بشار الأسد طابعاً جدياً، بدا فيه أن أنقرة هي الطرف الذي يستعجل النتيجة، لا سيما أن مسألة العودة الآمنة للاجئين هي أحد المبادئ الرئيسية التي يخوض الجانب التركي المفاوضات، التي ترعاها روسيا، على أساسها.
وعلى الجانب الآخر، تبدو المعارضة التركية حازمة في موقفها بشأن إعادة السوريين إلى بلادهم خلال عامين، عبر إعادة العلاقات مع الأسد، وبالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وهو ما لا يختلف كثيراً عما تقول به الحكومة.
المعنى أنه لو كرر إردوغان فوزه برئاسة تركيا، أو فاز مرشح المعارضة كمال كليتشدار أوغلو، فإن الوضع بالنسبة للسوريين لن يختلف.
فقد قال إردوغان في أحدث تصريحاته التي تناول فيها القضية، إن عملية العودة الطوعية للاجئين السوريين إلى بلادهم قد بدأت.
وأضاف، خلال إجابته عن أسئلة مجموعة من الشباب التقاهم بالقصر الرئاسي في أنقرة ليل الخميس – الجمعة، في إطار حملته الانتخابية: «أنشأنا حتى الآن أكثر من 100 ألف منزل في الشمال السوري عبر مؤسساتنا الحكومية ومنظماتنا المدنية، وقد بدأ المهاجرون العودة إلى هذه المنازل».
ولم يفوّت إردوغان الفرصة للهجوم على المعارضة، التي تعهدت بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم في حال تولت السلطة في تركيا، قائلاً: «لا أؤيد هذا المفهوم، هذا ظلم. لا سيما أن العودة الطوعية للسوريين قد بدأت بالفعل ونحن سنقدم الدعم اللازم لهم».
ونفى أن تكون هناك تسهيلات للطلاب السوريين في الالتحاق بالجامعات، كما تزعم المعارضة، قائلاً: «هناك طلاب حاصلون على الجنسية التركية يجتهدون ويحصلون على درجات جيدة، ويجتازون الامتحانات المؤهلة للالتحاق بالجامعات».
ومنحت السلطات التركية الجنسية الاستثنائية لنحو 300 ألف سوري، بحسب الإحصاءات الرسمية.
ويشكو الأتراك من معاملة تفضيلية للسوريين في الدراسة والعلاج، لا سيما مع انتشار مكاتب لحجز مقاعد الدراسة بالجامعات للسوريين، والعرب عموماً، مقابل مبالغ مالية، ما يقلص فرصهم في الحصول على مقاعد على الرغم من خوض اختبارات صعبة للحصول على فرصة للدراسة بالجامعات.
على الجانب الآخر، لا يخفي السوريون خوفهم من الوضع الذي ستصبح عليه تركيا بعد الانتخابات، مع تبني المعارضة وحزب «العدالة والتنمية» الحاكم نهجاً واحداً تجاههم الآن.
وتزداد المخاوف أكثر، حتى لدى من حصلوا على الجنسية، بشكل استثنائي، بعدما أعلنت المعارضة أنه سيتم مراجعة هذه الحالات، واحدة واحدة، وسيتم إلغاء الجنسية لمن حصل عليها دون استيفاء شروطها.
يقول بعض السوريين، ومنهم أحمد عمر، الذي افتتح محلاً للبقالة في حي أفجلار في إسطنبول لـ«الشرق الأوسط»: «أخشى أن تفوز المعارضة، هؤلاء لن يتركونا نعيش هنا، سيلاحقون من يعملون هنا، بسبب وعودهم للأتراك بمنحهم فرص العمل التي احتلها السوريون».
أما شقيقه محمد، الذي يعمل في مصنع للجلود، فقال إن هناك الكثيرين من السوريين يعملون بشكل غير قانوني، ويحصلون على أقل من الحد الأدنى للأجور (8500 ليرة تركية)، وآخرين لديهم أعمالهم الخاصة في مهن بسيطة مثل النقل والحرف اليدوية وحتى جمع الورق وبيعه، «لكننا كنا نشعر بالأمان وبأن الحياة معنا تسير بشكل جيد حتى رغم المعاناة المادية». وأضاف أنهم «لا يعلمون المصير الذي يواجهونه حال عودتهم. يقولون إنهم سيوفرون لنا عودة آمنة، لكن من أين سنعرف أن هذه الوعود ستتحقق، وكيف سيستعيد الناس أملاكهم عند العودة».
وتقول الحكومة التركية إن نحو نصف مليون سوري عادوا طوعاً إلى بلادهم بعد سيطرة القوات التركية وفصائل ما يعرف بـ«الجيش الوطني السوري»، الموالي لتركيا، على مناطق في شمال سوريا.
نسوة سوريات في حديقة عامة بحي فاتح في إسطنبول في أبريل الماضي (أ.ب)
عبد الله محمود، الذي يعمل في ورشة لتصنيع الأثاث في منطقة الفاتح بإسطنبول، لفت إلى أن الوضع في تركيا تغيّر حتى قبل الانتخابات، ولم يعد هناك قبول للسوريين حتى في الشارع التركي، وتصاعدت نبرة الكراهية في كل مكان مع تراجع الوضع الاقتصادي في تركيا في فترة وباء «كورونا» وما بعدها. أضاف: «يتهمنا الناس بأننا السبب في البطالة وغلاء الأسعار. مع أننا نعمل بأجور أقل مما يحصل عليها الأتراك ونكتوي بنيران الأسعار مثلهم».
ويعيش في تركيا نحو 3.6 مليون سوري، منهم نحو 1.7 مليون شخص في الولايات التركية الحدودية مع سوريا. وفي إسطنبول نفسها يعيش نحو 550 ألفاً من العدد الإجمالي للسوريين. وقد ازدادت وطأة الحياة عليهم مع اتهامهم بأنهم السبب في كل شيء، من البطالة والغلاء وارتفاع إيجارات البيوت إلى مستوى خيالي، كما قال لـ«الشرق الأوسط» أحمد إبراهيم الذي يعمل في مخبز سوري في منطقة أسنيورت في إسطنبول.
الشرق الأوسط»
—————————–
أردوغان: لن ننسحب من سوريا
أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده لن تنسحب من سوريا قبل القضاء على التهديدات الإرهابية القادمة من الحدود المشتركة، مشيراً إلى استمرار الخطة المرسومة لإعادة مليون لاجئ سوري.
وقال أردوغان في مقابلة مع شبكة “سي إن إن” الأميركية، إن السبب الوحيد لوجود القوات التركية في سوريا، هو “مكافحة الإرهاب”، عند الحدود المشتركة بين الجانبين، مشيراً إلى استمرار وجود التهديد “الإرهابي” على طول 900 كيلومتر من الحدود، رغم محادثات أنقرة مع النظام السوري.
ورداً على سؤال حول مطالبة رئيس النظام بشار الأسد بانسحاب القوات التركية من سوريا، قال الرئيس التركي: “لا نفكر بذلك، لأن التهديد الإرهابي لا يزال متواصلاً”.
وانتقد أردوغان دعوات المعارضة التركية لترحيل اللاجئين السوريين، مشيراً إلى أن تركيا تبني البنى التحتية في المناطق الخاضعة لنفوذها في شمال غرب سوريا، من أجل تسهيل عودتهم.
وأوضح أن منظمات تركية غير حكومية بنت منازل للاجئين في شمال سوريا، لأجل العودة إلى وطنهم، وتشجيع مليون لاجئ سوري على ذلك، وفق الخطة المرسومة لتجهيز المناطق لاستقبالهم.
وتحتل مسألة عودة اللاجئين إلى جانب تحييد الخطر الذي تعتبره أنقرة “إرهابياً” عبر الوحدات التركية عند حدودها مع سوريا، أساس المحادثات الجارية مع النظام السوري، ضمن مسار التطبيع العلاقات بينهما، بينما يُطالب النظام بانسحاب القوات التركية قبل المضي قدماً بالمسار.
والخميس، أعلن وزير الخارجية التركية مولود تشاووش أوغلو عن “خريطة طريق” لتطبيع العلاقات مع النظام السوري، موضحاً أن لجنة ستتشكل من ممثلين من وزارة الخارجية ووزارات أخرى لأجل العمل على الخريطة.
بالموازاة، قالت وزارة الخارجية الروسية إن وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران والنظام السوري، اتفقوا على توجيه نوابهم لإعداد خارطة طريق لتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، وتعزيز العلاقات بينهما.
وكان تشاووش أوغلو قد التقى للمرة الأولى رسمياً مع وزير خارجية النظام فيصل المقداد في موسكو، في اجتماع رباعي ضم وزيري خارجية روسيا وإيران، من أجل المضي في تطبيع العلاقات بين الجانبين.
وسبق اللقاء الدبلوماسي الرباعي، لقاء على المستوى العسكري والأمني للمرة الثانية، بين وزير الدفاع التركي ونظيره في النظام السوري، إلى جانب وزيري دفاع روسيا وإيران، ورؤساء أجهزة الاستخبارات في البلدان الأربعة.
——————————
خطاب “الإسلاموية”… رهان إردوغان الخاسر/ جو حمورة
يدفع إردوغان اليوم ثمن خطابه الإسلاموي المحافِظ، وعدم قدرته على إقناع سكان المُدن والجيل الشاب بآرائه.
كان مرشح المعارضة التركية كمال كيليجدار، يضع وردة على ضريح “أتاتورك”، بينما رئيس البلاد، رجب طيب إردوغان، يصلي أمام عشرات الآلاف في مسجد آيا صوفيا. أمضى كل من المرشحين الساعات الأخيرة قبل انطلاق الجولة الانتخابية الأولى، عند المنبع والمشرب الفكريين والعقائديين الخاصين بهما.
يحمل كيليجدار أوغلو العلمانية مرجعاً فكرياً له، ويمثل التيار العلماني التركي الذي يرى أن الدين في القلوب والمنازل. أما خصمه، إردوغان، فيضع الدين في المجتمع كذلك، ويسعى دوماً إلى تعزيز مكانته في بلاده وفي الفضاء العام.
درّة إسلاموية إردوغان الحقيقية هي مسجد آيا صوفيا. هذه العمارة الاسطنبولية الفارهة والضخمة، التي حوّلها الرئيس التركي من متحف إلى مسجد، بعدما كان “أتاتورك” بذاته قد حوّلها من مسجد إلى متحف عام 1934 وأهداها “إلى الإنسانية جمعاء”.
قبل زيارته لـيصلي ويخطب في آيا صوفيا، زار إردوغان رؤساء الطرق الصوفية في أحياء اسطنبول. لهؤلاء مكانة مهمة في المجتمع، ويملكون سلسلة من المدارس والجمعيات والمؤسسات الخيرية ودور الطلبة، هم قوة انتخابية لا يُستهان بها. حطّ إردوغان رحاله عند أحد أهمهم، الشيخ حسن أفندي زعيم جماعة “إسماعيل آغا” الدينية، قبل دقائق من وصوله إلى مسجد آيا صوفيا لأداء صلاة العشاء وتلاوة آيات قرآنية وسط حشد من المصلين.
في اللقاء الحار مع حسن أفندي، اتفق الرجلان على أهمية الحفاظ على القيم الدينية في المجتمع، ومنع العلمانيين من تغيير هوية البلاد. هذا ويعتمد إردوغان، كما دائماً، على عشرات الطرق الصوفية والجماعات الدينية وقدراتها الكبيرة لرفده بالأصوات، إلا أنها لم تكن كافية هذه المرة لتعطيه الأصوات اللازمة للفوز في ولاية رئاسية جديدة.
طوال الحملة الانتخابية الخاصة به، عمل إردوغان على إظهار مواقفه بشكل واضح في الشؤون الدينية وشؤون المرأة والعائلة والمثلية الجنسية، وكلها مواقف تجد في الإسلاموية منبعاً فكرياً لها. كما ركّز على الفروقات بين موقفه “القيمي” النابع من المُثل الدينية، وموقف خصمه كيليجدار أوغلو “المنافي للقيم” في هذه المسائل. هذا وظهر الرئيس التركي، في أكثر من خطاب جماهيري، حاملاً القرآن عالياً، ومردداً آياتاً منه أمام الجمهور، وجلّها آيات تحث على الزُهد والخدمة العامة ورفض “الهدف الغربي الذي يراد للمرأة التركية” حسب قوله.
من الجائز القول إن أقوال إردوغان ومواقفه “الهستيرية” والإسلاموية التي أطلقها بين عامي 2014 و 2016 حول المرأة، قد خف وهجها. قال حينها إن المرأة “غير قادرة على أن تكون صنواً للرجل في العمل والحياة”، وإنها “إن رفضت الأمومة لصالح العمل فقد خانت أنوثتها”، وإنه “من المستحيل أن تكون هناك مساواة بين الرجل والمرأة لأن هذا الأمر مخالف للخلق والطبيعة والدين”، وإن “حبوب منع الحمل يجب أن تكون مرفوضة عند العائلة المسلمة، لأن ذلك مخالف لإرادة الله والقرآن”.
اليوم، هدأت “الهستيريا الإردوغانية” على المرأة قليلاً، لكن ليس إلى حد الاختفاء، إذ لا يزال الرئيس التركي يولي أولوية لدور المرأة كأم من دون أي أمر آخر، وهو الموقف الذي ذكّر فيه وردده عشرات المرّات خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، والذي يعود مشربه إلى خلفية إردوغان الإسلاموية.
على جميع الأحوال، لا يكتفي إردوغان بالأقوال من دون الأفعال، بل أعاد التذكير بـ”إنجازه المهم” بانسحاب تركيا عام 2021 من “اتفاقية اسطنبول لمكافحة العنف ضد المرأة والعنف المنزلي”، وهي الصك القانوني الدولي الأكثر شمولاً لمحاربة العنف ضد المرأة ومكافحته.
تمتلك المثلية الجنسية حصة الأسد في خطابات إردوغان، ومحاولته التفريق بينه وبين خصومه. خلال زيارته المدن المطلّة على البحر الأسود، قال بصراحة: “نحن ضد الحركة المثلية والمثليين… لأن العائلة مقدسة لدينا، والعائلة القوية تعني أمة قوية”.
راح بعدها يزبد مُتهماً خصمه الانتخابي في محاباة المثليين، واعتبار ذلك إهانة للأمة التركية وخطراً على هوية الشعب. في خطاب آخر في مدينة مرسين، راح إردوغان يصرخ ويسأل الجمهور: “هل كيليجدار أوغلو يناصر المثلية؟” فيرد الجمهور المحافِظ بالإيجاب، “وهل حزب الجيد وحزب الشعب الجمهوري يناصرون المثلية؟”، فيرد الجمهور بالإجابة السابقة نفسها، لينهي إردوغان كلامه قائلاً: ” كل هؤلاء ضد المثل العائلية والإسلامية، بينما حزبنا وحدة ضد هؤلاء”.
المواقف “الإردوغانية” الجدّ محافِظة هذه لم تنفعه في حصد أكثرية أصوات الأتراك. خسر في المدن الكبرى، في إسطنبول وأنقرة وإزمير، كما حاز أرقاماً متواضعة جداً في الولايات الغربية المطلّة على البحر. المدن الكبرى والولايات الغربية في تركيا هي أكثر ليبرالية، وتلفظ مجمل أفكار إردوغان المحافِظة، على عكس الريف الأناضولي وشرق البلاد وشمالها الأكثر تشدداً حيث تصدر إردوغان نتائجها.
يدفع إردوغان اليوم ثمن خطابه الإسلاموي المحافِظ، وعدم قدرته على إقناع سكان المُدن والجيل الشاب بآرائه. “الإردوغانية” حسب تجلياتها من عام 2003 وحتى اليوم، هي دفع الناس الى التوجه صوب رجل واحد وتبني أفكاره الاجتماعية والثقافية والسياسية، وهي، في النهاية، ظاهرة تريد تغيير الناس أولاً ثم النظام فالدولة التركية.
الوهن الظاهر في شعبية إردوغان سيقلب الآية هذه المرة، وسيدفع الرئيس التركي إلى مجارات شعبه لا دفعهم الى اللحاق به. هذا ثمن على إردوغان دفعه إن أراد الفوز في الجولة الثانية من الانتخابات والبقاء في السدّة الرئاسية لسنوات خمس جديدة.
درجات
—————————
حسابات جولة الإعادة في الانتخابات التركية وانعكاساتها التي تميل سلبياً على السوريين/ محمد الصطوف
من نافلة القول إن أثر الانتخابات التركية الجارية لا يقتصر حالياً على الشعب التركي وكيفية التعاطي مع الملفات الداخلية والخارجية فحسب، بل، إن أثر الانتخابات يمتد بعيداً على المستويين الإقليمي والدولي، وما يعنينا هنا كسوريين هو الانعكاسات المتوقعة لنتائجها على الشعب السوري، سواء فيما يتعلق بملف اللاجئين المترقبين بحذر، أو عموم الجغرافيا السورية بدرجات متفاوتة.
من حيث المبدأ ينحاز اللاجئ السوري في عواطفه إلى تحالف الشعب والرئيس أردوغان، بوصفهم التيار السياسي الذي ما يزال رغم كل التشدد في السنوات السابقة تجاه السوريين، من يحافظ على سياسة يمكن وصفها بالمعتدلة، عبر التمسك بمبدأ العودة الطوعية الآمنة مع ملاحظة الفوارق الجوهرية بين الحزب القومي أحد أبرز حلفاء حزب العدالة والتنمية، تجاه قضية اللاجئين، إذ يميل الأول للتشدد أكثر.
لكن، مع إسدال الستار عن نتائج الانتخابات الرئاسية التركية في جولتها الأولى، وعدم تمكن أيّ من المرشحين من حسمها، عبر تحقيق النصف +، وإعلان اللجنة العليا للانتخابات، التوجه لجولة ثانية، برز المرشح الخاسر “سنان أوغان”، مرشح تحالف الأجداد كصندوق أخير سيلجأ الطرفان لمحاولة استمالته، بغية الحصول على أصوات إضافية، يرجّح أنها ستكون حاسمة في الجولة الأخيرة.
الأمر الذي يطرح بدوره تساؤلاً هاماً عن انعكاس التطورات في السباق الانتخابي على السوريين؟ ومدى تأثير مساعي كل من المتنافسين لاستقطاب “أوغان” إليه؟
تتطلب الإجابة عن هذه التساؤلات تعريجاً سريعاً للحديث عن سنان أوغان، وبرنامجه الانتخابي وأحدث مواقفه، بغية تحديد نقاط التوافق والاختلاف مع برامج كل من المرشحين وتحالفاتهما الحزبية وبرامجهما الانتخابية أيضاً، وبالتالي إمكانية استمالته، وهو ما يسمح باستشراف انعكاسات ذلك كله على الملف السوري واللاجئين على وجه الخصوص..
صاحب “الصوت المؤثر في الجولة الثانية من الانتخابات”، قدّم في برنامجه الانتخابي مجموعة من النقاط؛ كان من أبرزها: العودة إلى النظام البرلماني بدلاً من النظام الرئاسي، ترحيل اللاجئين وخاصة السوريين مع توفير عودة آمنة لهم، واستعادة الجزر من اليونان، بالإضافة إلى التركيز الاقتصادي على الإنتاجية والتجارة الخارجية.
ومعلوم أن السيد “سنان” ينحدر سياسياً من حزب الحركة القومية، وانتخب كنائب برلماني عنها في انتخابات 2011، قبل أن يفصل نهائياً عام 2017 ويشكل مع آخرين “تحالف الأجداد” ذوي الطابع القومي المتشدد.
وبالاستناد إلى هذه الرؤية يمكن القول: إن التوافق الرئيسي مع الطاولة السداسية يتمثل بترحيل اللاجئين السوريين والعودة للنظام البرلماني، في حين يتمثل التوافق مع التحالف الحاكم في المواجهة الخارجية عبر ملف البحر المتوسط، والحدة تجاه مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية والتنظيمات الموالية لها، إلا أن عاملاً هاماً يبرز في هذا السياق، وهو حسابات الفائدة الشخصية من التحالف، إذ باتت الطاولة السداسية سباعية سابقاً ومع انضمام “سنان” ستكون ثمانية إن صح التعبير، مما يقلّص من مكاسبه المحتملة في ظل ازدحام المتقاسمين للسلطة المأمولة، والعكس غير صحيح في حالة التحالف الحاكم.
وإذا كان انحيازه تجاه التحالف الحاكم أمراً ظنياً، إلا أن انعكاسات أي من خياراته ستكون جلية على ملف اللاجئين السوريين. ذلك أن انضمامه لتحالف المعارضة سيؤدي لتعزيز فرصها بالفوز من جهة وتعزيز التيار الرافض للسوريين فيها وفي السلطة لاحقاً وهو ما يزيد من سوداوية المشهد القادم.
أما في حال تحقق سيناريو آخر وهو انضمامه للتحالف الحاكم فإن شروطه التي ستفرض نسبياً ستؤدي إلى سياسات أكثر تشدداً تجاه السوريين بكل تأكيد، وإن كانت درجة هذا التأثير موضع جدل.
إذ إن خطوات التحالف الحاكم ممثلاً بالرئيس “أردوغان” على مدار العامين الماضيين قد أخذت بالفعل شكلاً تصاعدياً تجاه اللاجئين، بدايةً من خطط إعادة نحو مليون لاجئ سوري في تركيا إلى شمال غربي سوريا، وليس انتهاءً بالسعي للتطبيع مع نظام الأسد وقضية اللاجئين أحد أهم دوافع التوجه الجديد الذي يبدو أنه لن ينتهي بمجرد انتهاء الانتخابات.. ومع وجود تأثير إضافي لتحالف الأجداد في حسم الانتخابات الحالية، فإن دوافع المضي بخطوات سلبية جديدة من منظور الشعب السوري ستصبح أكثر احتمالاً.
تقودنا هذه التقاطعات السابقة إلى القول: إن المعركة الانتخابية القادمة بين التحالفين المتنافسين على رئاسة تركيا، ارتبطت بشكل أو بآخر بوجود الطرف الثالث، الذي يلعب دوراً حاسماً في المعركة الانتخابية، وهذه التقاطعات تتبلور فيها سيناريوهات متعددة، يتلخص السيناريو الأول بدعم “أوغان” لتحالف المعارضة، يدعم هذا السيناريو بتلاقي أحد أبرز أهدافهما معاً، بملف ترحيل اللاجئين وعلى وجه الخصوص السوريين، وهنا، أضحى لدى تحالف المعارضة صوت قوي معاد للاجئين وأكثر تشدداً.
فيما يتلخص السيناريو الثاني، بدعم “أوغان” لتحالف الحزب الحاكم، مدفوعاً بوجود الحركة القومية ضمن التحالف، والتي تعبر بشكل أو بآخر عن النزعة القومية لدى “أوغان” _وإن كانت متشددة الطابع_ لتصبح كتلة وازنة داخل تحالف الحزب الحاكم، وبالتالي ترتفع إمكانية فرض التشدد تجاه قضية اللاجئين والتعامل مع الموضوع بحدّة أكثر.
وبذلك يمكن القول مبدئياً: إن جولة الإعادة بشكلها الحالي _ومع الأسف_ تحمل في طياتها مضامين سلبية تجاه السوريين أينما توجهت التحالفات، وكيفما كانت النتائج مع مراعاة الفوارق في التأثير.
أما السيناريو الثالث وهو السيناريو المستبعد لكنه الأفضل، وفق البرنامج السياسة المطروحة، يتمثل بتوجه “أوغان” إلى دعم تحالف المعارضة، وفوز التحالف الحاكم رغم ذلك، والتي إذا ما أضيفت إلى نجاح التحالف الحاكم في الحصول على الأغلبية البرلمانية فإن عملية “ليّ ذراع” العدالة والتنمية والرئيس أردوغان من بوابة اللاجئين ستكون قد سقطت بشكلها الانتخابي والقانوني على الأقل.
تلفزيون سوريا
———————————
طاولة بلا أرجل وتفخيخ المجتمع التركي/ غسان ياسين
بدون مقدمات ولا مواربة كشف كمال كليتشدار أوغلو عن وجهه الحقيقي بعد الخسارة الكبيرة التي مني بها في البرلمان التركي البرلمان الذي كان يتطلع له مع حلفائه للحصول على أكثرية تعطيهم المشاركة في حكم الدولة ولطرح إمكانية تغيير النظام الرئاسي وعودة النظام البرلماني. هذه الخسارة أخرجت أسوأ ما في حزب الشعب الجمهوري ومناصريه حيث بدأت حملة على أهالي المدن الجنوبية التي تعرضت للزلزال ممن يقيمون في مدن تحكمها بلديات تابعة لهم، الحملة التي بدأت على وسائل التواصل الاجتماعي بسبب تصويت سكان مدن الجنوب للرئيس الحالي رجب طيب أردوغان وعزوفهم عن التصويت لكمال كليتشدار أوغلو ثم امتدت هذه الحملة لتشمل عمليات طرد من أماكن إيواء المتضررين بعد أن أبلغت بلدية تيكرداغ النازحين الأتراك من مدن الجنوب بضرورة إخلاء الفنادق والأماكن التي يقطنونها، هذه العقلية ليست بجديدة على طيف واسع من مناصري حزب الشعب الجمهوري وقياداته لأنهم طالما نظروا إلى سكان المدن الجنوبية ومدن البحر الأسود نظرة استعلائية ويعتبرونهم قرويين بسطاء وأن الكماليين فقط من يحق لهم حكم تركيا وتحديد هويتها وتوجهاتها.
كليتشدار أوغلو قرر اللعب بورقتين خلال حملته لخوض الجولة الثانية في السباق الرئاسي، الأولى ورقة اللاجئين السوريين لأجل مخاطبة القوميين الرافضين لكل ما هو أجنبي والثانية محاولة إثبات أن حزب الهدى الإسلامي الكردي حزب إرهابي مرتبط بحزب الله التركي لأجل حرف الأنظار عن تحالفه مع حزب الشعوب الممثل الأكبر لأكراد تركيا، وفي أول إطلالة له خرج في فيديو نشره على حسابه الشخصي على منصة تويتر ووصف فيه اللاجئين بأقسى الأوصاف بلغة لم يستخدمها حتى أوميت أوزداغ البرلماني السابق والمشهور بخطابه العدائي ضد السوريين والأجانب بشكل عام.
هذا الخطاب الموتور من قبل قيادة حزب الشعب الجمهوري وكبار مناصريه يدل على توترهم وقلة حيلتهم في الوقت ذاته، لأنهم فعلوا أقصى ما يمكن القيام به على مدار أكثر من عام حين جمعوا متناقضات السياسة التركية على طاولة واحدة ورغم صعوبة الحفاظ على تماسك الطاولة طيلة الفترة الماضية فإنهم في النهاية خسروا البرلمان، وبدأت بعدها أصوات متذمرة من قيادات ومناصري الحزب تتحدث عن أنهم خدعوا من قبل داود أوغلو وباباجان وتمال قره ملا أوغلو شركائهم في الطاولة لأنهم يعتبرون أن أحزاب المستقبل وديفا والسعادة هم من كسب ودخل البرلمان على حساب مرشحي حزب الشعب الجمهوري في وقت لم يستطع هؤلاء إقناع مناصريهم بالتصويت لكمال كليتشدار أوغلوا وذهبت أصواتهم إلى الرئيس أردوغان. هذا التذمر بدأ يأخذ منحى تصعيدياً حيث أجبر مناصرو وبعض قيادات حزب الشعب داود أوغلو على حذف تغريدة كان قد نشرها احتفالاً بدخول نواب حزبه للبرلمان، هذا مؤشر على قرب انتهاء تحالف الطاولة الذي ولد ميتاً لأن ما جمعهم أمران فقط، الأول إقصاء الرئيس أردوغان من منصب الرئاسة وهذا الأمر بات بعيد المنال بعد الفارق الكبير بالجولة الأولى، والثاني الفوز بأغلبية برلمانية تساعدهم على أن يغيروا نظام الحكم الحالي من رئاسي إلى برلماني، وهذا أيضا بات في حكم المستحيل، لأنهم في حال إصرارهم عليه سيعود الرئيس أردوغان للحكم من بوابة رئاسة الحكومة بعد فوز تحالفه بالأغلبية البرلمانية. أما باقي الملفات فشركاء الطاولة لم يتفقوا عليها وأجلوا النقاش حولها إلى ما بعد الانتخابات وهذه الملفات بمثابة ألغام موضوعة تحت الطاولة وتنتظر فقط أن يقوم أحد الجالسين بالضغط قليلاً حتى تبدأ سلسلة الألغام بالانفجار تباعاً.
بالعودة لجولة الحسم يوم ٢٨ المقبل سيدخلها الرئيس التركي وفي جعبته الكثير من الأوراق الرابحة وفي مقدمتها حصوله مع حلفائه على أغلبية برلمانية مريحة والفارق الكبير بينه وبين المرشح الآخر في الجولة الرئاسية الأولى. وكعادتها منذ أكثر من عام تواصل المعارضة تقديم الهدايا المجانية لمنافسها حين سارع الرئيس أردوغان للاستفادة من الحملة العنصرية ضد النازحين الأتراك من مدن الجنوب وقال في مقابلة تلفزيونية إنه سيزور المناطق المتضررة من الزلزال برفقة دولت بهتشلي زعيم حزب الحركة القومية وشريكه في الحكم لأجل الاطمئنان على الأهالي هناك، وتطييب خاطرهم بعد الأذى الذي لحق بهم من قبل حزب الشعب الجمهوري. أما كمال كليتشدار أوغلوا فسيدخل للجولة وفي جعبته هزيمة برلمانية مدوية ونقمة من الشارع التركي بسبب خطاب عنصري فج ضد الأتراك واللاجئين معاً، خطاب قد يؤدي إلي توتر كبير في الشارع التركي المشحون والمستقطب بشكل كبير، وإذا كانت الجولة الأولى انتهت دون أي أعمال شغب وهذا يحسب للشعب التركي بسبب وعيه وإيمانه بالعملية الديمقراطية وتقبله للخسارة، إلا أنه خرجت أصوات تركية تتخوف من أن تتسبب هذه الحملة التي يقودها حزب الشعب إلى حدوث ما لا يتمناه أحد.
الجولة ستكون صعبة على المرشحين معاً، فرغم أن لغة الأرقام تعطي أفضلية واضحة للرئيس الحالي فإن الانتخابات التركية دائماً ما تفاجئنا بنتائجها، وصعود الأحزاب القومية في كلا التحالفين كان مفاجئاً للجميع وسيكون لهذا المد القومي أثره الواضح في خطاب الرجلين من الآن وحتى ساعة الحسم.
تلفزيون سوريا
———————————–
تركيا.. معركة مصير منعاً لتصغير الكيان/ منير الربيع
تشهد تركيا انتخابات مصيرية. وصفت بالانتخابات الأكثر أهمية خلال مئة عام. 100 سنة على ولادة الجمهورية التركية بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، فكان القرن التركي الأول أتاتوركياً. مع بداية الألفية الجديدة وصل رجب طيب أردوغان إلى السلطة والذي نجح في نقل تركيا من مكان إلى مكان آخر على صعيد تطور اقتصادي وصناعي وتسلحي بالإضافة إلى بروز ملامح لمشروع سياسي شرق أوسطي يرتكز على كثير من القواسم المشتركة مع المنطقة العربية. تصورات كثيرة يمكن أن يبنيها كثيرون حول أردوغان بوصفه القادر على استعادة روابط العلاقات مع القوى العربية في محاكاة لما كان عليه الوضع أيام السلطنة العثمانية. ما يريده أردوغان في هذه المعركة أن يكون القرن التركي الثاني أردوغانياً. فيما تجتمع المعارضة من كل أطيافها وأصنافها وبدعم دولي لإعادة الأتاتوركيين، ولذلك لم يكن من الصدف اجتماع الطاولة السداسية على ترشحي كمال كليتشدار أوغلو.
تأتي الانتخابات التركية في حقبة من التحولات الاستراتيجية التي يمرّ بها العالم أو النظام العالمي. حاول أردوغان الرقص على رؤوس الأفاعي طوال السنوات الماضية، من الدول العربية والبحر الأبيض المتوسط إلى القوقاز، وصولاً إلى لعب دور أساسي في أوكرانيا بعد اندلاع الحرب الروسية، خصوصاً بما يتعلق باتفاقيات الحبوب وما يمس الأمن الغذائي العالمي. بالتوازي كان قد نجح في إعادة إصلاح العلاقات مع قوى متعددة، لا سيما دول الخليج ومصر وإسرائيل، إلى جانب تعزيز علاقته بروسيا وإيران، والاحتفاظ بالعلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية ولكن مع استمرار التوتر والخلافات.
في مراقبة للأداء الانتخابي لأردوغان ومراجعة الأدبيات التي تجمع ما بين التاريخ والحاضر والمستقبل، يبقى الرجل متسلحاً بمقولة لجلال الدين الرومي: “هناك أمل بعد اليأس، والكثير من الشموس بعد الظلمة”. تخلص هذه الأدبيات إلى استعادة غير مباشرة لما ترتكز عليه أسطورة تركية يُطلق عليها أسطورة البوزقورت والتي تقول: “إذا بقي تركي وحيد على وجه الأرض فهو عبارة عن أمة جديدة”. تلك الأمة بمعناها التركي الحديث أو التركي الأردوغاني، لها بعد سياسي وإسلامي، بشكل يختلف كلياً عن الأمة التركية لدى مصطفى كمال أتاتورك، والذي كان تركيزه يتمحور حول القومية التركية وتعزيزها، بينما طموح أردوغان هو التوسع. فيما يتهمه خصومه بأنه يحاول بطريقة توسعه الاقتصادية أو العسكرية إعادة إحياء أمجاد السلطنة العثمانية، مستنداً إلى الروابط التاريخية والثقافية في بقعة جغرافية مشتركة لكنها واسعة ومترامية الأطراف. ومعروف عن أسطورة البوزقورت “الذئب الأغبر” أنها مستمدة تاريخياً من توفير هذا الذئب الحماية لأحد الأتراك الذي أنشأ الأمة التركية.
تكتسب الانتخابات أهمية استثنائية على أكثر من صعيد، خصوصاً ما يرتبط بحفظ التوازنات في منطقة الشرق الأوسط ككل، فيما يبقى الأهم هو إمكانية بناء مزيد من التفاهمات بين تركيا والدول العربية لا سيما أن الطرفين وجدا أنفسهما في مواجهة صراعات متعددة ذات نزعات أقلوية، وهذا مسار بدأ في الاجتياح الأميركي لأفغانستان وبعده اجتياح العراق ما دفع إيران إلى التقدم في المنطقة على حساب إضعاف العرب، أو السنّة بالمعنى الأوضح، وهو ما يظهر أكثر مع مشروع إيران في إرساء الهلال الشيعي في المنطقة، والذي هدفه تكريس انشطار “العالم السنّي” إلى تشظيات متعددة، أي ضرب الأكثرية الممتدة على مساحة واسعة من هذا العالم والتي ترتكز في يديها قوة العمل وقوة رأس المال، فيما عملية ضربها كانت بناء على استعادة صراعات تاريخية بينها ما يرتبط بصراع القوميات أو صراع الأديان والطوائف والمذاهب.
خسر الأتراك والعرب معاً بنتيجة الصراعات التي اندلعت فيما بينهم بعد أحداث الربيع العربي، فساهمت هذه الخلافات في مزيد من التشظيات وتصغير الكيانات، وهذا مشهود في العراق، سوريا، ليبيا، السودان، وقد لامسته مصر من قبل. وفي حال كانت نظرية تصغير الكيانات صحيحة، وضرب الأكثرية التي تمتلك القوة البشرية والثروة، فإن هذا المشروع لا يمكن أن يتوقف عند هذا الحد، ولا بد له في المعنى الاستراتيجي أن يكون تتويجه باستهداف تركيا والمملكة العربية السعودية. فالأولى لا تزال مستهدفة بعمق منذ ما قبل محاولة الانقلاب في العام 2016 إلى ما بعده، واليوم في هذه المعركة الانتخابية. والسعودية استهدفت في ضرب حواضرها وأمنها القومي منذ محاولة ضرب البحرين إلى حرب اليمن.
كل هذه التطورات دفعت تركيا والسعودية إلى ترتيب علاقاتهما مع الدول الأخرى، كما ذكرنا سابقاً حول ترتيب أنقرة للعلاقات مع طهران، موسكو، الرياض، ودول الخليج الأخرى وإسرائيل بالإضافة إلى البقاء في حلف الناتو. فيما عملت الرياض على الذهاب إلى اتفاق مع إيران لإنهاء حرب اليمن ووقف الاستنزاف، وهو ما كان ثمنه تقديم تنازل في سوريا من خلال التطبيع مع النظام، والذي لا أحد يمكنه أن يراهن على التزام النظام السوري في أي من شروط التطبيع. لذلك سيكون هذا المسار خاضعاً لاختبارات كثيرة، وستنصب أفخاخ كثيرة حوله لمنعه من الوصول إلى نتائجه، ما يعني استمرار المسار الاستراتيجي في ضرب هذه الحواضن والتي تمثّل دولاً كبرى من حيث المساحة، والعدد السكاني والنمو الاقتصادي.
تكفي مراقبة بعض الأدبيات السياسية التي تستخدمها المعارضة التركية لاستنتاج ذلك، سواء من حيث الشكل أو في المضمون. ففي الشكل اجتمعت المعارضة على دعم كمال كليتشدار أوغلو، فيما استخدمت أدبيات مستفزة في تركيا العلمانية، من قبيل الإشارة إلى انتماء أوغلو إلى الطائفة العلوية، والتحالف مع الأكراد في آن، وهو ما يكرس مفهوم تحالف الأقليات، الذي استدرج إليه آخرون أيضاً من أمثال ميرال أكشنار والتي أيضاً استخدمت أدبيات ذات دلالات مهمة إذ قالت: “ربما كان علينا مناصرة علي بوجه معاوية”. يحصل كل ذلك في وقت تعيد دول كثيرة التطبيع مع النظام السوري “العلوي” والذي كرّس انتصار الأقلية العلوية في سوريا على حساب الأكثرية السنية التي أصبحت مهجرة في أصقاع الأرض.
مثل هذه الأدبيات، المعطوفة على مشاريع سياسية تهدد هذه البقعة الجغرافية وكياناتها، يمكنها أن تؤسس إلى ما هو أخطر في المرحلة المقبلة. وهذا سبب أساسي يضاف إلى أهمية الاستحقاق الانتخابي التركي، خصوصاً أن خسارة أردوغان للانتخابات ستعني بشكل أو بآخر أن مرحلة جديدة فتحت في تركيا والمنطقة للوصول إلى تصغير الكيانات من خلال جدالات كثيرة ستثار في الداخل التركي بنتيجة استخدام أدبيات دينية أو طائفية أو مذهبية، فذلك سيشعر “العلويين” في تركيا وسوريا بمزيد من القوة، وسيشعر الأكراد بذلك باعتبار أن أصواتهم كانت مرجحة في سبيل تحقيق هذا الانتصار. أما فوز أردوغان فمن شأنه أن يطلق هذا القرن الأردوغاني، ويبقي الوحدة التركية قائمة، على الرغم من استمرار الحملات والهجومات تأسيساً للاستحقاق المقبل، والذي سيكون الامتحان الأكبر والأخطر طالما أن أردوغان أعلن أن هذه آخر انتخابات يخوضها، وبالتالي هل سيكون هناك بديل من حزبه، أم أن خروجه الشخصي سيعني خروجاً سياسياً كاملاً لما يمثل، وحينذاك أيضاً لا بد من الاهتمام في مصير وجهة الكيان التركي وإمكانية تهديد وحدته مجدداً.
تلفزيون سوريا
—————————-
الفرصة الأخيرة قبل الحسم مع تركيا/ صبا مدور
فلنترك جانبا الابتسامات الدبلوماسية التي ظهرت على محيا وزيري خارجية تركيا والنظام عند لقائهما في موسكو، فذلك من المتوقع في مثل هذه الظروف، لكن المهم، هو ما وفره هذا الاجتماع الأول بين وزيري البلدين منذ 2011، على هامش الاجتماع الرباعي في العاصمة الروسية الذي مع وزيري خارجية روسيا وإيران أيضا.
دأبت هذه الرباعية على متابعة الوضع السوري منذ سنوات، وأنجزت بالفعل هدنا طويلة في الشمال السوري، لكن لم تصل أبدا إلى تسوية بين أنقرة ودمشق، في ظل وجود قضايا خلافية كبيرة وجوهرية، حينما كان نظام الأسد منبوذا دوليا وإقليميا، وبحاجة الى أي متنفس خارجي، وهو ما يبدو أنه أصبح أكثر صعوبة الآن بعدما وجد النظام مخرجا واسعا ومريحا ومجانيا من خلال بعض الدول العربية، وأبرزها السعودية التي دعت الأسد لحضور القمة العربية المقبلة في الرياض.
تحاول تركيا بالطبع أن تحمي مصالحها الأمنية في المناطق الحدودية مع سوريا، لا سيما بمواجهة (قسد) و(داعش)، إلى جانب إيجاد مخرج مقبول وعملي لأزمة اللاجئين السوريين في تركيا، وتحديد مصير فصائل المعارضة، بل ومصير إدلب والشمال السوري بكامله.
هذه القضايا المفصلية الصعبة، أصبحت اليوم أكثر صعوبة، فالنظام يجد نفسه دون عجلة من أمره في حل قضايا تشغل تركيا أكثر مما تشغله، ولم يعد حلها السريع والعادل يمثل عنده شيئا ذا مغزى، بعدما حصل على أكثر مما كان يحلم به، من دول عربية، وجدت مصلحتها في التقرب منه، بل وبدا أن أحدها كان يشارك في تمويل الحملات العسكرية الروسية ضد المعارضة، كما أن دولة أخرى عرضت حسب رويترز مليارات الدولارات على النظام مقابل أن يتوقف فقط عن إرسال الكبتاغون إلى أراضيها.
هذا النمط من التطبيع مع النظام لم يعد مجانيا فقط، بل بات مربحا له، وهو في هذه الحالة، لن يقدم على خطوة باتجاه الأتراك يمكن أن يدفع فيها شيئا، فقد خبر عض الأصابع مع الدول العربية، وفاز، فلماذا لا يجرب اللعبة مع تركيا، لا سيما وأنه بات مرتاحا لوضعه، لا تهدده مخاطر حقيقية، وصار له أن يتحدث من موقع (المنتصر) بفضل جائزة عربية لا يستحقها.
والأكثر من هذا أن اجتماع موسكو عقد قبل أيام فقط من الاستحقاق الانتخابي الأهم في تركيا منذ تأسيسها، ونتائجه ستحدد موقف أنقرة من مجمل الوضع السوري ومن قضايا اللاجئين والمعارضة وقسد والعلاقات مع روسيا وإيران والولايات المتحدة، وكل هذه القضايا المحورية، تجعل من النظام غير متحمس للوصول إلى اتفاقات من أي نوع مع سلطة قد تتغير في حال عدم فوز الرئيس أردوغان أو حزب العدالة والتنمية، وذلك أضاف بالطبع زخما لقدرة النظام على المناورة، بل وكان بالأصل أحد الأسباب التي ربما دفعت بعض الدول العربية إلى هذه الهرولة باتجاه النظام.
كل هذه العناصر التي تجمعت لتغير وجه المعادلة السورية خلال أشهر أو حتى أسابيع، تقدم نموذجا للسبب الأهم الذي انحرف بالمسار السوري، من نصر كان وشيكا للثورة، إلى تقدم بات واضحا للنظام، هذا السبب هو السياق الإقليمي الذي تلاعب بالمتغيرات السورية طوال 12 عاما، بطريقة لطالما عبرت عن اتجاهات أصحابها، بدءا من استثمار الوضع لإنجاز مشروع التوسع الإقليمي وهو ما مثلته إيران، أو ما عكسته من انتهازية أو معارضة للنظام وسياساته الإجرامية دون حسم، كما عبرت عنه دول عربية عدة، وصولا إلى تركيا التي كان لها مصالح استراتيجية ومواقف بدت مبدئية، لكنها أيضا فشلت في حسم الوضع حينما كان بمقدروها ذلك.
غير أن كل المنشغلين الإقليميين بالأمر السوري ممن أظهر رفضا للنظام، لم يكن له أن يتدخل ويعبث، لولا حصوله على تعاون طائفة من المعارضة السورية، تسلمت منه الدعم، مقابل الولاء، حتى تحول جزء مهم من المعارضة السياسية إلى معارضات، تتبع كل منها داعما إقليميا، وتتفق فيما بينها أو تتصارع حسب العلاقات البينية بين الداعمين ومصالح كل منهم.
ووسط المعادلات الإقليمية المتنوعة، بدا أن تركيا كانت تخطط من خلال الوسيطين الروسي والإيراني للحصول على مكاسب أمنية في حدودها الجنوبية مع سوريا، من غير أن تتمكن في أي وقت من التنسيق حول الموضوع السوري مع معظم الدول العربية ذات المصلحة المماثلة، ولذلك جاء التسابق العربي نحو النظام، مفاجئا للأتراك، قبل أن يحققوا أي شيء في تكتيكات تقربهم منه.
وفي كل الأحوال فعلى تركيا أن تنتظر نتائج الانتخابات فيها لتحسم أمرها بشأن التعامل مع الملف السوري، وهو قد لا يشكل أولوية قصوى أيا كان الفائز، وربما يكون ذلك هو الفرصة الزمنية الأخيرة أمام المعارضة، لتفعل شيئا لتنقذ ما يمكن إنقاذه، أو لتتمكن من وضع مواقفها على الطاولة، قبل حسم كل القضايا على الطريقة العربية.
—————————
إردوغان أم كليتشدار أوغلو.. من سيفوز برئاسة تركيا؟
الحرة / ترجمات – واشنطن, الحرة / وكالات – واشنطن
يستعد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، والمعارضة التركية لجولة انتخابات ثانية مقررة في الـ28 من مايو، والتي ستفرز نتيجتها رئيس البلاد لـ 5 سنوات مقبلة.
وكانت نتيجة الجولة الأولى للانتخابات معاكسة لاستطلاعات الرأي، والتي كانت تظهر تقدّم زعيم المعارضة العلماني، كليتشدار أوغلو، والذي تشير تقارير إلى أنه اجتمع، الأربعاء، مع خمسة آخرين من قادة تحالفه من أجل التخطيط لاستراتيجية أقوى لوضع حد لهيمنة إردوغان المستمرة منذ عقدين.
وحصل كليتشدار في الجولة الأولى للانتخابات على ما نسبته 44.9 في المئة، وهي تبقى ما دون تلك التي حصل عليها إردوغان وبلغت 49.5 في المئة.
ماذا يعني نجاح إردوغان؟
ويشير تحليل نشرته مجلة “ناشونال إنترست” إلى أنه في حال نجاح إردوغان في انتزاع الرئاسة في الجولة الثانية، فمن المرجح أن يتم تمثيل المشهد السياسي في تركيا بمبادئ “القومية المفرطة، وكراهية المثلية الجنسية، ومعاداة الغرب”.
وأوضح أن حملة كليتشدار ركزت على شعارات “الحقوق وسيادة القانون والعدالة”، واعدا بتحرير البلاد من “الظلم الذي يمارسه إردوغان، ويعيد بناء اقتصاد أكثر إنصافا يستفيد منه المواطن العادي”.
ووسط الترويج لمبادئ مختلفة، يرجح التحليل أن حملة كليتشدار قللت من أهمية “الهوية” والقومية التي يروج لها إردوغان، إذ أنه كان دائما يتحدث أن التصويت للمعارضة من شأنه “إغلاق المسادد، والسماح بزواج مثليي الجنس، وتقويض القيم العائلية في تركيا، ناهيك عن إطلاق سراح الإرهابيين الأكراد”، وهو ما قد يدعم التصويت لإردوغان في جولة الانتخابات الثانية.
ويشير إلى أنه في حال انتزاع إردوغان للرئاسة لـ”خمس سنوات أخرى” سيكون لديه “أغلبية برلمانية”، فيما يخشى البعض أنه سيستغل هذه الفرصة للقضاء على “بقايا الديمقراطية المتبقية”، إذ يخشى صحفيون ووسائل إعلام وأكاديميون من استمرار عدم ترك مجال للهم “للتنفس في بلد يكبح الحريات”.
كما قد تعني عودة إردوغان الاستمرار في الدعوة القضائية المعلقة ضد رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، ما قد يعني فرض حظر سياسي عليه، وفقدانه لحقوقه السياسية، ما يمكن إردوغان من تعيين رئيس بلدية مؤقت غير منتخب، وهو ما كان يرغب فيه منذ فترة طويلة، منذ خسارته أكبر مدينة في البلاد في الانتخابات المحلية لعام 2019.
وبدأت معركة كليتشدار المضادة بفيديو الثلاثاء حدق خلاله مباشرة في الكاميرا وضرب بيده على طاولته عدة مرات قبل أن يضرب على صدره قائلا بصوت مرتفع “أنا هنا! أنا هنا!”.
والأربعاء، كثف زعيم المعارضة من معركته ووصف إردوغان بأنه “زعيم عالمي مزيف” مشيرا أن “روسيا تقوم بتوجيهه الآن” في إشارة إلى علاقات إردوغان الوثيقة مع فلاديمير بوتين.
ولم يتأخر الرئيس التركي في الرد، إذ قال في ظهور متلفز في وقت لاحق إن “كل ما يقومون به هو ضرب الطاولة”.
وتوجه إردوغان بالشكر إلى “صديقي العزيز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين” لموافقته على تمديد اتفاق يسمح بتصدير الحبوب الأوكرانية إلى الأسواق العالمية لشهرين إضافيين.
وتمثل هذه الاتفاقية أحد أهم الانجازات الدبلوماسية لإردوغان مذ ساهم في إبرامها في إسطنبول في يوليو.
ولجأ إردوغان مرارا إلى الاتفاقية في حملته سعيا لإظهار قدرته على رفع مكانة تركيا وتأثيرها على الأحداث العالمية.
وفي انتخابات الأحد، آلت بقية الأصوات للقومي المتشدد، سنان أوغان، الذي تربطه قواسم مشتركة بإردوغان اليميني أكثر من العلماني كليتشدار أوغلو.
وقال أوغان لوكالة فرانس برس إنه “منفتح على الحوار” مع كلا المرشحين للدورة الثانية على رغم أنه يميل لدعوة ناخبيه إلى دعم الرئيس الحالي.
لكنه أكد أن قرار دعم أحدهما على حساب الآخر سيتم اتخاذه “بعد محادثات مع أردوغان وكليتشدار أوغلو”، وإلى أن يتم ذلك “يمكننا القول إننا لا ندعم أيا من المرشحين”.
وذكر إردوغان أنه سيزور مناطق في جنوب شرق البلاد نهاية الأسبوع ضربها زلزال فبراير المدمر الذي أودى بأكثر من 50 ألف شخص. وحافظ الرئيس على الدعم القوي الذي يحظى به في المنطقة على رغم الغضب الذي أبداه سكانها في البداية جراء تأخر عمليات البحث والإنقاذ الحكومية.
وأضاف إردوغان بأن فريقه سيلتقي الناخبين الشباب في إسطنبول وأنقرة في محاولة للفوز في أهم مدينتين في تركيا حيث هزم إمام أوغلو ومنصور يافاش حلفاء إردوغان في انتخابات 2019 البلدية.
ويقول أردوغان إنه وحده الذي يمكنه ضمان الاستقرار في تركيا، الدولة العضو في حلف شمال الأطلسي، في وقت تكافح فيه أزمة ارتفاع كلفة المعيشة وتضخما متصاعدا وتأثير زلازل مدمرة وقعت في فبراير.
حقائق صعبة في مواجهة المعارضة
وإذا أراد كليتشدار أوغلو هزيمة إردوغان في الجولة الثانية من الانتخابات عليه أن يتصرف مثل “الفائز”، إذ بالكاد تم مشاهدته في الأماكن العامة، فيما شوهد إردوغان في عدة مناسبات يخاطب أنصاره.
ويشرح تحليل “ناشونال إنترست” أن أنصار كليتشدار أوغلو محبطون “بشكل مبرر”، ولكنهم على دراية بوجود تحديات خطيرة قد تحول من دون “إجراء انتخابات حرة ونزيهة”، والسؤال الذي يرغبون بشدة في الإجابة عليه هو: ما الذي سيفعله كليتشدار أوغلو وتحالفه؟ كما يجب أن تتبنى قيادة حزب الشعب الجمهوري “تغييرا جادا في الإستراتيجية” إذا أرادوا الفوز.
وتعيد نتيجة الجولة من الانتخابات سؤال إلى الواجهة “ما إذا كان كليتشدار أوغلو هو أفضل مرشح لمواجهة الزعيم التركي المهمين، إذ يوجد في داخل حزبه من كانوا أكثر شعبية او يتمتعون بشخصية كازماتية”، وفقا لتقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست.
جوكي ساري (24 عاما) مؤيدة للمعارضة تحدثت للصحيفة عن النقاط العمياء “للمعارضة، إذ أفترضوا أن الناخبين كانوا غاضبين من الاقتصاد الكئيب والاستجابة غير الكافية للزلزال المميت” لكن هذه المخاوف لم تظهر يوم الانتخابات.
وذكرت تقارير إعلامية أن كيليتشدار أقال أركان فريق العلاقات العامة التابع له وسيعهد بقيادة حملته الانتخابية الى رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو المعروف بشخصيته الانفعالية وعلاقته المتوترة مع إردوغان، بحسب تقرير لوكالة فرانس برس.
ويشكل تسليم زمام الحملة إلى إمام أوغلو وواضعة استراتيجيات رئيس البلدية جنان قافتنجي أوغلو تحولا بالنسبة لزعيم المعارضة التركية.
ونقلت “واشنطن بوست” عن مسؤول في حزب الشعب الجمهوري إن الروح المعنوية بين أنصار كليتشدار أوغلو “منخفضة”، مضيفا “أننا لا نتخلى عن الأمل”.
وقال المسؤول الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته “إنهم فوجئوا بعدد الأصوات التي ذهبت إلى الحزب الحاكم، وكذلك لشريك أردوغان اليميني المتشدد في التحالف”.
وأشار إلى أن أحد عوامل الهزيمة في الجولة الأولى كانت ديانة كليتشدار أوغلو “العلوي”، مؤكدا أن “التحيز لم يكن قويا بين الشباب، لكنه موجود في الأجيال الأكبر سنا”.
وأعلن حزب الشعب الجمهوري، الأربعاء، إنه يعترض على ما أسماه “أخطاء” في فرز الأصوات في عدة مدن، من دون الإشارة إلى أن هذه الأخطاء تعني تغييرا في نتائج الانتخابات.
ونقلت الصحيفة عن ناخبين أتراك أن “المعارضة التركية ربما أخطأت في قراءة السياسة المتغيرة لأصغر الناخبين في تركيا”، ناهيك عن التعهدات التي أطلقها كليتشدار أوغلو بإعادة “اللاجئين السوريين إلى بلادهم في غضون عامين”.
ويحاول كليتشدار أوغلو استمالة الناخبين بخطاب قومي جديد، واتهم إردوغان، الأربعاء، بالسماح لعشرة ملايين مهاجر بدخول البلاد بطريقة غير شرعية، في تحول إلى نزعة قومية في خطابه، بحسب تقرير لوكالة رويترز.
ولم يقدم كليتشدار أوغلو أي دليل على عدد المهاجرين، حيث تستضيف تركيا أكبر عدد من اللاجئين في العالم يبلغ نحو أربعة ملايين، بحسب الأرقام الرسمية.
تترافق المرحلة الثانية للحملة مع اضطرابات في الأسواق التركية هبطت الليرة التركية على إثرها إلى مستويات تاريخية أمام الدولار، وفق تقرير لوكالة فرانس برس.
وبدأ المستثمرون يأخذون في الاعتبار احتمال فوز إردوغان، مع ما يعنيه ذلك من استمرارية طويلة الأمد لسياساته الاقتصادية غير التقليدية.
وتنبع كلفة تأمين انكشاف الديون التركية من المخاوف المرتبطة بإمكانية مواجهة القطاع المصرفي للبلاد الذي كان مزدهرا في الماضي، صعوبات كبيرة في الفترة المقبلة.
وفرض قرار إردوغان إرغام المصرف المركزي التركي على مكافحة التضخم المرتفع لمستويات تاريخية عبر معدلات فائدة أدنى، ضغوطا غير مسبوقة على الليرة.
ويعتقد محللون بأن إردوغان حاول دعم الليرة قبيل الانتخابات عبر تدخلات غير مباشرة في السوق انعكست سلبا على احتياطيات العملة الصعبة. وأدخلت حكومته أيضا قواعد تلزم المصارف شراء المزيد من الليرات باستخدام احتياطاتها الأجنبية.
وحذر محللون من أن تركيا قد تضطر لفرض قيود على الأرصدة ما لم يغير إردوغان سياسته بعد أن تعهد بإبقاء معدلات الفائدة منخفضة طالما أنه في المنصب.
وذكرت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني أن “تركيزنا بعد الانتخابات سيكون على مسألة إن كانت السياسات المالية والنقدية ستصبح أكثر مصداقية وثباتا”.
الحرة / ترجمات – واشنطن
——————–
كيف تنظر واشنطن لنتائج الانتخابات التركية؟/ طارق الشامي
الجولة الأولى خيبت آمال الغرب وقد يفضل في النهاية “الشيطان الذي يعرفه”
بعد التأكد من جولة إعادة ثانية للانتخابات التركية بين أبرز متنافسين، تراقب واشنطن الانعكاسات التي يمكن أن تترتب على علاقتها المستقبلية بتركيا سواء استمر الرئيس رجب طيب أردوغان في الحكم، أو تمكنت المعارضة التركية بقيادة كليتشدار أوغلو من إزاحته من السلطة بعد 20 عاماً من حكم البلاد، بخاصة في ظل علاقة تركيا المتنامية مع روسيا ورفضها انضمام السويد لتحالف “الناتو” واستمرار التوجه نحو تطبيع العلاقات مع النظام السوري الذي ترفضه واشنطن، فكيف تنظر العاصمة الأميركية إلى مآلات هذه النتيجة وتوقعاتها المحتملة؟
في وضع جيد
بعد أن أشارت استطلاعات الرأي قبيل الانتخابات التركية إلى أن أزمة غلاء المعيشة والانتقادات بشأن استجابة الحكومة للزلزال المدمر الذي ضرب البلاد في فبراير (شباط) الماضي قد يعيد رسم الخريطة الانتخابية، إلا أن نتيجة الجولة الأولى من الانتخابات كشفت أن تراجع أردوغان (69 سنة) كان أقل مما كان متوقعاً، كما أنه مع احتفاظ تحالفه الحزبي بقبضته على البرلمان (فاز بـ 321 من 600 مقعد)، أصبح الرئيس التركي الآن في وضع جيد للفوز في الجولة الثانية المقررة في 28 مايو (أيار) الحالي، بما يسمح له بمد حكمه إلى عقد ثالث، بعدما اكتسب ميزة في جولة الإعادة النهائية قد تسمح له القول إنه يجب أن يفوز لتجنب انقسام الحكومة التي يمكن أن تعرقل الأداء الفعال للدولة، بحسب ما يشير بعض المراقبين الأميركيين.
ومع ذلك، فإن الجولة الثانية وطريقة تصويت أنصار المرشح الثالث سنان أوغان من القوميين الأتراك، ستحدد بشكل نهائي، ما إذا كانت دولة حلف “الناتو” ذات الموقع الاستراتيجي ستظل تحت قبضة الرئيس أردوغان الحازمة أو يمكنها الشروع في مسار أكثر ديمقراطية وعد به منافسه الرئيسي أوغلو، وهو ما تطمح إليه الولايات المتحدة وغالبية دول الاتحاد الأوروبي، حتى يمكن لها التعامل بشكل أكثر راحة وديناميكية مع دولة مهمة استراتيجياً، تقع عند مفترق طرق بين الشرق والغرب، مع ساحل على طول البحر الأسود وتمتلك حدوداً مع إيران والعراق وسوريا، وظلت لاعباً رئيساً في قضايا تشمل الحرب في سوريا، وتدفق الهجرة إلى أوروبا، وصادرات الحبوب الأوكرانية إلى دول العالم، وتوسع حلف “الناتو”.
وعلى رغم أن كليتشدار (74 سنة)، وحزبه حققا تقدماً في الجولة الأولى ويراهنان على تصويت القوميين الأتراك إلى جانبهما رغبة في التغيير، إلا أن زعيمهم، المرشح الثالث أوغان، الذي حصد أكثر من خمسة في المئة من الأصوات، غير مقتنع بقدرة التحالف السداسي بقيادة كليتشدار على الحكم، كما أنه إذا شارك القوميون الأتراك في تصويت جولة الإعادة فإن معظمهم من المرجح أن يختاروا أردوغان، نظراً لأن لديهم مشاعر معادية للغرب بحسب ما تشير صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير لها.
ومثلما استغل أردوغان موارد الدولة في الفترة التي سبقت الانتخابات بحرية لتحسين فرصه الانتخابية، ورفع رواتب موظفي الخدمة المدنية والحد الأدنى للأجور، وأطلق العنان للإنفاق الحكومي في محاولة لعزل الناس من الآثار الفورية لارتفاع التضخم، فمن المرجح أن يعمد إلى إطلاق المزيد من هذه الإجراءات من الآن وحتى جولة الإعادة، وهو ما يعزز من حظوظه الانتخابية.
غير أن تصريحات أوغان السابقة تؤكد أنه من الصعب التنبؤ لمن ستذهب أصوات تحالف القوميين الأتراك المتشدد، ذلك أنه أوضح أن الأمر سيعتمد على المفاوضات التي سيجريها هذا التحالف مع المرشحين المتبقين في السباق الرئاسي.
مصير أردوغان
وكان مصير أردوغان مثيراً للاهتمام بشكل خاص في الولايات المتحدة، وهو من أثار حيرة وإحباط واشنطن وشركائها الغربيين، وفي الوقت نفسه، واجه استياء متزايداً في الداخل بسبب ارتفاع التضخم والدمار الذي أحدثته الزلازل في فبراير والتي أودت بحياة أكثر من 50 ألف شخص في جنوب تركيا.
لكن الناخبين الأتراك لم يعطوا الأولوية للسياسة الخارجية في صناديق الاقتراع، إذ يبدو أن قرار أردوغان بتصعيد الخطاب القومي ضد المتشددين الأكراد وضد المهاجرين السوريين خلال الحملة قد أتى بثماره، سواء بالنسبة له أو لتحالفه البرلماني المحافظ.
ومع ذلك، فقد تمكن أردوغان خلال رئاسته الطويلة من إرباك رؤساء الولايات المتحدة المتعاقبين، وبخاصة في الآونة الأخيرة، حين أزعج تعامله مع زميله القوي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الولايات المتحدة في سعيها لإنقاذ سيادة أوكرانيا بعد هجوم موسكو قبل أكثر من عام.
وستكون لمصير أردوغان تداعيات كبيرة ليس فقط على ديمقراطية بلاده، التي عمل على إضعافها، ولكن أيضاً على السياسة الخارجية للولايات المتحدة، فعلى رغم أن تركيا حليف في “الناتو”، إلا أن أردوغان غالباً ما أحبط واشنطن من خلال التقرب من روسيا والتقارب مع النظام السوري الذي رفضته واشنطن وحذرت من تداعياته، ورفض عضوية السويد في حلف “الناتو”.
تحديد رئاسة بايدن
لا يعتبر العديد من علماء السياسة تركيا دولة ديمقراطية خالصة، ويرجع ذلك إلى القوة الهائلة التي يمارسها الرئيس وقدرته على تشكيل الساحة السياسية، لكن نضال الرئيس أردوغان للتشبث بالسلطة في انتخابات تركيا، يعتبر أحدث تطور في قصة رجال أقوياء طموحين سواء كانوا حول العالم أو في داخل أميركا، يحددون بالفعل رئاسة جو بايدن.
ووفقاً لتقرير نشرته شبكة “سي أن أن”، ستهيمن على إرث بايدن النهائي في البيت الأبيض مواجهته مع بوتين وتنشيط التحالف عبر الأطلسي لدعم الديمقراطية في أوكرانيا بخط دعم مستمر بمليارات الدولارات من المساعدات العسكرية والاقتصادية والإنسانية.
ويتفاقم التحدي الأكثر أهمية للسياسة الخارجية الأميركية في الصعود القوي للصين الأكثر قومية من قبل الرئيس شي جينبينغ الذي يقدم للعالم نموذجاً سياسياً بديلاً للديمقراطية الغربية ويتحدى بشكل متزايد المصالح العالمية للولايات المتحدة، كما ابتعد بايدن في الفترة الأخيرة أيضاً عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بسبب المحاولات المتوقفة الآن لإصلاح القضاء، والتي يقول بعض الخبراء الأميركيين إنها ستسمح لحكومته اليمينية المتشددة بتقليص الديمقراطية.
تهديد للديمقراطية في الداخل
لكن لا أحد من هؤلاء القادة يشكل تهديداً وجودياً للديمقراطية الأميركية، إذ إن الخطر يأتي للمرة الأولى منذ أجيال من داخل الولايات المتحدة، حيث أظهر الرئيس السابق دونالد ترمب، وهو الأوفر حظاً للفوز بترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة لعام 2024 حتى الآن، أنه يزدري الديمقراطية الأميركية، حين كرر مزاعمه بأنه فاز بإعادة انتخابه في عام 2020 وتقليله حادث هجوم أنصاره على مبنى “الكابيتول” في السادس من يناير (كانون الثاني) عام 2021، وتأكيده أنه سيعيد الدبلوماسية الأميركية إلى الأيام التي كان يستمتع فيها بالجلوس مع القادة الأقوياء في اجتماعات قمة تضم قادة مثل بوتين والزعيم الكوري الشمالي كيم يونغ أون، كما وعد أتباعه بهدم مؤسسات الحكم والنظام القضائي الذي يسعى إلى محاسبته في تحقيقات جنائية متعددة.
ولهذا يؤكد الرئيس بايدن أن معركة الديمقراطية لا تزال معركة من أجل روح الأمة الأميركية، ودعا إلى بذل جهد جديد لمواجهة الهجوم على الانتخابات الأميركية والحق في التصويت، ولعل هذا هو أحد أبرز الأسباب التي دفعته في جامعة “هوارد” قبل أيام إلى شن هجوم ضد القوميين البيض في أميركا واعتبرهم أكبر تهديد للديمقراطية في الولايات المتحدة.
مصدر إزعاج للغرب
لطالما تذرع بايدن بالنضال الدولي للحفاظ على الديمقراطية لاستكمال الصراع الذي يقول إنه يخوضه في الداخل، وفي قمة الديمقراطيات التي عقدها في البيت الأبيض في مارس (آذار) الماضي، امتدح رئاسته والجهود الغربية الهائلة لإنقاذ أوكرانيا كعلامة فاصلة في التاريخ لإبقائها بعيداً من الحكم الاستبدادي وكذلك كعلامة على إحياء الديمقراطية في أجزاء تمتد من آسيا إلى أفريقيا.
ومن هذا الدافع الأميركي، ربما تؤدي هزيمة أردوغان إلى إزاحة زعيم ظل يعمل لمدة عقدين من الزمن لإضعاف تأثير المؤسسات الديمقراطية في تركيا، مثل المحاكم والصحافة وقواعد القوة الاقتصادية الرئيسة، ولكن إذا فاز بولاية جديدة، من المرجح أن يزيد أردوغان من تقليص الحريات مع الاستمرار في إحباط القادة الغربيين، بعدما منع دخول السويد إلى “الناتو” بعد أن قرر قادتها الانضمام إلى الحلف في أعقاب هجوم بوتين على أوكرانيا، وطالب بقمع الأكراد في المنفى بالسويد الذين يعتبرهم إرهابيين، وهي خطوة كانت مثالاً كلاسيكياً على كيفية تعزيز أردوغان لمصالحه، ومصالح تركيا اسمياً، بغض النظر عن هياكل التحالف القائمة ولماذا كان يمثل مصدر إزعاج للغرب.
معضلة تقليدية
في المقابل، كان كليتشدار أوغلو يتحدث بعبارات متشابهة للغاية عن الحاجة إلى الحفاظ على الديمقراطية كما يفعل بايدن في الولايات المتحدة، وكان هذا الصدى المتماثل في خطابهما علامة أخرى على الكيفية التي تغيرت بها الأمور، على اعتبار أن أميركا تعتبر نفسها الحارس القديم للديمقراطيات في الخارج على رغم أنها تواجه الآن التهديدات نفسها.
ولهذا لم يكن غريباً أن يلمح بايدن، الأحد الماضي، في تعليقه على الانتخابات التركية، إلى أن هناك مشكلات كافية في هذا الجزء من العالم، لكنه يتمنى أن يفوز من يفوز، ما يشير إلى معضلة تقليدية تعمل منذ زمن بعيد على تعقيد السياسة الخارجية الأميركية، وهي ما يجب فعله عندما تتعارض القيم الديمقراطية الأميركية مع المصالح الاستراتيجية للبلاد في الخارج.
الشيطان الذي نعرفه
وكما تقول يفيغينا جابر الخبيرة في الشؤون التركية بالمجلس الأطلسي في واشنطن، فإنه على رغم أن نتيجة الجولة الأولى كانت مخيبة للآمال بالنسبة للغرب، يبدو أن التوقعات إزاء الجولة الثانية ستكون تفضيل “الشيطان الذي نعرفه”، بعدما نجحت قليلاً محاولات أردوغان لبث الشكوك حول افتقار أوغلو إلى الخبرة الدولية، فهو لا يتحدث الإنجليزية وليست لديه خبرة في السياسة الخارجية.
وفي حين يعتبر أوغلو ناشطاً متواضعاً، ورجلاً لائقاً تماماً للمنصب، إلا أن ائتلافه ثبت أنه محدود للغاية في ما يتعلق بتفاصيل السياسة، كما ثبت أن أوغلو كان عرضة لاتهامات بأنه ضعيف على الصعيد الأمني وغير جاهز للظهور في أوقات الذروة.
—————————-
=======================
تحديث 16 أيار 2023
—————————
الانتخابات التركية: دورة ثانية يحسمها أوغان وبرلمان منقسم
تكوين البرلمان الجديد لن يسمح لأي من الأحزاب أو التحالفات بتنفيذ سياساتهم الخاصة كما يرغبون
عمر اونهون
أسفرت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي طال انتظارها والتي أجريت في 14 مايو/أيار عن جولة ثانية للانتخابات الرئاسية، وبرلمان جديد من دون أغلبية واضحة لأي من الأحزاب أو التحالفات؛ حيث لم يتمكن أي من المرشحين الرئاسيين من تجاوز عتبة الـ50 في المئة.
سيُحشد أكثر من 64 مليون ناخب مسجل مرة أخرى للجولة الثانية التي ستجرى يوم 28 مايو/أيار بين المرشحَيْن اللذين حصلا على أكبر عدد من الأصوات، وهما رجب طيب أردوغان وكمال كليشدار أوغلو.
(من المهم التأكيد على أن هذا التحليل كتب على أساس الوضع القائم اعتبارا من صباح يوم الاثنين. إذ تم فتح وإحصاء 99 في المئة من صناديق الاقتراع في تركيا و84 في المئة من الصناديق في الخارج. فيما بقي عدد قليل من الصناديق بانتظار إحصائها، ومن المتوقع إعلان النتائج الرسمية يوم الثلاثاء 16 مايو 2023).
للتسجيل في النشرة البريدية الاسبوعية
نتائج الانتخابات الرئاسية:
حصل المرشحون على النسب وعدد الأصوات التالية:
رجب طيب أردوغان: 49.42 في المئة (26,859,313 صوتا)
كمال كليشيدار أوغلو: 44.95 في المئة (24,430,618 صوتا)
سنان أوغان: 5.20 في المئة (2,824,118 صوتا)
محرم إينجه: 0.43 (235,618 صوتا)
في الانتخابات التي جرت عام 2018، كان هناك 6 مرشحين وفاز أردوغان من الجولة الأولى بنسبة 52.59 في المئة من الأصوات. في حين حصل أقرب منافسيه على 30.64 في المئة من الأصوات.
وقد بلغت نسبة المشاركة في انتخابات الأمس 87.6 في المئة مقابل 88.19 في المئة عام 2018.
وبمقارنة نتائج عامي 2023 و2018، فإن أردوغان لم يتمكن من الفوز من الجولة الأولى وحصل على أصوات أقل بنسبة 4 في المئة تقريبا.
ولكن، شكلت نتيجة الجولة الأولى بشكل عام نجاحا لأردوغان وخيبة أمل لكليشيدار أوغلو.
تنافس “تحالف الأمة” بقيادة كمال كليشدار أوغلو و”تحالف الشعب” بزعامة رجب طيب أردوغان على 600 مقعد في البرلمان.
ويضم تحالف الأمة؛ حزب الشعب الجمهوري (CHP)، والحزب الديمقراطي (DP)، وحزب الديمقراطية والتقدم (DEVA)، وحزب المستقبل (GP)، والحزب الخيّر (İYİP)، وحزب السعادة (SP).
أما تحالف الشعب فيتألف من: حزب العدالة والتنمية (AKP)، وحزب الوحدة الكبرى (BBP)، وحزب الحركة القومية (MHP)، وحزب الرفاه الجديد (RP)، وحزب الدعوة الحرة (HüdaPar)، وحزب اليسار الديمقراطي (DSP).
نتائج الانتخابات النيابية:
ومرة أخرى، يُعد حزب العدالة والتنمية الحزب الذي يتمتع بأكبر عدد من النواب في البرلمان على الرغم من خسارته (مقارنة بعام 2018) لحوالي 7 في المئة من أصواته وخسارة 28 مقعدا لمصلحة المعارضة.
فيما يلي نتائج الانتخابات النيابية يوم 14 مايو 2023:
– حزب العدالة والتنمية (AKP) يميني محافظ:
انتخابات 2023: حصل على 18,548,790 صوتا، أي 35.56 في المئة (266 نائبا).
انتخابات 2018: حصل على 21,338,693 صوتا، أي 42.56 في المئة (295 نائبا(.
– حزب الشعب الجمهوري (CHP) يسار الوسط / الاشتراكي الديمقراطي:
انتخابات 2023: حصل على 13,367,565 صوتا، أي 25.63 في المئة (169 نائبا).
انتخابات 2018: حصل على 11,354,190 صوتا، أي 22.65 في المئة (146 نائبا(.
– حزب العمل القومي، قومي متطرف بطعم المحافظة:
انتخابات 2023: حصل على 5,235,031 صوتا، أي 10.04 في المئة (50 نائبا).
انتخابات 2018: حصل على 5,565,331 صوتا، 11.10 في المئة (49 نائبا).
– الحزب الخيّر (IYİP) يمين الوسط، قومي:
انتخابات 2023: حصل على 5,195,641 صوتا، أي 9.96 في المئة (44 نائبا).
انتخابات 2018: حصل على 4,993,479 صوتا، أي 9.96 في المئة (43 نائبا).
– حزب الشعوب الديمقراطي (HDP) يخوض الانتخابات كحزب اليسار الأخضر (YSP)، ويهيمن عليه الأكراد
انتخابات 2023: حصل على 4,574,258 صوتا، أي 8.77 في المئة (62 نائبا).
انتخابات 2018: حصل على 5,867,302 صوتا، 11.70 في المئة (67 نائبا).
واتصف أداء الأحزاب السياسية الأخرى من كلا التحالفين، والتي شاركت في الانتخابات تحت راية خاصة بها بالضعف، باستثناء حزب الرفاه الجديد الديني. إذ إنه نجح في كسب 5 نواب بزعامة فاتح أربكان، والذي كان قد ضمن بالفعل مقاعده من خلال قوائم حزب العدالة والتنمية.
كما فشل حزب الوطن بقيادة المرشح الرئاسي محرم إينجه، والذي انسحب فيما بعد. وكذلك فشل حزب النصر اليميني المتطرف المناهض للهجرة في الفوز بمقاعد نيابية.
في حين احتفظ حزب العمال التركي الاشتراكي بـ4 نواب.
أما من ناحية التحالفات، فقد جاءت النسبة المئوية للأصوات وعدد النواب على النحو التالي:
– تحالف الشعب: 49.4 في المئة (321 نائبا).
– تحالف الأمة 35.1 في المئة (213 نائبا).
– تحالف العمل والحرية: 10.5 في المئة (66 نائبا).
– تحالف آتا: 2.5 في المئة (0 نواب).
إن تكوين البرلمان الجديد لن يسمح لأي من الأحزاب أو التحالفات بتنفيذ سياساتهم الخاصة كما يرغبون أو إدارة التغييرات.
فعلى سبيل المثال، لا يستطيع أي حزب أو تحالف تعديل الدستور. إما أن يصوت الثلثان أي 400 نائب في البرلمان لصالح التعديل، أو يجب أن تُحال المسألة إلى استفتاء بدعم من ثلثي البرلمان أي 360 نائبا.
بقيت الخريطة السياسية لتركيا على حالها، إذ إن حزب العدالة والتنمية وتحالف الشعب يهيمنان على مناطق وسط الأناضول، وشرق الأناضول والبحر الأسود، بينما يسيطر تحالف الأمة على مناطق بحر إيجة والبحر الأبيض المتوسط وتراقيا.
ووفقا لكليشدار أوغلو وتحالف الأمة، فإنهم استطاعوا المحافظة على عدد الأصوات بل وزادوها في بعض الحالات في إسطنبول وأنقرة وإزمير، بالإضافة إلى المدن السياسية الحرجة مثل أضنة وأنطاليا وبولو وإسكيشيهير ومرسين.
عملية الانتخاب وتحليل النتائج
واجه رجب طيب أردوغان، وهو الذي حكم تركيا طوال 20 عاما، كرئيس للوزراء (من 2003 إلى 2014) ورئيس للبلاد (من 2014 إلى 2023) أصعب انتخابات له منذ ذلك الحين.
ودخل أردوغان وحزبه هذه الانتخابات وهم موسومون بكثير من العيوب. إذ تعاني تركيا من حالة من التعب بعد أكثر من عقدين من الحكم. وتشهد تركيا أزمة اقتصادية خطيرة. وكان الزلزال المدمر في 6 فبراير/شباط كارثة رئيسة يجب على الحكومة مواجهتها. وظهرت اتهامات بالفساد، وبالصفقات التجارية المافياوية، وفضائح جنسية تتعلق بأردوغان ووزراء حزب العدالة والتنمية وأعضاء مهمين في الحزب أيضا، شكلت تلك جميعها مشكلة خطيرة.
لقد كان لأردوغان وحزبه اليد العليا في الانتخابات السابقة، وقادوا العملية الانتخابية. في حين بدت المعارضة وكأن لها اليد الطولى فأدارت، كما يبدو، حملة انتخابية ناجحة هذه المرة.
وقد اتسمت حملة أردوغان بالعدوانية وهدفت إلى تشويه سمعة خصمه.
لقد استند أردوغان في حملته إلى السياسات الأمنية. وتعهد بمواصلة محاربة حزب العمال الكردستاني “بغض النظر عما يقوله العالم”. وصرح قائلا: “لم تعد تركيا بحاجة إلى إذن من الخارج لاتخاذ إجراءات للدفاع عن نفسها”. وشدد أردوغان أيضا على الإنجازات التي تحققت في مجال الدفاع، مشيرا إلى أن “تركيا لم تعد بحاجة إلى أجهزتهم لأنها الآن قادرة على إنتاج كل ما تحتاجه تقريبا لمحاربة أعدائها”.
كما صوّر أردوغان كليشيدار أوغلو على أنه شخص يعمل يدا بيد مع المنظمات الإرهابية ويسعى للتراجع عن كل ما تحقق في عهده، لا سيما في مجال مكافحة الإرهاب وصناعة الدفاع.
واشتكت المعارضة من كمية الظلم والانحياز لصالح أردوغان خلال عملية الدعاية الانتخابية. وأكدوا استغلاله لامتيازاته كرئيس، بالإضافة لاستغلاله لموارد الدولة بشكل مطلق ولوسائل الإعلام، إلا أن هذه المزاعم لم تثن أردوغان.
ومن ناحية أخرى، امتنعت المعارضة عن شن حملات عدوانية واعتمدت نبرة تصالحية بدلا من ذلك. وأدهش كليشدار أوغلو الكثيرين بهدوئه، وشبهه أنصاره بمعالج يعمل على شفاء الجروح دون أي طموحات شخصية.
يترأس كليشدار أوغلو حزب الشعب الجمهوري (CHP) منذ عام 2010. وعلى الرغم من تعرضه لخسارات انتخابية متعددة، إلا أنه تمكن من النهوض بالحزب وتعزيز دوره. إذ فاز حزبه في الانتخابات البلدية في مارس/آذار 2019، وتمكن من بناء تحالف الأمة والحفاظ عليه.
وكانت المعارضة متفائلة بوجود خلفية كهذه. إذ أظهرت استطلاعات الرأي تفوق كليشدار أوغلو، كما أشار بعضها إلى إمكانية فوزه في الجولة الأولى بهامش 2 إلى 5 في المئة. لكنهم أصيبوا بخيبة أمل؛ حيث حقق تحالف الشعب بقيادة أردوغان نتائج أفضل مما كان متوقعا.
كان من المفترض أن يشكل الاقتصاد الموضوع الرئيس لهذه الانتخابات، حيث تعاني تركيا من تضخم عال جدا وارتفاع حاد في تكاليف المعيشة وعجز تجاري وانخفاض في قيمة الليرة التركية. ولام كثيرون سياسات أردوغان الاقتصادية معتبرين أنها السبب في هذه الأزمات.
ولكن، يبدو أن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة للجميع؛ إذ تمكن أردوغان من وضع القضايا الأمنية في مقدمة الاهتمامات والدفع بالقضايا الاقتصادية إلى الخلف. ونجح في إقناع الناس بأنه وعلى الرغم من وجود مشاكل اقتصادية، إلا أنه سيصلح الأمور إذا تم انتخابه. كما أن أنصاره لم يبد أنهم كانوا مهتمين كثيرا بتهم الفساد التي وجهت إليه.
ونجح أردوغان أيضا في إقناع الناس بجهوده ووعوده لإعادة الإعمار في المناطق التي تضررت بسبب الزلزال. وعلى الرغم من وجود بعض الخسائر الصغيرة نسبيا، إلا أنه استطاع المحافظة على تأييد ناخبيه حتى في المناطق الأكثر تضررا جراء الزلزال.
أما بالنسبة للأحزاب الأخرى، فقد فاجأ حزب الحركة القومية (MHP)، شريك حزب العدالة والتنمية، الجميع بأدائه. إذ تضرر حزب القوميين والذئاب الرمادية من عدة تطورات، بما فيها ارتكاب قائده دولت بهجلي لكثير من الأخطاء الفادحة، إضافة إلى مقتل أحد أعضائه المعروفين، والذي قيل إنه كان ضحية لسياسات الحزب الداخلية والتعاملات التجارية غير القانونية. إلا أن الحزب استطاع المحافظة على جوهره ومكانته في الساحة السياسية.
ومن ناحية أخرى، قدم الحزب الخيّر (İYİP)، وهو الحزب القومي الآخر في تركيا، والذي تأسس بعد انشقاق بعض أعضاء حزب الحركة القومية، قد أداءً ضعيفا. ويقال إن بعض أعضاء الحزب ومؤيديه القوميين التقليديين امتنعوا عن التصويت لكليشدار أوغلو وصوتوا بدلا من ذلك للمرشح الرئاسي القومي سنان أوغان.
وكما كان متوقعا، لم تتمكن الأحزاب الصغيرة داخل تحالف الأمة (حزب الديمقراطية والتقدم وحزب المستقبل والحزب الديمقراطي وحزب السعادة) من تقديم مساهمة كبيرة. وقد احتج أنصار حزب الشعب الجمهوري منذ البداية على منح هذه الأحزاب مكانة مساوية على الرغم من ضآلة نسبة أصواتهم. ودخلت هذه الأحزاب الأربعة الانتخابات ضمن قوائم حزب الشعب الجمهوري لأنها لن تكون قادرة وحدها على الحصول على النسبة المئوية المطلوبة إذا شاركت ضمن قوائم خاصة بها. وفازت الأحزاب الأربعة بإجمالي 37 نائبا، وهو رقم يفوق بكثير مساهماتها من حيث الأصوات التي استطاعت تقديمها.
وكان من المتوقع أن يصبح لحزب الشعب الديمقراطي (HDP)، الذي شارك في الانتخابات تحت اسم حزب اليسار الأخضر (GLP)، لتجنب الحظر، دور مهم في المرحلة السياسية الجديدة. فبفضل أصواته، تمكن كليشدار أوغلو من الحصول على نسبة كبيرة من الأصوات في جنوب شرقي تركيا. وعلى الرغم من الدور الكبير الذي سيلعبه الحزب في البرلمان بعد حصوله على 62 نائبا، إلا أنه لم يتمكن من تحقيق التوقعات، إذ إنه حصل على نسبة 8.8 في المئة فقط، مع أن الاستطلاعات كانت قد قدرت حصوله على نسبة 10-11 في المئة.
وأصبح سنان أوغان، المرشح الرئاسي عن تحالف آتا، نجم الانتخابات. إذ تمكن من الحصول على 5.2 في المئة من الأصوات ويحمل الآن مفتاح الجولة الثانية. استطاع أوغان اجتذاب أصوات القوميين الذين لم يكونوا راضين عن حزب الحركة القومية والحزب الخيّر. كما صوت له بعض مؤيدي المرشح الرئاسي محرم إينجه، الذي انسحب بعد الفضيحة التي تسبب بها نشر فيديو جنسي له على وسائل التواصل الاجتماعي.
وصرح أوغان أنه سيتحدث إلى كل من أردوغان وكليشدار أوغلو، وأن اختياره للمرشح الذي سيدعمه يتعلق بشكل أساسي بتوافقه معهم في مواضيع مكافحة الإرهاب والسياسات الاقتصادية. وأضاف أيضا أنه سينتظر منهم تقديم خدمات له في مقابل دعمه لهم، مثل حصوله على مناصب في الحكومة.
ماذا سيحدث بعد ذلك:
سوف تمر تركيا بأسبوعين شاقين آخرين.
ومن الواضح أن أردوغان يملك اليد العليا في هذه الانتخابات، بعد خسارته للجولة الأولى بنسبة 0.6 في المئة فقط، أما كليشدار أوغلو فسيحتاج إلى 5 في المئة إضافية من الأصوات.
وتبين أن اليمين واليمين المتطرف هما الفائزان في انتخابات 14 مايو/أيار. إذ إن القوميين من جميع الأحزاب هم من حددوا النتائج. ومن المرجح أن يستمر هذا التوجه في الجولة الثانية.
ويبدو سنان أوغان اليوم كصانع للملوك، إذ إن اختيار أنصاره للمرشح هو ما سيحسم النتيجة.
وعلى الرغم من التوتر والانقسامات العميقة، مرت الحملة الانتخابية- باستثناء بعض الحوادث- والجولة الأولى من التصويت بهدوء كبير. إلا أن الأمر قد لا يكون كذلك بالنسبة للجولة الثانية، فهناك الكثير على المحك بالنسبة لكلا الجانبين.
المجلة
———————————
أردوغان وكلجدار أوغلو في جولة انتخابات ثانية: ما حظوظ المرشّحَين للرئاسة التركية؟/ صدام الكمالي
ستعيش تركيا جولة انتخابات ثانية في 28 مايو/ أيار الحالي، في معركة تهدف إلى حسم المنافسة على السباق الرئاسي بين الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، ومرشح المعارضة كمال كلجدار أوغلو، وفق ما أعلن رئيس الهيئة العليا للانتخابات في تركيا أحمد ينار أمس الاثنين.
وانتهت الانتخابات، التي عاشتها تركيا أول من أمس الأحد، من دون حصول أي من المرشحين على نسبة 50+1، إذ حصل أردوغان على 49.51 بالمائة من أصوات الناخبين، مقابل 44.88 بالمائة لكلجدار أوغلو.
والمفاجئة التي حدثت في هذه الانتخابات كانت حصول سنان أوغان، المرشح عن تحالف “أتا”، على أكثر من 5 بالمائة من أصوات الناخبين، وهو ما يعني تحوّله إلى لاعب حاسم في هذه الانتخابات، إذ سيتركز الكثير من الاهتمام عليه باعتباره من يمتلك مفاتيح تعزيز فرص الفائز بالجولة الثانية.
من يدعم أوغان في الجولة الثانية؟
هذا هو السؤال الذي يشغل بال الجميع في تركيا وخارجها، إذ يترقب الجميع أي وجهة سيدعمها أوغان، الذي ينتمي إلى التيارات القومية المتطرفة، ويضع شرطاً صعباً أمام كلجدار أوغلو مقابل التحالف معه، وهو وقف تعاونه مع حزب الشعوب الديمقراطي المتهم بعلاقة عضوية مع حزب العمال الكردستاني، ما يعني خسارة كلجدار أوغلو ما يفوق 10 بالمائة من الأصوات يضمنها له حزب الشعوب الديمقراطي.
ويدعم حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد كلجدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية، في حين أنّ حزب هدى بار (حزب الهدى) الكردي الإسلامي يدعم أردوغان، وهو ما يعني أنّ المرشحين يواجهان نفس الأزمة في تحالفهما مع أوغان، إلا أنّ بعض المحللين يرون أنّ مرشح تحالف “أتا” أقرب للتحالف مع أردوغان.
وفي أحدث تصريحاته يوم الاثنين، قال أوغان إنّه لا يمكن أن يدعم كلجدار أوغلو في جولة الإعادة، “إلا إذا وافق على عدم تقديم تنازلات لحزب مؤيد للأكراد”.
ويرى المحلل السياسي التركي برهان كور أوغلو، في حديث مع “العربي الجديد”، أنّ “تحالف المرشح سنان أوغان مع مرشح المعارضة غير مرجح، لأن الأول يمثل توجهاً قومياً، في وقت يتحالف كلجدار أوغلو مع حزب له علاقة بحزب العمال الكردستاني، وهذا يخالف توجهات أوغان الذي يهتم بوحدة الأراضي التركية”، مضيفاً: “أعتقد أنّ الذين صوتوا لأوغان سيدلون بأصواتهم لصالح أردوغان”.
ويتفق الباحث التركي أوزجان أويصال، في حديث مع “العربي الجديد”، مع رأي برهان أوغلو، موضحاً أنّ الطرفين سيركزان الآن على استمالة سنان أوغان، لكنه قال إنّ الأخير أقرب للاتفاق مع أردوغان.
ويضيف أويصال: “لا أدري هل يطيع مناصرو أوغان مرشحهم إذا طلب منهم التصويت لأردوغان وهم يريدون التغيير، لا أدري”.
ما حظوظ أردوغان في الجولة الثانية؟
بدا أردوغان منتصراً عندما ظهر أمام حشد كبير من مؤيديه من شرفة مقر حزب “العدالة والتنمية” في العاصمة أنقرة، بُعيد منتصف ليل الأحد – الاثنين، ليعلن جاهزيته لخوض جولة انتخابات رئاسية ثانية.
وقال وسط هتافات صاخبة: “أنا أؤمن من أعماق قلبي بأننا سنواصل خدمة شعبنا في السنوات الخمس المقبلة”. كما أعلن أن حزبه فاز بغالبية واضحة في البرلمان.
وكان معسكر كلجدار أوغلو قد اعترض في البداية على نتائج فرز الأصوات، وادعى أنه في الصدارة، لكنه ورغم خيبة الأمل من النتائج بعد تصدره الاستطلاعات قبل الانتخابات، تعهد بالفوز على أردوغان في الجولة الثانية.
ويعتقد المحلل السياسي التركي فايق بولوط، في حديث مع “العربي الجديد”، أنّ حظوظ أردوغان في الجولة الثانية أقوى من حظوظ مرشح المعارضة، مرجعاً ذلك إلى النسبة الكبيرة التي حصل عليها في الجولة الأولى رغم السخط الشعبي الذي كان واضحاً في الشارع على سياسات الرئيس الاقتصادية.
ومن شأن فوز أردوغان في الانتخابات أنّ يرسخ فترة حكمه لعقد ثالث، وهو ما يعكس الدعم القوي الذي لا يزال يحظى به الرجل صاحب الـ69 عاماً، والذي حول وجهة تركيا بعيداً عن حلفائها الغربيين التقليديين، وجعل من بلاده قوة إقليمية نافذة.
وفي السياق، يرى المحلل السياسي التركي إسلام أوزكان، في حديث مع “العربي الجديد”، أنّ حظوظ أردوغان أكبر في جولة الإعادة، مرجعاً ذلك إلى سببين، الأول هو حصول حزب “العدالة والتنمية” على الأغلبية في البرلمان، مضيفاً في السياق أنّ “الشعب يتعامل دائماً مع الأقوى، لذلك حظه أكبر من حظ مرشح المعارضة”.
وأضاف: “السبب الثاني هو الفرق بين الطرفين، بمعنى أنّ فارق النقاط كبير بين المرشحين في الجولة الأولى، وهو ما يعطي دفعة أكبر لفوز أردوغان في الجولة الثانية”، لكنه يعود ويقول إنّ هناك احتمالاً بفوز كلجدار أوغلو إذا ما تحالف مع المرشح سنان أوغان، ثم يستدرك قائلاً: “بصراحة لدي تشكيك بمسألة قدرة أوغان على السيطرة على ناخبيه وإقناعهم بدعم كلجدار أوغلو إذا ما تحالف معه، وإذا ما افترضنا أنّ 50 بالمائة من مناصري أوغان قد منحوا أصواتهم لمرشح المعارضة، فإنّ النصف الآخر ربما يصوت لصالح أردوغان أو يمتنع عن التصويت، لذلك حظ أردوغان يبدو أنّه أكبر بكثير”.
ماذا عن كلجدار أوغلو؟
تراجع الزخم الشعبي الذي لمسناه في الشارع خلال انتخابات الجولة الأولى، والذي كان داعماً بقوة لمرشح المعارضة، وأصيب هؤلاء بخيبة أمل وحالة من الإحباط بعد إعلان نتائج الجولة الأولى التي تقدم فيها الرئيس أردوغان على مرشح المعارضة، الذي كان يعول عليه مناصروه في حسم السباق من الجولة الأولى.
وفي السياق، يقول أحد مناصري كلجدار أوغلو في حديث مع “العربي الجديد”: “أنا متشائم، تعرضنا لخيبة أمل، لم أتوقع هذه النتائج القليلة، لأن الحزب الحاكم لم يكن جيداً، نعاني في الدخل اليومي، مشاكل في العدالة والقضاء، أنا كمواطن كنت أظن أنّ الشعب التركي سيغير خياره، لكن هذا لم يحدث”.
وعن رأيه في الجولة الثانية، يضيف: “واضح جداً (…) أنها صعبة، من الأكيد أنّ يكمل نفس الرئيس”.
ويستغل كلجدار أوغلو (75 عاماً) الوضع الاقتصادي المتردي والسياسة الخارجية لمهاجمة أردوغان، متعهداً بالعودة إلى النظام البرلماني، وأنّ يترك منصبه في حال فوزه بعد انتهاء ولايته لصالح جيل جديد من القيادات الشابة. لكن الرجل يفتقد إلى الكاريزما التي تستطيع جذب الناخبين، على عكس منافسه أردوغان، إضافة إلى مواجهته اتهامات بالحصول على دعم من قبل حزب العمال الكردستاني المصنف إرهابياً في تركيا.
وفي أحدث تصريحاته، قال كلجدار أوغلو، يوم الاثنين، موجهاً كلامه لأنصاره: “نحن نعمل منذ أمس بلا توقف، إياكم واليأس، فأنا ما زلت واقفاً منتصباً”، مضيفاً: “سنقف مجدداً ونفوز بتلك الانتخابات، وفي النهاية، سيصير الأمر كما رغب شعبنا فقط”.
ويعتقد المحلل السياسي التركي المعارض جيواد غوك، في حديث مع “العربي الجديد”، أنّ هناك أملاً بأن يقوم تحالف المعارضة بدعاية قوية للحصول على نتيجة متقدمة في الجولة الثانية. لكنه يعود ويقول: “أرى المعارضة أضعف من السابق، ويبدو أنّ حظ أردوغان أكبر لأن أنصاره يتمسكون بالصناديق بقوة”.
ويوضح المحلل السياسي، في حديثه عن قدرة المعارضة على كسب أصوات أكثر في الجولة الثانية، أنّ “هناك شكوكاً في أن يصوت الناخبون بكثرة لكلجدار أوغلو في المرحلة الثانية، وهناك حالة تشاؤم وخيبة أمل، وحتى لو تحالف كلجدار أوغلو مع سنان أوغان، فلا أظن أنّ جميع أنصار أوغان سيصوتون لصالح مرشح المعارضة، وأعتقد أنّ الأصوات سوف تتشتت بين المرشحين، وبالتالي، فإنّ المستفيد هو أردوغان”.
هل تغير الفئة الصامتة موقفها في الجولة الثانية؟
في السياق ذاته، يرى المحلل برهان كور أوغلو أنّ الذين امتنعوا خلال الجولة الأولى من التصويت في الانتخابات هم أمام تحدي الآن، مضيفاً: “أعتقد أنّ هؤلاء، إذا ما شاركوا في التصويت، سيختارون أردوغان، وأتوقع أنّ يحصل الرئيس على ما نسبته 54 بالمائة في جولة الإعادة، بينما نصيب كلجدار أوغلو تقريباً انتهى، ولن يحصل على أصوات أكثر مما حصل عليه في الجولة الأولى”.
وخلال الانتخابات الرئاسية السابقة التي جرت في عام 2018، فاز أردوغان من الدورة الأولى بعد حصوله على أكثر من 52.5 بالمائة من الأصوات.
بدوره، يقول المحلل جيواد غوك إنّ هناك 14 مليون ناخب لم يشاركوا في هذه الانتخابات، لافتاً إلى أنهم قد يستمرون في المقاطعة أو يشاركون، مضيفاً لـ”العربي الجديد”: “أظن أن هناك حالة يأس في الشارع، وقد تزيد نسبة المقاطعة”
——————————–
لماذا لم يحسم أردوغان الانتخابات الرئاسية من المرة الأولى؟/ غزوان قرنفل
للمرة الأولى في تاريخها بلغت نسبة الإقبال على الانتخابات التركية الأخيرة التي جرت قبل يومين ما نسبته 88.92 % من العدد الكلي للناخبين الأتراك، وهي سابقة لم تحصل من قبل ليس في تركيا وحدها، بل وفي دول عريقة في الديمقراطية كالولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وغيرهما من الدول ذات التجربة الديمقراطية المتجذرة في تاريخها الوطني والسياسي.
وتشير تلك النسبة من الإقبال والمشاركة عادة إلى وعي مجتمعي بأهمية تلك المشاركة وخاصة في الانتخابات التي تراها المجتمعات أنها مفصلية في تاريخها لكونها ربما تمثل وسيلة لخلق عملية تحول كبرى في السياسات التي يجب أن تستجيب لقضايا كبرى تواجهها الدولة، ويتعين على السلطة فيها إيجاد أجوبة وحلول لها وتطرحها في برنامجها الانتخابي ليعقد الناخبون مقارناتهم ومقارباتهم بينها وبين ما تطرحه الأحزاب الأخرى المناهضة لهذا النهج من برامج تعتقد أنها تستجيب لحاجات الدولة والمجتمع وأصوات الناخبين.
وربما تشير النسبة المرتفعة للإقبال على صناديق الانتخاب أيضا إلى أن حالة الاستقطاب السياسي بين رؤيتين ونهجين في الحكم والسياسة على تضاد كبير فيما بينهما، قد بلغت مبلغا لم يعد من الممكن أن يجدا مساحة تلاق وتوافق بينهما على الأقل في نطاق السياسات الكبرى والاستراتيجية للدولة، فتكون أصوات الناخبين هي السبيل لتحديد الغلبة بين أحد هذين النهجين أو الرؤيتين.
هذا تماما ما عبرت عنه الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة في تركيا، بل وهذا تماما ما عكسته نتائجها وخاصة في شقها الرئاسي التي لم تعط أرجحية ملحوظة لأي من المرشحين الرئيسيين، وكأن لسان حال الناخب التركي يقول لكليهما: “حسنا هذا ليس شيكا على بياض، ولن تحصل منا على تفويض غير محدود يتبنى نهجك وسياساتك بالمطلق”، فالنتيجة التي لم يتجاوز فيها أي من المرشحين عتبة النصف من أصوات الناخبين وألزمهم بإجراء جولة ثانية للانتخابات الرئاسية تعقد بعد أسبوعين تماما من الأولى كانت رسالة بليغة لكليهما أن ثمة مطالب واستحقاقات بل ومراجعات جوهرية في العمق يتعين عليكما التعاطي معها وتقديم إجابات لنا بشأنها قبل أن نعطي الأرجحية لواحد منكما.
الرسالة الأولى لحزب العدالة والتنمية والتحالف الحاكم أنه لم يعد مقبولا أن تستمر بنفس آلية الأداء ونسق السياسات التي نجحت قبل سنوات، وأن المراهنة على تراكم الإنجازات على أهميتها لا تكفي لتبقى في السلطة فثمة أزمة اقتصادية صارت تحتاج لمداخلات جراحية حقيقية ليتمكن الجسد الاقتصادي من التعافي، وثمة جيل من الشباب يريد سياسات جديدة ومختلفة تستجيب لاحتياجاته في فرص عمل وأجور كريمة ويريد مساحة حريات عامة أكبر وفرصا سياسية أكثر وأشمل وهو ما يوجب إجراء مراجعات في العمق للسياسات الكلية التي تديرون بها الدولة.
والرسالة الثانية لحزب الشعب الجمهوري وحلفائه مفادها أن السعي للوصول إلى السلطة وإن كانت حقا مشروعا لكم فإنها لا تتم بتهشيم كل شيء وكل إنجاز، ولا يجوز أيضا أن تتم بالتحالف مع قوى وأحزاب لا تقيم وزنا لسلامة الجمهورية وسلامها المجتمعي على المستوى الوطني وتتخذ من “الإرهاب” وسيلة لذلك، كما لا تكون بالالتحاق الأعمى بالقاطرة الغربية والامتثال الكلي لسياساتها وشروطها التي تكون أحيانا أو غالبا على الضد من المصالح الوطنية التركية العليا.
التجربة الديمقراطية في تركيا مع عبورها المئوية الأولى لتأسيس الجمهورية تجذرت وترسخت كقيمة وكوسيلة لإدارة الصراعات السياسية، ونزول الشعب إلى الشوارع في تموز 2016 لمواجهة الدبابات التي أرادت سلبه حقوقه الدستورية توكيد على ذلك، كما أن الوصول إلى إجراء جولة ثانية للانتخابات الرئاسية عجز المرشحين فيها عن تجاوز العتبة الدستورية المحددة لتولي المهام الرئاسية من الجولة الأولى، تؤكد أن ثمة من يمحص ويدقق قبل أن يلقي بورقة الاقتراع في الصندوق الشفاف.
تنص المادة 101 ف 5 من الدستور التركي على أنه: (يتم انتخاب المرشح الذي يحصل على الأغلبية المطلقة من الأصوات الصحيحة في عملية التصويت العام (أكثر من 50%( رئيسًا للجمهورية. وإذا تعذر حصول أحد المرشحين على الأغلبية المطلقة في الجولة الأولى، تقام جولة ثانية يوم الأحد التالي بعد هذا التصويت، ويشارك فيه المرشحان الحاصلان على أكبر عدد من الأصوات في الاقتراع الأول، وينتخب المرشح الذي يحصل على الأغلبية المطلقة من الأصوات الصحيحة رئيسًا للجمهورية).
وتبلغ مدة ولاية الرئيس المنتخب خمس سنوات ولا يسمح الدستور بانتخاب الشخص نفسه لأكثر من ولايتين دستوريتين على الأكثر (مادة 101 ف 2 ).
ولكن ماذا لو انسحب أحد المرشحين الحاصلين على أعلى نسبة أصوات في الجولة الأولى والمؤهلين لخوض الجولة الثانية من الانتخابات عن خوض تلك الجولة؟ وهناك الآن همهمات في صفوف بعض قيادات الصف الأول لحزب الشعب الجمهوري تدعو لانسحاب كمال كليتشدار أوغلو من خوض الجولة الثانية (!) وعلى الرغم من استبعاد مثل هذا الخيار سياسيا وعدم تصور حصوله واقعيا، فإن الدستور عالج مثل تلك الحالة إن حصلت حيث نصت الفقرة 6 من المادة 101 على أنه: (في حال عدم مشاركة أحد المرشحين الاثنين الحائزين على حق الترشح للجولة الثانية لأي سبب من الأسباب، يشارك بدلًا منه المرشح الحاصل على الترتيب الثالث في الجولة الأولى، أما في حال بقاء مرشح واحد فقط للجولة الثانية، يجري التصويت على شكل استفتاء. وإذا حصل المرشح على أغلبية الأصوات الصحيحة يتم انتخابه رئيسًا للجمهورية، أما في حال عدم حصوله على أغلبية الأصوات الصحيحة فيتم تجديد الانتخابات الرئاسية فقط).
ويتمتع رئيس الجمهورية بسلطات واسعة بعد الانتقال إلى نمط النظام الرئاسي فهو رأس الدولة الذي يتولى مهام السلطة التنفيذية بها وهو يمثل وحدة الأمة التركية، ويضمن العمل بالدستور واحترام أحكامه، كما أنه يعين الوزراء ويقيلهم، ويعين ويقيل المسؤولين التنفيذيين رفيعي المستوى في مؤسسات الدولة العامة، ويصدر مرسوما رئاسيا ينظم الإجراءات والمبادئ التي تحكم تعيينهم وإقالتهم.
ويمثل رئيس الجمهورية منصب القائد العام للقوات المسلحة باسم مجلس الأمة التركي الكبير (البرلمان) وهو صاحب قرار استخدام القوات المسلحة، وتحدد سياسات الأمن القومي وهو بطبيعة الحال من يسمي ممثلين عن الجمهورية التركية إلى الدول الأجنبية، ويستقبل ممثلي البعثات الأجنبية إلى تركيا ويصادق على المعاهدات الدولية ويوافق على نشرها (الفقرات 1 و2 و8 و9 و10 و11 من المادة 104 من الدستور).
أما على صعيد البرلمان فقد تمت الانتخابات له – بالتوازي مع الانتخابات الرئاسية بورقة ثانية توضعان في ظرف واحد) وفق قانون الانتخابات المعدل بعد الانتقال للنظام الرئاسي والذي خيضت به أيضا انتخابات العام 2018 حيث اشتمل التعديل حينها على 14 بندا أبرزها خفض العتبة الانتخابية أمام الأحزاب الصغيرة من 10 إلى 7 % من الأصوات بما يتيح لهذه الأحزاب من خوض الانتخابات ودخول البرلمان بعد أن كان البرلمان ناديا مغلقا على أربعة أحزاب كبرى، كما اشترط القانون بالمقابل أن يحقق الحزب – أي حزب – تلك العتبة بأصواته هو في كل دائرة انتخابية على حدى وليس عبر تحالف مع أحزاب أخرى لكن تعديلا دستوريا برقم 7393 لتعديل قانون الانتخابات وبعض القوانين الأخرى جعل من إمكانية خوض الأحزاب السياسية العملية الانتخابية على شكل تحالفات عملية متاحة وممكنة.
ويعتقد مركز “سيتا” للدراسات في أنقرة أن خفض العتبة الانتخابية في التعديل الأخير ليس ضد الأحزاب الصغيرة، ولكنه لصالحها، وأن التحالفات لا تزال إلزامية للأحزاب الصغيرة لعبور العتبة، والجدير ذكره أن الأحزاب الصغيرة المنضوية في تحالف الطاولة السداسية قررت خوض الانتخابات ضمن قائمة مشتركة موحدة مع حزب الشعب الجمهوري، في حين فضل حزب الجيد خوض الانتخابات بقوائمه الخاصة مع التعاون مع “الشعب الجمهوري” في بعض الدوائر.
ورغم أن عددهم لا يمثل قيمة فارقة في العملية الانتخابية فإن عددا معقولا من السوريين المجنسين بالجنسية التركية مارسوا للمرة الأولى في غالبيتهم حقهم الدستوري بانتخابات الرئاسة التركية وكذلك في اختيار ممثليهم للانتخابات البرلمانية، حيث بلغ عدد من يحق لهم التصويت في الانتخابات أقل من 127 ألف ناخب بقليل من أصل حوالي 224 ألف سوري مجنس تقريبا وفق تصريح لوزير الداخلية التركي أواخر العام 2022.
وقد عزف مع الأسف عدد ممن يملكون حق التصويت عن ممارسة حقهم الدستوري وأداء واجبهم الانتخابي عن التصويت لأسباب مختلفة لا مجال لبحثها في هذا المقال.. لكن ذلك بالقطع يؤشر إلى وجود اعتلال نفسي في فهم وإدراك قيمة الصوت الذي تدلي به – بصرف النظر عن وجهته – يحتاج لمساحة من الزمن للتعافي منه والانتقال من مرحلة دولة الرعية إلى ضفة دولة المواطنة.
تلفزيون سوريا
———————–
تركيا انتخبت… وتنتظر جولة الحسم الثانية/ سعيد عبد الرازق
تضارب بين الإعلام الرسمي والمصادر المستقلة حول النتائج الأولية
للمرة الأولى في ناريخها، تتجه تركيا نحو جولة ثانية للانتخابات الرئاسية، بعد نتيجة متقاربة للسباق الذي خاضه الرئيس رجب طيب إردوغان في مواجهة مرشح المعارضة كمال كليتشدار أوغلو.
وتصدر إردوغان نتائج الانتخابات الرئاسية التي شهدت إقبالاً كبيراً، بعد فرز 93.67 في المائة من بطاقات الاقتراع، وفق وسائل إعلام رسمية. وحاز الرئيس التركي 49.63 في المائة من الأصوات، مقابل 44.63 في المائة لمنافسه كمال كليتشدار أوغلو، بحسب نتائج نقلتها وكالة أنباء الأناضول.
وقال أحمد ينار رئيس اللجنة العليا للانتخابات في تركيا، إن الرئيس رجب طيب إردوغان، يتقدم في انتخابات الرئاسة بحصوله على 49.49 في المائة بعد فرز 91.93 في المائة من الأصوات، مشيراً إلى أن كمال كليتشدار أوغلو، مرشح المعارضة ومنافس أردوغان الرئيسي، حصل على 44.49 بالمئة من الأصوات.
في المقابل، قال ناطق باسم حزب الشعب الجمهوري الذي يتزعمه كليتشدار أوغلو إنَّ الإحصاء الداخلي للمعارضة أظهر نتيجة «إيجابية». فيما طالب رئيس بلدية إسطنبول المعارض، أكرم إمام أوغلو، الذي قد يعيّن نائباً للرئيس إذا فاز كليتشدار أوغلو، المواطنين بعدم تصديق الأرقام التي نشرتها وكالة أنباء الأناضول الرسمية التركية.
من جهته تعهد كمال كيليتشدار أوغلو، صباح اليوم (الاثنين)، بالفوز في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية بعد أن أظهرت النتائج شبه الكاملة أن أيا من المرشحين لم يحقق نسبة 50 في المائة زائد صوت المطلوبة.وقال رئيس حزب الشعب الجمهوري للصحافيين: «إذا كان قرار أمتنا إجراء جولة ثانية، سوف نفوز بها حتماً»، مضيفاً أن «إرادة التغيير في المجتمع أعلى من 50 في المائة».
وبدوره أكد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أنه سيحترم قرار الشعب إذا تبين أن انتخابات الرئاسة تتجه صوب جولة إعادة، مشيراً في الوقت ذاته إلى أنه يتقدم بما يصل إلى 2.6 مليون صوت على منافسه.
وبعد إدلائه بصوته في إسطنبول، عبّر إردوغان عن أمله في «مستقبل جيد للبلاد وللديمقراطية التركية»، مؤكداً «حماسة الناخبين» خصوصاً في المناطق المتضررة من جراء زلزال 6 فبراير (شباط) الذي أوقع 50 ألف قتيل وتجنب توقع نتائج الاقتراع.
أما مرشح المعارضة، فقال خارج مكتب اقتراع بأنقرة: «اشتقنا جميعاً للديمقراطية ونفتقد وقوفنا معاً ومعانقتنا لبعضنا بعضاً»، مؤكداً «سترون الربيع يعود إلى هذا البلد إن شاء الله وسيستمر إلى الأبد».
وفي ظل الغموض والتضارب اللذين خيما على النتائج حتى لحظة كتابة هذا الخبر, حبس الناخبون أنفاسهم في انتظار ما سيجلبه اليوم التالي.
وتنافس في الانتخابات 3 مرشحين، هم الرئيس الحالي رجب طيب إردوغان عن تحالف «الشعب»، ورئيس حزب «الشعب الجمهوري» كمال كليتشدار أوغلو عن تحالف «الأمة»، وسنان أوغان مرشح تحالف «أتا». وانسحب من السباق رئيس حزب «البلد»، محرم إينجه، الخميس، إثر نشر صور تزعم تورطه في فضيحة أخلاقية.
الشرق الأوسط
—————————-
تركيا بين الاستقرار والانقسام/ عمر قدور
أتت نتائج الانتخابات الرئاسية التركية ضمن المتوقع، إذ لم يحقق الرئيس أردوغان أو منافسه كمال كليتشدار أوغلو أغلبية 50%+1 المطلوبة في الجولة الأولى من الاقتراع الذي تم يوم الأحد. الخبر الجيد لأردوغان أنه تفوّق على منافسه بأكثر من أربع نقاط في الجولة الأولى، والخبر غير الجيد لكليهما أن المرشّح الثالث سنان أوغان نال حوالى 5% من الأصوات، وهو مرشح تحالف “الأجداد” ذي الصبغة القومية المتطرفة، وداعية ترحيل اللاجئين من تركيا. أي أن التحالف مع أوغان ليس بالخيار المحبّب لأيّ من المتنافسَين في الجولة الثانية، وليس بلا ثمن أيضاً إذ قد يكون كسب أصوات مؤيديه سبباً في خسارة أصوات أخرى.
تعقيباً على نتائج الجولة الأولى، قال رئيس حزب الشعب الجمهوري كليتشدار أوغلو للصحافيين أن إرادة التغيير لدى الأتراك أعلى من 50%، وهي نسبة تأخذ بالحسبان مجموع الأصوات التي حصل عليها هو وسنان أوغان. تصريح أوغلو هذا فيه واقعية وعقلانية أكثر من تصريحات سبقت عن نيله غالبية الأصوات، قبل صدور نتائج الفرز. فواحد من أسباب خسارة أردوغان، إذا حدثت في الجولة المقبلة، هو ذاك الميل الطبيعي إلى التغيير بوصفه من المظاهر الاعتيادية في الأنظمة الديموقراطية.
للتذكير، كان نجم أردوغان قد بدأ بالصعود مع تسلمه رئاسة بلدية إسطنبول في تسعينات القرن الفائت، ثم مع بروزه كرجل حزب العدالة والتنمية القوي، ورجل السلطة الأقوى في رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية، طوال العقدين الأخيرين. ومن دون احتساب خصوم أردوغان لأسباب شتى، هناك بين المقترعين جيل نشأ على وقع صعود أردوغان، بينما لم يرَ الجيل اللاحق على الأول زعيماً في السلطة سواه. العامل النفسي المتعلق بالتغيير لدى جيلين من الشباب لا تصبّ خلاصته في مصلحة أردوغان، وفضلاً عن الرغبة في التغيير لم يجرّب هؤلاء كأسلافهم حكم حزب الشعب ليقارنوا بين سلبياته وسلبيات خصمه حزب العدالة، ما يخدم الأول منهما.
على الضفة الثانية، تدلّ نسبة النصف تقريباً التي حصل عليها أردوغان على أن شريحة المحافظين تتخوف من عودة كماليي حزب الشعب إلى السلطة، وعلى عدم وجود قناعة واسعة الانتشار بأن الكماليين قد استفادوا من تجربتهم في المعارضة، وصاروا أكثر اعتدالاً في التوجه العلماني وما كان يتصل به من ممارسات منفِّرة للمحافظين اجتماعياً. أما أنصار الحركة القومية فلهم حسابات مستجدة، مبنية على ما تغير ظاهرياً في خطاب حزب الشعب تجاه الأكراد، وعلى قرار حزب الشعوب “الممثل السياسي للأكراد” دعمَ أوغلو في مواجهة أردوغان. وأغلب الظن أن حزب الشعوب لا يتوقع الكثير من فوز أوغلو إذا حدث، لكنه بذلك يكون قد كرّس ثقله “والثقل الكردي من خلفه” كرقم صعب ومرجِّح في المعادلة السياسية التركية.
لكي يفوز كليتشدار أوغلو بالرئاسة، عليه الاحتفاظ بأصوات الذين اقترعوا لصالحه في الجولة الأولى، والحصول على أصوات الذين اقترعوا لسنان أوغان، وهو ما يبدو شبه مستحيل مع مطالبة الثاني وقف تعاون الأول مع حزب الشعوب. وما لم يُبرَم اتفاق بينه وبين أردوغان فإن السيناريو المرجح هو انقسام الذين صوّتوا لأوغان، ليذهب الشباب منهم إلى أوغلو، بينما يصوّت الباقون لصالح أردوغان الذي تكفيه نسبة بسيطة منهم، بشرط احتفاظه بأصوات الذين اقترعوا له في الجولة الأولى.
نظرياً، تبدو مهمة أردوغان أسهل من منافسه، فيكفيه الحفاظ على الأصوات التي نالها في الجولة الأولى، ومن شبه المؤكد “في كافة الاحتمالات” أن يحظى بنسبة تكفيه للفوز من الأصوات التي نالها أوغان. لكن الحفاظ على زخم مؤيديه غير مضمون مئة بالمئة، خاصة بعد ارتياح نسبة منهم لتقدّمه الصريح في الجولة الأولى، وأيضاً لتقدّم التحالف الذي يقوده ونيله الأغلبية البرلمانية. نسجّل هنا تراجع مقاعد وأصوات حزب العدالة، مع تقدّم أصوات الحركة القومية الحليفة له، والاستحقاق البرلماني الحاضر في الجولة الأولى له فضل على نسبة المشاركة الواسعة فيها، بينما قد تنفضّ عن الجولة الثانية نسبة من الذين ليس لحزبهم مرشّح فيها.
بفوزه بالرئاسة وتراجع حزبه برلمانياً يخسر أردوغان خسارة “مقبولة”، ويكتفي بالصلاحيات الواسعة لمنصب الرئاسة في دورته الأخيرة، وهذا ليس حال حزبه المتراجع. أما في حال فوز كليتشدار أوغلو فهو سيأتي ضعيفاً سلفاً، لأنه سيواجه برلماناً الأغلبية فيه للمعارضة بقيادة خصمه الرئاسي، وإذا تجاهل ذلك سيكون قد تراجع عن وعوده بإعادة الاعتبار إلى البرلمان والنظام البرلماني. سيكون أردوغان متحفزاً لاستغلال أغلبيته إلى أقصى حد كي يشوّش على أوغلو، بما في ذلك السعي الدؤوب لانتخابات مبكرة.
يطرح أردوغان نفسه خياراً للاستقرار، بينما يقدّم أوغلو نفسه رمزاً للتغيير؛ هذا هو عنوان الجولة المقبلة الحاسمة بينهما يوم 28 أيار الجاري. ولا بد من الإشارة إلى أن الجولة الأولى انقضت على نحو غير متوقع من النجاح، فالإقبال على التصويت فاق التوقعات، ولم تتخلل العملية الانتخابية تجاوزات تُذكر أو اتهامات بها بين الطرفين. وخرج المرشّحان الرئيسيان بتصريحات هادئة، تعكس قناعة كلّ منهما بنتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية معاً.
غير أن هذه الأجواء الإيجابية ليست مرشّحة للاستمرار مع الاقتراب من الجولة الثانية واستحقاقاتها، وأيضاً مع صدور نتائجها. فخسارة أوغلو في الجولة الحاسمة ستكون تتويجاً لخسارة حزبه البرلمانية، وسيعزّ عليه الاعتراف بذلك، وكان في الجولة الأولى على وشك اتهام الحزب الحاكم بالتزوير، بعدما سرّبت مصادره “بالمثل” نتائج غير دقيقة عن فرز الأصوات. أما أردوغان فلا يُتوقع منه التسليم بالخسارة إذا حدثت، وسيسعى بكل السبل لإثبات أحقيته بالفوز، بما فيها استخدام البرلمان والشارع.
تقول نتائج الجولة الأولى فيما تقول أن الماضي يأفل، وأن المستقبل لم يولد بعد. حسابياً، أتى تراجع حزب العدالة لصالح التيارات القومية، فنالت الحركة القومية وحزب “الجيد” 20% من الأصوات، ونال القومي سنان أوغان ما يرفع النسبة إلى ربع أصوات الناخبين. في المحصلة، تهيمن الأحزاب القومية والإسلامية على حوالى ثلثي الأصوات، وهي بمجملها ليست مع تغيير جاد أو عميق رغم بعض الخلافات بينها. أما حزب الشعب الجمهوري، ورغم بعض الإصلاحات، فلم يتمكن من التحول ليكون عنواناً جذّاباً للتغيير على صعيد الأفكار والأشخاص. بعد أسبوعين إما ستكون تركيا مع الاستقرار الذي يتمناه أردوغان، أو مع انقسام سياسي حاد وصاخب قد يستمر طويلاً، أما التغيير فمؤجل إلى انتخابات لاحقة.
المدن
—————————-
رئاسيات تركيا: الديمقراطية هي الرابح الواضح
رأي القدس
للمرة الأولى في تاريخها، تتجه تركيا نحو جولة ثانية للانتخابات الرئاسية، في أعقاب دورة أولى شهدت منافسة محتدمة، ورغم فشل الرئيس رجب طيب اردوغان ومنافسه الرئيسي كمال كليتشدار أوغلو بلوغ النسبة المطلوبة للفوز، فإن الرابح الصريح والواضح في الحالتين هو المنظومة الانتخابية التركية، وفي العمق منها نموذج الديمقراطية التركية الذي يظل في عداد الأبرز على صعيد المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة تحديداً.
المؤشرات العديدة التي تؤكد هذا النجاح يمكن أن تبدأ من إقبال على التصويت بلغ 88.92٪ في داخل تركيا ونحو 51٪ للمواطنين الأتراك في الخارج، وهذه نسبة يحق للديمقراطية التركية أن تتباهى بها قياساً على معدلات التصويت الآخذة في التضاؤل والانخفاض في غالبية الديمقراطيات الغربية. ويزيد في تثمين هذا المؤشر أن الانتخابات سارت على نحو سلس وسليم وآمن، وحققت مستويات عالية من الحرية والنزاهة، ولم تقع حوادث تعكر صفوها، وهذا كله اتفق عليه تحالفا الشعب والأمة الرئيسيان المتنافسان في الانتخابات التشريعية، ونحو 24 حزباً سياسياً و151 مرشحاً، على امتداد أكثر من 191 ألف صندوق اقتراع في 81 ولاية.
مؤشر ثانٍ تمثّل في سابقة أولى تشهدها الجمهورية التركية للمرة الأولى خلال 100 عام، وهي اتحاد أحزاب المعارضة وتياراتها في ائتلاف واحد هدفه المركزي والأبرز هو منع فوز أردوغان بولاية رئاسية ثانية وإنهاء عقدين من هيمنة حزب «العدالة والتنمية» على الحكم. صحيح أن الأحزاب المنخرطة في إطار ما سُمّي ائتلاف «الطاولة السداسية» تختلف فيما بينها على مسائل كثيرة بعضها جوهري، وأن زعماء اثنين على الأقل من هذه الأحزاب سبق أن خدما في أعلى المناصب تحت راية «العدالة والتنمية» إلا أن هذه الحال قد تكون مدعاة إغناء للتعددية الديمقراطية وليس إفقاراً لها.
مؤشر ثالث لا يقل أهمية هو أن فوز تحالف الشعب بنسبة 49.37٪ في الانتخابات التشريعية لم يمنع الناخب التركي من محاسبة «العدالة والتنمية» على أشكال شتى من التقصير في ميادين الخدمات العامة والبنى التحتية والاقتصاد، فخسر الحزب عدداً من مرشحيه خاصة في مدن كبرى مثل إسطنبول وأنقرة. وهذه معادلة جدلية حيوية لأنها من جانب أول أعادت تأكيد ثقة الناخب بالحزب صاحب الأغلبية، وفي الآن ذاته بعثت إليه بأكثر من إنذار بصدد أداء مسؤوليه ونوابه في المستقبل.
مؤشر رابع يرتبط بالخارج أكثر من الداخل، وهو أن الديمقراطية التركية كذبت الكثير من السيناريوهات التشاؤمية والقاتمة التي روجت لها وسائل إعلام كبرى في أوروبا والولايات المتحدة خصوصاً، حول معوقات الانتخابات التركية وأخطار إعادة انتخاب أردوغان بوصفه «الدكتاتور» أو «بوتين الثاني». ولم تكن تلك المزاعم تتقصد نشر النبوءات بقدر ما كانت تدير حملات تضليل منظمة، لم تفلح إلا نادراً في إخفاء هوية مبطنة قوامها التقليل من قيمة التجربة الديمقراطية التركية لأسباب استعلائية جيو ـ سياسية وثقافية.
هذه أربعة مؤشرات بين أخرى عديدة أكدت أن هوية المرشح الفائز أو الخاسر في الانتخابات الرئاسية ليست أقل دلالة من خروج الديمقراطية التركية في هيئة الرابح الواضح.
القدس العربي
————————-
يريدون تركيا بلا اردوغان/ توفيق رباحي
العناوين الآتية هي عيّنة صغيرة مما تضمنته كبريات الصحف والمجلات الغربية عن انتخابات تركيا في الأسبوع الذي سبق الاقتراع يوم الأحد:
ـ أردوغان في مواجهة شبح الهزيمة (موقع أوريون واحد وعشرون الفرنسي، 4 أيار/مايو).
ـ هذا ما فعله السلطان أردوغان باسطنبول طيلة عشرين سنة (صحيفة لوتون السويسرية، 6 أيار/مايو).
ـ أهم انتخابات في 2023… أردوغان يجب أن يذهب (مجلة الإيكونومست، عدد الأسبوع الماضي).
ـ استبداد أردوغان على المحك في انتخابات تركيا (افتتاحية الواشنطن بوست، 4 أيار/ مايو).
ـ يهدد بشنّ حروب، حَقود على الغرب وصاحب نزعة توسعية… أردوغان بوتين الآخر (مجلة لوبوان الفرنسية عدد الأسبوع الماضي).
ـ معارك أردوغان للتمسك بالسلطة في تركيا (صحيفة الفاينانشل تايمز، 6 أيار/مايو).
ـ انحدار السلطان (صحيفة لوفيغارو الفرنسية، 7 أيار/مايو).
عُدت إلى الوراء نحو شهرين فاستوقفتني مثل هذه العناوين، وأسوأ أضعاف المرات.
لم يحدث أن اتفقت وسائل الإعلام الغربية حول قضية أو شخص مثلما اتفقت على أردوغان، إذا استثنينا حرب روسيا على أوكرانيا وأيضا عداء الصحافة البريطانية لرئيس زيمبابوي الراحل روبرت موغابي.
تعكس هذه العناوين حالة مزاجية وسياسية لا غضاضة في وصفها بأنها مَرَضية في دوائر التأثير وصُنع القرار الغربية من أردوغان. هذه الحالة متجذرة وليست عابرة، لكنها تعاظمت مع اقتراب انتخابات الأحد وستتواصل إلى أن تنتهي الجولة الثانية المرتقبة.
فماذا قاد إلى هذه الحالة؟
بدايةً، هذا الهوس ليس حُبّاً في المعارضة التركية وزعيمها، كمال كليجدار أوغلو، بل كرها في أردوغان.
سيكون من الخطأ الانجرار وراء الاستسهال القائل إن أردوغان يخيف الغرب لأنه سيُحيي أمجاد الإمبراطورية العثمانية، وأنه سيحرر فلسطين أو يزحف بجيشه نحو وسط أوروبا. لا أحد يُصدِّق هذا التسطيح، وأردوغان نفسه سيضحك ملء فيه عندما يسمعه أو يقرأه هنا وهناك.
أكيد القضية لا تخلو من أبعاد معنوية وعقائدية وشخصية متعلقة بأردوغان تحديدا. لقد نجح الرجل في أن «يدوِّخ» جيرانه والبعيدين. خلال العقدين الماضيَين، فرض اسمه داخليا وخارجيا، بالسلب والإيجاب. يستطيع حلفاء أردوغان، داخل تركيا وخارجها، أن يجدوا له مئة حسنة يمجّدونه بها. ويستطيع خصومه والحاقدون عليه أن يجدوا له مئة خطيئة يعاتبونه عليها. ولكلا المعسكرين مسوغات وحجج مقبولة إلى حد بعيد. لم يُقسِّم رئيسٌ الأراءَ في تركيا وحولها، منذ مصطفى كمال أتاتورك، مثلما يقسّمها أردوغان، ولم يضع رئيس تركي بلاده على خريطة أخبار العالم، منذ أتاتورك، مثلما يفعل أردوغان.
لكن الأبعاد الشخصية والعقائدية ليست كل شيء، وإنما مكمِّلة يلجأ إليها أردوغان لضمان ولاء الحشود في تركيا وخارجها. وبالنسبة للغرب، ما يزعج هي أفعال أردوغان التي منها جهوده لسحب تركيا أكثر نحو الشرق.
لكن القضية بالدرجة الأولى اقتصادية ثم استراتيجية.
اقتصاديا، هناك شقَّان، الأول يتمثل في أن أردوغان نجح في تخفيف تبعية اقتصاد تركيا للغرب، والثاني أنه بعد أن قلّص تبعية اقتصاد بلاده للغرب راح ينافس هذا الغرب في أسواقه التقليدية ومستعمراته السابقة عبر القارات.
لهذا يهتم الغرب منذ سنوات بضرب اقتصاد تركيا وعُملتها، وليس بالهذيان عن إحياء الإمبراطورية الإسلامية أو إعادة صياغة الخطاب التركي تجاه إسرائيل.
لو سألت أحد كبار المسؤولين الفرنسيين وأجابك بصدق، ستسمع منه أن الشركات التركية تنافس نظيرتها الفرنسية في كل مكان وفي كل المجالات… من تصنيع الملابس الداخلية إلى مشاريع البنى التحتية وتطوير السلاح والطائرات المسيّرة، من إفريقيا إلى القوقاز وجنوب شرق آسيا.
في العديد من دول إفريقيا انسحبت فرنسا بعد أن بسطت الشركات التركية نفوذها على ما كانت بالأمس أسواقا فرنسية بامتياز وبلا منافس.
هذا الشعور بالمرارة هو الذي يفسر الخطاب العدواني حد الهوس في وسائل الإعلام والدوائر السياسية الفرنسية، حتى العليا منها، تجاه تركيا أردوغان. النظرة في باريس لتركيا مشحونة بعواطف وأحكام مسبقة عمرها مئة سنة، وتتغذى من ضغط لا يتوقف يمارسه لوبي أرميني قوي نجح في التغلغل في الأوساط السياسية والأكاديمية الفرنسية.
المشهد نفسه حيال تركيا يتكرر في الدول الأوروبية الكبرى ومعها الدول الإسكندنافية، مع فروق في التفاصيل تفرضها البيئة المحلية.
استراتيجيا، لا يستيطع الغرب الاستغناء عن تركيا. ليس فقط لأن تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي وثاني أقوى جيش فيه، ولكن أيضا لأنها بوابة رئيسية نحو منطقة الشرق الأوسط وآسيا والقوقاز بكل قنابلها الموقوتة وخيراتها التي لا تنضب فوق الأرض وتحت الأرض.
قليلة هي الدول التي تمتلك مثل هذه المفاتيح التي تُسيل لعاب الغرب ولا يملك هذا الأخير ترف التفريط فيها.
لكن الغرب يريد تركيا من دون أردوغان ليطمئن ويضمن ولاءها في صراعاته الاستراتيجية، مثل الحرب التجارية مع الصين وروسيا. وفي وجود أردوغان يتراجع هذا الاطمئنان.
استراتيجيا أيضا، نجح أردوغان في أن يوفر لتركيا هامشا من المناورة واللعب على أكثر من حبل لتفادي موجة التبعية التي يحاول الغرب بقيادة أمريكا فرضها على العالم.
لكن هل نجح هذا الهوس في الإضرار بأردوغان من قبيل تأليب الأتراك والعرب المتعاطفين معه عليه؟
غالبا لن تنجح حملة الإساءة لأردوغان، بل قد تكون في صالحه. الذين يقودون هذه الحملة يجهولون التغيرات الاجتماعية والمعنوية في منطقة الشرق الأوسط، ومن ضمنها تركيا: خلال العقدين الماضيين تراجع الانبهار بالغرب، وتآكلت الثقة فيه وفي خطابه المزعوم عن الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان. من أسباب هذا التآكل سياسة الكيل بمكيالين، خصوصا حيال إسرائيل وجرائمها اليومية في الأراضي الفلسطينية، وتحالف الغرب مع أنظمة مستبدة، بعضها من صنعه، تحكم شعوبها بقبضبة حديدية أسوأ من قبضة أردوغان على تركيا.
مجتمعات الشرق الأوسط فقدت الثقة في حكامها وفقدت الإيمان بالغرب. لكنها رغم ذلك أكثر استعدادا الآن للتعاطف مع القائد المحلي الذي يستهدفه الغرب وتصديق أنه بطل يعرقل مصالح الغرب الاستعماري. وسيرة أردوغان الذاتية تضعه ضمن هذه الخانة بامتياز.
لهذا غالبا ستأتي الحملة الغربية على أردوغان بعكس المقصود منها، على الرغم من أن الرجل ارتكب من الأخطاء، داخليا وخارجيا، ما يُسهِّل الإطاحة به من دون هذه الحملات الضارية، وبعضها وضيعة فعلا.
وما نتائج انتخابات الأحد إلا علامة على حفاظ الرجل على شعبيته وإنْ تآكلت قليلا.
كاتب صحافي جزائري
القدس العربي
—————————————
فايننشال تايمز: المعارضة في مرحلة بحث عن الذات بعد فشلها بهزيمة أردوغان
إبراهيم درويش
قالت صحيفة “فايننشال تايمز” إن تقدم الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية دفع المعارضة إلى البحث عميقا في الذات، مشيرة إلى أن المرشح الرئاسي كمال كيلشدار يواجه عقبة أداء في الجولة الثانية بعد أسبوعين.
وفي تقرير أعده آدم سامبسون وأيلا جين ياكلي قالا إن كيلشدار الواثق بالنصر ضد منافسه الرئيس أردوغان، دعا الناخبين إلى إنهاء المهمة في الجولة الأولى. وبدلا من إنهاء حكم أردوغان الذي مضى عليه عقدان، فإن الأرقام التي ظهرت من فرز أصوات الناخبين يوم الأحد، 14 أيار/مايو قد دفعت المعارضة إلى حالة من البحث عن الذات، إذ لا تبعد الجولة الثانية سوى أسبوعين.
وفي الوقت الذي بدت فيه المعارضة على حافة حرمان أردوغان في الجولة الأولى، فقد وضعت النتيجة كيلشدار في أسوأ سيناريو في الانتخابات التي قدمها المرشحان بأنها معركة من أجل مستقبل تركيا.
وقال أردوغان في الساعات الأولى من صباح الإثنين ساخرا من كيلشدار الذي بدأ حملته الانتخابية بشريط فيديو من مطبخه وساعد على صعوده في استطلاعات الرأي. وقال ساخرا “البعض في المطبخ” و “نحن على الشرفة”. وتعلق الصحيفة أن المعارضة لديها تاريخ في المبالغة بالدعم الشعبي ضد أردوغان، ولكن تحالف كيلشدار المكون من ستة أحزاب دخل انتخابات الأحد والريح مواتية له بعدما أظهرت استطلاعات الرأي تفوقه، واستطاعته الحصول على نصف الأصوات. ومع فرز أغلبية الأصوات فإن أردوغان هو بعيد بأقل من نقطة واحدة عن نسبة 50% التي يحتاجها للفوز ضد كيلشدار الذي حصل على 45%.
ويقول ولفانغو بيكولي، الرئيس المشارك لمؤسسة الاستشارات تينيو “بالنسبة إلى كيلشدار، ستكون صعبة نوعا ما”، مضيفا أن السياسي البالغ من العمر 74 عاما “سيكون في وضع المدافع” وهو يحاول التحضير للجولة الثانية ضد أردوغان، 69 عاما في 28 أيار/مايو. ولم يظهر أردوغان فائزا في الانتخابات الرئاسية بل سيسيطر على البرلمان بعد فوز تحالف بقيادة حزب العدالة والحركة القومية. ويقول إمير أردوغان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيلجي بإسطنبول إن الجولة الثانية “ستعقد الأمور للمعارضة” و”كما أن غياب الأغلبية في البرلمان سيكون ضد كيلشدار”، إذ سيجادل أردوغان أن التصويت له يعني الاستقرار للبلد الذي طالما تجنب الحكومات الائتلافية.
وأظهرت النتائج التي تحدت الاستطلاعات، الجاذبية الدائمة لأردوغان وصدى جهوده السياسية لجذب قاعدته المحافظة بنكهة قومية. وقد استخدم أردوغان أجهزة الدولة لضرب المعارضة وإخراجها عن المسار، إذ قدم المساعدات مثل زيادة الأجور العامة وشهر مجاني من الغاز للبيوت وقبل أسابيع من الانتخابات التي عقدت يوم الأحد.
وكانت المعارضة تعيش حالة من النشاط والطاقة بعد إغلاق صناديق الاقتراع، وسارعت لاتهام إعلام الدولة بأنه “يخدع” الأمة، ونشرت النتائج من معاقل أردوغان أولا. لكن كيلشدار اعترف صباح الإثنين أن البلاد تقف على حافة جولة ثانية. وستواجه المعارضة الآن معضلة تعب الناخبين.
ويقول إرشان ارغوزيل، المحلل في باركليز في لندن “قد يفقد ناخبو المعارضة الدافعية بعد النتائج التي جاءت أسوأ من التوقعات، سواء في الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية” وأضاف أن النتائج الأولية تظهر أن الفضاء السياسي “سيظل كما هو بدون تغيير”. وكافح كيلشدار من أجل بناء تحالفه المكون من ستة أحزاب وبمواقف متغايرة. ودفع واحد من المنافسين الرسميين إلى التساؤل إن كان كيلشدار المرشح المناسب ضد أردوغان، وبخاصة أنه قاد حزب الشعب الجمهوري خلال الـ 13 عاما بدون أي نصر في الانتخابات.
ورفضت ميرال أكشنار، زعيمة حزب الجيد الذي يعد ثاني حزب في “الطاولة السداسية” ترشيح كيلشدار أوغلو في آذار/مارس وتراجعت بعدما وافق على تعيين عمدة أنقرة وإسطنبول نائبين له. والآن، هناك بعض داعمي المعارضة يشعرون بالخوف من أن الرابطة بين الأحزاب ستتهشم، وفي الجولة الثانية ستكون بشأن كيفية تأمين كل مرشح نسبة 5% التي بيد سنان أوغان، زعيم تحالف الأجداد، الذي ترشح بنفسه.
ورفض أوجان يوم الأحد التصريح بأي تكتل سيدعم في الجولة الثانية، مخلفا فراغا سيحاول كل طرف ملأه. وقال أوجان “القوميون الأتراك والكماليون هم من سيحدد مسار الجولة الثانية، ولن أقول مطلقا أي طرف سندعم في هذا الوقت”، ووضع أوجان شروطه التي سيكون صعبا على كل من أردوغان وكيلشدار الوفاء بها. وتتمثل شروطه في “حماية تركيا من التفاهات التي يتسبب بها معدل الفائدة المتدنية وزيادة التضخم”، وهذا هو أمر يعد مركزيا في سياسة أردوغان المالية.
وأخبر أوجان صحيفة “دير شبيغل” أنه سيدعم كيلشدار لو نبذ الحزب المؤيد للأكراد، حزب الشعوب الديمقراطي. وقال أردوغان من جامعة بيلجي إن معارضة أوغان لحزب الشعوب الديمقراطي ستجعل من الصعوبة بمكان التوصل إلى اتفاق مع المعارضة لأن “الأكراد هم عامل مهم في أداء كيلشدار وهو يحتاجهم في الجولة الثانية”. و”من المتوقع أن يتفاوض أردوغان مع أوغان أكثر من كيلشدار، فهو زعيم تحالف يميني ولديه تاريخ في البراغماتية وعقد الصفقات من أجل الفوز في الانتخابات”.
القدس العربي”
——————————
فايننشال تايمز: مهمة صعبة للمعارضة التركية في مواجهة جاذبية أردوغان الدائمة
إبراهيم درويش
قال أندرو إنغلاند في صحيفة “فايننشال تايمز” إن قوة الجذب الدائمة للرئيس رجب طيب أردوغان، بددت آمال المعارضة، مضيفا أن الأخيرة تواجه مهمة صعبة في الجولة الثانية لمواجهة موقف الرئيس القوي.
ولو شعر الرئيس بالانزعاج من الطبيعة التي تميزت بها انتخابات تركيا المحورية، والنتائج التي أظهرت أن تركيا ستخوض جولة ثانية، فإنه لم يظهره عندما خاطب أنصاره المتحمسين في الساعات الأولى من صباح الإثنين. وبدلا من ذلك، فقد وقف على شرفة مقرات حزب العدالة والتنمية في أنقرة، وألقى خطابا ناريا وسط الأناشيد وملوحي الأعلام من أنصاره. وأكد أنه في المقدمة وأنه سينهي السباق منتصرا سواء ذهبت الانتخابات لجولة ثانية أم لا.
وتؤكد ثقة أردوغان بنفسه وطاقته، على صعوبة المهمة التي تواجه المعارضة التي دخلت الانتخابات يحدوها الأمل والتفاؤل. ورغم الضربة التي وجهتها لعدوها، إلا أنها لم تكن قادرة على توجيه الضربة القاضية ضد مناضل لا يكل، وألقى بظله على السياسة التركية خلال العقدين الماضيين.
ومع الانتهاء من حساب كل الأصوات، فقد حصل أردوغان على نسبة 49.5% مقابل 44.8% لكليتشدار أوغلو مما يعني جولة ثانية.
وزاد من التحدي للطاولة السداسية التي يقودها كليتشدار أوغلو أن تحالف الجمهور القومي الذي يقوده أردوغان في طريقه للحصول على غالبية مقاعد البرلمان. ويتوقع أن يعزز من موقف الرئيس قبل الانتخابات، حيث سيحاول استغلال مخاوف الناخبين من حكومة ضعيفة وعدم استقرار سياسي، كل هذا في وقت تواجه تركيا أزمة في المعيشة التي يحمّل الكثيرون الرئيس مسؤوليتها.
وقال إنغلاند إن هذه المعركة تدخل منطقة غير واضحة في سباق لتأمين المنصب التنفيذي القوي في 28 أيار/ مايو. إلا أن أردوغان استطاع تحقيق انتصارات عدة منذ قيادته أول مرة لحزب العدالة والتنمية، وهو مستعد للمعركة. وبعد خطاب الزعيم الكاريزماتي في الساعات الأولى من صباح الإثنين، ظهر كليتشدار أوغلو، وعبّر عن استعداده للجولة الثانية، لكن وخلافا لأردوغان الذي تحدث من الشرفة في مقر حزبه، كان أوغلو يتحدث في منصة خالية. وهو يعرف وحلفاؤه أنهم يتنافسون في ملعب غير متوازن، حيث تسيطر الحكومة على معظم وسائل الإعلام، ومستعدة لنشر واستخدام المصادر لدعم قضيتها.
لكن صانع الملوك في الانتخابات والمفاجأة، هو سنان أوغان الذي حصل على نسبة 5% من الأصوات. وكان أوغان عضوا سابقا في الحركة القومية المتطرفة التي تشارك ائتلاف أردوغان في البرلمان. ولكن محاولة كليتشدار أوغلو جذب أنصار أوغان ستكون صعبة نظرا للكراهية التي يكنها أوغان لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي الذي يدعم المعارضة. وسيواصل أردوغان وأنصاره التأكيد، رغم الانتقادات بشأن إدارة الاقتصاد، بأنه الرجل الوحيد المجرب القادرعلى إصلاح الاقتصاد المترنح، وإعادة بناء المناطق المتضررة من الزلزال.
وقد يحاول الزعيم الداهية والمشاكس البالغ من العمر 69 عامان والذي خدم ثلاث مرات كرئيس للوزراء ويحاول تأمين ولاية ثالثة كرئيس، اللعب على مخاوف الناس من عدم الاستقرار في أمة مستقطبة. وحفلت خطاباته في حملاته الانتخابية بالكثيرمن الهجمات ضد كليتشدار أوغلو الذي اتهمه بأنه سيستسلم لصندوق النقد الدولي، وأنه “مخمور” ومؤيد للمثليين ويتحالف مع “الإرهابيين”، ومن المتوقع أن يقول المزيد من هذا الكلام.
وسيحاول أردوغان استغلال خوف الناخبين من التحالفات الهشة التي حكمت تركيا قبل حكم العدالة والتنمية. وفي الوقت الذي وحدت المعارضة صفوفها بطريقة لم تشهدها منذ عقود، إلا أن التحالف تشكل من أحزاب وجماعات متباينة وتمثل كل الطيف السياسي. وربما حاول كليتشدار أوغلو التأكيد على كلفة المعيشة على أمل أن تكون كعب أخيل أردوغان، حيث زاد معدل التضخم، وسجلت الليرة معدلات متدنية. ولكن التحدي الأكبر له هو إعادة تفعيل قاعدته القلقة وتغيير مواقف الناخبين غير المتأكدين، وأن الرئيس أردوغان لم يعد يمثل مصالحهم، وأن تحالفه مستقر وقادرعلى تقديم ما وعد به.
لكن هناك شكوك حتى بين المعارضة حول قدرة كليتشدار أوغلو (74 عاما) على هزيمة الزعيم السياسي الماهر، ويتساءلون عن حكمة اختياره كمرشح بدلا من مرشح شاب، مثل أكرم إمام أوغلو، عمدة اسطنبول.
وربما عادت هذه الشكوك لو تبددت آمال المعارضة بعد النتائج الأخيرة. ولا أحد يشك في أن أردوغان يقاتل من أجل مستقبله السياسي، لكنه يثبت لنقاده أنه لا يزال موجودا ويجب عليهم ألا يكتبوا نعيه.
—————————-
لماذا يريد الغرب هزيمة أردوغان؟/ حسين مجدوبي
خلال الانتخابات الرئاسية التركية التي جرت الأحد 14 مايو/أيار الجاري، تناسلت المقالات في الصحافة الغربية، وهي مقالات تعكس مواقف عدد من الدول الغربية، التي تتمنى هزيمة طيب رجب أردوغان في هذه الانتخابات، وفوز غريمه الذي يميل للغرب كليتشدار أوغلو. وكان أردوغان عرضة للكثير من الانتقادات طيلة السنوات الماضية تارة بسبب مواقفه السياسية في العلاقات الدولية، وتارة باسم حقوق الإنسان بسبب الخروقات التي تشهدها البلاد، وتارة أخرى بسبب ما يحصل من خروقات بعد فشل المحاولة الانقلابية. وفي الانتخابات الرئاسية التي جرت يوم الأحد الماضي، والتي أسفرت عن نتائج تقود للجولة الثانية، كان جزء من الإعلام الغربي مشارك في الحملة الانتخابية، وكأنه ناطق باسم المرشح كليتشدار أوغلو. وتقف أسباب كثيرة وراء موقف الغرب الراغب في هزيمة أردوغان، وإن كانت كلها تحمل طابعا جيوسياسيا، لاسيما في وقت يشهد فيه العالم تغيرات عميقة. ومن أبرز هذه المواقف ما يلي:
في المقام الأول، يوجد تيار في الغرب لا يرغب في رؤية الإسلام السياسي المعتدل ينجح في صناديق الاقتراع، ويعمل على تقدم البلاد ويشكل حافزا لشعوب أخرى. وكانت مؤسسة راند التي تساهم في صنع القرار الأمريكي، من خلال وضع التصورات الكبرى، قد اعتبرت في تقرير استراتيجي لها سنة 2003-2004 بأنه يجب تعميم النموذج التركي على باقي العالم العربي، لمواجهة الفكر السلفي المتطرف. وكان هذا إبان الحرب ضد الإرهاب بعد 11 سبتمبر/أيلول وضد العراق. وكان حزب العدالة والتنمية حديث السلطة سنة 2004، غير أنه بعد مرور أكثر من عقدين في السلطة، ونوعية السياسة التي تبناها، تنظر مراكز التفكير الاستراتيجي ومنها «راند» بعين القلق، إلى النموذج التركي الأردوغاني لأنه أطفأ النموذج الأتاتوركي، وبدأ يشكل مرجعا لسياسيين ومفكرين في العالم العربي والإسلامي. وتجدر الإشارة إلى أن أي نموذج ناجح من العالم الثالث كانت مرجعيته ليبرالية أو إسلامية أو اشتراكية، يكون مصدر قلق لأوساط في الغرب.
في المقام الثاني، شكّلت تركيا، ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية سدا رئيسيا للغرب لصد المد الشيوعي في الشرق الأوسط، أيديولوجيا وعسكريا بعد انضمامها إلى منظمة حلف شمال الأطلسي. فقد احتضنت قواعد وأسلحة نووية كأقرب نقطة لضرب الاتحاد السوفييتي في حالة الحرب. ونجحت في وجه الأنظمة العربية مثل العراق وسوريا. غير أن تركيا أمس ليس هي تركيا اليوم. فقد أحست تركيا بالمرارة عندما رفض الاتحاد الأوروبي انضمامها، وتفاقمت المرارة عندما بدأ الغرب يوظف مجازر الأرمن ضده. وشرعت مع أردوغان إلى تغيير شبه جذري في سياستها. علاقة بهذا، بدأت تقتني السلاح الروسي والصيني، ولعل أبرز عنوان في هذا الشأن هو اقتناؤها لمنظومة الدفاع الجوي إس 400 الروسية، في تحد كبير للغرب، خاصة الولايات المتحدة التي فرضت عليها عقوبات. ثم ميلها التدريجي إلى المحور الروسي – الصيني، من خلال التنسيق السياسي في ملفات دولية واحتمال الانضمام إلى مجموعة بريكس. وبدأت تركيا تضعف النفوذ الغربي في البحر الأبيض المتوسط، من خلال محاصرة النفوذ الفرنسي، وكذلك في القارة الافريقية. تحولت تركيا إلى دولة «بيفوت» بمفهوم أنها قطعة ضرورية في المشهد الجيوسياسي العالمي، وقادرة على إحداث تغييرات ملحوظة في حالة ما إذا مالت لهذا الطرف أو ذاك.
في المقام الثالث، من أبرز الملفات التي تثير الغرب وتجعله لا يتمنى نجاح أردوغان هو سياسة تركيا العسكرية، فقد نجحت تركيا في تطوير صناعتها العسكرية بشكل لافت للنظر، ومنها السفن الحربية والطائرات المسيرة. ويكفي أن الطائرات المسيرة التركية أنقذت نسبيا أوكرانيا من الدمار الذي تعرضت له في بداية الحرب. وبدأت دول لديها باع في الصناعة العسكرية تقتني الدرونات التركية. وبدأت توقع صفقات مع عدد من الدول، خاصة الفقيرة لكي ترفع من قدراتها التسليحية والدفاعية. والحديث عن السلاح هو حديث عن السيادة والدفاع عن استقلالية القرار السياسي لأي دولة، والواقع أن بعض الدول الافريقية ما كان لها الحصول على طائرات مسيرة وأسلحة أخرى لو لم تحقق تركيا هذه القفزة في صناعة السلاح.
في المقام الرابع، كانت دول العالم الثالث ومنها العربية، تبرر تخلفها بأنها لا يمكنها التقدم مثل الدول الغربية بسبب النهضة الأوروبية التي شهدها الغرب منذ خمسة قرون، غير أن تركيا كسرت هذا الاعتقاد الخاطئ من خلال رهانها على البحث العلمي والاستثمار الذكي في مختلف القطاعات بما فيها العسكرية. الأمر الذي جعلها تحقق نسبة كبيرة من الاكتفاء الذاتي في مختلف الحاجيات، وتتحول إلى دولة قوية تجاريا وسياسيا وعسكريا. وبدأ مفكرون وإعلاميون مقربون من السلطة في بعض الدول ونذكر منها المغرب والجزائر يتحدثون عن النموذج التركي. وكان الإعلام شبه الرسمي المغربي في مواجهته للأزمات مع دول أوروبية ومنها فرنسا، يوظف فكرة أن هذا الغرب وبالأخص باريس لا تريد تركيا جديدة في جنوب غرب البحر الأبيض المتوسط، أي المغرب. ويسعى العديد من دول العالم الثالث إلى تقليد الوصفة التركية لتحقيق الاكتفاء الذاتي في شتى المجالات. تحول تركيا إلى نموذج تحفيزي للكثير من الدول ومنها جنوب البحر الأبيض المتوسط يقلق الغرب كثيرا.
في المقام الخامس، بصم أردوغان تاريخ تركيا بسبب استمراره في السلطة لما يفوق العقدين كرئيس للحكومة، ثم كرئيس للدولة، حيث أصبحت الإدارة عموما أردوغانية نسبيا. وذلك بمعنى أن الدولة العميقة تؤمن بالأهداف الكبرى التي عمل ويعمل من أجلها أردوغان مثل تطوير البلاد صناعيا وتجاريا، وإن كان جزء من هذه الإدارة لا يتقاسم معه أفكاره، خاصة الطرح الديني. ولهذا وإن انهزم أردوغان في الجولة الثانية، سيكون من الصعب على منافسه كليتشدار أوغلو إحداث تغيير جذري في سياسة البلاد داخليا وخارجيا. وهنا نستحضر السيناريو البرازيلي، فقد تولى رئاسة البرازيل اليميني الشعبوي جاير بولسونارو سنة 2019، ولكنه لم يستطع إحداث تغيير كبير في توجهات البلاد التي رسمها الرئيس لولا دا سيلفا ومنها، الرهان على سياسة تبتعد تدريجيا عن الولايات المتحدة لتزعم منطقة أمريكا اللاتينية.
ويبقى دائما التحدي في مثل هذه الحالات، هل حزب العدالة والتنمية قادر على إيجاد بديل لأردوغان يتمتع بثقله السياسي وجرأته والكاريزما نفسها، لأن غياب البديل الذي سيعوض الزعيم يجعل الكثير من المشاريع الكبرى للدول تفشل أو تتباطأ في تنفيذ الأهداف المسطرة. كما أن الشعوب ترفض في بعض الأحيان استمرار وجه وحيد في السلطة، لاسيما إذا كانت تعيش مرحلة تطوير الديمقراطية.
كاتب مغربي
القدس العربي
—————————–
صحيفة فرنسية: انتخابات تركيا.. لماذا أحبط أردوغان التوقعات؟
إذا لم يتم انتخاب الرئيس المنتهية ولايته في الجولة الأولى، فإنه يتقدم على خصمه الرئيسي كمال كليتشدار أوغلو بأربع نقاط، وهو ما يكفي لخوض الجولة الثانية بثقة؛ وهذه توقعات معظم معاهد استطلاع الرأي. والسؤال المطروح: كيف استطاع الرئيس رجب طيب أردوغان أن يتصدر الانتخابات الرئاسية؟
أوضحت “لوموند” أن حوالي 89% من الناخبين المسجلين شاركوا في الاقتراع المزدوج الرئاسي والتشريعي الذي أجري يوم الأحد، معتبرة أن النتيجة التي خرجت بها الجولة الأولى من الانتخابات ليست انتصارا واضحا، لكنها ليست هزيمة للسيد أردوغان. فرغم عدم انتخابه في الجولة الأولى، على عكس الانتخابات الرئاسية السابقة، إلا أنه يمكنه الاقتراب بثقة من الجولة الثانية المقرر إجراؤها في 28 مايو. لا يقتصر الأمر على حصوله على أكثر من مليوني صوت متقدما على منافسه، ولكن بعد الانتخابات التشريعية، يحتفظ حزب العدالة والتنمية، بقبضته على البرلمان.
كليتشدار أوغلو “المرشح الأكثر هشاشة” ضد أردوغان
تابعت “لوموند” القول إن المثير للدهشة، هو أن الائتلاف الحاكم يحتل الصدارة في المناطق الجنوبية الشرقية التي تضررت من الزلزال الذي وقع في 6 فبراير الماضي، وأدى لمقتل 50 ألف شخص، وذلك على الرغم من الانتقادات التي وُجهت للحكومة بتهمة الافتقار إلى التجاوب والتنسيق في إدارة الإغاثة. كما انتُقدت السلطات لإهمالها تجاه معايير مكافحة الزلازل والفساد، ناهيك عن الفضائح، مثل بيع الخيام من قبل الهلال الأحمر التركي، المفترض توزيعها مجانا على الضحايا.
على الرغم من كل ذلك، فإن حزب العدالة والتنمية حصد نتائج جيدة في مناطق الكوارث. والغريب أن الوضع الاقتصادي السيئ لم يعاقب الرئيس المنتهية. و“يعتقد الناخبون أن سياسته الاقتصادية فاشلة، لكنهم لا يرون أن كمال كليتشدار أوغلو قادر على حلها أيضا”، كما يقول أوزر سينكار، مدير معهد MetroPOLL، والذي يعد المؤسسة الوحيدة التي قدّمت بين يومي 4 و7 مايو، نتائج مماثلة للنتائج المعلنة يوم الإثنين.
ويعتبر أوزر سينكار، أن كمال كليتشدار أوغلو هو “المرشح الأكثر هشاشة في مواجهة الرئيس أردوغان”. علاوة على ذلك، سخر أردوغان أكثر من مرة من السيد كيلتشدار أوغلو، مشيرا إلى هويته العلوية. وبما أن أوغلو كردي أيضا، ويدعمه حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد، فقد أشار أردوغان مرارا وتكرارا إلى أنه كان متعاونا مع ”المنحرفين” المثليين، أو أنه كان حذاء حزب العمال الكردستاني. وهي كذبة فجة، ومع ذلك اتخذها العديد من الأتراك القوميين في ظاهرها، وفق ”لوموند” دائماً.
وقالت “لوموند” إن القومية آخذة في الارتفاع ، بالنظر إلى النتيجة الرئاسية الجيدة لسنان أوغان، وهو سياسي غير معروف حتى الآن لعامة الناس، والذي فاز بنسبة 5% من الأصوات. هذا العضو السابق في حزب الحركة القومية لديه برنامج من سطرين: إرسال اللاجئين السوريين (3.6 مليون) إلى وطنهم، ومنع أكراد تركيا (بين 15 و18 مليون شخص) من أي تمثيل سياسي. على الرغم من أنه لم يصدر تعليمات بشأن التصويت في 28 مايو، إلا أن منح أصواته لصالح مرشح المعارضة يبدو غير مرجح.
كما حقق القوميون المتطرفون في حزب الحركة القومية، الشريك الائتلافي لحزب العدالة والتنمية، نجاحاً لافتاً في الانتخابات التشريعية بنسبة 11% من الأصوات. فبفضل المقاعد التي حصل عليها حزب الحركة القومية والشركاء الآخرون في الائتلاف الرئاسي، حصل حزب العدالة والتنمية على الأغلبية في البرلمان. بدون هذه المساهمة، فإن حزب أردوغان في تراجع طفيف، مع 267 مقعدا فقط.
أردوغان لعب بالنار دون أن يحترق
تواصل لوموند القول: “يبدو أن التركيبة الإسلامية القومية لديها مستقبل مشرق. يمنحها نظام التحالف مرونة معينة، فقد كانت النتيجة الجيدة لحزب الحركة القومية غير متوقعة على الإطلاق، حيث وصف المحللون الحزب بأنه ضعيف ومنقسم، خاصة بعد اغتيال أحد أبرز قياداته، سنان أتيس، في ديسمبر عام 2022 ، بالرصاص لاستنكاره تواطؤ الحزب مع تجار المخدرات”.
وتابعت الصحيفة أن المفتاح الآخر الذي يرجح أن يفسر نجاح أردوغان المستمر في الانتخابات هو “النظام الزبائني” الذي وضعه، والذي يغمر ناخبيه بالإعانات والزيادات والهدايا مقابل ولائهم أثناء التصويت.
ولمناشدة الأسر الفقيرة بسبب التضخم، تم رفع الأجور وخفض سن التقاعد ودعم فواتير الغاز والكهرباء. أخيرا، كما هو الحال في كل انتخابات، حرص أردوغان على استمالة الجماعات الدينية التي تمثل مخزونا كبيرا من الأصوات. لقد قام بحملته بمهارة، ليس على الاقتصاد الراكد، ولكن على تعزيز الكبرياء الوطني.
وتضيف “لوموند” أن الرئيس المنتهية ولايته ركز أيضاً كل شيء على الإنجازات العسكرية والتكنولوجية الأخيرة، وحاملة طائرات “أناضول” الجديدة، ودبابة “ألتاي” وسيارة “توغ” الكهربائية الجديدة.
واعتبرت “لوموند” أن الاقتصاد يُعلن نفسه، في الواقع، كأخطر منافس لأردوغان في المستقبل، إذ تواجه تركيا عجزا هائلا في ميزان المدفوعات، حيث يبلغ إجمالي احتياجات التمويل الخارجي للبلاد نحو 220 مليار دولار، وعجز في الحساب الجاري يبلغ 50 مليار دولار، وديون قصيرة الأجل تبلغ 180 مليار دولار.
وتنقل “لوموند” عن خبير الاقتصاد في الأسواق الناشئة، تيموثي آش، في مذكرة نشرها مركز تحليل السياسة الأوروبية (CEPA)، أن احتياطيات البنك المركزي التركي تبلغ حوالي 100 مليار دولار، وهي غير كافية لملء الفراغ. ويضيف قائلا: “حتى الآن.. لعب السيد أردوغان بالنار دون أن يحترق. لكن سياسته النقدية غير التقليدية والمعززة للتضخم هي لعبة محفوفة بالمخاطر بالنسبة له ولتركيا”.
————————————
أردوغان يخالف توقعات انتهاء مشواره السياسي في انتخابات تركيا
أنقرة: خالف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان توقعات بانتهاء مشواره السياسي بعد أن أظهر أداء قويا في الانتخابات التركية، متجاوزا أصعب اختبار انتخابي له حتى الآن من خلال حشد الناخبين المحافظين الذين يمكنهم الآن دفعه للبقاء في السلطة لعقد ثالث.
ورغم أن أردوغان لم يحقق انتصارا بعد، إذ لا يزال يتعين عليه الفوز في جولة الإعادة في 28 مايو/ أيار ضد منافسه كمال كليتشدار أوغلو، فإنه بدا في أجواء احتفالية مع ظهور النتائج واحتشاد أنصاره المنتمين لحزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية في أنقرة.
وتحدث أردوغان (69 عاما) من شرفة مقر الحزب أمام آلاف من مؤيديه وهم يلوحون بالأعلام قائلا “هذا لقاء المحبين. نشهد نتيجة هذا الماراثون معكم الليلة”.
ومن شأن فوز أردوغان في الانتخابات أن يرسخ فترة حكمه التي غيّر فيها ملامح تركيا وأعاد تشكيل الدولة العلمانية التي تأسست منذ 100 عام لتلائم رؤيته المتدينة بينما أحكم قبضته على السلطة فيما يعتبره المعارضون توجها نحو حكم سلطوي.
ورغم دفاعه عن نفسه باعتباره حامي الديمقراطية التركية، فإن أردوغان جمع خيوط كافة السلطات في يده من خلال نظام حكم رئاسي قمع المعارضة وسجن منتقديه ومعارضيه وسيطر على وسائل الإعلام والقضاء والاقتصاد. وكدّس المؤسسات العامة بالموالين وأضعف أجهزة الدولة المعارضة.
وعلى الصعيد العالمي، حوّل أردوغان وجهة تركيا بعيدا عن حلفائها الغربيين التقليديين وأقام علاقات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وجعل من بلاده قوة إقليمية نافذة.
وواجه أردوغان رياحا سياسية معاكسة قبل تصويت أمس الأحد بعد أن كان يواجه بالفعل أزمة اقتصادية عندما وقع زلزال مدمر في فبراير/ شباط. واتهم منتقدون حكومته ببطء الاستجابة للزلزال وعدم تطبيق قوانين البناء بحزم، وهي الإخفاقات التي قالوا إنها تسببت في إزهاق أرواح.
وقال مسؤولون إن أردوغان فكر في تأجيل الانتخابات بعد الكارثة لكنه غير رأيه، وبدا واثقا من قدرته على حشد الناخبين من خلال التعهد بالإسراع في إعادة بناء المباني المنهارة.
وأظهرت استطلاعات الرأي تزايد فرص فوز كليتشدار أوغلو، الذي رشحه تحالف مؤلف من ستة أحزاب في انتخابات رأوا أنها أفضل فرصة حتى الآن للإطاحة بأردوغان ووضع نهاية لفترة حكمه.
لكن أردوغان الذي حقق نحو عشرة انتصارات انتخابية أظهر تقدما مريحا على كليتشدار أوغلو رغم عدم وصوله للأغلبية المطلوبة للفوز.
وفاز حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي إليه أردوغان وحلفاؤه بأغلبية برلمانية في انتخابات أمس الأحد.
وتعكس النتيجة الدعم القوي الذي لا يزال يحظى به أردوغان لا سيما في المناطق المتدينة حيث شعر الناخبون لفترة طويلة بالتهميش من جانب النخبة العلمانية التي كانت مهيمنة ذات يوم.
حشد القاعدة
بمساعدة وسائل الإعلام التركية الداعمة له إلى حد كبير، ركزت حملة أردوغان الانتخابية على نجاحاته الاقتصادية بدلا من أزمة تكلفة المعيشة وتبعات الزلزال الذي أودى بحياة أكثر من 50 ألفا.
وملأ أردوغان الفترة السابقة للانتخابات باحتفالات بإنجازات صناعية، بما في ذلك إطلاق أول سيارة كهربائية تركية وتدشين أول سفينة هجومية برمائية، والتي تم بناؤها في إسطنبول لحمل طائرات مسيرة تركية الصنع.
كما أسرع أردوغان بتسليم أول شحنة من الغاز الطبيعي لمحطة بحرية من احتياطي مكتشف في البحر الأسود ووعد بتوفير الغاز الطبيعي مجانا للمنازل، وافتتح أول محطة للطاقة النووية في تركيا في حفل شارك فيه عبر الانترنت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ووجه أردوغان اتهامات لكليتشدار أوغلو دون أن يقدم دليلا، وشملت هذه الاتهامات حصوله على تأييد حزب العمال الكردستاني المحظور الذي يشن تمردا منذ الثمانينيات أودى بحياة أكثر من 40 ألفا حتى الآن. ونفى كليتشدار أوغلو هذه الاتهامات.
وعلى مدى عقدين قضاهما في السلطة، أعاد أردوغان رسم السياسة الداخلية والاقتصادية والأمنية والخارجية لتركيا، لينافس الزعيم التاريخي مصطفى كمال أتاتورك الذي أسس تركيا الحديثة منذ قرن.
ونجا أردوغان من محاولة انقلاب عسكرية في 2016 عندما هاجم جنود مارقون البرلمان وقتلوا 250 شخصا.
وكان الجانب الاقتصادي أحد نقاط القوة الرئيسية لأردوغان في العقد الأول من حكمه، إذ تمتعت تركيا بازدهار طويل الأمد مع إنشاء طرق ومستشفيات ومدارس جديدة وارتفاع مستويات المعيشة لسكانها البالغ عددهم 85 مليون نسمة.
لكن الاقتصاد أصبح مشكلة سياسية إذ شرعت الحكومة في سياسة خفض أسعار الفائدة لمواجهة التضخم المتصاعد. وبهدف تعزيز النمو، وأدت السياسة إلى انهيار العملة في أواخر عام 2021 وتفاقم التضخم.
رئيس بلدية إسطنبول
نشأ أردوغان في حي فقير بإسطنبول والتحق بمدرسة مهنية إسلامية، واشتغل بالعمل السياسي كزعيم للشباب في حزب محلي وشغل منصب رئيس بلدية إسطنبول في 1994.
وقضى فترة في السجن في عام 1999 بسبب قصيدة ألقاها عام 1997 شبّه فيها المساجد بالثكنات والمآذن بالخنادق والمؤمنين بالجيش.
وبعد أن شغل منصب رئيس حزب العدالة والتنمية، أصبح رئيسا للوزراء في 2003.
ونجحت حكومته في ترويض الجيش التركي الذي أطاح بأربع حكومات منذ عام 1960، وفي عام 2005 بدأ محادثات لتحقيق طموح استمر عقودا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي -وهي خطوة تعطلت لاحقا بشكل كبير.
ونظر الحلفاء الغربيون في البداية إلى تركيا بقيادة أردوغان على أنها مزيج حيوي من الإسلام والديمقراطية يمكن أن يكون نموذجا لدول الشرق الأوسط التي تكابد للتخلص من الاستبداد والركود.
لكن مساعيه لفرض سيطرة أكبر سببت حالة استقطاب في البلاد وأثارت قلق الشركاء الدوليين. واعتبر المؤيدون المتحمسون ذلك مجرد مكافأة لزعيم أعاد التعاليم الإسلامية إلى صميم الحياة العامة في تركيا ودافع عن الطبقات العاملة المتدينة.
غير أن المعارضين رأوا أن ذلك هو إمعان في الاستبداد.
وبعد محاولة الانقلاب في 2016، شنت السلطات حملة على نطاق واسع، إذ احتجزت أكثر من 77 ألفا في انتظار المحاكمة وفصلت أو أوقفت عن العمل 150 ألف موظف حكومي. وتقول منظمات حقوقية إن تركيا صارت أكبر دولة تسجن الصحفيين في العالم لبعض الوقت.
وقالت حكومة أردوغان إن الحملة كانت نتيجة تهديدات من أنصار الانقلاب وكذلك تنظيم “الدولة” وحزب العمال الكردستاني.
وعلى الصعيد الداخلي، يقف مجمع القصر الرئاسي الجديد مترامي الأطراف المُقام على مشارف أنقرة كعلامة بارزة على سلطات أردوغان الجديدة، أما على الصعيد الخارجي فإن تركيا تستعرض قدراتها بشكل متزايد وتدخلت في سوريا والعراق وليبيا وغالبا ما تنشر طائرات مسيرة عسكرية تركية الصنع بقوة حاسمة.
(رويترز)
—————————
تركيا إلى أي خيارات بعد تحالفات الانتخابات ووعودها؟/ عمر كوش
يتوجّه حوالى 61 مليون ناخب تركي، اليوم الأحد (14 مايو/ أيار الجاري)، إلى أكثر من 191 ألف صندوق اقتراع موزّعة على 87 دائرة انتخابية داخل تركيا، للإدلاء بأصواتهم في أهم انتخابات عامة، رئاسية وبرلمانية، في تاريخ تركيا، بالنظر إلى أن نتائجها ستحدّد وجهة تركيا المستقبلية، حيث تعلّق المعارضة آمالها على إلحاق الهزيمة بالرئيس رجب طيب أردوغان، وإعادة البلاد إلى النظام البرلماني في حال فوزها، فيما يطمح الأخير إلى الفوز بها ليستكمل مشواره في الحكم، الذي بدأ بعد فوز حزب العدالة والتنمية في انتخابات عام 2002. كما أن هذه الانتخابات، التي تعد الثانية وفق النظام الرئاسي الذي أُقرّ في عام 2017، تجرى وسط حالةٍ من الاستقطاب الشديد في تركيا، وتحظى بمتابعة واهتمام كبيريْن على المستويين الدولي والإقليمي، كونها ستحدّد توجّهات تركيا المستقبلية، وطبيعة الدور الإقليمي، الذي ستقوم به في ظل التغيرات والظروف الجيوسياسية الإقليمية والدولية. وبالتالي، بات السؤال، الذي يطرح في داخل تركيا وخارجها: ما الذي ستحمله هذه الانتخابات؟
المشهد الانتخابي
تتزامن هذه الانتخابات مع الذكرى المئوية الأولى للجمهورية التركية، ما يعطيها وزناً معنوياً ورمزياً إضافياً، وتُجرى وفق النظام الرئاسي كل خمس سنوات، بحيث تكون ولاية الرئيس خمس سنوات، وولاية البرلمان أيضاً خمس سنوات. ويواجه الرئيس أردوغان، مرشّح “تحالف الجمهور” وزعيم حزب العدالة والتنمية، في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة المقبلة منافسيْن: مرشّح “تحالف الأمة” المعارض وزعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كلجدار أوغلو، ومرشّح تحالف “أتا” أو الأجداد اليميني المتطرّف سنان ودغان، وذلك بعد انسحاب مرشّح حزب “البلد” محرم إنجيه، الخميس الماضي. فيما سيخوض الانتخابات البرلمانية، التي ستجرى في اليوم نفسه مع الانتخابات الرئاسية، 24 حزباً و152 مرشّحاً مستقلاً، لانتخاب أعضاء البرلمان (600 عضو)، حيث ستخوضها معظم الأحزاب المتنافسة ضمن قوائم مشتركة في خمس تحالفات رئيسية: “تحالف الجمهور”، الذي يضم أحزاب العدالة والتنمية، والحركة القومية، والاتحاد الكبير، والرفاه الجديد، وتدعمُه أحزابٌ أخرى من خارجه، و”تحالف الأمة” المعارض الذي يضمّ أحزاب الطاولة السداسية، وهي الشعب الجمهوري، والجيد، والسعادة، والديمقراطية والتقدّم، والمستقبل، والديمقراطي، و”تحالف الجهد والحرية” الذي يضم أحزاباً يسارية يقودها حزب الشعوب الديمقراطي، و”تحالف أتا” أو الأجداد الذي يضم أحزاباً يمينية يقودها حزب النصر المعادي للاجئين، و”تحالف اتحاد القوى الاشتراكية” الذي يضم حزب الحركة الشيوعية والحزب الشيوعي التركي والحزب اليساري.
يُظهر المشهد الانتخابي أن أهم ما يميّز هذه الانتخابات الحاسمة التركيز على التحالفات بين أحزاب مختلفة في الإيديولوجيات والأطروحات السياسية، بمعنى أن ما يجمعها يتركّز على ضرورات الفوز في العملية الانتخابية، حيث انقسمت الأحزاب والتيارات القومية بين التحالفات المتنافسة، فآثر حزب الحركة القومية، بقيادة دولت بهجلي، البقاء في تحالفه حزب العدالة والتنمية، ضمن تحالف الجمهور، الذي انضم إليه حزبان قوميان هامشيّان، الوحدة الكبرى والوطن، فيما بقي حزب النصر، القومي المتطرّف، وحده خارج التحالفات، ولا يطرح سوى ورقة طرد اللاجئين السوريين من تركيا وترحيلهم إلى بلدهم. وذهب الحزب الجيّد، القومي، بزعامة ميرال أكشنر إلى تحالف الأمة المعارض، مع وجود عناوين أخرى. وجمع تحالف الطاولة السداسية أحزاباً سياسية ذات إيديولوجيات متنافرة، علمانية وقومية وإسلامية وليبرالية، وانفتح هذا التحالف على حزب الشعوب الديمقراطي ذي الغالبية الكردية. في المقابل، تحالف حزب العدالة والتنمية مع حزب هدى بار، الإسلامي الكردي ذي الميول الإيرانية. كما شهدت الخريطة الانتخابية تحالفاً بين حزبي السعادة الإسلامي التوجّه، والشعب الجمهوري العلماني التوجّه، وجمعت بين حزبي العدالة والتنمية، الإسلامي المحافظ، واليسار الديمقراطي، الذي ترشّح زعيمه ذو الخلفية الماركسية لمقعد نيابي على قائمة “العدالة والتنمية”.
غير أن التحالفات الحزبية التي تشكّلت لضرورات انتخابية، وأفضت إلى نشوء تحالفاتٍ حزبيةٍ، جمعت بين أقصى اليمين وأقصى اليسار، والقومي المتشدّد مع الليبرالي المنفتح، لا تعني انفراط عقد الانقسامات الاجتماعية التقليدية القومية في المجتمع التركي، التي تنهض على دوافع وأسس هوياتية، علمانية ومحافظة، ويمينية ويسارية، وقومية: تركية وكردية، وحتى سنّية وعلوية، على الرغم من أنها ليست ثابتة على الدوام.
وأسهم في تعميق التحالفات الحزبية اعتماد تركيا نظام التمثيل النسبي، الذي يقوم على تزكية التحالفات الانتخابية، ويتم من خلاله توزيع عدد الأصوات التي حصلت عليها كل قائمةٍ مشتركةٍ على عدد الأحزاب فيها، بما يضمن المواءمة بين دقّة التمثيل والاستقرار. لكن على الرغم من تخفيض قانون الانتخاب البرلمانية الذي عدّل عام 2022، من عتبة دخول الأحزاب والتحالفات البرلمان من 10% إلى 7% من مجمل الأصوات في تركيا، الأمر المفترض أن يصبّ في مصلحة الأحزاب الصغيرة، لكن معظمها لم يفضّل الدخول في قوائم منفردة لخوض الانتخابات البرلمانية، مثلما فعلته أحزاب تحالف الأمة المعارض التي اختارت القوائم المشتركة مع حزب الشعب الجمهوري، فيما ضمّ “العدالة والتنمية” مرشّحين من حزب اليسار الديمقراطي والدعوة الحرّة، الإسلامي الكردي، في قوائمه للانتخابات البرلمانية، وذلك بالنظر إلى أن قانون الانتخابات بات يسمح للأحزاب الصغيرة بالدخول في قوائم الأحزاب الكبيرة في قوائم مشتركة، الأمر الذي يمنحها فرصةً في الدخول إلى البرلمان، حتى ولو لم تتجاوز العتبة الانتخابية، وبالتالي، لن تحصل الأحزاب الكبيرة كما في السابق على مزيد من المقاعد الإضافية التي كانت تخسرها الأحزاب الصغيرة.
البرامج والوعود
أطلق كل من أردوغان وكلجدار أوغلو وعوداً انتخابية عديدة، بغية جذب عدد أكثر من الناخبين الأتراك، خصوصاً الشباب والمتردّدين. وتفاهمت الأحزاب التركية على أن تكون أجواء الحملات الانتخابية هادئة، من دون إطلاق هتافاتٍ مستفزّة وموسيقا صاخبة، احتراماً لضحايا كارثة الزلزال الذي ضرب الجنوب التركي في 6 فبراير/ شباط الماضي. لكن هذا التفاهم لم يمنع تحوّلها إلى معركة سياسية صعبة، سيكون قرار الناخب فيها تحت تأثير الأزمة الاقتصادية والمعيشية، وارتدادات كارثة الزلزال، وورقة اللاجئين السوريين، وملفّ السياسة الخارجية التركية. لذلك لجأ التحالفان الرئيسيان، الجمهور والأمة، إلى إطلاق برنامجيهما مبكّراً، قبل بدء حملتيهما الانتخابيتين، حيث خرجت أحزاب الطاولة السداسية في 30 يناير/ كانون الثاني الماضي، ببرنامجها الذي حدّد التوجّهات والسياسات المشتركة، وشمل البرنامج المؤلف تسعة عناوين رئيسية و75 عنواناً فرعياً طاولت مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وركّز البرنامج على تغيير نظام الحكم الرئاسي المعمول به حالياً، واستعادة نظام الحكم البرلماني “المعزّز من أجل نظام قوي ليبرالي وديمقراطي عادل، يتم فيه الفصل بين السلطات مع هيئة تشريعية فعالة وتشاركية، وسلطة تنفيذية مستقرّة وشفّافة وخاضعة للمساءلة، وقضاء مستقل وحيادي”.
وتعهّد كجدار أوغلو بالعمل من أجل رفع مستوى معيشة المواطنين، وعدم ترك أي أسرة تعيش تحت خط الفقر، ووعد باستعادة استقلال البنك المركزي، والقضاء على نظام حكم الرجل الواحد. وقدَّم وعوداً اقتصادية بجذب استثمارات بقيمة 300 مليار دولار من الخارج للاقتصاد التركي، وتحديث سرعة الإنترنت في تركيا لتصل إلى ألف ميغابايت في الثانية. أما حزب العدالة والتنمية (الحاكم) فقد أعلن برنامجه الانتخابي في 11 إبريل/ نيسان الماضي، تحت عنوان “قرن تركيا”، وخصّص معظم بنوده الـ 11 للملف الاقتصادي، ووعد الأتراك برفع نصيب الفرد من الدخل القومي في الفترة المقبلة إلى 16 ألف دولار سنوياً، ونقله إلى مستويات أعلى، وتعهّد بالمحافظة على الأمن القومي التركي، ومحاربة الإرهاب، والسعي إلى رفع حجم التجارة الخارجية لتركيا إلى تريليون دولار، وجذب 90 مليون سائح. وقدَّم أردوغان خلال الأشهر الماضية حوافز اقتصادية وصفتها أوساط المعارضة بالرشى الانتخابية، إذ أعلن عن رفع الحد الأدنى ليبلغ ثمانية آلاف و500 ليرة تركية (443 دولاراً شهرياً)، ووعد برفع أدنى راتب للعاملين في القطاع الحكومي إلى 15 ألف ليرة تركية (حوالي 768 دولاراً)، بدءاً من شهر يوليو/ تموز المقبل، وبتوفير الغاز الطبيعي مجّاناً إلى المنازل بما يصل إلى 25 متراً مكعباً شهرياً مدة عام. كذلك دشّن وافتتح مشاريع عديدة كبيرة، أراد منها التذكير بالإنجازات الاقتصادية التي حققها في السنوات الماضية، حيث تسلم مفتاح أول سيارة كهربائية تركية، وافتتح مركز إسطنبول المالي، وشارك بوضع حجر أساس محطة الطاقة النووية “آك كويو” التي تبنيها روسيا، ووضع حجر الأساس لإنشاء 17 ألفاً و902 من الوحدات السكنية في المناطق التي تعرّضت لكارثة الزلزال. في المقابل، وعد كلجدار أوغلو بتلبية احتياجات منكوبي الزلزال، وباستعادة 418 مليار دولار جرى تهريبها إلى خارج تركيا، وتعزيز قيمة الليرة التركية، وتحسين أوضاع الموظفين والفلاحين وصغار التجار والمتقاعدين، ومحاربة الفساد، واستعادة 418 مليار دولار جرى تهريبها إلى الخارج، وتعزيز قيمة الليرة التركية، والقضاء على عصابات المافيا والمخدّرات، وسوى ذلك.
خيارات الناخبين
لا تشكّل البرامج والوعود الانتخابية العامل الحاسم في تحديد خيار الناخب التركي، إذ لا تهتم الغالبية العظمى منهم بها أو بالأحرى لا تطّلع عليها، لأن خيارات الناخبين لا تبنى على البرامج السياسية المتنافسة، بل تحدّدها في الغالب الانتماءات والهويات الاجتماعية، التي يختلط فيها الأهلي بالمناطقي والإيديولوجي والسياسي والطبقي، وسوى ذلك. وتلعب أصوات الأجيال الجديدة والمتردّدين دوراً مهماً في الإجابة عن سؤال ما الذي ستحمله الانتخابات العامة الأحد المقبل، إذ يُشكل الجيل Z (شباب بين 18-25 عاماً) نحو 13% من الناخبين الأتراك. يضاف إلى ذلك وجود عوامل قد تؤثّر على قرار الناخب التركي، أو على ما يمكن أن يحدّد خياراته في اللحظة الأخيرة.
خيارات الناخبين لا تبنى على البرامج السياسية المتنافسة، بل تحدّدها في الغالب الانتماءات والهويات الاجتماعية
وكان لافتاً أن يتطرّق كلجدار أوغلو إلى أصله العلوي، بهدف استمالة أصوات العلويين والأقليات في تركيا، والاستفادة من التذكير بالمذبحة التي شهدتها ولاية تونجلي (درسيم سابقاً)، مسقط رأسه، بين عامي 1937 و1939، والتي كان أردوغان أوّل رئيس تركي يعتذر رسميّاً عنها. وذهب كلجدار أوغلو إلى التعبير عن رغبته في تعميم اللغة الكردية لغة ثانية في تركيا، وحلّ القضية الكردية نهائياً في البرلمان، الأمر الذي أثار امتعاض الأوساط الدينية المحافظة والقومية واليمينية المعادية للأقليات. في المقابل، شارك أردوغان في ملتقى “الإفطار التقليدي للغجر” في إسطنبول، ووعد الغجر بحلّ مشكلاتهم، وأكد رفضه جميع المقاربات العنصرية حيالهم، ودعمه لهم في المجالات كافة.
أخيراً، تنحصر المنافسة على مستوى الرئاسة بين أردوغان وكلجدار أوغلو، على الأرجح، بالنظر إلى القدرات الشخصية والعملية لكل منهما، وهناك توقّعات بعدم تمكّن أحد المرشّحين الأربعة في معركة الرئاسة من الحصول على نسبة 50 +1، من مجموع الأصوات في الجولة الأولى، وبالتالي، سترحّل نتائج المواجهة في جولة الإعادة بين المتنافسيْن اللذين حصلا على أكبر نسبة من الأصوات في 28 مايو/ أيار المقبل. وتمنح هذه الحال الرئيس أردوغان فرصة للفوز بفترة رئاسية جديدة أكبر من منافسه، مع احتمال فوز تحالف المعارضة بالتنسيق مع حزب الشعوب الديمقراطية بالأغلبية البرلمانية، لكنها ستكون أغلبيةً ضعيفة، بحيث لا تمنحه إمكانية تعديل الدستور أو حتى الذهاب إلى استفتاء شعبي، الأمر الذي سيعيق أردوغان من تمرير قرارات وقوانين حكومته الجديدة. ويبقى أن كل الاحتمالات مفتوحة، وتتوقف على خيارات الناخبين الأتراك.
العربي الجديد
——————————-
تركيا تختبر حدود قوة أردوغان/ محمود علوش
يُصوّت الأتراك اليوم الأحد لاختيار رئيس وبرلمان جديديْن للجمهورية التي ستطوي بعد أشهر قليلة مئويتها الأولى. ستختبر هذه الانتخابات، بدرجة أساسية، حدود قوة رجب طيب أردوغان صانع تركيا الحديثة، وأحد أقوى الزعماء الذين تعاقبوا على حكمها منذ مصطفى كمال أتاتورك. لقد استطاع على مدى عقدين الفوز بـ15 استحقاقاً انتخابياً على التوالي، بينها 12 انتخابات برلمانية ورئاسية ومحلية، وثلاثة استفتاءات شعبية، كما واجه احتجاجات مناهضة له في عام 2013 ومحاولة انقلاب عسكري فاشلة في عام 2016. لكنّ نجاته من هذا الاستحقاق لا تبدو مضمونة على غرار الاستحقاقات السابقة. سيُواجه معارضة موحّدة بشكل غير مسبوق خلف منافسه القوي كمال كلجدار أوغلو. كذلك يخوض المنافسة في ظروف اقتصادية صعبة لم يسبق أن شهدت تركيا مثيلاً لها منذ وصول أردوغان إلى السلطة. ومن المحتمل أن تدفع بشريحة من قاعدة الدعم التقليدية له إلى التصويت لخصمه. لأن المنافسة بين أردوغان وكلجدار أوغلو على الرئاسة تبدو متقاربة إلى حد كبير، فقد تُضطرّ البلاد لإجراء جولة إعادة في 28 مايو/ أيار الجاري.
مع أن هذه الانتخابات تبدو منافسة غير مسبوقة في التاريخ الحديث للجمهورية بين تحالف حاكم وائتلاف معارض من أجل السلطة، إلّا أنّها، قبل كل شيء، ستكون استفتاءً على الإرث الذي صنعه أردوغان، الحافل بالإنجازات والجدل على حد سواء. لقد صنع هويّة جديدة لتركيا ممزوجة من خليط من الهوية المحافظة الذي أعاد إليها الاعتبار والهوية العلمانية الذي لم يتخلّ عنها ناقلاً العلاقة بين الهويتين من مرحلة التصادم إلى مرحلة التعايش. كما غيّر شكل النظام السياسي للبلاد على مراحل. كانت البداية من أول تعديل دستوري في عام 2007، والذي جعل رئيس الجمهورية يُنتخب مباشرة بالاقتراع العام بدلاً من انتخابه من البرلمان. ثم التعديل الدستوري في عام 2010 الذي قلّص دور القضاء العسكري، وصولاً إلى استفتاء عام 2017 الذي ألغى النظام البرلماني للجمهورية وشكل النظام الرئاسي. لأن المعارضة تعد بإلغاء هذا النظام والعودة إلى النظام البرلماني المُعزّز، فإن تحوّلاً سياسياً محتملاً في تركيا سيدفع باتجاه إعادة تشكيل نظامها السياسي. من أجل ذلك، تحتاج المعارضة للفوز بأكثر من نصف مقاعد البرلمان لطرح مشروع تعديل الدستور على الاستفتاء الشعبي، أو بغالبية الثلثين من أجل تمرير التعديلات الدستورية في المجلس من دون الحاجة إلى استفتاء.
قد يكون التطور المذهل لتركيا في الاقتصاد والقوة العسكرية خلال عهد أردوغان الأقل إثارة للجدل بين الأتراك. في عهده، أضحت البلاد من بين أكبر 20 اقتصاداً على مستوى العالم. وتوسّعت الطبقة الوسطى التي أضحت مهيمنةً على باقي الطبقات الأخرى، وأصبحت قاعدة الدعم الأساسية التي استمدّ منها أردوغان قوته. كما نمت الصناعات العسكرية المحلية، وأصبحت تُغطي ما يقرب من 80% من احتياجات تركيا العسكرية. وتحوّلت البلاد إلى مُصدّر رئيسي للأسلحة. وفي عهد أردوغان أيضاً، أصبحت تركيا أكثر نشاطاً في استخدام القوة العسكرية في الخارج. قبل حكمه، كان الوجود العسكري التركي في الخارج يقتصر على جزيرة قبرص، لكنّ حدود هذا النشاط، بعد مطلع العقد الثاني من الألفية الثالثة، توسّع بشكل متسارع. لدى تركيا الآن وجود عسكري في شمال سورية وقواعد عسكرية في شمال العراق لمحاربة حزب العمال الكردستاني المحظور، وقاعدة عسكرية في قطر وقاعدة عسكرية أخرى ضخمة في الصومال. وأدّت القوة العسكرية التركية في الخارج إلى تغيير مسار عدد من الصراعات مثل حرب قره باغ الثانية في جنوب القوقاز، والعمليات العسكرية التركية في شمال سورية، والدعم العسكري للمنطقة الغربية في ليبيا.
سيكون مستقبل هذه القوة محلّ شكوك لو فازت المعارضة في الانتخابات. وعد كلجدار أوغلو بإحداث تغيير جذري على السياسات التركية في مناطق النزاعات. إنه يرى أن الانخراط التركي في صراعات الشرق الأوسط بعد عام 2011 لم يجلب سوى المشكلات لتركيا. يبدو ذلك صحيحاً جزئياً، لكنّه، في المقابل، جعل تركيا لاعباً أساسياً في عملية إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية الإقليمية المحيطة بها جنوباً. سيكون لتراجع محتمل في الدور التركي في الشرق الأوسط آثار كبيرة على المنطقة بأسرها، وسيُحدث فراغاً كبيراً قد يُحدِث خللاً في الجغرافيا السياسية الإقليمية. لا يزال من غير الواضح كيف سيوازن كلجدار أوغلو بين التخلص من “لعنة” الشرق الأوسط وضمان مصالح تركيا الأساسية في المنطقة، لا سيما في مجالات الأمن والمصالح الحيوية لتركيا في الصراع الجيوسياسي شرق البحر المتوسط. سيكون تراجع تركي على الأرجح محلّ ترحيب لدى القوى الإقليمية التي عانت سنواتٍ من الاندفاعة الإقليمية للسياسة الخارجية في عهد أردوغان، لكنّ الفراغات المحتملة التي ستتركها تركيا قد تُشكّل خطراً أكبر على مصالح القوى الإقليمية. في سورية، على سبيل المثال، سيكون تراجع في الدور التركي بمثابة نعمة لإيران التي ستُحاول تعزيز حضورها بشكل أكبر في هذا البلد. وينطبق الحال نفسه على شمال العراق.
في القضية الكردية، كان أردوغان الزعيم التركي الوحيد الذي نقل العلاقة بين تركيا وأكرادها من مرحلة الصدام إلى مرحلة التعايش. لقد منح حقوقاً ثقافية ولغوية للمكوّن الكردي كانت قبل عهده أشبه بحلم. كما أبرم اتفاق سلام تاريخي مع حزب العمال الكردستاني في عام 2013 لم يصمد سوى عامين. وفي عهده أيضاً، كان حزب “الشعوب الديمقراطي” الكردي أول حزب سياسي كردي يدخل البرلمان. مع ذلك، مُنيت العلاقة التي صنعها أردوغان مع المكوّن الكردي بانتكاسة بعد انهيار عملية السلام. ويرجع ذلك، بشكل أساسي، إلى تأثير صعود النزعة الانفصالية لأكراد سورية بعد عام 2014، والتي أدّت إلى إعادة النزعة الانفصالية لحزب العمّال في الداخل. يعد كلجدار أوغلو بتنّي نهج مختلف بشكل جذري عن أردوغان في الحالة الكردية. من غير المؤكّد ما إذا كان هذا الوعد ينمّ عن رغبة صادقة بإحداث مثل هذا التحوّل، لكنّه كان بحاجة له لاستقطاب ناخبي حزب “الشعوب” الكردي، من أجل تعزيز فرص فوزه بالرئاسة. ومؤكّد أن أحد الاختبارات الكبيرة التي ستواجه كلجدار أوغلو فيما لو وصل إلى السلطة هي القضية الكردية. تنفيذ الوعود في قضية حسّاسة ومعقدة من هذا النوع وتتعلق بالأمن القومي التركي أسهل بكثير من إطلاقها.
وفي السياسة الخارجية مع الغرب وروسيا، استطاع أردوغان تحويل تركيا إلى قوة قائمة بحد ذاتها، وتسعى إلى الموازنة بين هويتها الجيوسياسية بوصفها جزءاً من حلف شمال الأطلسي (الناتو) والمنظومة الغربية وبين مصالحها مع موسكو. بالنظر إلى أن كلجدار أوغلو يعد بأن يُعيد التأكيد على هوية تركيا جزءاً من “الناتو”، وإعادة تشكيل العلاقة مع روسيا على قاعدة مختلفة عن التي وضعها أردوغان، فإن مستقبل التوازن التركي بين روسيا والغرب سيكون محلّ اختبار كبير. حقيقة أن مثل هذا الاختبار يأتي في خضم حرب مشتعلة منذ أكثر من عام بين روسيا وأوكرانيا، وفي ظل حرب باردة جديدة بين موسكو والغرب، تجعل من أي تحوّل في السياسات ينطوي على مخاطر كبيرة.
من المؤكّد أن نجاحاً محتملاً لأردوغان في الانتخابات سيقطع الطريق على تساؤلاتٍ صعبة بخصوص مكانة تركيا في عصر التنافس الجيوسياسي الجديد بين القوى العظمى. قد تشهد العلاقة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في حال فوز المعارضة، انفراجة جزئية، لكن الرهان على ذلك لا يزال محفوفاً بالمخاطر. ستبقى القضايا المعقّدة التي أدّت إلى تدهور العلاقات التركية الغربية في السنوات الماضية قائمة كالقضية القبرصية، وحاجة تركيا إلى الحفاظ على الحد الأدنى من العلاقة مع روسيا. مع ذلك، مُجرّد أن تُعيد تركيا ضبط هويتها الجيوسياسية من منظور غربي سيُعد قيمة جيوسياسية ضخمة للغرب، وتحدّياً جديداً لروسيا.
——————————-
السوريون أمام أي استحقاق انتخابي … تركيا مثالاً/ سوسن جميل حسن
لم تعرف الأجيال السورية المتلاحقة معنى أن يكون للمواطن صوتٌ يستخدمه بحرية ومسؤولية، منذ جلاء الانتداب الفرنسي 1946، ما عدا فترة قصيرة في خمسينيات القرن الماضي، إذ غلبت على هذه الحقبة من تاريخ سورية الانقلابات العسكرية المتلاحقة، وجاءت الضربة القاضية مع الوحدة وحلّ الأحزاب وشلّ الحياة السياسية، ليجري تكريس هذا الأمر مع وصول حزب البعث العربي الاشتراكي إلى الحكم، وتعزيزه بشكلٍ مكين، بعد انقلاب ما سمّي بـ “الحركة التصحيحية”، ما يعني أن أكثر من 60 عاماً من الجمود السياسي والفكري حكمت المجتمع السوري، مدعومة بممارسات وآليات قمعية وتكوينية، تنتج مجتمعات امتثالية لا مبالية بتمثيلها في كل ميادين الحياة العامة، أو على الأقلّ سلبية في ما يتعلّق بحياتها وتقرير مصيرها.
كانت هناك انتخابات مستحقّة “دستورياً” في سورية، من انتخاب مجالس محلية إلى انتخابات برلمانية إلى انتخابات على مستوى النقابات والمنظّمات الملحقة بحزب البعث الحاكم، إلى “الاستفتاء” على الرئيس، وكانت الجموع التي يحقّ لها التصويت تتدفّق إلى مراكز الاقتراع في المدن والبلدات والقرى، في ظاهرة يطلق عليها الإعلام “الواحد” الحكومي “العرس الديمقراطي”، فتتحوّل البلاد كلها إلى ظاهرة صوتية صاخبة، مشفوعة بمشاهد الاحتفال “الشعبي”، الذي يُصوَّر بأنه عفوي يشارك فيه كل أبناء الشعب المؤمن بعدالة قضيته، فيسير خلف قيادته الحكيمة وقائده الأكثر حكمة. ولو أجرينا استطلاعاً في الشارع وانتقينا أفراداً بشكل عشوائي، من مختلف الأعمار والأجناس، وطرحنا أسئلة عليهم، من قبيل ما قضيّتك العادلة؟ أو ما تعريف الوطن؟ أو ماذا يعني لك حق التصويت؟ وغيرها من أسئلة تلامس وعي الإنسان ذاته، لأصيب الجميع بالارتباك، بل بالتوجّس من الأسئلة.
ولقداسة هذا الاستحقاق الدستوري، الذي تُرصد له الملايين في كل دورة، يجري توفير الظروف المطلوبة لأجل أن يتم بـ”حرية ونزاهة”، ولأجل خاطر “العملية الديمقراطية” كانت توجد غرف “سرّية” للاقتراع، وكانت تتوفر تسهيلات كثيرة على المواطن/ة، منها توفر أوراق منجزة، ليس على المواطن “المدلّل” سوى طيّها ورميها في “الصندوق” المختوم بالشمع، ومنها أيضاً أن يأتي مندوبٌ عن الأسرة ومعه هُويات أفرادها الذين يحق لهم “قانونياً” التصويت، أو يأتي الرجل ومعه هُويّة زوجته، أو زوجاته، ويمارس عنهنّ حقّهن الذي يكفله الدستور، بامتلاك صوتٍ حرّ، وأكثر ما كان يبرهن على قداسة هذا الاستحقاق، خصوصاً في الاستفتاء على الرئيس، هو توفّر الإبر التي تجعل دم المواطن “الفائر” بسبب فرط الفرح والسعادة بما منّ الله عليه من نعم الحياة وكرمها، ينفر بغزارة لتسطير صوته بالدم، نعم بالدم. وكانت كلمة “بايعناك” إشهاراً مدوّياً يقضّ مضاجع المتربّصين بالأمة من أعداء التقدّم والحرية والديمقراطية والرسالة الخالدة، أعوان الإمبريالية العالمية والرجعية الجاهزة للانقضاض على منجزات الثورة التي معها بدأ تدوين التاريخ وبناء سورية.
لم يعش السوريون تجربة انتخاب حقيقية، فهذه الصورة التي كرّستها عقود من الاستبداد والقمع والنظام الشمولي الذي يمسخ شخصية المواطن السوري، ما زالت في البال، بل ما زالت تتوهّج وتزدهي عند كل مناسبة من هذا النوع، بالرغم من الفاتورة الباهظة التي دفعها الشعب في الصراع على السلطة، لم يتغيّر شيء، ولم يستعِد الفرد السوري ثقته بنفسه، بالرغم من انتفاضته لكرامته والصراخ عالياً من أجل الحرية والعدالة والعيش الكريم، وبقي التصويت بوصفه حقّاً دستورياً، ورافعة للديمقراطية والعدالة في توزيع فرص المساهمة في بناء نظم الدولة والمجتمع، ظاهرة منفصلة عن الواقع بالنسبة للفرد السوري، مثل غيرها من الشعارات الخلّبية التي تُرفع بنبرة عالية من دون ممارستها على أرض الواقع، لكنها ظاهرة “مصيريّة” بالنسبة إليه في الداخل والخارج السوريين، وتلفت اهتمام كل السوريين، عندما تجري في دول الجوار، أو حيث يوجدون لاجئين، مثال عليها حالياً الانتخابات التركية، وبعدها ستكون الانتخابات الرئاسية في لبنان، فيما لو جرت عملية انتخاب رئيس يسدّ الفراغ الذي ربما صار حالة مألوفة واعتيادية لدى هذا البلد الواقع في قلب الصراعات الدولية والإقليمية منذ عقود.
السوريون مهتمون بالانتخابات الرئاسية التركية، يتابعونها بتركيز وتوجّس وخوف، بالرغم من الممارسات العنصرية التي باتت تتزايد منذ مدّة تجاه السوريين، إنما تبقى على الصعيد الحياتي حالاتٍ يمكن اعتبارها فردية لم ترقَ إلى أن تكون ظاهرة عامّة ممأسسة ومنظمّة. أمّا اليوم، فمع احتدام المعركة الانتخابية بين الرئيس الحالي، رجب طيب أردوغان، ومرشّح المعارضة كمال كلجدار أوغلو، تصاعد الخطاب المعادي لوجود اللاجئين، وخصوصاً السوريين منهم، وصار ملفّ اللاجئين قضية أساسية في الحملات الانتخابية لكل المرشّحين. وعددهم في تركيا ليس قليلاً، نحو ثلاثة ملايين ونصف المليون لاجئ، نسبة قليلة منهم يحملون جنسية ولديهم الحقّ في التصويت، أما الباقون فوجودهم هشّ، لكن حياتهم مرّت ضمن هذه الهشاشة، وضمن هذا العيش المؤقت، فأي ضلالٍ تمارسه السياسة، وأي قهر وظلم، في جعل الإنسان، على قصر حياته، يعيش في المؤقّت الذي يمتدّ ويتطاول تحت ظروفٍ لا توفر أساسيات البناء المستدام في أي جانب؟ هذا هو وضع السوريين في بلدان اللجوء، حتى التي منحتهم، وفق دساتيرها، حياة ضامنة، إلى حد مقبول، حقوقَهم الإنسانية، فهم يعيشون تحت وطأة المؤقّت، إن لجهة حلم العودة الذي ما زال يراود شريحة لا بأس بها منهم، أو لجهة الوقوع تحت رحمة الصراعات السياسية والانتخابات التي ستقرر الفائز، بين مناهض للجوء ومناصر له.
تعهّد مرشّح المعارضة للانتخابات الرئاسية التركية، كمال كلجدار أوغلو، بترحيل اللاجئين خلال عامين إذا أصبح رئيساً، أما الرئيس أردوغان، فاتخذ أخيراً خطوات عدة لاستئناف العلاقات مع دمشق. وربما يؤدّي هذا التقارب للتوصل إلى اتفاق يعيد السوريين إلى بلدهم، وهنا نقطة الخوف والتوجّس، فإلى أين يعود السوريون، وما زالت بلادهم مرهونة لبازارات السياسة، ولا ضامن لحقوقهم في عودة آمنة تتوفّر فيها ظروف بناء من جديد؟
في هذا الواقع الذي يعاني فيه لاجئون سوريون كثيرون من تدنّي مستوى المعيشة وصعوبة الحصول على وظائف ذات دخل مرتفع، فضلاً عن تعرّضهم لممارسات عنصرية من بعض المواطنين الأتراك، تتجاوز أحياناً التجاوز اللفظي لتصل إلى الاعتداء الجسدي، عدا الجريمة التي باتت تتزايد في الآونة الأخيرة، من سرقة أو اغتصاب أو قتل، فإن غالبية السوريين تتمنّى أن يفوز الرئيس أردوغان، “فربما يمنحنا الجنسية، لأن المعارضة تريد أن تُخرجنا من هذا البلد”، كما يقول أفراد عدة جرى معهم استطلاع حول الأمر. صحيحٌ أن تركيا مرتبطة باتفاقيات دولية عدة تلزمها بحماية اللاجئين، الذين تسمّيهم ضيوفاً، وهو ما يجعل من الصعب تنفيذ تعهدات المعارضة بالترحيل الجماعي لكل اللاجئين، لكن التسويات المتوقع أن تحصل في المستقبل تثير الهلع من هذا الأمر لدى السوريين، وهم محقّون في ذلك، خصوصاً أن الناخب التركي يهمّه بالدرجة الأولى ما تعد به الشخصيات المرشّحة للانتخاب بالنسبة إلى تحسين حياته التي تردّت بسبب التضخم الذي وصل، بحسب الدراسات، إلى 50%. لذلك باتت قضية اللاجئين مهمة بالنسبة إليه، خصوصاً أنها محورية في برنامج المرشّحين، ويدرك السوريون هذه الحقيقة، وأن قضيتهم تحوّلت إلى “ورقة انتخابية” لكسب الأصوات، خصوصاً في وضع اقتصادي متأزّم تعيشه تركيا حالياً.
أمّا السوريون في المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة المدعومة من تركيا، التي باتت لديها نواظم حياتية خاصة، حتى لو كانت بعيدة عن مفهوم الدولة، إنما هي كياناتٌ اقتصادية واجتماعية وسياسية تنتظم وفق آليات مدعومة، فإن الانتخابات التركية سوف تؤثر على هذه النواظم مستقبلاً، خصوصاً أمام ضبابية الحراك النشط في هذه الفترة على الصعيدين، الدبلوماسي والسياسي، حول إعادة العلاقات مع النظام في سورية، وقرار عودتها إلى جامعة الدول العربية، من وضوح الشروط المرتبطة بهذه القرارات، يواكب هذه الحالة توجّس ممن هم تحت سيطرة النظام أيضاً، خصوصاً أن الوضعين الاقتصادي والمعيشي لهم لا يقلّان هشاشة عمّن هم في دول اللجوء القريبة، إذ صار الخوف والريبة من كلّ ما يحدث وله علاقة بالحالة السورية ملازماً لهم أمام ظواهر ازدادت غموضاً، ومنها التردّي المريع في سعر الليرة، الذي انعكس كارثياً على حياتهم، مع الإمعان في انهيار مقوّمات الحياة والبنى التحتية والخدمات العامة.
هذه هي حال الانتخابات بالنسبة إلى غالبية السوريين، على رجاء نهوض الوعي بها وبكل الحقوق، وممارستها بفاعلية وحرص، من أجل قيامة سورية الجديدة.
العربي الجديد
——————————
هذا التدخّل الخارجي في الانتخابات التركية/ محمود سمير الرنتيسي
الاهتمام كبير جداً بالانتخابات التركية من كل الأطراف الإقليمية والدولية، وهناك سيناريو دائماً يكون أقرب إلى رغبات الأطراف الخارجية ومصالحها. وفي بعض الأحيان، يكون ممكناً التدخّل لتحقيق هذه النتيجة، وفي أحيان أخرى، هناك صعوبة كبيرة أو نتائج عكسية، ما يجعل هذه الأطراف تفكر أكثر من مرّة قبل الإقدام على أي شيء، وتحاول أن تزن نجاعة كل أسلوب من أساليب التدخل.
إذا ما أخذنا الولايات المتحدة مثالاً لفحص عملية التدخّل، نجد أن من الواضح للوهلة الأولى أن الولايات المتحدة لا ترغب باستمرار الرئيس أردوغان، وترغب في وصول المعارضة التركية إلى الحكم، وهذا ما ظهر جلياً في قول للرئيس بايدن في ديسمبر/ كانون الأول 2019 لصحيفة نيويورك تايمز إنه لا بد من دعم المعارضة التركية عن طريق تشجيعها للفوز بالانتخابات، وليس عن طريق الانقلابات.
وبما أن الحديث هنا عن انتخابات 2023، فإن التدخل الأميركي بدأ مبكّراً جداً وفقاً لهذا التصريح، وبالتأكيد أكبر من ذلك، بناء على الخط التاريخي للعلاقات بين تركيا والولايات المتحدة. ولنكون أكثر تركيزاً يمكننا الإشارة إلى الفترة الأقرب للانتخابات في الشهرين الماضيين، حيث كان لقاء السفير الأميركي، جيف فليك، مع زعيم المعارضة التركية كمال كليجدار أوغلو، قبل أسابيع، سبباً مباشراً لانزعاج الرئيس أردوغان الذي صرّح تصريحات قوية عن عدم لياقة هذا التصرّف، وإن باب القصر الجمهوري لن يكون مفتوحاً أمام السفير، حيث اعتبر أردوغان لقاء الأخير مع زعيم المعارضة ومرشّحها للرئاسة قبل اللقاء معه إخلالاً بالأعراف الدبلوماسية. وعليه، لم يحضر السفير الأميركي الإفطار الرمضاني الذي نظمه الرئيس أردوغان للسفراء الأجانب في مقرّ حزب العدالة والتنمية.
وكان واضحاً أن هناك استمراراً للتشدّد في الملفات الخلافية بين الطرفين مثل التسويف في عملية إتمام صفقة طائرات إف 16، بالرغم من عدم وجود أي عوائق مشابهة لما هو عليه الحال في صفقة طائرات إف 35 التي جرى إخراج تركيا منها بسبب حصول تركيا على منظومة إس 400 الدفاعية من روسيا، كما أن تقارير الخارجية الأميركية استمرّت في انتقاد سياسة حكومة حزب العدالة والتنمية والحركة القومية التي يقودها الرئيس أردوغان.
وذكرت صحف تركية معلومات عن قدوم خبراء أميركيين في الإعلام الجديد إلى تركيا لدعم المعارضة في تقنيات الوصول إلى أكبر عدد من الناخبين عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وفي السياق، كان توالي وتسابق أغلفة المجلات والصحف الغربية، مثل الإيكونوميست وواشنطن بوست ودير شبيغل، الأسبوع الماضي في عرض صور سلبية للرئيس أردوغان، جالساً على عرشٍ يعلوه هلال مكسور أو تشبيهه ببوتين وتصوير استمراره في الحكم على أنه وصفة للفوضى ودعوة الناخبين إلى التصويت لمرشّح المعارضة، تدخّلاً واضحاً من هذه المنافذ، ومن يقف خلفها، في محاولة التأثير على الانتخابات التركية. لا يوجد تفسير منطقي لاستمرار مثل هذه الأساليب في ظل التجربة المعروفة للنتيجة العكسية التي تحقّقها، إذ لا ينظر الناخب التركي إليها بإيجابية، كما أن كوادر حزب العدالة والتنمية والحركة القومية يستخدمونها دليلاً على ضرورة مواجهة الإرادة الخارجية.
على الجانب الأوروبي، كان التدخّل الأبرز ما تحدّث عنه وزير الداخلية التركي سليمان صويلو عن جلوس نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري والنائب في البرلمان أونال تشيفيك أوز مع سفير أوروبي، يُعتقد أنه الألماني، لأخذ رأيه في مخرجات اجتماعات الطاولة السداسية في تركيا ومناقشة عدة مواضيع معه، مثل عدد نواب البرلمان وتأثير الحرب في أوكرانيا على الانتخابات في تركيا وآليات الحصول على أصوات المواطنين من أصول كردية في تركيا وما إلى ذلك.
وميدانياً كانت هناك مضايقات بسيطة لانتخابات الأتراك في الخارج، مثل ألمانيا، حيث جرى رفض فتح مزيد من مراكز الاقتراع، كما هاجم أنصار لحزب العمال الكردستاني بعض أماكن الاقتراع، حيث من المعروف أن النسبة الكبرى من الأتراك في الخارج، وتحديداً في أوروبا، يصوّتون لصالح أردوغان وحزب العدالة والتنمية. وعلى كل الأحوال، كان الموقف السلبي في أوروبا هذه المرّة أقل حدّة من انتخابات 2018، عندما منع وزراء أتراك من اللقاء بالجاليات التركية في عدة دول أوروبية، منها هولندا وفرنسا.
على الجانب العربي، لم يلحظ وجود تغطية إعلامية سلبية ملموسة تجاه الانتخابات في تركيا كما هو الحال في 2018، حيث كانت علاقات تركيا متوتّرة مع بعض الدول العربية. ويمكن تفسير حالة الصمت الجارية بعاملين أساسيين: أولاً، المصالحات التي بدأتها تركيا منذ عامين مع عدة دول عربية، والتي أحدثت مناخاً حوارياً وتفاهماً على قضايا عديدة، ما أدّى إلى تقليل التوتر وتوقع استمرار صفحة جديدة إيجابية من العلاقات. يتعلق الثاني بصعوبة التنبؤ بنتيجة هذه الانتخابات هذه المرّة بسبب التنافس الشديد بين الطرفين. وبالتالي، قد يكون تقدير الموقف حتى لدى الراغبين بعدم استمرار أردوغان هو الترقّب وانتظار النتيجة وعدم المخاطرة بأي موقفٍ مسبق قد يكون له أثره السلبي.
وختاماً، يبقى الموقف الأميركي الذي يعرف ضمناً أنه لا يرغب باستمرار رئاسة أردوغان وحكومته غير متبنٍّ أي سياسة رسمية خشنة معادية علناً لأردوغان في ملف الانتخابات، وهو ما يجعل الأطراف الأخرى الأقل قوةً في أوروبا أو غيرها أقلّ تشجعاً لانتهاج أي موقف عدائي والاكتفاء بآليات التحريض الناعمة، والتي تنسجم مع المحدّدات التقليدية للعلاقات التاريخية لهذه الدول بتركيا.
وهناك أصوات من العالم الإسلامي من شخصيات ومؤسّسات ترى في الرئيس أردوغان شخصية تتجاوز حدود تركيا، وترى دعمه واجباً عليها، وأصدرت بيانات أو مواقف تحث فيها على دعم أردوغان. غير أن لا تأثير لهذه الأصوات يذكر على الناخب التركي، وهي تستخدم خطاباً يدلّ على عدم معرفتها بالسياسة التركية، وأحياناً تستخدمها المعارضة التركية في سياق سلبي.
على كل حال، يمكن القول إن المشهد الخارجي في الانتخابات والتحريض الخارجي يصبّ في صالح الرئيس أردوغان، بالنظر إلى النظرة السلبية الجمعية من الشارع التركي لفكرة التدخل الخارجي. ومع ذلك، لا تحظى العوامل الخارجية بحيز واسع في ذهن الناخب التركي، على غير حال العوامل الداخلية المتعلقة بالاقتصاد والمشاريع والروح الوطنية والأمن والهوية وغيرها.
العربي الجديد
————————–
انتخابات تركيا: ما جولة الإعادة… وما دور «صانع الملوك»؟
بعد سباق ضيق بين المرشحين الرئاسيين الرئيسيين في تركيا، سيعود الناخبون إلى صناديق الاقتراع في غضون أسبوعين للتصويت مرة أخرى على من سيقود البلاد.
لقد دخلت الانتخابات في جولة إعادة – فماذا يعني ذلك؟
تحدث جولة الإعادة عندما لا يفوز أي مرشح بأغلبية واضحة في الجولة الأولى – التي عادة ما يحددها دستور الدولة.
المرشحون الذين حصلوا على أعلى عدد من الأصوات يتقدمون إلى تصويت ثانٍ.
في حالة تركيا، ستجرى جولة الإعادة بعد أسبوعين من الجولة الأولى، في 28 مايو (أيار).
جولة رئاسية ثانية غير مسبوقة في #تركيا بين إردوغان وكليتشدار أوغلومزيد من التفاصيل عبر الرابط: https://t.co/ESaLNQPNC0#صحيفة_الشرق_الأوسط#صحيفة_العرب_الأولى#شاهد_الشرق_الأوسط pic.twitter.com/HKSbkUe6cJ
— صحيفة الشرق الأوسط (@aawsat_News) May 15, 2023
ما الذي يجري في تركيا؟
ستجري جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية التركية بعد أن فشل المرشحان الرئيسيان في تجاوز حد الـ50 في المائة الذي كان من شأنه أن يضعهما في السلطة.
مع فرز 99.4 في المائة من الأصوات المحلية و84 في المائة من الأصوات في الخارج، حصل رجب طيب إردوغان على 49.4 في المائة من الأصوات، ونال مرشح المعارضة كمال كليتشدار أوغلو على 45 في المائة منها.
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان (أ.ف.ب)
ما علاقة «صانع الملوك»؟
تقضي الجولة الثانية على المرشحين الذين حصلوا على حصة أقل من الأصوات – لكن لا يزال بإمكانهم لعب دور حاسم في انتخابات الإعادة من خلال تأييد أحد المرشحين.
في تركيا، يمكن اعتبار «صانع الملوك» هو سنان أوغان. جاء في المركز الثالث في السباق الرئاسي بنسبة 5.2 في المائة من الأصوات – وهي حصة يمكن أن تحدث فرقاً كبيراً، إما لإردوغان أو لكليتشدار أوغلو.
الكتلة التصويتية للمرشح الثالث قد تحسم السباق الرئاسي… ماذا ينتظر الانتخابات التركية بعد جولة 14 مايو؟#صحيفة_الشرق_الأوسط #صحيفة_العرب_الأولى#شاهد_الشرق_الأوسط pic.twitter.com/2wJAjwAFnX
— صحيفة الشرق الأوسط (@aawsat_News) May 16, 2023
كان أوغان مرشحاً لتحالف للأحزاب القومية التركية المتطرفة بقيادة حزب النصر، المعروف بموقفه المناهض للهجرة.
وقال إن هدفه إزالة حزبين يغلب عليهما الأكراد من «المعادلة السياسية» في تركيا.
وقال أوغان إنه لم يلتقِ بأي من المرشحين للرئاسة منذ التصويت، لكنه أشار إلى أنه سيكون منفتحاً للتفاوض «على أساس مبادئهما».
إذا قدم دعمه لأي من المرشحين في جولة الإعادة، فإن نسبة 5.2 في المائة (من الذين أيدوه يوم الأحد) قد تدفع كليتشدار أوغلو إلى الصدارة أو تجعل إردوغان بعيد المنال.
ما الدول التي تستخدم نظام جولة الإعادة؟
تستخدم 84 دولة نظام الدورتين لاختيار رؤساء دولها.
وشهدت البرازيل جولة إعادة العام الماضي، عندما واجه زعيم اليمين المتطرف جاير بولسونارو خصمه لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الذي فاز.
في انتخابات 2021 في تشيلي، واجه المرشح من اليمين المتطرف خصمه من الديمقراطيين الاجتماعيين في جولة الإعادة، حيث فاز اليساري غابرييل بوريك بـ56 في المائة من الأصوات.
كما تم انتخاب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في جولة الإعادة التي فاز فيها بنسبة 73 في المائة من الأصوات.
——————————————
الدورة الأولى للرئاسيات التركية.. 5 دروس مهمة
تصدر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأحد نتائج الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية بحصوله على 49.5% من الأصوات، وهناك 5 دروس يمكن استخلاصها من هذه الانتخابات.
الاقتصاد “ليس مهما” كثيرا
كان يتوقع أن يكون لهبوط الليرة التركية -الذي أدى إلى رفع التضخم إلى 85% في الخريف- تأثير يدفع الناخبين الأتراك إلى التصويت ضد أردوغان.
لكن الرئيس التركي -الذي رفع 3 مرات خلال سنة الحد الأدنى للأجور- كثّف وعود حملته الانتخابية، وبينها مضاعفة رواتب موظفي القطاع العام.
وأقنعت هذه الإجراءات شريحة من الناخبين في بلد “لا يعد فيه التصويت الاقتصادي مهما بقدر ما يراه المعلقون”، كما يقول الباحث في العلوم السياسية في جامعة سابانجي في إسطنبول بيرك إيسن.
ولإعادة الاقتصاد إلى مساره، وعدت المعارضة برفع أسعار الفائدة لخفض التضخم إلى ما دون 10% “في غضون عامين”.
ويرى أستاذ الاقتصاد الدولي أوميت أكجاي أن وعود المعارضة هذه “لم تثر حماسة لدى الأشخاص الذين يواجهون صعوبات أساسا”.
التصويت الكردي غير كاف للمعارضة
يلفت مسؤول الدراسات المعارضة في المعهد الفرنسي لدراسات الأناضول في إسطنبول يوهانان بنحاييم إلى أن “التصويت الكردي هو الذي يفسر النتيجة الجيدة للمعارضة”.
ونال كمال كليجدار أوغلو أفضل النتائج في المحافظات الواقعة في جنوب شرقي البلاد ذي الأغلبية الكردية، لا سيما في ديار بكر، حيث حصل على 72% من الأصوات بعد التفاف حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد حوله.
ويقول الباحث بيرم بلجي إن “إستراتيجية أردوغان القائمة على ربط المعارضة بالأكراد وبحزب العمال الكردستاني والإرهاب تبيّن أنها ناجحة”.
الأثر المحدود لتداعيات الزلزال
عبر ناجون عن غضبهم بعد الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد في السادس من فبراير/شباط الماضي، متهمين الدولة بالتأخر في الوصول إلى محافظاتهم لمساعدتهم، لا سيما في أديامان وهاتاي.
لكن أردوغان وعد بإعادة بناء 650 ألف منزل للناجين من الزلزال في أسرع وقت ممكن. وحسب بيرك إيسن، فإن “الرسالة بدت ذات مصداقية” لقسم من الناخبين.
وهكذا احتفظ الرئيس التركي بنتائج عالية جدا في أغلب المحافظات المتضررة، ونال 72% من الأصوات في كهرمان مرعش، و69% في ملطية، و66% في أديامان. وفي هاتاي بقيت نتيجته على حالها عند 48%.
اختراق قومي
شكل الاختراق الذي حققه المرشح القومي سنان أوغان إحدى مفاجآت الاقتراع، ونال هذا النائب السابق أكثر من 5% من الأصوات، في حين تحالف أردوغان وكليجدار أوغلو مع تنظيمات قومية أيضا.
ويقول الباحث في معهد برشلونة للأبحاث الدولية أوموت أوزكيريملي إن “القومية مكون في المشهد السياسي التركي”، مضيفا “هي عنصر ثابت منذ التسعينيات”.
ويمكن تفسير ثقل القوميين -الذين جمعت تنظيماتهم المختلفة 22% من الأصوات في الانتخابات التشريعية التي جرت بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية- أيضا عبر مسألة اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا.
ويقول يوهانان بنحاييم إن “التغير الأكبر للوضع هو أن اليمين واليمين المتطرف باتا بشكل كبير ضمن اللعبة”.
الحسابات الخاطئة لاستطلاعات الرأي
كل استطلاعات الرأي -أو معظمها- أظهرت تقدم كليجدار أوغلو على أردوغان، حتى أن بعضها توقع فوز المعارض من الدورة الأولى.
لكن الرئيس التركي أثبت أنها على خطأ بحصوله على 49.50% من الأصوات، رغم عدم حسم المعركة من الدورة الأولى كما حصل في 2018.
المصدر : الفرنسية
—————————–
منها الأكراد والأتراك بالخارج والمدن الكبرى.. كيف نفهم ما حدث في انتخابات تركيا؟/ نور خيري
في يوم 14 مايو/أيار عام 1950، توجَّه الأتراك إلى صناديق الاقتراع الحُرَّة والشفافة لأول مرة في تاريخهم، وقد قرَّرت السلطات التركية تبكير موعد عقد انتخابات الرئاسة والبرلمان لهذا العام من شهر يونيو/حزيران إلى هذا التاريخ، تيمُّنا بالماضي الديمقراطي الطويل للبلاد، التي لم تُزوَّر انتخابات واحدة فيها منذ عام 1950 إلى يومنا هذا رغم تكرُّر التدخُّلات العسكرية، وهي انتخابات تواكب أيضا الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية (عام 1923).
تضافرت الذكريات والسِّمات الرمزية إذن لتصبغ صراعا على تمثيل الشعب التركي بين تحالفيْن لا يبدو من اسميْهما اختلاف كبير لأول وهلة: أولهما تحالف “الجمهور” الحاكم بقيادة حزب العدالة والتنمية (AKP) وزعيمه الرئيس الحالي “رجب طيب أردوغان”، بالإضافة إلى حزب الحركة القومية (MHP) وزعيمه “دولت بهتشلي”، وثانيهما تحالف “الشعب” بقيادة حزب الشعب الجمهوري (CHP) الذي يتزعمه المرشح الرئاسي “كمال كليجدار أوغلو”، وحزب “الجيِّد” بقيادة زعيمته “ميرال أكشنار”.
مُجددا، توجَّه الملايين من الناخبين الأتراك إلى صناديق الاقتراع ومنحوا الثقة لحزب العدالة والتنمية، تماما كما دأبوا على مدار أكثر من عشرين عاما من هيمنة الحزب شبه المُطلقة على الحياة السياسية منذ صعوده عام 2002. بيد أنهم على ما يبدو لم يمنحوا ما يكفي من الأصوات للرئيس رجب طيب أردوغان، الذي اقتنص المركز الأول كما ذهبت التوقعات، لكن دون أن يعبر عتبة الـ50%، مما يعني اتجاه الانتخابات الرئاسية إلى جولة الإعادة في يوم 28 مايو/أيار الحالي. احتفظ التحالف الحاكم بالصدارة بهامش ضئيل أيضا أصغر من ذلك الذي تفوَّق به في انتخابات 2018، ما يعني استمرار التراجع البطيء لشعبية الحزب الحاكم -وهو اتجاه كشفته سابقا الانتخابات المحلية لعام 2019- لا سيما في المُدن الكبرى إسطنبول وأنقرة اللتيْن يحكم كلٌّ منهما اليوم عُمدة من الحزب المعارض، ما دفع ببعض المحللين للقول إن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لهذا العام لن تكون سهلة المنال، وإنها ستصل إلى جولة الإعادة بين الرئيس رجب طيب أردوغان، على رأس تحالف الجمهور، ومنافسه كمال كليجدار أوغلو، زعيم تحالف الشعب المكوَّن من ستة أحزاب.
وقد عزَّز من تلك التوقُّعات بصعوبة الانتخابات خروج الكثيرين من رجال ومؤسسي حزب العدالة والتنمية القدامى وحلفاء أردوغان التقليديين طيلة السنوات الماضية، وتأسيسهم أحزابا معارضة انضمت إلى تحالف الشعب. وعلى رأس هؤلاء وزير الخارجية ورئيس الوزراء الأسبق “أحمد داوود أوغلو”، وحزب “المستقبل” (Gelecek) الذي أسسه عام 2019، ووزير الاقتصاد الأسبق “علي باباجان”، وحزب “الديمقراطية والتقدُّم” (DEVA) الذي أسسه عام 2020، وأخيرا، والأكثر مفاجأة، “تمل قره ملا أوغلو” ابن المدرسة الإسلامية التقليدية التي أسسها أربكان في السبعينيات ورفضت منذ البداية الانضمام إلى ركب العدالة والتنمية في مطلع الألفية، حيث انضم الرجل مع حزبه “السعادة” (Saadet) إلى تحالف الشعب وزعيمه كليجدار أوغلو.
تجدر الإشارة إلى أن ثلاثة فقط من الرجال المؤسسين لحزب العدالة والتنمية ترشحوا هذا العام على قائمة الحزب للانتخابات البرلمانية، فيما انزوت معظم الأسماء القديمة إما لتقاعدها وإما لرغبة الحزب في تنحيتها لصالح وجوه جديدة. علاوة على ذلك، يضم تحالف الجمهور، بخلاف العدالة والتنمية والحركة القومية، حزبيْن صغيريْن هما حزب “الاتحاد الكبير”، القومي ذو الميول الإسلامية والنشط في قلب الأناضول منذ التسعينيات، وحزب “الرفاه من جديد”، الذي يتزعَّمه “فاتح أربكان”، نجل نجم الدين أربكان، حيث تأسس عام 2018 في محاولة لمنازعة حزب السعادة هيمنته على إرث أربكان ومدرسته السياسية، لا سيما بعد أن اتجه السعادة نحو التحالف مع الشعب الجمهوري.
النتائج.. خريطة قديمة جديدة
حلَّ أردوغان في المركز الأول بنسبة 49.42%، وهي نسبة أقل مما حصل عليه في انتخابات عامَيْ 2014 و2018 حين حسم السباق من الجولة الأولى، في حين حلَّ ثانيا كليجدار أوغلو بنسبة 44.95% بعد فرز 99% من الأصوات تقريبا، ثم حلَّ المرشح القومي المتطرف “سينان أوغان” في المركز الثالث والأخير فعليا بنسبة 5.25%، وهو مرشح تحالف “الأجداد” (ATA) الذي لم ينجح في الحصول على أكثر من 2.5% من أصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية التي جرت بالتوازي مع الرئاسة. أما المرشح “مُحرَّم إنجه” فلم يحصل على أكثر من رُبع مليون صوت لم تتجاوز النصف في المئة، بسبب إعلانه الانسحاب من السباق الرئاسي في اللحظات الأخيرة، إذ لم يكن أمام لجنة الانتخابات فرصة لرفع اسمه من بطاقات الاقتراع قبل موعد الانتخابات. وقد صرَّح أوغان بعد خروجه المتوقع من السباق بأنه سيمنح ثقته في الإعادة للمرشح الأشد تمسُّكا بمواجهة التنظيمات الإرهابية مثل حزب العمال وحركة فتح الله كولن، ما فسَّره البعض بأنه انحياز ضمني للرئيس التركي أردوغان.
على صعيد الانتخابات البرلمانية، حقق تحالف الجمهور الحاكم التفوُّق بهامش ضئيل بحصوله على نسبة 49.4%، وهي نسبة أقل من تلك التي حصل عليها عام 2018 (نحو 60%)، فيما يعتبره كثيرون صدى للأزمة الاقتصادية، لكنه احتفظ في الأخير بأغلبيته البرلمانية، إذ إن الأحزاب التي حصلت على أقل من 7% من أصوات الناخبين في عموم تركيا ولم تكن جزءا من قائمة موحَّدة تُوزَّعت أصواتها على الفائزين، ومن ثمَّ فإن التحالف الحاكم أمَّن لنفسه نحو 320 مقعدا أو يزيد من أصل 600 مقعد في مجلس الأمة الكبير كما يُعرف رغم عدم تجاوزه نسبة الـ50%.
مصداقا للتوقعات أيضا، حصل تحالف الشعب المعارض على نسبة 35.5% تقريبا من أصوات الناخبين، وهي نسبة أكبر من تلك التي حصل عليها عام 2018 (32.6%)، بما يكافئ 210 مقاعد أو يزيد، ومن ثمَّ سيكون بذلك الكُتلة المُعارِضة الرئيسية في البرلمان. وثالثا حلَّ تحالف “العمل والحرية” الذي يتزعَّمه حزب الشعوب الديمقراطي الكردي من معاقله في الجنوب الشرقي، حيث شكَّل تحالفا يساريا بالتعاون مع حزب العمال التركي، وحزب العمل الماركسي النشط منذ التسعينيات، وحزب “اليسار الأخضر” الذي تأسس عام 2012، وأحزاب أخرى صغيرة. وحصل التحالف الجديد على نحو 10.5% من أصوات الناخبين في عموم تركيا، وهي نسبة جيدة بالمقارنة مع العُزلة السياسية التي طالما عانت منها الأحزاب الكُردية، والحضور المحدود للأحزاب اليسارية والماركسية التقليدية منذ نهاية تجربة يسار الوسط التي تزعَّمها رئيس الوزراء الأسبق “بولنت أجاويد” في سبعينيات القرن الماضي.
على مستوى الأحزاب منفردة، حصل العدالة والتنمية وحده على نحو 35.5%، ثم الشعب الجمهوري على نحو 25.4%، ثم حزب الحركة القومية على 10.05%، ثم حزب الجيِّد على 9.75%، ثم اليسار الأخضر على 8.8% (وهو يضم أصوات الأكراد من داعمي حزب الشعوب)، ثم حزب الرفاه الجديد على 2.8%، ثم حزب العمال التركي على 1.7%. وتجدر الإشارة إلى أن الأحزاب الأربعة التي تحالفت مع الشعب الجمهوري وحزب الجيِّد (المستقبل، والديمقراطية والتقدُّم، والسعادة، واليسار الديمقراطي) شاركت بمرشيحها تحت لواء الشعب الجمهوري، ما يعني أن لها نصيبا من مقاعد الحزب. فقد ترشَّح 25 عضوا من حزب الديمقراطية والتقدُّم ببطاقة الشعب الجمهوري، وكذلك فعل 24 عضوا من حزب السعادة، و19 عضوا من حزب المستقبل. ورغم ما يبدو من متانة التحالف المعارض للرئيس التركي، يظل احتمال انفصال مَن وصل من هؤلاء إلى البرلمان وانضمامه إلى الحكومة قائما ولا يمكن استبعاده.
لا تبدو خريطة النتائج للوهلة الأولى مختلفة كثيرا عن سابقاتها، فقد هيمن العدالة والتنمية كما هي العادة في قلب الأناضول كله تقريبا، وبطول ساحل البحر الأسود، في حين سيطرت المعارضة على معاقل حزب الشعب التقليدية بطول ساحلَيْ البحر المتوسط وبحر إيجه. وكانت المفاجأة المتوقعة جزئيا تصويت إسطنبول لصالح منافس أردوغان في انتخابات رئاسية للمرة الأولى، وهي خسارة دلالتها قوية على تراجع دعم الحزب الحاكم في المدينة الأهم والأثقل في البلاد.
الأكراد والأتراك بالخارج
وعلى عكس ما اعتدناه من تفرُّد الجنوب الشرقي ذي الأغلبية الكُردية بمرشحه الخاص، فإن حزب الشعوب لم يرشح رئيسه هذه المرة في السباق الرئاسي، وأتى التصويت في تلك المناطق صاحبة العلاقة التاريخية الباردة على أحسن تقدير مع حزب الشعب الجمهوري لصالح كليجدار أوغلو بوصفها مفاجأة تاريخية نوعا ما، لكن التحالف المنطقي غير المُعلَن (بين الحزب الكردي وحزب الشعب) لم يخفَ على كثيرين من متابعي الشأن التركي، لا سيما مَن تابعوا الانتخابات المحلية لعام 2019 ورأوا النمط نفسه من اتجاه الأكراد نحو مرشح المعارضة في إسطنبول أكرم إمام أوغلو، ومساهمتهم الكبيرة في الميل بالكفة إلى صالحه.
ويُمكن تفسير هذا التغيُّر الأبرز الذي عرفته الحياة السياسية التركية بمجريات الأحداث منذ عام 2015، حين خسر العدالة والتنمية أغلبيته المُطلقة في البرلمان للمرة الأولى آنذاك، واضطر للدخول في تحالف من أجل تشكيل حكومة، وهي لحظة عدَّها كثيرون نقطة تحوُّل، حيث اتجه على إثرها الحزب للتحالف مع القوميين ومع حزب الحركة القومية المناهض للأكراد. وقد فسر أنصار العدالة والتنمية هذا التحول في العلاقة بسلوك حزب العمال الكردستاني الذي أخذ يستغل الأوضاع الجديدة في شمال سوريا لصالحه، ومن ثمَّ لعب بورقة حضوره هناك في مفاوضاته مع الدولة التركية بشكل رأته الحكومة التركية غير مقبول.
خسر أردوغان أيضا ولاية “هطاي” بهامش ضئيل جدا، وهو ما قد يعزوه البعض إلى تداعيات الزلازل التي ضربت الولاية. بيد أن تلك ليست المرة الأولى التي يخسر فيها أردوغان ولاية “هطاي”، التي فاز بها في مواجهة “مُحرَّم إنجه” عام 2018، حيث ظهرت المعارضة حينها بأداء ضعيف عموما عزاه كثيرون إلى عدم قدرة الرجل على إثبات حضوره الجماهيري. أما في عام 2014، وحين التفت المُعارضة حول الإسلامي “أكمل الدين إحسان أوغلو”، الأمين العام السابق لمنظمة المؤتمر الإسلامي، ورغم أن شعبية أردوغان كانت لا تزال في ذروتها بالمقارنة مع السنوات الأخيرة التي شهدت تفاقم الأزمة الاقتصادية، فإن المعارضة نجحت في اقتناص “هطاي” وكل الولايات الساحلية المُطلة على البحر المتوسط وبحر إيجه. بيد أن تحالف الجمهور هو مَن نجح في الفوز بأغلبية الأصوات البرلمانية بالولاية على حساب تحالف الشعب المعارض للمفارقة.
أخيرا، انتظر كثيرون أن تلعب أصوات الأتراك المقيمين بالخارج دورا محوريا في حسم السباق لصالح أردوغان بفارق ضئيل، إذ شارك الأتراك بالخارج بنسبة مشاركة غير مسبوقة منذ عام 2011 بلغت 53%، بإجمالي مليون و817 ألف صوت تقريبا. والجالية التركية الأكبر موجودة في ألمانيا، التي استقبلت أعدادا كبرى من الأتراك منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ولا تزال تستقطب مئات الآلاف من الطبقات العاملة التركية، وقد صوَّت أغلبهم لصالح أردوغان وحزب العدالة والتنمية كما جرت العادة بنسبة بلغت 56% تقريبا وبإجمالي 773 ألف صوت حتى اللحظة، في حين حصل كليجدار أوغلو على 40.7% بإجمالي أصوات 560 ألفا حتى اللحظة.
ما من مفاجآت مدوية إذن في الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية، بل تعزيز للنمط الذي بدأ منذ عام 2015 ووصل إلى ذروته في 2019، الذي يتسم بتراجع نسبي لقدرة العدالة والتنمية على الهيمنة السياسية منفردا كما فعل في العقد الأول لحُكمه، رغم أنه أثبت مجددا أنه لا يزال الحزب الأكثر شعبية بفارق ملحوظ على الساحة التركية. يُضاف إلى ذلك تحوُّل المدن الكبرى ناحية دعم المعارضة في السباقات المرتبطة بالشخصيات السياسية، مثلما حدث في انتخابات الرئاسة بالأمس وفي انتخابات عمودية إسطنبول وأنقرة سابقا، في حين تشي الانتخابات البرلمانية بأن لواء الحزب الحاكم فيها لا يزال حاضرا وجاذبا لثقة الناخبين، بالتزامن مع زيادة طفيفة في حضور الشعب الجمهوري مع ظهور أجيال جديدة تجاوزت العداء التاريخي للمسلمين المحافظين مع حزب الشعب الجمهوري بسبب سياساته المُعادية للتديُّن الإسلامي في المجال العام في الماضي، لا سيما طيلة التسعينيات والعقد الأول من الألفية. بطبيعة الحال، تزايد حضور الأزمة الاقتصادية على ما عداها من قضايا ثقافية أو إقليمية، جنبا إلى جنب مع تحالف الأكراد الضمني مع المعارضة في خضم تبني الحزب الحاكم سياسة المواجهة ضد حزب العمال الكردستاني وحلفائه. وهي تحوُّلات حالت لأول مرة دون فوز أردوغان بالرئاسة من الجولة الأولى، رغم أنها لم تعرقل الحزب عن حماية تفوُّق تحالفه الذي تراجع عدد مقاعده فقط عن انتخابات العام 2018 ليس إلا.
من المؤكد أن جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية لن تكون سهلة، ولكن بالنظر إلى مؤشرات التصويت في الجولة الأولى، يبدو الرئيس أردوغان أقرب إلى الاحتفاظ بمقعده، خاصة إذا قرر المرشح سينان أوغان وأنصاره التصويت له أو البقاء على الحياد. لكن أردوغان، حال فوزه، سوف يجلس على عرش تركيا في ثوب مغاير إلى حدٍّ كبير لذلك الذي دخل به إلى السلطة في البلاد قبل نحو عقدين. فقد صار سياسيا محافظا أكثر من كونه إصلاحيا، وأقرب للأوراسيين من أنصار التحالف مع الغرب، كما أنه صار قوميا أكثر من ذي قبل. وفي حال نجح أردوغان في حكم تركيا لفترة جديدة فإنه سوف يكمل رُبع قرن لم يسبقه إليها أحد في تاريخ الجمهورية، وبل ولم يسبقه إليها طيلة القرنين الماضيين من التاريخ الحديث سوى السلطانين “عبد الحميد الثاني” و”محمود الثاني”. غير أنها سنوات ستُطرَح فيها بشدة مسألة خليفته أكثر من أي وقت مضى، إذ لا يُمكن للرجل أن يُرشح نفسه مجددا عام 2028، بسبب القيود الدستورية، وبسبب سِنِّه الكبيرة أيضا. في غضون أسبوعين إذن سوف تغلق أبواب السباق على السلطة في تركيا حتى 2028، لكن يُفتح على مصراعيه سؤال خلافة الرئيس الأطول حُكما في تاريخ تركيا.
المصدر : الجزيرة
—————————–
موقع روسي: ما الذي يعنيه فوز أردوغان أو كليجدار أوغلو لروسيا؟
بعد انتهاء الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في تركيا وعدم حصول أي من المرشحين الرئيسيين على أغلبية مطلقة وبعد أن تقرر الذهاب إلى شوط ثان في 28 مايو/أيار الحالي، ما الذي يعنيه فوز هذا المرشح أو ذاك للعالم وبالذات لروسيا؟
سؤال طرحه موقع “نيوز ري” الروسي على خبراء روس وأعدّ تقريرا لخص فيه ما ذهبوا إليه بخصوص مواقف كل من الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان أو منافسه في حال فوز أي منهما في الانتخابات الرئاسية الحالية.
ماذا يعني فوز أحدهما للعالم؟
بالنسبة للعالم، ينقل موقع “نيو زي” عن الخبير الروسي ورئيس معهد الشرق الأوسط بموسكو يفغيني ساتانوفسكي قوله “في حال فوز كليجدار أوغلو سيقطع مع المسار التركي الحالي الذي انتهجه أردوغان، وسيتبع سياسة أكثر ولاء للولايات المتحدة”.
ويضيف أليكسي فاسيليف وهو باحث في شؤون الشرقين الأوسط والأدنى، ومدير معهد الدراسات الأفريقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، أن حكومة أردوغان سعت إلى بسط نفوذها في مناطق الصراع القريبة من الحدود التركية، مشيرا إلى أن المعارضة، في حال فوزها، ستكون في المراحل المبكرة أكثر حذرًا وتوازنًا.
أما المحلل السياسي الروسي إيغور تشوبانيان من مركز “بي آي آر” للأبحاث فإنه يوضح أن كليجدار وعد باستعادة العلاقات مع الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، بالإضافة إلى منح المواطنين الأتراك فرصة الدخول من دون تأشيرة إلى دول شنغن لمدة تصل إلى 3 أشهر.
ويبرز في هذا الصدد أن الأميركيين ظلوا يعملون مع المعارضة التركية على عكس روسيا التي أقامت علاقات مع أردوغان.
لكن تشوبانيان يستدرك قائلًا إن من سيصل إلى السلطة في تركيا حاليا سيضطر إلى حكم البلاد حسب سياق الاتجاهات المحلية والعالمية الحالية.
ويستطرد تشوبانيان قائلا إن الولايات المتحدة تفقد مكانتها القيادية تدريجيًّا في العالم؛ إذ يتبع العديد من حلفائها سياسة مستقلة دون اعتبار لواشنطن على خلفية الدور المتنامي للصين والهند والبرازيل. ويبرز في هذا الصدد أن تركيا بطموحاتها وإمكاناتها المتزايدة في المنطقة لم تعد ذلك الشريك الأصغر للغرب الذي حاول بكل الوسائل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وإرضاء الولايات المتحدة، بل إن أنقرة أصبحت تبحث عن تبوّء مكان لها في العالم الجديد الناشئ، حسب قوله.
ماذا يعني انتصار أردوغان لروسيا؟
يرى ساتانوفسكي أن فوز أردوغان يحافظ على الشكل الحالي للعلاقات التركية الروسية، مضيفًا أن أردوغان وبوتين “تجمعهما علاقة مثالية تمليها المصالح السياسية والاقتصادية”.
وحسب أناتولي نسميان، الخبير الروسي في شؤون الشرق الأوسط، فإن لأردوغان مصالحه الخاصة، وما دامت هذه المصالح تخدم علاقاته مع روسيا فسيحافظ على مستواها الحالي.
وفي هذا الصدد، يرى يشار نيازباييف، الخبير في الشؤون التركية وصاحب قناة الأجندة التركية، أن فوز أردوغان يضمن عدم حدوث تغييرات جوهرية لأن هناك علاقات راسخة بين موسكو وأنقرة ويدرك الطرفان ما ينبغي القيام به.
ماذا يعني انتصار كليجدار أوغلو لروسيا؟
يعتقد ساتانوفسكي أن فوز كليجدار ينذر بتغير العلاقات بين روسيا وتركيا؛ ويبرز في هذا الصدد إعلان كليجدار أوغلو أنه سيوجه العلاقات نحو الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، متهمًا روسيا بالتدخل في الانتخابات التركية.
ويشير ساتانوفسكي إلى أن برنامج المعارضين ينص على عودة تركيا إلى النظام البرلماني والتحول نحو الغرب، ويرى أن ذلك سيؤثر على العلاقات مع موسكو.
وهو ما يتفق معه نسيميان إذ يرى أن كليجدار أوغلو، كجميع المعارضة العلمانية في تركيا، سيتجه نحو الغرب وسيتعامل مع روسيا من منظور السياسة الأوروبية، وذلك يعني أن تركيا تحت قيادته ستلتزم بهذه السياسة في هذه المرحلة على الأقل، فضلا عن تعهده بمراجعة العلاقات مع دمشق، عازمًا على إعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم.
وحسب نسميان، فإن عودة اللاجئين ستغير الوضع في سوريا، بخاصة أن أغلب المهاجرين من صفوف المعارضة السورية.
ويرى نسميان أن ذلك من شأنه تعزيز المعارضة السورية، ومن ثم زيادة خطر اندلاع جولة ثانية من “الحرب الأهلية”، تهدد مصالح روسيا وإيران في سوريا.
المصدر : نيوز ري
——————————
انتخابات الرئاسة التركية.. 3 عقبات تواجه زعيم المعارضة أبرزها “دوغان“
الحرة / ترجمات – دبي
يأمل زعيم حزب الشعب الجهموري، كمال كليتشدار أوغلو، في تحقيق مفاجأة في جولة الإعادة في انتخابات الرئاسة التركية، في 28 مايو الجاري، بيد أن ثمة عقبات قد تحول دون انتصاره على الرئيس الحالي، رجب طيب إردوغان، وفقا لصحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية.
وكان إردوغان قد حصد نسبة 49.50 بالمئة من أصوات الناخبين، بينما حاز كليتشدار أوغلو 44.89 بالمئة، مما أدى إلى تأجيل حسم السباق الرئاسي إلى “جولة إعادة” هي الأولى من نوعها في البلاد.
ويحمل كليتشدار أوغلو، رئيس أكبر حزب معارض في تركيا، آمال ناخبين يتشوقون ليوم يرون فيه نهاية لحكم أردوغان “الاستبدادي”.
ورغم افتقاره إلى الكاريزما التي يتمتع بها منافسه، سعى كليتشدار أوغلو لحشد أصوات الناخبين من خلال برنامج انتخابي شامل وإطلاق الوعود ببدء “حقبة ديمقراطية” جديدة للبلد الذي يبلغ عدد سكانه 85 مليون نسمة، بما في ذلك العودة إلى نظام الحكم البرلماني واستقلال السلطة القضائية التي يقول منتقدون إن إردوغان استخدمهما في قمع المعارضة.
كما وعد كليتشدار بإنهاء السياسات الاقتصادية غير التقليدية التي يقول معارضو إردوغان إنها تسببت في ارتفاع التضخم وأزمة غلاء المعيشة التي استنزفت شعبيته، إلى جانب استعادة العلاقات الطيبة مع الغرب.
ولم يظهر كليتشدار أوغلو (74 عاما) أي علامة تدل على استسلامه بعد نتائج الجولة الأولى، الأحد، متهما حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه إردوغان بالتدخل في فرز الأصوات وإعلان النتائج وهو ما نفاه الحزب.
وقال كليتشدار أوغلو لأنصاره مع بدء إعلان النتائج: “رغم كل الافتراءات والشتائم، لم يحصل أردوغان على النتيجة التي كان يتوقعها”.
وأضاف: “الفوز في الانتخابات لا يكون من الشرفة”، في إشارة إلى الخطاب الاحتفالي الذي ألقاه أردوغان لمؤيديه من شرفة مقر حزبه.
وتابع قائلا: “إذا قالت أمتنا إنه ستكون هناك جولة ثانية فليكن ذلك. سنفوز بالتأكيد في هذه الانتخابات في الجولة الثانية. سيرى الجميع ذلك”، بحسب وكالة رويترز.
عقبات الفوز
ولكن ثمة ثلاث عقبات هامة، قد تمنع كليتشدار أوغلو من تحقيق حلم أنصاره بالوصول إلى سدة الحكم، ويأتي في مقدمتها إرهاق الناخبين الذي أصبح قضية خطيرة للمعارضة.
وفي هذا الصدد يقول الخبير والمحلل الاقتصادي التركي، إركان إرجوزيل، المقيم في لندن: “قد يفقد الناخبون المعارضون الحافز بعد نتائج كانت أسوأ من المتوقع سواء في الانتخابات البرلمانية والرئاسية”.
وأضاف في تصريحات لـ”فاينانشال تايمز”: النتيجة تشير إلى أن المشهد السياسي التركي سيظل دون تغيير تقريبًا”.
وتتمثل العقبة الثانية في مواجهة تحديات خطيرة من داخل المعارضة نفسها، إذ إن ثمة تساؤلات فيما إذا كان كليتشدار أوغلو هو المنافس المناسب لمواجهة إردوغان بالنظر إلى أنه قاد حزب الشعب الجمهوري لمدة 13 عامًا دون أن ينتصر في أي انتخابات تشريعية أو رئاسية.
وكانت ميرال أكشنار، رئيسة حزب الجيد، الذي يعد ثاني أكبر حزب في المعارضة، قد رفضت في مارس ترشيح كليتشدار أغلو لمنافسة إردوغان في انتخابات الرئاسة مما كاد يهدد بفرط عقد تحالف المعارضة “الطاولة السداسية”.
ولم تقبل أكشنار بترشيح زعيم حزب الشعب الجمهوري إلا بعد أن توصلت إلى اتفاق معه بأن يكون رؤوساء بلديتي إسطنبول وأنقرة نائبين له.
ولكن بعد عجز تحالف الطاولة السداسية عن تحقيق الأغلبية في البرلمان، يخشى أنصار المعارضة أن تنكسر رابطة التحالف بين أقوى حزبين، مما سوف يؤثر بالضرورة على حظوظ كليتشدار أوغلو في جولة الإعادة.
وتبقى العقبة الأهم هي الحصول على أصوات المرشح الرئاسي القومي، سنان أوغان، الذي كان قد حصد أكثر من خمسة بالمئة من أصوات الناخبين في الجولة الأولى.
سنان أوغان قبل الانتخابات الرئاسية
الانتخابات التركية.. أوغان يساوم على “التعقيدات والاختبار الأول”
خلال الساعات الـ24 الماضية، بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية التركية وعملية فرز الأصوات، خرج المرشح الرئاسي، سنان أوغان، وبعدما بات خارج معادلة التنافس في جولة الإعادة بثلاث مقابلات إعلامية، ألمح فيها إلى “دور محوري” سيلعبه بعد أسبوعين، وأطلق سلسلة من المساومات، استهدفت كلا الضفتين، الحاكمة والمعارضة.
وكان أوغان قد صرح في وقت سابق لصحيفة “دير شبيغل” الألمانية إنه لن يدعم كليتشدار أوغلو إلا إذا تخلى عن حزب الشعوب الديمقراطي، وهو جماعة مؤيدة للأكراد دعمت زعيم المعارضة في الانتخابات الرئاسية.
ويوضح الباحث والإكاديمي إيمير أردوغان، من جامعة بيلجي أن معارضة أوغان لحزب الشعوب الديمقراطي جعلت من الصعب عليه التوصل إلى اتفاق مع المعارضة.
وتابع: “الأكراد كانوا عاملاً رئيسياً في أداء كليتشدار أوغلو، وسيظل بحاجة إليهم في الجولة الثانية”.
وأضاف: “من المرجح أن يتفاوض إردوغان مع أوغان أكثر من كليتشدار أوغلو. إنه رئيس تحالف يميني يمكنه الموافقة على مطالب أوغان ولديه تاريخ من إبرام الصفقات العملية للغاية من أجل الفوز في الانتخابات”.
الحرة / ترجمات – دبي
———————————-
“لاعبون جدد” في الانتخابات التركية.. ما المتوقع رئاسيا وبرلمانيا؟
ضياء عودة – إسطنبول
عاشت تركيا في الساعات الـ 24 الماضية يوما طويلا وليلة أطول. ورغم أن المعطيات والأرقام المتاحة تشير إلى أن البلاد مقبلة على جولة إعادة للانتخابات الرئاسية فقط، ما تزال عمليات الفرز مستمرة حتى صباح يوم الاثنين، من جانب “الهيئة العليا للانتخابات”، وهي أعلى سلطة انتخابية في البلاد.
ونشرت “الهيئة” آخر بياناتها مع ساعات الصباح الأولى، معلنة أنها فرزت 99.27 بالمئة من الأصوات، وأن مرشح تحالف الحزب الحاكم (الجمهور)، رجب طيب إردوغان، حصل على نسبة 49.37 بالمئة من الأصوات، فيما حصل مرشح المعارضة، كمال كليتشدار أوغلو، على 44.95 بالمئة، وحافظ سنان أوغان على 5.2 بالمئة من مجموع أصوات الناخبين.
أما على صعيد انتخابات البرلمان، فتظهر النتائج على الطرف الآخر أن التحالف الحاكم حافظ على الأغلبية. ودخلت أحزاب متحالفة مع “العدالة والتنمية” لأول مرة، بينما ظهر أبرزها المتمثل في “حزب الحركة القومية” كلاعب جديد.
ما المتوقع رئاسيا؟
وتشير المعطيات وتحليلات مراقبين وخبراء لموقع “الحرة” إلى أن البلاد باتت أقرب إلى “جولة إعادة” للمنافسة على كرسي الرئاسة، ومع ذلك قد تكون هناك “مفاجآت” على صعيد عداد النتائج.
وفي حالة الإعلان عن النتائج النهائية ومضي البلاد نحو “جولة ثانية”، ستكون المنافسة بين كل من رجب طيب إردوغان وكمال كليتشدار أوغلو زعيم “حزب الشعب الجمهوري”.
ورغم غيابه عن السباق المرتقب، إلا أن الأنظار خلال الساعات الأخيرة تركزت بشكل كبير على المرشح الثالث سنان أوغان، والدور الذي سيلعبه في حالة الانتقال إلى جولة الإعادة، ولاسيما أنه كسب نسبة تصويتية “لم تكن متوقعة”.
وكان إردوغان قد ألقى خطابا مع زوجته من شرفة في العاصمة أنقرة، وأظهرت التعابير التي فرضها على نوع من الانتصار، وقال: “لا نعرف حتى الآن ما إذا كانت الانتخابات قد انتهت في الجولة الأولى. نعتقد أننا سننهي هذه الجولة بأكثر من 50٪ من الأصوات”.
وأضاف مستدركا أنه وفي حالة انتقال السباق الرئاسي لجولة ثانية، فإنه سيكون “مستعدا لها”.
في المقابل خرج منافسه كليتشدار أوغلو ببيان صحفي مع قادة تحالفه “الأمة” (الطاولة السداسية)، وقال: “لا يمكن الفوز بالانتخابات من الشرفة. إذا كان الشعب يقول الجولة الثانية، فذلك على أعيننا ورؤوسنا”.
وتابع زعيم “حزب الشعب الجمهوري”: “خلال الأيام الـ 15 المقبلة سنواصل نضالنا. سنفوز ليكون شعبنا مطمئنا”، رغم أنه كان يشير خلال الساعات المتأخرة من يوم الأحد إلى أنهم “متقدمون”.
ماذا عن البرلمان؟
في غضون ذلك أظهرت النتائج الأولية المتاحة حتى صباح يوم الأحد، احتفاظ تحالف إردوغان بالأغلبية في البرلمان، بـ321 مقعدا، وتحالف المعارضة بـ213 مقعدا، وتحالف “العمل والحرية” بـ66 مقعدا، وهو الذي يضم “حزب الشعوب الديمقراطي” الموالي للأكراد.
وعلى الرغم من تراجع أصوات “حزب العدالة والتنمية” بـ29 مقعدا عن انتخابات 2018، فاز تحالفه “الجمهور” بالأغلبية، مع بروز لاعبين جدد أيضا، هم فاتح أربكان، زعيم “حزب الرفاه”، والذي سيدخل إلى البرلمان لأول مرة.
في غضون ذلك احتل حزب “الحركة القومية” المرتبة الثالثة كأكبر حزب في البرلمان، بعد حصوله على نسبة 10.06 بالمئة بـ50 مقعدا، وبعده “حزب الجيد” المعارض المتحالف مع كليتشدار أوغلو بنسبة 9.75 بالمئة (44 مقعدا)، وفي المرتبة الرابعة “حزب اليسار الأخضر” بنسبة 8.80 بالمئة (62 مقعدا).
وتتضمن مقاعد “الشعب الجمهوري” البالغ عددها 169 مقعدا أسماء من “حزب السعادة”، و”الديمقراطية والتقدم” و”المستقبل”، و”الديمقراطي” والمدرجين ضمن قوائمه.
وذكر موقع “خبر تورك” أنه في حال “تركت هذه الأسماء حزب كليتشدار أوغلو وعادت إلى أحزابها أو شكلت مجموعة معا، فهناك احتمال أن ينخفض عدد مقاعد الشعب الجمهوري”.
ومن الواضح أن “الحركة القومية”، حليف إردوغان، سيحصل على مقعدين آخرين، فيما سيحصل “الجيد” على 8 مقاعد أخرى قياسا بانتخابات 2018.
واعتبر مراقبون وصحفيون أتراك هاتين الحالتين أنهما “كانتا خارج التوقعات” قبل البدء بعملية الانتخابات، وأن “الأصوات القومية باتت لاعبا جديدا في المشهد السياسي للبلاد”.
ويوضح الصحفي التركي، ليفنت كمال، أن “بيانات التصويت تظهر أن “حزب الشعوب الديمقراطي / حزب اليسار الأخضر ليس في موقع رئيسي في الانتخابات، وبدلا من ذلك اتخذ القوميون الأتراك الموقع الرئيسي”.
في المقابل تفوق زعيم “الشعب الجمهوري” على منافسه في 30 مقاطعة، 13 منها كانت من نصيب الشعوب الديمقراطي / اليسار الأخضر في التصويت البرلماني سابقا.
ماذا يقول المراقبون؟
ويرى الباحث السياسي التركي، هشام جوناي، أن النتائج وبشكل عام “لم تكشف عن مفاجآت كبيرة”.
ومع ذلك يقول لموقع “الحرة” إن “بعض الأحزاب دخلت البرلمان ليس بأصواتها بل تحت عباءة حزب الشعب الجمهوري”، وهذا بالنسبة للمعارضة.
وفيما يتعلق بـ”تحالف الجمهور” الحاكم، تندرج هذه الحالة على “حزب الرفاه من جديد” الذي يتزعمه أربكان، بينما حجز مقعدا في البرلمان لأول مرة، منذ تأسيسه، بعدما دخل ضمن قوائم “العدالة والتنمية”.
ويعتقد جوناي أن “الانتخابات الرئاسية كانت مفاجئة، وفي السابق لم تشر استطلاعات الرأي إلى هذا القدر من الفجوة وهي 5 بالمئة بين إردوغان وكليتشدار أوغلو”.
ويوضح أن “هذا الفارق مهم جدا ويرشح إردوغان وبقوة للفوز في الجولة الثانية”.
بدوره اعتبر الباحث السياسي المهتم بالشؤون التركية، محمود علوش، أن “النتائج عمليا هي انتصار كبير لإردوغان وهزيمة مدوية للمعارضة وكانت مخيبة للآمال ولم تكن متوقعة بالنسبة لها لعدة اعتبارات”.
وتتعلق إحدى هذه الاعتبارات، حسب ما يقول علوش لموقع “الحرة”، بـ”تفوق إردوغان بفارق 4 نقاط ونصف، وهو ما يجعل جولة الإعادة شبه محسومة لصالحه”.
ويتوقع علوش أنه “من الواضح أن الانتخابات الرئاسية حسمت رغم أنها ستنتقل إلى جولة إعادة بعد أسبوعين”، مشيرا من جانب آخر إلى أن “الانتصار في البرلمان مهم جدا وكان غير متوقعا، حتى من المقربين للتحالف الحاكم”.
من هم اللاعبون الجدد؟
ويشير الباحث جوناي إلى أن “سنان أوغان المرشح العنصري القومي يوجه رسائل بشكل مبطن إلى ضرورة التوجه للصناديق وعدم التصويت مع التنظيمات المتحالفة مع الإرهاب” في إشارة للمعارضة.
ويقول: “بعد توجه ناخبي سنان أوغان لتحالف الجمهور في جولة الإعادة، من الواضح أن إردوغان سيحسم الأمر عندها”.
وأضاف “إردوغان كان راضيا بالنتيجة، يغني ويهلل، ولو كانت صحته تسعفه لرقص في الشرفة. الرجل يبدو أنه يريد أن يسحق المعارضة في الجولة الثانية وهو شبه متأكد من ذلك”.
ويتابع جوناي: “لم يحصل على 50 + 1 في الجولة الأولى، لكنه لم يعتبر ذلك شيئا سلبيا بل يبدو أنه يخطط إلى أن ينال من المعارضة بـ 53 بالمئة، وأن يقضي على طموحها في النهوض مرة أخرى”.
من جانبه تحدث علوش عن عدة عوامل ستكون حاضرة في جولة الإعادة، وأنها “تفيد إردوغان معنويا، كونه متقدم في نتيجة الانتخابات الرئاسية، وفاز بأغلبية البرلمان”.
ويوضح الباحث السياسي: “هناك حالة إحباط في المعارضة لأنها أخطأت ورفعت السقف إلى مستوى كبير جدا، وحتى أن ناخبها اعتقد أن السلطة انتهت. حالة الإحباط ستنعكس سلبا على معنويات المصوتين في جولة الإعادة”.
وهناك “لاعب حاسم” سيكون في الجولة الثانية وهي الأصوات القومية، والكتلة التصويتية الخاصة بالمرشح الثالث سنان أوغان، والتي من المتوقع أن تكون أقرب إلى إردوغان، أو جزء منها على الأقل، وفق ما يرى علوش.
وكان أوغان قد توقع جولة إعادة ليلة الأحد، وقال: “لم نقرر بعد من سندعم في الجولة الثانية المحتملة من الانتخابات. القوميون الأتراك والكماليون هم من سيحددون الجولة الثانية”.
وأضاف: “لا نقول حاليا إننا سندعم هذا أو ذاك. لن نفعل ذلك. سنتخذ قرارا نتيجة المشاورات”.
كيف سيكون تقويم الأسبوعين المقبلين؟
وبحسب النتائج غير الرسمية للانتخابات الرئاسية التي جرت الأحد في تركيا، يتبين أنه لم يحصل أي مرشح على أكثر من 50 في المئة من الأصوات.
في هذه الحالة، من المتوقع أن تتجه البلاد إلى صناديق الاقتراع مرة أخرى في 28 مايو لإجراء الانتخابات الرئاسية.
وفي الثامن عشر من الشهر الحالي سيتم البت في الاعتراضات المقدمة ضد قرارات مجالس الانتخابات المحلية، ومحضر اندماج المقاطعات من قبل “الهيئة العليا للانتخابات”.
وبعد يوم من ذلك، سترسل “الهيئة العليا” النتائج النهائية للانتخابات إلى السلطات المختصة لإعلانها في الجريدة الرسمية والإذاعة والتلفزيون.
وفي 20 من مايو ستبدأ عملية التصويت في بوابات الجمارك وفي الخارج، على أن تنتهي في يوم الرابع والعشرين، لتنتقل البلاد بعدها إلى فترة الخطابات والدعاية الإذاعية والتلفزيونية.
وبعد إجراء عملية التصويت في 28 مايو، سيتم الإعلان عن النتائج الأولية في الـ 29، وبعد انتهاء فترة الاعتراضات، سيعلن رسميا في الأول من يونيو اسم الرئيس الثالث عشر للبلاد.
ضياء عودة
—————————–
الصندوق التركي… والصندوق السوري/ إبراهيم حميدي
الاهتمام العالمي بالانتخابات التركية غير مسبوق، في هذه الدورة. هذا أمر طبيعي. تركيا عضو رسمي في “حلف شمال الأطلسي” ومجموعة العشرين، ووريثة الإمبراطوية العثمانية، ولديها اقتصاد وجيش كبيران.
كما أن تركيا في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان، منخرطة في ملفات دولية كثيرة بينها إقليم ناغورنو كراباخ والحرب الروسية–الأوكرانية، ويقيم رئيسها، المرشح في الانتخابات، علاقة خاصة مع روسيا يتداخل فيها التعاون العسكري مع الاقتصادي والسياسي والأمني.
يضاف إلى ذلك، أن الإجراءات الداخلية على صعيد الحريات والاقتصاد والقضاء، التي اتخذها بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة عام 2016، أثارت دولا غربية ومؤسسات مدنية وعقّدت علاقة أردوغان مع دول أوروبية وجمعيات حقوقية.
لهذه الأسباب وغيرها، فإن الاهتمام الغربي بالانتخابات غير مسبوق، بل خرجت وسائل إعلام ومؤسسات غربية عن تقاليدها لتعلن موقفا واضحا في أنها “تصوّت” لصالح منافس أردوغان، كمال كليشدار أوغلو، في انتخابات وصفت بأنها “مصيرية” أو “تاريخية” تدشن المئوية الثانية في عمر الجمهورية التركية.
للعرب، من مسؤولين ومواطنين، أسباب إضافية للاهتمام بالصندوق التركي، تخص مستقبل الإسلام السياسي ومآلات النفوذ التركي في المنطقة. إذ إن حكومة أردوغان، منخرطة في وسائل عسكرية وغير عسكرية في دول وأزمات عربية عدة من ليبيا إلى العراق وسوريا. لكن انخراطها في سوريا، هو الأبرز والأكثر أهمية، لذلك، كان اهتمام السوريين بالاقتراع أكثر من غيرهم.
بداية، تسيطر فصائل مقاتلة وإسلامية والجيش التركي على جيوب في الشريط الشمالي، مساحتها حوالي 10 في المائة من سوريا التي تبلغ كامل مساحتها 185 ألف كلم مربع. عمليا، تسيطر على مساحة توازي ضعفي حجم لبنان. وهناك اعتقاد، بأن حكومة أردوغان هي التي تقف وراء هذه السياسة. بالتالي، فإن خسارته الانتخابات، تعني بداية تقهقر النفوذ التركي في شمال سوريا، وفوزه يعني استمرارية النفوذ والحماية والإقامة المؤقتة لنحو 3.7 مليون لاجئ سوري في تركيا.
أما المسؤولون في دمشق والأكراد في القامشلي، فكان رهانهم ولا يزال قائما، على خسارة أردوغان أمام منافسه كليشدار أوغلو في الجولة الثانية نهاية الشهر الحالي. لذلك، فإن الرئيس السوري بشار الأسد امتنع عن لقاء أردوغان قبل الانتخابات رغم الضغوط الكبيرة التي مارسها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لترتيب قمة بينهما على أمل سحب ورقة اللاجئين السوريين الضاغطة على الناخبين الأتراك، من أيدي المعارضة وكليشدار أوغلو وعدم استخدامها ضد أردوغان وحزبه.
اللافت، أن أحد أسباب التطبيع العربي مع دمشق هو تعزيز موقف الأسد في مواجهة النفوذ التركي ضمن مسار “التطبيع الرباعي” الذي يضم موسكو وطهران وأنقرة ودمشق، أي الدول التي تحظى بوجود عسكري كبير في سوريا. الاعتقاد العربي أن تعزيز “الدولة” السورية أمام النفوذين الإيراني والتركي، يضع سداً جغرافياً أمام تقدم نفوذ هاتين القوتين للتمدد من الشمال والشرق إلى الجنوب العربي.
من هنا جاء الاهتمام بالصندوق السوري. وهذا الصندوق لا علاقة له بالاقتراع في البلاد أو الانتخابات والعملية السياسية وتنفيذ القرار الدولي 2254. انه الصندوق الذي أسسه الرئيس السوري قبل أيام لـ”دعم المتضررين من الزلزال” الذي ضرب سوريا وتركيا في فبراير (شباط) الماضي.
معروف أن هناك عقوبات أميركية وأوروبية تمنع تمويل إعادة إعمار سوريا قبل تحقيق تقدم في العملية السياسية. ومعروف أن الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي قدما استثناءات لتمويل مساعدات تخص الأضرار الناجمة من الزلزال. لكن العقوبات و”قانون قيصر”، وقفا عقبة أمام ترجمة التطبيع العربي إلى أموال تساهم في إعمار المدارس والمستشفيات ومحطات الكهرباء المدمرة. “الصندوق السوري” يقدم الوصفة والحل. الهدف الحقيقي منه، هو توفير قناة مالية لتدفق الأموال العربية لدعم الإعمار. بعض الدول العربية قدمت ملايين الدولارات وأخرى وعدت بأموال أكثر.
وهذا ما يفسر الاهتمام بـ”الصندوق السوري” أكثر أو بالتزامن مع متابعة “الصندوق التركي”.
المجلة
——————————
أنقرة الغاضبة/ فلاديمير فان ويلغنبرغ
بعد تحطّم مروحيّة على متنها مقاتلون أكراد سوريون في دهوك في 26 آذار/مارس، فرضت تركيا حظرًا على جميع الرحلات من السليمانية وإليها عبر مجالها الجوّي. وقد أقدمت على هذه الخطوة لأنها اتّهمت الاتحاد الوطني الكردستاني، وهو الحزب الأساسي في السليمانية، بالسماح لأعضاء قوات سورية الديمقراطية (قسد) باستخدام المطار. وفقًا للأتراك، هذه القوات هي بمثابة وكيل لحزب العمال الكردستاني، الذي تعتبره أنقرة تنظيمًا إرهابيًا. ولكن قوات سورية الديمقراطية دأبت باستمرار على إنكار هذا الرابط، تمامًا مثلما فعلت الولايات المتحدة. وكان شرفان كوباني، قائد وحدات مكافحة الإرهاب في قوات سورية الديمقراطية، من بين الأشخاص الذين قضوا في تحطّم الطائرة، وهو ابن شقيقة مظلوم عبدي، القائد العام لـ”قسد”.
سلّطت هذه الحادثة الضوء على العلاقة بين الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة بافل طالباني وقوات سورية الديمقراطية. وقد أثارت هذه الروابط قلقًا شديدًا لدى تركيا، في تطوّرٍ ليس الأوّل من نوعه. ففي الفترة الممتدة من 2017 إلى 2019، حظرت تركيا أيضًا الرحلات إلى السليمانية، انطلاقًا من اعتبارها أن الاتحاد الوطني الكردستاني يدعم حزب العمال الكردستاني. ولكن رُفِع الحظر بعدما شنّ الاتحاد الوطني الكردستاني حملة واسعة ضد أنشطة حزب العمال الكردستاني وأغلق المكاتب التابعة لأحد فروعه، على الرغم من مواصلة الاتحاد الوطني الكردستاني دعمه للإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية الخاضعة لسيطرة الأكراد (أي المنطقة المعروفة بروج آفا).
في العام 2021، حلّ بافل طالباني مكان ابن عمّه لاهور طالباني في موقع الزعيم الأوحد للاتحاد الوطني الكردستاني، بعدما اتُّهِم لاهور بمحاولة تسميمه. على الرغم من التغيير على مستوى القيادة، ظلّ من غير المؤكّد ما إذا كان بافل سيُبقي على روابط الاتحاد الوطني الكردستاني مع قوات سورية الديمقراطية. كان لاهور، الذي تولّى سابقًا منصب مدير مجموعة مكافحة الإرهاب في الاتحاد الوطني الكردستاني وجهاز زانياري الذي هو بمثابة وكالة الاستخبارات التابعة للحزب، قد أجرى زيارة علنية إلى شمال سورية. ولكن بافل شارك أيضًا في اجتماعات مع قوات سورية الديمقراطية في الماضي، وحتى إنه أطلق اسم مدينة كوباني السورية على ابنه، وهي المدينة حيث حاربت التنظيمات الكردية السورية تنظيم الدولة الإسلامية في العام 2014.
جاء التغيير في قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني وسط شائعات انتشرت في البداية عن أن تركيا تعارض لاهور طالباني وتدعم تولّي شخصٍ جديد قيادة الحزب. وألقى لاهور نفسه باللوم على الحزب الديمقراطي الكردستاني وتركيا، وزعم أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يسعى إلى قتله. وأفادت مصادر أخرى أيضًا أن أنقرة راضية عن المنعطف الذي سلكته الأحداث.
على الرغم من استيلاء بافل طالباني على مقاليد السلطة في الحزب، لا مؤشّرات حتى الآن على أن ذلك سيقوّض روابط الاتحاد الوطني الكردستاني مع قوات سورية الديمقراطية. ولكن في العام 2021، مارس عبدي ضغوطًا لدى المسؤولين الأميركيين لدعم لاهور طالباني، خشية أن يُنهي بافل العلاقة بين الجانبَين. وقد تبدّدت شكوكه حين طمأنه بافل إلى أن الروابط مع الاتحاد الوطني الكردستاني سوف تستمر. قال لي مصدر شارك في الاجتماعات بين الاتحاد الوطني الكردستاني وقوات سورية الديمقراطية ما مفاده: “يريد مظلوم العمل مع أي شخص يتزعّم الاتحاد الوطني الكردستاني، سواء كان لاهور طالباني أو بافل طالباني”.
في كانون الأول/ديسمبر 2022، أجرى بافل طالباني زيارة علنية لأوّل مرة إلى روج آفا، حيث التحق بقائد التحالف الدولي ضد الدولة الإسلامية، الجنرال ماثيو ماكفارلين. هناك، التقى بعبدي وغيره من كبار المسؤولين في قوات سورية الديمقراطية وحزب الاتحاد الديمقراطي الذي هو الحزب المسيطر في روج آفا. وقد بدا أن المتحدث باسم الاتحاد الوطني الكردستاني، سوران جمال طاهر، يؤكّد على هذا التقارب، حين قال لي إن تنظيمه دعم القتال ضد الدولة الإسلامية تحت إشراف التحالف الدولي بعدما اجتاح التنظيم أجزاء عدة في كردستان. أضاف طاهر: “كان التعاون مع الأكراد في [كردستان التركية]، أو [كردستان السورية]، أو أي مكان آخر إلزاميًا في المعركة ضد [الدولة الإسلامية]. ندعم أيضًا حقوق جميع الأجزاء في كردستان، بما في ذلك روج آفا”.
في 7 نيسان/أبريل، شنّت تركيا هجومًا بطائرة مسيّرة في جوار مطار السليمانية ضد موكب كان عبدي في عداده. كان ذلك بمثابة تحذير إلى التحالف المحارِب للدولة الإسلامية من مغبّة دعم قوات سورية الديمقراطية، ولا سيما أن الجسر الجوّي بين السليمانية وشمال شرق سورية يشكّل مصدرًا رئيسًا للإحباط بالنسبة إلى أنقرة، إذ يتيح لقوات سورية الديمقراطية الالتفاف على معبر فيش خابور الحدودي ومطار إربيل، وكلاهما خاضعان لسيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني. يُشار إلى أن الروابط التي تجمع تركيا بالحزب الديمقراطي الكردستاني أفضل بكثير من روابطها مع الاتحاد الوطني الكردستاني.
شرح مصدر طلب عدم الكشف عن هويته وكان مشارِكًا في الاجتماعات بين الاتحاد الوطني الكردستاني وقوات سورية الديمقراطية: “يخضع [معبر فيش خابور] للتشنجات السياسية. ومطار السليمانية هو من أبرز نقاط العبور لمسؤولي قوات سورية الديمقراطية من أجل التوجّه إلى مطارات عدة”. على سبيل المثال، أوردت المراسلة أمبرين زمان، في تقرير نشره موقع المونيتور في 3 أيار/مايو، أن عبدي توجّه في الآونة الأخيرة إلى الإمارات العربية المتحدة برفقة بافل طالباني. علاوةً على ذلك، زار مسؤولون أكراد سوريون أخيرًا أوروبا عن طريق مطار السليمانية.
أشار سبنسر بلاك، وهو باحث مقيم في سورية يعمل لدى مكتب روج آفا للإعلام، إلى أن “السليمانية، التي هي العاصمة الإدارية للاتحاد الوطني الكردستاني، تكتسي أهمية دبلوماسية لقوات سورية الديمقراطية التي تسعى إلى توطيد علاقاتها مع الاتحاد الوطني الكردستاني”، مضيفًا: “مطار السليمانية الدولي هو المدخل الرئيس إلى الأراضي الخاضعة لحكم الاتحاد الوطني الكردستاني، ما يجعله هدفًا ذات أولوية عالية للاستخبارات التركية حين يجتمع قياديون من قوات سورية الديمقراطية ومن الاتحاد الوطني الكردستاني”.
أضاف بلاك أن الاستخبارات التركية صعّدت هجماتها في السليمانية. فإلى جانب الهجوم بالطائرة المسيّرة على المطار، أسفر هجومٌ آخر بطائرة مسيّرة في إقليم كلار في محافظة السليمانية في حزيران/يونيو 2022، مثلًا، عنمقتل المسؤول السوري الكردي، فرحات شبلي.
تحدّث الرئيس المشارك لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية، بدران شيا كرد، عن المعارضة التركية الطويلة الأمد للدعم الذي يقدّمه الاتحاد الوطني الكردستاني للإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية وقوات سورية الديمقراطية، قائلًا: “سعوا طوال سنوات إلى تقويض هذا الاتفاق من خلال وسائل متعددة، والدليل على ذلك الهجوم الإرهابي الأخير على مطار السليمانية الذي شنّه النظام في أنقرة”. وتابع: “كان الهدف الأساسي للهجوم إضعاف العلاقة بين ثورتنا والاتحاد الوطني الكردستاني ودفع الأمور في اتجاه أكثر عدائية وتصادمية. على الرغم من ذلك، بقي الاتحاد الوطني الكردستاني ثابتًا في موقفه المشرّف، وفضّل إعطاء الأولوية لقوّة علاقتنا ومتانتها مقدِّمًا إياها على جميع المحاولات التركية لحَرف هذه العلاقة عن مسارها”.
في ضوء تدهور العلاقات بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وقوات سورية الديمقراطية، زاد المسؤولون في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية و”قسد” اعتمادهم على السليمانية، بدلًا من إربيل، في أسفارهم إلى الخارج. ويأتي تدهور العلاقات بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وقوات سورية الديمقراطية في ظل التوغّلات العسكرية الواسعة التي شنّتها تركيا منذ العام 2019 ضد حزب العمال الكردستاني في كردستان العراق. في العام 2020، اتهم الحزب الديمقراطي الكردستاني وحدات حماية الشعب، وهي الجناح العسكري في حزب الاتحاد الديمقراطي، بمهاجمة قوات البشمركة التابعة له قرب الحدود السورية. ولكن وحدات حماية الشعب أنكرت الأمر. لذلك، يواجه المسؤولون في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية وقوات سورية الديمقراطية صعوبة أكبر في زيارة إريبل، أو استخدام معبر فيش خابور. هذا فضلًا عن أن محادثات الوحدة بين حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي المدعوم من الحزب الديمقراطي الكردستاني في سورية عُلِّقت في العام 2020 بسبب احتدام التشنجات.
قدّم التحالف الدولي لمحاربة الدولة الإسلامية الدعم لقوات سورية الديمقراطية. ولكن ذلك تسبب أيضًا باحتكاك بين التحالف والحزب الديمقراطي الكردستاني، نظرًا إلى أن معظم الدعم اللوجستي الذي يقدّمه التحالف لشمال سورية يمرّ عبر مطار إربيل. وكان التحالف يُسيّر أيضًا رحلات جوية مستأجرة تنقل مسؤولين من قوات سورية الديمقراطية والاتحاد الوطني الكردستاني بين سورية والسليمانية، منها مثلًا الرحلة التي أقلّت لاهور طالباني لدى زيارته كوباني في العام 2016. لكن تحطّم المروحيّة يُظهر أن قوات سورية الديمقراطية تسيّر أيضًا بصورة أُحادية رحلات بين شمال شرق سورية والسليمانية. وقد أُفيد بأن رئيس وزراء إقليم كردستان العراق، مسرور بارزاني، طلب من الولايات المتحدة وقف هذه الرحلات.
أخبرني العقيد المتقاعد مايلز بي. كاغينز، الباحث البارز غير المقيم في معهد نيولاينز والمتحدث السابق باسم قوات التحالف الدولي، أن “قوات العمليات الخاصة الأميركية قد شجّعت ونسّقت في الكثير من الأحيان” العلاقة بين مجموعة مكافحة الإرهاب في الاتحاد الوطني الكردستاني وقوات سورية الديمقراطية. وشدّد على أن هذه الروابط كانت استجابةً سريعة بهدف محاربة الدولة الإسلامية في العام 2014. بدأت مجموعة مكافحة الإرهاب وقوات العمليات الخاصة الأميركية التنسيق الميداني في سورية في العام 2014، ولا يزال ذلك متواصلًا حتى اليوم. وأضاف كاغينز: “إذًا، كان ثمة اتصال مستمر بين المستشارين في سورية ومستشاري مجموعة مكافحة الإرهاب”.
أدّى الاتحاد الوطني الكردستاني كذلك دورًا بارزًا في فتح قنوات التواصل بين وحدات حماية الشعب والجيش الأميركي لتنسيق الغارات الجوية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في كوباني عندما حاصر المدينة في أيلول/سبتمبر 2014. خلال ندوة نظّمها معهد نيولاينز ومعهد السلام الكردي في 9 أيار/مايو، أشار قائد القيادة المركزية الأميركية السابق، الجنرال جوزيف فوتيل، إلى تعرّف الجيش الأميركي إلى قيادة وحدات حماية الشعب خلال معركة كوباني، “خاصة ]من خلال[ حزب الاتحاد الوطني الكردستاني ومقرّه ]السليمانية[“. وذكر فوتيل أن “شركاءنا في السليمانية فتحوا قنوات الاتصال بيننا وبين القائد مظلوم ]عبدي[ وسائر القادة والضباط، عن طريق قوات العمليات الخاصة المبتكرة جدًّا. ونجحنا في بلورة نظام اتصالات قائم بشكل كبير على الهواتف المحمولة والإنترنت، ما أتاح لنا دعمهم في دفاعهم عن كوباني”.
ترقى العلاقة بين الولايات المتحدة ومجموعة مكافحة الإرهاب إلى العام 2002، حين حارب الاتحاد الوطني الكردستاني جماعة أنصار الإسلام الكردية الإسلامية، وتشكّلت مجموعة مكافحة الإرهاب بدعم أميركي. إذًا، أقام الاتحاد الوطني الكردستاني علاقة شبيهة بين قوات سورية الديمقراطية والأميركيين لمحاربة الجهاديين في سورية.
أبدى بلاك، الباحث في مكتب روج آفا للإعلام، ملاحظة قريبة من ملاحظة فوتيل، إذ أخبرني أن “قوات سورية الديمقراطية والاتحاد الوطني الكردستاني تجمعهما شراكة عسكرية قائمة منذ أولى مراحل الحرب ]في سورية[“، مضيفًا أن الاتحاد الوطني الكردستاني “دعم قوات سورية الديمقراطية في معارك عدة، من ضمنها ]معارك[ كوباني ومنبج ودير الزور”. وعلى مدى الشهرَين الفائتَين، نفّذت مجموعة مكافحة الإرهاب أيضًا عمليّتَين مشتركتَين اثنتَين مع قوات سورية الديمقراطية في سورية. لكن العلاقة التي تجمع الاتحاد الوطني الكردستاني مع وحدات حماية الشعب وقوات سورية الديمقراطية تعود إلى ما قبل المعارك ضدّ الدولة الإسلامية في العام 2014. فقد دعم حزب صغير مؤيّد للاتحاد الوطني الكردستاني وحدات حماية الشعب في معركة رأس العين ضدّ المتمرّدين المدعومين من تركيا.
أجرى نائب رئيس وزراء إقليم كردستان في العراق، قوباد طالباني، محادثات مع المسؤولين الأتراك لرفع الحظر الجوي المفروض على السليمانية. لكن حتى الآن، لم يتم التوصل إلى اتفاق بين الاتحاد الوطني الكردستاني وتركيا. ويُرجَّح أن تُستأنف المحادثات بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي أُجريت في 14 أيار/مايو.
أخبرني المتحدث باسم الاتحاد الوطني الكردستاني، سوران جمال طاهر، أن “مسألة التدخل التركي كانت قرارًا أُحاديًا، ولم نتوصل إلى حلٍّ لها بعد. ولا يجب أن تؤثر هذه المسألة على مواطني كردستان والسليمانية. فنحن بحاجة إلى علاقات جيدة مع الدول المجاورة”. مع ذلك، حتى بعد مهلة تموز/يوليو، قد تمدّد تركيا الحظر الجوي، الذي صبّ حتى الآن في صالح مطارَي إربيل وكركوك.
يحيط الغموض بمستقبل العلاقة بين الاتحاد الوطني الكردستاني وقوات سورية الديمقراطية، وسيعتمد ذلك على نتيجة الانتخابات التركية، إضافةً إلى المفاوضات اللاحقة مع أنقرة. وقد تختلف طبيعة هذه المفاوضات وفقًا لمن سيتولّى الحكم، سواء حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان أو حزب الشعب الجمهوري بقيادة كمال كليجدار أوغلو. إذا خسر أردوغان، قد يسهّل ذلك حلّ مشكلة تركيا مع الاتحاد الوطني الكردستاني. وإلّا، فسيضطر الاتحاد إلى البحث عن طرق بديلة لتلك التي كانت تعبر المجال الجوي التركي.
لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.
————————————-
سنان أوغان.. “صانع ملوك” أم صندوق للأصوات الغاضبة؟
إسطنبول – عبد الناصر القادري
لم يكن المرشح لانتخابات الرئاسة سنان أوغان ليحلم بأحسن أيامه أن يكون الاسم الأبرز في الانتخابات التركية بعد حصوله على أكثر من 5 في المئة من الأصوات، في الوقت الذي لم تكن استطلاعات الرأي تشير إليه أحياناً – باعتباره مرشحاً ضعيفاً – مقتصرة نسبها العليا على مرشح تحالف الشعب رجب طيب أردوغان، ومرشح تحالف الأمة كمال كلتيشدار أوغلو.
وكانت أفضل استطلاعات الرأي بالانتخابات التركية تعطي مرشح تحالف الأجداد “سنان أوغان” ما نسبته 2 إلى 3 في المئة في أحسن الأحوال، إلا أن انسحاب محرم إنجه مرشح حزب البلد، خلط الأوراق وحوّل جزءاً من أصواته إلى أوغان.
حصل أوغان على 5.17 في المئة من الأصوات تقريباً، وحصل أردوغان على 49.5 في المئة منها، بالوقت الذي حصل كمال كلتيشدار أوغلو على 44.89 في المئة، وبذلك دفع وجود أوغان نحو جولة انتخابية ثانية بعد أن كانت ستحسم لصالح أردوغان بفارق طفيف لا يتجاوز 0.60 في المئة فقط من الأصوات. ما جعل من سنان أوغان حامل لقب “صانع الملوك” خلال الساعات الـ 24 الماضية في تركيا.
من هو صانع الملوك؟
في عام 1455م اندلعت حرب أهلية في إنكلترا بخصوص الأحق بكرسي العرش في المملكة بين عائلة لانكاستر، وعائلة يورك، وكان شعار العائلتين وردتين مختلفتين باللون (بيضاء وحمراء)، حتى أطلق على تلك الحرب اسم “حرب الوردتين”، كما أورد ذلك وليام شكسبير في روايته الشهيرة “هنري السادس”.
في تلك الحرب ظهر مصطلح “صانع الملوك” لأول مرة بالإشارة إلى أنشطة “ريتشارد نيفيل”، إيرل وارويك السادس عشر، الذي أطلق عليه لقب “وارويك صانع الملوك” لدوره في صناعة الملك الذي يضمن نفوذه في خلافة الحاكم الملكي أو السياسي، وصار له مكاناً في العلوم السياسية لدوره في اختيار الأشخاص أو المجموعة التي لها تأثير بالغ بالسلطة باستخدام الأوراق الممكنة بما فيها من ملفات سياسية واقتصادية ومالية ودينية وعسكرية لتحقيق المرجو منه.
الانتخابات التركية 2023
هل يصنع من “كلتيشدار أوغلو” ملكاً؟
بعد ساعات من تقدم أوغان في النتائج ذكرت وسائل إعلام تركية أن كمال كليتشدار أوغلو اتصل مع سنان أوغان وبارك له بنتائج الانتخابات (رغم أنه جاء بأصوات ضعيفة)، في خطوة استباقية لضمه إلى طاولته السداسية.
وإن صح ما نقلت “دير شبيغل” الألمانية، عن سنان أوغان أنه سيدعم كمال كلتيشدار أوغلو في حال فك ارتباطه مع “حزب الشعوب الديمقراطي” نجد أن المرشح الرئاسي الذي حاز 5.17 في المئة من الأصوات يريد أن يساوم مرشح المعارضة الرئيسي على مكاسب سياسية قبل جولة الانتخابات الثانية.
وفي تصريحات لشبكة “بي بي سي” التركية، قال سنان أوغان اليوم الإثنين: “أؤمن أن دعمنا في الجولة الثانية سيحدد الفائز بالانتخابات، وسنعلن خلال يوم أو يومين عن المرشح الذي سندعمه بعد إتمام الاستشارات اللازمة”.
وأردف “لدينا خطوط حمراء وعدة شروط على رأسها مكافحة الإرهاب والابتعاد عن الأحزاب السياسية التي تدعهما التنظيمات الإرهابية وترحيل اللاجئين”.
ثوب فضفاض عليه
قد تكون كلمة “صانع ملوك” فضفاضة على “سنان أوغان” وتُحملهُ أكثر مما يحتمل، وفق ترجيحات كثير من المحللين الذين يرون به حاصداً للأصوات الغاضبة من النخبة الحاكمة في البلاد، والتواقة لرؤية رجل أصغر سناً (54 عاماً)، أقرب لفئة الشباب منه للمسنين (كلتيشدار أوغلو وأردوغان)، وهو محسوب على فكر مصطفى كمال أتاتورك العلماني ولكن بنسخة قومية متشددة، وليس يسارياً قريباً من حزب الشعب الجمهوري الذي غير من خطابه.
كما أنه معادٍ لوجود اللاجئين والأجانب ويدافع عن القومية التركية بشكل كامل، ولديه موقف مضاد للتحالف مع “حزب الشعوب الديمقراطي” الذي يمثل جزءاً كبيراً من أصوات المكون الكردي.
قد يكون أوغان يريد الانضمام للطاولة السداسية فعلياً، ويحاول أن يرفع سقف المفاوضات مع أحزاب المعارضة، لمعرفته أن كليتشدار أوغلو بحاجة أصواته التي تؤهله للفوز على أردوغان حرفياً، ولكن ذلك فيه الكثير من المبالغة.
لا يمكن لأوغان أن يوجه جميع ناخبيه، هناك قسم انتخبه لأنه لا يريد الرئيس أردوغان أو كليتشدار أوغلو وكان داعماً لإنجه قبل انسحابه. وهناك قسم الشباب المتأثر بخطابه القومي والمناهض للأجانب.
كما أن أصوات ناخبي سنان أوغان ترجيحية أكثر لتحالف الشعب، منها لتحالف الأمة، أولاً هناك اتصال كبير بالخطاب، فهناك تحالف بين العدالة والتنمية (يمين الوسط)، مع الحركة القومية (أقصى اليمين) الذي كان أوغان أحد أعضائها البارزين.
في المقابل، كان اتصال بن علي يلدريم نائب رئيس حزب العدالة والتنمية بسنان أوغان لتقديم المباركة بنتيجته، دليلاً عن محاولة الحزب الحاكم جره إلى طرف أردوغان، وإن لم يكن ينتقده بشكل لاذع على طول الحملة الانتخابية الخاصة به، بل كانت سهام نقده كلها موجهة لكليتشدار أوغلو.
أردوغان
“أوغان” الأجنبي.. كاره الأجانب
لعل التحريض والتجني على اللاجئين السوريين وكراهية الأجانب هو السبب الأول الذي دفع زعيم حزب الظفر أوميت أوزداع للتحالف مع سنان أوغان، ولعل السبب الثاني كان الخلفية القومية للرجلين اللذين كانا في صفوف حزب “الحركة القومية” قبل أن يطردا بشكل منفصل.
ولد سنان أوغان في أيلول عام 1967 في مدينة إغدير الواقعة بالقرب من حدود تركيا مع أرمينيا وأذربيجان وإيران، لأسرة مهاجرة من أذربيجان.
ولعل هذا ما يفسر حجم خطاب الكراهية المتضخم لدى “أوغان” وحليفه “أوزداغ” المنحدر كذلك من أصول أجنبية “داغستانية”، حيث يريدان أن يثبتوا للشعب التركي أنهما قوميان إلى أقصى حد ممكن، أكثر من أي تركي آخر.
وعلى الرغم من المستوى الأكاديمي المرتفع لسنان أوغان، فقد كان خطابه الإنساني منحدراً بشكل كبير، وهذا ما ظهر في حملته الانتخابية الرئاسية لانتخابات 2023.
تخرج أوغان في جامعة مرمرة، في كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية، قسم إدارة الأعمال، وأكمل درجة الماجستير في القانون المالي والمصارف عام 1992 بأطروحة بعنوان التحليل الهيكلي للاقتصاد والمالية القطاع في أذربيجان.
وبعد ذلك حاز أوغان درجة الدكتوراه في جامعة موسكو الحكومية للعلاقات الدولية، ليعود ويعمل مساعد باحث في معهد السياسات التركية بجامعة مرمرة.
هذه الدراسة جعلته ملماً بالشأن السياسي الروسي، ومتمكناً من اللغة الروسية، إلى جانب اللغة التركية.
واعتماداً على أصوله الأذرية أوجد مكاناً له في جامعة أذربيجان الحكومية التي عمل بها نائباً لعميد كلية الاقتصاد.
وفي عام 1990، نظم تجمعاً كبيراً في ميدان تقسيم بمدينة إسطنبول، تنديداً بالمذبحة التي قام بها الجيش السوفييتي ضد متظاهرين أذربيجانيين في 20 من كانون الثاني من العام نفسه.
كان على صلة بـ “أبي الفضل إلجي بيك” مؤسس وزعيم الجبهة الشعبية الأذربيجانية المعارضة قبل انهيار الاتحاد السوفييتي، وبعد تفكك الأخير عام 1991، عمل أوغان في مكتب الرئيس إلجي بيك لنحو عام.
وبين عامي 1992 و2000 عينته الحكومة التركية ممثلاً لـ “وكالة التعاون والتنسيق التركية (تيكا)” في أذربيجان.
كما رأس مكتب الدراسات الروسية الأوكرانية التابع للمركز الأوراسي للدراسات الاستراتيجية (ASAM). وبعد ذلك أسس ورأس مركز العلاقات الدولية والتحليل الاستراتيجي (تُركسام).
أكاديمي منبوذ من القوميين
دخل أوغان الحياة السياسية بشكل مباشر عام 2011 مرشحاً عن حزب الحركة القومية للبرلمان التركي، وفاز بمقعد عن ولاية “إغدير”.
لم تكن فترته الانتخابية في البرلمان هادئة فقد خاض حروباً داخلية مع قيادات “الحركة القومية” وبالأخص مع زعيمها دولت بهتشلي الذي يتربع عرش القوميين الأتراك منذ تسعينيات القرن الماضي.
وعلى الرغم من طرد “أوغان” من الحزب مرتين، إلا أنه ترشح لرئاسة الحزب بعد قرار محكمة ينهي قرار طرده، وخسر أمام الزعيم التاريخي “بهتشلي”، ويؤكد بحسب موقعه الرسمي، أن الكثير من العروض أتت إليه إلا أنه بقي مخلصاً لحزبه ونضاله السياسي ولم يؤسس حزباً جديداً.
في عام 2017 طرد نهائياً من الحزب مع ثلاثة أعضاء آخرين.
ولم يجد له مكاناً في حزب الجيد المنشق عن حزب الحركة القومية الذي أسسته ميرال أكشنر رداً على تحالف دولت بهتشلي مع الرئيس أردوغان اعتباراً من عام 2017.
التفتيش عن الكراهية
في عام 2022 كان موقع “تويتر” في تركيا ينشغل بين يوم وآخر بترند يشعله زعيم حزب الظفر وعضو البرلمان التركي “أوميت أوزداغ” ضد اللاجئين السوريين، مستعيناً بشبكة واسعة من الذباب الإلكتروني، وصاعداً بأرقامه من 100 ألف متابع إلى 2.1 مليون متابع، محاولاً العبث في طمأنينة السلم المجتمعي بتركيا.
ارتدى أوزداغ قفطان الفكر الكمالي الأتاتوركي، مستلهماً أفكار اليمين المتطرف الصاعد في أوروبا ضد اللاجئين السوريين منذ عام 2015، والأرقام الجيدة التي حققها بالانتخابات بالعديد من الدول وفي مقدمتها فرنسا والسويد.
فتش أوزداغ طويلاً عن مرشح يناسب مقاسه وأفكاره التحريضية ضد اللاجئين والأجانب، موهماً متابعيه وأنصاره بأنهم سبب مشكلات تركيا وتراجعها، عبر سلسلة من الأكاذيب والادعاءات التي ضمنها في بروباغندا حزبية دعائية.
كان (المرشح الرئاسي الذي انسحب لاحقاً) محرم إنجه يتناغم مع خطاب أوزداغ ضد السوريين، إلا أن لغة الأخير وسوقيته حتى بين النخب التركية جعلت إنجه يبتعد عنه ويفضل أن يترشح نيابة عن حزبه فقط، قبل 24 ساعة من إعلان التحالف فقط.
وبعدها فتش أوزداغ عن بديله فلم يجد أفضل من “سنان أوغان” الذي كان لديه خطاب معادٍ للاجئين السوريين والعرب والأفغان المقيمين في تركيا، محرضاً عليهم في وسائل الإعلام التي تستقبله وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.
أسس أوزداغ تحالف “الأجداد (ATA) نسبة إلى أتاتورك (أبو الأتراك)، وضم أحزاباً قومية متطرفة مثل “الظفر” و”العدالة” ورشح سنان أوغان مرشحاً رئاسياً فيه، ليجمع 100 ألف توقيع تمكنه من خوض الاستحقاق الانتخابي لعام 2023.
وتركّز برنامجه الانتخابي على طرد اللاجئين السوريين من البلاد عبر تأمين “عودة آمنة” لهم، وحل المشكلات الديمغرافية بإيقاف هجرات الشعوب الأخرى باتجاه تركيا، وإلغاء النظام الرئاسي وإعادته للبرلماني.
———————————
لماذا فشلت الاستراتيجية الانتخابية للمعارضة التركية؟
أنقرة (زمان التركية) – فشل كل من تحالف الجمهور الحاكم وتحالف الشعب المعارض في حسم الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى لتصبح تركيا على موعدا مع جولة ثانية في الثامن عشر من الشهر الجاري وذلك بعدما فشل جميع المرشحين في تحقيق شرط 50%+1 من الأصوات لحسم الانتخابات من الجولة الأولى.
وفي تعليق منه على النتائج غير الرسمية أفاد جيهان توغال، عضو هيئة التدريس بجامعة بيركلي الأمريكية، أن المعارضة لم تتمكن من تحقيق الفارق المنشود وأن عدم انعكاس مكاسب اليمين المتطرف على استطلاعات لعب دورا في هذا الأمر.
وفي حديثه مع بي بي سي في نسختها التركية أسرد توغال أسباب فشل الاستراتيجية الانتخابية للمعارضة على النحو التالي: “إن نظرنا إلى الخطابات الأخيرة ولا أقصد بها خطابات السياسيين نرى أن جزء من الأكاديميين والصحفيين المعارضين يتحدثون عن تقدم كيليجدار أوغلو بفارق كبير بلغ نحو 5 في المئة. ندرك أن هذا التوقع غير واقعي وأن هناك خطا كبير ارتكب بهذا الصدد ومن المحتمل أنهم أخطأوا في قراءة النتائج. لا يمكن القول إن المعارضة فازت أو خسرت، لكن نرى مبالغة في الخطوة التي ستتخذها المعارضة.
القضية لا تتعلق بتركيا، فقد تم ارتكاب هذا الخطأ في كل من البرازيل والمجر وأمريكا بسبب الموازين الداخلية. مكاسب اليمين المتطرف لم تنعكس على استطلاعات الرأي في الدول الأربعة، لكنها انعكست على صناديق الاقتراع. نرى أن جزء من كتلة الناخبين اليمينية المتطرفة شعرت بالحرج خلال استطلاعات الرأي ولم تتمكن من التمسك بموقفها، لكنها دعمت اليمين المتطرف. وهذا وضع شائع في هذه الدول.
التحالف السداسي كيان حزبي يتزعمه الشعب الجمهوري، لكن إن سألنا عن الرؤية التي تقود التحالف فسنرى أن رؤى داود أوغلو وباباجان هي ما يُدير التحالف السداسي. نسب أصوات أحزاب داود أوغلو وباباجان منخفضة، لكن رؤياها تسيطر على التحالف السداسي.
كلاهما يرى أن هناك توجه دائما للتيار اليميني ويسعون لاكتساب بعض هؤلاء الناخبين من خلال التقرب قليلا من التيار اليمين، لكن الأمور لا تتم هكذا، فالفراغ المركزي لا يزال قائما.
في المقابل يواصل التيار اليساري خسارة ناخبيه لعدم تطويره استراتيجيه، فجميع آمال فئة العمال بدأت تُزهر باليمين المتطرف مثلما شاهدنا في نموذج حزب الرفاه من جديد.
رد الفعل الذي قد ينبع من التيار اليساري تجاه الفراغ المركزي ينبع من التيار اليميني بسبب الأخطاء الاستراتيجية للتيار اليساري.
المعارضة طالبت بأصوات الأكراد قبل أسبوعين أو ثلاثة من الانتخابات. الأكراد واليساري الاشتراكي سيمنحونها تلك الأصوات، لأنه عاجزون، فتركيا أما سُتدار بالتيار اليميني بقيادة الشعب الجمهوري أو بالتيار اليميني المتطرف.
الخطأ المرتكب هنا ليس المطالبة بأصوات الأكراد بل الانتظار حتى اللحظات الأخيرة، فإن ظللت لسنوات تقصي الأكراد وتدعم العمليات العسكرية على الحدود وبالتالي تدعم القومية داخل البلاد وتتجاهل اعتقال السياسيين الأكراد بل وتدعمه من ثم تطالب بأصوات الأكراد في اللحظات الأخيرة فإن الأمر سيثير التيار القومي ضدك.
إن اتخذ كيليجدار أوغلو موقف قومي مفاجئ هل سيحظى بدعم الأكراد هذه المرة؟ هل قد تتغير الموازين بسرعة؟ يستحيل توقع ما ستؤول إليه الأمور، لكن الوضع الحالي يشير إلى أن هذه الموازين لن تتغير دون خلق سبيل جديد لفئة العمال وبدون التصدي لتلك القومية.
سيرحل سنان أوغان ويأتي شخص آخر وإن لم يقلب موازين هذه الانتخابات فإنه سيقلب موازين الانتخابات القادمة. لنقل إن التحالف السداسي بلغ سدة الحكم. الأمر لن يتوقف عند هذا الحد، فمن هم على شاكلة سنان أوغان سيدمرون التحالف السداسي من داخل حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية.
حزب الخير دائما ما يهدد التحالف السداسي بالانسحاب في حال تقديم تنازلات إلى الأكراد. لابد من تغيير عام في المنظور يمكنه التعامل مع كل هذه الأمور. بالتأكيد هذا لن يتحقق بإعلانه قبول الأكراد بعد الآن، لأن الانفتاح على الأكراد سيفقد الشعب الجمهوري الكثير من الناخبين. على الشعب الجمهوري إيجاد طريق للفوز بهؤلاء الناخبين بسبل أخرى”.
————————
بعد يوم وليلة طويلة.. ماذا تخبرنا نتائج الانتخابات التركية؟
عاشت تركيا يوماً وليلة طويلة، في ظل استمرار عمليات فرز الأصوات ومشارفة “الهيئة العليا للانتخابات” على حسم النتائج الأولية في الساعات المقبلة.
وتشير المعطيات والأرقام المتاحة رسمياً حتى الآن إلى أن البلاد باتت تقبل على جولة إعادة بين مرشحي الرئاسة التركية، رجب طيب أردوغان والمعارض كمال كلشدار أوغلو.
ومع ذلك يمكن أن تحصل “مفاجآت”، حسب ما يرى مراقبون.
وشاركت “الهيئة العليا” آخر بياناتها، صباح الاثنين، وأظهرت تصدّر أردوغان المنافسة الرئاسية بنسبة 49.40 في المئة.
أما كلشدار أوغلور حاز على نسبة 44.96 في المئة.
وأعلن رئيس “الهيئة” أحمد ينير أن هناك 27 صندوق اقتراع غير مفتوح في تركيا.
وقال إن النسبة التي استقرت على المرشح الرئاسي الثالث سنان أوغان تبلغ 5.2 بالمئة.
وكان الرئيس أردوغان قد خرج في خطاب مع زوجته على الشرفة في العاصمة أنقرة منتصف ليلة الأحد-الاثنين.
واعتقد أنه يمكن الفوز بالجولة الأولى، وأعلن استعداده في ذات الوقت خوض الجولة الثانية إن قادت المؤشرات إليها.
أما بالنسبة لتحالف المعارضة والمرشح المنافس كلشدار أوغلو فقد خرج في بيان مع زعماء “الطاولة السداسية”.
وأعلن الزعماء استعدادهم أيضاً لخوض الجولة الثانية، في وقت كانت تشير تصريحاتهم يوم الأحد إلى أنهم “متقدمون”.
“مفاجآت”
وحملت نتائج انتخابات الرئاسة والبرلمان خلال الساعات الماضية عدة “مفاجآت”.
وتمثلت بصعود الأحزاب القومية، وخاصة “حزب الحركة القومية” حليف أردوغان في البرلمان.
بالإضافة إلى “حزب الرفاه من جديد” الذي يتزعمه فاتح أربكان والمتحالف مع الرئيس التركي في “تحالف الجمهور”.
في غضون ذلك بدا لافتاً النسبة التي حصل عليها المرشح الثالث سنان أوغان، وهي 5 بالمئة.
ويرى مراقبون أن أوغان “سيكون لاعباً أساسياً في حسم الجولة الثانية”، وهو ما أكد عليه أيضاً عبر تصريحات صحفية ومن خلال حسابه الشخصي في “تويتر”.
وأظهرت النتائج أن الناخبين الذين عارضوا كلا التحالفين (الحاكم والمعارض) فضلوا أوغان.
ورغم تراجع أصوات “حزب العدالة والتنمية” بـ29 مقعداً عن انتخابات 2018، فاز تحالفه “الجمهور” بالأغلبية في البرلمان أيضاً.
وإذا انتقلت الانتخابات إلى الدور الثاني، وهو ما يتوقعه صحفيون وقادة أحزاب سياسي فسيخوضها تحالف الحزب الحاكم بميزة الأغلبية البرلمانية.
وبينما لوحظ أن التضخم المرتفع وغلاء المعيشة تسبب في خسارة “حزب العدالة والتنمية” للأصوات في العديد من المدن، لا سيما في المناطق الحضرية مثل أنقرة واسطنبول وإزمير، فقد تمكن الحزب الأول من الظهور في غالبية المحافظات التي تضم 6 محافظات، متضررة بفعل زلزال شباط الماضي.
وفي حين انخفضت أصوات حزب العدالة والتنمية بنحو 7 في المئة، فاز تحالف الجمهور بالأغلبية في البرلمان بدعم من حزب الرفاه وحزب الحركة القومية، اللذين احتفظا بأصواتهما إلى حد كبير.
ماذا عن المعارضة؟
وتشير نتائج انتخابات البرلمان إلى أن “حزب الديمقراطية والتقدم” الذي يرأسه علي باباجان و”حزب السعادة” و”الحزب الديمقراطي” دخلوا في البرلمان.
لكن ومع ذلك لم يخلق هذا الأمر قفزة كبيرة في أصوات “حزب الشعب الجمهوري”، الموجودين ضمن قوائمه.
وتراجعت أصوات حزب “اليسار الأخضر”، الذي دخل الانتخابات في ظل تحالف “العمل والحرية”، بسبب دخول “حزب العمال التركي”، الذي كان عضواً في التحالف، الانتخابات في المحافظات الغربية بقائمة منفصلة.
وتكشف نتائج الانتخابات أنه لم يكن هناك تغيير كبير في معدل تصويت “حزب الجيد” القومي مقارنة بانتخابات 2018.
وإذا تقرر إجراء جولة ثانية في الانتخابات الرئاسية في 28 مايو، سيبدأ التقويم الانتخابي لها يوم الاثنين 15 مايو، فيما سيتم الإعلان عن النتائج المؤقتة في 29 مايو.
وفي 1 يونيو يتم إعلان النتيجة النهائية رسمياً عبر الجريدة الرسمية ووسائل الإعلام.
—————————-
=====================
تحديث 11 أيار 2023
————————
السوريون المُجنَّسون والانتخابات التركية/ عروة خليفة
لِلحظات، لم يعنِ تاريخُ الرابع عشر من شهر أيار أي شيء بالنسبة لأبي أحمد. كان يعرف بأني آتٍ لأسأله عن رأيه في الانتخابات التركية. تَذكَّرَ لوحده، وتحدَّثَ عن كونه سيشارك للمرة الأولى يوم الأحد المقبل في التصويت ضمن انتخابات ديمقراطية وهو بعمر 62 عاماً. هذا ليس قليلاً بالنسبة له. ولدقائق، تحدَّثَ عن هذه النقطة بالذات، عن كيف سيصل إلى المركز الانتخابي ويشارك كمواطن في هذا الحدث السياسي.
أبو أحمد الذي أتى لاجئاً إلى تركيا قبل أكثر من عقدٍ من الزمن، يشعر بالفخر لأنه وأخيراً أصبح قادراً على اختيار ممثليه السياسيين. بالنسبة للعديد من السوريين الذين عاشوا خلال فترة حكم حزب البعث والأسدَين، لم يكن لأي انتخابات معنىً طالما أنّ الفائزين فيها معروفون مسبقاً، سواء في انتخابات الجمعيات الفلاحية والعمالية أو النقابات أو البلديات أو مجلس الشعب، أو في الاستفتاء على رئيس الجمهورية بالطبع.
*****
وصلت أولى قوافل اللاجئين السوريين إلى تركيا في شهر نيسان (أبريل) من عام 2011. وبينما كانت الموجة الأولى بالعشرات، سرعان ما ارتفعت أعداد اللاجئين لتتجاوز الأربعة ملايين لاجئ في فترة من الفترات. تقول مديرية الهجرة التركية بأنّ عدد السوريين الحاصلين على بطاقة الحماية المؤقتة (الكيملك) في تركيا اليوم يبلغ 3.4 مليون تقريباً، أما بالنسبة لحاملي تصاريح الإقامة السياحية أو الإنسانية بين السوريين، فتُشير بيانات دائرة الهجرة في الفترة ذاتها إلى أن عددهم حوالي 178 ألف سوريّة وسوريّ.
في بداية شهر تموز (يوليو) عام 2016، صرّحَ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بوجوب منح جزء من اللاجئين السوريين، خاصةً أصحاب الكفاءات العلمية والمهنية، الجنسية التركية. وبالفعل قام البرلمان التركي في الثامن والعشرين من الشهر نفسه بإدخال فقرة جديدة على المادة 12 من قانون الجنسية التركية الصادر عام 2009، تسمح لمجلس الوزراء بترشيح حاملي بطاقة الحماية المؤقتة وتصاريح الإقامة لنيل الجنسية التركية بطريقة استثنائية، لامتلاكهم مهارات تحتاجها تركيا.
حصلَ خلال السنوات الماضية حوالي 230 ألف سوري على الجنسية التركية، بينهم ما يقارب 130 ألفاً يحقُّ لهم التصويت في الانتخابات الحالية، وذلك بحسب تصريحات لوزير الداخلية سليمان صويلو في شهر نيسان الماضي. ما يعني بأنّ نسبة السوريين القادرين على التصويت في الانتخابات المقبلة من مجموع أعداد السوريين في تركيا هي 3.66 بالمئة.
كيف ينظر بعض هؤلاء للانتخابات النيابية والرئاسية التركية التي ستجري بعد أيام قليلة؟ ما الذي يحكم اتجاهات تصويتهم؟
مواطنون بعقلية لاجئين
في الطريق إلى وسط مدينة غازي عنتاب لكي ألتقي أبو أحمد، فكّرت: لا بدّ أن تكون الأوضاع الاقتصادية أحد العوامل التي يفكر فيها تاجرٌ من مدينة حلب يعيش اليوم في تركيا. دخلتُ إلى البناء التجاري حيث يقع مكتبه في الطابق السادس، وجدتُ مكتباً فارغاً من الموظفين: «لقد تقاعدت. آتي هنا لتمضية الوقت أحياناً»؛ يقول أبو أحمد (62 عاماً). قلتُ لنفسي؛ إذاً لن يكون حالُ الاقتصاد مهماً للغاية.
وصلَ أبو أحمد (فضّلَ أن أشير له بلقبه) مع عائلته قبل قرابة الاثني عشر عاماً إلى تركيا، تاركاً منزله في حلب الجديدة ومَحلَّه في السويقة حيث كان مركز نشاطه في التجارة. جاء إلى تركيا التي كان يعرفها مسبقاً من خلال تعامله مع زبائن أتراك يأتون لمحله، أو من خلال زياراته لمدن مرسين وغازي عنتاب.
«ظننتُ أنّي أعرفها، بدأتُ عدداً من المشاريع وفي كلّ المرات قام الشريك بالسيطرة على المشروع. في بعض الحالات كانوا أتراكاً وفي أخرى سوريين». سألته إن كان قد حاول القيام بإجراءات قانونية من أجل تحصيل حقوقه تلك، فأجاب بأنّ وضعنا كلاجئين سوريين، حتى بعدما حصلتُ على الجنسية التركية، قلق: «لا أظنّ أنّ هناك أملاً في استعادة أموالي من تلك المشاريع. نحن سوريون، وكان يمكن أن يتم ترحيلنا قبل حصولي على الجنسية. ظَهرَتْ إحدى تلك المشاكل عندما كان ملف عائلتي قيد الدراسة للحصول على الجنسية، لذلك فضلّتُ عدم رفع دعوى لأنني سمعت بأنّ ذلك سيؤذي ملف التجنيس».
لا يتحدث أبو أحمد اللغة التركية، قال بأنّه حاول تعلمها عدّة مرات، لكنّ السنّ على ما يبدو يؤثر على قدرة التعلّم كما يقول. هو يتقن الأساسيات التي تُمكِّنه من إجراء تعاملات بسيطة كان قد تَعلَّمها من الزبائن الأتراك في حلب، وعندما يحتاج الأمر أكثر من ذلك فإنّ بناته تَعلَّمنَ اللغة بشكل جيد، ما يسمح له بالاعتماد عليهنّ.
حصل أبو أحمد وعائلته على الجنسية التركية في عام 2018، وهو يعيش اليوم متقاعداً في مدينة غازي عنتاب، يراقب التصريحات التركية عبر الإعلام العربي والسوري الموجود في تركيا. مخاوفه الأساسية بشأن اللاجئين السوريين الذين لا يحملون الجنسية التركية، هؤلاء قد يصبحون هدفاً للترحيل، لكنّه عقّبَ: «لا أحد يستطيع ترحيل الجميع، هناك اتفاقات دولية تحمينا، لكن ربما ستصبح الظروف أصعب».
يُعرِّفُ أبو أحمد نفسه كحلبي وسوري، فهذا ليس سؤالاً يتطلّبُ الكثير من التفكير بالنسبةِ له. يُكمل فنجان القهوة التركية التي يشتريها من محل سوري قرب مكتبه (يختلف تحضير القهوة التركية بين السوريين والأتراك. يضيف السوريون للبن المطحون جيداً حبوبَ الهيل المطحونة أيضاً)، وعندما تحدثنا عن التقارب الذي تجريه الحكومة التركية الحالية مع النظام السوري قال بحسرة: «حرام تضيع، تتلفلف ببوسة شوارب، هاد رح يكون أخطر شي».
قرَّرَ أبو أحمد التصويت لتحالف الشعب الذي يقوده حزب العدالة والتنمية، فهو يرى أن حزب العدالة ورجب طيب أردوغان هما الخيار الأفضل بالنسبة للسوريين ولتركيا أيضاً. وعودُ المعارضة التركية المتكررة بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم كانت أحد أسباب اختيار أبو أحمد لأردوغان، لم يكن مهتماً كثيراً بالسياسة في سوريا، ويبدو له أردوغان بتوجهاته المحافظة أقرب لما يَتخيله في برنامج سياسي يتقاطع مع آرائه. عندما سألته إن كان اطَّلَعَ على البرنامج الانتخابي الذي قدمته أحزاب تحالف الطاولة السداسية المعارضة، أجاب بالنفي.
*****
ليس بعيداً عن مكتب أبو أحمد في غازي عنتاب، في مقهى كان في الأصل مشروعاً مُشترَكاً بين سوريين وأتراك، جلست دعاء (29 عاماً) لتتحدث معي عن رأيها بخصوص الانتخابات التركية. عندما سألتها عن العام الذي أتت فيه إلى تركيا، تفاجأت بعدد السنوات التي قضتها، إذ لم يخطر لها حسابُ ذلك سابقاً: «9 سنين!».
حصلت دعاء على الجنسية التركية خريف العام 2017، لكنّها قررت عدم التصويت في الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2018: «كنتُ قد بدأتُ دراستي في الجامعة التركية باختصاص علاقات دولية، وفضّلتُ أن أعرف أكثر عن السياسة التركية قبل أن أُصوِّتَ في الانتخابات».
لم يكن الحديث في السياسة أمراً حاضراً في نقاشات دعاء مع أصدقائها الأتراك، لكن حديثاً عابر مع صديقة غَيَّرَ نظرتها لما يجري في تركيا: «في سوريا، الجيش والأمن يرتكبون الفظائع، لذلك كنت أنظر للشرطة في تركيا على أنهم مثالٌ ممتاز لما يمكن أن يكون عليه رجال الأمن. قلتُ ذلك لصديقتي، التي اعترضت. وعندما بَدأَتْ تشرح لي الأوضاع السياسية في تركيا، بدأتُ أُكوِّنُ أولى آرائي فيما يخص السياسة في هذا البلد».
تنحدر دعاء من الجولان السوري، عاشت ووالديها المهجرين من قراهم في الجولان المحتل في مدينة دمشق، وإلى اليوم فإنّ الحديث عن الانتماء هو حديثٌ معقد بالنسبة لها: «كان يُشار إلينا في سوريا باسم نازحين، وفي تركيا يشار إلينا باسم لاجئين سوريين، حتى بعد حصولي على الجنسية التركية لا أُحس أنّ شيئاً قد تغير».
تتحدث دعاء باللهجة المحكية السورية البيضاء، تقول إنّها نسيَت لهجة أهل الجولان التي لا تستطيع التحدث بها، كان ذلك في البداية نتيجة التعليقات والتنمر الذي رأته في المدارس السورية عندما كانت طفلة، لكنه استمرَّ لاحقاً. وبالنسبة لوضعها اليوم بعد حصولها على الجنسية التركية، تقول دعاء: «لا أرى نفسي مواطنة تركية. الأمر معقد أكثر من ذلك بالنسبة لي». ردُّ فعل الأتراك على حصولها على الجنسية يلعب دوراً أيضاً كما تشير.
تعترف دعاء بأنّ دائرة أصدقائها وصديقاتها الأتراك تعمل كلها في المجال الحقوقي، حواراتها السياسية تقتصر عليهم، لذلك فإنّ التوجهات التي يغلب عليها الاقتراب من اليسار هي السائدة بينهم. رأيها السياسي ليس مجرد انعكاس لذلك كما تقول، لكنّ الأمر يحمل تأثيراً على توجهاتها في اختيار مرشحيها في الانتخابات التركية. تخطط دعاء للسفر وإكمال دراستها خارج تركيا، ربما ستعود وربما لا، هذا ليس أكيداً بالنسبة لها.
اختارت دعاء التصويت لحزب اليسار الأخضر، وهو حزب يساري جديد يَترشَّحُ على قوائمه مرشحو حزب الشعوب الديموقراطي. لن تصوت في الانتخابات الرئاسية كما تقول: «لا يوجد مُرشَّح مناسب من وجهة نظري في هذه الانتخابات».
*****
في لقاء آخر أجريته عبر الانترنت مع شاب سوري في الخامسة والعشرين من عمره، يعيش في مدينة شانلي أورفا (فضّلَ عدم التصريح عن اسمه. سأشير إليه باسم رامي)، قال إنّ جميع أحزاب المعارضة بمن فيهم الحزب الجيد قاموا بالتواصل معه من أجل الانتخابات: «الحزب الجيد لديه أعضاء يتحدثون العربية، قاموا بالتواصل معي لإقناعي بالتصويت لهم، لن أقوم بذلك بالتأكيد. يريدون ترحيل السوريين، سأصوت لأردوغان بالطبع».
محمد (30 عاماً) هو صحفيٌ يعيش في إسطنبول، لم يكن فخوراً بما قاله لي: «سأصوّت لأردوغان». هو لا يتفق مع سياسته في سوريا ولا حتى في تركيا، لكنه يرى أنّ الخيار الآخر أكثر سوءاً بكثير، ليس من ناحية وعودهم بترحيل السوريين فقط، لكن أيضاً بالنسبة للاقتصاد والاستقرار في تركيا: «كيف سيحكم ستة أشخاص بلداً؟ هل سيتفقون على كل شيء؟ ستظهر خلافات تطيح بالاستقرار»، يقول محمد.
حصل كلٌّ من رامي ومحمد على الجنسية التركية منذ عامين تقريباً، يتحدث الاثنان اللغة التركية بطلاقة. يقول محمد: «السوريون الذين يتحدثون التركية يواجهون عنصرية أكبر، لأنّهم يفهمون جمل الأتراك المواربة والتعليقات العنصرية التي يقولها بعضهم دون أي إحساس بالخجل».
«سوريا تاون»
غالباً ما اختار السوريون القدوم إلى المدن التركية التي تعيش فيها غالبية من أبناء محافظتهم أو مدينتهم ضمن مجتمع اللاجئين السوريين.
في شانلي أورفا يشكل السوريون 13.75 بالمئة من عدد سكان الولاية التركية الحدودية، وينحدر معظمهم من محافظتي الرقة ودير الزور. وغالباً ما فضّلَ أبناء مدينة حلب الذين لجؤوا إلى تركيا الاستقرار في غازي عنتاب لمعرفة العديد منهم بهذه المدينة سابقاً، ولقُربها من حلب، ولأنّ سوريين من حلب يعيشون فيها. ساهمَ استقطاب المدينة للعاملين في المنظمات الإنسانية ومنظمات المجتمع المدني بكسر حدّة الغلبة الحلبية على المجتمع السوري في المدينة، لكنّ تراجع أعداد المنظمات العاملة في المدينة مؤخراً، والهجرة نحو أوروبا، أمورٌ أعادت ترجيح الكفة لصالح المنحدرين من مدينة حلب. ويشكل السوريون في غازي عنتاب 17.19 بالمئة من عدد سكان الولاية، وعلى الرغم من أنّ أعداد السوريين في ولاية إسطنبول هي الأعلى في تركيا (أكثر من نصف مليون سوري)، لا يشكلون سوى 3.23 بالمئة من سُكّانها.
وبحسب مؤشر ضغط السوريين لعام 2019 (Syrians Biometer) وهو بحثٌ يتم إجراؤه سنوياً بدعم من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، وبإشراف أكاديمي، فإنّ نسبة التوزُّع الإثني للاجئين السوريين غير معروفة بدقّة، لكنّ تقديرات الباحثين تقول بأنّ 80 بالمئة منهم عرب، بينما تتراوح نسبة الكُرد والتركمان بين 10 إلى 15 بالمئة، وهي نسبة تتوافق مع النتائج التي حصل عليها الباحثون عند سؤال عينة البحث من السوريين عن لغتهم الأم.
يقف حاجز اللغة أمام اندماج كثير من السوريين ضمن المجتمع التركي، بما في ذلك فهم الدوافع السياسية والنقاشات المرتبطة بالانتخابات من وجهة نظر الأتراك. يقول مؤشر ضغط السوريين في نسخته لعام 2021، بأنّ قرابة 20 بالمئة من عيّنة السوريين المستطلَعةِ آراؤهم في البحث قالوا إنّهم يتحدّثون التركية بطلاقة، و30 بالمئة يتحدثون التركية بشكل متوسط، وهي نسب منخفضة للغاية. ويضيف الباحث أنّ تقديرات السوريين لمستوى طلاقتهم باللغة التركية قد تكون غير دقيقة أيضاً، إذ أجاب عددٌ من السوريين الذين لا يعرفون القراءة والكتابة بأنّ مستواهم في اللغة التركية مُتقدِّم، وأشار الباحث إلى أنّ ذلك قد يعني بأنهم ينظرون إلى لغة التعامل اليومي بشكل أساسي باعتبارها الجانب الأهم.
يعيش السوريون ضمن هذه الظروف في مجموعات مغلقة، وأحياناً ضمن مجموعات فرعية تراعي الانتماء المناطقي، يقول رامي: «ليس لديَّ أصدقاء كثيرون من محافظة الرقة، معظم معارفي هنا من دير الزور، لا أظن أنّ الأمر كان مقصوداً لكن هذا الواقع». وفي غازي عنتاب، يعيش ويتفاعل أبو أحمد بشكل أساسي مع أصدقاء وأقارب من محافظة حلب.
لم يغير معظم من التقيتهم الكثير من العادات الاجتماعية التي كانت معروفة في سوريا. الأمر غير مطروح للنقاش أصلاً، وكان السؤال عنه مُستغرَباً في كثير من الأحيان. وعلى الرغم من أنّ ثلاثة أرباع الأتراك الذين استُطلِعَتْ آراؤهم في بحث مؤشر ضغط السوريين يرون بأنّ السوريين مختلفون عنهم، لكن التقارب في الكثير من العادات والاحتفالات الدينية سمحَ بهامش كبير للسوريين من الحفاظ على طقوسهم.
مؤخراً خلال العام الماضي تنبهت الحكومة التركية لتركز السوريين في أحياء بعينها ضمن المدن التي يتواجدون فيها بكثافة، فقامَتْ بإجراءات لمنعهم من امتلاك أو استئجار بيوت في تلك الأحياء، كي لا تزيد نسبة السوريين عن 25% في كل حي، خوفاً من «سوريا تاون» ربما.
وفي سوريا تاون هذه، أو في المجتمعات الجديدة للاجئين السوريين، فإنّ العوامل التي تحكم توجهات المُجنَّسين منهم في العملية الانتخابية تختلف بالتأكيد عن تلك التي تحكم الأتراك. في سوريا تاون ليس هناك مُرشَّح، بل شبح، شبحُ الترحيل يؤثر على الجميع ويَحكم بلا شك توجهات حتى المُجنَّسين منهم.
موقع الجمهورية
—————————
هيشيار أوزسوي: أصوات حزب الشعوب الديمقراطي ستكون حاسمة
في إطار تغطيتها المستمرة للانتخابات البرلمانية والرئاسية في تركيا، التقت الجمهورية.نت عبر الأكاديمية سيدا آلتوغ بهيشيار أوزسوي، عضو البرلمان التركي عن حزب الشعوب الديمقراطي ونائب الرئيس المُشارِك للحزب.
آلتوغ هي أستاذة تاريخ تركيا والشرق الأوسط الحديث في جامعة البوسفور، ونشرت الكثير من الأبحاث عن تاريخ العلاقات الأهلية والطائفية في الجزيرة السورية والمناطق الحدودية بين سوريا وتركيا.
*****
سيدا آلتوغ
شكراً جزيلاً لموافقتك على المقابلة في هذه الأيام الحافلة والصعبة. سؤالي الأول، هل يمكنك أن تتحدث عن نفسك؛ من أنت، ومنذ كم سنة تعمل مع حزب هي دي بي، وماذا كنت تفعل من قبل، إلخ؟
شكراً جزيلاً. مهنتي قبل الانضمام للعمل السياسي هي الأنثرولوجيا الثقافية. كنت أدرس في الولايات المتحدة، في جامعة ميشيغان. منذ 2015 أنا عضو في البرلمان التركي، كجزء من حزب الشعوب الديمقراطي (هي دي بي). كما أَشتغلُ كنائب رئيس الحزب ومسؤول القضايا الخارجية. كان لي نشاطٌ في عدد من البرلمانات العابرة للدول، مثل الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا وغيرها. وشغلي الأساسي هو السياسة الخارجية والدبلوماسية.
شكراً جزيلاً. هذه تضحية كبرى ومثيرة للتقدير أنك غادرت العمل الأكاديمي واتجهت للسياسة. حسناً، أريد أن نتحدث بشكل وجيز عن الانتخابات القادمة التي ستجري خلال أيام. ماذا يتوقع حزب الشعوب من الانتخابات، ولماذا يرى الانتخابات مهمة. لقد تابعنا أخبار الانتخابات التركية عن كثب ضمن حزب الشعوب، لكن يبدو أن الحزب لا يحظى بتغطية واسعة في الإعلام العالمي ولا سيما العربي. هل يمكنك أن تُخبرنا بسرعة عن أهمية هذه الانتخابات وتوقعات حزب الشعوب منها؟
شكراً على السؤال الممتاز. في البداية دَعيني أُشير إلى قضية مرفوعة ضد الحزب اليوم لإغلاق الحزب بشكل نهائي. ولهذا يشارك الحزب في الانتخابات إلى جانب حزب اليسار الأخضر. وبالتالي، رسمياً فإن حزب الشعوب غير مشارك في هذه الانتخابات. أما الانتخابات فهي مهمة جداً لأنها تأتي في الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية. نحن بعد مئة سنة بالضبط الآن، وهي لحظة مفصلية في تاريخ الديمقراطية التركية. ستُعقَد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية يوم 14 أيار (مايو). وهدفنا في حزب الشعوب الديمقراطي أن نَحظى بأكبر عدد ممكن من المقاعد البرلمانية. هدفنا المعلن هو 100 مقعد. من الضروري جداً أن تنال المعارضة أكثريةَ المقاعد، ونحن نريد أكبر عدد ممكن من المقاعد لكي نؤمن على 300 صوت.
مثالياً نحن بحاجة إلى 360 مقعد لكي نتمكن من إجراء استفتاء على التعديلات الدستورية. كما أننا سنخوض الانتخابات الرئاسية في اليوم نفسه. ليس لدى حزب الشعوب مرشح رئاسي لذلك سيدعم السيد كمال كلِجدار أوغلو، المرشح الرسمي لما يسمى الطاولة السداسية، أي الأحزاب الستة المتحالفة ضمن تحالف الأمة المعارض. بالنسبة لحزب الشعوب فهو جزءٌ من تحالف العمل الحرية، والذي يضم عدة قوى تقدمية. وبالتالي ضمن الانتخابات البرلمانية لدينا مرشحونا وحزبنا الخاص وهو اليسار الأخضر، لكن بالنسبة للانتخابات الرئاسية فإن مُرشَّحنا هو كمال كلِجدار أوغلو، وهو نفسه مُرشَّح المعارضة بشكل عام.
ونحن على مفترق طرق الآن، فإما أن ينجح الرئيس أردوغان في نيل خمس سنوات إضافية لترسيخ حكمه السلطوي، المعادي للديمقراطية والعدواني بشدة والعسكريتاري إلى حد كبير، أو تنجح المعارضة في فتح صفحة جديدة في السياسة التركية. وبالتالي قد نتمكن في إعادة صناعة أو إعادة بناء المشهد السياسي بطريقة تعددية، ومن ثم نتحدث عن مشاكلنا. بالطبع المسألة الكردية مهمة بالنسبة لنا، ولكنها ليست الوحيدة. لم نتمكن من مناقشة أي مسألة وأي قضية في تركيا بطريقة ديمقراطية وسلمية وذات مغزى. وبالتالي فنحن نأمل في وضع حد للنظام الرئاسي الحالي واستعادة الأكثرية البرلمانية لإعادة بناء المؤسسات التي دمرها أردوغان. نأمل في استعادة حد أدنى من معايير الديمقراطية وحقوق الإنسان وحكم القانون.
لقد أجبت على سؤالي القادم جزئياً، والذي يتعلق بمطالب حزب الشعوب في الانتخابات القادمة. كيف يتحدث حزب الشعوب مع المجتمع التركي، ومع قواعده الشعبية، ومع غير الداعمين له بشكل عام. ما هي مطالبه، وما هو خَطُّهُ السياسي؟ لعلّك ذكرتَ جزءاً من ذلك، لكن هل يمكنك التوسُّع أكثر في مطالب حزب الشعوب الديمقراطي؟
بصراحة علينا أن نكون واقعيين. هذه مرحلة انتقالية، ونحن نحاول الانتقال إلى مرحلة ما بعد أردوغان. وتحالف الأمة الذي يمثل الأحزاب الستة يضم عدة توجهات، من الديمقراطيين الاجتماعيين، إلى الأحزاب القومية، إلى اليمينية، إلى الإسلامية. هناك تنوع كبير إيديولوجي وسياسي. وحتى تحالف العمل والحرية أيضاً يمثل منصة متنوعة. لذلك من أجل الانتقال إلى مرحلة جديدة علينا بناء سياسة قائمة على التوافق. والتوافق يعني جزئياً أن يكون الجميع سعداء، وجزئياً ألا يكون أحدٌ راضياً تماماً. نحن بحاجة لقدر من الإجماع، لأرضية مشتركة. وهكذا يمكننا الانتقال لمرحلة جديدة. ومن هنا فإن مطالبنا ليست عالية على الإطلاق. ما نطلبه الآن في هذه الانتخابات، من الحكومة القادمة، هو ضمان أن تمتلك البلاد حداً أدنى من الحياة الديمقراطية الاجتماعية السياسية.
بالتالي لا نتوقع من الحكومة المقبلة حلَّ القضية الكردية، ولا الإجابة على تحديات بنيوية أكبر تعاني منها البلاد. هذه مرحلة انتقالية هدفها إعادة صناعة المشهد السياسي العام، بما يُمكِّنُنا من إعادة التموقع والنضال بطريقة ديمقراطية. وهكذا فلا أحد يطرح مطالب عالية. من حزب الشعب إلى سائر الأحزاب الأخرى، بما في ذلك حزب اليسار الأخضر. كلنا متواضعون في الطرح الآن. هدفنا هو إنهاء النظام الرئاسي، واستعادة حكم القانون، وضمان فصل السلطات، وربما إعادة هيكلة القضاء ليكون مستقلاً تماماً، والسماح للمجتمع المدني بالعمل، وضمان حرية الإعلام والحياة الأكاديمية، بالإضافة لبعض اللامركزية ربما لتمكين الحكومات والولايات المحلية. باختصار إيقاف سياسات أردوغان العدوانية والقمعية، هذا ما نريده. نحن لن نحلّ كل مشاكلنا الآن، ولكن سنبني المجال السياسي الذي يُمكِّنُنا من السعي نحو حلّ المشاكل الأخرى.
واضح. لكن من جهة أخرى، ما نراه في حملة أردوغان أنه يستعمل المسألة الكردية لبناء زخم خاص به وحشد قاعدته الشعبية. هو يستعمل المسألة الكردية بعدة طرق، أحياناً يدعو للعسكرة، أحياناً يُماهي بين حزب الشعوب الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني. هل يمكنك التعليق على هذا الجانب؟
الرئيس أردوغان وحلفاؤه القوميون المتطرفون جميعاً مُعادون للكُرد. لديهم ميثاق يُعادي القضية الكردية، وكلنا يعلم ذلك منذ 2015 حين أنهوا العملية السياسية مع العمال الكردستاني، وهو الجناح المسلّح للحراك الكردي. ثم بدأوا يهاجمون كل ما يتعلق بالكُرد والهوية الكردية. هذا ما جرى منذ 8 سنوات. والرئيس أردوغان بدا عدوانياً جداً تجاه الكُرد. هو يرى أي مكسب كردي في الشرق الأوسط تحدياً لمؤسسته السياسية. الكُرد في سوريا يراهم تهديداً كبيراً، الكُرد في تركيا طبعاً تهديد، الكُرد في العراق أيضاً حين كانوا يحاولون تنظيم استفتاء وكان أردوغان عدوانياً تجاههم. طبعاً لكي يبني قاعدة قومية متماسكة ولكي يقنع جمهوره القومي، بل والقومي بشدة، هو بحاجة لتجريم وترهيب حزب الشعوب الديمقراطي. هذا لا يحدث فقط على مستوى الخطاب السياسي فحسب، بل أيضاً بشكل قضائي. لدينا قضية لإغلاق الحزب الآن كما ذكرتْ، وهناك تحريض متواصل ضد قادة حزب الشعوب بسبب دعمهم لسكان كوباني عام 2014. تقريباً كل قادة الحزب تمت مقاضاتهم بتُهم مضحكة، ومع أحكام بالسجن المؤبد لعدد منهم.
هناك حملة قمعية عامة ضد الكُرد وضد حزب الشعوب. وأردوغان صنعَ تحالفاً مع القوميين المتطرفين عام 2015 كما ذكرت، وكل ما يجري هو جزءٌ طبيعي من هذا التحالف. وهو سيواصل فعل ذلك حتى النهاية. لكن رغم كل القمع الذي يطال حزب الشعوب، والذي يشارك في الانتخابات الآن تحت مسمى اليسار الأخضر، أظن أننا سنبقى «صانع المَلِك» أو الصوتَ المُرجِّحَ الذي يُطلَبُ رضاه. فمن دون دعم كردي كبير من شبه المستحيل أن يفوز أي رئيس في الانتخابات. وهذا أحد أسباب عدوانية أردوغان تجاه الكُرد، فهو يريد تحطيم المؤسسات والأحزاب قبل الانتخابات. وقد نجونا حتى الآن في حزب الشعوب، ولم يعد هناك الكثير من الوقت. لدينا أسبوع واحد، صح؟ إذن استطعنا البقاء كفاعل سياسي مهم وفعّال. وأعتقد أن أصوات حزب الشعوب، أو أصوات اليسار الأخضر، ستكون حاسمة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية. سيكون رداً ساحقاً على سياسات أردوغان المعادية للكُرد.
تمام. سؤال آخر يتعلق بالمسألة الطائفية والإسلامية. بعد عام 2016 قام أردوغان ضمن تحالفه المعادي للكُرد بزيادة الجرعة الطائفية ضمن حزبه الإسلامي، وهو أمرٌ مستمرٌ منذ بداية الحرب في سوريا. ومؤخراً قام رئيس تحالف المعارضة كمال كلِجدار أوغلو بالظهور العلني وتقديم نفسه كعَلَويّ. وهذا أمر راديكالي في السياسة التركية، أن يعلن قائد سياسي أنه غير سني وأنه من أصول علوية. ما هو موقف حزب الشعوب من مسألة الإسلام والطوائف؟
لقد رأينا رئيسنا أردوغان يستعمل نسخة محددة من الإسلام السُنّي، أو الخطاب الإسلامي السُنّي، كجزء من مُحاججاته السياسيّة العامة. ويمكن الإشارة إلى المخاطر التي خلقها ذلك. في سوريا مثلاً رأينا كيف أضرّت السياسات الطائفية بالشعب السوري. وما يزال أردوغان مستمراً. والحقيقة أن أردوغان يقوم بترويج نسخة محددة وخاصة من الإسلام السُنّي، وليس الإسلام السُنّي ككل. هو يروّج نسخة توسّعية بشدة، عسكرية إلى حد كبير، وقمعية للغاية. هذا تفسيره للإسلام. وهو يتدخل في مناطق مثل ليبيا وسوريا والعراق. ونحن نرى ذلك خطيراً.
في حزب الشعوب نحن طبعاً حزب علماني. نحن ندعم حقوق الاعتقاد ونرى أن من حق الناس أن يمارسوا إيمانهم بالطريقة التي يريدونها، ونرى أن واجب الدولة والمؤسسات الحكومية ضمان حرية الناس في الحياة الدينية والممارسة الدينية. لكن استعمال الإسلام أو نسخة منها لغايات سياسية أمرٌ مرفوض، ونحن واضحون في ذلك. لقد رأينا السياسات الطائفية التي اتًّبعها أردوغان ودَورها التدميري في سوريا منذ 2011. لقد كلّفت السوريين كثيراً. في تركيا هناك مسألة طائفية كبيرة. العلويون أقلية مُهمّشة تاريخياً، والسيد كلِجدار أوغلو برأيي كان مضطراً للاعتراف بهويته الطائفية. الناس لا يفعلون ذلك في العادة. لكن بسبب كثرة الحديث غير المباشر عن هويته العلَوية، وهي هوية غير نمطية وغير أورثوذوكسية. وقد حاول أردوغان وحلفاؤه استعمال هويته ضده، وبالتالي فإن اعترافه العلني بهويته العلَوية ربما وضع حداً لتلك الحجة الطائفية التي كان يستعملها الرئيس أردوغان وحلفاؤه. الآن هم يقولون بالعكس إن العلويين مثلنا وإنهم يحترمون الجميع. بصراحة هذا غير دقيق تاريخياً. للأسف نسخة أردوغان من الإسلام السُنّي فيها نَفَسٌ طائفي واضح وعدواني، في الداخل والخارج. وهذا مؤسف.
هذا يأخذنا لسؤالي الأخير حول مسألة اللاجئين في تركيا. كما تعلم هناك درجة متزايدة من العنصرية وكره الأجانب تجاه اللاجئين السوريين والأفغان. وهناك عدة أحزاب سياسية تخوض حملتها الانتخابية على أساس معاداة اللاجئين. وللأسف نشهد مرة جديدة تبني المعارضة لخطاب مناهض للّجوء، ونسمع وعودها بإرسال اللاجئين خلال سنتين. كلِجدار أوغلو ذكر ذلك بشكل علني. كيف ينظر حزب الشعوب لمسألة اللاجئين، ولا سيما السوريين الذين يعيشون في تركيا، سواء من تجنسوا أو من يمتلكون حماية مؤقتة؟
نرى كيف أن معظم النقاش حول الموضوع عنصريٌ بشكل واضح وفاضح. هذا يشمل الجميع، من المعارضة إلى الحكومة. الحكومة الحالية تستخدم اللاجئين كأداة ضد الدول الأوروبية، من باب الابتزاز والتهديد بفتح باب اللجوء. وكأنَّ هؤلاء اللاجئين ليسوا بشراً من لحم ودم، بل أدوات سياسية فقط. هناك في الواقع عدة مستويات للعنصرية تجاه السوريين. بالفعل المعارضة عُنصرية بشكل واضح فيما يتعلق بالسوريين والأفغان والباكستانيين وحتى الأفارقة الذين أتوا لتركيا لهذا السبب أو ذلك. نحن في حزب الشعوب واليسار الأخضر لا نؤمن بهذه الحدود. ثمة حرب مؤسفة جرت في سوريا، وقد جاء اللاجئون عبر الحدود إلى تركيا. ونحن نعتقد أن من حق القادمين الحصول على حقوق مثلي ومثلك. هؤلاء بشرٌ مثلنا، بلدهم مُدمَّر وعلينا أن نشارك موادنا ومؤسساتنا وأموالنا وغير ذلك. من هنا فإن مُقاربتنا للموضوع إنسانية. نحن لا نفرّق بين المواطنين واللاجئين والضيوف، هؤلاء كلهم بشر. إذا وجدت فتاة عمرها 10 سنوات أو 12 سنة أو أم لأولاد أو غير ذلك، لا يهمني إذا كان لديهنّ جنسية أو وضعية لجوء أو غير ذلك. لا يجب النظر في هذه الأمور. للأسف المعارضة عُنصرية في خطابها السياسي. هي تعلمُ إحباط الناس في بعض المناطق، ولا سيما في الجنوب التركي مثل غازي عنتاب وهاتاي ومرسين وأضنة، وحتى اسطنبول. الناس يشعرون بالغضب بشكل عام، ويعبّرون عن غضبهم تجاه اللاجئين السوريين. في الحقيقة هم ليسوا لاجئين ولا يمتلكون وضعية لجوء قانونية، بل هم «ضيوف». هذا أمر غير مفيد وخطير.
لنتأمل أن تتحسن الأمور بعد الانتخابات. لن يعود معظم هؤلاء إلى سوريا قريباً. قلّة ستعود. الأغلب أنهم سيدخلون في نسيج المجتمع التركي وينضمون إلى الحياة التركية في المدى المتوسط والبعيد. الكثيرون منهم يذهبون إلى المدارس، بعضهم لديه أعمال تجارية، البعض نال الجنسية. لكن إذا عاد الاستقرار لسوريا ونجح الحل السياسي في إنهاء الحرب، يمكن للاجئين أن يعودوا بِناءً على الخيار الطوعي. لكن لا يجب أبداً إجبار أحد على العودة إلى سوريا. المسألة تتعلق بالخيار، وهذا ما نُعلنه. وسواء هذه الحكومة أو الحكومة القادمة، فإن من المحظور استعمال اللاجئين كأدوات مساومة مع الدول الأوروبية. هذا وحشي. هناك مليونان أو 3 ملايين، في بلد مثل تركيا فيه 85 مليون. أعتقد أن المشكلة ليست كبيرة للغاية، وبلدنا كبير وقادر على استيعاب هؤلاء. نأمل بعد الانتخابات أن تصل المعارضة إلى السلطة وتُطوّرَ مقاربة إنسانية تجاه هذه المسألة، بدل استعمال هؤلاء الأشخاص المُهمَّشين لغايات سياسية.
هل لدى حزب الشعوب سياسة خارجية محددة فيما يتعلق بالنظام السوري، الذي يحكم البلاد منذ خمسين سنة؟
نعم وبكل وضوح. نحن نعتقد أن على الشعب السوري أن يتّحد ويقرر بشأن مستقبله السياسي. هذا يشمل العرب والأكراد والتركمان وغيرهم. هناك تنوع كبير في سوريا. للأسف سوريا القديمة انتهت، وهناك سوريا جديدة يجب بناؤها. يجب أن يتم ذلك بطريقة تعددية واستيعابية وديمقراطية. والأمر يعود للسوريين والسوريات. لكن فيما يتعلق بتركيا، فهي منخرطة بشدة في الشأن السوري، حيث تدعم قوات وَكيلةً لها على الأرض، ولديها قوات عسكرية على الأرض، وتتدخل في عدة مسائل، وتتصرف كقوة احتلال في الحقيقة. هذا الوجود غير قانوني وغير مُبرَّر. لا يجب أن يكون لدى تركيا قوات على الأرض، ولا يجب أن تكون جزءاً من الحرب السورية، ولا يجب أن تدعم قوات وكيلةً لها، سواء جهادية أو غيرها. لكن لدى تركيا القدرة على لعب دور إيجابي. تركيا مهمة جداً وهي جزء من الناتو، وقريبة للغاية من الأوروبيين، ولديها علاقات ثنائية جيدة مع دول كثيرة. بإمكان تركيا ويجب على تركيا أن تعمل على إعادة الاستقرار لسوريا. يمكن لتركيا أن تلعب دوراً بَنّاءً في جمع أطراف متعارضة في سوريا من أجل حل سياسي مُستدام. ولكنها للأسف تقوم بتقويض العملية السياسية من أجل حماية مصالح ضيقة. وبالتالي فإننا إذا وَصلنا إلى السلطة سنشجع الجميع على أخذ مقاربة سلمية وبَنَّاءة من أجل حل سياسي يجمع سوريين مختلفين مع بعضهم للتفاوض حول اختلافاتهم وإعادة بناء مجتمعهم ومؤسساتهم والتحوُّل إلى بلد من جديد. إذا أرادت تركيا ذلك فإنها تمتلك الكثير من الموارد والإمكانات والقدرة المؤسسية على دعم ذلك. هذا يتطلب تَغيُّراً في الإرادة السياسية والموقف السياسي. لنأمل أن تكون الحكومة القادمة قادرة على المساهمة في حلّ سياسي وبَنّاء في سوريا.
موقع الجمهورية
————————
عشية انتخابات تركيا.. اجتماع رباعي في موسكو قد يعطي دفعة لأردوغان/ محمود علوش
اجتمع وزراء خارجية كل من تركيا وروسيا وإيران وسوريا في موسكو، الأربعاء، للمرة الأولى، في مسعى لدفع عملية المفاوضات بين أنقرة ودمشق قبيل أربعة أيام فقط من انتخابات حاسمة ستشهدها تركيا، الأحد المقبل، وقد يكون لنتائجها آثار عميقة على السياسة التركية في سوريا.
لم تكن هناك دلائل واضحة على حدوث خرق كبير في مسار المفاوضات بين الجانبين التركي والسوري، لكنّ مُجرد عقد الاجتماع يُعطي مؤشراً على رغبة الطرفين في مواصلة الحوار ورفعه إلى مستويات إضافية أخرى.
نجحت موسكو منذ نهاية العام الماضي باستضافة أربعة اجتماعات مُعلنة بحضور تركي وسوري، اثنان منها كانا على مستوى وزراء الدفاع ورؤساء أجهزة الاستخبارات، وآخر على مستوى نواب وزراء الخارجية للدول الأربع، بالإضافة إلى الاجتماع الأخير على مستوى وزراء الخارجية. لم تؤد الاجتماعات إلى اتفاق بين أنقرة ودمشق لأن بعض القضايا الأساسية المعقدة لا تزال عالقة خصوصاً تلك المرتبطة بمستقبل الوجود العسكري التركي في شمال سوريا.
مع ذلك، فتح اجتماع الأربعاء آفاقا جديدة في مسار الحوار عندما قال وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد إن “سوريا و تركيا لديهما حدود طويلة وأهداف ومصالح مُشتركة، ونرى أنّه رغم كل سلبيات السنوات الماضية، هناك فرصة سانحة للعمل بشكل مُشترك من قِبل الدولتين بمساعدة ودعم الأصدقاء الروس والإيرانيين لتحقيق هذه الأهداف والمصالح بما يخدم تطلعات الشعبين في البلدين”.
بينما تتمسك دمشق بمطلب الانسحاب القوات التركية من سوريا كشرط لإصلاح العلاقات مع تركيا، تُصر أنقرة على أن انسحابها مرهون بتحقيق ثلاثة أمور رئيسية وهي معالجة هواجسها الأمنية المتمثلة بإبعاد “وحدات حماية الشعب الكردية”، التي تُصنفها منظمة إرهابية وتعتبرها ذراعاً سورياً لحزب “العمال الكردستاني” المحظور، عن حدودها، وتأمين إعادة طوعية وآمنة للاجئين السوريين في تركيا إلى بلادهم، فضلاً عن تحقيق تسوية سياسية شاملة للصراع السوري.
لا يزال من غير الواضح حجم الفوائد الانتخابية التي يُمكن أن يُحققها أردوغان من خلال التحول الذي أحدثه في الموقف من النظام السوري لكنّه على الأقل قد يُساعده في تقليص حجم الفوائد التي تتطلع إليها المعارضة
يبدو جانب أساسي من الاهتمام الحالي في العواصم الأربع المنخرطة في الآلية الرباعية الجديدة (أنقرة، موسكو، دمشق، وطهران) يتركّز على الانتخابات التركية الأحد والآثار المحتملة لها على مستقبل دور تركيا في سوريا. لذلك، يُنظر على نطاق واسع إلى اجتماع وزراء الخارجية على أنه يُساعد الرئيس رجب طيب أردوغان في تعزيز موقفه الانتخابي من خلال إظهاره للناخب التركي على أنه يعمل بالفعل على إحداث تحول جذري في السياسات التركية في سوريا من أجل معالجة قضية اللاجئين السوريين، التي تستخدمها المعارضة التركية كورقة قوية لاستقطاب الناخب التركي.
لا يزال من غير الواضح حجم الفوائد الانتخابية التي يُمكن أن يُحققها الرئيس التركي من خلال التحول الذي أحدثه في الموقف من النظام السوري، لكنّه على الأقل قد يُساعده في تقليص حجم الفوائد التي تتطلع إليها المعارضة. على عكس النظام السوري، الذي بدا متردداً في السابق في رفع الحوار مع تركيا إلى مستويات سياسية رفيعة لأنّه يعتقد أن مثل هذه الخطوة ستُعزز حظوظ أردوغان الانتخابية وستُضعف فرص منافسه القوي كمال كليجدار أوغلو، فإن موسكو قلقة من أن يؤدي فوز محتمل للمعارضة إلى دفع تركيا لإدارة ظهرها لروسيا وإعادة تعزيز علاقاتها مع الغرب.
لقد منح خطاب كليجدار أوغلو مُبرراً قوياً للقلق الروسي عندما وعد أكثر من مرّة بإعادة التأكيد على الهوية الجيوسياسية لتركيا كجزء من حلف شمال الأطلسي وإعادة تشكيل العلاقات مع موسكو على قاعدة مختلفة عن تلك التي شكّلها الرئيس رجب طيب أردوغان.
يقول المحلل السياسي المختص بالشأن الروسي عماد الطفيلي لـ”القدس العربي” إن “روسيا تفضل إعادة انتخاب أردوغان وتسعى لمصالحة بين أنقرة ودمشق لسحب البساط من تحت أقدام المعارضة التركية التي تستخدم ورقة اللاجئين لإضعاف أردوغان”. ويُضيف الطفيلي في حديث عبر الهاتف من موسكو: “الإشارات الإيجابية من موسكو بشأن الاجتماع (الرباعي) تُشير إلى رغبة روسيا في إظهار أن الدول الأربع تعمل بالفعل على التوصل إلى تسوية للخلافات (التركية السورية).
حتى قبل اجتماع موسكو الجديد، كانت هناك بعض المؤشرات على حدوث تقدم في مسار المفاوضات بين أنقرة ودمشق، إذ كشف وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، الثلاثاء، عن اتفاق على إنشاء مركز تنسيق عسكري في سوريا بمشاركة الدول الأربع. وقال في مقابلة تلفزيونية: “قلنا إننا نحترم سيادة جيراننا في عملنا مع محاورينا السوريين… قيل لنا إننا بحاجة للتخلص من الإرهابيين في الحال. طرحنا ضرورة الوقوف معاً ضدهم، واتفقنا في هذا الإطار على إنشاء مركز تنسيق على الأراضي السورية”. سيكون مركز التنسيق الجديد أول إطار للتعاون الأمني والعسكري تشترك فيه أنقرة ودمشق ويمهد لتعاون أمني تسعى إليه أنقرة مع نظام بشار الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين من أجل إنهاء “الإدارة الذاتية” لوحدات حماية الشعب الكردية في شمال شرق سوريا.
اقترح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وضع خارطة طريق لتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، وقال إن “خارطة الطريق المقرر رفعها إلى رؤساء الدول (الأربع) ستتضمن مواقيت زمنية لتنفيذ المبادئ التي سيتم الاتفاق عليها في الاجتماع الرباعي”.
أظهرت أنقرة مراراً أنها لا ترغب ببقاء قواتها في سوريا إلى الأبد وأنها حريصة على وحدة الأراضي السورية، لكنّها تُريد قبل الإقدام على أي انسحاب من سوريا التوصل إلى تفاهم مع دمشق يعالج هواجسها الأمنية على المدى البعيد. وتبدو اتفاقية أضنة المبرمة بين البلدين في عام 1998 أرضية مناسبة لأي اتفاق محتمل. في حين أن هذه الاتفاقية تمنح تركيا حق التدخل العسكري في الأراضي السورية بعمق خمسة كيلومترات لمواجهة أي خطر أمني تُشكله الوحدات الكردية عليها، فإنها تسعى لتطوير هذه الاتفاقية بما يُتيح لها في المستقبل الحق في ملاحقة “الإرهابيين” بعمق ثلاثين كيلومتراً إذا تعرّض أمنها القومي للخطر وفشلت الدولة السورية في التعامل مع هذا الخطر.
في المقابل، يُريد النظام السوري اتخاذ المزيد من الخطوات الملموسة على صعيد التطبيع مع تركيا وفق الصورة التي ستظهر بعد الانتخابات التركية. يقول موقع “تي 24” التركي في تحليل له: “حقيقة أن قضية عودة اللاجئين السوريين، الذين يقترب عددهم من 4 ملايين في تركيا، إلى ديارهم يتم طرحها باستمرار على جدول الأعمال خلال الحملات الانتخابية، من بين التقييمات التي دفعت دمشق إلى التصرف بحذر أكثر تجاه المفاوضات مع أنقرة”. رغبة النظام السوري في أن تؤدي الانتخابات التركية إلى هزيمة أردوغان تنبع بشكل أساسي من اعتقاده بأن المعارضة ستكون أكثر اندفاعة في إصلاح العلاقات مع دمشق وبأنها لا تُبدي أولوية للإبقاء على دعم تركيا لفصائل المعارضة السورية التي لا تزال تُسيطر على أجزاء واسعة من شمال غرب البلاد. بمعزل عن النتائج التي ستُفرزها الانتخابات التركية، فإنه سيكون لها أثر على مستقبل الدور التركي في سوريا. وفي حال تمكن أردوغان من الحفاظ على سلطته أو هزمته المعارضة، فإنه من المرجح أن يشهد الحوار التركي السوري بعد الانتخابات تقدماً أكبر.
القدس العربي
———————
بين السلطان أردوغان والملك تشارلز/ حلمي الأسمر
أيام قليلة تفصلنا عن حدث عظيم، لا يقل في أثره، ربما، عن الحرب العالمية الثانية. هذه ليست مبالغة، بل ربما تكون نتيجته سبباً رئيساً في إعادة تشكيل خريطة إقليمنا، ويمتد تأثيره إلى أصقاع كثيرة في هذا العالم، وإن لم يكن كذلك، فلمَ شغل كبريات صحف العالم، وتصدّر أغلفتها؟
الغريب أنه ترافق تقريباً مع حدثٍ آخر في الجهة الأخرى من العالم: تتويج ملك بريطانيا الجديد، حيث تقاطر زعماء العالم من أركانه الأربعة للمشاركة والمباركة، وأفسحت له وسائل الإعلام، مقروءة ومسموعة ومرئية، مكانة “تليق” بزعيمة الاستعمار الحديث، ومؤسِّسة أكثر القصص توحشاً في تاريخ استعباد الشعوب. مع هذا، كان “الحدث” احتفالياً في الإعلام، غربيه وشرقيه. أما حين تعلّق الأمر بمن يسمّونه السلطان العثماني الجديد، فالأمر احتوى على قدر غير قليل من التحريض والهجاء وحتى الشتم، من لدن صحافة يفترض بها أنها “موضوعية” وحيادية، وتلك كذبة لا تنطلي إلّا على بسطاء الناس، وطلاب كليات الإعلام المستجدّين، فلا حياد في الإعلام، كونه العنصر الأكثر تأثيراً في حياتنا، وهو القوة الناعمة التي تستعملها الدول، ليس لصناعة الرأي العام فقط، وغسل أدمغة العامة، بل تسويق سياسات و”مبادئ” القتلة الكبار الذين يمولونها، ويمدّونها بأسباب الحياة كي تبيع “وهمهم” للمستهلك البائس.
احتفل العالم كله تقريباً بتشارلز، ملك بريطانيا الجديد، أما “السلطان” العثماني، فنال حظه من الهجاء والتآمر، حتى قيل إن ما فشلت فيه محاولة الانقلاب العسكري عليه في صيف 2016، ستحاول “الأطراف” المتضرّرة تحقيقه في الانقلاب “الديمقراطي”.
تركيا، بالمعيار الغربي، بلد ديمقراطي متعدّد الأحزاب، وليس فيه “مجلس شورى!” يعيّنه الحاكم، أو مجلس نواب صوري مستلب الإرادة. بلد فيه انتخابات حقيقية، لم يجرؤ أحدٌ، فيما أعلم، على النيْل من نزاهتها، وهو نظامٌ أقرب ما يكون للنموذج الغربي. ومع هذا يُرمى بكل تهمة ممكنة، للنّيل منه، فقط لأنه “تمخّض” عن حزبٍ وزعيم أعادا لتركيا وجهها الحقيقي وهويتها التي كادت تندثر، ونقلا هذا البلد من الهامش إلى المركز، وكل ذنبه أنه بلدٌ مسلمٌ، سنّي تحديداً، وتلك “خطيئة” كبرى في عُرف المجمع العسكري الذي يحكم العالم، ويقرّر أين تقوم الحروب، وكم تستمر، وعدد من سيموتون فيها، والوقت الذي يكفي لتجربة كفاءة أسلحته الجديدة، وأي زعيم يرفع رأسه ومتى، وأي زعيم تتعيّن “تصفيته” مباشرة أو بانقلاب أو حتى بانتخابات(!).
ليس أردوغان خليفة المسلمين، وهو حاكم براغماتي ذكي، لعب سياسةً بمهارة، وربما يكون خلط عملاً جيداً بآخر سيئ، مجاراة للإرث الذي غرقت فيه بلاده التي استبدلت “دينها” الإسلامي على أيدي الحكّام الذين سبقوه بدين جديد هو العلمانية، فمشى في حقلٍ من الألغام، وغيّر البلاد على نار هادئة، ونقلها من حالٍ إلى حال. مثلاً، طرد البرلمان العلماني، قبل نحو ربع قرن، سيدة تركية من أصل أردني تُدعى مروة قاوقجي من تحت قبته بسبب ارتدائها الحجاب، وأسقطت عنها الجنسية، وجرى حل حزبها. وبعد سنوات قليلة، أعيد الاعتبار لها، وعينت سفيرة لبلادها في ماليزيا، وابنتها اليوم المترجمة الخاصة لأردوغان. منذ ربع قرن تغير الكثير في تركيا، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وأيديولوجياً، أصبح “الحجاب” الممنوع رسمياً “حقاً” طبيعياً لنساء تركيا. ربع قرن دار الزمان دورة أصابت من يرقب تركيا بالدوار، ولم يدّخر هذا المصاب جهداً في الكيد لمن أدار هذه العجلة، من فوق الطاولة وعلانية ومن تحتها، ومرّت لحظات تأرجح فيها “السلطان” على عرشه، وذاق شعبُه مرارة العنت في “ليرته” لإقناعه بالتخلي عن خياره، لكنّ السلطان صمد، واضطر إلى مدّ يده بالسلام لأكثر أعداء الأمة شراسة، فصالح وتسامح وربما “طلب الصفح”، بعد أن وصل “سكّين” التآمر إلى العصب الحي، فهادن أعداء الأمس، لأنه يعلم أنّ أمامه معركة شرسة لا ينفع معها عناد، ولا تمسّك بـ”شعارات” أطلقها ربما في ساعة نشوة بالانتصار.
يقف أردوغان اليوم في مواجهة طيف واسع من “الخصوم”، كان بعضهم حتى بالأمس من خاصة خاصته، وبدأ بعضهم بالتمسح بالدين والإسلام، أملاً في استدرار عطف الجمهور الذي رفع أردوغان، وتلك مفارقة لافتة، فمنافسه الرئيس ينافس أردوغان في عدد مرّات ارتياده المساجد(!)، وقد كان هو وقبيله من قبل ممن شنّوا حرباً شعواء على الأئمة ومساجدهم. يحاول أعداؤه اليوم أن يتقرّبوا للشعب بما حاربوه فيه في ما مضى، بعلمانيّتهم، ولا يتعرّض هؤلاء بالطبع للنقد من صحافة الغرب وإعلامه، فالمهم هزيمة السلطان، وتبديد شمل البلد الذي جمع حوله قلوب ملايين المسلمين في بقاع الأرض، وأعاد، على نحو أو آخر، إحياء ما مات من أملٍ في العقل الجمعي المسلم، السنّي تحديداً.
مرّت تقريباً مائة عام على تفكيك “خلافة” بني عثمان، وإن نجا وريثُها مما يُحاك له داخلياً وخارجياً، ونرجو ذلك، فربما ترسم النتيجة التي ستُسفر عنها المعركة التي سينطلق أوارها بعد أيام لون المائة المقبلة من السنوات وشكلها.
العربي الجديد
—————————
اجتماع موسكو الرباعي: خريطة طريق لتعزيز العلاقات التركية مع النظام
قال البيان الختامي لاجتماع موسكو الرباعي إن وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران والنظام السوري، اتفقوا على تكليف نوابهم بإعداد خريطة طريق لتعزيز العلاقات بين تركيا والنظام.
البيان الختامي
واستضافت موسكو الأربعاء، اجتماعاً دبلوماسياً للوزراء الأربعة، ضمن مسار تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، حيث التقى وزيرا خارجية تركيا والنظام وأجريا مصافحة هي الأولى الرسمية بينهما منذ قطع العلاقات بين البلدين قبل 11 عاماً.
وقال البيان إن الوزراء “ناقشوا بشكل موضوعي وصريح” قضايا إعادة العلاقات التركية مع النظام السوري في مختلف المجالات، مضيفاً أنهم اتفقوا على تكليف نوابهم بإعداد خريطة طريق للنهوض بالعلاقات بين أنقرة ودمشق، وذلك بالتنسيق مع عمل وزارات الدفاع والاستخبارات للدول الأربع.
وتابع أن الطرفين اتفقا على مواصلة الاتصالات رفيعة المستوى والمفاوضات الفنية في شكل رباعي في الفترة المقبلة، مشيراً إلى أن الوزراء الأربعة “أكدوا التزامهم” بسيادة سوريا وسلامتها الإقليمية، ومحاربة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره.
ولفت إلى أن المجتمعين “أكدوا” على المطالبة بزيادة المساعدات الدولية لسوريا بما في ذلك من أجل العودة الطوعية والآمنة والكريمة للسوريين إلى وطنهم وإعادة الإعمار بعد الصراع.
تطبيع العلاقات
وخلال كلمته الافتتاحية للاجتماع، أعرب وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف عن أمله بأن يمهد الاجتماع إلى خريطة طريق لتطبيع العلاقات بين تركيا والنظام. وقال إن دور موسكو لا يقتصر على “تعزيز التقدم الذي تم إحرازه سياسياً”، وإنما أيضاً في “تحديد المبادئ التوجيهية العامة لمزيد من التحرك”.
واتهم لافروف، الولايات المتحدة الأميركية بالعمل على تشكيل جيش بمشاركة تنظيم “الدولة” بهدف “زعزعة استقرار الوضع في البلاد، موضحاً أن هناك معلومات بأن واشنطن بدأت بإنشاء “جيش سوريا الحرة” في محيط مدينة الرقة شمال شرق سوريا بمشاركة من العشائر المحلية ومسلحين من “داعش” ومنظمات أخرى، على حد زعمه.
وزعم الوزير الروسي أن مهمة هذا الجيش، هي “استخدام هؤلاء المسلحين ضد السلطات الشرعية في سوريا لزعزعة استقرار الأوضاع في البلاد”.
انسحاب تركيا
من جهته، طالب وزير خارجية النظام فيصل المقداد خلال كلمته بانسحاب القوات التركية من سوريا، قائلاً إن هدف نظامه هو إنهاء الوجود “غير الشرعي” للقوات الأجنبية بما في ذلك الجيش التركي.
واعتبر المقداد أنه من دون التقدم بانسحاب القوات التركية ” سنبقى نراوح في مكاننا ولن نصل إلى أي نتائج حقيقية، مؤكداً: “سنبقى نعمل ونطالب ونصرّ على موضوع الانسحاب”.
وقال وزير النظام أن مسار أستانة “حقق نتاج إيجابية وحل بعض القضايا، بينما تعثر في أخرى”، مضيفاً: “لكننا الآن بصدد صيغة جديدة مختلفة نأمل بأن تكون أكثر ديناميكية في التعامل مع مختلف القضايا التي تهمنا”.
وذكر المقداد أن تركيا وسوريا، تجمعهما أهداف ومصالح وحدود مشتركة، معتبراً أنه رغم كل السلبيات في السنوات الماضية، إلا أن هناك “فرصة سانحة للعمل بشكل مُشترك من قِبل الدولتين بمساعدة ودعم الأصدقاء الروس والإيرانيين لتحقيق هذه الأهداف والمصالح”.
عودة اللاجئين
من جانبه، ذكر وزير الخارجية التركية مولود تشاووش أوغلو في تغريدة، أن اجتماع موسكو “أكد ضرورة التعاون في مكافحة الإرهاب، وتوفير البنية التحتية لعودة اللاجئين، ودفع العملية السياسية ووحدة أراضي سوريا”.
من جهته، قال وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان في كلمته، إن الاجتماع سيكون “رسالة قوية لضمان السلام والأمن المستدامين في المنطقة وتعزيز علاقات حسن الجوار بين تركيا وسوريا”، مضيفاً أن “تعزيز مسار أستانة قدر الإمكان لتحقيق السلام في سوريا والمنطقة هو مهمة ثقيلة على عاتقنا هذه الأيام”.
وأعرب عبد اللهيان عن ترحيب بلاده بالمفاوضات بين تركيا والنظام السوري، معتبراً أنها “ستعود بالنفع على الجانبين والمنطقة”.
————————-
تركيا.. ماذا لو فاز أحد التحالفين بالرئاسة وخسر البرلمان؟
الحرة – إسطنبول
لن يدلي الناخبون الأتراك بأصواتهم يوم 14 من مايو لاختيار اسم رئيسهم القادم فحسب، بل سيختارون النواب في البرلمان، ولمن ستكون الكلمة هناك. وبينما تتضارب نتائج استطلاعات الرأي التي تجريها الشركات يوما بعد يوم تبرز عدة سيناريوهات ضمن معادلة “الفوز والخسارة في الرئاسة والبرلمان”.
وهذه السيناريوهات تنحصر بأحد سؤالين: ماذا لو كسب الحزب الحاكم الرئاسة وخسر في البرلمان؟ وفي المقابل ماذا لو كسب تحالف المعارضة (الأمة) الرئاسة وخسر في البرلمان؟
ومن بين المرشحين الأربعة في السباق الرئاسي، يؤكد إردوغان فقط أن تركيا يجب أن يحكمها نظام رئاسي، ومع ذلك إذا فاز كمال كليتشدار أوغلو أو محرم إينجه أو سنان أوغان في الانتخابات الرئاسية ورغم أنهم يَعدون بالعودة إلى النظام البرلماني لا يوجد أي ضمانات لتحقيق ذلك، وفق مراقبين.
ولتغيير طريقة حكم البلاد، يحتاج الدستور إلى التعديل، وللقيام بذلك يجب أن يصوت ثلثا النواب أي 400 في البرلمان بـ”نعم”.
وفي الوقت الحالي يوجد 334 نائبا عن تحالف الجمهور” (285 نائبا لحزب العدالة والتنمية، 48 نائبا لحزب الحركة القومية ونائبا واحدا لحزب الوحدة الكبرى).
وبالتالي حتى لو وافقت جميع الأحزاب باستثناء “تحالف الجمهور” على الانتقال إلى النظام البرلماني، فإن هذا العدد من المقاعد يجب أن ينخفض من 334 إلى 200.
علاوة على ذلك، هناك طريقة أخرى لتعديل الدستور وهي ذهاب البلاد للاستفتاء، ولكن من أجل إجراء هذه العملية يلزم دعم ثلاثة أخماس النواب أي 360 نائبا، ولهذا يجب تخفيض عدد مقاعد “تحالف الجمهور” من 334 إلى 240.
“بين حسبتين”
ويجب أن يحصل المرشحون الرئاسيون على نسبة “50+1” من الأصوات على الأقل ليتم انتخابهم، لكن وفي حال لم يحصل أي مرشح على الأغلبية المطلقة في الجولة الأولى، تُجرى جولة ثانية بعد 15 يوما، بين المرشحين اللذين حصلا على أكبر عدد من الأصوات أولا.
وبعد ذلك سينتخب المرشح الذي يحصل على أغلبية الأصوات الصحيحة رئيسا.
في المقابل ومن أجل انتخاب الأحزاب السياسية للنواب، يجب عليهم إما اجتياز عتبة انتخابات البلد بمفردهم أو أن يكونوا في تحالف، ويجب أن يتجاوز مجموع الأصوات في هذا التحالف عتبة الدولة المحددة، وفقا للأصوات الصحيحة.
ومع التغيير القانوني الذي تم إجراؤه العام الماضي، تم تخفيض العتبة الانتخابية إلى 7 بالمائة.
وفي حالة إجراء انتخابات مع التحالف، وإذا تجاوز مجموع أصوات التحالف 7 في المائة، تُعتبر الأحزاب السياسية داخل التحالف قد تجاوزت العتبة.
مع تعديل قانون الانتخاب الذي دخل حيز التنفيذ في 6 أبريل 2022، بشرط أن يتجاوز التحالف الحد الأدنى، سيُحسب عدد نواب كل حزب سياسي بقسمة إجمالي عدد النواب الذين حصل عليهم التحالف على نسبة الأصوات التي حصل عليها كل طرف.
وقد يؤدي هذا النظام إلى انتخاب نواب أقل من قبل الأحزاب السياسية ذات الأصوات المنخفضة في التحالف.
وفي انتخابات 2018، تم حساب عدد نواب الأحزاب التي دخلت التحالف بقسمة مجموع أصوات التحالف على الأصوات التي حصلت عليها الأحزاب في الدائرة الانتخابية.
وكان “تحالف الجمهور”، ممثلا بحزب “العدالة والتنمية” وحزب “الحركة القومية”، قد استطاع قبل خمس سنوات من الحصول على 344 مقعدا برلمانيا، الأمر الذي منحهما الأغلبية.
ومن أجل الحصول على الأغلبية، يجب أن يفوز الحزب أو التحالف بأكثر من نصف مقاعد البرلمان 300+1.
في المقابل حصل “تحالف الأمة” المعارض على 195 مقعدا لـ”حزب الشعب الجمهوري” و”الحزب الجيد”.
عدا عن ذلك تمكن “حزب الشعوب الديمقراطي” الموالي للأكراد من دخول البرلمان بحصوله على 67 مقعدا.
“تحالفات وقوائم مشتركة”
ويبلغ عدد الأحزاب المشاركة في الانتخابات البرلمانية 26، وتنخرط الصغيرة منها في تحالفات مع الأحزاب الكبيرة.
من جهة تحالف المعارضة المعروف باسم “الأمة” كانت أحزاب “السعادة”، “المستقبل”، “الديمقراطي”، “الديمقراطية والتقدم” قررت خوض انتخابات البرلمان ضمن قوائم “الشعب الجمهوري”، الذي يتزعمه منافس إردوغان كمال كليتشدار أوغلو.
أما في تحالف الحزب الحاكم (تحالف الجمهور) فقد كان الأمر مختلفا قياسا بالسابق.
وستضم ورقة الاقتراع أسماء “العدالة والتنمية” و”الحركة القومية” و”الوحدة الكبرى” و”الرفاه من جديد”، بعدما قرر كل حزب خوض السباق البرلماني بشعاره وقوائمه الخاصة.
في غضون ذلك قرر “حزب اليسار الديمقراطي” و”حزب هدى بار” الكردي ذو النفس الإسلامي خوض انتخابات البرلمان ضمن قوائم الحزب الحاكم.
وإلى جانب التحالفين المذكورين هناك تحالف ثالث اسمه “العمل والحرية”، ويضم “اليسار الأخضر”، “العمال التركي”، “العمل”، “حزب الشعوب الديمقراطي”.
ومؤخرا قرر “الشعوب الديمقراطي” خوض انتخابات البرلمان ضمن قوائم حزب “اليسار الأخضر”، بينما أعلن دعمه لمرشح المعارضة الرئاسي، كمال كلشدار أوغلو.
في غضون ذلك، قرر حزبا “تحالف أتا” (الأجداد)، وهما “النصر” و”العدالة”، دخول الانتخابات البرلمانية بقوائمهما وشعاراتهما الخاصة. كما قررت أحزاب تحالف “القوى الاشتراكية” دخول الأحزاب الثلاثة، “اليسار” و”الشيوعي” و”الحركة الشيوعية”، الانتخابات بشعاراتها وقوائمها الخاصة.
أما “العمال الاشتراكي” و”حركة الثورة” فسيدخلان ضمن القوائم البرلمانية للأحزاب الثلاثة السابقة.
“اعتباران أساسيان”
ورغم أن الانتخابات الرئاسية في تركيا تحظى باهتمام أكبر كونها ستحدد المصير السياسي لإردوغان، إلا أن البرلمانية لا تقل أهمية لاعتبارين أساسيين، بحسب الباحث في الشأن السياسي التركي، محمود علوش.
ويوضح علوش لموقع “الحرة” أنه “لا يمكن لأي رئيس يفوز في الانتخابات الرئاسية أن يمارس السلطة إذا لم يحصل التحالف الذي يدعمه على غالبية في البرلمان”.
و”قد يكون هناك تأثير لنتائج الانتخابات البرلمانية على الرئاسية في حال ذهبت الأخيرة إلى جولة إعادة”.
ويعني ما سبق أنه “إذا استطاع التحالف سواء الأمة أو الجمهور الحصول على غالبية سيتمكن مرشحه في جولة الإعادة أن يستقطب الناخبين المترددين وإقناعهم على أنه الوحيد القادر على تحقيق استقرار سياسي، وتجنب دخول صدام بين السلطة التشريعية والتنفيذية”.
وحتى الآن لا يزال من غير الواضح كيف ستكون نتائج الانتخابات الرئاسية، و”لا يمكن تقييم دقيق لمآلات السباق”.
ويضيف علوش: “لأن المنافسة متقاربة جدا، مع وجود ترجيحات بأن تذهب إلى جولة إعادة بين إردوغان وكلشدار أوغلو”، مشيرا: “هناك عوامل معقدة جدا في الجولة الثانية، وستحدد سلوك الناخب التركي”.
ورغم أن المعادلة الرياضية للفوز بالرئاسة وخسارة البرلمان ممكنا في انتخابات 14 مايو، إلا أن الصحفي التركي، إبراهيم أباك يعتقد أن “التحالف الذي سيفوز بالرئاسة سيحصل على أعلى الأصوات والأغلبية في البرلمان”.
ويقول أباك لموقع “الحرة”: “بسبب الاختلافات في الرأي والأيديولوجيا في تركيا، يرأس إردوغان أو حزب الشعب الجمهوري في البرلمان، أو العكس”.
ماذا لو خسر وفاز؟
وفيما لو استطاع إردوغان الفوز بالرئاسة وخسر الأغلبية في البرلمان يعتقد الباحث السياسي علوش أنه “سيواجه صعوبة في إدارة البلاد”.
“ولا يمكن إدارة البلاد بموجب مراسيم رئاسية”، و”هناك حاجة للتعامل بين السلطة التنفيذية والتشريعية لإقرار القوانين والمشاريع”، وفق الباحث.
ويضيف: “إذا ما تعاكست نتائج انتخابات الرئاسة عن البرلمان أعتقد أن البلاد ستدخل في أزمة سياسية صعبة، وربما ستؤدي إلى انتخابات مبكرة عامة بالعموم في المستقبل”.
و”من المهم جدا على أي تحالف سواء المعارض أو الحاكم أن يتمكن في الفوز في كلا الانتخابات”.
ويتابع الباحث: “إذا استطاعت المعارضة تحقيق غالبية برلمانية وخسرت السياسية فلا شك أن هذا سيخفف عليها وطأة أي هزيمة في الرئاسية”.
من جهته يقول الصحفي أباك “عدد الناخبين الذين سيتم منحهم لكليتشدار أوغلو في الرئاسة ولأحد أحزاب التحالف الجمهوري في البرلمان سيكون أقل من 1 بالمئة”.
ويضرب مثالا عن ذلك: “لدينا ناخب سيصوت لنفس التحالف في البرلمان، أي مرشح صوتوا له في الرئاسة. قد يختلف هذا المعدل بنسبة 1 بالمئة فقط”.
من جانب آخر و”إذا كان هناك تحالف خاسر في البرلمان، الأمر الذي لا يؤدي إلا إلى الفوز بالرئاسة ، فإن تركيا ستختبر هذا النظام”.
ويتابع أباك: “لأن مثل هذا الوضع لم يحدث منذ بدء النظام الرئاسي، ولا يمكن لأي نظرية أو قرار سياسي على الورق تفسيره بشكل كامل”.
وسيكون الفوز بالرئاسة بعيدا عن البرلمان “غير مكتملا وناقصا”، وفق الباحث علوش.
ومع ذلك يشير إلى أن “انتخابات الرئاسة مهمة، لأن المعارضة ولو فازت فيها ستدار في المرحلة الأولى بالنظام الرئاسي، وكذلك الأمر بالنسبة لإردوغان، إذ سيدير البلاد بالنظام الرئاسي في حالة فوزه”.
الحرة – إسطنبول
——————————-
الانتخابات التركية: حملات ساخنة وفرص متقاربة/ سعيد الحاج
بلغ الاستقطاب في الانتخابات التركية بين أردوغان وخصومه درجة عالية وهو ما يؤثر على التوجهات المستقبلية في مختلف المجالات. وفرضت حالة الاستقطاب هذه على كل الأحزاب الكبيرة والمعروفة في البلاد الانضواء في منظومة تحالفات مختلفة هذه المرة، مما يجعلها عاملًا محدِّدًا في النتائج المتوقعة. تبحث الورقة في اختلاف المحطة الانتخابية المقبلة عن سابقاتها، وأسباب ذلك، وأهم ما تضمنته البرامج الانتخابية للمتنافسين فيها، ومنظومة التحالفات القائمة، بما في ذلك أداء التحالفَيْن الرئيسيين في الحملات الانتخابية.
تختلف الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية المقبلة عن سابقاتها بأنها غير محسومة النتيجة؛ إذ لا يُتوقع أن يحصل أي من المتنافسين على فوز مريح وكبير وفق القراءة السياسية والميدانية وفي ظل توقعات واستطلاعات رأي متباينة. هذه الضبابية في التوقعات نتيجة لعدة أسباب في مقدمتها منظومة تحالفات مختلفة عن السابق تكاد تشمل كل الأحزاب الكبيرة والمعروفة في الساحة السياسية التركية حيث سعى التحالفان الرئيسان لضم أحزاب جديدة وضمان دعم أحزاب أخرى، فضلًا عن نشوء تحالفات جديدة في سياق الانتخابات الحالية(1).
كما أنها الانتخابات الأولى بعد بدء تطبيق النظام الرئاسي في 2018؛ ما يجعلها استفتاء مباشرًا عليه؛ إذ هو سبب الاستقطاب الرئيس المعلن بين الحكومة والمعارضة والمحور الرئيس الذي توافقت حوله الأخيرة بالإعلان عن سعيها لإعادة البلاد للنظام البرلماني بعد تحسينه وتطويره في حال فوزها بالانتخابات(2).
كما أن الانتخابات تُنظَّم في ظل ظروف غير مسبوقة، معظمها يصب في صالح المعارضة ويخصم من رصيد حزب العدالة والتنمية الحاكم. فالاقتصاد يعاني من تراجع ملحوظ في قيمة الليرة وارتفاع كبير في الأسعار نتيجة نسبة التضخم المرتفعة وأسباب أخرى؛ ما سبَّب سخطًا كبيرًا في الشارع. وقد دفع ذلك الحكومة لانتهاج ما يطلق عليه “اقتصاد الانتخابات” أي تقليل الجباية الحكومية مثل إلغاء بعض الديون وجدولة القروض وإعفاءات وخصومات في بعض الخدمات الحكومية، وزيادة الإنفاق الحكومي مثل رفع الحد الأدنى للأجور ورواتب الموظفين والمتقاعدين ومشاريع الإسكان ودعم بعض الفئات مثل الطلاب والمزارعين(3).
كما ضرب البلاد قبل الانتخابات بثلاثة أشهر زلزال كبير تسبب بوفاة أكثر من خمسين ألف شخص(4)، ونزوح ملايين المواطنين، فضلًا عن خسائر اقتصادية قُدِّرت بما يربو على 100 مليار دولار أميركي(5). وقد سادت تقديرات بأن تؤثر تبعات الزلزال سلبًا على فرص الرئيس والحزب الحاكم في الانتخابات لاسيما مع تحميل المعارضة لهما مسؤولية ما حصل(6)، وما شهدته أعمال الإغاثة في مناطق الزلزال من تعثر في بداياتها(7).
وأخيرًا، فقد نجحت المعارضة التركية بأن تحول قضية الأجانب المقيمين في تركيا، وفي مقدمتهم السوريون، إلى ملف انتخابي، منتقدة أداء حكومات العدالة والتنمية المتعاقبة في إدارة ملفهم وواعدة بإعادتهم لبلادهم خلال سنتين من تسلمها السلطة(8). كما أن بعض الأحزاب المناهضة للاجئين، مثل حزب النصر، تبنَّت هذه الأجندة بالكامل من خلال خطاب تحريضي ملموس(9). تقدير حزب العدالة والتنمية بأن ملف السوريين كان ضمن عوامل خسارته لبلدية إسطنبول الكبرى، في 2019، دفعه أولًا لإجراءات تقييدية لإقامة الأجانب في بعض المدن وأحيائها الكبرى(10)، ثم لإطلاق مشروع عودة/إعادة مليون سوري لشمال سوريا(11)، سعيًا لسحب هذا الملف من يد المعارضة(12).
خريطة التحالفات
يتنافس في الانتخابات المقبلة 22 حزبًا سياسيًّا ينتظم معظمها في خمسة تحالفات، أولها: تحالف “الجمهور” الحاكم الذي يضم أحزاب “العدالة والتنمية” و”الحركة القومية” و”الاتحاد الكبير” و”الرفاه مجددًا”، إضافة لحصوله على دعم حزبَيْ “الدعوة الحرة” و”اليسار الديمقراطي”. وهو بذلك تحالف يميني-محافظ في عمومه، وقد حرص على كسب أحزاب لها رمزيتها في المعادلة السياسية القائمة وخصوصًا تناقضها مع بعض أحزاب المعارضة الرئيسة. فالرفاه مجددًا منافس لحزب السعادة المعارض، واليسار الديمقراطي منشق بالأساس عن الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة، بينما الدعوة الحرة حزب كردي ينشط في مواجهة حزب الشعوب الديمقراطي في مناطق الأغلبية الكردية.
1تجمع لأنصار كمال كيليتشدار أوغلو ، المرشح الرئاسي لتحالف المعارضة الرئيسي في تركيا (رويترز)
في المقابل، يضم تحالف الشعب المعارض طيفًا من الأحزاب السياسية متباينة الخلفيات السياسية والأيديولوجية، مثل “الشعب الجمهوري” الكمالي و”الجيد” القومي و”السعادة” الإسلامي و”المستقبل” المحافظ و”الديمقراطية والتقدم” المحافظ-الليبرالي و”الديمقراطي” الليبرالي. وهو بذلك تحالف عابر للأيديولوجيات يخاطب شرائح متنوعة في الشارع التركي، ويضم حزبين انشقا عن حزب العدالة والتنمية (المستقبل والديمقراطية والتقدم) برئاسة قياديين وازنين سابقًا في الأخير فضلًا عن حزب السعادة حامل إرث مؤسس تيار الإسلام السياسي في تركيا ورئيس الوزراء الأسبق، نجم الدين أربكان، بما يخفف من المواقف السلبية للمحافظين.
وهناك تحالف العمل والحرية الذي يتكون من عدة أحزاب يسارية أكبرها حزب الشعوب الديمقراطي (القومي الكردي) الذي يخوض هذه الانتخابات تحت اسم حزب اليسار الأخضر تحسبًا لقرار من المحكمة الدستورية بحظره(13)، إضافة لحزب “العمال التركي” وهو حزب يساري شيوعي. ويضم تحالف “أتا” أو الأجداد عددًا من الأحزاب اليمينية أكبرها حزب “النصر” المناهض للاجئين، بينما يضم تحالف اتحاد القوى الاشتراكية بعض الأحزاب اليسارية/الاشتراكية الصغيرة. فيما بقي خارج هذه التحالفات بضعة أحزاب صغيرة، أهمها حزب البلد المنشق عن حزب الشعب الجمهوري.
ينبثق عن هذه التحالفات أربعة مرشحين رئاسيين هم رئيس حزب العدالة والتنمية ومرشح تحالف الجمهور، رجب طيب أردوغان، ورئيس حزب الشعب الجمهوري ومرشح تحالف الشعب، كمال كليتشدار أوغلو، ومرشح حزب البلد ورئيسه، محرم إينجه، ومرشح تحالف “أتا”، سنان أوغان.
عمليًّا، تدور المنافسة بشكل أساسي بين تحالفي الجمهور والشعب ومرشحيهما للرئاسة، أردوغان وكليتشدار أوغلو، ويشكِّل النظام السياسي في البلاد عامل الاستقطاب الرئيس بينهما. وبسبب حدة الاستقطاب وشدة المنافسة وتقارب الفرص، يتوقع أن تكون نسبة المشاركة في الانتخابات مرتفعة وقد بدأت ملامح ذلك في تصويت الأتراك في الخارج(14).
الحملات الانتخابية
تتواجه في الحملات الانتخابية سرديات التحالفين الرئيسين، الجمهور والشعب. فيبني الأول خطابه الانتخابي على سردية “تركيا القوية” مقابل سردية “الديمقراطية” للثاني، وينعكس ذلك في فكرة الاستقرار والاستمرار مقابل مبدأ التغيير، ويتبلور عمليًّا في النظام الرئاسي مقابل البرلماني.
يتضح ذلك في البرنامج الانتخابي للتحالفين؛ فقد ركَّز البرنامج الانتخابي للرئيس التركي على إنجازات حزب العدالة والتنمية خلال سنوات حكمه الـ 21 مع ذكر المشاريع الضخمة والصناعات المحلية ولاسيما الصناعات الدفاعية واكتشافات الغاز والنفط. وفيما يتعلق بالاقتصاد، فقد شملت الوعود الانتخابية الوصول لنسبة 5.5% نموًّا سنويًّا للاقتصاد وإيصال حجم التجارة الخارجية لتريليون دولار أميركي والدخل القومي إلى تريليوني دولار أميركي، والاستمرار في تخفيض نسبتي الفائدة والتضخم (15)وبرنامج ودائع الليرة التركية المحمية وفق الدولار(16).
في المقابل، تضمن برنامج كليتشدار أوغلو الانتخابي انتقادات لسياسات أردوغان وحكوماته واعدًا بإدارة أفضل، ولذلك شمل بنودًا مثل “القانون والعدالة والقضاء” و”الإدارة العامة” و”مكافحة الفساد والشفافية والتدقيق” وغيرها. كما شملت الوعود الانتخابية بيع بعض الطائرات الرئاسية وغلق صندوق الثروة التركي (17) وإنهاء نظام إيداع الليرة التركية المحمية وفق الدولار.(18)
وفي حين غلب على الحملة الانتخابية لتحالف الجمهور الطابع التقليدي الذي يركز على المهرجانات الانتخابية الحاشدة ومهارات أردوغان في الخطابة والزيارات المنزلية، ركز كليتشدار أوغلو وتحالفه، إضافة للمهرجانات الانتخابية، على اللقاءات الإعلامية التقليدية وكذلك الفيديوهات القصيرة على وسائل التواصل الاجتماعي لمخاطبة الشباب تحديدًا.
سيناريوهات النتائج المتوقعة
جدول رقم 1: توقعات شركات استطلاع الرأي للانتخابات الرئاسية(19)
شركة الاستطلاع
التاريخ
أردوغان
كليتشدار أوغلو
إينجه
أوغان
AKSOY
مارس/آذار
43.2
56.8
؟
؟
AREDA SURVEY
28 مارس/آذار–1 أبريل/نيسان
50.6
41.8
5.5
2.1
AVRASYA
أبريل/نيسان
42.3
50.9
4.8
2
METROPOLL
أبريل/نيسان
41.1
42.6
5.0
2.2
GEZİCİ
1-2 أبريل/نيسان
43.2
53.4
2.1
1.3
OPTİMAR
1-7 أبريل/نيسان
45.9
43.9
8.3
1.7
ORC
7-11 أبريل/نيسان
41.5
48.9
7.2
2.4
SONAR
10-16 أبريل/نيسان
46.1
44.1
7.7
2.1
YÖNEYLEM
14-16 أبريل/نيسان
43.0
48.6
5.6
2.8
KONDA
15-16 أبريل/نيسان
43.0
42.0
7.0
2.0
AREDA SURVEY
15-20 أبريل/نيسان
51.4
41.8
4.6
2.2
TEAM
مايو/أيار
44.4
47.4
6.1
2.1
AVRASYA
مايو/أيار
43.6
50.9
2.5
3.0
MAK
مايو/أيار
45.4
50.9
1.7
2.0
ORC
مايو/أيار
44.6
48.0
4.3
3.1
جدول رقم 2: توقعات شركات استطلاع الرأي للانتخابات البرلمانية(20)
شركة الاستطلاع
تاريخ الاستطلاع
العدالة والتنمية
الشعب الجمهوري
الشعوب الديمقراطي(21)
الجيد
الحركة القومية
البلد
GENAR
مارس/آذار
40.7
23.1
10.8
7
7.6
4.7
SAROS
مارس/آذار
36.7
26.5
12.3
10.5
6.1
3
AKSOY
مارس/آذار
31.9
27.8
10.1
11.4
6.9
?
AVRASYA
أبريل/نيسان
34.4
33.3
9.5
9.2
6.8
3.6
METROPOLL
أبريل/نيسان
40.1
24.9
12.8
9.6
5.1
2.7
ARG
أبريل/نيسان
31.1
29.8
10.7
13.6
6.7
2.1
ORC
7-11 أبريل/نيسان
31.6
28.5
8.8
14.3
6.2
4.1
SONAR
10-16 أبريل/نيسان
36.2
24.2
10.1
13.4
7.1
4.1
YÖNEYLEM
14-16 أبريل/نيسان
35.8
30.4
10.3
9.2
7.4
2.6
KONDA
15-16 أبريل/نيسان
36.2
24.0
10.3
13.7
7.4
AREDA SURVEY
15-20 أبريل/نيسان
41.1
25.4
10.1
6.9
8.8
3.3
TEAM
أبريل/نيسان
35.9
27.6
11.2
11.5
7.5
3.0
AVRASYA
مايو/أيار
35.1
33.0
9.7
8.6
7.9
1.1
MAK
أيار
36.9
30.1
10.4
12.6
6.6
0.9
ORC
مايو/أيار
33.2
28.0
9.6
15.5
5.7
1.9
تعاني شركات استطلاع الرأي في تركيا من مشكلة عميقة تتعلق بمصداقيتها ومدى دقة توقعاتها، لأسباب كثيرة في مقدمتها علاقات الكثير منها مع الأحزاب السياسية وتأثير ذلك على عملها بما يحوِّلها لأداة سياسية في يد الأحزاب للتأثير على توجهات الناخبين، وقلة إمكانات البعض الآخر بما يحول دون استيفاء الشروط المهنية في العمل، فضلًا عن أسباب تتجاوز الشركات نفسها وتتعلق بتعامل الشعب التركي المتحفظ مع استطلاعات الرأي في العموم(22).
في الجدولين أعلاه نتائج استطلاعات رأي لعدة شركات من مختلف التوجهات السياسية وفي تواريخ متقاربة جدًّا، ورغم ذلك تظهر تباينات واضحة تصل حدَّ التناقض في النتائج. وفي ظل عدم وجود شركات بعينها معروفة بدقة توقعاتها، تؤكد هذه النتائج صعوبة الوثوق بها أكثر من حد الاستئناس ببعض سياقاتها العامة لا أكثر.
في قراءة المشهد الانتخابي، فإن عوامل مثل طول فترة حكم أردوغان والعدالة والتنمية والاقتصاد والزلزال واللاجئين ومنظومة التحالفات، تصب في صالح تحالف الشعب المعارض من حيث المبدأ، لكنها في التطبيق العملي لا تحسم الموقف لصالحه بعد إجراءات الحكومة بخصوص الاقتصاد والزلزال على وجه التحديد. وتصب طريقة إعداد قوائم المرشحين للبرلمان في صالح تحالف الشعب المعارض نسبيًّا، بيد أنها في نفس الوقت تُفقده أصوات شرائح كانت أقرب للأحزاب المنشقة عن العدالة والتنمية(23).
ولذلك، وإضافة لعدم إمكانية الجزم بنتائج الانتخابات، لا يُتوقع تحقيق أي طرف فوزًا سهلًا وكبيرًا على الآخر؛ إذ ما زالت الفرص متقاربة على بعد أيام فقط من يوم الاقتراع. وعليه، ستكون الحملات الانتخابية عاملًا محددًا للنتائج إذ تسعى لإقناع شريحة المترددين والمقدرة بزهاء 10% من الناخبين وهي نسبة كبيرة في ظل التقارب الحاصل. كما يمكن لعوامل أخرى التأثير في توجهات التصويت والنتائج مثل التسجيلات المحتملة لمرشح تحالف الشعب المعارض، كليتشدار أوغلو، وفق تصريحات لأردوغان ووزير الداخلية(24).
في الانتخابات الرئاسية، تكمن عناصر قوة الرئيس التركي في الخبرة والكاريزما وإنجازات العقدين الماضيين وما أكسبه تركيا من نقاط قوة ومكانة في المنطقة والعالم، بينما يخدم منافسه، كليتشدار أوغلو، رغبة الكثيرين في التغيير وسخطهم على الأوضاع الاقتصادية إضافة لحصوله على دعم سبعة أحزاب سياسية بعدما أعلن الشعوب الديمقراطي عن دعمه له. في المقابل، ثمة عقبات أمام اختيار كليتشدار أوغلو، بالنسبة للكثيرين، تتمثل في ضعف الكاريزما لديه وسجل هزائمه أمام أردوغان وعمره المتقدم وقد يكون مذهبه حاجزًا أمام تصويت بعض الإسلاميين له(25).
أربعة سيناريوهات
ثمة أربعة سيناريوهات محتملة لنتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة:
السيناريو الأول: فوز أردوغان بالرئاسة وتحالف الجمهور الحاكم بأغلبية البرلمان: وهو احتمال ضعيف، في ظل التوقعات بتراجع قوة حزب الحركة القومية الحليف الأبرز للعدالة والتنمية ودخول أحزاب التحالف الحاكم الانتخابات البرلمانية بشكل منفصل ما يقلِّل قليلًا من فرصها.
السيناريو الثاني: فوز كليتشدار أوغلو بالرئاسة والمعارضة بأغلبية البرلمان: وهو احتمال ممكن، لاسيما حين نجمع نواب تحالفَيْ الشعب والعمل والحرية المعارضيْن. ولكن من غير المرجح أن تكون أغلبية كبيرة تصل نسبة 60% من مقاعد البرلمان فضلًا عن نسبة الثلثين المطلوبة لتمرير التعديلات الدستورية بشكل مباشر ودون الحاجة لاستفتاء شعبي.
السيناريو الثالث: فوز كليتشدار أوغلو بالرئاسة وتحالف الجمهور الحاكم بأغلبية البرلمان: وهو احتمال ضعيف كذلك للأسباب سالفة الذكر.
السيناريو الرابع: فوز أردوغان بالرئاسة والمعارضة بأغلبية البرلمان: وهو احتمال وارد جدًّا، وهو الراجح وفق المعطيات الحالية، ومن بينها زخم الحملة الانتخابية التي يقودها أردوغان والحشود التي جمعها لاسيما في المحافظة الكبرى، إسطنبول، والتي عظَّمت من حظوظه مقارنة بما كانت عليه قبل بدء الحملة الانتخابية.
فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية، ليس من المرجح حصول أي من المرشحين الأربعة على نسبة 50% من الأصوات؛ إذ من المتوقع تشتت الأصوات في ظل وجود مرشحَيْن يمينيين (أردوغان وأوغان) وآخرَيْن يساريين (كليتشدار أوغلو وإينجه) من جهة، وتنافس ثلاثة مرشحين من المعارضة من جهة أخرى. ولذلك فإن حسم السباق الرئاسي سيحتاج على الأغلب لجولة إعادة ستُجرى في الـ28 من الشهر الجاري، وستعتمد نتيجتها على عدة عوامل أهمها نتيجة المتنافسَيْن الرئيسيين، ونتيجة كل من إينجه وأوغان، وإمكانية دعوة أي منهما أنصاره لدعم مرشح بعينه، وتركيبة البرلمان الجديد، وأي تغيرات يمكن أن تطرأ على منظومة التحالفات.
وبسبب التقارب في النتائج المتوقعة في الجولة الأولى، ومع احتمال عزوف بعض أنصار الأحزاب الصغيرة المنضوية تحت تحالف الشعب (بعد ضمان دخول مرشحيها للبرلمان)، وفي ظل أداء أردوغان المتفوق نسبيًّا في الحملات الانتخابية لمهاراته الخطابية والقيادية، ومع أسبوعين إضافيين بين الجولة الأولى وجولة الإعادة تكون فرص الرئيس التركي أكبر نسبيًّا في الفوز بالرئاسة، ولذلك كان الترجيح بفوزه بالرئاسة -في جولة الإعادة- وفوز المعارضة بأغلبية البرلمان.
خاتمة
يخوض الرئيس التركي وحزبه العدالة والتنمية الاستحقاق الانتخابي الأصعب عليهما منذ استلام السلطة عام 2002. يركز المرشحون والأحزاب المتنافسة بشكل أساسي على الانتخابات الرئاسية بسبب تطبيق النظام الرئاسي في البلاد والذي يمنح الرئيس صلاحيات واسعة.
ورغم ذلك، يبقى للانتخابات البرلمانية أهميتها من باب أن المعارضة تعد بإعادة النظام البرلماني، وتحتاج لذلك للحصول على أغلبية 60% من أعضاء البرلمان المقبل على أقل تقدير. مصدر الاستقطاب الشديد ومنظومة التحالفات التي لم تبق أيًّا من الأحزاب المعروفة خارجها والمنافسة الشديدة بين مختلف الأطراف تصعِّب إمكانية الفوز بأغلبية كبيرة في البرلمان لأي طرف، كما أنها ستحول على الأغلب دون حسم الانتخابات الرئاسية في الجولة الأولى، ما يعني أن البلاد ستبقى في أجواء الانتخابات وحملاتها لأسبوعين إضافيين.
نبذة عن الكاتب
سعيد الحاج
باحث متخصص في الشأن التركي .
مراجع
5 تحالفات في الانتخابات التركية: أي حسابات ومبادئ تجمعها؟، العربي الجديد، 2 مايو/أيار 2023، (تاريخ الدخول: 9 مايو/أيار 2023): https://bit.ly/3nMJgkQ
ما خصائص النظام البرلماني الذي وعدت المعارضة التركية بإعادته؟، الميادين، 7 مايو/أيار 2023، (تاريخ الدخول: 9 مايو/أيار 2023): https://bit.ly/3LSUxba
13 maddede Erdoğan’ın seçim ekonomisi hamleleri, medyaskope, 11 Ekim 2023, (9 May 2023): https://bit.ly/3mwT1Df
ارتفاع حصيلة ضحايا الزلازل في تركيا إلى 50500 شخص، ديلي صباح، 14 أبريل/نيسان 2023، (تاريخ الدخول: 9 مايو/أيار 2023): https://bit.ly/3ojNbpj
الحكومة التركية تقدر قيمة الأضرار المادية جراء الزلزال.. مبلغ هائل، عربي 21، 17 مارس/آذار 2023، (تاريخ الدخول: 9 مايو/أيار 2023): https://bit.ly/3og8FmM
زلزال تركيا وسوريا: أردوغان “يواجه غضب شعبه” بسبب طريقة التعامل مع الكارثة – إندبندنت، BBC عربي، 10 فبراير/شباط 2023، (تاريخ الدخول: 9 مايو/أيار 2023): https://bbc.in/3LRr8y9
زلزال تركيا وسوريا: أردوغان يطلب الصفح عن التأخر في إغاثة المنكوبين، BBC عربي، 27 فبراير/شباط 2023، (تاريخ الدخول: 9 مايو/أيار 2023): https://bbc.in/3A3LaQz
زعيم المعارضة التركية: سنرحل السوريين في غضون عامين، وكالة أنباء الأناضول، 8 مايو/أيار 2023، (تاريخ الدخول: 9 مايو/أيار 2023): https://bit.ly/3Bam6I8
سعيد الحاج، عن ظاهرة أوميت أوزداغ وحزب “الظفر” في تركيا، عربي 21، 15 مايو/أيار 2022، (تاريخ الدخول: 9 مايو/أيار 2023): https://bit.ly/42nlxH0
لا إقامات للسوريين.. تضييق إضافي يلاحقهم في تركيا، العربي الجديد، 10 أغسطس/آب 2022، (تاريخ الدخول: 9 مايو/أيار 2023): https://bit.ly/42ohSIR
أردوغان: نحضر لمشروع يتيح العودة الطوعية لمليون سوري، وكالة الأناضول للأنباء، 3 مايو/أيار 2022، (تاريخ الدخول: 9 مايو/أيار 2023): https://bit.ly/3UI5EYx
سعيد الحاج، أردوغان وسياسة سحب البساط من تحت المعارضة، عربي 21، 17 أبريل/نيسان 2023، (تاريخ الدخول: 9 مايو/أيار 2023): https://bit.ly/44OoOk4
نيابة تركيا تطلب حظر حزب الشعوب الديمقراطي، سكاي نيوز عربية، 11 يناير/كانون الثاني 2023، (تاريخ الدخول: 9 مايو/أيار 2023): https://bit.ly/44Pwa6T
مشاركة كبيرة للمغتربين قد تحسم نتائج الانتخابات التركية، عربي 21، 2 مايو/أيار 2023، (تاريخ الدخول: 9 مايو/أيار 2023): https://bit.ly/3LQCPoL
خلال مؤتمر جماهيري.. أردوغان يستعرض أهم ملامح برنامجه الانتخابي، الجزيرة نت، 11 أبريل/نيسان 2023، (تاريخ الدخول: 9 مايو/أيار 2023): https://bit.ly/3LIqOBO
للمزيد: البيان الانتخابي لحزب العدالة والتنمية لانتخابات عام 2023، موقع حزب العدالة والتنمية، (تاريخ الدخول: 9 مايو/أيار 2023): https://bit.ly/3Hv1f5T
في برنامج أردوغان ومعارضته، العربي الجديد، 17 أبريل/نيسان 2023، (تاريخ الدخول: 9 مايو/أيار 2023): https://bit.ly/44KkNxa
للمزيد: نص اتفاق السياسات المشتركة للأحزاب الستة المشاركة في “الطاولة السداسية”، موقع حزب الشعب الجمهوري، 30 يناير/كانون الثاني 2023، (تاريخ الدخول: 9 مايو/أيار 2023): https://bit.ly/3HvbRlb
الجدول من إعداد الباحث اعتمادًا على مصادر متنوعة، مع مراعاة تنوع شركات استطلاع الرأي من حيث الخلفية السياسية والعلاقات مع الأحزاب.
الجدول من إعداد الباحث اعتمادًا على مصادر متنوعة، مع مراعاة تنوع شركات استطلاع الرأي من حيث الخلفية السياسية والعلاقات مع الأحزاب.
يخوض حزب الشعوب الديمقراطي الانتخابات المقبلة تحت اسم حزب اليسار الأخضر.
سعيد الحاج، بها ثغرات تقدح في مصداقيتها.. لماذا لا يجب أن نثق باستطلاعات الرأي التركية، عربي بوست، 9 مايو/أيار 2023، (تاريخ الدخول: 9 مايو/أيار 2023): https://bit.ly/3MeIW7C
سعيد الحاج، تركيا: ما الذي تقوله قوائم مرشحي البرلمان؟، الجزيرة نت، 16 أبريل/نيسان 2023، (تاريخ الدخول: 9 مايو/أيار 2023): https://bit.ly/3nPE5As
وزير الداخلية التركي يتحدث عن تسجيل صوتي للمعارضة مع سفير أوروبي.. ماذا فيه؟، عربي 21، 4 مايو/أيار 2023، (تاريخ الدخول: 9 مايو/أيار 2023): https://bit.ly/3VP0ieA
“للمرة الأولى في تاريخ تركيا”.. منافس أردوغان: أنا علوي، الحرة، 20 أبريل/نيسان 2023، (تاريخ الدخول: 9 مايو/أيار 2023): https://arbne.ws/41hXact
———————————
المعارضة التركية/ عمرو الشوبكي
ستدخل المعارضة التركية فى اختبار حاسم يوم الأحد القادم بعد أن توافقت أحزابها الستة على مرشح رئاسى واحد، هو «كمال كليتشدار أوغلو»، ليخوض غمار انتخابات الرئاسة فى مواجهة الرئيس أردوغان فى واحدة من أكثر الانتخابات التركية سخونة وحيوية.
والحقيقة أن تجربة المعارضة التركية لم تقتصر فقط على التوافق على مرشح واحد إنما امتدت أيضًا لإصدار وثيقة سمتها تحالف مبادئ، وحملت عنوان «مذكرة التفاهم بشأن السياسات المشتركة» من أجل التحول إلى النظام البرلمانى المعزز، وتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية، وتعزيز الديمقراطية والحريات ودولة القانون، وإصلاح الاقتصاد، وتصحيح أخطاء السياسة الخارجية.
وقد يكون أهم ما قدمته خبرة المعارضة التركية هو حفاظها على مدنية الدستور وقواعد النظام العلمانى، التى أسسها مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك، فمازالت صوره منتشرة فى طول البلاد وعرضها، وحاضرة فى مقار كل الأحزاب كبطل للتحرر الوطنى ومؤسس الجمهورية، ويعتبر حزب الشعب الجمهورى الذى يقوده منافس أردوغان الرئيسى «كليشدار أوغلو» امتدادًا له ولفكره.
ورغم أن تركيا تعرضت لثلاثة انقلابات عسكرية إلا أنها لم تشهد فى أى مرحلة تحولًا من نظام اشتراكى إلى رأسمالى أو العكس، وحافظت على نظامها الرأسمالى، كما لم تنتقل من حكم علمانى إلى حكم دينى، ولم يتم خلخلة قيم المجتمع الأساسية وقواعد النظام الدستورى القائم إلا لفترات مؤقتة.
والحقيقة أن كل هذا ساعد أحزاب المعارضة التركية الستة على خوض الانتخابات الرئاسية بمرشح واحد، صحيح أنه سيواجه تحديات كبيرة ليس فقط من زاوية فرص نجاحه انتخابيًا إنما بالأساس فى نجاعة البديل الذى يقدمه لمنظومة الحكم الحالية الأكثر تماسكًا لأنها يمثلها حزب واحد قوى هو العدالة والتنمية، ولديه ماكينة انتخابية قوية أثبتت فاعليتها فى الانتخابات السابقة.
إن وجود تحالف من ٦ أحزاب مختلفة المشارب والتوجهات، اتفقت فيما بينها فى حالة الفوز أن يتولى رئيس كل حزب منصب نائب رئيس الجمهورية، هى مخاطرة تذكرنا ببعض المشاريع العربية المتعثرة فى الحديث عن مجلس رئاسى للحكم، وهى كلها مشاريع تُضعف من قدرة «الفريق الناجح» على اتخاذ قرارات جريئة وبدائل ناجعة، لأنه سيكون مضطرًا لعمل مواءمات مع زملائه النواب، مما يعطل من فرص اتخاذ قرارات إصلاحية.
ورغم أن الأحزاب السياسية التركية أقوى فى معظمها من نظيرتها العربية، وكثير منها لديه قاعدة اجتماعية وتوجه سياسى واضح، إلا أنها مع ذلك لم تعتد على أن تعمل بشكل موحد، وأن تخوض الانتخابات وهى متحدة خلف مرشح واحد.
ستظل خطوة المعارضة التركية بخوض حملة انتخابية قوية وموحدة، والتوافق على مرشح واحد لخوض انتخابات الرئاسة الأحد القادم، رغم الخلافات الموجودة، تمثل تحولًا فى تاريخ المعارضة التركية، ما قد يجعل فرصها فى الفوز واردة وليس بالضرورة راجحة.
* نقلا عن “المصري اليوم”
—————————–
تركيا تنتخب من جديد… وسباق محتدم على الرئاسة/ عمر اونهون
في 14 مايو/أيار، ستنتخب تركيا رئيسها وأعضاء البرلمان للسنوات الخمس المقبلة. وفي حال فشل أي من المرشحين الأربعة للرئاسة في الحصول على (50 في المئة+1) في هذه الجولة، كما هو مطلوب، فإن جولة ثانية من التصويت ستجرى بعد 14 يوما، أي يوم 28 مايو/أيار، بين المرشحَين اللذَين يأتيان في المرتبتين الأولى والثانية.
يدّعي كلا المتنافسين الرئيسيين، رجب طيب أردوغان ممثل “تحالف الجمهور”، وكمال كليشدار أوغلو ممثل “تحالف الأمة”، أنهما يملكان ما يكفي من الأصوات للفوز بالسباق الرئاسي في الجولة الأولى والفوز بمعظم المقاعد في البرلمان.
ولا نعرف توجه الناخبين الآن، فقد مضى على آخر الاستطلاعات بضعة أيام، حيث لا يسمح قانون الانتخابات بإجراء استطلاعات رأي خلال الأيام العشرة التي تسبق الانتخابات.
حكم أردوغان وحزبه “حزب العدالة والتنمية” حكما تركيا على مدى 22 عاما. وعلى الرغم من صعوبة السنوات الست أو السبع الماضية وفقدانه جزءا من شعبيته، إلا أن أردوغان استطاع أن يستمر في الحكم بسلطة كاملة.
أما المرشح الرئاسي للمعارضة كمال كليشدار أوغلو فهو زعيم “حزب الشعب الجمهوري”، الذي يمثّل يسار الوسط، منذ عام 2010.
وعلى الرغم من الخسائر الانتخابية المتعددة والنكسات الأخرى المختلفة، فقد تمكن من تعزيز مكانة حزبه وقوته، فحقق حزب الشعب نقاطا كبيرة في الانتخابات البلدية في مارس/آذار 2019، حين انتزع من حزب العدالة والتنمية بلديات المدن الكبرى في إسطنبول وأنقرة وبولو وأنطاليا وغيرها.
وفي عام 2018، قدم كليشدار أوغلو الدعم لـ”الحزب الخيّر”، الذي تأسس على يد منشقين عن حزب العمل القومي، ومكنهم من دخول البرلمان وتشكيل مجموعة حزبية خاصة بهم. ثمّ تمكّن لاحقا من تشكيل تحالف الأمة المعروف أيضا باسم “قائمة الستة”، والذي يتألف من حزب الشعب الجمهوري (CHP)، والحزب الديمقراطي (DP)، وحزب الديمقراطية والتقدم (DEVA)، وحزب المستقبل (GP)، والحزب الخيّر (İYİP)، وحزب السعادة (SP).
تختلف هذه الأحزاب السياسية الستة وتتنافس فيما بينها، وهي أحزاب من يسار الوسط، والقوميين والليبراليين والمحافظين. وعلى الرغم من ذلك، فقد تمكنت من تنحية خلافاتها جانبا والتوحد من أجل قضية مشتركة تتركّز بالأساس حول إنهاء حكم أردوغان، والعودة إلى النظام البرلماني، واستعادة الاقتصاد وتنشيط وإصلاح مؤسسات الدولة.
يمكن النظر إلى الجبهة الموحدة المكونة من الأحزاب الستة على أنها تمثل إجماعا وطنيا رئيسيا يعكس التنوع والتشاور الذي تشتدّ الحاجة إليه، وتعتقد المعارضة السياسية أنه بات غائبا عن النظام السياسي التركي مؤخرا.
وسنذكر هنا القضايا التي يرجح أن تؤثر على التوازن والنتائج:
وجود حزب الشعوب الديمقراطي (HDP)، الذي يشارك في الانتخابات باسم حزب اليسار الأخضر (GLP) تفاديا للحظر، أمر ضروري ويمكن له أن يحقق توازنا بأصواته التي يقدر أن تكون نسبتها نحو 9-10 في المئة.. حزب اليسار الأخضر ليس جزءا من تحالف الأمة لكنه لم يختر مرشحا رئاسيا خاصا، بل أعلن دعمه لكليشدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية. تشعر المعارضة بالرضا جراء هذا الأمر، إلا أنها حريصة على عدم إعطاء المزيد من الأسباب للحكومة للادعاء بأن المعارضة تتعاون مع حزب يوصف بأنه الجناح السياسي لمنظمة العمل الكردستاني، التي تصنفها تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كمنظمة إرهابية.
يحرص كليشدار أوغلو على عدم إثارة غضب القوميين ضمن تحالفه من خلال الظهور وكأنه على اتصال مع حزب اليسار الأخضر. وعلى الرغم من حرصه الشديد على عدم التسبب في أي رد فعل عنيف من الناخبين الوطنيين في تحالف الأمة، إلا أن بعضهم لا يزال مترددا في منح أصواته لكليشدار أوغلو في انتخابات الرئاسة.
محرم إينجه، أحد المرشحين الأربعة للرئاسة، كان مرشح حزب الشعب الجمهوري للرئاسة في انتخابات 2018. وفي وقت لاحق، انفصل إينجه عن حزبه وأسس حزبه الخاص. وتشير استطلاعات الرأي إلى أنه يستطيع الحصول على 6 في المئة من الأصوات فقط، مما يعني أنه لن يستطيع الفوز بالانتخابات، إلا أنه يستطيع منع كليشدار أوغلو من الحصول على العدد المطلوب من الأصوات (50+1) في الجولة الأولى، مما سيدفع الانتخابات نحو جولة ثانية، ويفتح المجال أمام فوز أردوغان. يعتقد كثيرون أن إينجه يتلقى الدعم من الحكومة الراهنة وأنه يعمل على تقسيم أصوات المعارضة.
من بين إجمالي عدد الناخبين البالغ 64.113.941، هناك خمسة ملايين سيشاركون في الانتخابات للمرة الأولى في حياتهم. وهم من يطلق عليهم اسم “الجيل z”، الذي يَنظر إلى الأمور بطريقة مختلفة وأكثر تعقيدا. وتشير الاستطلاعات إلى أن نحو 70 في المئة منهم يفضلون المعارضة.
على المحك: البنود الرئيسية على جدول الانتخابات
يصر أردوغان على ضرورة استمرارية النظام الرئاسي الجديد الذي مكّن من اتخاذ قرارات فعالة وسريعة، وإن كان منفتحا على بعض التعديلات. على المقلب الآخر، تعهدت المعارضة بالعودة إلى النظام البرلماني، حيث ترى أن النظام الرئاسي أدى إلى الاستبداد والعديد من الأخطاء.
غير أن تغيير النظام ليس بالأمر التلقائي أو اليسير، بل يحتاج إلى إجراءات وتدابير معقدة، فهو بحاجة أولا إلى تعديل الدستور، وهذا يتطلب موافقة ثلثي نواب البرلمان (400 من أصل 600) لصالح التعديل، أو إلى طرحه للاستفتاء الشعبي بعد الحصول على تأييد ثلاثة أخماس النواب.
وشغلت قضايا الاقتصاد والوطنية والتقدم الصناعي مكانا متقدّما في النقاش في هذه الحملة. فمن جهة، يواصل أردوغان تصوير كليشدار أوغلو على أنه شخص يساير حزب العمال الكردستاني وامتداداته السياسية، أي حزب اليسار الأخضر، ويدعي أن كليشدار أوغلو يسعى لإلغاء كافة الإنجازات التي تحققت خلال العشرين عاما الماضية أو ما يقارب ذلك، ولا سيما التطورات في صناعة الدفاع.
شعار كليشدار أوغلو: سيكون كل شيء على ما يرام
من جانبه، يحمّل كليشدار أوغلو أردوغان وحكومته المسؤولية عن كثير من الإخفاقات إضافة إلى الفساد والإسراف.
وبالفعل، لم ينتقل أردوغان بعد انتخابه رئيسا للبلاد إلى القصر الرئاسي الذي استخدمه سابقا مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية ورئيسها الأول، وباقي الرؤساء الآخرين، بل أمر ببناء قصر جديد ضخم في مجمّع تبلغ مساحته حوالي 750 ألف متر مربع.
إلى ذلك، وعد كليشدار أوغلو بوضع حد للأسلوب الباهظ والهدر الذي تمارسه إدارة أردوغان. وتعهد بالعودة إلى القصر الرئاسي الأصلي قائلا إن القصر الحالي سيتحول إلى شيء مفيد مثل الجامعة.
وأصبحت وسائل التواصل الاجتماعي ومقاطع الفيديو التي يتم بثها عبر حسابات “تويتر” أداة للحرب السياسية. وتسبب أحد رجال الأعمال المقربين من أردوغان في هزة كبيرة بعد توجيهه تهم فساد مباشرة إلى أردوغان ووزراء حزب العدالة والتنمية. وتوصل رجل أعمال آخر أيضا إلى اكتشافات مذهلة تتدرّج من الفضائح الجنسية إلى التعاملات التجارية المافيوية.
وعلى الرغم من أن اسم الرئيس أردوغان كان في قلب تلك المزاعم، إلا أنه تجنب الحديث عنها، سواء عبر البرامج التلفزيونية أو في التجمعات بما فيها تلك التي نظمها في إسطنبول يوم 7 مايو/أيار، بعد يومين من انتشار مقاطع الفيديو. وعلى الرغم من خطورة الاتهامات، التزم القضاء والمدّعون الصمت أيضا.
وتسبب ذلك في غضب كليشدار أوغلو، الذي توعّد بإنشاء “لجنة تحقيق في الفساد” في البرلمان إذا ما تم انتخابه.
وثمّة برنامج مشترك لتحالف الأمة يحمل عنوان مذّكرة السياسة المشتركة، حيث تتفق الأحزاب الستة في حملتها الانتخابية على أساس هذا البرنامج.
وبالإضافة إلى ذلك، يشارك كليشدار أوغلو مقاطع فيديو مدتها بضع دقائق في حسابه على “تويتر” وهي المقاطع التي أثبتت أنها تحظى بشعبية كبيرة.
ووضعت استطلاعات الرأي العام الأخيرة كليشدار أوغلو في المقدمة، باستثناء تلك المعروفة بتأييدها العلني للحكومة، ويشير بعض تلك الاستطلاعات إلى أنه قد يفوز حتى من الجولة الأولى.
لقد أكد كليشدار أوغلو، في مقطع فيديو مدته ثلاث دقائق بعنوان “علوي”، أنه بصفته فردا ينتمي إلى الطائفة العلوية، فهو مسلم مخلص وأنه يؤمن بالوحدة ولا يؤمن بالتفرقة، وقد شاهد ما يزيد على 28 مليون مشاهد مقطع الفيديو هذا في مدة زمنية لا تتجاوز 7 ساعات.
كما قدم مرشح المعارضة لانتخابات الرئاسة وثيقةً تتضمن ما سيؤديه في المئة يوم الأولى من توليه السلطة. وتحت شعار كليشدار الانتخابي “أعدكم أن الربيع سيزهر مرة أخرى، فإن السيد كمال لن يتراجع عن الوعد الذي قطعه على نفسه”، وتشمل قائمة الوعود:
إخماد النار المستعرة في الاقتصاد التركي، أي استعادة الثقة، واتخاذ الخطوات الضرورية الأولية، وتهدئة المناخ الاقتصادي.
تشكيل وزارات جديدة للتخطيط العمراني، ولإدارة الكوارث، وللحرفيين، وللزراعة والأمن الغذائي.
إعادة تفعيل مؤسسات الدولة، ووضع حدّ للمحسوبية في القطاع العام، وإعادة فتح المستشفيات العسكرية، وسنّ قانون خاص بأخلاق السياسة.
إنشاء “مكتب لاسترداد الأصول” وإعادة أموال تُقدّر بمليارات الدولارات إلى تركيا، وهي أموالٌ كانت قد جُمدت في الخارج.
ولا يزال الاقتصاد هو الموضوع الأكثر إلحاحاً. إذ يأتي التضخم المتزايد، والعجز التجاري، وانخفاض قيمة الليرة التركية، وكذلك تزايد فقر الناس، في مقدمة أولويات المواطن التركي؛ فقد أصبحت الحياة باهظة الثمن حقا.
وازداد معدل التضخّم على الرغم من اختلاف بيانات التضخم وفقا للمؤسسة التي تنشر ذلك المعدل: معدل التضخم لشهر أبريل/نيسان وفقا لـمعهد الإحصاء التركي (TÜİK) هو 43.68 في المئة، فيما بَلغ وفقا لغرفة تجارة اسطنبول 62.46 في المئة، وبلغ وفقا لمجموعة أبحاث التضخم 105.19 في المئة). وخسرت بورصة إسطنبول 11.6 في المئة من أسهمها خلال الأسبوع الماضي و10.25 في المئة خلال الشهر الماضي. فيما وصل تراجع مؤشر البورصة في عام 2023 إلى 22.5 في المئة.
يأخذ المستثمرون جانب الحذر، ويبقى الاستثمار الأجنبي عند مستويات منخفضة للغاية. وقد قطع كليشدار أوغلو عهدا على نفسه بأنه سوف يجلب إلى تركيا 300 مليار دولار في غضون خمس سنوات للاستثمار عندما يُنتخب. ويزعم كليشدار أوغلو أن المستثمرين الأجانب فقدوا الثقة في أردوغان، وعندما سيتولى منصبه، سيتجاوز هذه المشكلة، وهو الأمر الذي يمهد الطريق أمام عصرٍ جديدٍ من تدفق الاستثمارات إلى تركيا.
يجب على كليشدار أوغلو التغلب على كثير من التحديات التي تواجهه؛ إذ يجب عليه أن يتجاوز بأمان العقبات التي وضعتها الحكومة في هذه المرحلة. وسيتعين عليه التعامل مع ميراث الحكومة السابقة الذي اتصف بقدر أكبر من الاضطراب، والمضي قدما مع شركائه في الائتلاف الذين ينتهجون سياسات مختلفة في عدد من القضايا إن هو فاز بالانتخابات المقبلة.
وإذا ما انتخب كليشدار أوغلو، فإن قادة الأحزاب السياسية الخمسة الأخرى، ورئيسي بلديتي أنقرة وإسطنبول، إمام أوغلو ويافاش، وهما شخصيتان سياسيتان شعبيتان جديدتان ظهرتا على المسرح السياسي، سيكونان نائبين للرئيس. وسيتولى كل منهما حقيبة. وسيشكل الملف الذي سيتولاه كل منهما مسألةً حساسةً للتعامل معها.
لم يُعلن بعد عن الحقائب التي سيتولاها الزعماء، لكن كليشدار أوغلو أعلن عن الحقيبتين اللتين سيتولاهما رئيسا بلديتي أنقرة وإسطنبول. إذ سيتولى إمام أوغلو مسؤولية “زيادة مرونة المدن من خلال تحضير تركيا لمواجهة الكوارث”، في حين سيتولى يافاش مسؤولية العمل على تعزيز الاقتصاد المنزلي والتنمية الزراعية والتكنولوجية.
قضايا السياسة الخارجية
أعلن تحالف الأمة في برنامجه المشترك أن هدفه يتمثل في الحصول على العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي. وأعلن كليشدار أوغلو أنه وتحالفه سينفذان جميع الإصلاحات القانونية دون انتظار أن يفتح الاتحاد الأوروبي فصولا جديدة.
ويتوقع كليشدار أوغلو أن يستجيب الاتحاد الأوروبي مقابل ذلك على نحو إيجابي بكل ما تحمله الكلمة من معنى. ويتمثل أحد وعوده الانتخابية في إبرام اتفاق مع الاتحاد الأوروبي في غضون ثلاثة أشهر بشأن تحرير التأشيرات، وهو الأمر الذي طال انتظاره، فيما يُمكّن الأتراك من السفر إلى منطقة شينغن دون تأشيرة. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل سيكون الاتحاد الأوروبي قادرا على الوفاء بالتزاماته، حتى لو أنجز كليشدار أوغلو ما وعد به، إن نحن أخذنا بعين الاعتبار سياسات اليونان وقبرص الثابتة التي تتمثل في وضع العقبات أمام تركيا أو منع حصول أي أمر إيجابي مع تركيا؟ وهذا عدا عن المواقف السلبية التي يتخذها أعضاء آخرون في الاتحاد الأوروبي مثل فرنسا.
وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي هو الشريك الاقتصادي الأول لتركيا، بما في ذلك الاستثمار، فإن ثمة مشاكل قائمة معه. إذ يجادل الاتحاد الأوروبي بأن تركيا تعاني من أوجه قصور خطيرة في عمل مؤسساتها الديمقراطية، الأمر الذي يعني أيضا انعدام الثقة، وهو “شرط لا غنى عنه” لجذب الاستثمار الأجنبي.
لقد أكّد كليشدار أوغلو على العلاقات القوية التي تربط تركيا بحلف شمال الاطلسي (الناتو)، وأشار إلى أن العلاقات مع روسيا ستكون أكثر انضباطا.
وقد وعد كليشدار أوغلو بإعادة اللاجئين السوريين في تركيا إلى وطنهم في غضون عامين (وعددهم الرسمي 3.7 مليون لاجئ). كما يقول إنه سيفعل ذلك من خلال التوصل إلى اتفاق مع الأسد بحيث يضمن سلامتهم.
وفيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط، قال كليشدار أوغلو إن “تركيا ستقف إلى جانب فلسطين والقضية الفلسطينية”، وإنها لن تنحاز إلى أي طرف في الخلافات بين الدول العربية أو داخل دولة عربية، وستعمل على إنشاء منظمة السلام والتعاون في الشرق الأوسط.
أجواء متوترة وحملة انتخابية صعبة
يتصف الوضع السياسي بالتوتر وبالانقسامات العميقة. إذ ليس ثمة محادثة ونقاش عاديان، وحتى إنه ليست هناك مصافحة بين السياسيين عندما يقفون متجاورين في حفل رسمي. فيما يتمسك كل حزب سياسي بآيديولوجيته ويواصل اتهام الطرف الآخر باتهامات متهورة.
تتصف الحملة الانتخابية بأنها صعبة عقليا وجسديا. إذ يعقد جميع المرشحين تجمعين، وأحيانا أكثر في اليوم الواحد، حيث يحضر تلك التجمعات عشرات الآلاف من الأشخاص ويضاف إلى ذلك المقابلات التلفزيونية التي تُجرى معهم في ساعات متأخرة من الليل. فقد أثار أردوغان الذعر في صفوف أنصاره عندما شعر بالمرض خلال مقابلة تلفزيونية أُجريت معه على الهواء مباشرة. وعاد إلى متابعة مسار الحملة الانتخابية بعد يومين من النقاهة.
وتظل الحملة سلمية مع استثناءات قليلة على الرغم من التوتر الذي يحيط بالحملة. فيما برزت أخطر الحوادث حتى الآن عندما رشق أنصار حزب العدالة والتنمية وأنصار حزب الحركة القومية بالحجارة أكرم إمام أوغلو في خضم تجمعٍ حاشد بمدينة أرضروم الواقعة شرق الأناضول، وهو الذي يعدّ أحد أبرز شخصيات المعارضة.
تنتاب المعارضة حالة من القلق من فكرة خسارة أردوغان، ولا سيما بفارق ضئيل، فإنه لن يقبل بالهزيمة وسيهدف إلى قلب نتيجة الانتخابات. ويزعمون أنه يمكن أن يلجأ إلى أساليب مختلفة بما في ذلك حشد أنصاره بغرض النزول للشارع.
لقد أثار كثير من التصريحات التي أدلى بها سياسيون حكوميون المخاوف. فعلى سبيل المثال، شبّه وزير الداخلية انتخابات 14 مايو/أيار بمحاولة الانقلاب التي جرت في 15 يوليو/تموز 2016. وزعم الوزير أن الهدف في كلتا الحالتين هو الاستيلاء على السلطة من أردوغان. فيما قال إن ما عجزت القوى الأجنبية وأحزاب المعارضة والتنظيمات الإرهابية وغيرها عن تحقيقه بالقوة في 2016، تنوي تحقيقه بالانتخابات التي وصفها بأنها محاولة انقلابية سياسية.
وانتخابات 14 مايو/أيار حاسمة للغاية إلى درجة أن كل جانب سيفعل كل ما يلزم للفوز وفي بعض الحالات، عدم الخسارة.
في هذا السياق، ثمة مثالان في تاريخ الانتخابات الحديث حملت معها نتائج مختلفة يتذكرها الناس.
المثال الأول هو خسارة حزب العدالة والتنمية لأغلبيته البرلمانية للمرة الأولى منذ وصوله إلى السلطة في عام 2002 وذلك في الانتخابات التي جرت في 7 يونيو/حزيران 2015. إذ لم يتمكن حزب العدالة والتنمية ولم تتمكن المعارضة من تشكيل حكومة. وفي موازاة ذلك، بدأ حزب العمال الكردستاني، و”داعش”، بحملة إرهابية مكثفة. وأجريت الانتخابات مرة أخرى في 1 نوفمبر/تشرين الثاني، وفاز حزب العدالة والتنمية بهامش مريح في تلك المرة.
بينما المثال الثاني كان انتخابات بلدية إسطنبول التي جرت عام 2019، عندما حاولت الحكومة مرة أخرى لكنها أخفقت في تلك المرة. إذ أسفرت الانتخابات التي نُظمت في مارس/آذار عن فوز حزب الشعب الجمهوري، ولكن بهامش ضئيل بلغ 0.2 في المئة (13.700 صوت). فقدم حزب العدالة والتنمية التماسا للمجلس الأعلى للانتخابات، وألغى المجلس الانتخابات. تكررت الانتخابات في يونيو/حزيران وفاز مرشح المعارضة بهامش 806 آلاف صوت، الأمر الذي شكل ضربة كبيرة لحزب العدالة والتنمية.
والمعارضة مصممة على محاربة كل أشكال التضليل المتعمد، ومصممة على المقاومة بحزم إذا رفضت الحكومة التنازل عن السلطة حالَ هزيمتها.
وقد شكّلت جميع الأطراف مجموعات أمن خاصة بالانتخابات، وستتواجد في أماكن حُددت لها في سبيل التأكد من عدم وجود أي تلاعب.
المجلة
——————————-
قراءة في مشهديات الفصل الأخير للصراع على المسرح السوري/ غزوان قرنفل
رغم كونه في أحد وجوهه يؤشر لنبرة تصعيدية في مواجهة نظام أسد، فإن تصريح جاويش أوغلو الذي استبق فيه اجتماع موسكو الرباعي الأخير الذي من المفترض انعقاده غدا في العاشر من أيار – مايو الجاري والذي قال فيه إن تركيا لن تنسحب من سوريا قبل أن يصبح النظام قادراً على إحياء وتنفيذ اتفاقية أضنة، إلا أنه في الوجه الآخر له يرسم ملامح مآل الأحوال في مناطق الشمال السوري إذا ما قدم النظام فعلا ضمانات مقنعة لأنقرة بسيطرته على المناطق الحدودية وضمان أمنها بما لا يسمح باختراقها لتهديد الأمن القومي التركي.
ذلك أنه لا يمكن تصور إمكانية ضمان أمن المناطق الحدودية السورية التركية دون سيطرة كاملة لقوات النظام السوري عليها بما يكفل التزامه بمضامين اتفاقية أنقرة التي تطالب تركيا بإحيائها وضمان حسن تنفيذ مترتباتها قبل اتخاذها قرارا بسحب قواتها من الأراضي السورية.
فالمطالبة هنا بتفعيل وحسن تنفيذ اتفاقية أضنة من قبل النظام السوري قبل الحديث عن انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية والذي قلنا إنه تصعيد في مواجهة النظام في أحد وجوهه يقصد منه تماما رفضا مؤقتا لمطلب النظام الملّح بتقديم تركيا جدولا زمنيا لانسحاب قواتها من الشمال الغربي لسوريا لا أكثر، بمعنى أنه سيكون هناك التزامات متقابلة تتم صياغتها عبر مسار طويل من المفاوضات يفضي لالتزام النظام السوري بضمان أمن الحدود الجنوبية لتركيا مقابل جدول زمني واضح ومحدد لانسحاب القوات التركية.. واستطرادا فإن تنفيذ الشق الأول من تلك الالتزامات المتقابلة يقتضي بالضرورة تمكين أو عدم ممانعة وصول قوات النظام وسيطرتها على تلك المناطق، والسؤال هنا عن السبيل الذي سيتم به تنفيذ ذلك، هل سيكون بتفكيك الفصائل المختلفة وتسليم سلاحها عبر صفقة شاملة لتجنيب المنطقة مواجهات عسكرية دامية أم سيتم بوسائل قتالية تسمح ببسط سيطرة قوات النظام السوري نهائيا على كل مناطق سيطرة الميليشيات المختلفة، وهل سيكون ذلك مقتصرا على شمال غربي سوريا أم سيكون شاملا لمختلف مناطق الشمال شرقيها وغربيها معا؟!!!.
أعتقد أن الصورة وإن بدت أكثر تعقيدا لكن في الحقيقة أفترض أن الأطراف سيلجؤون لتفكيك الحلول وتجزئتها وهو سلوك لطالما برع فيه النظام وحلفاؤه خلال مراحل إدارة الصراع في مناطق أخرى، حيث شاهدنا ابتداء – بدلا من الوصول لحل شامل على مختلف مناطق السيطرة – كيف تمت صناعة ما سمي بمناطق خفض التصعيد وتم إسقاطها واحدة تلو الأخرى بحسم عسكري أو باتفاقات تسوية أفضت لتصفية الحراك الثوري بكليته وتجويف الصراع العسكري وتخميده، تم ذلك في حلب والغوطة ودرعا وأرياف حمص ولا شيء يمنع تكراره في مناطق الشمال الغربي أولا خصوصا أن جبهات المواجهة باردة وسبطانات الأسلحة لا تسخن إلا في مواجهات بينية لفرض فرص توسيع – مؤقت – لمناطق نفوذ وسيطرة الميليشيات المتنازعة التي تعطلت وظيفتها الوطنية في المواجهة مع النظام – وغالبا لم تكن لها مثل تلك الوظيفة أصلا – لصالح الاستثمار والإثراء في اقتصاد الحرب بالنظر لإدراك الجميع أن وظيفتهم بالصراع مؤقتة وشارفت على نهاياتها.
لعل في مسعى الجولاني وميليشياته للسيطرة والتحكم في أوسع نطاق جغرافي ممكن ضمن مناطق نفوذ الميليشيات الأخرى في الشمال، محاولة لأن يحجز لنفسه مقعدا على طاولة الحل والتسوية مع النظام، يعزز من ذلك ما يقوم به من تواصل وتنسيق استخباري مع الأميركان والأتراك وحتى مع الروس والنظام لاستئصال شأفة بعض القوى والأدوات الأكثر تطرفا وربما رفضا لمثل تلك التسويات ولعل حملة التصفيات والملاحقات والاعتقالات الأخيرة لعناصر من حزب التحرير ما يعزز هذا الاستنتاج.
أما القوى والفصائل الأخرى كالحمزات والعمشات وغيرها من قوى التهريج العسكري المسيطرة في شمال غربي سوريا، فهي – ومع وجود آلاف ملفات النهب والقتل والإثراء غير المشروع لقادتها – أكثر مطواعية وامتثالا لأي حلول تقررها أنقرة بشأنها.. وبالتالي – وكما أشرت في غير مقال سابق – فأعتقد أن الصفقة ستكون مشابهة تقريبا لصفقة درعا وسيتم إدماج تلك الميليشيات ضمن المنظومة العسكرية والميليشيوية للنظام وسيبسط النظام مجددا سيطرته في تلك المناطق، وأما أولئك القلة من الرافضين فستتم تصفيتهم أو إخراجهم من المشهد بشكل أو بآخر.
لا تنطبق تلك المقاربة بطبيعة الحال عما يمكن الحديث عنه في مناطق شمال شرقي سوريا لأن ثمة فاعلا أميركيا فيها لا بد من قبوله بصفقة تلبي بعض مطامح “قسد” وميليشياتها فيما يشبه حكما محليا موسعا لا يحول دون حضور النظام ورموز أو أدوات سلطته ولا يستعدي تركيا أو يؤسس لحالة انفصالية أو كيانية تفتح شهية بعض أكراد تركيا.. ولا بأس بعد ذلك من التضحية ببعض رموز المذبحة السورية وتغييبهم عن المشهد العام، وإشراك بعض الشخصيات المعارضة في “حكومة وحدة وطنية” تكون العنوان النهائي للحل الذي يقبل به النظام وحلفاؤه من الروس والإيرانيين وبذلك يكون قد قدم للمجتمع الدولي حلا للأزمة مصنوعا بأياد سورية!!!.
سيراهن البعض على رفض أميركي لهذا الحل أو ما يشبهه، واسمح لي سيدي أن أقول إن رهانك خاسر سلفا، فطوال عقد كامل راهن السوريون على موقف أميركي حازم وقطعي ونهائي تجاه النظام ودائما ما خاب فألهم، وسقط رهانهم، فمن يتدثر بلحاف أميركي سيصحو عاريا تصطك أسنانه من البرد بلا لحاف يستر عورته.. ألم يراهن الجمهوريون سابقا في إسبانيا على موقف أميركي مناهض للجنرال فرانكو ديكتاتور إسبانيا الذي رغم دعمه للنازية وهتلر تمت إعادة تأهيله وتبنيه وعندما فتح الجمهوريون قبضاتهم وجدوها خاوية لم تقبض إلا الريح!!!
—————————–
التدخلات الخارجية في الانتخابات التركية.. دوافعها وانعكاساتها/ محمود عثمان
ثمة إجماع بين الخبراء على أن الانتخابات التركية، المقرّر إجراؤها يوم الأحد المقبل في 14 مايو/ أيار الجاري، ليست جولة انتخابية عادية، وأنها تُعد من أهم الانتخابات في تاريخ تركيا الحديث، بالنظر لما قد يترتب على نتائجها من تحوّلات استراتيجية، واستحقاقات سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية، وأنها ستشكّل من خلال نتائجها علامة فارقة في التاريخ التركي الراهن، وأنها حاسمة كونها ستعكس قدرة الشعب التركي على هضم التحوّلات التي جرت خلال العقدين الماضيين، وكيفية التعاطي معها، وما هي أولوياته التي ستفصح عنها نتائج هذه الانتخابات المفصلية والحاسمة؟
الاهتمام بالانتخابات التركية لم يكن مقتصراً على الداخل التركي فقط. بل امتدت دائرته لتشمل الساحة الدولية، حيث نشرت صحيفة واشنطن بوست الأميركية تقريراً عنوانه “الانتخابات الأهم في العالم خلال عام 2023 ستكون في تركيا”.
**أسباب ودوافع الاهتمام الغربي بالانتخابات التركية
يرتبط اهتمام واشنطن بالسياسة التركية بالاستراتيجية الأميركية الجديدة، التي تم إرساء قواعدها زمن الرئيس أوباما، والتي تقوم على مبدأ التفرغ للمنافس الأكبر المتمثل بالصين، على حساب الانسحاب من مناطق أقل أهمية بالنسبة لواشنطن، كمنطقة الشرق الأوسط، وتحويل إدارة تلك المناطق إلى شركاء إقليميين، وهذا يقتضي حكما أن تكون الحكومات في هذه البلدان، من النوع الذي يتجاوب مع واشنطن، دون شروط مسبقة، ودون المطالبة بأثمان مكلفة.
ولأن تركيا، خلال العقدين الماضيين من حكم العدالة والتنمية، قطعت شوطا كبيراً في مضمار بناء قدراتها الذاتية واستقلال قرارها الوطني، ونجحت في التحرر من مواريث الانقلابات والتدخل العسكري في السياسة، والتخلص من النفوذ الأجنبي في المعادلة السياسية الداخلية، وفي تحقيق انتقال سياسي سلس نحو نظام رئاسي ضمن لها قدراً أكبر من الاستقرار السياسي، قياساً بالنظام البرلماني السابق، الذي كان يفتح المجال واسعاً أمام القوى الداخلية والخارجية للتدخل والعبث في الشؤون السياسية التركية.
من ناحية أخرى، فقد اضطلعت تركيا بملفات إقليمية ودولية، جعلتها في حالة تنافس واشتباك مع العديد من القوى الدولية، على رأسها الحرب الأوكرانية، والقضية السورية، والملف الليبي، والملف الأذربيجاني، والملفات الإفريقية المتعددة والمعقدة.
**انعكاسات التدخل الغربي الفج
في صورة لافتة ومثيرة للدهشة، لم تخف الصحافة الغربية، بمختلف أقطارها ومشاربها وأيديولوجياتها وتوجهاتها السياسية، عداءها المطلق للرئيس رجب طيب أردوغان، لدرجة أن اللوبونت الفرنسية شبهت أردوغان ببوتين، بينما نشرت دير شبيغل الألمانية كاريكاتيراً فيه هلال مكسور وعرش متصدع، ووجه متجهم لأردوغان.. أما صحيفة “ذا إيكونوميست” البريطانية فقد دعت الأتراك صراحة إلى التصويت ضد أردوغان في الانتخابات المقبلة، لأن هزيمته ستكون قيمة جيوسياسية ضخمة للغرب.
في الجهة المقابلة، كان زعيم المعارضة كمال كليتشدار أوغلو يعد في مقابلة مع هيئة الإذاعة العامة البريطانية “بي بي سي” في نفس الوقت بأن تركيا حال فوزه سوف تُعطي الأولوية للغرب وليس لروسيا.
التحولات الاستراتيجية على الساحة الدولية، والدوافع التي حكمت التوجه التركي نحو حلف الناتو، بما يعزز الهوية الغربية لتركيا كمدخل للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، والبحث عن ضمانات للدفاع والأمن، لم تعد إطاراً حاكماً للسياسات الخارجية التركية.
كما أن ازدواجية المعايير الغربية، ومقارباتها السلبية تجاه تركيا، دفعت نحو تشكيل قناعة لدى جزء كبير من الشعب التركي، بأن الشريك الأميركي ليس ثقة، ولا يمكن الاعتماد عليه في الأزمات، خصوصا بعد قرار سحب الباتريوت في ظرف حرج، وتواطؤ حلف “الناتو” مع قادة الانقلاب، وحماية الولايات المتحدة الأميركية لمدبره فتح الله غولن ورفاقه، ورفضها تسليمه لتركيا تمهيداً لمحاكمته.
ثم جاءت الفترة الرئاسية الثانية للرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، لتشكل نقطة اللاعودة في مسار التباعد بين الغرب وتركيا، خصوصاً بعد إصرار واشنطن على دعم الميليشيات الانفصالية الكردية في سوريا، والتي تعتبرها أنقرة تهديداً مباشراً لأمنها الاستراتيجي، والقرار التركي بشراء منظومة S 400 الروسية، إذ رأت واشنطن أن تركيا لا تلتزم بالمعايير الأمنية والاستراتيجية لحلف الناتو.
من جهة أخرى أدت التوجهات الداخلية والخارجية التي كرسها الرئيس أردوغان، من خلال اعتماده استراتيجية التوازن بين القوى الدولية الفاعلة، دون الانحياز لأي منها، إلى قدر من تضارب مع المصالح والتوجهات الاستراتيجية الغربية. بالرغم من المنافع الكبيرة التي تحققت بسبب الانفتاح التركي على جميع أطراف النزاع في أوكرانيا، خصوصاً في مجال الطاقة، وتأمين تصدير الحبوب وغيرها.
وإذا تخطينا الحذر الغربي من انعكاس آثار أي تدخل صارخ في الانتخابات التركية على بعض الملفات الاستراتيجية، كالحرب على الإرهاب، وملف اللجوء، وفاعلية الدور التركي في أوكرانيا، فإن الوقائع الآنفة الذكر تظهر سلبية الموقف الغربي من الرئيس رجب طيب إردوغان.
وإذا ربطنا هذا الموقف بالوثيقة المشتركة المنبثقة عن الطاولة السداسية، التي لا يخرج موقفها من الملفات الحساسة عن إطار مراعاة الغرب، وجعل العلاقة معه في سلم أولوياتها، إضافة إلى إفراد الصحافة الغربية مساحة لتحليل الواقع المتعلق بالعملية الانتخابية مع الإشارة إلى تركيز هجومها على النظام الرئاسي، وانتقاد سياسات الرئيس أردوغان تجاه الغرب، فإن ذلك يظهر أن المعركة الانتخابية التي يخوضها أردوغان لن تكون في مواجهة مرشح المعارضة زعيم حزب “الشعب” الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو فقط، وإنما في مواجهة منظومة تجمع بين عدد من الأحزاب التركية المعارضة، وتحالف غربي يريد التخلص من شخص أردوغان، صاحب القدرة الفائقة على توظيف الظروف الإستراتيجية المتاحة، لتحقيق استقلالية قرار تركيا السيادي، بما يضمن مصالحها وأمنها الاستراتيجي.
** الأثمان السياسية لتماسك الطاولة السداسية
لأول مرة في تاريخ تركيا، تجتمع أحزاب المعارضة، من مختلف التوجهات الأيديولوجية والسياسية، حول هدف واحد، هو إسقاط الرئيس أردوغان زعيم حزب العدالة والتنمية الحاكم، وصانع تحولات تركيا الحديثة. لكن سؤالاً يطرح نفسه بقوة، ما هو سر تماسك واستمرار تحالف الشعب، بالرغم من التناقضات البينية، وما هو الثمن السياسي الذي تم دفعه للمحافظة عليه ؟!.
من الواضح أن حجم المنح (الرشى السياسية) التي قدمت للأحزاب الصغيرة حديثة التشكيل، يفوق وزنها السياسي بأضعاف مضاعفة. إذ لا أحد يعلم على وجه التحديد ما هو الثقل السياسي الحقيقي لهذه الأحزاب، أحزاب “التقدم والديمقراطية” و”المستقبل” و”الحزب الديمقراطي” و”حزب السعادة”، التي لا تزيد نسبتها مجتمعة، على اثنين بالمئة من مجموع أصوات الناخبين، بحسب أكثر استطلاعات الرأي تفاؤلاً.
إذا ثمة قوى فوق سياسية، دفعت نحو تشكيل الطاولة السداسية، وتحالف الشعب، وبذلت ولا تزال جهودا كبيرة في سبيل تماسكه. تلك القوى نفسها التي أعادت ميرال أكشنار إلى الطاولة، بعد أن تركتها غاضبة، وفتحت نيرانها على كمال كليتشدار أوغلو، متهمة إياه بالفشل، بسبب إعلان ترشحه للرئاسة.
خلاصة، كثيرون داخلياً وخارجياً، في حالة ترقّب كبير لنتائج هذه الانتخابات، بحكم المكانة التي باتت تحتلها تركيا في المشهد الدولي الراهن، كدولة محورية في كثير من قضايا العالم والمنطقة، بفضل الإنجازات الكبيرة التي حققتها تركيا اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، بقيادة الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية، فهل سيمنح الشعب التركي فرصة إضافية لأردوغان حتى يكمل مشواره السياسي، أم يجرب المعارضة التي اتفقت على إسقاط أردوغان، لكنها أجلت/ رحلت كل شيء إلى مستقبل مجهول؟!..
——————————
ما الذي تسعى إليه تركيا من إنشاء “مركز تنسيق أمني” مع النظام السوري؟/ جلال بكور
أعلنت تركيا أخيرا التخطيط لإنشاء “مركز تنسيق ميداني” في سورية بالتعاون مع النظام السوري، وذلك في إطار التقارب التركي مع النظام برعاية روسية، وفي ظل التقارب العربي مع النظام السوري، لتطفو على السطح تساؤلات عن ماهية هذا المركز وأهدافه، وإمكانية تحقيق الفكرة.
وكان وزير الدفاع التركي خلوصي أكار قد قال، الأسبوع الماضي، في تصريحات للصحافيين، إن بلاده تخطط لإنشاء “مركز تنسيق ميداني” في سورية بالتعاون مع النظام السوري، وذلك بعد اجتماع موسكو الرباعي في إطار التقارب التركي مع النظام. وبحسب تصريحات الوزير التركي، يبدو أن هدف هذا المركز بالدرجة الأولى هو مواجهة “قسد”.
ويرى الباحث السوري وائل علوان أن المركز الذي أعلن عنه وزير الدفاع التركي “هو استمرار للخط الساخن الذي كان بين روسيا وتركيا وإيران سابقاً، واليوم سينضم النظام إليه، وهذا تطور عسكري يأتي بين تركيا والنظام بعد الاجتماعات الأخيرة بين هذه الأطراف في موسكو على مستوى وزراء الدفاع ومسؤولي الاستخبارات”.
وأضاف علوان، في حديث مع “العربي الجديد”، أن تركيا تحاول اليوم من خلال هذا المركز أن تضمن التزام النظام بوقف إطلاق النار في إدلب، وعدم استمراره في الخروقات تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، وتريد من النظام أن “يستجيب بشكل فعلي للجهود التركية في مكافحة الإرهاب، والمقصود بها المجموعات التابعة لحزب العمال الكردستاني في شمال وشرق سورية”.
ورأى المتحدث أن “تركيا تحاول ضمان واستقرار شمال سورية أمنياً وعسكرياً، لتكون هذه المنطقة مأوى يعود إليه اللاجئون بدل أن تكون طاردة لهم”، وذكر أن “موافقة النظام السوري على الدخول في هذا المركز تعني عدم مطالبته بالانسحاب التركي من شمالي سورية، ولقاء وزراء الخارجية يعني أن تركيا ضمنت أقل مطالبها قبل الدخول في التطبيع السياسي”.
هل يلتزم النظام؟
وفي إطار التقارب العربي مع النظام السوري، صرح وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بأنه ستكون هناك غرفة أمنية للتعاون مع النظام، وهي تماثل ما أعلن عنه أكار تحت مسمى “مركز تنسيق ميداني”، ومن المتوقع أن لا يلتزم النظام بالتعاون مع الجانبين، ومن المتوقع أن يستمر في تصرفاته.
وأشار علوان إلى أن “دخول النظام في مركز التنسيق يأتي بضغوط من روسيا التي تحاول إنجاح مسار التطبيع التركي مع النظام”، مضيفاً: “لا نتوقع من النظام الكفّ عن خرق وقف إطلاق النار، ولا اتخاذ خطوات ضد وحدات الحماية وحزب العمال، ولا اتخاذ خطوات تتعلق بعودة اللاجئين”.
أخبار
انطلاق الاجتماع الرباعي حول سورية في موسكو
ولا يعتقد الباحث أن تركيا ستلجأ إلى وسيلة ضغط على النظام السوري خارج العلاقات التركية الروسية، لأن طبيعة العلاقات بين الطرفين في العديد من الملفات تتيح لتركيا الضغط من خلال روسيا.
ومن المتوقع أن تؤثر إيران أيضاً على النظام السوري، بحسب علوان، و”تسعى طهران دائماً لعدم رضوخ النظام بشكل كامل للضغوطات الروسية التي تعارض مصالحها”.
يذكر أن العديد من الاتفاقيات التي وقعت بين روسيا وتركيا، بما يخص شمال غربي سورية، تتعرض للخرق بشكل متكرر من قوات النظام السوري والمليشيات التابعة له، وخاصة المليشيات المدعومة من إيران.
العربي الجديد
———————————-
تركيا والعالم: ماذا سيتغير بعد أردوغان؟/ محمد قواص
لا يمكن الوثوق باستطلاعات الرأي بشأن ما تتوقعه من نتائج للانتخابات التركية الرئاسية والتشريعية التي تجري في 14 أيار (مايو) الجاري (الدورة الثانية في 28). حتى أن حظوظ المرشحين تتغير، صعوداً ونزولاً، وفق توقيت اجراء الاستطلاع، وأحياناً وفق الشركة التي تجريه. ومع ذلك فحريّ أن نستطلع آفاق السياسة الخارجية التركية في حال أخرجت صناديق الاقتراع الرئيس رجب طيب أردوغان من قصره الرئاسي.
ليس يسيراً على المعارضة التركية الانقلاب على ما أنجزته حكومات حزب العدالة والتنمية منذ عام 2002 وفق الرؤى التي أرادها أردوغان في السياسة الخارجية لبلاده. يكفي تأمل كمّ الملفات التي انخرطت بها أنقرة خلال العقود الأخيرة في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا الوسطى وأوروبا وداخل ميدان الطاقة في شرق المتوسط كما العلاقة بين شرق غرب، لاستنتاج درجة تعقّد أي إدعاء بتفكيك الإرث الإردوغاني في الخارج.
في تركيا، وبعيداً عن بيئة حكم أردوغان وحزبه وأنصاره، مَن يعتبر، سواء قبلنا سياسات الرئيس التركي أم كرهناها، أن البلد بات رقماً صعباً في العلاقات الدولية، وأن كثيراً من القرارات التي اتُّخذت في عهد زعيم “العدالة والتنمية” مكّنت تركيا من لعب أدوار إقليمية ودولية، وأن مغامرة اللعب على حبال الولايات المتحدة والأطلسي من جهة وحبال روسيا والصين من جهة أخرى التقت، وربما بالصدفة، مع هذا النزوع الحديث نحو “الخيار الثالث” الذي برز خصوصاً إثر اندلاع حرب أوكرانيا، وانتهجته دول أفريقية وشرق أوسطية ناهيك بالهند وجنوب أفريقيا وتجمعات البريكس وشنغهاي..إلخ.
قد يكون صحيحاً أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قد “يستريحان” من أردوغان المثير للجدل في خياراته المعاندة للناتو، لا سيما تلك التي ذهبت إلى حدّ اقتناء منظومة صواريخ S-400 الروسية المصنوعة أساساً لاسقاط المقاتلات الأطلسية. صحيح أنه كانت للرئيس الأميركي جو بايدن مواقف معادية لأردوغان إلى درجة الإيحاء بدعم معارضيه للإطاحة به، لكن مواقف بايدن أفرجت عن خفّة وتسرّع (الحالة السعودية مثالا) قد تُقدِّم من حيث لا يدري عضداً لأردوغان أو تعايشاً مع أمره الواقع.
وقد يكون صحيحاً أن “الاتحاد” سيتخلّص من زعيم تركي استغرق في شنّ الحملات ضد أوروبا وقوداً لشعبوية مكّنته من حكم البلاد طوال هذه الفترة. لكن الصحيح أيضا أن ما يطرحه خصوم أردوغان يقوم أيضاً على قومية وعصبية وشوفينية قد تفتح صفحات توتر جديدة لا تنحصر بالنزاع التقليدي مع اليونان وقبرص فقط بل تنسحب على ما يرومه الاتراك الجدد من أوروبا والأوروبيين.
تعرف واشنطن أن تركيا لن تعود أطلسية بالمعنى الذي كانت عليه في عهود أتاتوركية سابقة، لا سيما في مراحل الحرب الباردة المندثرة. تدرك أن ما تحقّق من علاقات حميمية مع روسيا بات استراتيجياً لا يمكن لأي طقم سياسي جديد إدارة الظهر له.
صحيح أن المعارضة تَعِدُ بالعودة إلى برنامج المقاتلات الأميركية F-35 الذي طردت منه تركيا بعد إصرار أردوغان على اقتناء منظومة الـ S-400، غير أنه سيكون من الصعب على أي حكومة تركية جديدة إهمال الحلف مع روسيا بالتخلي عن منظومتها الصاروخية داخل الترسانة العسكرية التركية. وعلى أي حال لم يجرؤ أي موقف أو تصريح معارض على الجزم والحسم في هذا الموضوع.
لا شيء بإمكان حكم المعارضة الجديد أن يفعله في شأن العلاقة مع دول الحدود العربية. قطع أردوغان مراحل في مسألة تطبيع العلاقات مع النظام السوري ولم يعد بإمكان المعارضة اختراع ترياق أفضل مما لجأ إليه أردوغان برعاية موسكو لتصفير علاقات بلاده مع دمشق. ولن تتمكن المعارضة من ابتكار وعود في شمال سوريا تبتعد جذرياً عما هو معمول به وموعود به في شأن الوجود العسكري التركي في هذه المناطق لجهة “مكافحة الأرهاب” (الكردي المتمدد من “إرهاب” حزب العمال الكردستاني وفق الخطاب المعارض)، والعمل مع حكومة دمشق لعودة “طوعية آمنة” لأكثر من 3.5 ملايين لاجئ سوري إلى بلاده.
ينطبق الأمر نفسه على “الحالة التركية” في شمال العراق. فلا نصوص لدى المعارضة تتحدث عن سلوك آخر يختلف عما هو معمول به لمجابهة “المجموعات الإرهابية” بما في ذلك قصفهم وملاحقتهم واستهدافهم، على غرار القصف الذي تعرّض له مطار السليمانية شمال العراق في 7 نيسان (أبريل) الماضي في وقتٍ وجود قائد قوات سوريا الديموقراطية (قسد) مظلوم عبدي في داخله.
تتحدث المعارضة التركية عن خطط لسحب الآلاف من الجنود الأتراك من قطر والصومال وليبيا. لكن تلك الوعود الانتخابية قد تبقى انتخابية إذا ما استنتج الحكم الجديد مصالح استراتيجية لتركيا في استخدام الذراع العسكرية للإطلالة على عواصم ومناطق باتت، أياً كان شكل الحكم والحاكم في أنقرة، جزءاً بنيوياً من مصالح تركيا الاستراتيجية. فما هو متعارف عليه أن السياسة الخارجية في تركيا تصنعها الرئاسة والأجهزة الأمنية. فإذا ما أطلّ رئيس جديد من صناديق الاقتراع، فإن للجهاز الأمني والجهات الفاعلة داخله تأثيراً فعّالاً وربما أساسياً في السهر على استمرار السياسة الخارجية التركية.
يتبدى من مطالعة ما صدر عن المعارضة بشأن العلاقة مع دول الخليج خطاب مناكفة لا يتعدى حدود الحسابات الانتخابية. فما معنى أن تَعِد المعارضة بمراجعة العلاقات الجديدة التي نسجها حكم أردوغان مع دول الخليج وفي مقدمتها تطبيع العلاقات الكامل مع السعودية والإمارات، ناهيك بغياب “رؤية عربية” واضحة في السياسة الخارجية التركية الموعودة. صحيح أن الاردوغانية انتهجت على إثر “الربيع” العربي سياسات شابها توتر شديد في العلاقة مع العالم العربي عموماً، ومع مصر والسعودية والإمارات خصوصاً، وصحيح أن تركيا أفرطت في اللعب على التناقضات وانخرطت بشكل فجّ في خطوط انقسامات المنطقة، لكن أردوغان لم يترك للمعارضة شيئاً تصلحه في هذه العلاقات بعد أن نجح في ترميم كثير مما انكسر في علاقات أنقرة بالمحيط العربي.
سيكون من حقّ أحمد داود أوغلو منظّر حزب العدالة والتنمية ورئيس الحكومة الأسبق والذي أصبح معارضاً أن يتباهى باضطرار أردوغان للعودة إلى انتهاج نظريته: “تصفير المشاكل”. هو صاحب خبرة في الحكم كما زميله الذي انشق أيضاً عن الزعيم التركي علي باباجان. ومع ذلك لم يصدر عنهما كما عن كمال كليتشدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري مرشح تحالف “الطاولة السداسية” المعارض والذي قد يصبح رئيساً للبلاد، ما يفصح عن انقلاب حازم حاسم على الأردوغانية في السياسة الخارجية.
ستحافظ تركيا في السنوات المقبلة على علاقات متقدمة مع روسيا والصين مع التمسّك بخيارها الأطلسي والدفاع عنه. ستعمل على تطوير علاقاتها العربية، مع مصر والخليج بخاصة، وستداري بالأمن والعسكر والدبلوماسية توتراتها مع الجوارين السوري والعراقي. ستصون مجالها التركي في آسيا الوسطى فتجد لها المكانة بين النفوذ المتمدد لروسيا والصين والغرب هناك. ولن تنسحب بسهولة من إطلالاتها في ليبيا والصومال والقرن الأفريقي وطبعاً لن تتخلى عن طموحاتها في القارة السمراء. لن تتساهل في دورها في سوق الطاقة الواعدة في شرق المتوسط وقد تساعدها التفاهمات المحتملة مع القاهرة على ذلك.
لن يختار الناخب التركي حاكمَهُ الجديد بناء على سياسة خارجية لا يبدو أن شيئاً سيطرأ عليها سواء غاب أردوغان أم استمر حاكماً رغم أنف منافسيه.
النهار العربي
————————
عن تخوف وقلق السوريين المشروع من الانتخابات التركية/ أحمد رحال
ما من شك أن معظم اللاجئين السوريين بات لديهم تخوّف كبير من ارتدادات سلبية قد تعصف بهم مع ضراوة منسوب الصراع السياسي الذي يعم الشارع التركي خلال الانتخابات القادمة التي ستفتح صناديقها في منتصف أيار/مايو الحالي، والتخوف السوري ناجم عن مضمون التصريحات التي ترددها أحزاب المعارضة التركية التي تلتقي معظمها على هدف واحد يتمثل بطرد السوريين وترحيلهم من تركيا، باستثناء الحزب الحاكم الذي يتزعمه الرئيس الحالي أردوغان الذي يستخدم بدلاً من الترحيل مصطلح (العودة الطوعية)، لكن تلك الحملة والتصريحات غير المسبوقة، مع حالات تعدي ومضايقات حصلت لكثير من السوريين في تركيا، يمكن القول حتى الآن أنها فردية، ويبقى التخوف الأكبر لدى السوريين بانتصار زعامات تلك الأحزاب بالانتخابات وما يمكن أن يترتب على تلك النتائج من قرارات حيال اللاجئين السوريين.
بمعرض الحديث عن السوريين لابد من التذكير أن هناك أكثر من 230 ألف لاجئ سوري حصلوا على الجنسية التركية من أصل 3,7 مليون سوري لجؤوا إلى تركيا منذ عام 2011، وأن هناك حوالي 700 ألف ولادة لعائلات سورية في تركيا، وتلك الأرقام وردت بنشرة رسمية لوزارة الداخلية التركية وللوزير سليمان صويلو.
الشيء المؤكد وفق مصادر تركية أن الملف السوري سيكون على طاولة البحث في تركيا بعد الانتخابات وبغض النظر عن الفائز، وأن الوضع الحالي بات مرفوضاً تقريباً من قبل جميع الأحزاب، وهذا الواقع يأتي في ظل غياب أي حل للقضية السورية، كان يمكن أن يشكل أرضية لبيئة آمنة تسمح بعودة اللاجئين من دول الجوار (كما نصت القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والأمم المتحدة بشأن عودة اللاجئين السوريين),
في المقابل فإن المناطق التي تُعطى لها صفة “محررة” وتخضع للنفوذ التركي، لا تصلح للعيش الآمن، نتيجة الفوضى والفساد وغياب القانون وتسلط أمراء الحرب، وخاصة بعد أن شهدت الأعوام الأخيرة الكثير من الانتهاكات التي دفعت باللاجئين السوريين في الخارج للإحجام عن التفكير بالعودة لتلك المناطق التي تسيطر عليها إسمياً “الحكومة السورية المؤقتة”، لكن فعلياً مسيطر عليها من قبل مافيات وأمراء حرب، استباحوا المنطقة بعيداً عن تطبيق أي قانون أو مراعاة للنازحين والمهجرين الذين دفع بهم نظام الأسد للشمال السوري نتيجة آلته العسكرية، أو بسبب رفضهم البقاء في مناطق المصالحات الروسية وآثروا الرحيل للحدود التركية.
كذلك يعود سبب ارتباك وقلق اللاجئين السوريين في تركيا بسبب الزج بهم في ملفات تركية داخلية كان من الأفضل إبعادهم عنها، فقد اعتبرت الأحزاب المعارضة التركية أن السوريين باتوا سبباً أساسياً في تردي الأوضاع الاقتصادية في تركيا، ومتسببين في تراجع قيمة الليرة التركية، بل نسبت المعارضة التركية للسوريين الكثير من أسباب اجتماعية وأخلاقية تسببوا بها للمجتمع التركي، وكان يُفترض النأي بالسوريين عن تلك الملفات، لأن الأرقام والتقارير التي تقدّمها وزارة الداخلية التركية من حيث التعداد النسبي لجرائم ومخالفات السوريين، هي أقل بكثير مقارنة مع مثيلاتها في الشارع التركي، أما في الملف الاقتصادي فقد جاهر الكثير من الأتراك وتحدثوا عن مهارة العامل السوري, وعن حرفية ومهنية العمالة السورية ونشاطها ودورها البارز بتحريك عجلة الاقتصاد والصناعة التركية، أضف إلى ذلك أن رؤوس أموال رجال الأعمال السوريين والطبقة السورية المتوسطة في الشمال السوري ووسط البلاد قامت معظمها بنقل أرصدتها المالية وحتى أدوات إنتاجها من الداخل السوري إلى تركيا، وبات القائمون على الاقتصاد التركي يدركون تماماً أن هناك كتلة مالية ضخمة جلبها السوريون وباتوا يستثمرونها في الاقتصاد التركي، لكن تلك الأمور غابت عن معظم الأحزاب التركية وبات هدف ترحيل السوريين يأتي في مقدمة أولويات تلك الأحزاب، بل إن المرشح المعارض للرئيس أردوغان, كمال كالجدار الزعيم السياسي التركي وزعيم المعارضة ، ورئيس حزب الشعب الجمهوري, وضع هدف المصالحة مع بشار الأسد وترحيل السوريين في مقدمة وعوده الانتخابية.
لكن لو بحثنا في العمق لوجدنا أن المعارضة السورية تتحمل معظم المسؤولية عما آلت إليه أمور اللاجئ السوري في تركيا، عندما لم تكن تلك المعارضة حيادية في تعاطيها مع الوضع السياسي والحزبي في تركيا، وكان على متصدّري المشهد القيادي للمعارضة السورية بناء علاقات طيبة مع كل الأحزاب التركية، والوقوف على الحياد اتجاه كامل الملفات الداخلية، وعدم التحزب لطرف ضد طرف آخر في الداخل التركي، لكن مع مرور حوالي 12 عام من الوجود السوري في تركيا، فكل تواصلات وارتباطات المعارضة السورية السياسية كانت تدور في التموضع قرب حزب العدالة والتنمية الذي يقوده الرئيس أردوغان، والأحزاب التي تدور في فلكه أو تتحالف معه، وقد يكون هذا التموضع الخاطئ تسبب بدفع الأحزاب التركية المعارضة لاتخاذ مواقف حادة ضد اللاجئين السوريين، والمعارضة السورية، والوجود السوري في تركيا، وهذا الأمر يشكل قلق وخوف آخر ينتظر المعارضة السورية؛ فما كانت تحظى به تسهيلات من الحزب الحاكم الحالي، ستخسره حتماً إذا ما خسر الانتخابات، وقد يتم طردهم أيضاً من تركيا، أو يمنعون على الأقل من العمل كمعارضة سياسية ضد نظام الأسد على الأراضي التركية.
ومن المؤكد أن المعارضة التركية إذما ربحت الانتخابات ستعمل على ترتيبات سياسية وعسكرية محددة (وقد تكون بالتوافق مع نظام الأسد) تهدف لسحب الجيش التركي من الأراضي السورية، وجملة تلك الخطوات إذا ما تم اتخاذها، قد لا تؤثر على الداخل التركي أو الحكومة التركية الجديدة، لكن تأثيرها الكبير سيكون على السوريين في الشمال الغربي؛ فانسحاب الجيش التركي من داخل سوريا سيضع المنطقة في مهب الريح وتكون عرضة لفلتان أمني محفوف بكثير من الأخطار على النازحين والمهجرين، لأن المنطقة وبرغم كل ما قيل ويقال لا تُدار عبر مؤسسات حقيقية ولا يوجد قانون يحكم وينظم العلاقة بين القيادات الحكومية والعسكرية والمدنيين.
العلاقة مع نظام الأسد كانت في صميم الانتخابات وعمل الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة في تركيا، عندما دخلوا في سباق على من يصل لدمشق أولاً، فعلى إثر موعد حُدد للمعارضة التركية لزيارة الأسد في دمشق، استطاعت روسيا وبضغط من الرئيس أردوغان فرملة وإيقاف تلك الزيارة (عبر الضغط على حليفهم بشار الأسد) والدفع (بدلاً عنها) لمصالحة بين الرئيس أردوغان وبشار الأسد، لكن كانت هناك عوامل كثيرة منعت السير بملف التطبيع بين أنقرة ودمشق وأهمها العامل الإيراني الذي يفضل أن تعبر عملية التطبيع مع الأسد (عربياً وإقليمياً) عبر بوابة طهران وليس عبر بوابة موسكو، وأيضاً دمشق ارتأت تأجيل البت بعلمية التطبيع مع تركيا ريثما ينقشع ضباب الانتخابات فيها ومعرفة هوية الجهة التي يجب التفاوض معها، وإن كانت دمشق أساساً لا ترغب بتقديم هدايا مجانية لحزب العدالة والتنمية، وتفضل فوز المعارضة التركية للانتقام من الرئيس أردوغان وحزبه بسبب دعمهما للمعارضة السورية.
نورث برس
——————————–
كيف يريد النظام السوري أن تنتهي الانتخابات التركية؟
يُنظر إلى الانتخابات التركية، في إطار السياسة الخارجية، على أنها مصيرية في مسار “بناء الحوار” بين تركيا والنظام السوري وإعادة تفعيل العلاقات معه، بحيث ستكون نتائجها النقطة الفاصلة في إكمال هذا المسار ضمن الشروط المطروحة بين الجانبين.
وفيما تشهد العاصمة الروسية موسكو، حالياً، اجتماعاً لوزراء خارجية تركيا والنظام، وهو اللقاء الدبلوماسي الأول من نوعه بعد لقاء وزراء الدفاع، يبدو أن النقاط الخلافية الأساسية لا تزال قائمة بين الجانبين.
إذ يريد النظام من تركيا سحب قواتها بشكل كامل من الأراضي السورية، فيما تشترط تركيا القضاء على انتشار “الإرهاب” قرب حدودها، وتوفير أساس عسكري وسياسي لعودة اللاجئين.
النظام يريد رحيل أردوغان
يقول الباحث في معهد دراسات العالم العربي والإسلامي في فرنسا، توماس بيريت، إن أردوغان يستخدم عملية التطبيع مع النظام كخطوة انتخابية، وإذا بقي في السلطة، فلن يكون لديه سبب لدفع هذه العملية.
وفي حديثه لشبكة “BBC” بنسختها التركية، قال بيريت إن النظام السوري يدعم فوز المعارضة التركية بالانتخابات المقبلة.
وأضاف: “هل تريد الحكومة السورية رحيل أردوغان؟ نعم بالتأكيد. لقد كانت في حالة حرب مع تركيا في أوقات معينة خلال السنوات العشر الماضية. لقد قاموا بحملات منذ سنوات ضد ما يسمى بالغزو التركي لشمال سورية”.
وتابع: “لا جدوى من الاستمرار في التطبيع إذا فاز (أردوغان) في الانتخابات”.
من جانبه، قال مراد الشيشاني من خدمة “BBC” العربية، إن النظام السوري ينظر إلى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، كشخص يتدخل في بلاده ويدعم “الجماعات الإرهابية” ويقف في صف المعارضة السورية.
واعتبر أن النظام السوري والعديد من دول المنطقة يريدون رحيل أردوغان، وفوز المعارضة التركية.
ومع ذلك، فإن تركيا في وضع قوي للغاية بسبب علاقاتها الجيدة مع روسيا، بحسب الشيشاني، مضيفاً أن العلاقة بين سورية وتركيا ليست ثنائية الاتجاه، بل تتم عبر روسيا.
من ناحية أخرى، ذكر بيريت أن حكومة النظام السوري تعترف بـ”حزب الشعب الجمهوري” ومرشحه كمال كليشدار أوغلو، وسبق أن زارت وفوده النظام السوري عدة مرات وتبنى مسؤولوه خطاباً إيجابياً للغاية نحو النظام.
ومع ذلك يرى الباحث أنه في حال فوز “حزب الشعب الجمهوري”، سيحاول أيضاً تحسين علاقاته مع الغرب، وقد يتطلب ذلك نهجاً شديد الحذر عندما يتعلق الأمر بالمصالحة مع الأسد.
ماذا عن الشمال السوري؟
يرى الباحث في معهد دراسات العالم العربي والإسلامي في فرنسا، توماس بيريت، أن وضع “هيئة تحرير الشام” هو الأكثر تعقيداً، في حال خسرت الحكومة التركية الحالية الانتخابات.
وقال إن الهيئة “لديها اتفاقيات مع تركيا، وفي نفس الوقت لديها علاقات متوترة، خاصة أن للهيئة قادة على القائمة السوداء من قبل تركيا. وإذا فازت المعارضة في الانتخابات، فقد تظل هيئة تحرير الشام في موقف صعب”.
وبالتالي “يمكن أن تتجمع الفصائل السورية الخائفة من فقدان الدعم التركي مع هيئة تحرير الشام باعتبارها آخر قوة معارضة موثوقة”.
وبحسب بيريت، قد يغير بعض القادة السياسيين أو الدينيين أو العسكريين في صفوف قوى المعارضة مواقفهم عبر الانضمام إلى “هيئة تحرير الشام” في إدلب ، مضيفاً: “لقد حدث هذا بالفعل إلى حد محدود”.
ويسود تخوف في الشمال السوري من انسحاب القوات التركية على المدى القصير، في حال فازت المعارضة التركية بالانتخابات، بحسب تقرير “BBC”.
لكن الفوز في الانتخابات لا يعني بالضرورة أن المعارضة الحالية ستسحب قواتها من سورية، بحسب بيريت، معتبراً أنهم سيحتاجون إلى التفكير مرتين قبل سحب القوات، وهناك سببان رئيسيان لذلك.
الأول أن سحب القوات يمكن أن يؤدي لمشاكل، من بينها زيادة تدفق اللاجئين السوريين لتركيا في حال سيطر النظام على الشمال السوري.
والثاني أن مهمة الجيش التركي في سورية هي التعامل مع “وحدات حماية الشعب”، وتنظر أقسام من المعارضة التركية إلى الوحدات على أنها “تهديد وطني”، وبالتالي فإن أي حكومة تركية لا يمكنها سحب قواتها من سورية بين عشية وضحاها.
خطاب “غير واقعي” عن اللاجئين
تضع المعارضة التركية ترحيل اللاجئين السوريين كأبرز الملفات ضمن برنامجها الانتخابي، إذ قال المرشح كمال كلشدار أوغلو إنه في حال الفوز سيعيد جميع السوريين لبلدهم في غضون عامين كأبعد تقدير”.
وأضاف أنه سينسق ذلك بالتعاون مع حكومة النظام السوري.
وبهذا الصدد، قال مراد الشيشاني من خدمة “BBC” العربية، إن السوريين الذين يعيشون في تركيا قلقون من احتمال انتصار المعارضة، مشيراً إلى أن خطاب المعارضة التركية “عملي” لكنه “غير واقعي”.
فيما قال توماس بيريت إنه في حال فوز المعارضة التركية واتخاذها إجراءات لترحيل السوريين، فإن معظم السوريين لن يرغبوا بذلك وبالتالي فإن العودة ستكون قسرية، ما يعد انتهاكاً لحقوق الإنسان.
وأضاف أن ذلك “قد يعرض محاولات حزب الشعب الجمهوري لتحسين العلاقات مع الدول الغربية للخطر، وقد تثير هذه الخطوة رد فعل قوي من اللاجئين السوريين وأعضاء حزب العدالة والتنمية المعارضين آنذاك. كما أنه يخلق توترات شديدة مع قطر، على سبيل المثال”.
————————————-
نأمل أن يكون الأسد على رأس المهنئين لأردوغان بالفوز في الانتخابات الرئاسية/ رامي الشاعر
صرح وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان لدى وصوله موسكو اليوم الأربعاء لحضور الاجتماع الرباعي لوزراء خارجية روسيا وسوريا وإيران وتركيا، بأن إيران وروسيا جعلتا التسوية الدبلوماسية للقضية السورية ممكنة.
وبعد لقاء وزراء الخارجية للدول الأربعة صباح اليوم الأربعاء، والذي سبقته إجراءات مضنية بذلتها الدوائر الدبلوماسية في الدول الأربعة، يمكننا القول بأن كل الإجراءات قد تم إنجازها تمهيدا للقاء الرئيسين بشار الأسد ورجب طيب أردوغان، لا سيما البيان الذي صدر مؤخرا عن وزراء الخارجية العرب بخصوص المسار الجديد للتعامل مع سوريا وأزمتها، وعودة سوريا إلى أحضان الجامعة العربية، بعد تعليق عضوية سوريا لأحد عشر عاما، وذلك كله يبشر ببدء بذل الجهود في مساعدة سوريا للخروج من محنتها والتعافي في جميع المجالات وعلى رأسها الاقتصادي، والذي شملت تداعياته عامة الشعب السوري الذي لا زال يعاني مأساة إنسانية حقيقية بسبب العقوبات الجماعية المجحفة بحقه من قانون “قيصر” وغيره.
لقد انطلق قرار جامعة الدول العربية التاريخي من حرص الدول الأعضاء على أمن واستقرار الجمهورية العربية السورية، وعروبتها، وسيادتها، ووحدة أراضيها، وسلامتها الإقليمية، وسعيا لإيجاد مخرج للأزمة السورية يرفع المعاناة عن الشعب السوري، ويحقق تطلعاته المشروعة في الانطلاق نحو المستقبل، ويضع حدا للأزمة الممتدة التي تعيشها البلاد، وللتدخلات الخارجية في شؤونها، ويعالج آثارها المتراكمة والمتزايدة من الإرهاب والنزوح واللجوء وغيرها.
اليوم أصبح المطلوب من جميع السوريين التجاوب مع جميع الجهود المخلصة التي تبذل من أجل مساعدة بلدهم المأزوم، وتجاوز كل العقبات التي نتجت خلال 12 عاما، والعمل سويا من خلال الحوار السوري السوري لتجاوز وحل تلك العقبات كافة، وعدم وضع أي شروط مسبقة، فلا يجوز أن يكون بين السوريين، ممن اكتووا بنير الحرب الأهلية أن يضعوا اشتراطات أمام هذه الفرصة لعودة الدور العربي في مساعدتهم وعودة العلاقات السورية التركية.
إن عامة الشعب السوري يريد أن يعيش في أمان واستقرار وازدهار، ولا أعتقد أن تعنيه أي شعارات تطرح بتحميل المسؤولية والمحاسبة وغيرها. دعونا ننسى جراح الماضي، ولنفتح صفحة جديدة، يتم فيها مراعاة مصالح جميع مكونات وأطياف الشعب السوري، ونراعي في الوقت نفسه متطلبات حماية السيادة السورية ووحدة التراب السوري، ولنشرع في عملية تاريخية مهولة للتعافي الاقتصادي الذي يعد حجر الأساس للدولة السورية الجديدة، التي قررت البلدان العربية جنبا إلى جنب مع صيغة أستانا مساعدتها.
لا أعتقد أن بإمكان أي أحد في واشنطن أو تل أبيب اليوم الوقوف أمام إرادة الشعب العربي، في وسطه الشعب السوري، في عودة سوريا إلى حضن الأسرة العربية، أو عودة العلاقات التركية السورية إلى علاقات الجوار الطبيعية، ولا عودة العلاقات الدبلوماسية بين طرفي الخليج المملكة العربية السعودية وإيران، وليكن اسمه من الآن فصاعدا لا الخليج الفارسي أو العربي، بل خليج السلام والأمن والاستقرار.
إن ما نراه الآن هو تبعات الزلزال السياسي الذي نجحت فيه الصين وروسيا بجهودهما الدبلوماسية، ونجحت فيه تركيا وإيران وكذلك سوريا، ولقاء وزراء خارجية الدول الأربعة: روسيا وسوريا وإيران وتركيا هو خطوة شديدة الأهمية ستطال تداعياتها كل السوريين والعرب ومنطقة الشرق الأوسط بأسرها، وهو دعم حقيقي للقرار العربي الذي اتخذ قبل عدة أيام بمساعدة سوريا وشعبها، ودعم للمصالحة السعودية الإيرانية، وربما يكون مؤشرا لمنطقة شرق أوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل، وخالية من القواعد الأمريكية، وخالية من الصراعات والأزمات والحروب، وإيذان بالبدء الحقيقي لعالم جديد متعدد القطبية يتخلص من الولايات المتحدة الأمريكية بعقوباتها وتهديداتها وهيمنتها غير المبررة.
نأمل أن يكون الرئيس السوري بشار الأسد هو أول المهنئين للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بفوز مستحق في الانتخابات الرئاسية التركية المقبلة.
—————————
====================
تحديث 08 أيار 2023
————————
انتخابات تركيا تقترب.. ولا إجابات عن أسئلتها الكبرى/ محمود علوش
على بُعد أيام قليلة، وبالتحديد في نهاية الأسبوع الجاري، سيتوجّه ملايين الأتراك ممّن يحق لهم التصويت، ويبلغ عددهم أكثر من 64 مليون شخص، إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيس للجمهورية وبرلمان جديد.
كانت الحملة الانتخابية غير مسبوقة في تاريخ تركيا الحديث من حيث حدّة الاستقطاب السياسي والمجتمعي المرتفع والاتهامات المتبادلة بين المتنافسين. لقد استخدم التحالفان الرئيسيان في هذه الانتخابات، وهما “الجمهور” الحاكم، بزعامة الرئيس رجب طيب أردوغان، و”الأمة” المعارض، بقيادة منافسه للرئاسة كمال كليتشدار أوغلو، مختلف وسائل التأثير لمخاطبة الجمهور ومحاولة استقطاب الناخبين.
الآن، ومع اقتراب الحملة الانتخابية من نهايتها، هناك الكثير من الأسئلة الكبرى حولها لا تزال دون أجوبة واضحة. بمعزل عن استطلاعات الرأي التي أجرت شركات مقربة إما من الحزب الحاكم أو من أحزاب المعارضة، والتي أعطت نتائج متناقضة للغاية في ما بينها، فإن استطلاعات الرأي المستقلة، أجمعت على أن الأرقام التي سيحصل عليها المرشحان الرئاسيان البارزان، أردوغان وكليتشدار أوغلو، في جولة أولى أو ثانية، متقاربة للغاية، لدرجة أنّها قد لا تبقى ثابتة تماماً سوى قبل ساعات قليلة من التصويت.
على عكس معظم الاستحقاقات الانتخابية الرئاسية والبرلمانية التي جرت في العقدين الماضيين، والتي كانت أشبه باستفتاء على مستوى شعبية حزب “العدالة والتنمية” الحاكم وأردوغان، لأن المعارضة وقتها لم تكن قادرة حتى على خوض منافسة متكافئة مع الحزب الحاكم، فإن الانتخابات الحالية تبدو مختلفة بشدة. فهذه هي المرة الأولى التي تتوحّد فيها سبعة أحزاب معارضة، بينها ثلاثة أحزاب كبيرة (الشعب الجمهوري، والجيد القومي، والشعوب الديمقراطي الكردي) خلف مرشح رئاسي واحد بهدف هزيمة أردوغان. كما أنّها المرّة الأولى في عهد أردوغان، تُجرى فيها انتخابات في ظل ظروف صعبة اجتمعت مع بعضها البعض. شهدت البلاد قبل ثلاثة أشهر زلزالاً مدمّراً أدى إلى مقتل ما يقرب من خمسين ألف شخص في ولايات جنوب البلاد، فضلاً عن خسائر مادية تُقدّر بمئة مليار دولار أمريكي. كما أن التضخم يتجاوز في الوقت الحالي حاجز الأربعين في المئة، في وقت تراجعت فيه قيمة الليرة أمام العملات الأجنبية إلى مستويات قياسية. إذ يتأرجح سعر الدولار حالياً بين 19.5 و19.6 ليرة تركية.
لكنّ أردوغان سعى لمواجهة هذه الصعوبات عبر الإنفاق بسخاء على حزم التحفيز الاقتصادي. لقد قرر أكثر من مرة زيادة رواتب موظفي القطاع العام ورفع الحد الأدنى للأجور في الأعوام الأخيرة التي أعقبت بدء الاضطرابات الاقتصادية، خصوصاً بعد عام 2018، ومن المقرر أن تُرفع الرواتب مُجدداً هذا الأسبوع. كما تحدى وجهة النظر التقليدية الاقتصادية في مواجهة التضخم عبر خفض أسعار الفائدة بدلاً من رفعها بهدف خفض قيمة الاقتراض ومواصلة النمو الاقتصادي.
يُجمع كثير من المحللين على أن هذه الصعوبات الاقتصادية وتداعيات الزلزال كان لها أثر على شعبية الرئيس التركي، لكن لا يُمكن الجزم بحجمه. يقول الكاتب والمحلل السياسي التركي عمر كوش لـ “القدس العربي” إنه من الصعب تجاهل هذه التداعيات على شعبية أردوغان والحزب الحاكم “لأن الصعوبات الاقتصادية وارتفاع نسبة التضخم دفعت شريحة من الطبقة الوسطى إلى التعبير عن غضبها من السياسات الاقتصادية المتبعة في السنوات الأخيرة”. مع ذلك، لا يُمكن قول ما إذا كان هذا التراجع وصل إلى الحد الذي يُشكل تهديداً حقيقياً لحكم أردوغان.
يقول الصحفي التركي المعروف مراد يتكين، في مقال نشره مؤخراً على موقعه الإلكتروني، إنه “لا يمكن التكهن بأن الرئيس أردوغان سيخسر انتخابات 14 مايو”. ويضيف: “بالنظر إلى أن غالبية استطلاعات الرأي تتوقع وصول الانتخابات إلى جولة ثانية في 28 مايو، فإنه من غير المؤكد أن زعيم “حزب الشعب الجمهوري” كمال كليتشدار أوغلو سيحصل على 50+1 من الأصوات في الجولة الأولى”. إذا اضطرت البلاد لإجراء جولة إعادة رئاسية بعد أسبوعين من 14 مايو، فإن العوامل المؤثرة في المنافسة ستكون أكثر تعقيداً مما سيبدو الحال عليه في جولة أولى. فإلى جانب نسب التصويت التي سيحصل عليها المرشحون الرئاسيون الأربعة ونتائج الانتخابات البرلمانية، ستلعب الكتلة التصويتية المترددة دوراً حاسماً في ترجيح كفة الفائز في الرئاسة.
يخوض 4 مرشحين الانتخابات الرئاسية، وهم: الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان عن تحالف “الجمهور”، زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو عن تحالف “الأمة” المعارض، مُحرم إينجه رئيس حزب “البلد” المعارض، وسنان أوغان عن تحالف “الأجداد” المعارض، الذي يضم أحزاباً يمينية قومية متشددة. وسيتعين على أحد المرشحين الحصول على أكثر من خمسين في المئة من الأصوات للفوز في الجولة الأولى، أو الحصول على أكثرية الأصوات في جولة إعادة محتملة يعبر إليها مرشّحان فقط. يقول الدكتور سمير صالحة، وهو أستاذ جامعي تركي، لـ “القدس العربي” إنه في جولة إعادة محتملة، “قد يدعم جزء من الكتلة القومية في المعارضة أردوغان بدلاً من كليتشدار أوغلو”.
شكل البرلمان
سؤال آخر لم تُقدم استطلاعات الرأي المستقلة إجابة واضحة عنه، وهو الشكل الذي سيكون عليه البرلمان الجديد. في حين أن بعض هذه الاستطلاعات أعطت أفضلية طفيفة لتحالف “الجمهور” للحصول على أكثرية أعضاء البرلمان، فإن استطلاعات أخرى، توقّعت ألا يتمكن التحالف الحاكم من الحصول على أكثر من 300 عضو من أصل 600، لكنّها أشارت أيضاً إلى أن تحالف “الأمة” المعارض لن يتمكن بمفرده من تحقيق هذه الأكثرية، ما يعني أنّه سيكون بحاجة للدخول إلى تحالف مع “حزب الشعوب الديمقراطي الكردي” في البرلمان من أجل الوصول إلى الأكثرية.
إن تحقيق أكثرية أو غالبية للمعارضة يُشكل ضرورة لها لأنها كي تتمكن من تغيير النظام الرئاسي وإنشاء نظام برلماني مُعزز، كما وعدت في مشروعها للحكم، سيتوجب عليها الحصول على 360 نائباً من أجل تمرير التعديل الدستوري في البرلمان، أو 300 نائب من أجل طرح مشروع تعديل الدستور على الاستفتاء الشعبي العام.
سيتنافس في الانتخابات البرلمانية 24 حزباً سياسياً، و151 مرشحاً مستقلاً، لكن المنافسة ستتركز بشكل أساسي بين تحالفي “الجمهور” و”الأمة”. وسيكون برلمان جديد غير واضح من حيث موازين القوى فيه وصفة لحالة عدم استقرار سياسي قد تدفع البلاد نحو إجراء انتخابات مبكرة.
القدس العربي”
———————–
زعيم المعارضة التركية والمتاجرة بملف اللاجئين السوريين/ إحسان الفقيه
كسائر الشعوب التي تشهد انتخابات رئاسية وبرلمانية، ينظر الشعب التركي إلى تلك الانتخابات نظرة مفاضلة، بين من خضع للتجربة، ومن يعد بتجربة أفضل، بين المألوف والمأمول، وتدفع وراء ذلك بلا شك الأيديولوجيات والتوجهات الفكرية والسياسية. لكن هناك حوالي أربعة ملايين لاجئ سوري في تركيا، ينظرون إلى هذه الجولات الانتخابية على أنها قضية وجود وحياة، لا خيار لهم في المفاضلة، فكل أمنياتهم متعلقة بفوز أردوغان وحزبه، لاستئناف حياتهم داخل تركيا، رغم مصاعبها ومشاقها.
اللاجئون السوريون داخل تركيا يعلمون أن إخفاق هذه الجهة في الانتخابات يعني أن يصيروا في مرمى تهديدات زعيم المعارضة رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو، الذي دأب على أن يطلق وعوده، أو وعيده بترحيل السوريين خلال فترة عامين، إذا ما أسفرت الانتخابات عن فوزه، ثم يؤكد على ذلك في هذه الفترة التي يترقب فيها العالم بأسره مسار هذا الاستحقاق الانتخابي الذي نشهده بعد عدة أيام.
زعيم المعارضة يحاول تجميل هذا الوعد، أو الوعيد، بأنه سوف يخضع لآليات تضمن سلامة عودة اللاجئين إلى ديارهم في سوريا، وهو بالتأكيد كلام دعائي إنشائي لا يمت بصلة للواقع، الذي يُحتّم أن تكون هناك حياة سياسية وحزبية هادئة يمارس فيها الشعب دوره في حكم البلاد، قبل عودة اللاجئين، لكن بالنظر إلى الحكم الاستبدادي القمعي، وانعدام أفق الديمقراطية في سوريا، يمكن القول بيقين إن العودة الآمنة للاجئين مستحيلة. زعيم المعارضة وحلفاؤه يضغطون بقوة بورقة اللاجئين منذ فترة طويلة، وأدرجوا دعوات ترحيل السوريين في برامجهم الانتخابية، واعتبار اللاجئين سارقي قوت الأتراك، وأن وجودهم هو أحد كوارث نظام أردوغان، وأتى على حساب الحالة الاقتصادية لتركيا، وأنهم جزء من تلك الأزمة التي داهمت اقتصاد تركيا، وترتب على هذا الترويج، العديد من الحوادث العنصرية، وهو ما أرادت المعارضة إثارته لإضعاف شعبية العدالة والتنمية. مع أن الواقع يشهد بأن اللاجئين السوريين يعيشون في تركيا كثروة بشرية منتجة، يعملون ويكدون ويأكلون من عرق جباههم، وكثير منهم يستثمر في مشروعات داخل تركيا، إضافة إلى أنهم بعيدون عن مزاحمة الأتراك في الوظائف الحكومية، التي تكون لأبناء الدولة.
هذا الإصرار من قبل زعيم حزب الشعب على إدراج قضية ترحيل اللاجئين السوريين في قلب الدعاية الانتخابية، يثير التساؤلات حول المغزى من ذلك، ولماذا يعتبرها قضية مصيرية إلى هذا الحد؟
نستطيع أن ندرك المغزى من خلال النظر في واقع النظام الحاكم والمعارضة، فالنظام الذي يقود تركيا منذ عقدين له رصيده من الإنجازات في الواقع، فلو اقتصر زعيم المعارضة على وعود انتخابية بالارتقاء بالاقتصاد التركي والأحوال المعيشية للأتراك، فسوف يكون مجرد وعود إصلاحية مأمولة مقابل رصيد واقعي، فبالتالي لن يجتذب هذا الطرح الناخبين، لكنه في ما يتعلق بقضية اللاجئين يتعهد بترحيلهم لتخفيف العبء الاقتصادي على الدولة، وليتنعم الأتراك بمواردهم من دون شراكة، وذلك بعد أن جاهد بشدة لربط وجود السوريين بالأزمة الاقتصادية، ومن ثم يمكن أن يرى الأتراك في هذا الأمر حلا عاجلا للأزمة، باعتباره هدفا قريبا للغاية. وبالنظر كذلك إلى توجهات التركيبة السكانية يمكن أن نفهم المغزى، فمثل هذه الوعود التي أطلقها كليتشدار أوغلو بترحيل اللاجئين، سوف تجتذب شرائح واسعة من الناخبين أصحاب الاتجاه القومي، الذين لا تتجاوز اهتماماتهم هذا الإطار القومي، ولا يكترثون بالعمق العربي وميراث المزيج الحضاري بين العرب والأتراك، ولا بالهوية الإسلامية الجامعة، ويشاركهم هذه النظرة أيضا العلمانيون الأتراك، الذين يجتذبهم مثل هذا الطرح. السبب الآخر يتمثل في كوْن ملف اللاجئين السوريين جزءا من ملف أشمل يتعلق بموقف العدالة والتنمية من الأزمة السورية والصراع الدائر على أرض سوريا بين نظام بشار والمعارضة، فأحد أبرز الأمور التي يطرق عليها زعيم حزب الشعب وحلفاؤه، التنديد بدعم أردوغان للمعارضة وعدم التزام الحياد، واعتباره تدخلا سافرا في شؤون الدول يضر بالأمن القومي التركي والمصالح التركية، فيما تعهد زعيم المعارضة بإعادة العلاقات وتطبيعها مع نظام الأسد حال فوزه، ومن ثَمّ لا يمكن فصل مسألة اللاجئين عن الملف العام للشأن السوري الذي تتعامل معه المعارضة. ومن الأسباب أيضا، أن قضية ترحيل اللاجئين ورقة رابحة في يد زعيم المعارضة لابتزاز الاتحاد الأوروبي، الذي يطمع في الخلاص من هذا الخطر الحدودي الذي يهدده، وأعني خطر احتمالات تدفق اللاجئين إلى أوروبا من خلال البوابة التركية، فعلى الرغم من أن هناك اتفاقا بين أوروبا والحكومة التركية بشأن اللاجئين، إلا أن أوروبا لم تنفك عن استشعار الخطر، ولذلك سيكون في ترحيلهم درءا لهذا الخطر كلية، ومن ثم يطمع زعيم الشعب الجمهوري في الدعم الأوروبي تحت هذه المظلة.
ومن جهة أخرى، سيسعى كمال كليتشدار ـ حال فوزه ـ إلى ابتزاز الاتحاد الأوروبي لدعمه في بناء المدارس والطرق والمنازل للسوريين في بلدهم، والمستفيد من الدعم هو الحكومة والمقاولون الأتراك الذين سيتولون عمليات الإنشاء والبناء وإعادة الإعمار بدعم أوروبي، وقد أطلق الرجل تهديده للاتحاد الأوروبي بشكل علني في هذا الشأن، حيث قال: «إن لم يقدم الاتحاد الأوروبي الدعم اللازم، فلن أحتفظ بهؤلاء الناس (يعني السوريين) هنا، بل سأفتح الحدود وليذهبوا إلى أي مكان يريدونه»، وهو تهديد صريح بمرور اللاجئين السوريين إلى قلب أوروبا حال تخلي الاتحاد الأوروبي عن دعمه.
إنه لأمر مؤسف أن يكون مصير اللاجئين السوريين الفارين من بطش بشار، مرتهنٌ باستحقاق انتخابي للبلد المضيف، لذلك يبتهل السوريون إلى فوز أردوغان وحزبه أملا في البقاء على الأراضي التركية، فهم يعلمون تماما ذلك المصير الأسود الذي ينتظرهم في بلادهم حال عودتهم، في ظل حكم بشار الأسد، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
كاتبة أردنية
—————————–
هل ترضي إنجازات أردوغان الناخب التركي؟/ أحمد ذكر الله
لا صوت يعلو فوق صوت الانتخابات التركية المقرر إجراؤها يوم 14 مايو/ أيار الجاري، ليس فقط داخل تركيا ولكن في العديد من الدول الأخرى، ولا نبالغ إذا قلنا إن دول الاتحاد الأوروبي في مقدمتها، فبعد 20 عاماً كاملة في الحكم يواجه حزب العدالة والتنمية منافسة شرسة من تكتل من أحزاب المعارضة، وفي مقدمتها حزب الشعب الجمهوري الذي أزاحه أردوغان عن الحكم بعد سيطرة تاريخية على مقاليد البلاد للعديد من العقود السابقة.
وتتسلل المعارضة من نافذة اشتعال فتيل التضخم في البلاد خلال العامين الأخيرين حتى لامس حدود 100% بنهاية العام الماضي، وتراجع المستوى المعيشي للفئات الدنيا والمتوسطة، وذلك على أثر التراجع المستمر لسعر صرف الليرة، بينما تستند حكومة أردوغان إلى سلسلة متصاعدة من الإنجازات الملموسة التي نقلت البلاد فعلياً إلى مصاف الدول صاحبة النموذج الاقتصادي والتجربة التي يمكن أن تحاكيها الدول المتطلعة للتنمية، وذلك على الرغم من العديد من الصعوبات التي من الطبيعي أن يواجهها النموذج التنموي للاقتصاد التركي المتجه نحو الصعود.
ويستند النموذج إلى تعظيم معدلات الاستثمار والتوظيف وفائض الحساب الجاري، ولعل ذلك ما يفسر إصرار الدولة التركية على سياسة خفض معدل الفائدة، في الوقت الذي تتجه فيه معظم البنوك المركزية حول العالم إلى سياسات نقدية متشددة.
وعلى الرغم من الصعوبات التي تواجهها الليرة فإن سرعة التعافي من تداعيات فيروس كورونا والنجاح في استثمار تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية لصالح الاقتصاد التركي واستمرار تصاعد مؤشرات الاقتصاد في أعقاب الزلزال المدمر الذي أصاب أكثر من ربع المساحة الجغرافية والإنتاجية للبلاد تؤكد بوضوح نجاح فلسفة نموذج ونهج حزب العدالة والتنمية.
والحقيقة أن حقبة حكم أردوغان نقلت تركيا إلى مكان ومكانة سياسية واقتصادية مرموقة لا يمكن تجاهلها، كما نجحت في رفع المستوى المعيشي والرفاهية للشعب التركي متغلبة على معظم المشكلات الاقتصادية الكبيرة الموروثة من فترات الحكم الممتدة لحزب الشعب الجمهوري، حتى بات الاقتصاد التركي إنتاجياً، يكتفي ذاتياً زراعياً وصناعياً بنسب كبيرة، بالإضافة إلى انتشاره وتوازن توزيعه على كامل أراضي الدولة، علاوة على قدراته التنافسية الدولية العالية والتي ترسخت بفضل بنية مواصلات واتصالات موضعت تركيا كمحطة عملاقة لتخزين وتوزيع الحبوب والغاز عالمياً، وصب كل ذلك في ترسيخ صورة ذهنية شديدة الإيجابية عن الدولة التركية شكلت داعماً لتوافد عشرات الملايين من السياح نحو البلاد التي أضحت واحدة من أكبر عشر وجهات سياحية عالمية.
رفع الحد الأدنى للأجور لمواجهة التضخم
لم تقف الحكومة التركية موقف المتفرج تجاه التصاعد المحموم لمعدلات التضخم في البلاد، بل بادرت برفع الحد الأدنى للأجور مرات عدة، ووفقاً لتصريح أردوغان ” لن نترك مواطنينا فريسة للتضخم”، وفي مطلع العام الحالي أعلن الرئيس التركي رفع الحد الأدنى للأجور إلى 8 آلاف و506 ليرات (نحو 455 دولاراً) اعتباراً من بداية يناير/ كانون الثاني 2023، وبذلك بلغت الزيادة في الحد الأدنى 100% مقارنة بيناير الماضي و54.66% مقارنة بتموز/ يوليو الماضي، كما بلغ متوسط الزيادة السنوية بلغ 74.43%.
لم يكتفِ الرئيس بذلك، بل أعلن عن زيادة جديدة متوقعة في منتصف العام الحالي حيث من المتوقع أن يبلغ الحد الأدنى ما يزيد عن عشرة آلاف ليرة، وتشير تلك الزيادات إلى حرص كبير من الإدارة التركية على رفع الأعباء التضخمية عن كاهل المواطنين، خاصة أن الزيادة تطبَّق على القطاعين الحكومي والخاص، وكذلك جاءت تلك الزيادات على الرغم من التراجع الملحوظ لمعدلات التضخم في البلاد والتي تناقصت إلى أقل من 50% خلال الشهرين الماضيين.
ضخ الغاز مجاناً في الشبكة المحلية
بعد تشكيكات واتهامات صريحة من المعارضة التركية في حقيقة اكتشافات الغاز في البحر الأسود والتي أعلنت عنها الحكومة خلال السنوات 2020-2022، أقدمت الحكومة على ضخ الغاز وللمرة الأولى في التاريخ في شبكة الاستهلاك المحلى، وبلغت احتياطيات الغاز الطبيعي المكتشفة في البحر الأسود 710 مليارات متر مكعب، وهي كميات تكفي استهلاك المنازل التركية طوال 35 عاماً كاملة، وذلك من خلال إنتاج 10 ملايين متر مكعب من الغاز يومياً من 10 آبار في المرحلة الأولى، و40 مليون متر مكعب يومياً من 40 بئراً في المرحلة الثانية.
وتنبع أهمية اكتشافات الغاز في تركيا من عدة أمور، أولها فشل حكومات المعارضة المتتابعة في الاكتشاف بل تأكيدها مع حلفائها الغربيين انعدام وجوده على الأراضي التركية، وثانيها أنه جاء بأيادٍ تركية خالصة وبسفن تنقيب مصنوعة محلياً، وبالتالي لا حصة للشركاء الأجانب، وثالثها تخفيض فاتورة واردات الطاقة التركية والتي تبلغ 40 مليار دولار سنوياً لا شك في أنها تؤثر سلباً بشدة على الميزان التجاري وبالتالي على استقرار العملة المحلية.
وابتهاجاً بذلك أعلن الرئيس التركي عن مجانية الغاز التركي المخصص للاستهلاك المنزلي لمدة شهر في عموم الجمهورية، وتكاملاً مع ذلك أكد أن بلاده دخلت نادي دول الطاقة النووية في العالم، عبر محطة أكويو في ولاية مرسين، عقب تزويد المحطة بأول وقود نووي، وستدخل المحطة الخدمة تباعاً حتى عام 2028، بقدرة تصل إلى 4800 ميغاوات وتوفر 10% من احتياجات تركيا من الكهرباء.
أردوغان يراهن على إنجازاته
يعول أردوغان وحزبه في الانتخابات الحالية على الإنجازات المشهودة التي قام بها خلال فترة حكمه، كما يعول على مجموعة واسعة ومتنوعة من المشروعات التي يقوم بافتتاحها يومياً خلال الفترة الأخيرة، وخلال الأربعين يوماً الأخيرة افتتح أكثر من 20 مشروعاً لا يتسع المجال لذكرها جميعاً، ومنها علي سبيل المثال في مجال الصناعات الدفاعية الصاروخ الذكي “بيرقدار كمانكش”، والتحليق الناجح للمروحية الهجومية التركية الثقيلة “أتاك 2″، بالإضافة إلى سفينة “تي سي جي أناضولو” أول حاملة طائرات هجومية في العالم، والتي أتاحت الحكومة للجماهير التركية زيارتها.
كما افتتح مركز إسطنبول المالي الذي بدأ تشييده عام 2013، وترى الإدارة التركية أنه سيعزز مكانة تركيا في الاقتصاد العالمي ويجعلها مركزاً مالياً إقليمياً وعالمياً في المستقبل، وافتتح كذلك مدينة طبية جديدة في ولاية قوجه إيلي شمال غربي البلاد، التى تبلغ سعتها 1218 سريراً، وذلك في إطار انتهاج الدولة بناء سلسلة من المدن الطبية مكنتها من شغل موقع مرموق بين أكبر البلدان جذباً للسياحة العلاجية حول العالم.
ومن اللافت كذلك أنه بعد تدشين السيارة التركية “توغ” منذ أسابيع قليلة بمكونات محلية تزيد عن 80% حرص أردوغان ووزراؤه على الترويج لها بأنفسهم ليس من خلال قيادتها فقط وإنما غسلها أيضاً، كما فعل وزير الصناعة التركي، بعد بدء بيعها في السوق المحلية واستعداداً لطرحها للتصدير بداية من عام 2025.
إنجازات أردوغان تتحدث عن نفسها ولا يعني ذلك إطلاقاً عدم وقوعه في أخطاء، أو أنّه لم يعد لديه ما يقدمه، فمن المؤكد أن الرئيس وحزبه قدّما تجربة غنية وعميقة على المستويين السياسي والاقتصادي، حلّقا من خلالها بالدولة التركية إلى نموذج تتطلع الكثير من الشعوب الكادحة إلى تحقيقه، ورغم المنافسة الشرسة في الانتخابات الحالية والتي هي من طبائع الدول الديمقراطية فإنّ الإنجازات من المؤكد أن تحدث الفارق الانتخابي.
العربي الجديد
————————-
الناخب التركي قد يصدم الجميع!/ سمير صالحة
تبدأ عملية الاقتراع للانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا، صباح الأحد المقبل. حول المعركة البرلمانية سيتم تقاسم المقاعد حسب النسب التي تعلنها الصناديق مصحوبة بشرط تجاوز نسبة 7 بالمئة من الأصوات لمن هم خارج التحالفات الحزبية. شبه إجماع على أن تحالف المعارضة بالتنسيق مع حزب الشعوب الديمقراطية ستكون له الأغلبية البرلمانية، لكنها ستكون أغلبية ضعيفة لا تمنحه تعديل الدستور أو حتى الذهاب إلى استفتاء شعبي . المنافسة الحقيقية ستكون في الانتخابات الرئاسية. ففي حال عدم تمكن أحد المرشحين الأربعة لمعركة الرئاسة من الحصول على نسبة 50 +1، من مجموع الأصوات في الجولة الأولى ستكون هناك مواجهة الإعادة بين المتنافسين اللذين حصلا على أكثر نسبة من الأصوات في 28 أيار المقبل. المعني هنا هو الرئيس رجب طيب أردوغان مرشح تحالف الجمهور وكمال كيلتشدار أوغلو مرشح تحالف الأمة والمدعوم من قبل حزب الشعوب الديمقراطية صاحب النفوذ الشعبي الأوسع في مناطق جنوب شرق تركيا.
خصوصية الانتخابات هذه المرة تتقدمها المنافسة الحزبية والقيادية ولكن تحت عنوان التحالفات الواسعة ومطلب التمسك بالنظام الرئاسي كما يريد تحالف الجمهور، أو العودة إلى النظام البرلماني كما تريد قوى المعارضة. لكن بين خصوصياتها أيضا وجود شريحة الشباب التي تريد أن تكون كتلة انتخابية ثالثة حيث يصل عددها إلى نحو 13 مليون ناخب تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عاما ويشكلون نسبة 18 بالمئة من مجموع الأصوات، تبحث عن فرصة تسجيل اختراق انتخابي بين لعبة توازنات الناخب التقليدي اليميني المحافظ واليساري الأتاتوركي.
إذا لم تحدث مفاجأة آخر لحظة وقرر محرم إينجة الانسحاب من المعركة الرئاسية مساء الجمعة المقبل لصالح كمال كليتشدار أوغلو بعدما تأكد له أن شعبيته تراجعت في الأسابيع الأخيرة، وأنه سيدفع ثمنا سياسيا باهظا وهو يغضب شركاء الأمس اليساريين والعلمانيين والأتاتوركيين في حزب الشعب الجمهوري.
وإذا لم يقرر سنان أوغان أن تمسكه بالمضي وراء معركة خاسرة لن يعطيه فرصة كسب القواعد القومية واليمينية المحافظة وسط كل هذه الأجواء المشحونة، وأن عليه التخلي عن المنافسة لصالح رجب طيب أردوغان.
وإذا بقيت أصوات حزب “إيي” الذي تقوده ميرال أكشينار (على حالها وفي تراجع) مخيبة آمال تكتل المعارضة في وصولها إلى الأرقام التي حصلت عليها قبل 5 سنوات بنسبة 10 بالمئة تحت سقف البرلمان أو 12 بالمئة في المعركة الرئاسية.
وإذا لم تلتزم قواعد حزب الشعوب الديمقراطية التي تحظى بنسبة 10 بالمئة من الأصوات بقرار قياداتها بدعم كليتشدار أوغلو وتبعثرت أصواتها في المعركة الرئاسية.
وإذا عجز أحد الطرفين في استمالة أصوات الممتنعين والمترددين والتي تصل إلى نحو 5 بالمئة وهي عادة لا تحسم قرارها سوى في اليومين الأخيرين.
وإذا ما احتسبنا نسبة الأخطاء الفنية وأصوات المرشحين الآخرين محرم إينجة وسنان أوغان وما أعلن حول متوسط 12 استطلاع رأي أجريت في شهر نيسان المنصرم تحدثت عن احتمال تقدم كليتشدار أوغلو على أردوغان بفارق أقل من نقطة من مجموع الأصوات.
(إذا كان ما سبق)فإن عدم حسم النتائج من الجولة الأولى قد يتحقق ونذهب مجددا إلى صناديق الاقتراع صباح 28 أيار المقبل للتصويت لأحد المرشحين أردوغان أو كليتشدار أوغلو.
نتيجة الجولة الثانية كما يبدو ستكون لصالح أردوغان بفارق 3 نقاط على أقل تقدير. فلماذا سترتفع أسهم أردوغان في الجولة الثانية؟
لأن المعارضة داخل المعارضة ما زالت قائمة خصوصا في صفوف أنصار محرم إينجة المعارضين لقرار ترشيح كليتشدار أوغلو منذ البداية ولرفض الأخير التنسيق مع إينجة ودعوته للمشاركة في الطاولة السداسية.
ولأن الناخب الداعم لإينجة قد يمتنع عن الذهاب إلى الصناديق في الجولة الثانية تحت ذريعة أن من دعمه في الجولة الأولى لم يفز. وهو ما قد لا يحصل بالنسبة لأنصار أوغان لأن غالبيتهم من اليمين المحافظ والقومي الذي لن يتردد في دعم أردوغان طالما أن المواجهة هي مع حزب الشعوب الذي يقف إلى جانب كليتشدار أوغلو ويعول عليه ليعطيه تنازلات سياسية مقلقة ومنفتحة على أكثر من احتمال.
ولأن نتائج الانتخابات البرلمانية ستكون قد حسمت وعرف كل حزب حصته تحت سقف مجلس النواب، ولم يعد هناك ما يلزم أنصار حزب ميرال أكشينار بدعم كليتشدار أوغلو، كما حصل في الانتخابات البرلمانية وشرط الوقوف وراء اللوائح المشتركة للحزبين. قواعد حزب “إيي” حتى ولو لم تصوت لأردوغان فهي قد تترك كليتشدار أوغلو وحيدا بسبب انفتاحه السياسي الواسع على حزب الشعوب الديمقراطية.
ولأن الناخب الداعم لتكتل المعارضة قد يرى ضرورة في وجود أردوغان على رأس الدولة حتى ولو لم يدعمه في الجولة الأولى. فاحتمال الذهاب وراء سيناريو توازن السلطات وتقاسم الأدوار وشراكة “الأخوة الأعداء” قد يكون مطلب الناخب في جولة الإعادة خصوصا إذا ما فازت المعارضة في الأغلبية البرلمانية. وهنا ستعلن الصناديق أنها تريد أن ترى “التعايش الحزبي والسياسي” بين التكتلين لأن مصلحة البلاد تتطلب هذا التنسيق والتفاهم.
وبهذا يكون الناخب التركي قد حسم قراره على مرحلتين: الأولى مع الانتخابات البرلمانية في 14 أيار لصالح المعارضة. والثانية في معركة الإياب الرئاسية في 28 أيار لصالح أردوغان. الناخب بهذا الشكل يكون قد أجبر الطرفين على التقارب بعيدا عن الاصطفافات الحزبية والسياسية التي يرى أنها ستنعكس سلبا على مصالح البلاد إذا ما بقيت الأمور كما هي اليوم أولا. ثم يكون بذلك قد فتح الطريق أمام تعديلات دستورية مشتركة باتجاه مراجعة نواقص ومشكلات بنية النظام الرئاسي ثانيا، وألزم المعارضة بتقديم تنازلات تحول دون العودة إلى أخطاء ومشكلات النظام البرلماني قبل العام 2002 ثالثا.
الاعتراض على قرار الناخب كما رسم هو الخطة، ومحاولة “التمرد” عبر رفض هذا الخيار والذهاب وراء تأزيم الوضع السياسي والدعوة لانتخابات مبكرة خلال فترة زمنية قصيرة، سيحمل الطرف المسؤول عن ذلك الثمن الباهظ. على الداخل التركي أن يتريث لعامين على الأقل قبل الحديث عن انتخابات سابقة لموعدها. فالناخب يريد أن يرى تنسيقا رئاسيا وبرلمانيا واسعا لإخراج البلاد من أزماتها ولاختبار حالة سياسية حزبية في إطار هدنة تواكبها تفاهمات على الكثير من التغييرات والتعديلات الدستورية والإصلاحية في ملفات اقتصادية واجتماعية وحقوقية.
يشبه الناخب التركي على ضوء التجارب والحالات السابقة وإلى حد بعيد أنصار الفرق الرياضية. لا يعترفون سوى بمن يشجعون ويدعمون، وعند الخسارة يبحثون عن الأعذار والتبريرات بين تحميل المسؤولية للحكم ولساحة اللعب وللعارضة أحيانا. يخرجون من أجواء المباريات وبعد ساعات وأيام قليلة تهدأ الأمور ويتقبلون النتيجة ويبدؤون الاستعداد للمباريات المقبلة. عشرات الانتخابات جرت في تركيا واكبها الكثير من الرفض والانتقاد، لكنها انتهت بالخضوع لقرار الصناديق في النهاية. هذه المرة أيضا ورغم كل أجواء الشحن والتعبئة والتصعيد السياسي والإعلامي والاصطفافات الحزبية، سيرضخ الجميع لما تعلنه الهيئة العليا للانتخابات من أرقام رسمية بعد انتهاء عمليات الطعن والاعتراض. غير ذلك سيعني الخروج عن قرار الإرادة الشعبية وعدم احترام رغبة الأغلبية وتعكير الأجواء، وهو ما لن يغامر أي من الطرفين باللجوء إليه لأن ارتدادات ذلك ستكون مكلفة.
تلفزيون سوريا
——————————
السوريون وقضاياهم في البرامج الانتخابية للأحزاب التركية/ سمير العبد الله
في 14 أيار/ مايو 2023، ستكون تركيا على موعد مع انتخابات رئاسية وبرلمانية، وهي انتخابات مصيرية، بالنسبة إلى الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية الذي يحكم تركيا منذ عام 2002، ولا سيّما أنها تأتي في وقتٍ تعاني فيه تركيا مشاكل اقتصادية وارتفاعًا كبيرًا في نسبة التضخم، وتأتي أيضًا بعد الزلزال الذي ضرب تركيا في 6 شباط/ فبراير الماضي، وخلّف أكثر من 50 ألف ضحية، وسط دمار هائل في 10 ولايات تركيا، وخاصة ولايات كهرمان مرعش وهاتاي.
كما تأتي هذه الانتخابات في وقتٍ تلعب فيه السياسة الخارجية التركية دورًا فاعلًا، في العديد من القضايا في المنطقة، وخاصة في الملف السوري والليبي والأوكراني، فضلًا عن تأثيرها في الصراع الأذري الأرمني، وترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط، ولذلك فإن نتيجة هذه الانتخابات قد تترك أثرًا مباشرًا أو غير مباشر على كل تلك القضايا، وخاصة إذا فازت المعارضة وأرادت تغيير السياسة الخارجية التركية، وتترافق أجواء هذه الانتخابات مع وعودٍ تطلقها العديد من الأحزاب التركية لإعادة السوريين إلى وطنهم.
يشارك في الانتخابات 26 حزبًا، 13 منها ضمن 5 تحالفات انتخابية، و13 أخرى تدخل منفردة، وضمت التحالفات الانتخابية (تحالف الجمهور) (Cumhur İttifakı)، وتحالف الأمة (Millet İttifakı) أو ما يُتعارف عليه باسم (الطاولة السداسية)، وتحالف العمل والحرية (Emek ve Özgürlük İttifakı)، وتحالف اتحاد القوى الاشتراكية (Sosyalist Güç Birliği İttifakı)، وتحالف الأجداد (Ata İttifakı)، وسوف نتناول كل تحالف بالتفصيل، من حيث البرنامج والتوجّه والموقف من القضية السورية واللاجئين.
وبالنسبة للانتخابات الرئاسية، فهناك 4 مرشحين، هم الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، وهو مدعوم من أحزاب تحالف الجمهور وأحزاب صغيرة أخرى؛ وكمال كيلجدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري، وهو مدعوم من أحزاب تحالف الأمة وحزب اليسار الأخضر وأحزاب صغيرة أخرى؛ ومحرّم إينجه، وهو رئيس حزب الوطن Memleket Partisi))، وقد تمكّن من الترشّح بعد أن جمع أكثر من 100 ألف توقيع؛ وسِنان أوغان، وهو أيضًا نجح في جمع أكثر من 100 ألف توقيع، وهو مدعوم من “تحالف الأجداد”، وفي حال عدم تمكّن أي من المرشحين من الحصول على 50+1 من الأصوات، سيكون هناك جولة ثانية في 28 أيار/ مايو 2023، بين المرشحَين اللذين حصلا على أكبر نسبة من الأصوات.
وتُعدّ القضية السورية من المسائل المهمّة في السياسة التركية الداخلية والخارجية، لما لها من تأثير على الصعيد الداخلي وعلى السياسة التركية في المنطقة، وكانت القضايا المرتبطة بالسوريين قد شكّلت جدلًا كبيرًا في تركيا في السنوات الأخيرة، سواء قضايا اللاجئين السوريين في تركيا، أو ما يرتبط بها من قضايا، مثل عودة اللاجئين السوريين لوطنهم، وتجنيس السوريين ومستقبلهم في تركيا، وكذلك العمالة السورية، وغيرها من القضايا التي أرادت بعض أحزاب المعارضة استغلالها، لاستقطاب الشارع التركي، ولانتقاد حكومة العدالة والتنمية التي حاولوا تحميلها كامل المسؤولية عن تلك القضايا[1].
كان من المتوقّع أن تكون القضايا المرتبطة بالسوريين ضمن ثلاث قضايا أساسية، ستتضمنها برامج الأحزاب الانتخابية بشكل موسع ومفصل، مع الاقتصاد والنظام ونظام الحكم (برلماني/ رئاسي)، لولا أن جاءت كارثة الزلزال، فتراجعت لصالح القضايا المرتبطة بالاقتصاد، وشكل الحكم المستقبلي في تركيا، لكن بعض الأحزاب المعارضة ما زالت تسعى لجعلها القضية الأولى والأساسية، وخاصة “حزب النصر” وزعيمه أوميت أوزداغ، والمرشح الرئاسي سنان أوغان، المدعوم من الحزب نفسه، حيث إنهما يركزان في حملتهما الانتخابية على مسألة عودة السوريين إلى وطنهم، حتى إنّ سنان أوغان قال إنه سيعيد السوريين، ولو بالقوة[2].
يمكنكم قراءة البحث كاملًا والاطلاع على كافة التفاصيل بشكل موسع من خلال الضغط على علامة التحميل أدناه:
[1] – سمير العبد الله ومحمد طاهر أوغلو، مواقف الأحزاب التركية من السوريين المقيمين في تركيا وقضاياهم، مركز حرمون للدراسات المعاصرة، تموز/ يوليو 2022، موجودة على الرابط التالي: https://bit.ly/3JjgJeL
[2] – سنان أوغان: سنرسل لاجئين سوريين بالقوة إذا لزم الأمر، T24، تاريخ النشر 20 نيسان/ أبريل 2023، تمت المشاهدة بتاريخ 26 نيسان/ أبريل 2023 في: https://bit.ly/3NaMbhw
مركز حرمون
——————————–
======================
تحديث 06 أيار 2023
—————————-
السوريون في تركيا بين المطرقة والسندان: مواقف الأحزاب التركية من اللاجئين السوريين والعلاقة مع نظام الأسد
مركز الحوار السوري
تَستعدّ تركيا لإقامة انتخاباتٍ تُعد واحدة من أهم الأحداث في تاريخها منذ تأسيس الجمهورية؛ إذ يواجه حزبُ العدالة والتنمية الحاكمُ منذ أكثر من 20 عاماً تحدياً صعباً في الاستمرار بالحكم لخمس سنوات إضافية، لاسيما بعد أزمة اقتصادية كبيرة وزلزال مدمّر تسبّب بموت نحو 50 ألف شخص وبخسائر مادية هائلة.
وإضافة إلى أهمية هذه الانتخابات من الناحية السياسية فإن لها رمزية كبيرة بسبب تزامنها مع الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية، وبدأت جميع الأحزاب باستغلال هذه الرمزية في دعاياتها الانتخابية.
بدأ موضوع اللاجئين السوريين يأخذ حصة كبيرة من اهتمام الساسة والأحزاب التركية في انتخابات عام 2018، ومن ثم تزايد الموضوع في الانتخابات البلدية عام 2019[1]، ومع اقتراب موعد الانتخابات في تركيا هذا العام يعود موضوع اللاجئين السوريين والمهاجرين من جنسيات أخرى ليكون أحد أهم محاور الوعود الانتخابية، كما بدأت وسائل الإعلام بنشر الأخبار المتعلقة بهم بكثافة شديدة، سواءٌ كانت حقيقية أو مفبركة؛ مما يؤدّي إلى تشكّل رأي عام حولهم يدعم وجهات نظر الأحزاب السياسية.
نستعرض في هذا التقرير مواقف التحالفات السياسية المختلفة والأحزاب المنضوية تحتها من اللاجئين السوريين والقضية السورية والتطبيع مع نظام الأسد؛ ويتضمن ذلك الوعود الانتخابية المنشورة في برامج التحالفات والأحزاب، بالإضافة إلى التصريحات والوعود الإعلامية للشخصيات البارزة في هذه الأحزاب.
وتشارك في هذه الانتخابات 5 قوى رئيسة توزعت بين التحالفات والأحزاب التالية:
أ- تحالف الجمهور (الحاكم) Cumhur İttifakı:
حزب العدالة والتنمية Adalet ve Kalkınma Partisi (AK Parti)
حزب الحركة القومية Milliyetçi Hareket Partisi (MHP)
حزب الاتحاد الكبير Büyük Birlik Partisi (BBP)
حزب الرفاه الجديد Yeniden Refah Partisi (YRP)
بالإضافة إلى أحزاب صغرى مثل الدعوة الحرة واليسار الديمقراطي وغيرها.
ب- تحالف الشعب (معارض) Millet İttifakı:
حزب الشعب الجمهوري Cumhuriyet Halk Partisi (CHP)
الحزب الجيد İYİ Parti
حزب السعادة Saadet Partisi (SP)
الحزب الديمقراطي Demokrat Parti (DP)
حزب الديمقراطية والتقدم Demokrasi ve Atılım Partisi (DEVA Parti)
حزب المستقبل Gelecek Partisi (GP)
ج- تحالف العمل والحرية (معارض) Emek ve Özgürlük İttifakı:
حزب الشعوب الديمقراطية Halkların Demokratik Partisi (HDP)
حزب اليسار الأخضر Yeşiller ve Sol Gelecek Partisi (Yeşil Sol Parti)
حزب العمال التركي Türkiye İşçi Partisi (TİP)
حزب العمل Emek Partisi (EMEP)
حزب الحركة العمالية Emekçi Hareket Partisi (EHP)
حزب الحرية المجتمعية Toplumsal Özgürlük Partisi (TÖP)
د- تحالف “أتا” (معارض) ATA İttifakı:
حزب الظفر Zafer Partisi (ZP)
حزب العدالة Adalet Partisi (AP)
حزب تحالف تركيا Türkiye İttifakı Partisi
حزب بلدي Ülkem Partisi
ه- حزب البلد (معارض) Memleket Partisi
أولاً : موقف تحالف الجمهور الحاكم والأحزاب المنضوية تحته:
يضم تحالف الجمهور الحاكم بشكل رسمي 4 أحزاب، هي: العدالة والتنمية، والحركة القومية، والاتحاد الكبير، والرفاه الجديد. كما تدعمه وتتعاون معه أحزابٌ أخرى دون أن تدخل في التحالف بشكل رسمي، مثل حزب الدعوة الحرة، وأحزاب صغيرة أخرى.
لم ينشر التحالف باسمه برنامجاً انتخابياً مشتركاً بين الأحزاب الأربعة حتى هذه اللحظة؛ إلا أن كل حزب على حدة نشر برامج انتخابية وأطلق وعوداً أو تصريحات متعلقة بموضوع اللاجئين السوريين والقضية السورية بشكل مستقل عن باقي أحزاب التحالف الأخرى.
1- 1- حزب العدالة والتنمية (AK Parti):
سياسياً وقفَ حزب العدالة والتنمية مع ثورات الربيع العربي منذ انطلاقها، وطبّقَ سياسة الباب المفتوح لاستقبال اللاجئين السوريين بعد تفاقم الوضع في سوريا، ودعمَ الجيش السوري الحرّ أكثر من مرة، كما في تصريح الرئيس أردوغان: “الجيش السوري الحرّ ليس منظمة إرهابية؛ وإنما هي مؤسسة وطنية تدافع عن وطنها ومواطنيها، وتضم أناساً من كل الأعراق والأديان في بلدها”[2]، وفي تشبيهه الجيش الحرّ بالقوات الوطنية التي حاربت في حرب الاستقلال التركية[3]، وقوله في خطاب آخر منتقداً دعم أمريكا لمليشيا “قسد”: “يا أمريكا، نحن أسّسنا الجيش الحرّ معكم سوياً لمحاربة داعش قبل أن يكون هناك شيء اسمه “قسد”، لكنكم الآن تحاولون تنفيذ مناورة جديدة لتهميش الجيش الحرّ بتأسيس “قسد”؛ هذه خدعة جديدة”[4]. كما بدأ منذ عام 2016 بإطلاق عمليات عسكرية للجيش التركي داخل الأراضي السورية ضد تنظيم PKK والتنظيمات المتفرعة منه بالتعاون مع فصائل تنتمي بشكل أو آخر للجيش الحرّ.
لكنّ الرئيس أردوغان بدأ مؤخراً بحملة مصالحة شاملة مع جميع دول المنطقة التي كانت على خلاف مع تركيا، مثل السعودية والإمارات و”إسرائيل” ومصر، ومؤخراً بدأت لقاءات على المستوى الوزاري بين تركيا ونظام الأسد بإشراف روسي، وذلك في سبيل إعادة العلاقات وتطبيعها[5].
لم تكن هناك خطة واضحة اتبعتها الحكومة التركية تجاه السوريين القادمين إليها؛ إذ اتبعت في البداية سياسة الباب المفتوح، ورحّبت بهم بشكل كبير لدرجة استخدام مصطلح “المهاجرين والأنصار” في وصف العلاقة بين الشعبين السوري والتركي، ولم تدقق كثيراً على مسألة القيود والهويات في السنوات الأولى، ولم تبدأ بإصدار هويات الحماية المؤقتة إلا في أواخر عام 2014[6].
وقّعت تركيا في نهاية عام 2015 اتفاقية إعادة قبول اللاجئين مع الاتحاد الأوروبي، والتي تقضي بإعادة توطين لاجئ سوري من تركيا إلى أوروبا مقابل كل لاجئ غير شرعي قبضت عليه تركيا وهو يحاول عبور الحدود لليونان، كما تضمنت الاتفاقية تحسين الظروف القانونية والإنسانية داخل تركيا، بما يشمل ذلك أوضاع اللاجئين السوريين، وتطبيق قانون الأخلاق السياسية، ومقابل ذلك تعهد الاتحاد الأوروبي بمنح تركيا 6 مليارات يورو على دفعتين، وبإلغاء شرط التأشيرة عند دخول المواطنين الأتراك دول الاتحاد الأوروبي.
لم يتم تطبيق بنود هذه الاتفاقية بشكل كامل؛ إذ إن رئيس الوزراء في ذلك الوقت أحمد داوود أوغلو استقال من منصبه، وتسلّم بن علي يلدرم رئاسة الوزراء، وتعثرت عملية تطبيق هذه الاتفاقية بسبب تلكّؤ الاتحاد الأوروبي في الإيفاء بشروط الاتفاقية بحسب ما ذكر مسؤولو الحكومة التركية[7]، أو بسبب عدم تطبيق تركيا الشروط التي تعهّدت بها كاملة، مثل وضع قانون الأخلاق السياسية، وبسبب التصريحات العدائية المتصاعدة من الطرفين، وبالأخص من طرف الرئيس أردوغان، بحسب ما قاله رئيس الوزراء الأسبق ورئيس حزب المستقبل المعارض أحمد داوود أوغلو[8].
وبعد تلك الفترة، ومع اقتراب انتخابات عام 2018 والانتخابات البلدية عام 2019 بدأ موضوع اللاجئين السوريين يأخذ حيزًا كبيراً من بين القضايا التي تشغل الناخبين، ولعبت بعض أحزاب المعارضة على هذا الوتر فأجّجت الكراهية بين المواطنين الأتراك والسوريين من خلال نشر الدعايات المغرضة والافتراءات، مستغلة العديد من التصريحات المتضاربة حول تكلفة استقبال السوريين على الدولة التركية، مما تسبّب بموجة استياء شعبي من السوريين أثّر بشكل تدريجي في خطاب حزب العدالة والتنمية، فعلى سبيل المثال: صرّح رئيس الوزراء السابق بن علي يلدرم أثناء حملته الانتخابية لانتخابات بلدية إسطنبول بأنه لا يمكن الصمت عن السوريين إذا بدؤوا بالتسبب بإقلاق راحة المواطنين وتهديد أمنهم[9].
وبعد خسارة بلديات المدن الكبرى مثل أنقرة وإسطنبول زاد توجه الحكومة التركية لقوننة وضع اللاجئين وتشديد الإجراءات القانونية والأمنية بحقهم، ومن أبرز الأمثلة على ذلك كانت إزالة لوحات المحلات التجارية العربية في إسطنبول بأمر من وزارة الداخلية، وفرض قانون يلزم أصحاب المحلات بجعل 75% من اللوحة باللغة التركية، والنسبة المتبقية باللغات الأجنبية[10].
وبدأ الخطاب الحكومي الموجه للسوريين بالتغيُّر حتى على مستوى المصطلحات؛ فبعد أن كان الرئيس أردوغان والمسؤولون الأتراك يستخدمون كلمة “mülteci” أي “اللاجئين” لوصف اللاجئين السوريين بشكل كبير[11]، والتي قد يُفهم منها أنهم تحت بند “لاجئ” قانونياً، أو يستخدمون كلمة “المهاجرين”؛ فإنّ خطاب أغلب المسؤولين تحوّل نحو استخدام مصطلح “sığınmacı” بكثرة[12]، وهو يعني “نازح” ولا يحمل صفة اللجوء القانونية. وهذا لم يكن خاصاً بالرئيس أردوغان والحكومة التركية فحسب؛ إذ إن معظم الساسة الأتراك من الحكومة والمعارضة باتوا يستخدمون هذه الكلمة، وقد يكون ذلك بسبب الإصرار المستمر من قبل رئيس حزب الظفر المعادي للاجئين أوميت أوزداغ على استخدام هذه الكلمة، وعدم استخدام كلمة “لاجئ” لوصف اللاجئين السوريين في تركيا[13]؛ بحجة أن السوريين في تركيا لا يحق لهم الحصول على صفة “اللاجئ” وفقاً للاتفاقيات الدولية التي وقّعتها تركيا.
وفي منتصف عام 2021 شهدت منطقة ألتنداغ في مدينة أنقرة أحداث عنف ضد السوريين المقيمين فيها، ردّاً على مقتل شاب تركي على يد شخص سوري مقيم في المنطقة[14]؛ وعلى إثر هذه الحادثة التي كانت نقطة مفصلية اتخذت وزارة الداخلية عدداً من الإجراءات والقيود الجديدة على السوريين في تركيا[15]، منها: وضع حد أقصى لوجودهم في الأحياء في تركيا، كان 25% في البداية[16] ثم تم تخفيضه إلى 20% فيما بعد[17].
وفي منتصف عام 2022،أعلن الرئيس أردوغان عن مشروع لتسهّيل عودة اللاجئين إلى بلادهم بشكل طوعي، ووعد بإنشاء منازل للسوريين في المناطق التي تسيطر عليها تركيا بهدف تأمين شروط العودة الطوعية لمليون سوري في الفترة المقبلة[18].
وبالنسبة للوعود الانتخابية التي أطلقها الرئيس أردوغان خلال هذه الفترة فقد صرّح بأنه “لن يسلّم السوريين إلى القتلة” على حد وصفه[19]، لكنه شجّع –أيضاً- على مشاريع الإعمار في المناطق التي تسيطر عليها تركيا في شمال سوريا؛ بهدف تأمين شروط العودة الطوعية للاجئين السوريين[20].
وقد أصدر حزب العدالة والتنمية يوم 11 أبريل/نيسان 2023 بيانه الانتخابي للانتخابات المقبلة، وتطرق فيه لمسألة اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين، فذكر أن الحكومة عملت على إنشاء أكثر من 100 ألف منزل طوب في الشمال السوري لتسهيل شروط العودة الطوعية للاجئين من تركيا إلى بلادهم، وتم الانتهاء من بناء قرابة 94 ألفاً من هذه المنازل، كما أشار الحزب إلى أنه منذ عام 2016 عاد إلى المناطق الآمنة في سوريا قرابة 540 ألف لاجئ بشكل طوعي[21].
وتضمنت الوعود للفترة المقبلة زيادة الاعتماد على سياسات تسهيل العودة الطوعية من جهة، وعلى سياسات الاندماج الاجتماعي من جهة أخرى، إلى أن تنخفض نسبة المهاجرين في تركيا إلى نسبة معقولة مشابهة للنسب الموجودة في الدول المتقدمة. ووعد الحزب كذلك بمحاربة الدعايات العنصرية ضد الأجانب، بالإضافة إلى إبعاد موضوع الهجرة عن أبرز المواضيع التي تشغل المجتمع بعد انخفاض عدد اللاجئين[22].
كما وعدَ حزب العدالة والتنمية بتنفيذ برامج في الدول المصدّرة للاجئين لمنع قدومهم من الأساس، وإيقاف منح إذن بدخول أي لاجئين جدد بشكل مخالف للقانون، سواءٌ بشكل فردي أو جماعي، باستثناء اللاجئين القادمين لأسباب إنسانية وقسرية[23].
وأشار الحزب إلى أنه سيستمر بسياسة منع تكتلات اللاجئين والأجانب في المدن الكبرى، وتوزيعهم بشكل متوازن بين الولايات في تركيا، بشكل يتناسب مع احتياجات البلاد الاقتصادية والزراعية والصناعية والإنتاجية[24].
وبالنظر إلى وعود الحزب في السياسة الخارجية فإنه لم يشر إلى القضية السورية بشكل خاص، واكتفى بالتعهد باعتماد سياسة خارجية تعتمد على الحفاظ على مصالح تركيا وتأمين استقرار المنطقة وإدامته، والعمل على تأسيس نظام دولي عادل[25].
1- 2- حزب الحركة القومية (MHP):
تحالفَ حزب الحركة القومية مع حزب العدالة والتنمية قبل انتخابات عام 2018 الرئاسية والبرلمانية، واستطاع تحقيق نسبة 11.1% من الأصوات ليحلّ في المرتبة الرابعة في البرلمان، ويتبنى الحزب فكراً قومياً يمينياً متطرفاً، وقد ضعف تأثير الحزب في السنوات الأخيرة بعد انشقاق مجموعة من قياداته بين عامي 2015-2016، من بينهم: رئيسة الحزب الجيد ميرال أكشنار، ورئيس حزب الظفر المعادي للاجئين أوميت أوزداغ، والمرشح الرئاسي الحالي لتحالف “أتا” سنان أوغان.
يختلف موقف حزب الحركة القومية عن موقف حزب العدالة والتنمية بخصوص سوريا والسوريين بشكل كبير؛ فقد صرّح رئيس الحزب دولت بهتشلي في خطاب له عام 2022 قائلاً: إن الهجرة غير الشرعية هي احتلال صامت للبلاد، وإن وجود “الضيوف” السوريين أمر مؤقت، وسيعمل الحزب على تحقيق هدفه الأهم وهو تأمين عودتهم إلى بلادهم بشكل طوعي فور انتهاء الحرب في كل سوريا أو في جزء منها، وأضاف: إن السوريين لا يتناسبون مع طبيعة الشعب التركي وعاداته، ويُهدّدون أمنه وطمأنينته[26].
وكان الحزب قد نشر عام 2019 تقريراً بعنوان “تقرير هيئة البحث بالهجرات المتجاوزة للحدود”، جاء في مختصره أنه ثمّة فجوة ثقافية ومجتمعية كبيرة بين الأتراك والسوريين، وأن المواطنين الأتراك يرفضون التقارب مع السوريين ووجودهم في تركيا لأسباب هي: تسبُّب اللاجئين بقلة فرص العمل وانخفاض الرواتب، وارتفاع معدل ارتكاب الجرائم، ومعدل الولادات المرتفع الذي قد يؤدي لتغيير ديمغرافي، ومجيئهم من أماكن ينشط فيها الإرهاب، واستخدام موارد الدولة غير الكافية أصلًا لرعايتهم، وتعدُّد الزوجات وتزويج القُصّر، وانخفاض معدل التعليم بين معظمهم، ووجود مشكلات في تأقلمهم مع الثقافة التركية، وزيادة إيجارات الشقق السكنية، وفرارهم من بلادهم خوفاً من الحرب بدلاً من دفاعهم عن وطنهم[27].
ويرى حزب الحركة القومية بحسب ما أورده في هذا التقرير أنه لا حل دائم لهذه القضية متاح حالياً؛ إذ لا يمكن ترحيل اللاجئين بالقوة بسبب التزام تركيا بالمعاهدات الدولية، ولا يمكن تطبيق سياسات الاندماج؛ لأنها ستستغرق وقتًا طويلًا قد يصل إلى 100 عام، ولا تملك تركيا تجارب جيدة بهذا المجال، لاسيما إذا تم النظر إلى تجربتها في دمج الأكراد مع المجتمع التركي[28].
وبالنسبة إلى تجنيس السوريين يرى حزب الحركة القومية أن تجنيس السوريين بالشكل الحالي أمر خاطئ ويجب التراجع عنه؛ بسبب عدم اندماج هؤلاء السوريين في المجتمع التركي وعدم تأقلمهم معه، كما أن هذه الخطوة ستحرم الدول المصدّرة للاجئين من خبرات أبناء بلادها عندما تحتاجهم في إعادة إعمارها[29].
وحول الحل المقترح لهذه المشكلة قدّم الحزب في تقريره 5 اقتراحات للتعامل مع هذه الأزمة:
إعلان المناطق التي سيطرت عليها تركيا مناطق آمنة لفتح الباب أمام عودة اللاجئين إليها، وتعديل القانون رقم 6458 المتعلق باللاجئين لجعل ترحيل السوريين الذين هم تحت بند الحماية المؤقتة ممكناً قانونياً.
وضع نظام واضح لعملية منح الجنسية التركية للأجانب وفق شروط معينة.
يجب معاملة السوريين واللاجئين من جميع الجنسيات بشكل عادل، ووضع خطط اقتصادية للبلاد يكون اللاجئون جزءًا منها.
يجب إلزام السوريين والأجانب بالعمل بشكل نظامي فقط، والتشديد على منع العمل غير النظامي.
يجب أن تعمل تركيا على حل المشكلات من الدول المصدّرة للاجئين، حتى لو كان ذلك بالتعاون مع حكوماتها، وأن تصرف تركيا جهودها على إنهاء المشكلات في تلك البلاد وإعادة إعمارها من أجل تسهيل العودة الطوعية والحدّ من موجات اللجوء الجديدة[30].
1- 3-حزب الاتحاد الكبير (BBP):
تأسّس حزب الاتحاد الكبير على يد السياسي القومي البارز محسن يازجي أوغلو، وذلك بعد انشقاقه عن حزب الحركة القومية بسبب خلاف بالرأي مع قيادة الحزب. ويختلف حزب الاتحاد الكبير عن الحركة القومية بميله أكثر للاتجاه الإسلامي، إضافة إلى توجهاته القومية التركية اليمينية المتطرفة. انضم الحزب لتحالف الجمهور عام 2018، ولم يستطع الحصول سوى على مقعد واحد في البرلمان يشغله رئيس الحزب مصطفى ديستجي.
يدعو الحزب لترحيل اللاجئين السوريين والأفغان إلى بلادهم فور انتهاء الحروب فيها وإعلانها مناطق آمنة، ويرفض منحهم الجنسية التركية أو دمجهم بالمجتمع، كما صرّح رئيس الحزب حالياَ مصطفى دستيجي قائلًا: إنه لا يؤيد نظام الأسد، لكنه يرى أهمية التواصل وإعادة العلاقات معه[31].
1- 4- حزب الرفاه الجديد (Yeniden Refah):
تأسس حزب الرفاه الجديد عام 2018 على يد فاتح أربكان، نجل السياسي التركي الإسلامي الكبير نجم الدين أربكان، ويتبنى الحزب فكر “الرؤية الوطنية” الذي وضعه الراحل أربكان، ويعادي السياسات الصهيونية والإمبريالية. وقد انضم الحزب مؤخراً لتحالف الجمهور بعد شدّ وجذب، وذلك بعد أن قبل حزب العدالة والتنمية بالشروط التي وضعها حزب الرفاه الجديد، وكان من بينها تسهيل عودة “المهاجرين” إلى بلادهم بشكل آمن[32].
يدعو حزب الرفاه الجديد إلى ترحيل اللاجئين السوريين إلى بلادهم بعد تأمين الشروط اللازمة بهدف منع نشوء دولة انفصالية في سوريا، ولإحباط مخطط أمريكا و”إسرائيل” باستغلال اللاجئين لزعزعة استقرار تركيا[33]. ولا يُخفي حزب الرفاه الجديد علاقته الجيدة مع إيران؛ إذ يرى أن مستقبل إيران وتركيا واحد[34]. كما صرّح أربكان بعد قصف نظام الأسد لوحدات من الجيش التركي وقتله 33 عسكرياً تركياً مطلع عام 2020 أنه لا يمكن قبول اندلاع حرب بين دولتين جارتين تتشاركان الدين والثقافة والتاريخ نفسه مثل تركيا وسوريا، مضيفاً بأن حرباً كهذه لن تفيد سوى القوى الإمبريالية العنصرية، ودعا إلى إيجاد حل سلمي بين الدولتين وأن تأخذ منظمة الدول الإسلامية الثمانية D-8[35] دوراً فاعلًا في حل هذه الأزمة[36].
1- 5- حزب الدعوة الحرة (HÜDA PAR):
تأسس حزب الدعوة الحرة عام 2012 بقيادة عدد من الساسة الأكراد الإسلاميين، ويعدُّه البعض ذراعاً سياسية لتنظيم حزب الله الكردي الذي نفّذ عمليات مسلحة في ولايات جنوب شرق تركيا استهدف بعضها عناصر ومؤسسات تابعة للدولة التركية.
أيديولوجية الحزب هي أيديولوجية إسلامية معادية للأفكار القومية، سواءٌ كانت القومية التركية أو الكردية، كما يؤيد إنشاء فدرالية في المناطق الكردية في تركيا، ويدعو لجعل اللغة الكردية لغة رسمية في الدولة التركية[37]، وينشط الحزب في ولايات جنوب شرق تركيا، ويملك شعبية لا بأس بها في ولايات باتمان وبينغول وديار بكر.
أعلن الحزب دعمه للرئيس أردوغان في الانتخابات الرئاسية، ودخوله الانتخابات البرلمانية ضمن قائمة حزب العدالة والتنمية، إلا أنه لم يدخل رسمياً في تحالف الجمهور، وقد يكون ذلك بسبب ردود الفعل المعترضة من الأحزاب القومية الموجودة داخل التحالف.
يرفض الحزب ترحيل السوريين و”تسليمهم للظلمة” على حد وصف رئيسه زكريا يابجي أوغلو[38]، إلا أنه في الوقت نفسه يرى ضرورة إعادة العلاقات مع نظام الأسد؛ وذلك بذريعة أن العلاقات ستسهم في تخفيف الظلم الواقع على السوريين[39]، ويرفض الحزب فكرة تسليح الثورة ضد نظام الأسد من الأساس، ويدعو إلى إيجاد حل سلمي ينهي “الحرب الأهلية” ويؤسس لدستور ونظام جديد لسوريا[40].
ثانياً: موقف تحالف الشعب المعارض والأحزاب المنضوية تحته:
تأسس تحالف الشعب قبل انتخابات عام 2018 بمشاركة 4 أحزاب، هي: حزب الشعب الجمهوري، والحزب الجيد، وحزب السعادة، والحزب الديمقراطي. اجتمع قادة تحالف أحزاب الشعب بالإضافة إلى علي باباجان وأحمد داوود أوغلو، قائدَي حزبَي الديمقراطية والتقدم وحزب المستقبل في شهر فبراير/شباط عام 2022 بهدف التباحث حول مشروع الانتقال للنظام البرلماني، تلا ذلك عدد من الاجتماعات بين القادة الستة تمت تسميتها اجتماعات “الطاولة السداسية”.
أصدرت الطاولة السداسية تفاصيل مشروع “النظام البرلماني المعزز” الذي اتفقت عليه الأحزاب الستة، كما نشرت بعد ذلك بيان السياسات المشتركة المتفق عليها بينهم، ثم أعلنت عن مسودة للتعديلات الدستورية اللازمة للتحول من النظام الرئاسي إلى النظام البرلماني المعزز، كما اتفق مؤخّراً قادة الطاولة السداسية على ضمّ حزب المستقبل وحزب الديمقراطية والتقدم تحت سقف تحالف الشعب، واتفقوا على ترشيح كمال كلتشدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
يُعد موقف التحالف العام تجاه السوريين والقضية السورية بحسب البيانات المشتركة الصادرة من اجتماعات القادة الستة غير واضح بسبب استخدام أساليب تعميم واسعة تحمل عدداً كبيراً من المعاني والاحتمالات، وقد يعود سبب ذلك إلى اختلاف وجهات نظر القادة الستة تجاه هذا الموضوع.
فعلى سبيل المثال: ذكرت الطاولة السداسية في بيان اجتماعها الرابع فقرة تناولت موضوع اللاجئين، انتقدت فيه التصريحات التحريضية ضد اللاجئين، وفي الوقت نفسه انتقدت سياسات الحكومة تجاه هذا الموضوع، وأعلنت عن إنشائها لجنة مشتركة بين الأحزاب الستة لتعميق الاستشارات بينهم بهذا الخصوص[41].
بينما نشر التحالف في بيانه المشترك بعد اجتماع قادته لمناقشة موضوع الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا في 6 فبراير/شباط 2023 تعزية للشعب السوري بضحايا الزلزال، ودعوة للمجتمع الدولي لتقديم المساعدات اللازمة لسوريا لمعالجة الجراح التي خلّفها الزلزال على حدّ وصفهم[42].
بيان السياسات المشتركة:
نظّم قادة الأحزاب الستة المكونة لتحالف الشعب مؤتمراً صحفياً كبيراً في العاصمة أنقرة يوم 30 يناير/كانون الثاني 2023 للإعلان عن بيان السياسات المشتركة للتحالف، وتكوّن من 9 محاور أساسية و75 محوراً فرعياً وأكثر من 2300 هدف؛ وكان من بينها محور فرعي كامل متخصص بقضايا الهجرة واللاجئين.
وتتضمن هذه الأهداف مواضيع متنوعة؛ بدءاً بإعادة تشكيل إدارة الهجرة والمؤسسات المسؤولة عن اللاجئين، ومراجعة القانون 6458 المتعلق باللاجئين، مروراً بعدم جعل تركيا “مستودعاً” للاجئين من الدول الأخرى، وإنشاء مراكز لتحديد وضع اللاجئين تحت بند الحماية الدولية، وزيادة عدد مراكز الترحيل، وإنشاء مراكز أبحاث وتعليم لدراسة أوضاع اللاجئين، ونشر الإحصائيات المتعلقة بهذا الموضوع بشكل شفّاف ومنتظم[43].
كما تضمن هذا البيان وعوداً بمراجعة نظام التأشيرة التركية والتأشيرة السياحية؛ وذلك لمنع استغلالها في مسألة الهجرة غير الشرعية، ورفع مستوى العقوبات على مرتكبي جرائم تهريب البشر، ورفع العقوبات على مشغّلي المهاجرين غير الشرعيين بشكل غير نظامي في محالّهم، وإغلاق المحالّ غير المرخصة التي فتحها الأجانب[44].
وحول مسألة الجنسية وعدت الأحزاب الستة في بيانها المشترك بإيقاف منح الجنسية التركية مقابل شراء عقار أو إيداع مبلغ معين بالعملة الأجنبية، وطالبت بتضييق مجالات منح الجنسية الاستثنائية، وأشارت كذلك إلى أنهم سيقومون بمراجعة جميع ملفات الأشخاص الحاصلين على الجنسية التركية، وسيُبطلون جنسية أي شخص تم التحقق من تقديمه بيانات شخصية خاطئة عن نفسه، وسيقومون بالخطوات القانونية اللازمة للتعامل مع الأشخاص الذي اشتملت ملفاتهم على تقصيرات إدارية[45].
وإضافة إلى ما سبق اشتمل البيان على وعود بعدم السماح بتكتل اللاجئين في الأحياء والمدن بشكل كبير، وعدم السماح للاجئين السوريين بالحركة خارج الولايات المقيدين فيها إلا بإذن رسمي، كما توعّدوا بترحيل أي أجنبي ارتكب جريمة داخل تركيا بشكل سريع وعدم السماح له بدخول البلاد مرة أخرى، وتوعّدوا أيضاً بإعادة تنظيم شروط برامج الدعم الاجتماعي الممنوحة للأجانب ضمن بطاقة الهلال الأحمر التركي[46].
وفي جانب آخر ضمّ البيان وعوداً بتقديم خدمات التعليم لجميع الأطفال اللاجئين في تركيا، ووضع آلية جديدة لتسهيل منحهم دورات تقوية دراسية، وتجهيز مواد ومناهج تعليمية جديدة لتسهيل تعليم اللغة التركية للأجانب، وتنظيم أعمال تكافح الأحكام المسبقة والمعلومات المغلوطة عند المجتمع التركي حول اللاجئين والأجانب[47].
كما تضمن البيان وعوداً بجعل المساعدات المقدمة للاجئين شفافة وتحت المراقبة، وبتسهيل التعاون والتنسيق بين الإدارات المحلية (البلديات) ومنظمات المجتمع المدني الداعمة للاجئين وجعلها تحت المراقبة، وبمنح البلديات التي تضم كثافة سكانية من اللاجئين ميزانية إضافية بمقدار متناسب مع عددهم[48].
وحول الوضع السياسي توعدت الأحزاب الستة بدعم الحلول الدولية للقضية السورية، بما في ذلك القرار الدولي 2254، وإطلاق عملية دبلوماسية شاملة للتواصل مع جميع الأطراف، بما في ذلك نظام الأسد؛ بهدف التوصل لسلام في سوريا يفتح الطريق أمام إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم في أقرب وقت ممكن[49].
كما تعهدت الأحزاب الستة بأخذ دور رائد في عملية إعادة إعمار سوريا بمشاركة الشركات التركية، وتعهدت كذلك بدعم المؤسسات الدولية الضامنة لسلامة أرواح وأموال السوريين العائدين إلى بلادهم، بما في ذلك الأمم المتحدة والمؤسسات التابعة لها[50].
2- 1- حزب الشعب الجمهوري (CHP):
يُعد حزب الشعب الجمهوري حزب المعارضة الأول في البرلمان التركي منذ استلام حزب العدالة والتنمية الحكم في تركيا عام 2002؛ فقد كان الحزب يتبنّى أيديولوجيا كمالية لائكية[51] لمدّة طويلة من الزمن، وأصدر خلال تاريخه الطويل العديد من القرارات التي ضيّقت على حريات الفئات المحافظة والمتديّنة والأقليات من الشعب التركي.
منذ استلام كمال كلتشدار أوغلو رئاسة الحزب عام 2010 بدأ توجه الحزب يتغير بشكل تدريجي نحو سياسات يسار الوسط المشابهة للسياسات التي تتبناها أحزاب الديمقراطية الاجتماعية في أوروبا، وبدأ رئيس الحزب كلتشدار أوغلو مؤخراً حملة لطلب الصفح من كل الفئات التي تضررت من الحزب في الماضي، بما في ذلك المحجبات والمحافظون والأكراد وغيرهم.
تُعد مواقف الحزب من القضية السورية معقدة ومتناقضة؛ وقد تكون هذه المواقف المتضاربة الصادرة عن قياداته والشخصيات البارزة فيه نابعة من وجود تيارات مختلفة داخل الحزب، أو من التغيرات الإقليمية والسياسية التي أجبرتهم على المناورة وتغيير المواقف.
ففي السنوات الأولى للثورة السورية أرسل الحزب وفدين لزيارة بشار الأسد، وصرّح رئيس الحزب كلتشدار أوغلو عام 2014 أن هاتين الزيارتين لم يكن الهدف منهما دعم نظام الأسد، وأضاف بأن الزيارة الأولى كانت في عام 2011 قبل أن تتطور الأحداث بشكل كبير وكان الهدف منها هو معرفة الأوضاع التي تجري في سوريا من مكان وقوعها وليس من وسائل الإعلام الغربية، وأن الزيارة الثانية كان هدفها التفاوض مع نظام الأسد لإطلاق سراح صحفي تركي اعتقله نظام الأسد[52].
عارض حزب الشعب الجمهوري سياسة حزب العدالة والتنمية تجاه سوريا وتأييد المعارضة السورية بشكل واضح منذ بداية الثورة، ودعا إلى اتخاذ موقف محايد من الأحداث ودعم حل سياسي بين نظام الأسد والمعارضة تحت إشراف دولي، ولكن -في الوقت نفسه- كانت تصريحات قائد الحزب كلتشدار أوغلو غير مؤيدة للأسد؛ إذ وصفه بأنه المسؤول الأول عن الدم المسفوك في سوريا، وقال: إنه يقتل شعبه، ويستخدم قوة مفرطة ضدهم، مضيفاً: أن المسؤول الثاني عن هذه الأحداث هو أردوغان وسياساته بتسليح المعارضة وتأجيج الحرب في سوريا، وقال: إنه لا يشعر بأي قرب بينه وبين الأسد بسبب انتمائهما للطائفة نفسها (العلوية)[53].
وفي الفترة ذاتها شارك وفد من حزب الشعب الجمهوري في مؤتمر منظمة الأممية الاشتراكية عام 2013، واعترض وفد الحزب على البيان الأخير الصادر عن القمة بسبب وجود فقرة تطالب بإقامة فترة انتقالية في سوريا دون وجود الأسد، وذلك بحجة أن الأمم المتحدة وقتها لم تطرح هذا الأمر، وأنها متناقضة مع فقرة أخرى في البيان تطالب بمنح الشعب السوري حق تقرير مصيره واختيار النظام الذي يريده، مما عدّه وفد الحزب منع الشعب السوري من أحد الخيارات المتاحة التي قد يختارها، ونجح الوفد فعلاً بتغيير هذه الفقرة من البيان الختامي للقمة[54].
وعلى النقيض من ذلك صرّح كلتشدار أوغلو بعد الهجوم بالأسلحة الكيميائية على مدينة دوما بريف دمشق عام 2018 بأن استخدام الأسلحة الكيميائية جريمة إنسانية، لكنه أعلن رفضه لاستعداد الدول الغربية إعلان الحرب على نظام الأسد بذريعة هذا الهجوم، قائلاً: إن الحرب لن تحل الأزمة، وإن الحل هو أن ترسل الأمم المتحدة فريقاً من المتخصصين للتحقق من تفاصيل هذا الهجوم بالكامل، وبعدها تتم محاسبة الجناة وفعل اللازم. وكرّر دعوته إلى إقامة مؤتمر دولي يجمع أطراف النزاع وترك القرار في النهاية للشعب السوري حول ما إذا كان بشار الأسد سيرحل أم سيبقى[55].
وفي عام 2019 نظّم حزب الشعب الجمهوري مؤتمراً في إسطنبول تحت عنوان “مؤتمر سوريا الدولي”؛ وذلك بهدف تقديم المزيد من الحلول التي تسهم في إيجاد حل للقضية السورية؛ إلا أنه كان من اللافت وجود مدعوّين مؤيدين لنظام الأسد ومؤيدين لـ “قسد”، وعدم دعوة شخصيات معروفة من المعارضة السورية، وشمل المؤتمر جلسات حوارية لمناقشة وضع اللاجئين في تركيا والمشكلات التي يواجهونها، ولمناقشة آخر التطورات على الأرض السورية[56].
وفي كلمته في هذا المؤتمر ذكر كلتشدار أوغلو أهمية عودة تركيا لموقف الحياد الذي عُرِف عنها، وأشاد بعمل اللجنة الدستورية السورية ودعا لأن تستمر بعملها إلى أن تمنح الشعب السوري الديمقراطية وحق تقرير المصير. بينما قال في الخطاب نفسه: إن تركّز التنظيمات الإرهابية التابعة للقاعدة أو المتفرعة منها في منطقة إدلب أمر خطير يهدد أمن تركيا واستقرارها، وختم كلمته بتكرار أهمية فتح جميع نقاط التواصل مع نظام الأسد ومع جميع الأطراف الشرعية في الأزمة، ومراجعة جميع التحركات التركية المخالفة للقوانين الدولية، وذلك للتوصل إلى حل دبلوماسي يفضي بالنهاية إلى إحلال الأمن في سوريا؛ مما سيفتح الباب أمام عودة اللاجئين إلى بلادهم[57].
ودعا البيان الختامي لهذا المؤتمر إلى إعادة العلاقات مع نظام الأسد، وإلى محاربة التنظيمات الموضوعة على قوائم الإرهاب الدولية ودعم اللجنة الدستورية للعمل على تأسيس نظام ديمقراطي جديد، كما دعا إلى توفير الظروف المناسبة لفتح باب العودة الطوعية لمن يرغب من اللاجئين السوريين، ووضع استراتيجيات وخطط لدمج الراغبين بالبقاء مع المجتمع التركي[58].
وبالنسبة لوعوده خلال السنتين الماضيتين ركّز خطاب كلتشدار أوغلو وحزب الشعب الجمهوري على مسألة إعادة العلاقات مع ما أسماها “الحكومة الشرعية لسوريا” وإعادة فتح السفارات بين البلدين، وقال: إن خطته لمشروع عودة اللاجئين الطوعية قائمة على أربعة أسس، هي[59]:
إعادة العلاقات مع حكومة نظام الأسد، وحل المشكلات بين البلدين عن طريق الحوار، دون توضيح طبيعة هذه المشكلات أو رؤية الحزب تجاه الحل النهائي للقضية السورية بين نظام الأسد والمعارضة.
إعادة إعمار المدن المتهدمة بكل مرافقها وبنيتها التحتية، بتمويلٍ من الاتحاد الأوروبي والمؤسسات الدولية وتنفيذٍ من الشركات التركية.
ضمان أمن وسلامة العائدين إلى سوريا بإشرافٍ ومراقبةٍ من تركيا والأمم المتحدة.
توجيه الاستثمارات التركية إلى سوريا لإعادة تنشيط اقتصادها وتوفير فرص عمل للسوريين العائدين.
إضافة إلى ما سبق: ضمّ حزب الشعب الجمهوري في السنوات الماضية بعض النواب البرلمانيين الذين جاهروا علناً بتأييد بشار الأسد ودعمه، مثل “عبد اللطيف شنر” (ذي التوجهات الإسلامية، وهو من الأعضاء المؤسسين لحزب العدالة والتنمية واستقال من الحزب عام 2007)، والذي زار بشار الأسد مع رئيس حزب الوطن دوغو بيرينتشيك، وذلك قبل انضمامه لحزب الشعب الجمهوري[60]؛ و”سارة قاضي غيل” التي كتبت تغريدة عام 2012 قالت فيها: “لو أعلنّا الحرب اليوم على سوريا فأنا سأقف بصف الأسد”؛ الأمر الذي تسبب بغضب كبير عند العديد من أفراد الشعب التركي، بما في ذلك أعضاء بارزون في الحزب مثل بارش ياركاداش[61]. ومن أمثال أولئك أيضاً النائب السابق “إيرين إردم” الذي دافع بشراسة عن نظام الأسد وإيران منذ بداية الثورة السورية وحتى الآن[62].
وإذا انتقلنا من الحديث عن وجهة نظر حزب الشعب الجمهوري تجاه القضية السورية إلى وجهة نظر الحزب تجاه اللاجئين السوريين في تركيا فلن يكون الوضع مختلفاً؛ إذ إن التصريحات والوعود كانت أيضًا متناقضة ومعقدة، مع ميلها نحو معاداة اللاجئين وشيطنتهم في كثير من الأحيان، وكان الجامع الوحيد لكل هذه التصريحات هو المطالبة بتأمين عودة السوريين إلى بلادهم.
كان البروفيسور بكر بيرات أوزيبيك (المتخصص بالعلوم السياسية وذو التوجهات الليبرالية) أحد أهم الشخصيات التي لفتت الانتباه إلى تناقضات خطاب حزب الشعب الجمهوري عن اللاجئين؛ إذ نشر تقريراً بعنوان “حزب الشعب الجمهوري والنازحين السوريين.. لغة السياسة القائمة على التفرقة والإقصاء وإنتاج الكراهية”، جمع فيه خطابات رئيس الحزب كلتشدار أوغلو منذ عام 2013 حتى تاريخ نشر التقرير منتصف عام 2021.
ولفت أوزيبيك في تقريره إلى التصرفات العنصرية التي قامت بها بعض بلديات حزب الشعب الجمهوري، مثل إزالة لوحات الدكاكين العربية في بعض المدن، ومنع السوريين من النزول إلى الساحل في مدن أخرى، ومنع تقديم الطعام للاجئين السوريين في مدينة بولو[63].
وعند تحليله خطابات كلتشدار أوغلو تجاه السوريين قال أوزيبيك: إن خطابات كلتشدار أوغلو تبدأ عادة بألفاظ لطيفة مثل “إخواني السوريين”، إلا أنها تضم بعد ذلك محتوى يفيض بالكراهية، مثل وصفهم بأنهم “بلاء” على تركيا، أو التلميح إلى أنهم سبب البطالة أو الفقر أو أي مشكلة داخلية أخرى تمسّ فئات معينة متضررة أو مهمشة من الشعب التركي[64].
وكانت الحلول التي عرضها كلتشدار أوغلو لحل مشكلة اللاجئين أيضاً متنوعة ومتناقضة؛ إلا أنه تجمعها نقطة واحدة هي رحيل السوريين من تركيا، وذلك بحسب ما رصده البروفيسور أوزيبيك، وكانت الحلول المقدمة هي: التفاوض مع الأسد ليستلم اللاجئين، أو تدريبهم وتسليحهم ليحاربوا الأسد ويحرروا بلادهم، أو التفاوض بين الدول الأربع المرتبطة بالشأن السوري (إيران والعراق وتركيا وسوريا) لحل هذه المسألة، أو إنجاح مفاوضات جنيف، أو التعاون بين الجيش التركي وجيش النظام للقضاء على “التنظيمات الإرهابية” وتأمين سوريا[65].
وعند النظر إلى الوجه الآخر نجد حزب الشعب الجمهوري قد نشر عام 2016 تقريراً عن وضع اللاجئين السوريين في تركيا بعنوان “من الدراما الإنسانية بين الحدود إلى امتحان الإنسانية”، وتقريراً آخر عام 2020 ذكر فيهما خطورة استخدام خطاب الكراهية ضد اللاجئين وإقصائهم، ودافع فيهما عن سياسات دمج اللاجئين بالمجتمع والدفاع عن حقوقهم؛ الأمر الذي أثار علامات تعجُّب بعض الساسة المناصرين للاجئين والمعادين لهم، إذ قال رئيس حزب العمل المعروف بوقوفه الدائم مع اللاجئين إرجومنت أكدنيز: إن هذا التقرير مناقض تماماً لخطاب حزب الشعب الجمهوري المنشور على الإعلام[66]، بينما لم يتوقف رئيس حزب الظفر المعادي للاجئين أوميت أوزداغ عن انتقاد سياسة حزب الشعب الجمهوري تجاه اللاجئين، وشكّك بنيّتهم ترحيل اللاجئين مستشهداً بهذه التقارير[67].
ومن المفاجئ أكثر من هذه التقارير كانت الوعود الانتخابية التي وضعها الحزب قبل الانتخابات البلدية عام 2019؛ إذ وعد الحزب بافتتاح مكاتب متخصصة بالهجرة في البلديات التابعة له لتسهيل توظيف المهاجرين، والتعاون مع الجمعيات ومراكز الأبحاث لوضع برامج ومشاريع تخص المهاجرين، منها: دورات تعليمية للغة التركية والمواد الدراسية للأطفال والنساء، وتقديم الدعم القانوني والمالي والنفسي للاجئين الذين قرروا العودة إلى بلادهم بشكل طوعي، وتحفيز المشاريع التي تخدم عملية اندماج المهاجرين بمجتمعهم الجديد، ووعود أخرى من هذا القبيل[68].
وفي الفترة الحالية، أي منذ بداية عام 2022 حتى الآن (أبريل/نيسان 2023)، يمكن ملاحظة تغير نبرة خطاب قيادات حزب الشعب الجمهوري تجاه اللاجئين السوريين للجانب الأفضل؛ إذ قلّت كثيراً الاتهامات الباطلة للسوريين بارتكاب تصرفات مسيئة أو جرائم في المجتمع التركي، وبدأ بعض قيادات الحزب ينفون الأخبار الملفقة والشائعات ضد السوريين، مثلما فعل النائب البرلماني علي ماهر باشارر عندما نفى إشاعة أطلقها أوميت أوزداغ حول قيام سوريين بتدخين النارجيلة داخل سكن طالبات في مدينة مرسين وضعوهم فيه بعد الزلزال[69]، ونفي نائب رئيس الحزب أنورسال أدي غوزال خبر وجود الملايين من الناخبين ذوي الأصول الأجنبية كما ادّعى أوزداغ[70].
وإذا نظرنا إلى خطاب كلتشدار أوغلو في هذه الفترة نجد أنه هو الآخر خفّف من حدّة لهجته ضد السوريين نوعاً ما، بل وتراجعَ عن تصريحات أطلقها سابقاً، مثل ادعاء حزبه أن تركيا صرفت 40 مليار دولار على السوريين[71] (وهذا في الأصل ذكره الرئيس أردوغان في خطاباته[72])، ثم غيّر خطابه مؤخراً ليحوّل الاتهام إلى الحكومة بدلاً من اللاجئين ويقول: إن هذا المبلغ لم يصل منه شيء للاجئين، وإلا لما كانوا يعملون بنصف الحد الأدنى للأجور ويعيشون بظروف صعبة[73].
ورغم هذا التحول لم يغير كلتشدار أوغلو من وعده بتأمين عودة السوريين إلى بلادهم؛ إذ صرّح قبل شهر تقريباً عند الحدود السورية-التركية بأنه سيؤمّن الظروف المناسبة لعودة السوريين بإرادتهم وبشكل طوعي إلى بلادهم دون ارتكاب أي تصرفات عنصرية، مذكّراً بخطته ذات الأسس الأربعة التي أعلنها قبل أشهر[74].
2- 2-الحزب الجيد (İYİ Parti):
تأسس الحزب الجيد عام 2017 على يد قيادات منشقة عن حزب الحركة القومية؛ وذلك نتيجة خلاف حادّ مع رئيس الحزب دولت بهتشلي. لا يختلف توجُّه الحزب الجيد كثيراً عن توجُّه حزب الحركة القومية، إلا أن الشخصيات المنشقة كانت توجهاتها تميل إلى الليبرالية الاقتصادية والقرب من الاتحاد الأوروبي، بعكس توجهات حزب الحركة القومية الحالية المعادية للغرب والمؤيدة للسياسات الاقتصادية غير التقليدية التي تطبّقها الحكومة التركية حالياً.
ضمّ الحزب الجيد في بداية تأسيسه شخصيات شديدة العداء للاجئين السوريين، مثل أوميت أوزداغ الذي انشق فيما بعد وأسّس حزب الظفر، وإيلاي أكسوي التي استقالت من الحزب وانضمت للحزب الديمقراطي. ولم تكن مواقف رئيسة الحزب “ميرال أكشنار” أفضل بكثير؛ إذ توعدت بإعادة العلاقات مع نظام الأسد فور انتخابها، وفرض إعادة اللاجئين على نظام الأسد حتى إن استلزم الأمر القوة، وغير ذلك من الوعود المتعلقة بالتضييق القانوني على معيشة اللاجئين في تركيا[75].
يمكن القول: إن خطاب رئيسة الحزب في الفترة الأخيرة تجاه السوريين انخفضت حدّته بعض الشيء، لكن لغة الخطاب التي ما زال يستعملها نوابها وقادات حزبها الكبار لم تختلف أبداً، وحتى الوعود التي أطلقها الحزب ما زالت تتكرر باستمرار، مثل التطبيع مع الأسد وترحيل السوريين خلال مدة أقصاها 3 سنوات.
على سبيل المثال: تقدّم مستشار أكشنار “أيتون تشراي” بطلب لمجلس الشعب التركي بعد وقوع الزلزال بإنشاء هيئة برلمانية تتابع موضوع ترحيل السوريين في أقرب وقت ممكن، وذلك خشية حدوث تغيير ديموغرافي في ولايات جنوب تركيا مع هجرة أهلها بعد تهدم بيوتهم ومدنهم. تم رفض هذا الطلب بعد تصويت نواب حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية بالرفض، لكنه على كل حال يثبت العقلية التي ما زال ينظر بها الحزب الجيد إلى السوريين[76].
في مثال آخر: قام تشراي نفسه بكتابة تغريدة تفيض بالعنصرية والكراهية تعليقاً على مقابلة في الشارع مع لاجئ سوري قال فيها لمن حوله من الأتراك “إنه يدعم أردوغان لأنه قائد كبير يحافظ على كرامة البلاد”، وقال السوري: “إن الكرامة أهم من الخبز”، وعندما غضب الأتراك حوله بسبب كلامه هذا ووصفهم إياه بأنه “سوريّ جبان هارب من الحرب لا يحق له الكلام في السياسة التركية” قال لهم السوري: “إنه حفيد العثمانيين، ويحق له الكلام عن السياسة التركية”؛ فكانت التغريدة التالية لتشراي على هذا المقطع: “آلمتْني مشاهدة هذا المقطع. عديم الشرف الهارب من الحرب يعلّم الشعب التركي معنى الكرامة، ويقول: إنه حفيد العثمانيين. لقد كنت مجرد تابع، مجرد تابع! أردوغان دلّلكم!”[77].
بعيداً عن لغة أعضاء الحزب الجيد تجاه السوريين نشر الحزب في شهر سبتمبر/أيلول الماضي خطة مفصلة لحل أزمة اللاجئين في تركيا، تضمنت عدة مراحل، ووعد الحزب بأن تُحل هذه المشكلة تماماً ويرحّل آخر لاجئ سوري إلى بلاده في تاريخ 1 سبتمبر/أيلول عام 2026 في حال وصوله إلى السلطة في الانتخابات المقبلة[78].
تضمنت الخطة تفاصيل كثيرة حول هذه العملية، وباختصار وعد الحزب بالتضييق والتشديد في جميع النواحي القانونية على اللاجئين والأجانب والمجنّسين، ووعد بإعادة تحديث بيانات السوريين ثم تقسيمهم إلى فئات، وعلى أساس هذه الفئات سيتم ترحيلهم بالتدريج، على أن تُرحّل آخر فئة في عام 2026. كما تعهّد الحزب بتشديد الحراسة على الحدود لمنع الهجرة غير الشرعية، وإعادة العلاقات مع نظام الأسد وتوقيع اتفاقيات معه لضمان أمن اللاجئين ولإعادة الإعمار، والعمل على تطبيق القرارات الدولية مثل القرار 2254. وفي حال لم يتم اتفاق مع نظام الأسد حول هذه المسائل تعهّد الحزب بالتدخل عسكرياً على نطاق واسع في شمال سوريا لمنع تشكُّل دولة انفصالية، وبعدها يتم ترحيل اللاجئين إلى المناطق الآمنة التي سيسيطر عليها الجيش التركي[79].
2- 3-حزب السعادة (SP):
حزب السعادة أحد الأحزاب الإسلامية التي تمثل فكر “الرؤية الوطنية” الذي وضعه السياسي الإسلامي الراحل نجم الدين أربكان، ويدّعي قادته بأنهم الوريث الحقيقي لمنهج أربكان والسائرون الوحيدون على دربه من بين الأحزاب الإسلامية الأخرى.
يملك الحزب علاقات قوية مع إيران، ولم يعلن تأييده للثورة السورية منذ انطلاقتها حتى الآن، حتى إن رئيس الحزب الأسبق مصطفى كامالاك زار بشار الأسد عام 2012 لمناقشة التطورات وتقديم النصح له بمنح المزيد من المساحة للمعارضة في الساحة السياسية وفي الشارع السوري، بحسب ما قاله وقتها[80]. كما صرّح بعد اللقاء قائلاً: إن ما رآه على أرض الواقع في سوريا مختلف كثيراً عما يصوّره الإعلام في تركيا، وفي نهاية لقائه مع الأسد أهداه لوحة خطّ عربي كُتبت عليها آية “خذ العفو وأمر بالعُرف وأعرض عن الجاهلين”[81]!
لم يتغير موقف الحزب من القضية السورية حتى الآن؛ إذ ما زال يدعو للتصالح مع الأسد، وإحلال السلام عن طريق الدبلوماسية، ومن ثم يتم تجهيز طرق آمنة لعودة اللاجئين إلى بلادهم[82]. ويُحسب لحزب السعادة أنه لم يستخدم لغة الكراهية والإقصاء ضد اللاجئين السوريين في تركيا، ويرفض الهجمات العنصرية عليهم[83].
2- 4- حزب المستقبل (GP):
انطلق حزب المستقبل أواخر عام 2019 بقيادة رئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو، مع مجموعة من الأعضاء المستقيلين من حزب العدالة والتنمية، وذلك بسبب خلافات عميقة مع سياسات الرئيس أردوغان، وعُرف عن أحمد داوود أوغلو منذ استلامه وزارة الخارجية وقوفه مع الثورة السورية وتأييده اللاجئين السوريين، واستمر بذلك خلال مدة رئاسته للوزراء، وحتى بعد استقالته من حزب العدالة والتنمية وتأسيسه حزب المستقبل.
ومع انضمام حزب المستقبل لتحالف الشعب المعارض بدأت تظهر علامات استفهام بين الأتراك والسوريين حول موقف الحزب من القضية السورية في ظل وجود أحزاب أخرى في التحالف، مثل حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد وحزب السعادة، تدعو لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد. وردّاً على هذا السؤال قال داوود أوغلو: إن تحالف الطاولة السداسية لن يتخذ أي خطوة تتعارض مع مصالح تركيا، وأضاف: أن العلاقة مع الأسد تعتمد على نقطتين؛ الأولى هي مدى سيطرته على الأرض، والثانية هي مدى شرعيته، وقال: إن الأسد إذا دخل في عملية تطبيق القانون رقم 2254 الذي أصدرته الأمم المتحدة فإنه يمكن اللقاء معه؛ أما في حال عدم التزام الأسد بهذا القانون فقد قال داوود أوغلو إنه مقتنع أن القادة الستة سيتشاورون ويتبادلون الآراء حول ما يجب القيام به تجاه نظام لا يلتزم بالقوانين الدولية وغير قادر على السيطرة على حدود بلاده ويقتل أبناء شعبه ويستهدفهم بالأسلحة الكيميائية، ومن ثم سيتفقون على الخطوة الأمثل التي تضمن مصالح تركيا[84].
يضم الحزب بين أعضائه المؤسسين رئيس الائتلاف السوري المعارض الأسبق خالد خوجة، والذي كان أحد الأشخاص المشاركين بإعداد خطة التعامل مع مسألة الهجرة واللاجئين التي أطلقها حزب المستقبل في أغسطس/آب الماضي[85].
تضمنت الخطة عدداً من الوعود التي وضعها الحزب لحل مشكلة الهجرة، من بينها: تأسيس وزارة جديدة للهجرة، والتحرك مع المؤسسات الدولية لإيجاد حل يتيح للاجئين العودة إلى بلادهم بشكل طوعي وآمن، أو لتسهيل انتقالهم لبلد ثالث، ووضع قيود على منح الجنسية عن طريق الاستثمار ومشاركة بيانات التجنيس بشكل شفاف مع الإعلام، وإطلاق برامج لدمج اللاجئين السوريين بالمجتمع التركي خلال مدة بقائهم في تركيا إلى أن تتوافر الظروف المناسبة لعودتهم إلى بلادهم أو الانتقال إلى بلد ثالث، ومراجعة الاتفاقيات الدولية مع الاتحاد الأوروبي ومع الأمم المتحدة لتعديل تفاصيلها بشكل يتناسب مع الظروف الحالية[86].
2- 5-حزب الديمقراطية والتقدم (DEVA Partisi):
أسفرت جهود وزير المالية والخارجية الأسبق علي باباجان مع عدد من الشخصيات البارزة المستقيلة من حزب العدالة والتنمية عن تأسيس حزب الديمقراطية والتقدم عام 2020. يدافع الحزب عن السياسات الليبرالية الاقتصادية، ويهدف إلى نقل تركيا إلى مصاف الدول الأوروبية في مجالات الحقوق والحريات والديمقراطية.
لم يصدر عن قيادات حزب الديمقراطية والتقدم أية تصريحات عنصرية أو مسيئة للاجئين السوريين، بل على العكس أعلنوا رفضهم للحملات العنصرية التي تستهدفهم؛ وكان النائب البرلماني مصطفى ينر أوغلو أحد أنشط النواب في البرلمان في الدفاع عن قضايا السوريين، سواءٌ بزيارته اللاجئين الذين تعرضوا لهجمات عنصرية، كما فعل ليلة الاعتداء على السوريين في ألتنداغ بالعاصمة أنقرة[87]، أو بالتعبير عن التضامن معهم أمام الإعلام وفي وسائل التواصل الاجتماعي[88]، أو حتى بتقديم مساءلات قانونية حول القضايا التي تمسّ اللاجئين في البرلمان[89].
أصدر الحزب في شهر أغسطس/آب 2022 خطة للتعامل مع قضية الهجرة واللاجئين، وتضمنت هذه الخطة وعوداً مشابهة لخطة حزب المستقبل، مثل رفض العنصرية والعمل على إقامة حل سياسي في سوريا على أساس القانون الدولي 2254، والتفاوض مع دول أخرى لتخفيف عبء اللجوء على تركيا وإتاحة الفرصة للاجئين للانتقال إلى بلد ثالث، وتشديد التدابير الأمنية على الحدود لمنع الهجرة غير الشرعية[90].
وكان التوعد بإنهاء منح الجنسية الاستثنائية للسوريين وتضييق مجالات منحها للأجانب نقطة بارزة في خطة حزب الديمقراطية والتقدم؛ إذ أشار الحزب إلى أن منح الجنسية للسوريين بهذا الشكل مخالف للدستور، وأنه لا معايير واضحة تمنح الحكومة على أساسها الجنسية للسوريين، إضافة إلى أنه يقتل الرغبة بالعودة إلى بلادهم ويرغّبهم بالبقاء في تركيا على أمل الحصول على الجنسية[91].
2- 6-الحزب الديمقراطي (DP):
أصغر أحزاب تحالف الشعب وأقلها تأثيراً، ولا يملك الحزب قاعدة شعبية عريضة أو حتى احتمال الحصول على نسبة جيدة في الانتخابات، ولعل ضمّه للتحالف بسبب قيمته التاريخية؛ لأن اسم الحزب الديمقراطي مرتبط باسم رئيس الوزراء الأسبق عدنان مندريس الذي انقلب عليه العسكر عام 1960م وبرئيس الجمهورية الأسبق سليمان دميريل.
يثير موقف الحزب من السوريين والقضية السورية علامات استفهام كثيرة؛ فمن جانب صرّح رئيس الحزب “غولتكين أويسال” عام 2021 بأن قضية اللاجئين يجب أن تُحل بشكل إنساني بعيداً عن العنصرية، وانتقد تعامل حزب العدالة والتنمية معهم برؤيتهم مجرد أيد عاملة رخيصة في الداخل وسلاح تهديد للدول الأوروبية في الخارج[92].
بينما في الجانب المقابل استقبل الحزب النائب البرلماني المطرود من حزب الحركة القومية “جمال إنغينيورت” والمرشحة الخاسرة في انتخابات بلدية منطقة الفاتح في إسطنبول المستقيلة من الحزب الجيد “إيلاي أكسوي” اللذَين لا يختلفان كثيراً في التوجهات عن أوميت أوزداغ وأمثاله، وعيّنهما رئيس الحزب في منصب نائب الرئيس.
وعلى سبيل المثال: طالبَ جمال إنغينيورت بعد وقوع زلزال كهرمان مرعش بثلاثة أيام بطرد السوريين من ولاية هاتاي على الفور ودون أي تأخير لادعائه قيام السوريين بنهب منازل الأتراك وسرقة المتضررين من الزلزال[93].
أما إيلاي أكسوي فهي مشهورة بالعداء السافر للسوريين والتأييد المطلق لنظام الأسد، وبعد انتقالها إلى الحزب الديمقراطي تم تعيينها نائبة لرئيس الحزب عن الشؤون الاجتماعية وشؤون الهجرة. ومن أبرز مواقف أكسوي الأخيرة ضد السوريين تحذيرها من احتمال تكوين أحزاب من السوريين والأفغان في المستقبل القريب وخسارة المواطنين الأتراك سيادتهم على بلادهم[94].
ثالثاً: موقف تحالف العمل والحرية المعارض والأحزاب المنضوية تحته:
لم يستطع تحالفا الجمهور والشعب كسب جميع فئات الشعب وتمثيلها؛ لذا بدأت أحزاب أخرى بالسعي لتكوين تحالفات سياسية جديدة لكسب أصوات الفئات غير الراضية على الحكومة والمعارضة، وكان من بين هذه الفئات جزء من الأكراد واليساريين.
تأسس تحالف العمل والحرية المعارض بين أحزاب يسارية ويسارية متطرفة، وأكبرها هو حزب الشعوب الديمقراطية الداعم لحقوق الأكراد والأقليات، ومعه حزب العمال التركي وحزب العمل وحزب الحركة العمالية وحزب الحرية المجتمعية، بالإضافة إلى حزب الخضر ومستقبل اليسار، أو كما يسمّى باختصار “حزب اليسار الأخضر” الذي يُعد الغطاء السياسي الجديد لحزب الشعوب الديمقراطية في ظل تصاعد احتمال إصدار قرار قضائي بإغلاقه بسبب الاشتباه بوجود علاقات لمسؤولي الحزب مع تنظيم PKK الإرهابي[95].
قرّرت جميع أحزاب التحالف دخول الانتخابات البرلمانية عبر قائمة حزب اليسار الأخضر، ما عدا حزب العمال التركي الذي أصرّ على الدخول بقائمته المستقلة، وفي الانتخابات الرئاسية قرّرت أحزاب التحالف عدم ترشيح أي شخص، ودعم كمال كلتشدار أوغلو؛ إما تلميحاً وإما تصريحاً[96].
أصدر التحالف بياناً انتخابياً باسم حزب اليسار الأخضر، بحكم مشاركة جميع الأحزاب في قائمته، وتضمّن البيان فقرة كاملة من الوعود بخصوص اللاجئين والهجرة. وكان من أبرز هذه الوعود: تنفيذ تعديلات قانونية لضمان أمن أرواح اللاجئين وممتلكاتهم، ولتسهيل حصولهم على المساعدات الاجتماعية التي تقدمها الدولة، كما وعد التحالف بمنح اللاجئين صفة “اللاجئ” القانونية بعد تعديل اتفاقية جنيف التي تمنع ذلك، وإغلاق مراكز إعادة اللاجئين التي تشرف عليها إدارة الهجرة[97].
وإضافة إلى ما سبق تعهّد التحالف بمنح اللاجئين فرصة الحصول على التعليم المدرسي بلغتهم الأم، وإنشاء نظام مؤسسات حكومية قائم على تعدد اللغات لإزالة عائق اللغة أمام اللاجئين والأجانب في معاملاتهم الحكومية، ومنح العمال الأجانب حق الانضمام للنقابات والاتحادات العمالية لحماية حقوقهم[98].
أما بالنسبة للقضية السورية فقد تعهّد التحالف بإنهاء العمليات العسكرية للجيش التركي في سوريا والعراق، وبسحب الجنود الأتراك من هذين البلدين، وبدعم الشعب السوري في عملية كتابة دستور جديد وتأسيس نظام ديمقراطي في بلادهم وحقهم في تحديد مستقبل بلادهم بحرية، وبالعمل على إلغاء العقوبات المفروضة على “الدولة السورية” بهدف تطبيع العلاقات معها[99].
يُذكر أن حزب الشعوب الديمقراطية قريب من تنظيم PKK الإرهابي[100]، ويطالب دائماً بإنهاء العمليات العسكرية ضد التنظيم وبإنهاء الحبس الانفرادي المفروض على مؤسس التنظيم عبد الله أوجلان، وبالعمل على حل سلمي للقضية الكردية؛ وتأتي وعود التحالف هذه متسقة مع توجه الحزب العام تجاه القضية الكردية.
3- 1-حزب الشعوب الديمقراطية وحزب اليسار الأخضر (HDP & Yeşil Sol Parti):
إذا نظرنا بشكل مستقل إلى خطاب حزب الشعوب الديمقراطية (مع حزب اليسار الأخضر الآن) منذ بداية قدوم اللاجئين إلى تركيا حتى الآن نجد أنه يتركز على دعم استقرار اللاجئين في تركيا والدفاع عن حقوقهم، ونقل قضاياهم لمجلس الشعب للعمل على حلها[101]، ومنح أطفالهم حق التعلم بلغتهم الأم[102]، وحتى منحهم الجنسية التركية إن رغبوا بذلك[103]، ومكافحة الخطاب العنصري والإقصائي الموجه ضدهم[104]. وهذا الخطاب هو محلّ انتقاد الأحزاب القومية والمعادية للاجئين؛ إذ يرون أن هدف الحزب الأساسي من هذه الخطوات هو الإسهام بإفراغ سوريا من العرب، وإتاحة الفرصة للتنظيمات الكردية لإنشاء دولة مستقلة شمال شرق سوريا، وإحداث قلاقل داخل تركيا بين السوريين والأتراك؛ مما يساعد على تقسيم تركيا في المستقبل، كما يدّعي -مثلاً- رئيس حزب الظفر المعادي للاجئين أوميت أوزداغ[105].
وبالنسبة إلى القضية السورية يتخذ حزب الشعوب الديمقراطية موقفاً واضحاً بالوقوف إلى جانب التنظيمات الكردية في شمال شرق سوريا، وتتحرك تصريحاته وفق هذا الأساس؛ إذ تارة يصف نظام البعث بأنه نظام إبادة وقمع[106]، وتارة يطالب بسحب القوات التركية من سوريا[107]، وتارة يطالب بمنح السوريين حق تقرير مصيرهم بعد انسحاب جميع القوى الأجنبية وتفكيك الجماعات المسلحة[108]. وإضافة إلى ما سبق يرى حزب الشعوب الديمقراطية أن الجيش السوري الحرّ “عصابات إرهابية دعمتها تركيا لتهجير ومحاربة الأكراد في سوريا”[109]، ويقول: إن سياسة تركيا في سوريا كانت قائمة على الحلم بإسقاط نظام الأسد و”تأسيس نظام إخواني جديد في المنطقة”[110]، حسب قوله.
3- 2- حزب العمال التركي (TİP):
يتبنّى حزب العمال التركي أيديولوجية ماركسية-لينينية، ويدعو لمعاداة أمريكا والدول الإمبريالية والرأسمالية. وبحكم توجهات الحزب اليسارية فإن موقفه من وجود اللاجئين داخل تركيا رافض للحملات العنصرية ضدهم؛ إلا أن توجهاته في السياسة الخارجية داعمة بشكل كبير لنظام الأسد ومعادية للثورة السورية.
إذا نظرنا إلى خطاب الحزب تجاه اللاجئين السوريين نجد أنه يعد بإيجاد حل سلمي للأزمات في الدول المصدّرة للجوء، وبالتالي توفير سبل العودة الطوعية للاجئين الراغبين بالعودة، ويطالب أيضاً بمساواة العاملين منهم بالعمال الأتراك، وبمنح الجنسية التركية لمن يرغب منهم بالبقاء. كما يدعو إلى إجبار الاتحاد الأوروبي ودول الخليج العربي على تحمّل جزء من كلفة اللاجئين وعبئهم، وذلك بحسب الخطة التي نشرها الحزب حول رؤيته لموضوع الهجرة[111].
لحزب العمال التركي 4 نواب في مجلس الشعب، منهم سارة قاضي غيل التي سبق ذكرها عند الحديث عن حزب الشعب الجمهوري، و”بارش أتاي” النائب عن ولاية هاتاي من أصول عربية علوية، والذي يُعد من أبرز المدافعين عن نظام الأسد في تركيا، وينكر الجرائم التي ارتكبها النظام ويدّعي وقوع جرائم ارتكبتها ما أسماها “عصابات الجهاديين” (الجيش الحر والفصائل المعارضة)؛ ومن الأمثلة على ذلك: رثاؤه العميد في قوات نظام الأسد عصام زهر الدين يوم مقتله في دير الزور، والذي عُرف عنه ارتكابه جرائم حرب ضد السوريين، واصفاً مقتله بأنه “خسارة كبيرة لشعوب سوريا”[112]، وتعبيره عن “رعبه” من أخبار تحرير إدلب عام 2015[113]، وردّه على السياسي التركي “أفق أوراس” الذي نشر كتاباً يصف فظاعة سجون الأسد قائلاً: إن “الدفاع عن المظلوميات المزعومة لقطعان الجهاديين القتلة في سوريا يليق بعديم أخلاق عاشق للجهاديين مثله”[114]. يُذكر أن أفق أوراس سياسي يساري وهو الآخر من الطائفة العلوية، وكان من الأعضاء المؤسسين لحزب اليسار الأخضر الذي يتحالف معه حزب العمال التركي الآن[115].
3- 3-حزب العمل (EMEP):
حزب العمل حزب يساري يتبنى الأيديولوجيا الماركسية-اللينينية، ويدعو لإقامة نظام اشتراكي في تركيا ولانسحاب تركيا من حلف الناتو والابتعاد عن سياسات الحرب والتسليح. ويُعد حزب العمل أحد أكثر الأحزاب دعماً للاجئين السوريين ووقوفاً معهم، حتى إن رئيس الحزب “إرجومنت أكدنيز” _وهو صحفي استقصائي_ خصّص عمله للبحث والكتابة عن قضايا اللاجئين في تركيا، وبالأخص الطبقة العاملة منهم، وقد نشر 4 كتب حول هذا الموضوع.
ومن الأمور التي تدل على محاولة الحزب التقرب من اللاجئين ودعمه لهم: توزيع منشورات باللغة العربية على العمال السوريين في المناطق التي يتركزون بها، مثل إسطنبول وغازي عنتاب وكوجايلي[116]، كما اعتاد الحزب نشر مقطع الدعوة للتظاهر في عيد العمال يوم 1 مايو/أيار من كل عام باللغات التركية والكردية والعربية، ليدعو العمال السوريين للمشاركة في المسيرات التي ينظّمها الحزب[117].
نشر حزب العمل العام الماضي في يوم اللاجئين العالمي الذي يوافق 20 يونيو/حزيران تقريراً مفصّلاً حول وضع اللاجئين في تركيا والمشكلات التي يواجهونها والحلول التي يعرضها الحزب لهذه المشكلات. فانتقد حزب العمل في هذا التقرير سياسة حزب العدالة والتنمية القائمة على الحروب وتنفيذ المخططات الإمبريالية بحد وصفه، والتي أدت في النهاية إلى تهجير الملايين من الأشخاص من بلادهم، كما انتقد تعامل الحكومة التركية مع اللاجئين داخلياً، مثل الممارسات التي تتم في مراكز إعادة اللاجئين التابعة لإدارة الهجرة، واستغلال اللاجئين كقوة عمل رخيصة ووسيلة تهديد لأوروبا، وعدم منح اللاجئين صفة اللجوء القانونية[118].
كما انتقد حزب العمل في التقرير اللغة المستخدمة في وسائل الإعلام وبين السياسيين وعدّها سبباً في ارتفاع الكراهية والعنصرية ضد اللاجئين، وأشار إلى أن وعود أحزاب المعارضة الرئيسة بإعادة اللاجئين والتطبيع مع نظام الأسد أسهمت -أيضاً- في زيادة الكراهية والعنصرية في المجتمع. وأكد البيان أن مشكلة اللاجئين لن تُحلّ بمثل هذه الوعود؛ لأن الحرب لم تنته بعد، ونظام الأسد ما زال طرفاً فيها، ولأن نسبة كبيرة من اللاجئين لا ترغب بالعودة إلى بلادها أصلاً[119].
وبالنظر إلى مقترحات الحزب للتعامل مع اللاجئين السوريين في تركيا، نجد أنه يطالب بمنح اللاجئين صفة “اللاجئ” القانونية وتنظيم برامج اندماج تنتهي بمنحهم الجنسية، مع إيقاف برنامج منح الجنسية مقابل وديعة مالية أو شراء عقار، وبمساواة العمال السوريين بالأتراك في الرواتب والحقوق، والسماح لهم بالانضمام إلى النقابات والاتحادات العمالية، وجعل اللغة العربية لغة مستخدمة في الدوائر الحكومية لتسهيل معاملاتهم، وتقديم التعليم لأطفال اللاجئين بلغتهم الأم في المدارس التركية[120].
أما وجهة نظر الحزب تجاه القضية السورية وموقفه من نظام الأسد فإننا نجده لا يؤيد نظام الأسد، ويرى أنه مرتكب لجرائم حرب، لكنه في الوقت نفسه يضع جميع الفصائل المسلحة المعارضة في خانة “الجهاديين” الذين تستخدمهم الدول لتحقيق مصالحها على أرض سوريا. ويرى الحزب أن ثورات الربيع العربي قامت على أيادي الفقراء والمظلومين في الدول العربية ضد الأنظمة الحاكمة القمعية؛ إلا أن الدول الغربية والإقليمية استغلت هذه الثورات، وحرفتها عن مسارها لتحقيق أهدافها الخاصة بها[121].
يدعو حزب العمل جميع الدول الموجودة في سوريا، مثل تركيا وأمريكا وفرنسا وروسيا وإيران والصين، إلى الانسحاب الفوري من سوريا، والتوقف عن محاولات تثبيت أو إسقاط النظام بالقوة، وإزالة العوائق أمام اتخاذ الشعب السوري قراره حول النظام السياسي الجديد في سوريا بشكل حرّ ديمقراطي؛ مما سيوفر في المستقبل فرصة لعودة اللاجئين الراغبين بالعودة إلى بلادهم[122].
3- 4-حزب الحركة العمالية وحزب الحرية المجتمعية (EHP & TÖP):
هما حزبان صغيران جداً وتأثيرهما يكاد يكون معدوماً[123]، وموقفهما باختصار لا يختلف كثيراً عن الموقف العام للأحزاب الأخرى في هذا التحالف؛ إذ يدعوان إلى محاربة العنصرية والوقوف إلى جانب اللاجئين، ويريان أن التدخلات العسكرية التركية في سوريا خطوة خاطئة وأنها من أهم أسباب اشتعال الحرب في سوريا.
رابعاً: موقف تحالف “أتا” المعارض وحزب الظفر:
بعد محاولات حثيثة للعثور على أحزاب يتحالف معها استطاع حزب الظفر المعادي للاجئين تكوين تحالف انتخابي مع أحزاب مغمورة هي: (العدالة، بلدي، تحالف تركيا)، وأعلن التحالف عن ترشيحه الأكاديمي المستقيل من حزب الحركة القومية “سنان أوغان” في الانتخابات الرئاسية. تمّت تسمية التحالف باسم “أتا” وتعني الأب، وهي مشتقة من كلمة “أتاتورك”، وذلك للدلالة على التزام التحالف بمبادئ أتاتورك ونهجه. ولعدم أهمية الأحزاب الصغيرة الأخرى في التحالف نكتفي بتوضيح مواقف حزب الظفر والمرشح الرئاسي سنان أوغان حول اللاجئين والقضية السورية.
4- 1-حزب الظفر (ZP):
تأسس حزب الظفر عام 2021 على يد السياسي المعادي للاجئين أوميت أوزداغ، وذلك بعد أن اختلف مع الحزب الجيد واستقال من منصب نائب الرئيسة ومن عضويته في الحزب بعد اتهامه أعضاء في قيادة الحزب بارتباطهم بتنظيم غولن الإرهابي الذي خطط للمحاولة الانقلابية الفاشلة عام 2016، ولمعارضته تحالف الحزب الجيد مع حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات البلدية عام 2019.
أتاحت الاستقالة من الحزب الجيد وقيادته لحزبه الجديد المزيد من الحرية والمجال لأوزداغ ليتحرّك وينفّذ أهدافه المتمركزة حول ترحيل اللاجئين، ويُعد شعار “سيرحلون ولو كان ذلك بالإجبار” أحد أهم الشعارات التي يرددها أوزداغ وأنصار حزبه، ويتمحور تحرّك حزبه حول هذه الغاية؛ إذ يرى أن حل المشكلة الاقتصادية والأمنية والمجتمعية في تركيا هو ترحيل اللاجئين، حتى إن أوزداغ ردّ على منتقديه بهذه النقطة قائلًا: “لو ربطوا بكل قدم 10 كيلوغرامات من الحديد هل ستقدرون على السباحة؟ إذا كان جوابكم “لا” فأظن أنكم فهمتم قصدي”[124].
لم يتورع حزب الظفر وقياداته عن أي افتراء أو إساءة عنصرية، وطيلة عامين من تأسيسه عمل على إشغال الرأي العام في تركيا بالتحريض على اللاجئين، وكان مسؤولو الحزب ينشرون هذه الدعاية العنصرية باحترافية شديدة أضرّت كثيراً باللاجئين والأجانب، وأجبرت الحكومة في بعض الأحيان على اتخاذ قرارات تُضيّق على الأجانب بسبب الضغط الشعبي الذي تسبب به مسؤولو حزب الظفر؛ وهذا أمر ليس مستغرباً عن أوميت أوزداغ البروفيسور في مجال العلاقات السياسية وألّف العديد من الكتب حول الحرب النفسية والبروباغاندا[125].
يَعِد حزب الظفر بترحيل اللاجئين إلى بلادهم ولو كان ذلك بالإجبار، وبإعادة العلاقات بشكل كامل مع نظام الأسد من أجل تأمين عودة جميع السوريين في تركيا خلال سنة واحدة فقط، ووعد الحزب بالاتفاق مع روسيا والأمم المتحدة على تأسيس نظام متابعة لأوضاع السوريين في سوريا لمدة 5 سنوات للتحقق من سلامة أرواحهم وممتلكاتهم[126].
المرشح الرئاسي سنان أوغان:
وُلد سنان أوغان عام 1967 في مدينة إغدير لعائلة من الأقلية الآذرية في تركيا، ومن المرجح أن يكون من أتباع المذهب الشيعي كونه المذهب السائد بين الأقلية الآذرية في مدينة إغدير[127]. تخصص أوغان في مجال الاقتصاد والعلوم الإدارية، وأتم درجة الدكتوراه في جامعة موسكو للعلاقات الدولية، ويجيد اللغات الروسية والإنجليزية بطلاقة.
دخل أوغان عالم السياسة عام 2011 عندما ترشح في مدينته إغدير ضمن قائمة حزب الحركة القومية، ونجح بدخول البرلمان، وبعد انتخابات عام 2015 والفوضى التي ضربت حزب الحركة القومية تم طرد أوغان من الحزب بسبب مشاركته في العصيان ضد رئيسه دولت بهتشلي، وبقي مستقلاً إلى هذه اللحظة.
أعلن أوغان عن رغبته بالترشح للانتخابات الرئاسية بشكل مستقل قبل عدة أشهر، ونجح الشهر الماضي في الحصول على دعم حزب الظفر المعادي للاجئين وصار مرشحاً لتحالف “أتا”، واستطاع بفضل ذلك جمع 100 ألف توقيع، وهو العدد اللازم لدخول القائمة النهائية للمرشحين في الانتخابات الرئاسية.
رغم اختلاف شخصية سنان أوغان عن شخصية أوميت أوزداغ، إلا أنه لا يختلف كثيراً عن توجهات الأخير تجاه السوريين والقضية السورية، وكان -أيضاً- من أكبر ناشري الشائعات والمحرضين على اللاجئين والأجانب في تركيا.
وبالنظر إلى وعوده الانتخابية فقد توعد سنان أوغان بترحيل اللاجئين السوريين من تركيا خلال سنة واحدة بشكل متناسب مع القوانين الدولية، وذلك بالتفاوض مع الدول المعنية (نظام الأسد) وضمان أمنهم وسلامتهم، ومن ثم ستقوم تركيا بوضع برامج تحفيزية لعودة اللاجئين إلى بلادهم، وقال أوغان: إن عودة اللاجئين أمر ضروري من الناحية الأمنية لتركيا لتأمين الداخل التركي من خطر حرب أهلية، ولإفشال مخطط التنظيمات الكردية بإنشاء دولة شمال شرق سوريا[128].
خامساً: موقف حزب البلد (MEMLEKET) المعارض ومرشحه الرئاسي محرّم إنجه:
بعد انشقاق المرشح الرئاسي في الانتخابات الماضية “محرم إنجه” عن حزب الشعب الجمهوري قرّر تأسيس حزب جديد أسماه “حزب البلد”، وسعى منذ بداية تأسيسه لأن ينجح بالترشح للانتخابات الرئاسية مرة أخرى، وهو ما استطاع فعله الآن.
اختلف إنجه مع قيادة حزب الشعب الجمهوري بسبب التوجهات الأخيرة البعيدة عن القومية والأتاتوركية، واتهم قيادة الحزب بالبعد عن مبادئ أتاتورك والتحالف مع أحزاب غير وطنية وتقف مع الإرهاب مثل حزب الشعوب الديمقراطية[129].
ومع ترشحه الآن زاد الشقاق بين حزب الشعب الجمهوري وإنجه بسبب إعاقته لهم في الانتخابات وشقّ أصواتهم بشكل يخدم حزب العدالة والتنمية، واتهمه العديد من النشطاء والمقربين من حزب الشعب الجمهوري بالتعاون مع حزب العدالة والتنمية بهدف إفشال المعارضة والانتقام مما فعلوه به في انتخابات عام 2018.
عُرف عن إنجه منذ انتخابات عام 2018 معاداته الواضحة للاجئين السوريين وتوعده بترحيلهم في حال فاز بالانتخابات، وما زال حتى الآن على الخط نفسه. ويَعِد محرم إنجه الآن بإعادة العلاقات مع بشار الأسد وفتح السفارات بشكل متبادل مع نظام الأسد وبإعادة اللاجئين السوريين بعد ذلك إلى سوريا[130].
شكّك محرم إنجه بمدى صدق كلتشدار أوغلو وتحالف الشعب حول توعدهم بترحيل اللاجئين، وقال: إن أحمد داوود أوغلو الذي تسبب بقدوم اللاجئين ضمن هذا التحالف وسيكون نائباً لرئيس الجمهورية إذا فازوا بالانتخابات؛ مما دفع إنجه إلى استبعاد وفاء تحالف الشعب بوعده بترحيل اللاجئين، مشيراً إلى أن وجود المنشقين عن حزب العدالة والتنمية ضمن التحالف لا يبعث على التفاؤل بهذا الخصوص[131].
خاتمة:
مما سبق تبدو خارطة التحالفات الانتخابية شديدة الاستقطاب والتباين والتعقيد؛ فقد جمعت الكثير من الأطراف التي لديها مواقف متناقضة حيال مواضيع مهمة كالوجود السوري في تركيا، دون الوصول إلى رؤية مشتركة حولها، وتبدو الكثير من الوعود الانتخابية الخاصة بإعادة اللاجئين هشّة؛ فهي لا تقدم خطة عمل واضحة، وإنما تربط العودة بالعديد من الشروط السياسية التي لا يشير الواقع إلى إمكانية تحققها على المدى المنظور.
ومن جهة أخرى تعكس المواقف السابقة تحول ملف السوريين في تركيا من ملف إنساني إلى ملف سياسي، بعد أن نجحت بعض الجهات السياسية في شيطنة الوجود السوري وتحميله مسؤولية الكثير من المشاكل التي تعيشها تركيا، وهو ما من شأنه أن يعكس جوانب القلق التي يعيشها السوريون المترقبون لنتائج الانتخابات؛ إذ يعتقد الكثير منهم أن ما تطرحه هذه الأحزاب ليست مجرد وعود انتخابية، وإنما هي سياسات تهدف إلى إنهاء أو تخفيض الوجود السوري للحد الأدنى، بعضّ النظر عن الطريقة المتبعة ومدى قانونيتها أو عدالتها.
[1] للاستزادة يمكن الرجوع لإصدارات المركز حول الوجود السوري في تركيا:
الهجرة السورية إلى تركيا: تأثيرات اقتصادية وارتدادات مجتمعية، مركز الحوار السوري، 12/10/2022.
مهددات الانسجام الاجتماعي بين السوريين والمجتمع التركي، مركز الحوار السوري، 29/08/2021.
الاحتقان الشعبي بين الأتراك والسوريين … الأسباب، الآثار، العلاج، مركز الحوار السوري، 10/06/2019.
[2] اقتباس من خطاب لأردوغان في تغريدة من حساب رئاسة الجمهورية، 30/1/2018: https://2u.pw/fdeIa8
[3] “Cumhurbaşkanı Erdoğan: ÖSO, Kuvayi Milliye güçleri gibi sivil oluşumdur”
“الجيش السوري الحر هو مكوّن مدني مشابه للقوات الوطنية”، الأناضول، 30/1/2018: https://2u.pw/m7Gass
[4] خطاب للرئيس أردوغان أمام كتلة حزبه النيابية، النص المقتبس من الدقيقة 18:03 وحتى الدقيقة 19:10، 5/12/2017: https://2u.pw/fwTsfV
[5] “لقاء ثلاثي في موسكو يجمع وزيري دفاع تركيا والنظام السوري لأول مرة منذ عام 2011″، العربي الجديد، 28/12/2022: https://2u.pw/X18DlA
[6] الحماية المؤقتة في تركيا، إدارة الهجرة التركية: https://2u.pw/Vx4Dq9
[7] خطاب للرئيس أردوغان في قمة العشرين، موقع رئاسة الجمهورية التركية، 8/7/2017: https://2u.pw/bJ3dJf
[8] لقاء تلفزيوني في قناة خبرترك، 17/8/2021: https://2u.pw/nTkBVT
[9] تغريدة من الحساب الإعلامي لبن علي يلدرم في تويتر، 26/3/2019: https://2u.pw/r4TLTc
[10] 23″ Haziran seçimi sonrası İstanbul’da Arapça tabela hamlesi!”
“حملة ضد اللوحات العربية في إسطنبول بعد انتخابات 23 يونيو”، يني تشاغ، 2/7/2019: https://2u.pw/603faV
[11] “Cumhurbaşkanı Erdoğan: ‘(Suriyeli mülteciler) Pek çok Batılı komşumuz yüksek duvarlar arkasına saklanmayı tercih etti’”
“الرئيس أردوغان: اختار العديد من جيراننا في الغرب الاختباء من اللاجئين السوريين خلف جدران عالية”، رئاسة الاتصال التركية، 27/6/2019: https://2u.pw/jDKjEZ
[12] Cumhurbaşkanı Erdoğan: Ülkesine dönen sığınmacı sayısı artacak”
“الرئيس أردوغان: سيزيد عدد النازحين العائدين إلى بلادهم”، NTV، 11/1/2023: https://2u.pw/XgdtOe
[13] تغريدة لأوميت أوزداغ حول وصف السوريين بكلمة “نازح” وليس “لاجئ”، تويتر، 27/11/2020: https://2u.pw/WAB1U8
[14] “تحطيم محال وبيوت لاجئين سوريين في أحداث شغب بأنقرة بعد مقتل شاب تركي”، الجزيرة، 12/8/2021: https://2u.pw/er7pgZ
[15] “الداخلية التركية تطلق مشروعاً لتخفيف تمركز السوريين في منطقة ألتنداغ”، تلفزيون سوريا، 18/2/2022: https://2u.pw/AvzntE
[16] “الداخلية التركية تكشف تفاصيل جديدة حول مشروع “التخفيف” من تمركز اللاجئين”، تلفزيون سوريا، 24/2/2022: https://2u.pw/or2hlP
[17] “الداخلية التركية تصدر قراراً بشأن سفر السوريين في الأضحى”، الأناضول، 11/6/2022: https://2u.pw/XA7FHK
[18] “أردوغان: نحضّر لمشروع يتيح العودة الطوعية لمليون سوري”، الأناضول، 3/5/2022: https://2u.pw/j6SxIF
[19] “أردوغان: لن نطرد اللاجئين السوريين”، الأناضول، 9/5/2022: https://2u.pw/Shmlf6
[20] “أردوغان: أكثر من مليون سوري مستعدون للعودة الطوعية”، الأناضول، 9/5/2022: https://2u.pw/ndfYZ
[21] البيان الانتخابي لحزب العدالة والتنمية، صـ107، 11/4/2023: https://2u.pw/aTc6HG
[22] المرجع السابق: صـ107-108.
[23] المرجع السابق: صـ108.
[24] المرجع السابق: صـ108.
[25] المرجع السابق: صـ84.
[26] “Bahçeli: Suriyeli sığınmacıları güvenli bir şekilde geldikleri gibi uğurlamak önceliğimiz”
“بهتشلي: أولويتنا هي إعادة النازحين السوريين إلى بلادهم بشكل آمن مثلما دخلوا بلادنا”، الأناضول، 19/4/2022: https://2u.pw/WWD9Ku
[27] “SINIR AŞAN GÖÇLER KOMİSYONU RAPORU “
“تقرير هيئة البحث بالهجرات المتجاوزة للحدود”، حزب الحركة القومية، 2019، صـ152/153: https://2u.pw/b7LXw5
[28] المرجع السابق: صـ159.
[29] المرجع السابق: صـ159/160.
[30] المرجع السابق: صـ162/163/164.
[31] “BBP Genel Başkanı Mustafa Destici: Mültecilerin tamamı gönderilmeli”
“رئيس حزب الاتحاد الكبير مصطفى دستيجي: يجب ترحيل جميع اللاجئين”، جمهورييت، 21/4/2022: https://2u.pw/9DcOd6
[32] تغريدة للصحفي إسماعيل سايماز أرفق معها صورة لنص الاتفاق الموقع بين الطرفين، 24/3/2023: https://2u.pw/qbs7X9
[33] “Fatih Erbakan: ABD ve İsrail’i engellemek için Suriyelilerin gönderilmesi şart”
“فاتح أربكان: يجب ترحيل السوريين من أجل إعاقة أمريكا وإسرائيل”، جمهورييت، 31/7/2022: https://2u.pw/L9cF8L
[34] “İran’ın geleceği Türkiye, Türkiye’nin geleceği de İran’dır!”
“مستقبل تركيا هو إيران، ومستقبل إيران هو تركيا”، حزب الرفاه الجديد، 20/2/2020: https://2u.pw/Fyi4lH
[35] التعريف بالمنظمة في ويكيبيديا: https://2u.pw/ftk5tQ
[36] “Yeniden Refah lideri Fatih Erbakan’dan ‘İdlib’ çağrısı”
“نداء من فاتح أربكان بخصوص إدلب”، إندبندنت التركية، 28/2/2020: https://2u.pw/Sbj0NR
[37] برنامج حزب الدعوة الحرة، حزب الدعوة الحرة، صـ 22-26، 2021: https://2u.pw/PM6lxK
[38] “Yapıcıoğlu: Suriyelilerle ekmeğimizi bölüşürüz ama zalime teslim edemeyiz”
“يابجي أوغلو: سنتقاسم الخبز مع السوريين لكن لا يمكن أن نسلمهم للظلمة”، ilkha، 15/9/2022: https://2u.pw/FshRbJ
[39] “HÜDA-PAR lideri: Türkiye, Suriye ve Mısır’la ilişki kurmalı”
“يابجي أوغلو: يجب أن تؤسس تركيا للعلاقات مع سوريا ومصر”، روداو، 24/11/2022: https://2u.pw/J0YGjX
[40]” HÜDA-PAR Başkanı Yapıcıoğlu’ndan hükümete Suriye çağrısı”
“نداء رئيس حزب الدعوة الحرة للحكومة بشأن سوريا”، روداو، 24/8/2022: https://2u.pw/9ZvIaP
[41] البيان المشترك بعد اجتماع قادة الطاولة السداسية في مقر حزب المستقبل، تحالف الشعب، 30/5/2022: https://2u.pw/7Ku8JN
[42] البيان المشترك بعد اجتماع قادة الطاولة السداسية لمناقشة موضوع الزلزال، تحالف الشعب، 18/2/2023: https://2u.pw/ZTlXrz
[43]” ORTAK POLİTİKALAR MUTABAKAT METNİ”
بيان السياسات المشتركة، حزب الشعب الجمهوري، صـ237، 30/1/2023: https://2u.pw/J1O3Zz
[44] المرجع السابق: صـ237-238.
[45] المرجع السابق: صـ238.
[46] المرجع السابق: صـ238.
[47] المرجع السابق: صـ239.
[48] المرجع السابق: صـ238-239.
[49] المرجع السابق: صـ239.
[50] المرجع السابق: صـ240.
[51] اللائكية: كلمة فرنسية تعني العلمانية، ولكن تختلف عن مفهوم العلمانية الذي يطبق في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، فعلى سبيل المثال: العلمانية الفرنسية أشد صداماً مع الدين ومظاهره وأكثر تطرفاً من باقي النسخ من العلمانية.
يُنظر: العلمانية واللائكية والإسلام.. رفعاً للالتباس، الجزيرة نت، 19/9/2011: https://2u.pw/SsdRWl
[52]” Kılıçdaroğlu: Esad yönetimini savunmadık”
“كلتشدار أوغلو: لم ندافع عن نظام الأسد”، En Son Haber، 15/3/2014: https://2u.pw/0NpRyv
[53] “Esad’ın Alevi olmasından bana ne?”
“ما شأني إذا كان الأسد علوياً؟”، istanbulgerçeği، 9/10/2012: https://2u.pw/XaOeEt
[54] “Sosyalist Enternasyonal’e CHP’den Esed itirazı”
“اعتراض من حزب الشعب الجمهوري في الأممية الاشتراكية حول الأسد”، haber7com، 6/2/2012: https://2u.pw/rSVWKw
[55] “CHP Genel Başkanı Kılıçdaroğlu: Savaşı asla doğru bulmuyoruz”
“رئيس حزب الشعب الجمهوري كلتشدار أوغلو: لا نرى خيار الحرب خياراً صائباً أبداً”، الأناضول، 14/4/2018: https://2u.pw/RzyPE7
[56] “CHP’den ‘Uluslararası Suriye Konferansı’”
“حزب الشعب الجمهوري ينظم “مؤتمر سوريا الدولي””، الأناضول، 28/9/2019: https://2u.pw/Sjc8xS
[57] المرجع السابق.
[58] “Suriye’nin Geleceğine Suriyeliler Karar Vermeli”
“يجب أن يقرر السوريون مستقبل سوريا”، Bianet، 28/9/2019: https://2u.pw/nDiqfV
[59] “Göçmen ve Sığınmacı Sorununu 2 Yıl İçinde Çözeceğiz!”
“سنحل مشكلة المهاجرين والنازحين خلال سنتين!”، حزب الشعب الجمهوري، 1/8/2022: https://2u.pw/i7frQJ
[60] “Şener: Esad, Türkiye’ye kızgın da kırgın da değil”
“شنر: الأسد ليس غاضباً أو حزيناً من تركيا”، سبوتنيك التركية، 9/3/2015: https://2u.pw/rRuIfn
[61] تغريدة من النائب السابق لحزب الشعب الجمهوري “بارش ياركاداش” يوبخ فيها “سارة قاضي غيل” على موقفها ويستذكر تغريدتها القديمة، وذلك بعد مقتل 33 عسكرياً تركياً في إدلب بقصف من روسيا والنظام، 28/2/2020: https://2u.pw/v9QbYO
يُذكر أن سارة قاضي غيل استقالت من حزب الشعب الجمهوري عام 2021، وانضمت لحزب العمال التركي ذي التوجهات الاشتراكية.
[62] يمكن متابعة حساب إيرين إردم على تويتر والبحث عن تغريداته التي دافع فيها عن الأسد؛ فهي أكثر من أن تحصى: https://2u.pw/kw95Nz
[63] “CHP VE SURİYELİ SIĞINMACILAR: AYRIMCILIK, ÖTEKİLEŞTİRME VE NEFRET ÜRETİMİNİN POLİTİK DİLİ”
“حزب الشعب الجمهوري والنازحين السوريين.. لغة السياسة القائمة على التفرقة والإقصاء وإنتاج الكراهية”، صـ10-12: https://2u.pw/swiyO4
[64] المرجع السابق: صـ19-20.
[65] المرجع السابق: صـ40.
[66] المرجع السابق: صـ15-18.
[67] تغريدة لأوميت أوزداغ رداً على تغريدة لكلتشدار أوغلو عن اللاجئين، 4/8/2021. ويمكن العثور على الكثير من التغريدات والتصريحات التي اتهم أوزداغ فيها حزب الشعب الجمهوري بالعمل على إبقاء اللاجئين وعدم ترحيلهم؛ يُنظر: https://2u.pw/2QaGfI
[68] البيان الانتخابي للانتخابات البلدية 2019، حزب الشعب الجمهوري، صـ27، 10/2/2019: https://2u.pw/2RCy1j
[69] “CHP’li Başarır sosyal medyadaki iddialar üzerine Mersin’deki yurda gitti”
“باشرر يذهب إلى السكن الطلابي في مرسين للتحقق من الادعاءات المنتشرة على التواصل الاجتماعي”، جمهورييت، 10/2/2023: https://2u.pw/SCZzq2
[70] “Onursal Adıgüzel’den Yabancı Seçmen Açıklaması”
تصريح من أنورسال أدي غوزال عن الناخبين الأجانب، حزب الشعب الجمهوري، 5/4/2023: https://2u.pw/F4GMYn
[71] تصريح صحفي لمتحدث الحزب فائق أوزتراك، حزب الشعب الجمهوري، 30/3/2020: https://2u.pw/T4iJbB
[72]” Erdoğan: Mülteciler için 40 milyar dolar harcadık”
“أردوغان: صرفنا على اللاجئين 40 مليار دولار”، En Son Haber، 18/11/2019: https://2u.pw/smfx3H
[73] خطاب كلتشدار أوغلو أمام كتلة حزبه البرلمانية، حزب الشعب الجمهوري، 19/4/2022: https://2u.pw/8gtnUu
[74] Kemal Kılıçdaroğlu: “Suriye sınırından seslendi: ‘Kimse elini kolunu sallayarak bu ülkeye giremeyecek”
“كلتشدار أوغلو من الحدود السورية: لن يدخل أحد بسهولة من حدودنا”، Halk TV، 14/3/2023: https://2u.pw/ypqYrj
[75] Meral Akşener: “Suriyelileri geri göndereceğiz”
“ميرال أكشنار: سنعيد السوريين إلى بلادهم”، يني تشاغ، 20/11/2018: https://2u.pw/2YENBu
[76]” İYİ Partili Çıray’dan “Suriyeli” çıkışı: AKP ve MHP’li vekiller reddetti”
“نواب حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية يرفضون مشروع عضو الحزب الجيد تشراي حول السوريين”، إيجه تلغراف، 1/3/2023: https://2u.pw/hgx95f
[77] تغريدة من حساب أيتون تشراي الرسمي في تويتر، 1/4/2023: https://2u.pw/nC1r7P
[78] خطة الهجرة الوطنية التي أصدرها الحزب الجيد، 6/9/2022: https://2u.pw/sUAsIT
[79] المرجع السابق.
[80]” SP lideri Kamalak, Esad’la görüştü”
“قائد حزب السعادة كامالاك يلتقي الأسد”، حرييت، 7/1/2012: https://2u.pw/1wTtet
[81] “Esad’a Türkiye’den sürpriz ziyaretçi”
“زائر مفاجئ من تركيا للأسد”، NTV، 7/1/2012: https://2u.pw/gaNEGU
[82] “Temel Karamollaoğlu’ndan Suriyeli mültecilerle ilgili açıklama”
“تصريح من تمل كرم الله أوغلو حول اللاجئين السوريين”، En Son Haber، 11/8/2022: https://2u.pw/gy7oav
[83] خطاب لرئيس الحزب تمل كرم الله أوغلو، حساب حزب السعادة في تويتر، 31/7/2019: https://2u.pw/IZbp5G
[84] “Gelecek Partisi lideri Davutoğlu: Erdoğan’a kişisel bir karşıtlığım yok, karşıt olduğum şey otoriter sistemdir”
حوار صحفي مع داوود أوغلو، إندبندنت التركية، 13/9/2022: https://2u.pw/fH2Ifr
[85] “Devlet Aklı Ve Millet Vicdanı Rehberliğinde Düzensiz Göç Sorunu Ve Çözüm Önerileri: Gelecek Modeli”
خبر إصدار خطة حزب المستقبل حول الهجرة واللاجئين ذكر فيه مشاركة خالد خوجة بإعداد الخطة، 18/8/2022: https://2u.pw/b8zaMr
[86] خطة حزب المستقبل للتعامل مع الهجرة، حزب المستقبل، 18/8/2022: https://2u.pw/fmXnce
[87] “Mustafa Yeneroğlu: “Ankara’da bir pogrom havası gördüm””
“مصطفى ينر أوغلو: رأيت أجواء مذبحة في أنقرة”، سربستيّت، 14/8/2021: https://2u.pw/X5Mc78
[88] تغريدة من حساب ينر أوغلو الشخصي على تويتر حول جريمة طعن لاجئ سوري، 28/9/2020. ويمكن العثور على الكثير من التغريدات والتصريحات الإعلامية المشابهة؛ يُنظر: https://2u.pw/2JybDQ
[89] “Yeneroğlu: ‘3 Suriyelinin yakılarak öldürülmesi olayına ilişkin bir soruşturma başlatıldı mı?’”
“نص مساءلة قانونية لوزارة الداخلية تقدم بها ينر أوغلو في البرلمان حول جريمة حرق 3 شبان سوريين في إزمير”، حزب الديمقراطية والتقدم، 23/12/2021: https://2u.pw/gCKp6H
[90] “SIĞINMACI SORUNUN ÇÖZÜMÜ VE DÜZENSİZ GÖÇÜN ÖNLEMESİ EYLEM PLANI”
“خطة حل مشكلة النازحين ومكافحة الهجرة غير الشرعية”، حزب الديمقراطية والتقدم، 17/8/2022: https://2u.pw/5yuIkh
[91] المرجع السابق.
[92] “Demokrat Parti Genel Başkanı Gültekin Uysal, göçmen meselesini değerlendirdi”
“تصريحات رئيس الحزب الديمقراطي حول مسألة المهاجرين”، الحزب الديمقراطي، 3/8/2021: https://2u.pw/fzgVk8
[93] “Cemal Enginyurt’tan Erdoğan’a ‘Suriyelileri Çıkarın’ Çağrısı!”
“جمال إنغينيورت يدعو أردوغان لطرد السوريين”، Flash Haber TV، 9/2/2023: https://2u.pw/bxxBVW
[94] تغريدة من حساب أكسوي على تويتر، 3/4/2023؛ ويمكن العثور على الكثير من التغريدات المشابهة في حسابه: https://2u.pw/UOlkwG
[95] “HDP Eş Başkanları, Yeşil Sol Parti listelerinden aday olacak: Milletvekili adaylığı kriterleri neler?”
خبر عن دخول حزب الشعوب الديمقراطية الانتخابات البرلمانية باسم حزب اليسار الأخضر تجنباً لخطر إغلاقه بأمر قضائي، BBC التركية، 6/4/2023: https://2u.pw/rrchg9
[96] المرجع السابق.
[97] الوعود المتعلقة باللاجئين في البيان الانتخابي لحزب اليسار الأخضر، حساب لجنة اللاجئين في حزب الشعوب الديمقراطية في تويتر، 31/3/2023: https://2u.pw/gdoeSl
[98] المرجع السابق.
[99] البيان الانتخابي لحزب اليسار الأخضر، الموقع الرسمي لحزب الشعوب الديمقراطية، 31/3/2023: https://2u.pw/CHjqgX
[100] “Teslim olan teröristler HDP’nin PKK ile ilişkisini anlattı”
“إرهابيون سلّموا أنفسهم يشرحون علاقة حزب الشعوب الديمقراطية بتنظيم PKK”، الأناضول، 28/9/2019: https://2u.pw/pzvTHW
[101] “HDP’li Gergerlioğlu Suriyeli mültecilere yönelik işkence iddialarını TBMM’ye taşıdı”
“غرغرلي أوغلو ينقل ادعاءات تعذيب اللاجئين السوريين إلى البرلمان”، Evrensel، 22/3/2023: https://2u.pw/l9p54Z
[102] “MÜLTECİLER, HAKLARI, SORUNLARI VE ÇÖZÜM ÖNERİLERİ”
“تقرير اللاجئين”، حزب الشعوب الديمقراطية، صـ24، 2016: https://2u.pw/VQlOpv
[103] “Demirtaş’tan ‘Suriyelilere vatandaşlık’ açıklaması”
“تصريح دميرتاش حول منح الجنسية للسوريين”، حرييت، 13/7/2016: https://2u.pw/Y4ZTBL
[104] “Suriyeli mültecilere yönelik linç girişimleri hükümetin politikalarından kaynaklanıyor”
“الهجمات الغوغائية على اللاجئين السوريين سببها سياسات الحكومة”، حزب الشعوب الديمقراطية، 16/6/2017: https://2u.pw/FEJAoV
[105] تغريدة لأوميت أوزداغ في تويتر، 28/5/2022: https://2u.pw/US5TBW
[106] تغريدة من الحساب الرسمي للحزب في تويتر، 10/10/2014: https://2u.pw/RitdxS
[107] “Günay: Türkiye’nin Suriye’de bir çözüm ve barış derdi varsa yapması gereken tek şey Suriye topraklarından çıkmaktır”
نص بيان صحفي ألقته المتحدثة باسم الحزب إبرو غوناي، حزب الشعوب الديمقراطية، 25/8/2022: https://2u.pw/SNTYYf
[108] المرجع السابق.
[109] “HDP: Türkiye tek taraflı olarak “bu işgal girişimi ve savaşa” son vermeli”
خطاب للرئيس السابق للحزب “سزائي تملّي” وصف فيه الجيش الحر بأنه عصابات سلفية من فلول داعش، Euronews، 10/10/2019: https://2u.pw/smFYzs
[110] المرجع رقم 105.
[111] 6″Maddede Türkiye İşçi Partisi Göçmen ve Sığınmacı Politikası”
سياسة الهجرة ذات المواد الست عند حزب العمال التركي، حزب العمال التركي، 9/5/2022: https://2u.pw/B3xofp
[112] تغريدة في حساب بارش أتاي الشخصي في تويتر، 18/10/2017: https://2u.pw/h4Dd9B
[113] “Barış Atay: Korkunç haberler geliyor, lanet olsun”
“بارش أتاي: تأتينا أخبار مرعبة من إدلب، اللعنة!”، Akit، 28/3/2015: https://2u.pw/O4EzV7
[114] تغريدة من حساب بارش أتاي في تويتر، 24/11/2019، ويمكن العثور على الكثير من التغريدات التي تشيطن فصائل المعارضة السورية وتمدح نظام الأسد وجيشه في حسابه الشخصي؛ يُنظر: https://2u.pw/O3CSkk
[115] تُنظر سيرة حياة أفق أوراس الذي وُلد لعائلة يعود أصلها لمنطقة ديفريغي ذات الأغلبية العلوية في ولاية سيواس: https://2u.pw/ZcXquj
[116] “EMEP’in Arapça bildirisini alan Suriyeli işçinin sevinci kamerada”
“شاهد فرحة عامل سوري بعد حصوله على منشور حزب العمل باللغة العربية”، Evrensel، 4/12/2020: https://2u.pw/8dWLLF
[117] مقطع الدعوة للتظاهر يوم 1 مايو/أيار باللغة العربية، حساب حزب العمل في تويتر، 28/4/2022: https://2u.pw/mZCNZI
[118] “Emek Partisi’nden Göç Gözlem Raporu: ‘Çözüm yerli ve göçmen emekçilerin birliğinde’”
“تقرير مراقبة الهجرة من حزب العمل”، جمهورييت، 20/6/2022: https://2u.pw/RRwGJf
[119] المرجع السابق.
[120] المرجع السابق.
[121] “Tek Adam Tek Parti Yönetimi’nin Suriye Politikası”
“سياسة سوريا في نظام الرجل الواحد والحزب الواحد”، حزب العمل، 7/11/2019: https://2u.pw/dS96mj
[122] المرجع السابق.
[123] عدد أعضاء حزب الحركة العمالية 228 عضوًا فقط، وحزب الحرية المجتمعية 143 عضوًا فقط بحسب بيانات المحكمة العليا في تركيا، ولا يملك الحزبان أحقية الدخول في الانتخابات البرلمانية باسمهما نظرًا لقلة عدد الأعضاء وعدم الانتشار في الولايات التركية بالحد الأدنى: https://2u.pw/CitFbo ، https://2u.pw/bp7Slm
[124] تغريدة من حساب أوميت أوزداغ في تويتر، 3/4/2023: https://2u.pw/a68dfV
[125] يمكن الاطلاع على عناوين الكتب التي نشرها أوزداغ في صفحة التعريف به في ويكيبيديا: https://2u.pw/PUgr22
[126] برنامج حزب الظفر، فقرة “قلعة الأناضول” صـ49-59 وفقرة “العلاقات مع الشرق الأوسط” صـ244-248، 2021: https://2u.pw/cMct6R
[127] يُذكر أن الآذر في ولاية إغدير بالغالب من المذهب الشيعي، والتعريف بالأقلية الآذرية في تركيا يُنظر: https://2u.pw/B4xFNh
كما يمكن الاطلاع على خبر نشرته وكالة الأناضول حول انقسام سكان إغدير في وقت الإفطار برمضان بين السنّة والشيعة بسبب اختلاف فقهي بين أتباع المذهبين في المدينة، 19/6/2017: https://2u.pw/TX0VHn
[128] “Ata İttifakı Cumhurbaşkanı Adayı Sinan Oğan: 13 milyon Suriyeli sığınmacıyı 1 yıl içinde ülkelerine geri göndereceğiz”
“مرشح تحالف “أتا” سنان أوغان: سنعيد 13 مليون نازح سوري إلى بلادهم خلال سنة”، HaberGlobal، 28/3/2023: https://2u.pw/sgMxel
[129] “Muharrem İnce: Kılıçdaroğlu CHP’ye FETÖ’cüleri doldurdun, PKK’lıları doldurdun”
“محرم إنجه: كلتشدار أوغلو، لقد ملأت حزب الشعب الجمهوري بأتباع غولن وتنظيم PKK”، صباح، 3/8/2022: https://2u.pw/MLOF67
[130] تغريدة من الحساب الرسمي لحزب البلد في تويتر: 3/4/2023: https://2u.pw/knhMAu
[131] تغريدة على تويتر تضمنت مقطعاً من مقابلة تلفزيونية لإنجه أطلق فيها هذه التصريحات، 21/3/2023: https://2u.pw/DPFFyV
———————————–
مناورة كليجدار أوغلو الكردية محفوفة بالمخاطر/ محمود علوش
قبيل أسبوعين من موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية في 14 مايو/أيار المقبل، أعلن تحالف العمل والحرية الذي يقوده حزب الشعوب الديمقراطي الكردي دعمه الصريح لمرشح التحالف السداسي للمعارضة كمال كليجدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية. ولم يكن هذا الإعلان مفاجئا، لأن الطرفين سبق أن مهّدا له بالفعل في الآونة الأخيرة، إن على مستوى اللقاءات المُعلنة وغير المُعلنة التي جمعتهما، أو على مستوى الخطاب السياسي الودي بين الطرفين. لكنّ حقيقة أن هذا الدعم ظل في الفترة الماضية غير مُعلن لدوافع وحسابات مُختلفة للطرفين، يطرح تساؤلات حول الغاية من الإعلان عنه قبل أيام قليلة من الانتخابات، وتأثيراته المحتملة على “الستاتيكو” الانتخابي خصوصاً في جبهة المعارضة.
في حسابات كل من كليجدار أوغلو وحزب الشعوب، فإن هذا الدعم يُفترض أن يساعد الأول على حسم الانتخابات الرئاسية لصالحه من الجولة الأولى. ومع أن هذا الاحتمال يبدو مستبعدا بشدة، فإن دعم حزب الشعوب الديمقراطي لكليجدار أوغلو يُعزز موقفه في المنافسة مع أردوغان، لكنّه أيضا لا يخلو من مخاطر قد تؤدي إلى نتائج عكسية.
هناك 3 تفسيرات لتحول التحالف بين حزب الشعوب وكليجدار أوغلو إلى مُعلن:
أولاً: بالنّظر إلى أن الصفقة التي أبرمها الطرفان بعد لقاء كليجدار أوغلو بالرئيسين المشاركين لحزب الشعوب في مارس/آذار الماضي جاءت بعد الأزمة القصيرة التي عصفت بالتحالف السداسي ودفعت حزب الجيد القومي إلى التلويح بالخروج منه، فإن الغاية وقتها من إبقاء الصفقة غير مُعلنة هي حماية التحالف السداسي من التفكك مُجددا، ولا سيما أن زعيمة الحزب ميرال أكشنار عارضت صراحة أي تحالف بين الحزب الكردي والطاولة السداسية.
ويبدو أن الظروف الراهنة أصبحت مواتية لكليجدار أوغلو وحزب الشعوب للإعلان صراحة عن التحالف؛ لأنّهما يعتقدان أن الطاولة السداسية تجاوزت مرحلة خطر التفكك، كما أصبح حزب الجيد أقل قدرة على مقاومة التحالف الصريح بين الحزب الكردي وكليجدار أوغلو، خصوصا أن معارضة محتملة من جانب ميرال أكشنار لهذا التحالف ستجعل حزبها أكثر عرضة للمخاطر بعد أن فقدت جزءا من قاعدتها التصويتية في أعقاب أزمة المرشح المشترك.
تُشير التقديرات إلى أن ما يقرب من 5% من الأصوات القومية في حزب الجيد تخلت عنه، بسبب موافقة أكشنار على تبني التحالف السداسي ترشيح كليجدار أوغلو للرئاسة، وصمتها عن الصفقة بين كليجدار أوغلو وحزب الشعوب الديمقراطي.
ثانياً: يُشير إعلان حزب الشعوب الديمقراطي دعم كليجدار أوغلو إلى أن الطرفين وضعا اللمسات النهائية على التحالف بينهما والتوصل إلى مقاربة مشتركة في المسائل الأساسية، خصوصا فيما يتعلق بالمطالب التي يطرحها الحزب الكردي، على غرار إلغاء كليجدار أوغلو -في حال فوزه بالرئاسة- سياسة الوصي على رؤساء البلديات التي عُزلوا منها خلال السنوات الماضية بسبب ارتباطهم بحزب العمال الكردستاني المحظور، وقبوله بإعادة طرح المسألة الكردية في البرلمان من أجل التوصل إلى حل لها.
لكنّ المطالب الأكثر أهمية التي يطرحها حزب الشعوب، مثل تحقيق الحكم الذاتي المحلي في المناطق ذات الغالبية الكردية ووقف العمليات العسكرية التركية ضد حزب العمال المحظور وفرعه السوري وحدات حماية الشعب الكردية، تبقى الأكثر حساسية في الصفقة.
لم يُظهر كليجدار أوغلو صراحة موافقته على مثل هذه المطالب، لأن مثل هذه الموافقة ستؤدي إلى انهيار التحالف السداسي مُجددا وتبديد أي فرصة للمعارضة للفوز في الانتخابات، بيد أن إعلان الحزب الكردي دعم كليجدار أوغلو يُعطي انطباعا بأنه حصل على تعهدات منه بقبول مطالبه الأخرى، أو -على الأقل- الاستعداد لنقاشها بعد الانتخابات إذا خسر أردوغان.
ثالثاً: يسعى حزب الشعوب الديمقراطي من خلال الإعلان عن دعم كليجدار أوغلو إلى توجيه كتلته الانتخابية للتصويت لصالح كليجدار أوغلو، لأن الكتلة الانتخابية للحزب يُعرف عنها أنها لا تُصوت في العادة لمرشحين آخرين غير مرشحي حزب الشعوب، سواء في الانتخابات المحلية أو البرلمانية أو الرئاسية. وبالتالي، فإن توجيه هذه الكتلة من جانب الحزب في هذه الانتخابات يضمن على الأقل تصويت الجزء الأكبر منها لصالح كليجدار أوغلو.
ومع أن هذه الكتلة تُعارض بشدة الرئيس رجب طيب أردوغان، فإن تجربة الحالة الكردية مع حزب الشعب الجمهوري عندما كان في الحكم لعقود طويلة لا تبدو مشجعة للناخب الكردي عموماً لدعم خيار كليجدار أوغلو، لكن التوجيه الصريح له من جانب قادة الحزب يساعده في ضمان تصويت أكبر قدر من الناخبين لهذا الخيار.
لا يريد حزب الشعوب الديمقراطي أن يبقى موقفه من الانتخابات الرئاسية في منطقة رمادية، لأن من شأن ذلك أن يُظهر ضعف قدرته في التأثير على قاعدته الانتخابية لتحديد خيارها الرئاسي.
بقدر ما أن هذا الإعلان سيوجه ناخبي حزب الشعوب عموما لصالح كليجدار أوغلو، فإنه سيُكرس في المقابل فقدانه الأصوات الرافضة لهذا التحالف مع الحزب الكردي في التحالف السداسي، وهذه الأصوات كتلة وازنة لا يُمكن الاستهانة بتأثيرها في منافسة انتخابية تتقارب فيها الأرقام بشكل كبير.
ومع أن من الصعب تقدير حجم هذه الكتلة تماما، لكنّ ارتفاع نسب التصويت المحتمل لصالح المرشح الرئاسي الآخر مُحرم إنجه بعد أزمة التحالف السداسي من 1% إلى ما يقرب من 7%، يُساعد في تقدير أن حجم الكتلة التصويتية التي سيخسرها كليجدار أوغلو في التحالف السداسي ستصل إلى 6% على الأقل، وربما تكون أكبر برقمين إضافيين، خصوصا أن بعض الاستطلاعات المستقلة تُقدر أن ما يقرب من 5% من الأصوات القومية في حزب الجيد و3% في الحزب الشعب الجمهوري تخلت عن كليجدار أوغلو بسبب تحالفه مع الحزب الكردي.
يراهن كليجدار أوغلو على أنه سيكسب من هذا الدعم أصواتا أكثر من تلك التي سيخسرها. حسابيا، يبدو ذلك مُمكنا إذا ما نظرنا إلى القاعدة التصويتية المتوقعة لحزب الشعوب الديمقراطي، والتي تتراوح بين 10% و12%. وفق حسابات كليجدار أوغلو، فإنه سيكسب على الأقل 10% من أصوات حزب الشعوب الديمقراطي مقابل خسارة 7% من الأصوات القومية.
مع ذلك، فإن هذا التكتيك الحسابي ينطوي على الكثير من المخاطر، خصوصا إذا لم يُساعد كليجدار أوغلو على حسم الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى. إذا لم يُثبت دعم حزب الشعوب الديمقراطي لكليجدار أوغلو أنه صانع الملوك في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، فإن تحالف كليجدار أوغلو قد يؤدي إلى نتيجتين معاكستين على جبهة المعارضة عموما: الأولى أن كليجدار أوغلو سيجد في جولة ثانية محتملة حاجة لإعادة استقطاب الأصوات القومية التي خسرها، لكنّ ذلك سيفرض عليه التعهد بمواصلة نهج قوي في الصراع مع حزب العمال الكردستاني المحظور، وهو ما سيُثير غضب ناخبي حزب الشعوب.
أما الثانية، فهي أن الأصوات القومية المعارضة لتحالف كليجدار أوغلو مع الحزب الكردي، قد ترد على هذا التحالف بالتصويت لصالح أردوغان في جولة ثانية. ما يُعزز هذا الافتراض أن هذه الكتلة القومية ذهبت لمحرم إنجه لأنه كان خيارا معارضا متبقيا لها للتعبير عن رد فعلها، ومن غير المرجّح أن تُغير قناعاتها في معارضة كليجدار أوغلو في جولة إعادة محتملة يتنافس فيها مع أردوغان.
أفضل السيناريوهات لكليجدار أوغلو أن تقف الأصوات القومية الرافضة له في جبهة المعارضة على الحياد في جولة ثانية، وأكثرها سوءا أن تقرر التصويت لصالح أردوغان.
باحث في العلاقات الدولية
———————————
اللاجئون السوريون يتمنون فوز اردوغان:تركيا لن تغير سياساتها قريبا
تترقب الأوساط السورية المعارضة الانتخابات التركية المقررة في 14 أيار/مايو، في ظل اعتقاد واسع بين اللاجئين السوريين في تركيا وسكان الشمال السوري بمصيرية نتائجها لجهة مستقبلهم.
وتحت تأثير وعود المعارضة التركية (الطاولة السداسية)، التي تدخل الانتخابات موحدة ضد حزب العدالة والتنمية الحاكم وتحالفه، بتغيير طريقة تعاطيها في الملف السوري في حال فوزها بالانتخابات، تبدو غالبية السوريين أكثر تفضيلاً لفوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وفي هذا الإطار ناقش مركز “الحوار السوري” في ندوة حوارية شارك فيها عدد من الباحثين والخبراء والناشطين السياسيين والمهتمين، انعكاسات الانتخابات التركية على مستقبل اللاجئين السوريين والشمال السوري، من دون أن يكشف المركز في تقريره عن مجريات الندوة، وهوية المشاركين (تشاتام هاوس).
اللاجئين السوريين
وبما يخص مستقبل نحو 4 ملايين لاجئ سوري في تركيا، أشار المركز إلى ارتباط الملف بتوافقات مع دول أخرى، ما يجعل التعامل معه معقداً، ولا إجماع عليه حتى ضمن أحزاب كل تحالف من التحالفات الانتخابية القائمة على الرغم مما قد يظهر إعلامياً أحياناً من وعود بإعادة السوريين.
ويرى أحد المشاركين أن تركيا لم تكن لديها سياسات واضحة في قضية التعامل مع اللاجئين منذ بداية دخولهم حتى الآن، مرجحاً أن تبقى مشكلة اللاجئين قائمة سواء بقي الحزب الحاكم الحالي في الحكم أو فازت المعارضة، لأن “المشكلة موجودة في النظم القانونية للقانون التركي، فموضوع الحماية الإنسانية ليس قانوناً مكتملاً ويحتاج إلى إعادة تأهيل، وحصل خلاف بين الاتحاد الأوروبي والحزب الحاكم في تركيا على مدى سنوات لإعادة تأهيل قانون الحماية الإنسانية”.
مطولاً، استعرض المركز رؤية “الطاولة السداسية” لمسألة إعادة السوريين، وذكر متحدث مطلع مقرب من المعارضة التركية في الندوة، إن إعادة السوريين إلى الداخل السوري شكلت صراعاً أساسياً بين أحزاب المعارضة، مضيفاً أن حزبي “المستقبل والدواء” هما من أكثر الأحزاب في الطاولة التي تُعرقل موضوع إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
ويُعلق مدير وحدة تحليل السياسات في مركز “الحوار السوري” الدكتور محمد سالم بقوله: “من المعلوم أن هناك مبالغة في التصريحات التي تخص مستقبل اللاجئين السوريين في تركيا، لحسابات انتخابية، وكل الأطراف السياسية التركية (معارضة، حكومة) تدرك أن ملف الوجود السوري لا يمكن حله في غضون عامين”.
ويشير في حديثه ل”المدن” إلى قرب المعارضة من أوروبا والولايات المتحدة أكثر من الحكومة التي تنسق مع روسيا، ويقول: “هناك اتفاقيات عقدتها تركيا مع الاتحاد الأوروبي وأميركا بخصوص اللاجئين، ما يعني أن تأثير نتيجة الانتخابات على الوجود السوري في تركيا لن تكون على المدى القريب”.
الوجود العسكري التركي
وحول تأثير نتيجة الانتخابات على الوجود العسكري التركي في سوريا، ينقل المركز عن أحد المشاركين قوله إن “الوجود العسكري يُناقش على مختلف المستويات في الدولة التركية مثل البرلمان والحكومة والأحزاب، ومن المفترض أن هذا النوع من القرارات لا يتأثر بشكل مباشر وسريع بمسألة تغير الحزب الحاكم، وإنما يأخذ وقتاً”.
المشارك دعا إلى التفريق بين قرارات تركيا وتوجهاتها التي هي على مستوى الحكومة الحالية والقرارات التي تم اتخاذها من طرف تركيا بسبب حسابات داخلية معقدة واتخذت على مستوى مجلس الأمن القومي التركي، مضيفاً: “لا تخضع بشكل مباشر وسريع وبدرجة كبيرة لحسابات نتائج الانتخابات، لكنها ستتأثر على المدى البعيد في حال حدوث تغير فعلي أو كبير في الحكومة والبرلمان وأوزان المشهد السياسي في تركيا”.
وعن رؤية المعارضة يؤكد أن أحد أحزاب الطاولة طرح بند إعادة مبادئ السلام الداخلي والخارجي، مبيناً أن المقصود بالداخلي القضية الكردية، وبالخارجي المنطقة بأكملها، وعلى أساسه يبنى موضوع انسحاب القوات التركية من سوريا، ولكن ليس بشكل آني مباشر، وإنما على شكل مراحل عديدة، بحيث يكون هناك تنسيق وتفاهم مع الدول الإقليمية وفق التفاهمات الروسية التركية الإيرانية، مما يعني أنه لن يكون هناك انسحاب تركي عسكري من شمال سوريا على المدى القريب.
وهنا يشير محمد سالم إلى حالة شبه إجماع بين كل الأحزاب التركية على وضع الوجود التركي في سوريا في إطار ضرورات “الأمن القومي التركي”، ويقول: “من الصعب أن يتغير هذا الإجماع، وخاصة أن قرار دخول الجيش التركي إلى سوريا جاء من مجلس الأمن القومي التركي، وهذا المجلس لديه اعتبارات لا تتأثر بشكل كبير بتغيير الحكومة”.
ودونما شك، يستبعد سالم انسحاباً تركياً سريعاً من سوريا، بغض النظر عن نتيجة الانتخابات.
التطبيع مع النظام
وبعد أن أشار سالم إلى اتفاق الحكومة والمعارضة التركية على التطبيع مع النظام السوري، قال: “لا خلاف على هذا المسار، وفي الغالب سيستمر هذا الزخم، وتركيا بحاجة إلى شرعنة وجودها في سوريا، وهذا الأمر يتطلب موافقة مباشرة أو غير مباشرة من نظام دمشق”.
لكن أحد المشاركين في الندوة قال إن “السياق الذي يأتي فيه هذ التطبيع مختلف بشكل كبير، فالحكومة الحالية تركز على شروط معينة تتعلق بالوضع السياسي الداخلي والمعتقلين وأولوية محاربة الإرهاب وشروط وتفاصيل أخرى، أما إن حصل تغير فإن عملية الانفتاح تبقى قائمة ولكن تأتي في سياق آخر، إذ تميل بعض أطراف المعارضة للمضي في عملية الانفتاح أو التطبيع في سياق المصالحة، وفي سياق أقرب إلى الاعتذار عما مضى”.
ويعزز استمرار الحكومة التركية الحالية من آليات تطبيق الخطط والتفاهمات التي رسمتها بخصوص اللاجئين السوريين، أو فيما يخص الشمال الغربي وقضية التطبيع مع النظام، والتي سيتم التوصل إليها بالتنسيق مع الأطراف الدولية والإقليمية والمضي بها نحو تعزيزها أو توسيعها والبناء عليها أكثر، في حين أن قدوم المعارضة التركية سيترك تأثيرات مختلفة على تلك الملفات، ولكن على المدى الطويل لا السريع، وهذه التغييرات ما تزال غامضة، ولا يبدو أنها ستتضح بسهولة، كما يؤكد المركز “السوري للحوار”.
—————————-
موقع السوريين في الإعلام التركي/ محمد طاهر أوغلو
حينما كنت أبحث عن دراسة حول تناول الإعلام التركي بمؤسساته المرئية والمطبوعة والإلكترونية لقضية السوريين المقيمين في تركيا تحت بند “الحماية المؤقتة”؛ لم أعثر في الحقيقة على بحث بالمحتوى العربي يغطي هذا الموضوع في إطار علمي، مما دفعني بدافع كوني صحفيا وباحثا للتطرق لهذا الموضوع، لا سيما أنني وجدت عدة دراسات “تركية” عن الموضوع ذاته.
وذلك أعددتُ دراسة حول هذا الموضوع، وشاركت بها في المؤتمر الثالث للباحثين السوريين في العلوم الاجتماعية، الذي أقامه مركز حرمون للدراسات المعاصرة، وسنحت لي الفرصة هنا كي أشارك أهم مخرجات البحث واستنتاجاته، وكانت خطة البحث تقوم على الأخذ بصحيفتي “جمهوريّت” و”يني شفق” التركيتين نموجاً، ضمن إطار زماني محدد بدءاً من تموز/يوليو حتى نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2022، ما يعني أنه غطّى 4 شهور من عملية الرصد والمتابعة لما تناولته الصحيفتان بخصوص السوريين.
نتيجة لعملية الرصد، تبين أن هناك أخباراً مشتركة في الصحيفتين وأخباراً منفردةً، بمعنى أن هناك موضوعات معينة غطّتها جمهوريّت ويني شفق على حد سواء، وموضوعات تفرّدت بها صحيفة دون أخرى.
ومن اللافت، أن الاختلاف في طريقة نقل المادة وتقديمها للقارئ كان مهيمناً على النوع الأول وهو الأخبار المشتركة بين الصحيفتين، أما في النوع الثاني فكان عنصر “الانتقاء” هو المهيمن، وهذا يشير بدوره إلى القضايا التي تركز عليها وسيلة الإعلام تلك دون الأخرى، والعكس صحيح.
وهذا قد يأخذنا إلى بعد آخر، وهو السياسة التي تتحكم بتغطية معظم وسائل الإعلام تقريباً، ما يعني أن أي صحيفة ما حينما تغطي موضوعات معينة فإنما تتناوله في حيز سياستها الخاصة والجهة السياسية التي تتبع لها والمنهج الأيديولوجي الذي ترتكز عليه.
هذا العنصر تجده حاضراً سواء في وسائل الإعلام المقربة من الحكومة أو المعارضة لها، لا سيما حينما تناول قضايا السوريين، فمثلاً نلحظ الإعلام المعارض يولي أهمية بالموضوعات التي تولًد انطباعاً سلبياً عن السوريين في المجمل، دون تسليط الضوء على الأخبار التي تحكي مثلاً عن نجاحات السوريين وإسهامهم في الاقتصاد التركي أو التي تقدم صورة إيجابية عن السوريين.
في المقابل كذلك، هناك وسائل إعلام مقربة من الحكومة تغطي الأخبار الإيجابية حول السوريين وتنقل معاناتهم وتكافح الحملات العنصرية التي تُشنّ ضدهم، لكنها في نهاية المطاف لا تغطّي حالات إنسانية في عمليات الترحيل.
أو مثلاً حينما تغطي وسائل الإعلام هذه أخبار العملية العسكرية المفترضة في شمال شرقي سوريا والذي كثّر الحديث عنها في الربع الأخير من 2022، وتشير إلى أن هذه العملية ستسهّل عودة اللاجئين من تركيا إلى بلدهم، لكن دون أن تشير في الوقت ذاته للوضع الأمني الصعب هناك، والحياة الإنسانية، وأن الكثير من السوريين المهجّرين هم من مدن يسيطر عليها النظام السوري مثل دمشق وحلب وحمص مثلاً.
بناء على ذلك، تتعمق عملية الانتقاء بما يتناسب مع سياسة كل صحيفة، سواء جمهورّيت أو يني شفق أو غيرهما، فهما مجرد نموذج لحالة موجودة في الواقع الإعلامي.
أما ما يتعلق بمسألة الاختلاف بطريقة النقل وتقديم المادة للقارئ والرأي العام، فهو أيضاً نابع من سياسة الصحيفة كذلك، بجانب هويتها الفكرية كذلك، بل وأيضاً يتحكم بذلك المحرر/الصحفي الذي يكتب المادة، وما يمكن أن يعكس عليها من موقفه أو شعوره تجاه الأشياء والأفكار.
هناك فرق طبعاً حينما تغطي خبراً عن جريمة حصلت، وتكون كلمة “سوري” في العنوان، وبين أن لا تغطي الخبر من أصله، أو أن تغطيه لكن دون إبراز جنسية الشخص في العنوان، وإثارة الجدل الذي قد يؤدي إلى حملة ضد شريحة كبيرة من الناس يشاركون هذا الشخص بقاسم الجنسية.
ولذلك فإن الإعلام كعملية نقل الحدث للرأي العام هو عنصر فعال في تكون أيضاً الأفكار لدى القارئ/المتلقي عن الموضوع الذي هو قضية الخبر/المادة الصحفية، وكثيراً ما شهدنا حملات على وسائل التواصل كان شرارتها خبراً نشرته وسيلة إعلام ما ليبدأ المتلقون الذين هم الرأي عام بنشرها ومشاركتها.
في سياق آخر، وحين الحديث عن جمهوريت ويني شفق كنموذجين للدراسة، يجدر الملاحظة بأن الصحيفة الأولى المحسوبة على التيار المعارض في تركيا كانت تركز على المحتوى السلبي تجاه السوريين في معظم أخبارها ضمن الفترة الزمنية التي غطّتها الدراسة، ولذلك نجد أنها تنقل تصريحات لمسؤولين -على غير عادتها- لمجرد أنها “سلبية” مثل تصريح لوزيرة تركية حول أنه “في عام 2023 لن يكون هناك سوريون في تركيا”.
أما الصحيفة الثانية “يني شفق” المحسوبة على التيار الحاكم، فكان من الملاحظة في الواقع بأنها الأكثر تغطية للموضوعات الإيجابية حول السوريين في تركيا، ومكافحة “العنصرية” أو النزعة الشوفينية تجاههم من قبل بعض الشرائح، وإعداد تقارير ضمن هذا السياق.
وكان من الملاحظ بكثير تركيز الصحيفة على أخبار تدحض مزاعم شخصيات محسوبة على اليمين المتطرف مثل أوميت أوزداغ وإيلاي أكصوي.
على صعيد النتائج كذلك، لا بد من الإشارة إلى أنه لا توجد تغطية لموضوعات/أخبار تتعلق بالمؤسسات السياسية للمعارضة السورية، وهذا يشير إما إلى عدم وجود تمثيل إعلامي قوي يتواصل مع جميع الأطراف ويشرح القضية السورية واللاجئين وما شابه، وإما إلى أسباب أخرى تتعلق بسياسة الصحف ووسائل الإعلام الموجودة في تركيا.
أيضاً مما يمكن الإشارة إليه كذلك، هو أهمية وجود منصة/منصات إعلامية تمثل السوريين وتشرح قضيتهم والمشكلات التي يعانون منها، بمعنى آخر، منصة تركز على المبادئ الإنسانية والأخلاقية دون الاكتراث بالسبق الصحفي أو التبعية السياسية أو الأيديولوجية، فاللاجئون/المهاجرون/الضيوف هم ضحية حرب داخلية وإقليمية ودولية ولا يتوجب عليهم أن يذهبوا جميعهم سدى في سبيل تلك الحرب حتى لا يُقال عنهم إنهم لم يتركوا وطنهم.
من الواجب الأخلاقي والإنساني وحتى المهني أن تتبنى وسائل الإعلام خطاً يتغلب على خطها السياسي حين تتناول قضايا اللاجئين، وهذا الجانب يمكن تطويره وتدعيمه من خلال إما إنشاء وسائل إعلام سورية ناطقة بالتركية، أو عبر تكثيف التواصل والحضور في مؤسسات الإعلام التركي.
—————————–
الأكراد ورقة المعارضة التركية للفوز في انتخابات البرلمان/ وائل عصام
نقول إن الفوز سيكون من نصيب المعارضة التركية في انتخابات البرلمان، لأن كل استفتاءات الرأي الرصينة تجمع على أن تحالفات المعارضة التركية ستتمكن من تجاوز عتبة النصف زائد واحد في البرلمان – ولكن انتخابات الرئاسة ما زالت كفة الطرفين فيها متقاربة ـ وفي المقابل فإن حدود ما سيحققه تحالف حزب العدالة والحركة القومية في البرلمان لا يتجاوز حاجز الـ45% (تزيد او تنقص 2%) ، وبحساب سريع للنسبة التي ستحققها المعارضة التركية، نجد أن أصوات الحزب الجمهوري لا تقل عن 25% وحزب الجيد بزعامة ميرال أكشنار بحدود 10%، اما حزب الشعوب الديمقراطي فقاعدته الانتخابية الكردية نحو 15%، أكثر من 11% للمعارضة، والبقية لمن صمد من بقايا المحافظين الأكراد الإسلاميين المؤيدين لحزب العدالة، نضيف إلى ذلك جمهور حزب السعادة الإسلامية المنبثق من تيار نجم الدين أربكان وهو ثاني أكبر الأحزاب الإسلامية الجذور بعد حزب العدالة، على الرغم من أن قاعدته الانتخابية لا تصل لأكثر من 3%، أضف إلى ذلك جمهور داوود أوغلو رئيس حزب العدالة المنشق، وجمهور علي باباجان وزير الاقتصاد والقيادي في حزب العدالة المنشق أيضا عن حزب العدالة، اللذين لا تتجاوز أصواتهما مجتمعين أكثر من 2%، وكذلك الحزب الليبرالي، ويمتلك نحو 3%، جمهور هذه الأحزاب الصغيرة ستجعل الفارق يتجاوز الـ50% عندما تصوت لقوائم المعارضة التركية.
لكن بيضة القبان الكبيرة، التي قلبت الموازين منذ انتخابات إسطنبول الأخيرة لصالح المعارضة، هي الكتلة الكردية، التي تصل لنحو 15% من أصوات الناخبين كما ذكرنا، فهذه الكتلة كانت غائبة عن التأثير في السنوات الماضية، لأن نسبة تقدر بنحو 30% إلى 40% منها كانت تصوت لحزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان، وهذه النسبة من الأكراد كانت تتكون من المحافظين الإسلاميين الميالين للخطاب الإسلاموي لأردوغان، ومن تبقى من هذه الكتلة كان يفشل في بلوغ حاجز العشرة في المئة اللازم للدخول في البرلمان، فتذهب أصواتهم لقوائم الحزب الثاني في محافظات الأكراد، وهو غالبا حزب العدالة، وهكذا كان يحقق حزب العدالة نسبة تتجاوز الأربعين في المئة، في بعض الانتخابات السابقة، ولكن ما حصل ابتداء من عام 2017 غيّر كل قواعد اللعبة، وأفقد حزب العدالة معظم أصوات الكتلة الكردية المحافظة، التي باتت تصوت لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي، وتمنحه القدرة على تجاوز حاجز العشرة في المئة ودخول البرلمان، وفي الوقت نفسه، أدى هذا التحول إلى خسارة حزب العدالة نحو 5% إلى 6% من أصوات الأكراد، وهي نسبة فارقة جدا في بلاد تتقارب فيها أصوات قوى المعارضة والسلطة، أما السببان اللذان دعا الأكراد المحافظين للانفكاك عن حزب العدالة فهما أولا، تحالف حزب العدالة مع الحركة القومية بزعامة بهشتلي والتقارب معه بعد 2017 في سبيل تمرير تعديلات دستورية تخص النظام الرئاسي التركي في البرلمان، ومن ثم الاستفتاء الشعبي على النظام الرئاسي، ومن ثم دخل حزب العدالة ذو الجذور الإسلامية والحركة القومية في تحالف انتخابي منذ ذاك الوقت. أما السبب الثاني الذي دعا الكتلة الكردية المحافظة للانكفاء عن تأييد حزب العدالة، فهو العمليات التركية في شمال سوريا ضد أكراد سوريا، وهو ما أثار ردة فعل على الجانب الآخر من الحدود، حيث يتركز المجتمع الكردي جنوب تركيا.
وكانت الضربة القاسية الأخرى التي تعرض لها حزب العدالة هي، انقسام داخلي عصف بحليفه الحركة القومية، عندما انشقت القيادية أكشنار وانفصلت عن بهشتلي حليف أردوغان، وشكّلت حزب الجيد، الذي تحالف مع المعارضة، لتأخذ معها نحو نصف القاعدة الانتخابية للحركة القومية لتصب في صالح المعارضة التركية، وهكذا خسر حزب العدالة نحو 5% من أصوات الأكراد المحافظين، بسبب تحالفه مع الحركة القومية ثم عاد وخسر 5% أخرى على الأقل من قاعدة تحالفه الانتخابي بسبب الانقسام الذي عصف بحليفه القومي!
كاتب فلسطيني
—————————–
تعابير وجه الرئيس أردوغان/ توران قشلاقجي
بقي نحو أسبوع على موعد الانتخابات التاريخية في تركيا. وكما هو الحال في جميع السباقات الانتخابية، تطايرت مؤخرا الأكاذيب والادعاءات والافتراءات قبيل هذه الانتخابات أيضا. وتؤدي منصات التواصل الاجتماعي دورا كبيرا في انتشار الافتراءات بسرعة أكبر. واعتاد الناخب التركي منذ سنوات طويلة على مواجهة حملات عنيفة من قبل السياسيين كلما اقتربت الانتخابات في البلاد. وبعد انتهاء الانتخابات، يعود كل شيء إلى طبيعته بالنسبة إلى السياسيين والناخبين، وكأن شيئا لم يحدث.
النقطة التي يجب التركيز عليها في هذه الانتخابات هي، من جهة، هناك تحالف يريد رحيل الرئيس أردوغان، ويسمى «تحالف الأمة». وفي الجهة المقابلة هناك تحالف آخر يدعم أردوغان، الذي يعد قائدا جعل تركيا تحقق قفزات في مجالات مختلفة، لاسيما الدفاع والصناعة والصحة والتكنولوجيا والنقل، واسم هذا التحالف هو «تحالف الشعب». مشكلة «تحالف الأمة» الرئيسية هي فشله حتى اليوم في تقديم حزب قوي يمكنه مواجهة حزب العدالة والتنمية، الذي يحكم البلاد منذ 22 عاما، وعدم قدرته على طرح زعيم كاريزمي في مواجهة أردوغان، فحتى الدراسات التي تجريها شركات الاستطلاع المقربة من المعارضة، تظهر أن حزب العدالة والتنمية لا يزال في المركز الأول من حيث الشعبية، وأن أصوات الرئيس أردوغان، قريبة حتى اليوم من 50 في المئة. ولم يشهد التاريخ السياسي التركي أبدا مثل هذا الحدث من قبل. السبب الوحيد الذي يجعل حزبا في الحكم منذ 22 عاما يحافظ على قوته لغاية اليوم، هو ضعف المعارضة التركية وفشلها في بث الأمل في نفوس الشعب، وهذا محل إجماع عند جميع المحللين السياسيين. تخيلوا أن أردوغان لا يزال يعمل 18 ساعة يوميا، وهذا يقابل مجموع ساعات عمل قادة التحالف المعارض الستة. كما أن عدد المشاركين في تجمعات أردوغان الجماهيرية أكثر من عدد المشاركين في التجمعات المشتركة لقادة المعارضة!
حسنا، كيف يقرأ الرئيس أردوغان هذه الانتخابات؟ وماذا تقول تعابير وجه أردوغان في الساحات الانتخابية؟ يعلم الجميع أن رجب طيب أردوغان، يواصل عمله أمام الرأي العام منذ 1994. وأصبحنا نراه بكثافة أكثر بعد انتشار وسائل الإعلام. ولم يعد الأمر يقتصر على تركيا فقط، بل أصبح العالم بأسره اليوم قادرا على قراءة التعبير المرسوم على وجهه بكل سهولة، والتمييز بين غضبه وسعادته وتعبه وقلقه وتخوّفه. أصبحنا قادرين على فهم جميع هذه الملامح بسهولة. فلا يوجد قناع يخفي الوجه الحقيقي لأردوغان، وكل ما في باطنه ينعكس على ظاهره. ويستطيع الأتراك قراءة تعابير وجه الرئيس منذ حادثة «وان مينيت» (دقيقة واحدة) في منتدى دافوس، وحتى أحداث حديقة «غيزي»، ومحاولة انقلاب 15 يوليو/تموز، وكارثة زلزال 6 فبراير/شباط. مشاعر الصدق والعزم والموقف الحازم والتصميم والمقاومة والنظرة الواثقة والغضب والشجاعة والراحة والهدوء والثبات والشجاعة على وجه أردوغان تعكس فورا حالته النفسية. لكن كان هناك تعبير مختلف مرسوم على وجه أردوغان في الأسابيع الأخيرة. تعبير يصعب قراءته وتفسيره. في البداية كنت أتساءل عمّا إذا كنت أنا الشخص الوحيد الذي يجد صعوبة في فهم هذا التعبير، لكن لاحظت فضولا مشابها لدى الأشخاص في محيطي. هذا ليس تعبيرا نعرفه ونفهمه واعتدنا عليه، هل هو تعبير ناجم عن راحة وتفاؤل بشأن الفوز في انتخابات 14 مايو/أيار؟ كلا، إنه يتجاوز ذلك. لأننا تعرفنا جيدا في الانتخابات السابقة على ملامح وجهه التي تشير إلى ثقته بنفسه وراحته. هناك ما هو أبعد من ذلك في هذا التعبير الجديد. البعض من معارفي فسروه على أنه «لا مبالاة». فهل هو كذلك؟ لا أعتقد. أنا شخصيا أفضل قراءة هذا التعبير على أنه «استسلام للقدر».
يخوض أردوغان النضال السياسي منذ ريعان شبابه، أي منذ نحو 50 عاما، من دون كلل أو ملل ومن دون استراحة. ونحن كنا شاهدين مباشرة على جزء كبير من هذا النضال. رأينا في أردوغان بشكل ملموس معنى تكريس المرء حياته للنضال من أجل قضية ما، وما تعنيه التضحية بالنفس لصالح الوطن والشعب. لقد شهدنا جميعا كيف يكافح رجل من أجل شعبه ووطنه وأمته، هناك قوسان مهمّان في تاريخ الجمهورية التركية الممتد منذ 100 عام، وهما قوسان فتحا وأُغلقا من قبل السياسيين الراحلين مندريس وأوزال. أمّا القوس الذي فتحه أردوغان عام 2002، فإنه لم يغلق بعد. وكانت السنوات الـ21 الماضية من أكثر فترات الجمهورية تألقا وإشراقا، ومن المستبعد أن يتكرر هذا الأمر في المستقبل القريب. نجح أردوغان في كتابة اسمه منذ وقت طويل في التاريخ، وأصبح أسطورة حقيقية، لقد أنجز ما هو أبعد من المتوقع منه في السياسة الداخلية والخارجية والديمقراطية ومكافحة الإرهاب ومعاملة المواطنين على أنهم «بشر» أمام الدولة وتحقيق حرية المعتقد وأمور أخرى كثيرة. رفع معايير تركيا إلى مستوى عالٍ جدا، من خلال الطرق والمساكن والجسور والمستشفيات والمدارس والمطارات وخطوط القطارات عالية السرعة التي بناها منذ توليه السلطة. وارتقى بالبلاد إلى مستويات رفيعة كان يصعب تخيلها من خلال إنجازاته في مجال الصناعات الدفاعية، واستطاع بصموده أن يخرج تركيا من جميع الأزمات التي واجهتها في الداخل والخارج، حقق أردوغان إنجازات كثيرة وكبيرة واستثنائية. في ضوء ذلك؛ دعونا نلقي نظرة إلى تفسيرات ملامح أردوغان الأخيرة على لسان الكاتب التركي المعروف آيدن أونال، الذي عمل مع الرئيس سنوات طويلة وكتب العديد من خطاباته. يقول أونال: «قراءتي هي كالتالي؛ أردوغان، يؤكد بهذا التعبير المرسوم على وجهه في الأسابيع الأخيرة: (لقد قمت بما يقع على عاتقي، وأديت مسؤوليتي. ضحيت بحياتي من أجل بلدي وأمتي. وإذا انتخبت مرة أخرى سأنجز أكثر من ذلك. لا أتوقف ولا أتوانى ولا أرتاح، بل أضحّي بخبرتي وطاقتي حتى آخر قطرة لبلدي وأمتي). إنه يعيش الراحة النابعة عن ذلك، تنعكس على وجهه راحة ناجمة عن الاستسلام للقدر وقرار الشعب، وثقة بالنفس وحالة من الطمأنينة». قال مرارا وتكرارا «خرجنا في هذا الطريق ونحن نرتدي أكفاننا». وتم اختبار مدى إخلاصه في هذا الوعد مرات كثيرة. لا يمكنكم أن تخيفوا أو تقلقوا مؤمنا، من الموت. لا تستطيعون رؤية التوتر والاكتئاب والقلق على وجهه. ما يقوله أردوغان هو «لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا». هذا يجسد القوة والحكمة والتسليم والرضا عن أداء المرء لواجبه بشكل سليم والتعهد بإنجاز المزيد في حال تفويضه والاستسلام للقرار المتخذ في حال لم يحصل على التفويض. أردوغان هو الشخص الأكثر راحة في القلب والعقل والروح في تركيا اليوم. ومهما كانت نتيجة الانتخابات، فإنه الشخص الوحيد الذي لن يكون خاسرا، وأعتقد أن هذا هو الشعور الذي ينعكس على وجهه الآن، وأنا على ثقة من أن الشعب أيضا يقرأ هذا التعبير أيضا بحكمته الواسعة».
كاتب تركي
القدس العربي
————————-
الدعاية الانتخابية في شوارع إسطنبول: شوارب تركية وكرافتة خضراء وبائع ملفوف/ محمد تركي الربيعو
من يسير في شوارع إسطنبول التركية هذه الأيام، لا بد أن تستوقفه صور المرشحين للرئاسة التركية المزمع إجراءها في 14 أيار/ مايو. وكان الزلزال الذي ضرب عدة مدن في جنوب تركيا قبل عدة أشهر قد أثر على الحملات الانتخابية للمرشحين. فخلافا للانتخابات الرئاسية السابقة، التي كانت تعقد فيها الاحتفالات والأغاني والدبكات في ساحات عديدة، فإنّ وقوع الزلزال وسقوط آلاف القتلى، أدى إلى قرار ضمني بالحد من هذه الطقوس الانتخابية، والاقتصار على بعض التجمعات، لكن هذه الهدنة الانتخابية لن تصمد في الأيام الأخيرة، فمع قرب ذهاب الأتراك للاقتراع في الانتخابات التي تبدو مصيرية لكل الأطراف المشاركة، سواء الحكومية أو المعارضة، عادت الدعايات الانتخابية، وحتى السيارات الانتخابية تجول في الشوارع وهي تردد أغاني لصالح كليجدار أوغلو أو الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان، أو لأنصار حزب الجيد.
ما يلفت النظر في هذه العودة، غلبة صور ودعايات مرشحي المعارضة على صور الرئيس الحالي، خلافا للسنوات الماضية. وهذا ما أخذ يثير قلق ومخاوف المؤيدين للرئيس الحالي، من أن حضور هذه العلامات الانتخابية، قد يبدو مؤشرا إلى أن المعارضة في طريقها للوصول إلى السلطة وامتلاك الصوت. كما تظهر صور المرشحين للانتخابات الرئاسية هذه العام، وكأنها تحمل رسائل أكثر حساسية مقارنة بالانتخابات الرئاسية السابقة. فهي تبدو هذه المرة أكثر وضوحاً في التعبير عن مشاعر وهواجس المتنافسين حول مشكلات الفترة التي يعيشونها ويتصارعون عليها.
شارع وطن.. شوارب كليجدار أوغلو
يخترق شارع وطن قلب حي الفاتح في مدينة إسطنبول التركية، وفي هذا الشارع يوجد عدد من المؤسسات الحكومية الرسمية، وأهمها دائرة الهجرة. لكن اللافت هذا العام أنّ صور أردوغان أو أعلام حزب العدالة والتنمية لن تكون المسيطرة على هذا الشارع كما في السابق. إذ نرى مرشح المعارضة كليجدار أوغلو مهيمناً على زوايا عديدة من الشارع. ويظهر في هذه الصور موجها ناظريه لمن يراه بشنبه التركي التقليدي، ومن خلفه فتاة محجبة في رسالة ومحاولة لإظهار أن المعارضة لا مشكلة لديها مع مظاهر الإسلام، وهذا ما يذكرنا بالأسلوب ذاته الذي اعتمده رئيس بلدية إسطنبول إمام أوغلو، عندما اختار جامعة السليمانية لتكون خلفية لرسالته المرئية أثناء الترشح لانتخابات بلدية إسطنبول عام 2019 . ووراء الفتاة المحجبة تقف طبيبة ومهندس (في تأكيد على مشاريع التنمية) وطفلة (المستقبل). وفي صور أخرى يقف كليجدار ومن ورائه رئيس بلدية إسطنبول أكرم أوغلو ورئيس بلدية أنقرة منصور يافاش (ما يشير إلى وجود كفاءات خدمية في المعارضة). في الصورتين نعثر أيضا على شعار واحد «أوعدك» في إشارة إلى وعود المعارضة بأنّ الأمور ستتغير في تركيا في حال قدومها. كما حملت بعض الصور عبارات فرعية مثل «أموال الدولة ليست للقصر.. سأصبح الرئيس الذي ينفق على الشعب» وفي ذلك تذكير ببعض الاتهامات التي وجهت لأردوغان في السنوات الماضية، سواء على صعيد إنفاق مبالغ كبيرة في بناء قصره الفاخر في أنقرة، أو حتى تحميله مسؤولية إنفاق المال العام في مشاريع غير رئيسية مثل، مشروع بناء مطار جديد لإسطنبول، أو قناة إسطنبول، وهي مشاريع تراها المعارضة غير ضرورية.
ليست الصور وشعاراتها فحسب هي ما تستوقف الأتراك والقاطنين في هذه المدينة، بل أيضا مدى انتشار صور كليجدار أوغلو مقارنة بصور أردوغان. ففي الحملات الرئاسية السابقة كانت صور الرئيس أردوغان هي الطاغية، بينما كانت صور المنافسين له (أكمل الدين إحسان أوغلو 2014، محرم إينجه 2018) توجد بكثافة في مناطق المعارضة (كاديكوي، بيشكتاش) إلى جانب صور السياسي الكردي صلاح الدين دميرتاش، وأعلام حزبه (حزب الشعوب الديمقراطي) في حي أسنيورت ذي الغالبية الاجتماعية الكردية. كما أنّ ما ميز هذه الحملة، قدرتها على مخاطبة شرائح واسعة من الأتراك، واستخدام وسائل التواصل لمخاطبتهم، ولذلك نرى كليجدار أوغلو يبدو في حملته أكثر حيوية، وهو ما نراه في أحد مواقع بيع الألعاب الإلكترونية، عندما يظهر مبشرا الشباب الصغار في إمكانية شرائهم للألعاب الإلكترونية بتخفيضات كبيرة في حال فوزه في الانتخابات.
كرافتة خضراء
في مقابل هذا المشهد، نرى صور الرئيس الحالي أردوغان، الذي لا يظهر هذه المرة بابتسامته العريضة، وواقفا بشكل مقابل للناظر، بل يبدو أنّ مصمم الصورة الانتخابية فضل في هذه الحملة أن يلتقط له صورة من جانبه الأيسر (وهذا ما يساعد عادة حسب بعض المصورين على إظهار الشخص وكأنه أصغر عمرا). وهو ما يعكس الحديث اليومي حول تدهور صحة الرئيس التركي، ومحاولة نفي ذلك من قبل المقربين منه. كما يبدو في الصورة الرئيسية لحملته وكأنه ينظر إلى شيء ما بعيد (أقرب للزهد أو مشغول البال) مع ابتسامة خفيفة، مرتديا بدلة رسمية وكرافتة خضراء (ربطة عنق) مع خلفية خضراء للصورة. ولا يبدو أنّ اختيار اللون الأخضر لربطة العنق وخلفية الصورة كان اعتباطيا، بل يبدو أنه يأتي للرد على الاتهامات المكررة أيضا للرئيس كونه تبنى ودعم المشاريع العمرانية على حساب الطبيعة والغابات المحيطة بمدينة مثل إسطنبول. وهذا ما أدى في العقدين الأخيرين إلى أن تتحول كثير من هذه الغابات إلى ضواحي تضم مئات المجمّعات الحديثة.
والطريف هنا أنّ اللون الأخضر غدا جزءا من الحياة والدعاية السياسية التركية في السنوات الأخيرة، خلافا لرمزيته السابقة المرتبطة بالحركات الصوفية. فقبل كرافتة أردوغان الخضراء، كان حزب المستقبل التركي ومؤسسة الرفيق السابق/المعارض الحالي أحمد داود أوغلو، اختاروا أن يكون شعار الحزب ورقة شجر خضراء. كما أن من يدخل موقع الحزب الرسمي على شبكة الإنترنت، سيلاحظ وجود اللون الأخضر في واجهة الموقع، واعتماده كلون للأبواب الرئيسية، وصورة للمؤسس وهو يرتدي بدلة رسمية وكرافتة خضراء. كما نعثر في الصفحة 45 من برنامج الحزب (النسخة الإنكليزية) على إشارة إلى موضوع المناخ والبيئة وعلى عبارة تقول «بعض غاباتنا وأراضينا الزراعية الثمينة يتم تدميرها بواسطة فتح أبواب السياحة ومشاريع البنية التحتية الكبيرة والسكنية، هذا ويزيد التحضّر السريع والنمو السكاني من زيادة التهديد على البيئة» في إشارة ونقد لسياسات أردوغان العمرانية. لكن إن وضعنا جانباً دلالات اللون الأخضر لصورة أردوغان الرئاسية، فإنّ ما يلفت النظر في هذه الصورة شعار حملته (الوقت المناسب.. الرجل المناسب). إذ يشعر من يقرأ هذا الشعار، وكأنّ رسالة الحزب تقول إنه في هذا الوقت المناسب (الزمن الصعب بالأحرى) وعلى الرغم والإقرار بفشل السياسات الاقتصادية، والوقوع في أزمات سياسية وحضرية، إلا أنّ أردوغان هو الأنسب لهذه المرحلة مقارنة بالآخرين، الذين قد يدفعون بالبلاد إلى الهاوية. وهذا بالمناسبة ما يردده أنصار الحزب وقسم كبير من العرب اللاجئين في المدينة.
بائع الملفوف السابق
على طريق المترو بوس الشهير، الذي يربط بين القسمين الأوروبي والآسيوي من مدينة إسطنبول، يلاحظ من يركب من محطة أفجلار إلى يني بوسنة (تقريبا 10 كيلومتر) أنه لا وجود كثيف لصور أردوغان أو منافسه كليجدار أوغلو على طرفي الطريق. وإنما ما تستوقف الراكب لهذه المسافة صورتان كبيرتان وضعتا على جدارين مبنيين وتعودان لوزير الخارجية التركي السابق أحمد داوود أوغلو. وكما ذكرنا، في هذه الصورة يظهر أوغلو بشعاره الأخضر وشواربه الناعمة البيضاء، وعلى جانبه شعار (أمن.. سلام.. مستقبل شجاع). ولعل في عبارة السلام ما يذكرنا بسياسات تصفير المشاكل، التي عُرِف بها أوغلو في زمن أردوغان على صعيد علاقات تركيا الخارجية، لكن هذه المرة يبدو أنّ تصفير المشاكل قد اعتمدها أوغلو داخل أوساط المعارضة. وهذا ما أظهره أحيانا من خلال مرافقته لمرشح المعارضة كليجدار أوغلو، وكأنه مايسترو يضبط التوازن داخل ما عُرِف بالطاولة السداسية.
وعلى الرغم من عدم امتلاك أوغلو لقاعدة شعبية، إلا أنّ انضمامه للمعارضة شكّل ضربة رمزية للحلفاء السابقين. وكان أوغلو القادم من مدينة قونية، حيث مرقد جلال الدين الرومي، قد لعب دور المنقذ في حزب العدالة والتنمية في الانتخابات النيابية في 2015. فخلال الانتخابات النيابية مني الحزب بهزيمة ضمنية في إسطنبول، واضطّر أردوغان لإعادة الانتخابات، وخلال جولة الإعادة بدا أوغلو آنذاك الأقرب إلى الشارع التركي من قيادات حزب العدالة كافة، ولذلك أخذ أستاذ العلوم السياسية يزور الأحياء الفقيرة والبازارات الأسبوعية، التي تمثّل مدينة داخل مدينة، ويتفاعل مع الناس. ومن المشاهد التي سُجِّلت له آنذاك قيامه بزيارة أحد البازارات في رفقة رئيس إسطنبول الراحل قدير طوباش، ليقوم خلال الجولة بارتداء صدرية أحد بائعي الخضروات، ويقف لبيع الملفوف الأخضر؛ وقد بدا يومها وكأنه يرسل رسائل للطبقات الوسطى والفقيرة في المدينة بأنه يمثل مع حزب العدالة، روح المدينة التقليدي/ المحافظ. وهي رسائل بدا مفعولها ظاهرا في جولة الإعادة، إذ تمكن الحزب من الفوز بالانتخابات وتكوين الحكومة منفردا.
في سياق قراءته للتاريخ العثماني، ينقل لنا عالم العثمانيات جمال كفادار أنّ بعض المؤرخين شبّهوا صورة الدولة العثمانية بالبصلة. إذ إنّ لبّ البصلة يشكِّل النزعة القبلية لدى عثمان المؤسس، بينما تكوّن الأحداث الأخرى طبقة فوق طبقة، لنرى في القرن الخامس البصلة وهي ناضجة. ولعل الشيء ذاته يمكن ملاحظته في تجربة أوغلو، فهذا الرجل الذي باع الملفوف في 2015، قد توصّل، بعد مغادرته للحزب وتحالفه مع المعارضة، إلى أنّ الأزمة ليست في لب الملفوف (الطبقة المحافظة والوسطى التي تمثل قاعدة الحزب) بل في الطبقات التي تشكّلت حول هؤلاء. وهي طبقات تتألف من شبكات من المستفيدين من حزب العدالة والمستثمرين ومحدثي النعمة. لذلك لن يظهر أوغلو في الصور يبيع في البازارات الشعبية التركية، بل قرر الوقوف في بازارا سياسي آخر. ويرى بعض المقربين من الحزب أنّ قواعد حزب اوغلو، وحتى باقي الأحزاب الإسلامية، لن تصوّت للمرشح المعارض وإنما ستفضل أردوغان في النهاية. مع ذلك يبدو أوغلو هذه المرة وكأنه يسعى إلى تصفير الاستقطابات والمعارك السياسية التقليدية. ويراهن على أنّ هزيمة أردوغان قد لا تعني بالضرورة خروجا لليمين الوسط (المحافظين الأتراك) من الحكم نهائيا، وإنما إزالة لبعض ورقات الملفوف، بما قد يضمن خروج أردوغان في المقام الأول، خاصة أنّ حضور المحافظين اليوم لم يعد كحضورهم في التسعينيات، بل بات لهم وجود ظاهر وواسع في الفضاء العام والحياة الاقتصادية والمؤسسات كافة.
حصان صويلو الأخير
تبقى هناك صورة واحدة تلفت النظر في المشهد العام للمرشحين، وهي صورة أردوغان وإلى جانبه وزير الداخلية التركي الحالي سليمان صويلو. ففي السنوات الماضية، كنا نعثر على صور عديدة لأردوغان وإلى جانبه أشخاص فاعلين في حزب العدالة والتنمية مثل قدير طوباش أو علي يلدريم. لكن الملاحظ هذا العام أننا لا نعثر سوى على صورة قيادي واحد من الحزب إلى جانب صور أردوغان للانتخابات، وهو الوزير صويلو الذي يظهر واقفا خلف أردوغان. ولعل هذه الصورة تعكس أيضا واقع حزب العدالة والتنمية في الفترة الأخيرة. فالحزب ومنذ سنوات لم يعد يتمتع بالشعبية التي كان يتمتع بها في سنواته الأولى، ولعل هذا ما بدا مع انتخابات البلدية الماضية، والتي سقط فيها مرشح الحزب. ولن يقتصر وجود صويلو على الصور، بل يلاحظ تركيز الكاميرا الانتخابية على حركته في إسطنبول.
وفي هذه المشهد، يظهر تارة ممتطياً حصانه التركي (سيارة توغ تركية الصنع حديثا) دون مرافقة كبيرة، ليقوم بنقل بعض العاملات إلى أماكن عملهن، ومرة أخرى نراه في حي أكسراي يوقف سيارته ويحادث الناس الذين يتوافدون لتحيته بحرارة، خاصة بعد أدائه الجيد في أزمة الزلزال. والطريف أنّ ظهور صويلو لن يكون هذه المرة أيضا في البازارات (مثلما فعل أوغلو عام 2015) بل نراه في مكان آخر، وهو ملاعب كرة القدم، يظهر فيها وهو يتلاعب بالكرة بشكل جيد، كما يبدو شابا مقابل أردوغان المتعب. ولعل اعتماد ملعب كرة القدم ليس اعتباطيا من قبل مخططي الحملة، فهناك هدف لا شك يتعلق برغبة الحزب في استقطاب الشباب، وهي رغبة يبدو أنها جاءت متأخرة بعض الشيء، ولذلك انتشرت في الأيام الأخيرة الدعايات التي وضعت عليها صور لأردوغان وفي الخلفية محاولة لتذكير الشباب بأنه هو من قام ببناء البنية التحتية عندما كانوا أطفالا. مع ذلك يبدو أنّ جيل الشباب لا يميل إلى أردوغان، ليس بسبب العمر، فمرشح المعارضة كبير في العمر أيضا، بل جراء تدهور أحلامهم. وفي كل الأحوال يظهر صويلو وهو يلعب كرة القدم بمهارة قريبا من الشباب بعض الشيء، وذلك خلافا لشخصيته الصلبة التي عرف فيها كوزير للداخلية. كما أن التركيز على صورة ملاعب كرة القدم، تعكس حالة تركيا والشرق الأوسط عموما اليوم، التي أخذت فيها هذه الأماكن بسحرها وأبطالها ، تجذب قلوب الملايين مقارنة بالجوامع في الثمانينيات والتسعينيات، وهو ربما ما يذكرنا بملاحظات الأنثربولوجي سكوت أتران، الذي وجد أن ملاعب كرة القدم اليوم باتت هي أماكن الحشد وتشكيل الصدقات والتحالفات بدلا من الجوامع. لكن هل ستتمكن الصورة المشكلّة لصويلو اليوم (ماردونا حزب العدالة والتنمية) بسيارته التركية من العبور بالحزب إلى الضفة الأخرى، أم سنكون أمام صفحة جديدة في تاريخ إسطنبول الحائرة والقلقة على الدوام.
القدس العربي
————————-
طرد بالحسنى أو بالقوة… اللاجئون في برامج الأحزاب التركية/ جو حمورة
أربعة مرشحين رئاسيين، يشددون على ضرورة عودة اللاجئين إلى بلادهم، دون أي اكتراث بالبُعد الإنساني لأزمة اللجوء.
بات حوالى 5.5 مليون لاجئ يعيشون في تركيا ولا يحملون جنسيتها، مسرحاً للحملات السياسية والانتخابية المضادة والمستعِرة بين الأحزاب والمرشحين الرئاسيين الأربعة.
يشكّل السوريون العدد الأكبر من اللاجئين في تركيا، بحوالى 3.6 مليون شخص، يتبعهم الأفغان والأفارقة والأوكران والكثير غيرهم من الشعوب الهاربة من الحروب والموت.
وقبيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية المزمع إجراؤها في 14 أيار/ مايو، يؤكد المرشحون الرئاسيون جميعاً أنهم سيعيدون السوريين إلى بلادهم إذا ما تم انتخابهم. ومن يتابع الحملات الانتخابية في تركيا، يلاحظ تصاعداً لافتاً في مشاعر كره الأجانب، ومواقف عالية السقف والحدّة تجاه اللاجئين.
موقف الرئيس الحالي رجب طيب إردوغان لا يختلف كثيراً عن موقف خصمه اللدود، رئيس حزب “الشعب الجمهوري”، كمال كيليجدار أوغلو في ما يتعلق بقضايا اللاجئين، إذ يلتقي المرشحان على الهدف العام نفسه، وهو إعادة اللاجئين جميعهم، كل واحد إلى بلاده أو حتى إلى دول مضيفة أخرى.
مرشح المعارضة الأبرز كيليجدار أوغلو يشير أيضاً إلى أنه “سيتفاوض مع النظام السوري من أجل إعادة مواطنيه إليه”، معتبراً أنه “من غير المقبول أن تهتم الدولة بملايين اللاجئين فيما شبابنا عاطل من العمل”، متعهداً في حال وصوله إلى السدّة الرئاسية، بإرسالهم جميعهم إلى بلادهم خلال سنتين فقط. الكلام الحاد من كيليجدار أوغلو ترافق مع إدراج برنامج حزبه الانتخابي تعهداً واضحاً بـ”مراجعة اتفاقية اللاجئين مع الاتحاد الأوروبي، وإبرام اتفاقيات منفصلة لإعادة اللاجئين أو استقبالهم مع دول أخرى”.
بات حوالى 5.5 مليون لاجئ يعيشون في تركيا ولا يحملون جنسيتها، مسرحاً للحملات السياسية والانتخابية المضادة والمستعِرة بين الأحزاب والمرشحين الرئاسيين الأربعة.
هذا الموقف الثابت لكيليجدار أوغلو وحزب “الشعب الجمهوري” يتلاقى مع موقف إردوغان وحزب “العدالة والتنمية” الحاكم المستجد، حتى وإن بدت النبرة أقل حدّة. فحتى عام مضى، كان “العدالة والتنمية” يُحابي اللاجئين السوريين بطريقة أو بأخرى، ويعتبرهم، بشكل أساسي، يداً عاملة رخيصة ضرورية لنمو الاقتصاد التركي. ولكن تضاؤل قبول المجتمع التركي للسوريين بسبب الأزمة الاقتصادية والتضخم ونسب الفقر المرتفعة، عوامل ساهمت في تعديل موقف إردوغان وحزبه، ودفعتهما إلى تضمين برنامجهما الانتخابي فقرة تفيد بـ”ضرورة العودة الطوعية والآمنة للسوريين، ومكافحة الهجرة غير الشرعية بشكل جدّي”.
مع تنامي حدة الاستقطاب بين المرشحين الرئاسيين، يتحوّل موضوع اللاجئين إلى بند أساسي لكسب الأصوات. تعرف الأحزاب التركية الأساسية أن الموقف من اللاجئين يمكنه أن يحسّن نسبة أصواتها أو يؤدي إلى تراجعها، فلا تفوّت فرصة لطرح الموضوع والتجييش وبث المزيد من العنصرية وخطابات الكراهية، في المهرجانات الشعبية وفي الإعلام، بغية استجلاب عاطفة الناخبين وتأييدهم.
مرشح رئاسي ثالث أدلى بدلوه في ما خص موضوع اللاجئين، وراح بعيداً في بث العنصرية تجاه الأجانب. لم يستعمل سنان أوغان الطريقة الحسنى التي غالباً ما يستخدمها إردوغان أو كيليجدار أوغلو عند الحديث عن عودة اللاجئين، إنما استعمل مفردات القوة.
وأوغان هو مرشح “تحالف الأجداد” على الرئاسة التركية، وهو التحالف الذي يضم عدداً من الأحزاب القومية المتطرفة والمعادية للأجانب، وبخاصة حزب “الظَفر”. يتميّز هذا الحزب كما مرشحه أوغان بحدة المواقف المعادية للسوريين، كما يراهنون عليها في برنامجهم الانتخابي وخطاباتهم السياسية لعلّها تستجلب لهم أصوات الأتراك الناقمين على اللاجئين. يريد هؤلاء طرد كل لاجئ يسكن بلادهم بكل بساطة، ولا يشعرون بحاجة حتى إلى تلطيف الموقف أو نبرة الكلام كما تفعل الأحزاب الأخرى.
“حزب الشعوب الديمقراطي” المؤيد للأكراد مهدد بالحظر في تركيا!
الطرد بالقوة هو شعارهم وفحوى برنامجهم الانتخابي. ففي خطاب في ولاية إزمير جنوب غربي تركيا، كرر رئيس حزب “الظَفر” تعهده بإعادة اللاجئين إلى بلادهم، معتبراً أنه “يجب أن نكون قادرين على طرد اللاجئين بالقوة كما فعل لبنان مؤخراً، لأنهم لن يعودوا بشكل طوعي أبداً”.
وغالباً ما تُصدر الجمعيات غير الحكومية في تركيا بيانات منددة بمواقف أوغان ومواقف حزب “الظَفر” ومجمل الأحزاب القومية، التي غالباً ما تتعمد النزول إلى الشارع وتصوير أعضائها يقومون بشكل استعراضي باستجواب اللاجئين وتوصيتهم بمغادرة البلاد “في أقرب وقت ممكن”، والضغط عليهم بشتى الوسائل الكلامية وحتى العنفية أحياناً.
أما المرشح الرئاسي الرابع، محرم إنجة، فيشدد على ضرورة عودة اللاجئين إلى بلادهم وذلك لأسباب اقتصادية حصراً، وهو كان قد تعهد مراراً، وبشكل علني، بفتح قنوات تواصل ومفاوضات مع النظام السوري لتأمين العودة الآمنة للاجئين بحال انتخابه رئيساً للجمهورية التركية.
يتحوّل موضوع اللجوء إلى أداة للتنافس الانتخابي بين الأحزاب التركية، تعلو حدّة المواقف تباعاً، وتطفو على سطح المواقف السياسية الأخرى. قلة من الأحزاب تتكلم عن قضايا أبعد من قضية اللاجئين، وحتى حين تذكر موضوع الاقتصاد أو السياسة الخارجية للدولة، فلا تغيب عنها قضية اللاجئين بشكل أو بآخر.
أربعة مرشحين رئاسيين، يشددون على ضرورة عودة اللاجئين إلى بلادهم، دون أي اكتراث بالبُعد الإنساني لأزمة اللجوء. مغالاة في المواقف وتصاعد مستمر لنبرة العداء والكره للأجانب قبل الانتخابات النيابية والرئاسية، لا يمكن أن تؤدي إلا إلى المزيد من التنافر بين المجتمعات التركية واللاجئة المتعددة، وإلى مواقف قد تتطور إلى أزمة أمنية في أي لحظة.
درج
——————————-
تركيا: غالبية الدول لن تمنح الأسد «شيكاً على بياض» بالعودة للجامعة العربية
جاويش أوغلو: على النظام السوري أن يدرك استحالة الحل العسكري
سعيد عبد الرازق
أكدت تركيا، السبت، أن غالبية الدول العربية لا ترغب في منح نظام الرئيس السوري بشار الأسد «شيكاً على بياض» بالعودة إلى الجامعة العربية، «وأن الجميع يريد أن يضمن استبعاد الحل العسكري، وضمان العودة الآمنة للاجئين».
وشددت في الوقت ذاته على أن عملياتها العسكرية ستتواصل ضد المسلحين الأكراد في شمالي سوريا والعراق، وأنها «لا ترغب أيضاً في لجوء الأسد إلى الحل العسكري، وأن مفاوضاتها للتطبيع مع دمشق تراعي مصالح شعبها».
وعدّ وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، تواصل عدد من الدول العربية مع نظام الأسد، في الفترة الأخيرة، مهماً، «لجهة إتاحة إمكانية عودة السوريين إلى بلادهم».
وقال جاويش أوغلو، في مقابلة تلفزيونية ليل الجمعة – السبت، إن «غالبية الدول العربية لا تريد تقديم شيك على بياض» لعودة نظام الأسد إلى جامعة الدول العربية وكأن شيئاً لم يحدث».
وأضاف: «تريد الدول من نظام الأسد أن يتخذ خطوة فيما يتعلق بالعملية السياسية، هذا هو السبيل لتوحيد سوريا»، وإلا فإن تنظيم «وحدات حماية الشعب الكردية»، أكبر مكونات سوريا الديمقراطية (قسد)، والتي تعتبرها أنقرة امتداداً لـ«حزب العمال الكردستاني»، «سيصبح أقوى».
وعن مفاوضات مسار التطبيع بين بلاده وسوريا، قال جاويش أوغلو، إن الحكومة الروسية أكدت موعد الاجتماع الأول من نوعه على مستوى وزراء خارجية تركيا وروسيا وسوريا وإيران في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي، ضمن مسار التطبيع بين أنقرة ودمشق، لكنه أشار إلى أنه «من غير الواضح من سيمثل إيران في الاجتماع، وقد يشارك مسؤول إيراني آخر، حال مرافقة وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، للرئيس إبراهيم رئيسي في جولته الأفريقية».
وأضاف: «نتوقع أن يصبح المشهد في سوريا معقداً وصعباً للغاية في المستقبل، انخرطنا في التعامل مع حكومة النظام لنرى».
وتابع جاويش أوغلو: «لا يمكننا استباق الأمور بشأن ما سنتفق عليه في اجتماعنا في ذلك اليوم… ربما نعقد مؤتمراً صحافياً مشتركاً في ختام الاجتماع».
واستدرك: «على الإدارة السورية الإجابة عن هذا السؤال بوضوح: هل ما زالت تؤمن بالحل العسكري أم بإمكانية الحل السياسي؟ لا يوجد حل وسط بينهما… الحل العسكري مستحيل، إذا اتخذ النظام موقفاً مؤيداً للحل السياسي فستزداد احتمالية إيجاد حل، أما إذا رفض وقرر الاستمرار في محاربة الجميع مهما كلفه الأمر، فإن الحل سيستغرق عقوداً».
وحذر الوزير التركي من «خطر تقسيم سوريا، وحدوث موجة هجرة بسبب الوضع الاقتصادي السيئ في الداخل»، لافتاً إلى أن تركيا «تتحرك في علاقاتها مع جميع الدول بما يراعي مصالحها، وتتخذ خطوات تتماشى مع مصالح شعبها».
في السياق ذاته، أكد الرئيس رجب طيب إردوغان أن العمليات العسكرية التي تنفذها بلاده ما وراء الحدود (في شمالي سوريا والعراق) لم تنته بعد، وأنها تنتظر الوقت المناسب.
وقال إن «تدمير تركيا أوكار إرهابيي العمال الكردستاني فوق رؤوسهم في جبل قنديل بشمال العراق، بات وشيكاً».
بدوره، قال وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، إن قوات بلاده نجحت في تمزيق «الممر الإرهابي المراد إقامته في شمال سوريا، ودفن الإرهابيين في الحفر التي صنعوها بأيديهم».
وأكد أن «الإرهاب لم ينته بعد، ولا يزال الكفاح مستمراً بنفس العزم والتصميم وبوتيرة متزايدة».
وقالت وزارة الدفاع التركية، في بيان السبت، إن قوات «حرس الحدود» ألقت القبض على 4 أشخاص بينهم 3 إرهابيين خلال محاولتهم التسلل من الأراضي السورية إلى تركيا، تبين أن اثنين منهم ينتميان إلى الوحدات الكردية، والثالث لتنظيم «داعش».
الشرق الأوسط
—————————
من سيفوز في الانتخابات التركية؟/ غسان ياسين
هناك إجماع في تركيا على أن هذه الانتخابات هي الأهم في تاريخ الجمهورية التي تحتفل هذا العام بمئويتها الأولى، الصحافة الغربية بدورها وصفت الانتخابات بأنها أهم حدث سياسي عالمي لهذا العام. وتأتي أهمية هذه الانتخابات لعوامل داخلية وخارجية.
في الشأن الداخلي لطالما كان أي حدث انتخابي مثار جدل داخلي طويل بسب الاستقطاب السياسي الحاد والذي يمكن قياسه بالنظر لنسبة المشاركين في الانتخابات ممن يحق لهم التصويت، فالشعب التركي يعتبر من أكثر شعوب العالم مشاركة في الاستحقاقات الانتخابية بنسبة تصل إلى 88٪ في إحدى الانتخابات ومن المتوقع أن تتجاوز حاجز ال90٪ في الانتخابات القادمة.
ويأتي الاهتمام الدولي والإقليمي بنتيجة الانتخابات التركية لعاملين أساسيين الأول هو دور تركيا في ظل التحالفات القديمة منها والجديدة، فتركيا رغم أنها عضو فاعل في الناتو لكنها استطاعت أن تعزز علاقاتها شرقاً وتحديداً مع روسيا، خصوصا بعد التدخل الروسي في سوريا والذي جاء ضد مصالح تركيا وبعد أزمة إسقاط الطائرة الروسية والتي كادت أن تشعل مواجهة بين الطرفين، قبل أن تجد الدولتان مساراً مشتركاً في سوريا وشكلوا ما يمكن أن نسميه تحالف “الأعدقاء” الذي أسس لأرضية مشتركة للعمل بدأت منذ 2016 ومستمرة حتى اليوم، ثم جاء الغزو الروسي لأوكرانيا والذي كان بمثابة هدية لتركيا لأنها صارت الوسيط السياسي والاقتصادي المعتمد بين روسيا والغرب.
والثاني هو أن تركيا تغيرت كثيراً وباتت أقوى، فكل الأرقام والإحصاءات تشير إلى ما يشبه انقلاباً حصل في تركيا بعد تولي حزب العدالة والتنمية للسلطة مطلع الألفية الحالية، بدءاً من التخلص من الديون التي أثقلت كاهل المواطن التركي والحكومة معاً، وصولا إلى معدلات نمو مرتفعة وارتفاع كبير وغير مسبوق بأرقام الصادرات التركية. ولعل أهم نقاط القوة الحالية لتركيا هي وجود قوات لها في سوريا وليبيا وأذربيجان وقاعدة في قطر، هذا الانتشار العسكري عزز من مكانة تركيا وباتت لاعباً رئيسياً في الكثير من الملفات. ويأتي ملف التصنيع العسكري هو الأخر ليؤكد على حضور تركيا المتصاعد وباتت المسيرات التركية عاملاً مؤثراً في كثير من المناطق الساخنة من أوكرانيا إلى أفريقيا مرورا بسوريا والعراق.
بالعودة لسؤال المادة عمن سيفوز في الانتخابات كتبت هذه المقدمة لأجل الإضاءة على جانب لا يتم إيلاؤه أهمية يستحقها حين الحديث عن الناخب التركي وخياراته، ولمن سيعطي صوته في يوم الحسم، وهو ما يمكن تسميته بعامل المكانة، مكانة تركيا وسط الإقليم والعالم، وأذكر هنا كمثال كيف تفاعل صحفيون وشخصيات عامة محسوبة على المعارضة بعد أن حققت البيرقدار حضوراً في الحرب الأوكرانية الروسية وشهرة عالمية واسعة، أحد الصحفيين قال صار الناس يحترموننا حين يعرفون أننا من تركيا.
صحيح أن الأزمة الاقتصادية ترخي بظلالها بعد أن وصل التضخم إلى أرقام ضخمة وبعد جنون الأسعار الذي أصاب المواد الغذائية والعقارات، لكن للناخب التركي اعتبارات أخرى أهم برأيي. ويأتي العامل الأيديولوجي الهوياتي في مقدمة خيارات الناخب في تركيا، نظرا لطبيعة الصراعات داخل المجتمع التركي منذ أن تم إعلان الجمهورية وحتى اليوم، صراع اتخذ عدة أشكال لكنه في جوهره صراع بين تيارين واحد محافظ – إسلامي والآخر علماني – غربي، ومن متابعة خطابات الرئيس التركي ومنافسه رئيس حزب الشعب الجمهوري في آخر أسبوعين يمكن أن نستشف أوجه هذا الصراع بكل وضوح.
السباق الانتخابي يخوضه تحالفان الأول يقوده حزب العدالة والتنمية والثاني يقوده حزب الشعب الجمهوري، تحالف حزب العدالة متماسك وقوي، فيما تحالف حزب الشعب الجمهوري هش ويحمل بذرو تفتته في أي لحظة. وإذا بحثنا عن نقاط قوة التحالف الأول سنجد أن ضعف المعارضة يأتي في المقدمة، لأن شركاء طاولة المعارضة لا يجمعهم شيء سوى خصومة الرئيس أردوغان، فيما التباينات كبيرة بين رؤية كل طرف لمعظم الملفات الحساسة، في وقت يبدو الانسجام كبيرا بين حزب العدالة وشريكه الأكبر حزب الحركة القومية.
ولأن العامل الأيديولوجي الهوياتي يأتي في مقدمة خيارات الناخب التركي أتوقع أن تصوت كتلة وازنة من ناخبي أحزاب طاولة المعارضة المحافظين والقوميين للرئيس أردوغان، فيما يمكن أن تذهب أصواتهم البرلمانية لأحزابهم، ويعزز هذا الافتراض تصريحات خرجت من داوود أوغلو وعلي باباجان المنتمين للتيار المحافظ، حين أشاروا إلى صعوبة إقناع الناخب المحافظ بالتصويت لحليفهم كمال كيلجدار أوغلو، وأيضا خرجت عدة بيانات من كتل وازنة داخل المللي غوروش، وهو تيار الرؤية الوطنية الذي أسسه نجم الدين أربكان في السبعينات ويعتبر هذا التيار أو الحركة بمثابة الأب الروحي لكل الأحزاب والجماعات الإسلامية التركية بما فيها تلك الموجودة في التحالفين، دعم فيها أصحابها صراحة تحالف حزب العدالة في مواجهة تحالف سباعي يقوده حزب الشعب.
وفي نظرة سريعة لنتائج الانتخابات في آخر عشرين سنة نجد أن للحزبين الرئيسيين كتلة صلبة ثابتة تصوت له بشكل مستمر وأعتقد أن السباق الحالي هو لكسب ود كتلتين واحدة تمثل الشباب حيث إن هناك ستة ملايين ناخب سيصوت لأول مرة، والكتلة الثانية يمكن تسميتها كتلة المترددين والذين لا يحسمون أمرهم عادة سوى في آخر لحظة.
وبناءً على ما سبق وفي حال لم تحدث مفاجأة مثل أن ينسحب محرم إنجة من السباق لصالح كيلجدار أوغلو أتوقع أن يُحسم السباق نحو قصر الرئاسة من الجولة الأولى لصالح الرئيس التركي بحدود 53٪ في حين أتوقع أن تكون الأغلبية (أكثر من ٥٠٪) في البرلمان لصالح المعارضة إذا حسبنا نتيجة تحالف الطاولة مع حزب محرم إنجة.
بالإضافة لكل ما ذكر سابقا هناك عامل مهم آخر لم يتم تسليط الضوء عليه كثيرا، وهو أن للناخب التركي ذاكرة سوداء تخص كل ما يتعلق بالحكومات الائتلافية لأنها كانت معطلة للحياة السياسية وفاشلة اقتصاديا وتنموياً، وكانت سبباً لتدخل العسكر في شؤون الحكم، وتحالف المعارضة قدم للناخب رئيس تقوده سبعة أحزاب مع وعود بعودة النظام البرلماني أي حكومة ائتلافية!
الناخب يعاني من جراء الأزمة الاقتصادية لكنه يفضل أن تقوم الحكومة الحالية بحل تلك المشكلات بدلاً من المغامرة والرهان على طاولة يقودها سبعة زعماء.
هناك صورتان للزعيم أمام المواطن التركي وعليه أن يصوت لواحدة، صورة زعيم يحمل بيده قلماً واحداً يوقع به على المسيرات قبل أن يصعد في سيارة كهربائية تركية، مقابل زعيم يبدو وكأنه يساري نسي أن يستيقظ حين يتحدث عن البصل ويحمل في يده سبعة أقلام.
——————————–
======================
تحديث 01 أيار 2023
————————
الملفات الأمنية والتموضع العسكري على طاولة «التطبيع» السوري ـ التركي
أنقرة استبقت اجتماع موسكو الرباعي بتأكيد رفضها سحب قواتها
موسكو: رائد جبر – أنقرة: سعيد عبد الرازق
عقد وزراء دفاع روسيا وسوريا وتركيا وإيران جولة مشاورات جديدة في موسكو، أمس (الثلاثاء)، ركزت على الملفات الأمنية ومسائل التموضع العسكري لكل من سوريا وتركيا قرب المناطق الحدودية في الشمال السوري. وشكّلت نتائج اللقاء الذي جرى خلف أبواب مغلقة، مقدمة لإنجاح ترتيبات عقد اجتماع مرتقب على مستوى وزراء الخارجية لهذه الدول. وأبلغ مصدر دبلوماسي روسي «الشرق الأوسط» بأنه تم التوافق «بشكل مبدئي» على موعده في الثاني من مايو (أيار) المقبل.
وفي حين أعلنت وزارة الدفاع التركية أن الاجتماع بحث سبل تكثيف الجهود لإعادة اللاجئين السوريين إلى أراضيهم، نقلت صحيفة «الوطن» السورية عن مصدر لم تسمه القول إنه «لا صحة للبيان الذي بثته وزارة الدفاع التركية والذي تحدث عن خطوات ملموسة تتعلق بتطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا»، مضيفة أن الاجتماع بحث آلية انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية «ولم يتطرق إلى أي خطوات» للتطبيع بين البلدين. وأكد المصدر أن «التطبيع يعني انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، وبغير الانسحاب لا تنشأ ولا تكون هناك علاقات طبيعية»، بحسب ما أوردت «وكالة أنباء العالم العربي».
وتعمدت موسكو فرض نوع من التكتم على مجريات اللقاء «العسكري الأمني»؛ إذ لم يتم الإعلان مسبقاً عن موعد عقده أو أجندته، واكتفت وزارة الدفاع الروسية بإصدار بيان صحافي مقتضب، في ختامه، شدد على «الروح الإيجابية التي سادت النقاشات خلاله». وأوضح البيان أنه «تمت مناقشة قضايا الساعة المتعلقة بالتعاون الثنائي، بالإضافة إلى مختلف جوانب ضمان الأمن العالمي والإقليمي». وتابع أنه «تم عقد محادثات رباعية لوزراء الدفاع في موسكو. وتم خلال الاجتماع بحث الخطوات العملية لتعزيز الأمن في الجمهورية العربية السورية وتطبيع العلاقات السورية – التركية».
ولفت بيان وزارة الدفاع إلى أنه «تم إيلاء اهتمام خاص لقضايا مواجهة جميع مظاهر التهديدات الإرهابية، ومحاربة جميع الجماعات المتطرفة على الأراضي السورية».
وزاد أن «الطرفين (السوري والتركي) أكّدا في ختام اللقاء رغبتهما في الحفاظ على وحدة أراضي سوريا، وضرورة تكثيف الجهود من أجل العودة السريعة للاجئين السوريين إلى وطنهم. وأولى الوزراء الحاضرون اهتماماً خاصاً بالطبيعة البنّاءة للحديث الذي جرى بهذا الشكل، وضرورة استمراره من أجل زيادة استقرار الوضع في الجمهورية العربية السورية والمنطقة ككل».
ويعد هذا الاجتماع الثاني بالمستوى نفسه بعدما كان وزراء الدفاع ورؤساء الأجهزة الأمنية في سوريا وتركيا وروسيا عقدوا اجتماعاً سابقاً في نهاية العام الماضي وضع أساساً للتحرك نحو تطبيع العلاقات السورية – التركية برعاية روسية. وانضمت إيران التي تردد أنها اعترضت على تغييبها عن جولة المشاورات الأولى، إلى هذا المسار لاحقاً. وفي بداية الشهر الحالي، استضافت العاصمة الروسية اجتماعاً لنواب وزراء خارجية روسيا وسوريا وتركيا وإيران، تم في ختامه اتفاق الأطراف على مواصلة التنسيق والبدء بالتحضير لعقد اجتماع على مستوى وزراء الخارجية يمهد لقمة تجمع رؤساء هذه الدول لاحقاً.
وعلى الرغم من أن اجتماع وزراء الدفاع الحالي جاء مفاجئاً لكثيرين؛ كونه لم يتم الإعلان عنه سوى قبل يومين على لسان وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، كما أن ترتيبه تزامن مع ترقب الإعلان عن اجتماع وزراء الخارجية، لكن مصادر دبلوماسية روسية قالت إنه شكّل محطة إضافية ضرورية لاستكمال المناقشات حول ملفات التطبيع بين دمشق وأنقرة التي ما زال فيها الكثير من النقاط العالقة التي تحتاج إلى نقاش أوسع على المستويات الأمنية والعسكرية. وقال لـ«الشرق الأوسط» دبلوماسي روسي مطلع على مضمون النقاشات إن اللقاء بهذا المعنى «لم يكن مفاجئاً وكان قد تم الاتفاق مسبقاً على عقد جولة ثانية من المفاوضات على المستوى العسكري أثناء اللقاء الأول الذي التأم في نهاية العام الماضي».
ووفق المصدر ذاته، نصت التوافقات في حينها على «عقد لقاءات متسلسلة وعلى مستويات عدة من أجل متابعة كل الملفات المطروحة ومواصلة التنسيق حول ما يتم الاتفاق عليه». وقال إن اللقاء الحالي شكّل استمراراً لمواصلة مسار تنفيذ التوافقات التي تم التوصل إليها في اللقاء الأول، وبينها «التوافق على اتخاذ بعض الخطوات لإعادة تموضع الجيش التركي والجيش السوري في بعض المناطق في الشمال السوري». وزاد أن التطورات التي جرت لاحقاً «احتاجت إلى مزيد من الوقت ومزيد من النقاشات وهو ما يجري حالياً».
وأكد المصدر أن اللقاء على المستوى العسكري لا يشكل مساراً منفصلاً عن المسار العام للتطبيع بين دمشق وأنقرة، وهو يأتي «التزاماً بالسياسة التي تم اعتمادها على مستوى قادة الدول الأربع».
ووصف المصدر مضمون اللقاء بأنه «جدي للغاية وإيجابي»، مشيراً إلى أن الحوارات «تجري حول المسائل التي تتطلب مزيداً من التنسيق، خصوصاً في مجالات القضايا الأمنية وملفات مكافحة الإرهاب التي تم إعطاء أولوية لها؛ لأنها مرتبطة بمتطلبات حماية الأمن القومي لكل من سوريا وتركيا». وحملت عبارة الدبلوماسي الروسي حول مناقشة ملف مكافحة الإرهاب إشارة لافتة بسبب تباين التقييمات السورية والتركية حول المنظمات المدرجة على لوائح الإرهاب في البلدين.
وفي إشارة إلى البعد الدبلوماسي السياسي لأهمية اجتماع المستوى الأمني العسكري، أضاف المصدر الروسي أن اللقاء يشكل حلقة إضافية مهمة؛ تحضيراً لاجتماع وزراء الخارجية الذي «تم التوافق بشكل مبدئي على عقده في الثاني من مايو المقبل في العاصمة الروسية».
– الموقف التركي
وفي أنقرة، قالت وزارة الدفاع التركية، في بيان حول الاجتماع الرباعي بالعاصمة الروسية، أمس، إن المجتمعين ناقشوا «الخطوات الملموسة» التي يمكن اتخاذها لتطبيع علاقات أنقرة ودمشق، كما تناولوا سبل تكثيف الجهود لإعادة اللاجئين السوريين إلى أراضيهم. وأضاف البيان أن المجتمعين ناقشوا كذلك سبل مكافحة جميع التنظيمات الإرهابية والمجموعات المتطرفة على الأراضي السورية، وجددوا رغبتهم في الحفاظ على وحدة أراضي سوريا. وتابع أنه تم التأكيد خلال الاجتماع، الذي عُقد في أجواء «إيجابية وبناءة»، على أهمية استمرار الاجتماعات في شكل رباعي من أجل ضمان والحفاظ على الاستقرار في سوريا والمنطقة ككل.
واستبقت أنقرة الاجتماع بالتأكيد أنها لن تسحب قواتها من شمال سوريا، من دون أن تستبعد، في الوقت نفسه، عقد لقاء بين الرئيسين رجب طيب إردوغان وبشار الأسد «وفق خريطة طريق خاصة، ومن دون شروط مسبقة».
وجدد وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، في مقابلة تلفزيونية ليل الاثنين – الثلاثاء، التأكيد على أن قوات بلاده لن تنسحب من شمال سوريا وشمال العراق في الوقت الراهن، قائلاً «انسحابنا من شمال سوريا وشمال العراق يعني توقف عملياتنا العسكرية ضد الإرهاب، واقتراب الإرهابيين من حدودنا، وهذا يشكل تهديداً لأمننا القومي».
وفي إشارة إلى «وحدات حماية الشعب الكردية» التي تعدّ أكبر مكونات «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، التي تعدّها تركيا ذراعاً لـ«حزب العمال الكردستاني» الذي تتمركز قياداته في شمال العراق، وتخوض القوات التركية حرباً ضدهما في البلدين، قال جاويش أوغلو إن «المنظمات الإرهابية ستملأ الفراغ الذي سيحدث في حال انسحبت القوات التركية من شمال سوريا، وإن الأمن القومي وأمن الحدود بالغا الأهمية بالنسبة لتركيا». وتابع «لا نطمع في اقتطاع أجزاء من الأراضي السورية، ولا يمكننا الانسحاب من الشمال السوري إلا حين يستتب الأمن، ويعود الاستقرار الكامل إلى تلك المناطق».
وتقول تركيا إن محادثاتها لتطبيع العلاقات مع سوريا تنطلق من 3 مبادئ رئيسية، هي: التعاون والتنسيق في مكافحة الإرهاب، وضمان العودة الكريمة للاجئين، وتنفيذ العملية السياسية الخاصة بالملف السوري. ولا تعتقد أنقرة أن نظام الرئيس السوري بشار الأسد قادر في الوقت الراهن على ضمان أمن الحدود التركية، وإبعاد خطر «الوحدات» الكردية التي تعدّها امتداداً لـ«حزب العمال الكردستاني» في سوريا، وترهن انسحاب قواتها بإبعاد «الوحدات» الكردية إلى عمق 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، وإنشاء منطقة آمنة تستوعب اللاجئين السوريين، وتمنع نشوء ما تسميه «الممر الإرهابي» على الحدود التركية – السورية.
وتوقع وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، عشية الاجتماع الرباعي في موسكو، أن يسفر الاجتماع عن تطورات إيجابية، لافتاً إلى أن اللقاءات تجري في ظل الاحترام المتبادل بين الأطراف. وأكد أن تركيا تبذل وستواصل بذل ما بوسعها من أجل السلام في المنطقة. وجدد تأكيده أن تركيا ستواصل مطاردة الإرهابيين بكل حزم، كما أنها لا ترغب في موجة لجوء جديدة، وتهدف لتوفير الظروف الملائمة لعودة السوريين إلى ديارهم بشكل آمن وكريم، وأن تركيا لن تتخذ أي خطوات من شأنها أن تضع السوريين لديها أو في الداخل السوري في مأزق.
وعن الاجتماع الرباعي لوزراء الخارجية، الذي كانت أنقرة أعلنت عن انعقاده أوائل مايو المقبل، قبل الإعلان عن اجتماع وزراء الدفاع ورؤساء الاستخبارات واحتمال عقد لقاء بين الرئيسين إردوغان والأسد، قال وزير الخارجية، مولود جاويش أوغلو، إن اجتماع وزراء الخارجية قد يعقد في مطلع مايو، لكنه موعد غير مؤكد، مضيفاً «نعم، احتمال اللقاء بين إردوغان والأسد وباقي القادة الأربعة قائم، لكن يجب أولاً تحضير خريطة طريق لهذا اللقاء تتضمن عدم فرض شروط مسبقة، ودراسة المرحلة السياسية ومكافحة الإرهاب وإحلال الاستقرار في سوريا». وتابع أن «التواصل مع النظام السوري مفيد إذا كنا نريد إعادة اللاجئين السوريين، وإذا كنا نريد مواصلة مكافحة الإرهاب بشكل أكثر فاعلية، وإذا أردنا الحفاظ على وحدة أراضي سوريا». ولفت إلى أنه في حال لم يتم إحلال الاستقرار في سوريا، فإن الآثار السلبية على تركيا ستكون كبيرة، وإن تركيا لا تثق بالولايات المتحدة وفرنسا فيما يخص مكافحة الإرهاب، قائلاً إن «واشنطن تواصل دعم إرهابيي العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية».
وجاءت تصريحات جاويش أوغلو كتأكيد جديد لموقف تركيا الرافض لمطلب دمشق بالانسحاب من شمال سوريا كشرط لأي محادثات تتعلق بتطبيع العلاقات بين البلدين الجارين بعد 12 عاماً من القطيعة، عشية انطلاق الاجتماع الرباعي في موسكو، في جولة جديدة من محادثات تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق.
وكانت الأيام الماضية شهدت تصعيداً جديداً في شمال سوريا بين القوات التركية وفصائل «الجيش الوطني» السوري الموالي لها، من جهة، وقوات «قسد»، من جهة أخرى، بعد هجوم استهدف قاعدتين عسكريتين تركيتين في حلب، أسفر عن إصابة 4 جنود أتراك، وردت تركيا بقصف لمواقع «قسد» التي توجد جنباً إلى جنب مع قوات النظام السوري، ما أدى إلى مقتل 12 عنصراً من «الوحدات» الكردية، بحسب ما أعلن وزير الدفاع خلوصي أكار.
كما أعلنت الاستخبارات التركية، بالتزامن مع اجتماع موسكو، القضاء على أحد العناصر القيادية في «وحدات حماية الشعب» الكردية، يدعى محمد صاري في «عملية أمنية بمدينة القامشلي» شمال شرقي سوريا.
وبحسب ما نقلت وكالة «الأناضول» عن مصادر أمنية، الثلاثاء، فإن «الإرهابي صاري» الذي كان يحمل الاسم الحركي «باران كورتاي» كان أحد المسؤولين عن محافظة الرقة السورية، وأنه قتل في 14 أبريل (نيسان) الحالي، مشيرة إلى أنه انتقل إلى سوريا عام 2014 بعد «أن شارك في كثير من العمليات الإرهابية داخل تركيا».
——————————————-
خلاف بين تركيا وسوريا على ما تناوله اجتماع «تطبيع العلاقات» في موسكو
موسكو: «الشرق الأوسط»
قالت وزارة الدفاع التركية اليوم (الثلاثاء) إن الاجتماع الرباعي بين تركيا وروسيا وسوريا وإيران في موسكو ناقش خطوات تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، في حين سارعت سوريا إلى نفي بحث أي خطوات ملموسة للتطبيع خلال الاجتماع.
ونقلت وكالة «الأناضول» الرسمية عن وزارة الدفاع التركية قولها إن الاجتماع بحث أيضاً في سبل تكثيف الجهود لإعادة اللاجئين السوريين إلى أراضيهم.
وفي المقابل، نقلت صحيفة «الوطن» السورية عن مصدر لم تسمه القول إنه «لا صحة للبيان الذي بثته وزارة الدفاع التركية، والذي تحدث عن خطوات ملموسة تتعلق بتطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا». وأضافت أن الاجتماع ناقش آلية انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، «ولم يتطرق إلى أي خطوات» للتطبيع بين البلدين.
وأكد المصدر أن «التطبيع يعني انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، وبغير الانسحاب لا تنشأ ولا تكون هناك علاقات طبيعية».
من جهتها، أفادت وزارة الدفاع السورية، في بيان نشرته على «فيسبوك» في وقت سابق، بأن الاجتماع بحث «انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية».
وكان وزير الدفاع التركي خلوصي أكار قد أعلن، أمس (الاثنين)، عقد اجتماع مع نظرائه من سوريا وروسيا وإيران في موسكو الثلاثاء، للبحث في الملف السوري بحضور رؤساء الاستخبارات من تلك الدول.
وأكد أكار أن الاجتماع هدفه «حل المشكلات العالقة عن طريق الحوار، وإحلال السلام والاستقرار في المنطقة بأقرب وقت ممكن».
وشدد الوزير التركي على أن اللقاءات تُعقد في إطار «الاحترام المتبادل» بين الأطراف، مضيفاً أنه «من المتوقع أن تحدث بعض التطورات الإيجابية عقب الاجتماع».
—————————
بعض محددات السلوك الانتخابي لدى الناخبين في تركيا/ بكر صدقي
لم يبق إلى موعد الانتخابات العامة والرئاسية في تركيا إلا أكثر من أسبوعين بقليل، وقد تحددت الترشيحات بصورة نهائية لكليهما من قبل مختلف الأحزاب السياسية والتحالفات المشاركة فيهما، ويحتدم التنافس بين المرشحين الرئيسيين لمنصب الرئاسة، ومعهما مرشحان أقل حظاً، في حين تنقسم الأحزاب السياسية بين ثلاث كتل ائتلافية كبيرة، إحداها هي ائتلاف السلطة، واثنتان في الصف المعارض هما ائتلاف الأمة وائتلاف الحرية والعمل. تشير نتائج كثير من استطلاعات الرأي إلى تقارب في نتائج السبر الاجتماعي بين أردوغان ومنافسه كلجدار أوغلو من جهة، وبين كل من تحالف الجمهور وتحالف الأمة من جهة ثانية، مع بقاء حزب العدالة والتنمية في صدارة الأحزاب بفارق تقلص كثيراً بينه وبين أقرب منافسيه، حزب الشعب الجمهوري الذي يقود تحالف الأمة. بدلاً من إطلاق تخمينات حول النتائج المحتملة للانتخابات، ستحاول هذه المقالة أن تلقي نظرة على بعض العوامل المؤثرة على القرار الانتخابي للناخب التركي، أو ما يمكن أن يحدد خياراته في اللحظة الأخيرة.
على رغم العمر المديد للنظام الديمقراطي في تركيا، وكذا تاريخ التعددية الحزبية، ما زالت الهويات الاجتماعية تلعب دوراً مهماً في الخيارات السياسية للناخبين. ليس المقصود بالهويات الانتماءات الأهلية حصراً، وإن كانت هذه مهمة بذاتها، بل كذلك الانتماءات السياسية ـ الأيديولوجية، والجهوية، والطبقية وغيرها. على سبيل المثال يلعب الانتماء الإثني ـ الثقافي دوراً كبيراً في تحديد خيارات الناخبين الكرد، فيصوتون بغالبيتهم لحزب الشعوب الديمقراطي، لكن قسماً منهم يصوت أيضاً لحزب العدالة والتنمية الذي يتشكل من المحافظين اجتماعياً أو المتدينين السنيين، في حين يصوت قسم من الكرد العلويين لحزب الشعب الجمهوري أو لأحزاب يسارية.
وعموماً ينقسم المجتمع في تركيا، وفقاً للباحث بكير آغردر، بصورة عمودية على خطين رئيسيين: الأول بين علماني\محافظ، والثاني بين تركي\كردي. ويقول آغردر إن العمليات الانتخابية أقرب ما تكون إلى عمليات إحصاء سكاني بين هذه الكتل الاجتماعية، ولا تعكس خيارات لمواطنين أفراد بين برامج سياسية متنافسة. لذلك قلما تلعب تلك البرامج دوراً حاسماً في قرارات الناخبين، وبخاصة أن الثقة تزداد ضعفاً بالوعود الانتخابية، فيصوّت كل ناخب لمرشحي «جماعته» الذي قد «يمون» عليهم لتحقيق بعض مصالحه إذا فازوا في الانتخابات. وعلى سبيل المثال يشقّ على الناخب المحافظ لحزب السعادة أن يصوّت لكمال كلجدار أوغلو على رغم أنه متحالف مع «الشعب الجمهوري» في إطار ائتلاف الأمة. بالمقابل يصعب تصور أن يصوت ناخبو حزب اليسار الديمقراطي لأردوغان على رغم إعلان قيادة الحزب لتأييده، وترشح زعيمه ذي الخلفية الماركسية لمقعد نيابي على قوائم «العدالة والتنمية».
المثالان المذكوران يشيران إلى محاولات لكسر الانقسامات المذكورة التي تبدو وكأنها قدرية، وقد كان كلجدار أوغلو سباقاً في ذلك حين أسس تحالفاً عريضاً من ستة أحزاب، مثلت تيارات سياسية ـ أيديولوجية متنافرة، علمانية وقومية وإسلامية وليبرالية، كما انفتح على الكرد وضمنَ تأييد ناخبي «الشعوب الديمقراطي» له في الانتخابات الرئاسية. بالمقابل اجتذب أردوغان حزب «خودا ـ بار» الإسلامي الكردي على أمل تعويض النزيف في شعبيته بين كرد البلاد في السنوات الأخيرة.
أما التيار القومي فقد انقسم بين الائتلافين المتنافسين، فبقي حزب الحركة القومية في تحالف السلطة، ورحل الحزب الجيّد إلى التحالف المعارض، مع وجود عناوين أخرى هامشية للقوميين كحزب الوحدة الكبرى وحزب الوطن، وكلاهما مع تحالف السلطة، في حين يغرد «حزب النصر» وحده خارج التحالفين عازفاً على برنامج من بند وحيد هو طرد اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
تحالفات «الشعب الجمهوري» مع «السعادة» الإسلامي، وحزبين منشقين عن العدالة والتنمية، أثارت استياء البعض من العلمانيين المتشددين، أبرزهم محرم إينجة الذي انشق عن الحزب وأسس حزبه الخاص ويخوض الانتخابات الرئاسية القادمة بلا تحالفات.
القصد هو أن الانقسامات الاجتماعية التقليدية على أسس علمانية أو محافظة، قومية تركية أو كردية، سنية أو علوية، يمينية أو يسارية، ليست نهائية وثابتة على رغم قوتها، فالمجتمع يشهد تحولات عبر الزمن متأثراً بعوامل عديدة، والأحزاب السياسية تتغير بدورها وإن ببطء سببه التكلس الأيديولوجي أو بيروقراطية قياداتها. يشير العديد من الباحثين، مثلاً، إلى أن أولئك الذين سيتمتعون بالحق في التصويت في صناديق الاقتراع للمرة الأولى في حياتهم يشكلون كتلة كبيرة تعد بالملايين ممن بلغوا السن القانونية. ويميل المراقبون إلى أن قسماً كبيراً من هؤلاء الشباب يحملون نظرة سلبية إلى السياسة والطبقة السياسية ككل، ولا يعرف كم قد تبلغ نسبة من سيشارك منهم في الانتخابات، وكيف ستتوزع أصواتهم. ونظرياً يمكن لهذه الكتلة أن تشكل عاملاً حاسماً من شأنه أن يرجح هذا المرشح أو ذاك أو هذا الحزب أو ذاك الائتلاف على منافسيه.
كذلك هناك كتلة غير صغيرة تظهر في جميع استطلاعات الرأي هي تلك التي تعبر عن أنها لم تقرر بعد لمن من المرشحين أو الأحزاب ستصوت. هذه الكتلة من «المترددين» ستتوزع أصواتها، في اللحظة الأخيرة، بين المتنافسين، وقد تلعب دوراً حاسماً في نتائج الانتخابات أيضاً.
وعموماً من المرجح أن تلعب الأزمة الاقتصادية، وبخاصة البطالة والتضخم والفقر، دوراً كبيراً في تحديد خيارات الناخبين، من غير أن تكون العامل الوحيد.
كاتب سوري
———————-
الأسد يرفع شروطه بوجه أنقرة.. هل ينتظر الانتخابات؟/ عماد الشدياق
في حين تطالب تركيا بضمانات لبلوغ حلّ سياسيّ واضح المعالم في سوريا، يشترط نظام الأسد تحديد موعد للانسحاب التركي الكامل من الأراضي السورية.. وهو ما يعرقل حتى الآن انعقاد الاجتماع الرباعي المقبل على مستوى وزراء خارجية روسيا والنظام السوري وإيران وتركيا في مسار تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق.
روسيا تقول إنّ الاجتماع كان مقرراً منتصف شهر نيسان (أبريل) لكنّ انعقاده تعثّر. لا تكشف موسكو أسباب التأجيل، لكن الأوساط التركية تعتبر أنّ الانفتاح العربي المستجدّ على النظام السوري، أعطى الأسد جرعة أمل في كسر عزلته، ولهذا لم يعد النظام متحمساً إلى عقد هذا الاجتماع إلاّ بشروطه.
على رأس الشروط التي يضعها نظام الأسد، انسحاب الجيش التركي من الأراضي السورية، وهو ما ترفضه أنقرة، ولا تعترض عليه موسكو في ذلك، باعتباره شرطاً مسبقاً قد ينسف محادثات التطبيع أو يأخذها إلى زواريب غير مستحبّة.
أمّا تركيا، فردّت على “شرط الأسد” الذي يبدو تعجيزياً في هذا التوقيت، بالإعلان أنّ عملياتها العسكرية ستتواصل داخل الحدود وخارجها إلى حين القضاء على آخر تهديد إرهابي لها، كاشفة أنّها تتبنى 3 قضايا رئيسية في سبيل نجاح محادثات التطبيع مع الأسد، وهي:
1. التنسيق مع النظام في الحرب على الإرهاب: تقول أوساط دبلوماسية تركية إنّ الوجود العسكري التركي شمال سوريا ليس احتلالاً. بداية الأزمة السورية، كان هدف تركيا إيجاد حلّ شامل للأزمة، وكان نداء أنقرة أن يكون هذا الحلّ سياسيا لا عسكرياً.. لكن ما الذي استجد لتحوّل تلك الدعوة إلى حملة عسكرية داخل سوريا؟
تردّ المصادر الدبلوماسية بالقول، إنّ بعد العام 2015 لم يعد النظام مسيطراً على شمال سوريا، ودخلت تنظيمات إرهابية مثل (حزب العمال الكردستاني) وفرعه السوري وحدات حماية الشعب أو مثل “داعش” إلى المشهد السوري، وهذا ما اضطر الجيش التركي إلى دخول الأراضي السورية.
بناء عليه، أجرت أنقرة أكثر من عملية عسكرية للقضاء على هذه المجموعات القابعة على حدودها. ومنذ العام 2013 وحتى العام 2019 نفذت أنقرة 3 عمليات عسكرية كبيرة، وكان الهدف منها “منع تلك المجموعات من العودة إلى المناطق المحررة”، وهذا ما اضطرّها أيضاً إلى التمركز عند نقاط محددة في الداخل السوري.
لا ترفض أنقرة فكرة الانسحاب كلياً، لكنّها تشترط لنجاح ذلك “زوال هذا الخطر”، لأنّها لا تملك ترف بقاء جيشها خارج الحدود وتكبّد تكاليف هذا الوجود، على رغم تحصّنه بموجب المادة 51 من شرعة الأمم المتحدة التي تجيز للدول حماية حدودها.
فبموجب تلك المادة، تعتبر أنقرة أنّ وجودها العسكري في سوريا هو حماية الداخلي التركي وهذا مُتّفق عليه بموجب “محادثات أستانة”.
2. دفع العملية السياسية من خلال محادثات أستانة: تعتبر أنقرة أنّ “محادثات أستانة” هي المسار الحيّ الوحيد لأيّ حلّ سياسي في سوريا. في نظرها، فإنّ تلك المحادثات غير متوقفة، بل مستمرة لكن ببطء. وهي تعوّل عليها كثيراً برغم تقارب الدول العربية مع نظام الأسد مؤخراً، وبرغم هذا التقارب فإنّ إصرار تركيا مستمر ولن يُترجم بأيّ شكل من الأشكال تخلياً عن “محادثات أستانة” لأنّها أساسية من أجل الوصول إلى حلّ للأزمة السورية.
وفي هذا الصدد تكشف المصادر التركية أنّ الحرب الأوكرانية “كانت سبب تراجع تلك المحادثات”، التي كانت “قاب قوسين أو أدنى من إعادة صياغة دستور جديد” للجمهورية السورية، لكن الحرب أدت إلى تجميد كل شيء، خصوصاً أنّ روسيا أوقفت مشاركتها في المحادثات، وحوّلت اهتمامها إلى سير المعارك في أوكرانيا.
في موازاة ذلك، كان منسوب “الخطر الإرهابي” يرتفع على الحدود التركية – السورية ويهدد الأراضي التركية، خصوصاً أنّ أنقرة لم تجد أيّ دعم من حلفائها في حلف شمال الأطلسي “الناتو”. حتى الولايات المتحدة الموجودة في شمال سوريا وهي حليفة كبيرة لتركيا (هكذا يُفترض)، كانت تدعم المجموعات الكردية بالسلاح بحجة محاربة تنظيم “داعش”.
هذا ما أوجد لأنقرة سبباً جوهرياً للانفتاح على النظام. وجدت تركيا قاسماً مشتركاً مع النظام هو “دفع خطر الإرهاب”، وحماية سوريا من التقسيم. تعتبر أنقرة أنّ “محاربة داعش”، حوّلت المجموعات المسلحة الكردية إلى قوة كبيرة مدعومة من واشنطن بالأسلحة المتطورة، وبالتالي ستكون تهديدا مباشرا للأمن الداخلي التركي.
بداية الأزمة، أعلن نظام الأسد أنّه “يكافح” الإرهاب، وبالتالي أمسى كل من يدعم المعارضة بمنزلة “الداعم للإرهاب”، وبالتالي فإنّ هذا ما دفع نظام الأسد إلى اتهام القوات التركية بأنّها قوات احتلال، ولهذا أيضاً يطالب اليوم بانسحاب الجيش التركي من شمال سوريا.
وتضيف المصادر أنّ بدء المحادثات بين تركيا والجانب السوري لا يعني أبداً أن أنقرة غيّرت سياستها أو نظرتها إلى النظام السوري، لكنّ جلّ ما تصبو إليه اليوم، هو الحوار مع النظام من أجل مكافحة الإرهاب ومتابعة المسار السياسي المرسوم لسوريا عبر الأمم المتحدة، “فلا يظن أحد أنّ أيّ لقاء مع النظام السوري هو لنسف المسار السياسي السابق أو تخلٍ عنه”.
3. ضمان العودة الآمنة والكريمة للاجئين السوريين: تعتبر أنقرة أنّ ملف اللاجئين السوريين هو ملف سيؤثر على مسار العملية الديمقراطية في تركيا، وتحديداً على الانتخابات الرئاسية المنتظرة.
الوجود السوري داخل تركيا يشكّل مادة دسمة للرأي العام التركي، ووسيلة فعالة من أجل تسلّق المعارضة على حساب الحزب الحاكم، واقترابها من هزيمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في السباق الرئاسي، وربّما هزيمة حزب “العدالة والتنمية” في الانتخابات النيابية المقبلة.
تعتبر أنقرة أنّ الحوار مع النظام في هذا الملف قد يقطع الطريق أمّام المعارضة التركية المندفعة إلى الانفتاح بلا حدود مع نظام الأسد بحجة اللاجئين، وكان لا بدّ من إعطاء إشارات إيجابية إلى المواطنين الأتراك بأنّ هذا الملف غير مهمل من الرئاسة التركية، بخلاف ما تحاول المعارضة الإيحاء به.
وفي هذا الصدد ترى أنقرة أنّ خطوة النظام في إصدار “مراسيم عفو” هي خطوة دافعة نحو عودة اللاجئين، لكنّها غير كافية. وبرغم ذلك فإنها في المقابل ستظهر بعض المرونة في إيصال المساعدات إلى جميع المناطق السورية عبر معابرها الحدودية من دون انقطاع.
لكن يبدو أنّ نظام الأسد يفضل قذف هذا الملف إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية، خصوصاً أنّ الاجتماع الرباعي، إذا عُقد بداية شهر أيار (مايو) بحسب ترجيحات موسكو، سيسبق الانتخابات الرئاسية بنحو أسبوعين، وهي مهلة يستحيل من خلالها التقدم بملف اللاجئين، مع العلم أنّ نظام الأسد يراهن في ما يبدو، على تغيّر المشهد الداخلي التركي بشكل دراماتيكي، نتيجة “الرمادية” التي يتّسم بها مشهد الانتخابات الرئاسية المقبلة.
تلفزيون سوريا
————————
تطبيع تركيا والنظام السوري يتعثر بالشروط المسبقة/ بشير البكر
جرى ترحيل اللقاء المرتقب بين وزيري خارجية النظام السوري وتركيا، فيصل المقداد ومولود جاووش أوغلو، على الأرجح، إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية التركية المقررة في الرابع عشر من مايو/أيار الحالي، وبناء على ذلك تأجل الاجتماع على مستوى الرؤساء الذي جرى الحديث عنه منذ مطلع الشهر الماضي.
وكانت جولة جديدة على طريق تطبيع العلاقات بين تركيا والنظام السوري جرت على مستوى وزيري الدفاع، علي محمود عباس وخلوصي أكار ومسؤولي أجهزة الاستخبارات، في موسكو (بحضور وزير الدفاع الروسي والإيراني سيرغي شويغو ومحمد رضا أشتيان) في الخامس والعشرين من إبريل/نيسان الماضي (عقد لقاء أول ثلاثي على مستوى وزراء دفاع النظام وتركيا وروسيا في موسكو في 28 ديسمبر/كانون الأول الماضي) في الوقت الذي كانت الأنباء تتحدث عن مساع روسية لعقد اجتماع على مستوى وزراء الخارجية.
ورجّح وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، يوم الجمعة الماضي، انعقاد الاجتماع مع وزير خارجية النظام خلال الأيام العشرة الأولى من مايو، بانتظار تواصل موسكو مع النظام.
وأوضح جاووش أوغلو، في تصريح لقناة “تي آر تي خبر” الرسمية، بحسب ما نقلت عنه وكالة “الأناضول” للأنباء، أن روسيا اقترحت عقد الاجتماع على هذا المستوى خلال أول 10 أيام من مايو، وأن هذا الوقت يناسب تركيا. وشدّد على أن الاجتماع سيعقد في موسكو، وأن روسيا ستتحدث مع إيران والنظام بشأن تحديد الموعد النهائي وستبلغ تركيا بذلك، لافتاً إلى أن “انعقاد الاجتماع على مستوى وزراء الخارجية خلال أول 10 أيام من مايو مرجح جداً”.
لكن المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن أكد، الأربعاء الماضي، أن الاجتماع الرباعي المقبل (تركيا والنظام وروسيا وإيران) سيُعقد في موسكو بعد إجراء الانتخابات في تركيا، مضيفاً: “أصدقاؤنا يعملون على تحديد تاريخ لاجتماع جديد”.
جولات أولى في مسار محاولة التطبيع
وانطلق هذا المسار بمبادرة روسية في نهاية ديسمبر الماضي، بعد سلسلة من اللقاءات الأمنية غير المعلنة، وجرى الاتفاق على روزنامة لعقد سلسلة من الاجتماعات تبدأ بوزراء الدفاع ومسؤولي أجهزة الأمن، وهذا ما حصل، على أن يعقبه اجتماع وزراء الخارجية، للتمهيد للقاء على مستوى رئاسي.
وتعذّر عقد اجتماع على مستوى وزيري خارجية النظام وتركيا، فحصل لقاء على مستوى نواب الوزراء في الثالث من إبريل الماضي. وانضمت طهران إلى هذه الآلية بعدما كانت الاجتماعات تقتصر على روسيا وتركيا والنظام السوري، وقد تباينت في هذه الجولة الآراء حول النتائج، بصورة واضحة.
دمشق وأنقرة… لا مؤشرات على تطبيع وشيك للعلاقات
فبينما تحدثت تركيا عن اجتماعات بنّاءة، قال معاون وزير خارجية النظام، أيمن سوسان، إن إعلان تركيا انسحاب قواتها من الأراضي السورية سيكون شرطاً لبدء التقارب، وإعادة التواصل بين الجانبين. وأضاف أنه لا توجد حتى الآن مؤشرات “إيجابية” من الجانب التركي لتنفيذ “الضمانات” التي طرحها الجانب السوري سابقاً.
وسبق أن كشف النظام عبر وسائل إعلامه الرسمية مسألة “الضمانات” التي يجب أن تتعهد بها تركيا، كشرط لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين. كما قال إنها تخص انسحاب القوات التركية من سورية، ومحاربة الإرهاب والقضاء عليه في شمال غرب سورية، وبالأخص في منطقة إدلب.
وكان التقدير في الأوساط القريبة من أنقرة وموسكو بأن تصريحات سوسان من باب المزايدة، وأن الأجندة وضعتها روسيا، وسينعقد اجتماع وزراء الخارجية خلال إبريل، ليمهد لاجتماع على مستوى رئاسي قبل الرابع عشر من مايو.
والملاحظ هو أن من عطّل الاجتماع على مستوى وزراء الخارجية هو النظام السوري، الذي أصرّ على الحصول على مسألة “الضمانات”، ما استدعى عقد جولة جديدة على مستوى وزراء الدفاع ومسؤولي أجهزة المخابرات لمناقشة “الضمانات” والقضايا الميدانية، وتأجيل اجتماع وزراء الخارجية مرة أخرى.
وكما في المرات السابقة، حصل تضارب في المواقف حيال نتائج الجولة الجديدة بين وفدي أنقرة والنظام السوري. فبينما تحدث بيان وزارة الدفاع التركية عن خطوات ملموسة تتعلق بتطبيع العلاقات بين أنقرة والنظام، نفى مصدر في النظام السوري، في 25 إبريل، صحة المعلومات التي وردت في البيان التركي. وقال المصدر لصحيفة “الوطن” المقربة من النظام، إن ما حصل في الاجتماع بين وزراء دفاع تركيا وروسيا وإيران والنظام “كان للبحث في آلية انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، ولم يتطرق الاجتماع إلى أي خطوات تطبيعية بين الجانبين”.
وأعاد المصدر تحديد شروط النظام من أجل التطبيع أو العلاقة الطبيعية، بحسب وصفه، بين تركيا والنظام السوري، بأنها تعني انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، “وبغير الانسحاب لا تنشأ ولا تكون هناك علاقات طبيعية”. وأشار إلى أن الانسحاب هو أول مسألة يجب أن يجري حسمها في مباحثات عملية التطبيع.
من جهتها، ذكرت وزارة الدفاع في حكومة النظام السوري، أن الاجتماع الرباعي بين وزراء الدفاع بحث انسحاب القوات التركية من سورية، وتطبيق الاتفاق في الطريق الدولي المعروف باسم طريق “أم 4” (حلب – اللاذقية)، وهذه هي المرة الأولى التي يجري فيها، خلال الجولات، الحديث عن هذه المسألة.
مسألة الضمانات عالقة بين تركيا والنظام
وكشف النظام عبر التلفزيون الرسمي عن مطالبه لتركيا بوضوح، لكي يتم تفعيل المسار السياسي، وحددها بتسليم كافة المناطق جنوب طريق “أم 4” من جسر الشغور وحتى اللاذقية، وتسيير دوريات روسية سورية تركية مشتركة ودفع “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) 6 كيلومترات شمال الطريق، وذلك كبادرة حسن نية يقدمها الأتراك قبل تنفيذ “الضمانات”.
ومن المعروف أن قضية فتح الطريق “أم 4” الذي يربط القامشلي بمرفأ اللاذقية ويمر عبر مدن الحسكة وحلب وإدلب، جرى التنصيص عليها في اتفاق سبتمبر/أيلول عام 2018 في اجتماع بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان عقد في منتجع سوتشي الروسي.
وينص “اتفاق سوتشي” على استعادة حركة الترانزيت عبر الطريقين “إم 4″ و”إم 5” (حلب – دمشق) بحلول نهاية عام 2018، بالإضافة إلى ترتيبات ميدانية لإبعاد “جميع الجماعات الإرهابية الراديكالية” عن المنطقة منزوعة السلاح، بحلول 15 أكتوبر/تشرين الأول.
وتضمّن الاتفاق في حينه أيضاً تسيير دوريات مشتركة بين القوات الروسية والتركية على طول الطريق من أجل تأمين حركة الأفراد، وانتقال البضائع، ولكن العملية تعطلت بسبب هجمات قامت بها “هيئة تحرير الشام”، وتوقف عمل الدوريات بصورة نهائية في عام 2021.
استفاد النظام من ذلك الاتفاق وشنّ هجمات على المنطقة خلال النصف الأول من 2019، أحدث من خلالها واقعاً ميدانياً لصالحه. ولكن بقيت أمام النظام عقدتان، هما وضع الفصائل المسلحة في محافظة إدلب، وفتح الطريقين الدوليين، المهمين على الصعيد التجاري.
ويبدو أن النظام أعاد الموقف في جولات موسكو إلى نقطة الصفر، من خلال ربط التقدم على المستوى السياسي، بما أسماه “الضمانات” التي تتعلق بفتح الطرقات، وتسليم محافظة إدلب التي تسيطر عليها “تحرير الشام”. وبات حسم هذه النقاط منوطاً باجتماع الرؤساء.
وكان وزير الخارجية التركي قد تحدث قبل أيام عن أن لقاء القمة بين رؤساء روسيا وإيران وتركيا والنظام السوري، فلاديمير بوتين وإبراهيم رئيسي ورجب طيب أردوغان وبشار الأسد، قد يعقد مطلع مايو الحالي، مضيفاً في حديث لقناة “تي في 100″، أنه كان هناك مقترح بشأن أوائل مايو، لكن لم يتم بعد الاتفاق على هذا الموعد، لأن الرئيس الإيراني يعتزم زيارة سورية في هذه الفترة، والعمل مستمر الآن لتحديد موعد هذا اللقاء.
وكان اجتماع وزراء الخارجية قد تأجل في فبراير/شباط الماضي بحجة الزلزال الذي ضرب تركيا وسورية في 6 من الشهر ذاته، ولكن مصادر مطلعة أكدت أن سبب التأجيل هو الضغط من طرف إيران التي فرضت نفسها شريكاً في اللقاءات، التي اقتصرت في البداية على روسيا وتركيا والنظام.
وقالت المصادر إن رئيس النظام السوري يستمع إلى الإيرانيين أكثر من الروس، ولا يتخذ قراراً من دون موافقة إيرانية مسبقة، ولذلك هناك معلومات متداولة بأن لقاء أردوغان والأسد ربما يحصل خلال زيارة الرئيس الإيراني المرتقبة إلى دمشق.
وتريد طهران أن تقطف ثمار هذا الإنجاز من جهة، ومن جهة ثانية تصر على أن يحصل لقاء الأسد وأردوغان في دمشق وليس في موسكو، وبدلاً من أن يجري اللقاء في عاصمة ثالثة تعمل طهران على تنظيمه في دمشق، ليبدو الرئيس التركي وكأنه هو من جاء لمصالحة الأسد، ولهذا معنى رمزي كبير بالنسبة لرئيس النظام السوري.
وثمة من يعزو تشدد النظام إلى السير في هذه الاستراتيجية، وتأتي المماطلة وعدم البت في أي قضية، من أجل إحالتها إلى اجتماع الرئيس التركي برئيس النظام السوري، بدلاً من حلّها في اللجان المشتركة، وبذلك يفرض النظام السوري شروطه. وهذا هو السبب الذي أدى إلى ترحيل اللقاء إلى ما بعد الانتخابات التركية.
وكانت ورقة اجتماع أردوغان بالأسد ذات قيمة عالية قبل موعد الانتخابات التركية، لجهة حصول اتفاق أولي من حول عودة اللاجئين، إلا أن النظام السوري لم يكن في وارد تقديمها للرئيس التركي بلا مقابل، وكما ظهر من التكتيك الإيراني، فإن إدارة هذا الملف لم تكن سهلة، بسبب تعقيداته الكثيرة.
تركيا هي الأخرى كانت لديها شروطها حول اللقاء، أولها الاتفاق على خريطة طريق تتضمن عدم فرض شروط مسبقة، ودراسة المرحلة السياسية ومكافحة الإرهاب، وإحلال الاستقرار في سورية، بحسب ما ورد على لسان وزير الخارجية التركي.
واعتبر جاووش أوغلو أن شروط النظام في المحادثات “غير مناسبة”، خصوصاً في ما يتعلق بانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، لافتاً إلى عدم وجود نية لبلاده للانسحاب خلال الفترة القريبة المقبلة. وقال: “انسحابنا من شمال العراق وشمال سورية، يعني توقف عملياتنا العسكرية ضد الإرهاب واقتراب الإرهابيين من حدودنا، وهذا يشكل تهديداً لأمننا القومي”.
هناك تعقيدات أخرى كانت ستجعل من نتائج اللقاء على مستوى الرؤساء في حال حصوله متواضعة جداً، وأولى المعضلات التي تبدو بلا حل في المدى المنظور هي قضية اللاجئين السوريين في تركيا، الذين يصل عددهم إلى حوالي أربعة ملايين.
تركيا تضغط من أجل إعادة القسم الأكبر من هؤلاء إلى بلدهم، وهي تعمل من أجل ذلك منذ حوالي عام، وقد نجحت في إعادة عشرات الآلاف إلى محافظتي إدلب وحلب والمناطق التي تسيطر عليها الفصائل المتحالفة معها.
أما في ما يخص النظام، فإنه لم يقدم على خطوة ملموسة حتى الآن بشأن عودة طوعية وآمنة للاجئين، وهذا ينطبق على كافة اللاجئين في تركيا وغيرها، الأمر الذي لا يمكن معه الخوض في هذه المسألة على نحو جاد. ويسود اعتقاد بأن النظام ومن خلفه إيران، يرفضان عودة اللاجئين.
وهناك ثلاث أوراق مهمة على طاولة المفاوضات، تتعلق بمستقبل كل من “هيئة تحرير الشام”، القوة العسكرية الكبيرة في محافظة إدلب والمصنفة إرهابية، والفصائل العسكرية التي تسيطر على المنطقة الخارجة عن سيطرة النظام، في أرياف حلب وإدلب وتل أبيض ورأس العين، بالإضافة إلى “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد).
وفي مقياس ميزان القوى، تميل الكفة لصالح تركيا المتحالفة مع الفصائل، ولها تأثير على “هيئة تحرير الشام”، بينما ليس للنظام أي حضور أو تأثير في هذه المناطق، وبالتالي ليس في وسعه تحقيق مكاسب من دون تقديم تنازلات فعلية لتركيا، سواء حصل اجتماع الرؤساء أم لم يحصل.
العربي الجديدة
————————-
الرجل الأقوى لم يعد قوياً/ مهند الحاج علي
على بعد أقل من 3 أسابيع على الانتخابات الرئاسية والتشريعية التركية، والصراع المحتدم للفوز فيها، ظهر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان على عكس الصورة التي حاول ترويجها خلال العقدين الماضيين من حكمه كرئيس للحكومة ورئيس للجمهورية، بصفته رجل تركيا القوي. بدا في مقابلة تلفزيونية على الهواء، متوعكاً واعتذر عن اصابته بـ”انفلونزا المعدة”، وتحدث عن راحته بالمنزل لأيام رغم تخطيطه لخطابات وسط الأناضول. الرجل في سن الـ69 فقط لكنه يظهر بفعل تدهور صحته أكبر بكثير من سنه، ومن منافسه الرئيسي كمال كليشدار أوغلو الذي يكبره بخمس سنوات.
بغض النظر عن صحة الادعاء بالاصابة بالانفلونزا وغيرها، الظهور بهذا الضعف على التلفزيون لن يُساعد أردوغان وسط تنافس شديد، لا بل هو تقدم لكليشدار أوغلو الذي يقود تحالفاً لستة أحزاب معارضة. استطلاعات الرأي تُشير أيضاً الى احتمال خسارة حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان وحلفائه اليمينيين الانتخابات التشريعية أيضاً سيما بعدما مُني أخيراً بخسارات في الانتخابات المحلية في اسطنبول.
من الصعب الاقتناع بأن كليشدار أوغلو زعيم “حزب الشعب الجمهوري” (أسسه مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية الحديثة)، سيفوز بالانتخابات الرئاسية، أكان بالجولة الأولى أو الثانية، لأن أردوغان زعيم شعبوي ولا دليل في سنوات حكمه الـ21 على استعداده للتنحي جانباً في انتخابات، وخصوصاً أن كل استحقاق يستبطن لغة تخوينية غالباً تجاه الآخر.
والأزمة الصحية هي ربما أقل مشكلات أردوغان، إذ تُواجه بلاده أزمة اقتصادية حادة مع تجاوز التضخم نسبة الـ80 بالمئة العام الماضي وانخفاض قيمة الليرة التركية مقابل الدولار، وتعيش تداعيات زلزال شباط (فبراير) الماضي الذي قضى فيه أكثر من خمسين ألفاً، وما زالت مناطق واسعة في الجنوب التركي مُدمرة.
صحيح أن لا مسؤولية سياسية وراء الزلزال، لكن عدم التدقيق في عمليات الاعمار وغياب الاستعدادات لمثل هذا الحدث، رفعت من مستوى الغضب على الرئيس التركي وحزبه. كما يُعد أردوغان مسؤولاً عن حالة تخبط في إدارة الملف المالي، نتيجة تدخلاته في عمل المصرف المركزي. وهذه نقطة ضعف أمام الرأي استغلتها أحزاب المعارضة بوضوح، إذ أنها تعهدت باستعادة استقلال البنك المركزي، علاوة على عكس التعديلات الدستورية لحزب أردوغان، بما يُتيح العودة للنظام البرلماني، بعيداً عن الرئاسي الذي يتربع الرئيس التركي فوقه.
أردوغان أيضاً يُحاول منافسة خصومه في الانتخابات عبر البدء بعملية التطبيع مع النظام السوري، بهدف إعادة اللاجئين السوريين وبشكل تدريجي الى بلادهم بالمرحلة المقبلة. منافس أردوغان، كليشدار أوغلو، كان وعد بإعادة اللاجئين الى سوريا في غضون سنتين فحسب، بعد التطبيع الشامل للعلاقات بين أنقرة ودمشق. لكن الرئيس التركي، وعلى عكس خصومه، لن يكون قادراً لا على إعادة اللاجئين السوريين، ولا على تطبيع سريع للعلاقات مع النظام السوري. لهذا السبب ضاعف الحد الأدنى للأجور في سياق إجراءات ستسمح كذلك بالتقاعد المبكر لأكثر من مليوني عامل.
المنطق اليوم يُفيد بخسارة مدوية لأردوغان في الانتخابات المقبلة، لكن الرجل الذي لم يخسر عملية اقتراعية بعد، وتمكن من الاستمرار في سدة الحكم، قد يبقى إما بفعل التدخل أو نتيجة تبدل خطابه بالمرحلة المقبلة.
بغض النظر عن الفوز أو عدمه، يبقى أن “أردوغان الأقوى” لم يعد قوياً، وبات هو وحزبه أكثر عرضة للتحدي من أي وقت مضى.
المدن
—————————-
معركة إردوغان الأخيرة… وعكة صحية وشعبية/ جو حمورة
ليست الانتخابات التركية هذه المرة نزهة سهلة كما كانت في الماضي. العامل الجديد والمهم في هذه الانتخابات، هو بروز ائتلاف معارض مشكّل من ستة أحزاب رشحت رئيس حزب “الشعب الجمهوري” العلماني كمال كيليجدار أوغلو بغية إسقاط إردوغان.
بدا الرئيس التركي متعباً وكهلاً في إطلالته الشعبية الأولى بعد الوعكة الصحية التي ألمت به. 4 أيام من المرض أجبرت رجب طيب إردوغان على إلغاء مقابلات تلفزيونية ومهرجانات شعبية هو بأمس الحاجة للمشاركة فيها، وذلك قبل أسبوع ونيف من موعد الانتخابات النيابية والرئاسية.
ببساطة، يمكن وصف الانتخابات التي ستجرى في 14 أيار/ مايو بالمصيرية. يتوقف مصير الرجل الذي حكم تركيا منذ عام 2002، على نتائج صناديق الاقتراع التي ستحدد مصيره ومصير حزبه، فإما تجدد له لولاية رئاسية جديدة وأخيرة أو تخرجه من السلطة.
ليست الانتخابات التركية هذه المرة نزهة سهلة كما كانت في الماضي. العامل الجديد والمهم في هذه الانتخابات، هو بروز ائتلاف معارض مشكّل من ستة أحزاب رشحت رئيس حزب “الشعب الجمهوري” العلماني كمال كيليجدار أوغلو بغية إسقاط إردوغان.
لا يجمع بين هذه الأحزاب الستة الكثير في الإيديولوجيا أو المواقف السياسية، فبعض هذه الأحزاب قومية، وغيرها علماني وأخرى إسلامية. ما يجمعها هو هدف يتيم تريد تحقيقه لا أكثر، وهو معاقبة إردوغان على تفرده بالحكم والسير بتركيا إلى مكان لا تريده.
يدفع إردوغان اليوم ثمن تعنته الدائم وأعماله السلبية التي مارسها خلال سنوات حكمه الطويلة. الاقتصاد التركي المتراجع من الأدوات التي تستعملها المعارضة لمحاربة إردوغان، إذ تشهد البلاد تراجعاً في قيمة عملتها الوطنية، وتضخماً مخيفاً وبطالة زائدة وصلت إلى حدود الـ12 في المئة، بحسب معهد الإحصاء التركي “توركستات”. فيما حقوق الإنسان في تركيا في حالة يرثى لها، إذ يزدهر القمع وسجن أصحاب الرأي والصحافيين وحتى المغرّدين.
لا يعني ذلك أن شعبية إردوغان و”حزب العدالة والتنمية” قد اندثرت بالفعل، إذ لا يزالان يحظيان بدعم شعبي مهم بين الطبقات الفقيرة والمتدينة، وبين رجال الأعمال وتجمعاتهم، وأيضاً بين المتحملقين حول الطرق الصوفية المؤثرة جداً في الانتخابات التركية.
في المقابل، تراهن المعارضة على وحدتها من جهة، كما على الاستفادة من أخطاء الحكم وإبراز نفسها صاحبة طرح تجديدي يريد نقل تركيا من حالتها الراهنة إلى حالة أفضل، من جهة أخرى. أما إردوغان، فلا يقدم أي جديد خلال خطاباته السياسية أو برنامج حزبه الانتخابي، إنما يؤكد الاستمرار في نهجه السياسي، والاقتصادي والتربوي والاجتماعي.
ونكسة إردوغان الصحية جاءت لتضيف نقطة سلبية إلى معركته الانتخابية، فالرجل بدا ضعيفاً جداً وغير قادر على مواكبة الأحداث أو حتى حكم البلاد، بخاصة أن وعكته الصحية لم يلفها الغموض كثيراً ولم تبقَ سرية، إنما ظهرت آثارها مباشرة عليه خلال مقابلة تلفزيونية محلية مساء 25 نيسان/ أبريل، إذ كان واضحاً أن الرئيس ليس بخير، حتى إنه اعتذر عن إكمال المقابلة مباشرة على الهواء.
أما عن كيف ستنعكس الوعكة الصحية على الانتخابات ونتائجها، فيرى المتخصص في الشؤون التركية يشار نيازباييف “أن الحادثة الصحية ستجعل من الجمهور يرى تفانياً من الرئيس التركي في خدمة الناس… أما إذا استمرت الوعكة الصحية لمزيد من الوقت فإنها ستساهم في هزيمته”.
لا تراهن المعارضة التركية على أوضاع إردوغان الصحية، إنما تعرف أن فرصتها بالفوز عليه، هذه المرة، جدية وحقيقية. إن معظم استطلاعات الرأي الأخيرة، لا تظهر إلا فجوة صغيرة جداً بين الرئيس الحالي ومرشح المعارضة، فيما بعضها يعطي هذا الأخير أفضلية بسيطة على رئيس البلاد. وذلك على عكس الانتخابات الماضية جميعها، والتي كان يفوز فيها إردوغان وحزبه بفارق بضعة ملايين من الأصوات.
ولا يتوقع أي استطلاع للرأي أن يفوز إردوغان أو كيليجدار أوغلو في الدورة الأولى لتعذر حصول أي منهما على أكثر من 50 في المئة من مجموع الأصوات، وذلك بسبب ترشح رئيس حزب “الوطن” محرم إينجه (المنشق عن حزب الشعب الجمهوري) كما المرشح المتشد قومياً سنان أوغان للانتخابات الرئاسية. وهذا ما سيفرض إعادة الانتخابات نهاية شهر أيار/ مايو 2023 بين الحائزين أعلى نسبة من أصوات في الدورة الأولى.
إردوغان البالغ 69 سنة، واجه، خلال مسيرته السياسية، الكثير من الأخصام. ترأس بلدية إسطنبول، ثم سجن بضعة أشهر. حارب “الأتاتوركية” وانتصر على دولتها العميقة حين تربع على عرش رئاسة الحكومة لسنوات طويلة، كما قوّض دور المؤسسة العسكرية وحرمها أي دور خارج ثكناتها. حابى الإسلام السياسي وغيّر المجتمع وهوية الدولة. شارك بحروب في ليبيا وسوريا والعراق وفي الصراع الأرمني- الآذري، وواجه بنجاح تمردات وثورات ومحاولات انقلاب داخلية. ربح الرجل معاركه السابقة، السياسية والعسكرية والانتخابية منها، فيما يواجه اليوم المعركة الأخيرة التي يريد الفوز بها مهما كلف الأمر، فيكون متربعاً على رأس الجمهورية التركية في ذكرى تأسيسها المئوي الأول أواخر العام الحالي.
لا تسعفه صحته كثيراً على تحقيق مراده، كما لا يسعفه جمهوره المؤيد، إنما المتراجع رويداً رويداً. معركة إردوغان الأخيرة ستكون قاصمة في حال هزيمته، فيعود إلى أدراج المعارضة ناقماً، بعدما حكم تركيا وحيداً لأكثر من عقدين من الزمن ومن دون منازع حقيقي.
درج
———————————
كيف ستستيقظ تركيا صباح 15 مايو؟/ ياسر عبدالعزيز
عندما تشرق شمس تركيا يوم 15 مايو/أيار القادم، لن تشرق كما اعتادها الناس، ليس لأن خبراء الأرصاد الجوية يتوقعون ظاهرة ما، بل لأن سياسيي العالم يترقبون وضعا مختلفا ستفرزه نتائج الليلة التي سبقت هذا الفجر.
تعد انتخابات 2023 في تركيا مهمة للغاية ليس فقط للبلاد، بل للمنطقة والعالم بأسره؛ فقد تكون شمس 15 مايو/أيار أكثر توهجًا من تلك التي أشرقت على تركيا يوم 22 سبتمبر/أيلول 2002، مع فارق سخونة الأجواء الإقليمية والدولية، بعد التقلبات المناخية التي أحدثها حزب العدالة والتنمية على المستويات الداخلية والإقليمية والدولية، حتى باتت الانتخابات التركية تتابع كما مثيلتها في أميركا، بفعل ديناميكية تركيا العدالة والتنمية من خلال الاستفادة من موقع البلاد وقوتها العسكرية وإمكاناتها الاقتصادية المتنامية التي صعدت خلال 20 عاما الماضية، وجعلتها ذات أهمية إستراتيجية كبيرة.
نتائج الانتخابات القادمة ستحدد الاتجاه المستقبلي لتركيا، لا سيما علاقاتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول الجوار الأخرى، وإدارة السياسة الداخلية والخارجية للبلاد التي تختلف بالكلية بين رؤية العدالة والتنمية ورؤية الطاولة السباعية ومن يقف وراءها؛ فانتخابات مايو/أيار القادم تمثل لحظة حاسمة للبلاد، مع تداعيات إقليمية وعالمية، ستحدد مستقبل الديمقراطية في تركيا، واتجاه سياستها الخارجية ومكانة البلاد في العالم.
تم تحقيق الأهداف الاقتصادية لعام 2023 التي أعلنها حزب العدالة والتنمية بعنوان “تركيا جاهزة.. الهدف 2023″، ومع ذلك فلا تزال الدول المعادة جسور الصداقة معها لم تقدم ما يظهر نيتها الصادقة في الوقوف مع حكومة العدالة والتنمية، زاد على ذلك عامل خارج عن الإرادة، وأعني هنا كارثة الزلزال الذي خلف أضرارا بشرية ومادية واقتصادية، وصفناها في مقال آخر، ومع ذلك فإن الرئيس رجب طيب أردوغان أكد أن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية المنتظرة ستكون نقطة تحول في تاريخ البلاد والشعب، مشيرا إلى أنها نقطة تحول لتركيا بديمقراطيتها ونموها؛ فإما العودة إلى ماضيها المظلم أو السير نحو مستقبلها المشرق.
شمس الأحد الثاني من مايو/أيار ستشرق لا محالة، لكن على أي نحو ستشرق؟ هل ستشرق على مزيد من الإنجازات وتوفير فرص العمل وبناء مزيد من المساكن لمتضرري الزلزال وشراكات اقتصادية أكبر مع دول الجوار، وتقليل نفقات مهدرة في الطاقة بمزيد من الاستخراجات النفطية والغاز، وزيادة جديدة في دخل الفرد مع زيادة في الضمان الاجتماعي، ومزيد من الصناعات الدفاعية تؤمن المنجزات الاقتصادية، أم ستشرق على نوايا خبيثة بدأت تظهر بوادرها من خلال استدعاء النعرات الطائفية، بحديث عن علي ومعاوية رضي الله عنهما، أو تحريك كليجدار أوغلو النعرة العلوية لينكأ جرحا قد دمل، ويستدعي إرثا قد دفن في واحدة من أخطر الألعاب التي يمكن لسياسي أن يلعبها في بلد متعدد الأعراق والطوائف.
شمس 15 مايو/أيار ستشرق بإرادة الله ثم بصوت عقلاء هذا البلد الكبير الذي يأمل العالم الإسلامي أن تكون له قاطرة تذهب به إلى استقلاليته السياسية والاقتصادية بامتلاك قراره متعاونًا مع العالم بندية، فلقد سئم الفوقية التي يعامله بها الغرب، وآن له أن يستعيد كرامته ومجده.
حاصل على ماجستير القانون العام ودبلوم الإدارة والتخطيط الإستراتيجي، مدير مركز دعم اتخاذ القرار في حزب الوسط المصري سابقا، له العديد من المقالات والأبحاث المنشورة.
——————————-
الانتخابات التركية… اردوغان يقاتل للفوز/ عمر اونهون
يقود الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تحالفا انتخابيا من ستة أحزاب سياسية، هو “تحالف الجمهور”، وعلى رأسه حزب العدالة والتنمية (AKP)، ومرشحه الرئاسي هو أردوغان نفسه. وفي المقابل، رشّح “تحالف الأمة” ويتألف أيضا من ستة أحزاب سياسية، بقيادة حزب الشعب الجمهوري (CHP)، كمال كليشدار أوغلو، ليكون رئيسا للجمهورية. وكلا التحالفين يخوض معركة سياسية شرسة من أجل السلطة. وستجرى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 14 مايو/أيار المقبل.
حكم رجب طيب أردوغان تركيا على مدار 22 عاما، أولا كرئيس للوزراء (2003 إلى 2014) ثمّ كرئيس للجمهورية (2014 حتى اليوم). ويعمل جاهدا من أجل انتخابه رئيسا للمرة الثالثة. وفي سبيل أن يحافظ حزب العدالة والتنمية على أغلبيته في البرلمان.
ستكون الانتخابات المقبلة هي الأصعبَ بالنسبة لأردوغان، وتشير الاستطلاعات، إلى أن كليشدار أوغلو اليوم في المقدمة. ولكن معسكر أردوغان، كما هو متوقع، يتجاهل هذه الاستطلاعات ويدعي أنه لا يزال يتمتع بمكانة متقدمة بشكل مريح.
يقود أردوغان تحالفا محافظا/ قوميا، وهو في الحقيقة أمر شديد الغرابة من نواح كثيرة. فقد تآزرت أحزاب قومية متطرفة وحزب متطرف للأكراد المتدينين، ومعها أحزاب انقسمت من أحزاب أخرى داخل التحالف، لتضمن إعادة انتخاب أردوغان.
وعلى الرغم من الهيكل المعقد لتحالف أردوغان، يصرّ الرئيس على انتقاد المعارضة باعتبارها مجموعة من الأحزاب التي ليس لديها أي شيء مشترك سوى الطموح الأعمى لإبعاده عن السلطة. ويقول إن المعارضة ليس لديها رؤية أو مشروع و”ستخرج تركيا عن مسارها وهي في طريقها إلى القيادة العالمية”.
وكثف أردوغان جهوده لوصم كليشدار أوغلو وحلفائه بأنهم متعاونون مع منظمة حزب العمال الكردستاني، التي تصنفها تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كمنظمة إرهابية، ويزيد أن كليشدار أوغلو، في حال انتخابه، سوف يفرج في لمحة عين عن المدانين بالإرهاب.
بيد أن المعارضة تسخر من مزاعم أردوغان باعتبارها مهزلة انتخابية.
الاقتصاد سيحدد توجهات الناخبين
يأتي في مقدمة الاهتمامات في هذه الانتخابات الاقتصاد التركي، الذي يعاني من خلل ملحوظ، فحتى مكاتب الإحصاء الحكومية، التي ترسم في العادة صورا وردية إلى أقصى حد ممكن، لم تعد تستطيع إخفاء ذلك.
في العام 2002، صوّت الناس لصالح حزب العدالة والتنمية بسبب سوء الاقتصاد وزلزال عام 1999. الآن، بعد 21 عاما، إذا قُيِّض لأردوغان وحزب العدالة والتنمية أن يخسرا الانتخابات، فسيكون ذلك بسبب الاقتصاد والزلزال الجديد.
واليوم، تكشف البيانات الاقتصادية بشكل عام أن تركيا عادت، من حيث التضخم ومستويات المعيشة ومعدلات الفقر، إلى مستويات عام 2002. وازداد أيضا مستوى التضخم وبالتالي ارتفاع أسعار السلع والخدمات إلى حدّ كبير، وحتى الضروريات، مثل الغذاء، باتت مكلفة للغاية لدرجة جعلت الناس أكثر فقرا وقوتهم الشرائية أقل.
شكّل زلزال فبراير/شباط الماضي، الذي أودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص، تحديا خطيرا لأردوغان، الذي تعرض هو وحكومته لانتقادات شديدة لعدم اتخاذ تدابير وقائية في مناطق الزلزال المعروفة الواقعة على خطوط الصدع، وأيضا للتأخر في التدخل وعدم كفايته بعد الكارثة.
ويتعين على أردوغان الآن أن ينجح في إقناع الناس بأنه القائد القادر على تحسين الاقتصاد وإعادة بناء المناطق التي ضربها الزلزال وضمان أن يتمكن الناس من أن يعيشوا بشكل آمن ومقاوم للزلازل في جميع أنحاء تركيا.
هناك جملة من الأسباب التي تجعل الاقتصاد أمام صعوبات كبرى، في مقدمتها سوء الإدارة وخضوع الاقتصاد لسيطرة شخص واحد هو الرئيس، وفقدان البنك المركزي استقلاليته، والتضخم. ويرى كثير من الاقتصاديين والخبراء الآخرين أن طريقة أردوغان وسياساته في معالجة هذه المشكلة لم تكن الخيار الصحيح، فقد أصر أردوغان على خفض أسعار الفائدة على الرغم من ارتفاع التضخم، وغالبا ما كان يردّد، على خلاف رأي النقاد، أنه دارس للاقتصاد ويعرف ما يفعله.
إلى ذلك، انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر في تركيا بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، بشكل لا يليق بمؤهلات تركيا وإمكانياتها. إن ما يبحث عنه المستثمرون ليس خطابات العظمة للسياسيين، ولكن قضايا أخرى، مثل الثقة في البلد المضيف.
ولذلك، يحتاج أردوغان، إذا أراد الخروج من هذا الوضع، إلى أشخاص ذوي مهارات وسمعة طيبة في الاقتصاد يمكنهم إعادة بناء الثقة. أحد هؤلاء هو علي باباجان، نائب رئيس الوزراء السابق والذي كان مسؤولا عن الاقتصاد، ولكن الرجل استقال من حزب العدالة والتنمية وأنشأ حزبه الخاص، وهو الآن جزء من تحالف “الأمة”. الاسم الآخر هو محمد شيمشك، وزير المالية السابق الذي التقى بأردوغان مؤخرا، ووعد بأن يفعل ما في وسعه دوما لمساعدة الاقتصاد التركي، ولكنه رفض الدخول مرة أخرى في السياسة النشطة.
وبالفعل، أطلق أردوغان، في محاولة لكسب قلوب الناس وأصواتهم، عددا من المخططات الشعبوية، فضاعف الحد الأدنى للأجور، ونجح في اعتماد القانون الذي طال انتظاره بشأن التقاعد المبكر وإطلاق خطة قروض عقارية مواتية نسبيا، تغطي من خلاله الدولة نصف تكلفة المنازل، في مسار التحول الحضري وإعفاءات من الديون الضريبية.
كل هذه الأمور تبدو جيدة، لكن كثيرا من الاقتصاديين والخبراء حذّروا، إلى جانب نقاط أخرى، من تكلفة هذه المبادرات على الخزانة وتأثيرها على التضخم.
وفي مجال دمل جروح الزلزال، انخرطت الحكومة في مخططات كبرى لإعادة بناء البلدات والمدن التي ضربها الزلزال وبناء وحدات سكنية أصلب وأمتن وتستخدم أفضل المواد في كل مكان.
ويبقى السؤال الكبير هو: لماذا لم يتم القيام بذلك في السنوات العديدة التي قضاها حزب العدالة والتنمية في السلطة. إن التسرع في اتخاذ الخطوات مع التركيز على الانتخابات والقيام بمهمة بهذا الحجم دون تخطيط مناسب تلقي بظلال من الشك على نتيجة هذه الجهود.
يستند أردوغان في حملته الانتخابية إلى شعار “الوقت المناسب، الرجل المناسب للقرن التركي”. وتركز رسالة “تحالف الشعب” على أنه خلال 22 عاما في ظل حكم أردوغان، أكملت تركيا بنيتها التحتية من الطرق والجسور والمطارات وما إلى ذلك، وبنت صناعة دفاعية قوية وهي الآن في طريقها إلى الريادة العالمية. ولا شك أن الحكومة قامت بالفعل بعدة مشاريع مهمة.
من هذه المشاريع:
السيارة الكهربائية الوطنية التركية (TOGG) صارت تجري على الطرقات، وبات الوزراء يتجهون إلى حملاتهم الانتخابية في تلك السيارات.
تم تشغيل حاملة الطائرات “أناضول” (TCG Anadolu)، التي صممتها وطورتها إسبانيا وتم بناؤها في إسطنبول، وفتحت الناقلة للزيارة العامة طوال عطلة العيد، فقام عشرات الآلاف بزيارتها.
وجرى تسليم أول دفعة من الغاز الطبيعي إلى محطة كهرباء على البر التركي من احتياطي تم اكتشافه في البحر الأسود، وترافق ذلك مع إعلان أردوغان أن الأسر التركية ستكون قادرة على الحصول على الغاز التركي مجانًا لفترة معينة.
وقد عُرضت هذه الإنجازات على الجمهور في احتفالات براقة وبثت على جميع القنوات التلفزيونية قبل الانتخابات بفترة وجيزة، وكان الهدف من ذلك إثارة إعجاب الجمهور كجزء من رؤية أردوغان لنقل تركيا إلى المستقبل.
وتجد هذه الإنجازات صدى طيبا بين الأتراك من جميع قطاعات الطيف السياسي تقريبا، بيد أن المعارضة تنتقد ما تسميه خلافات وعلامات استفهام في الكواليس في كل مشروع من هذه المشاريع.
وبالإضافة إلى إنجازاته الاقتصادية، قدم الرئيس أردوغان أيضا السياسة الخارجية كمثال على نجاحه. والحق أن حكومة حزب العدالة والتنمية، التي كانت قد اختلفت مع عدد من الدول المهمة في الشرق الأوسط، حاولت جاهدة، في العامين الماضيين، عكس هذا المسار، وأحرزت بالفعل بعض التقدم في العلاقات مع معظم البلدان التي توترت العلاقات معها، على الرغم من أن المشاكل معها لم تتوقف تماما.
وفيما يتصل بالعلاقات مع سوريا، على الرغم من أن الحكومة بذلت أفضل ما تستطيع لتحسين العلاقة مع الأسد، فإن الأخير حرص على وجود مسافة بينه وبين أردوغان، وقال علنا بأن “تكون تركيا جاهزة بشكل واضح ودون أي التباس للخروج الكامل من الأراضي السورية، والتوقف عن دعم الإرهاب”.
وكما كان الحال في الأيام الخوالي، يواصل أردوغان نوبات غضبه العرضية حول بعض القضايا المتعلقة بالسياسة الخارجية، سوى أن ردود أفعاله ونبرته أكثر ليونة كما تبدّى في مثالي الأعمال الإسرائيلية في الحرم القدسي الشريف خلال شهر رمضان، واعتقال راشد الغنوشي في تونس.
يشعر الرئيس أردوغان بالاستياء من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ووجه مؤخرا سهام نقده للسفير الأميركي في أنقرة بسبب زيارته كمال كليشدار أوغلو، خصمه الرئيسي في السباق الرئاسي.
إذا أعيد انتخاب الرئيس أردوغان في 14 مايو/أيار المقبل، فمن المتوقع أن تستمر سياساته “الشعبوية والبرغماتية للغاية” في العلاقات الدولية، حيث ستكون هناك حاجة إلى موارد من خارج تركيا لإصلاح الاقتصاد.
قد يواجه أردوغان صعوبات، وقد يكون متراجعا في استطلاعات الرأي، ولكنه لا يزال يتمتع بقاعدة صلبة من المؤيّدين المتعصبين.
ولعل التحدي الأكبر بين التحديات الكثيرة التي يواجهها هو الاقتصاد. وهو يحاول جاهدا تعويض خسائره من خلال الوعد بكل الأشياء التي يقول إنه سيفعلها إذا جرى انتخابه، بما في ذلك خفض أسعار المواد الغذائية ومعاقبة من يتسبب في ارتفاع الأسعار.
لدى أردوغان الكثير ليخسره إذا لم تتم إعادة انتخابه. وبالتالي، فهو مستعد تماما لفعل كل ما يتطلبه الأمر لكي لا يخسر.
المجلة
—————————-
لقاء أردوغان – الأسد: بين المعجل والمؤجل؟/ سمير صالحة
أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن رغبته في لقاء بشار الأسد إن تمكن من حضور قمة سمرقند، في أيلول المنصرم. كان عنده الكثير من الأمور التي سيبلغه بها كما قال أردوغان لاحقا. لكن الأسد لم يحضر.
عاد أردوغان ليكشف في منتصف كانون الأول المنصرم وفي طريق عودته من قمة ثلاثية في مدينة أفازا بين زعماء تركيا وأذربيجان وتركمانستان، عن عرض قدمه لنظيره الروسي فلاديمير بوتين بشأن إجراء لقاء ثلاثي يجمعهما بحضور الأسد. تحركت موسكو بهذا الاتجاه لتسهيل اللقاء لكن دون أي نتيجة حتى الآن.
في منتصف أذار المنصرم بدأنا نقاشا استكماليا حول الموضوع بعدما اعتبرت أنقرة أن محاولة الأسد ربط اللقاء بتعهد تركي واضح للخروج من الأراضي السورية لا تتلاءم مع المسارات الجديدة مرفقة موقفها هذا بجملة من الشروط المضادة الواجب التعامل معها بجدية قبل بحث مسألة الانسحابات العسكرية التركية من شمال سوريا.
ما الذي سيجنيه أردوغان وبلاده ذاهبة إلى انتخابات برلمانية ورئاسية مصيرية بعد أسبوعين، من عقد “لقاء مستعجل” مع بشار الأسد؟ وهل يصل ملف الأزمة السورية إلى نهايته عند المصافحة المرتقبة بين الرئيس التركي، ورأس النظام السوري؟ ألن يكون هناك لقاء تحضيري رباعي على مستوى وزراء الخارجية كما أعلن أكثر من مرة؟ وهل من مصلحة روسيا حدوث اللقاء بين الرجلين قبل الانتخابات التركية؟ ثم هل هناك ضغوطات إيرانية على الأسد للتخلي عما وصف بشروط مسبقة لأي لقاء أم هي تفعل العكس؟ ولماذا تتمسك طهران بتحقيق إنجاز ما على خط أنقرة دمشق وتحاول جني ثمار مفاجأة حدوث قمة تركية سورية في شهر أيار المقبل وقبل موعد الانتخابات التركية؟ هل هي تخدم أردوغان هنا أم تحاول توريطه شعبيا بسبب خطوة من هذا النوع؟ ثم لماذا الإصرار على الربط بين لقاء أردوغان – الأسد بلقاء أردوغان – السيسي في الدوحة كخطوة لا بد منها لرسم مسار خريطة طريق جديدة من التفاوض بين الطرفين؟
عندما يقول المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن، إن بلاده أبلغت وزراء دفاع النظام السوري وروسيا وإيران عن نيتها عقد الاجتماع الرباعي المقبل بعد الانتخابات التركية المزمع عقدها في 14 أيار المقبل، فهذا يتطابق مع استحالة عقد لقاء بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورأس النظام في سوريا بشار الأسد. ويتطابق أيضا مع ما قاله وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قبل يومين، ردا على سؤال يتعلق بعقد اللقاء “نعم احتمال اللقاء قائم، لكن يجب أولا تحضير خريطة طريق تتضمن عدم فرض شروط مسبقة ودراسة المرحلة السياسية ومكافحة الإرهاب وإحلال الاستقرار في سوريا”.
عبارة “لدينا انتخابات” التي تتردد على لسان القيادات التركية تعني الجميع وكل قنوات التواصل مع دمشق. ومن سيلتقي بشار الأسد من المسؤولين الأتراك مسألة سنتعرف إليها صباح الخامس عشر من أيار المقبل.
لا يمكن لأنقرة أن تبتعد كثيرا عن القرارات الأممية والمواقف العربية حيال الملف السوري حتى ولو كانت تنسق مع روسيا وإيران أمام طاولة موسكو الرباعية. وهي لن تتبنى سياسة مغايرة لما تتبناه الأمم المتحدة وتعمل من أجله، والتي أوجزها المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسن في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن الدولي بقوله إن “الاهتمام الدبلوماسي المتزايد بسوريا خلال الفترة الحالية قد يدفع بالحل السياسي إلى الأمام”. لكنه اعتبر أن الطريق الأفضل خلال التعامل مع “نقطة فارقة ومهمة” تنتظر سوريا في المرحلة القادمة هو تسهيل “تقدم سياسي وفقا للقرار 2254”.
خلافاً للكثير من التوقعات:
– لم تسهم زيارة الأسد الأخيرة لموسكو في دفعه إلى إبداء أي مرونة أو ليونة في مواقفه حيال اللقاء بل تمسك بشروطه المسبقة قبل أي طاولة تفاوض من هذا النوع.
– ولم تتحقق تطلعات المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية عمر شليك في مطلع كانون الثاني المنصرم وهو يعلن “أن الوقت قد حان لمد الجسور بين البلدين، وحان الوقت للحوار السياسي.. الخطوة التالية على جدول الأعمال ستكون بحث إمكانية عقد اجتماع قمة”.
– ولم تتخلّ أنقرة عن التذكير بأسباب وجودها العسكري في شمال سوريا معلنة أنها لن تغادر قبل التعامل مع مطالبها وأن ترى النتائج الميدانية والعملية وأن هذه المطالب ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار قبل أي لقاء مع بشار الأسد.
– وما زالت طهران تواجه الصعوبات والعراقيل الكثيرة من الجانب التركي والسوري والروسي رغم رهانها على اختراق تسجله على خط علاقاتها بأنقرة ودمشق، وتجيير ذلك إلى مكسب سياسي يعزز موقعها ودورها الإقليمي، ويسهل فرص انفتاح بعض العواصم العربية على سياستها السورية.
الجميع يعرف أن ما يدفع أنقرة لفتح الأبواب أمام لقاء قمة مع بشار الأسد هو:
الانسداد الحاصل في سياسة تركيا السورية وفي الحراك الإقليمي والدولي حيال الملف.
والمواقف الأميركية والأوروبية الداعمة لمجموعات “قسد” وتنفيذ سياسة غربية معارضة لما تقوله وتريده تركيا في شرق الفرات.
والتقارب التركي الروسي الواسع في ملفات ثنائية وإقليمية. والاستفادة من فرصة التحرك العربي الجديد حيال الملف.
صحيح أن “الكثير من المياه مرت تحت الجسر” والكثير من التحولات والمواقف تعصف اليوم في مسار الملف داخل سوريا وخارجها، وهو ما يدفع أردوغان وحزبه نحو سياسة سورية مغايرة اعتبارا من صباح الخامس عشر من أيار في حال بقائهما على رأس السلطة في تركيا. وصحيح أيضا أن أردوغان سيخرج بعد الانتخابات أكثر قوة مما هو عليه اليوم. وسيلقى دعما أكثر من الناحيتين السياسية والشعبية باتجاه الإقدام على خطوة اللقاء بالأسد وتسريعها بقدر ما يريد. لكن ما ينبغي قبوله كذلك هو أن اللقاء ببشار الأسد ينبغي أن تسبقه وتواكبه جملة من الخطوات السياسية المعلنة بهدف الحؤول دون استقواء النظام على الشعب السوري أكثر مما فعل حتى الآن، وعدم منحه فرصة الإفلات من المساءلة القانونية والسياسية والأخلاقية بسبب ما ارتكب من جرائم ضد الإنسانية وانتهاكات ضد الشعب السوري منذ عقود أولا. وعدم توجيه رسائل خاطئة للأتراك والسوريين حول أسباب ودوافع وأهداف الإقدام على خطوة بهذا الاتجاه ثانيا. التحرك التركي نحو عقد لقاء قمة من هذا النوع ينبغي أن تسبقه تعهدات معلنة وملزمة من قبل النظام تشمل الالتزام بالقرارات الدولية والعربية التي تحمله مسؤولية إيصال سوريا إلى ما هي عليه اليوم، وتسهيل المرحلة الانتقالية السياسية في البلاد، وإنهاء سياسة المراوغة التي يتمسك بها لتحسين موقعه وتحصين نفسه في مواجهة الشعب السوري وقرارات المجتمع الدولي. حصر الموضوع بملف اللجوء وتسهيل عودة السوريين أو الأمن الحدودي لتركيا والبناء على هاتين المسألتين لن يعطي أنقرة ما تريده من ضمانات، ويتعارض كليا مع كل ما طرحته خلال عقد ونيف من مواقف في سياستها السورية.
تلفزيون سوريا
—————————–
مستقبل الليرة التركية بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية/ مخلص الناظر
مع اقتراب تركيا من الانتخابات الأكثر أهمية في تاريخها الحديث، ومع احتمالات الفوز المتقاربة، وسيطرة حالة عدم اليقين على البيئة الاقتصادية بين احتمالات فوز الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان الذي يبدو مصمما على الاستمرار في سياسته الاقتصادية غير التقليدية، واحتمالات فوز مرشح الطاولة السداسية كمال كليتشدار أوغلو والذي من المتوقع أن يطيح بنموذج أردوغان الاقتصادي وإعلان عودة تركيا إلى الاقتصاد الليبرالي، واحتمالات تشتت القرار الاقتصادي في حال الفوز المختلط (فوز أحد الأطراف بالرئاسة والطرف الآخر بالبرلمان) دخلت الليرة التركية مرحلة جديدة من الهبوط بعد تجاوزها حاجز 20 ليرة للدولار الواحد أمام الدولار الأميركي في أسواق الصرف العامة.
حاول البنك المركزي إبطاء هبوط الليرة والتي بقيت مستقرة منذ أيلول العام الماضي إلى منتصف آذار العام الحالي من خلال التدخل في أسواق الصرف من أبواب خلفية بالإضافة إلى ضوابط رأس المال وتحفيز المواطنين على الاستثمار في وديعة الليرة المحمية.
منذ السابع عشر من مارس الماضي بدأت الليرة في الانخفاض بشكل يومي مع استمرار ظهور البيانات السلبية عن الاقتصاد التركي المتعلقة بعجز الحساب الجاري، وعجز التجارة الخارجية وتباطؤ القطاع الصناعي وعودة البطالة إلى الارتفاع واتساع عجز الموازنة، بالإضافة إلى البيانات التي أظهرت تراجعا حادا في احتياطات البنك المركزي التركي ولجوءه إلى البيع من احتياطي الذهب للمرة الأولى منذ عام.
ساهمت تقديرات البنوك الاستثمارية لسعر صرف الليرة بعد الانتخابات واحتمالات انخفاضها إلى القيمة العادلة، والتي تم تقديرها بحدود 24-25 ليرة للدولار الواحد بسبب عدم قدرة المركزي على الاستمرار بسياسة التحكم بسعر الصرف في ظل عجز الحساب الجاري الحالي، وتآكل الاحتياطي النقدي في مزيد من عدم اليقين وزيادة الطلب على القطع الأجنبي.
يوجد طريقتان لقياس القيمة العادلة لأي عملة:
الطريقة الأولى: والتي يستخدمها صندوق النقدي الدولي والبنوك الاستثمارية الكبرى وهي التي تربط بين عجز الحساب الجاري وسعر الصرف الموافق له.
الطريقة الثانية: وهي التي تربط بين معدل التضخم وسعر الصرف الموافق له وتعتبر هذه الطريقة الأقل دقة مقارنة بالطريقة السابقة.
بتطبيق كلا الطريقتين على الحالة التركية نجد أن القيمة العادلة لليرة تتراوح في مدى من 24-27 ليرة للدولار الواحد.
لكن في المقابل يناقش بعض الاقتصاديين أن نماذج قياس القيمة العادلة لا تصلح للقياس في اقتصاد من حجم متوسط ويخضع لضوابط رأس المال الصارمة.
بالمقابل أثارت إجراءات البنك المركزي التركي لمواجهة حدوث انخفاض دراماتيكي المخاوف من وجود أزمة عملة من خلال توسيع الفارق بين حد البيع والشراء إلى 1.2 ليرة في المصارف وتقليل حد السحب اليومي لليرة من 5000 إلى 3000 في بعض البنوك الحكومية.
كما أدى ذلك إلى ظهور أمر خطير للغاية وهو توسع الفرق بين سعر المصارف وسعر الصرافين إلى 5% وهو أعلى فرق منذ عام 1989 تاريخ تبني تركيا لسعر الصرف الحر، الأمر الذي يؤدي إلى نشوء سوق سوداء وهو أوضح المؤشرات الرئيسية لأزمات العملة. ويعطي انطباعا بأن الليرة التركية ستفقد مزيدا من قيمتها بمجرد إزالة ضوابط رأس المال الحالية، حيث تدرك الأسواق تماما أنه في ظل عجز الحساب التجاري الحالي وعجز الميزان التجاري ومستوى الاستثمار المباشر المنخفض إلى أدنى مستوياته لا يمكن للمركزي التركي الاستمرار في سياسة التحكم بسعر الصرف.
تقوم النظرة لسعر صرف الليرة بعد الانتخابات على مبدأ أساسي هو أن قيمة الليرة حاليا أعلى من قيمتها العادلة، والسبب في ذلك هو تدخلات البنك المركزي لمنع الانخفاض قبل الانتخابات مما يؤثر على حظوظ الحزب الحاكم وخصوصا أن العامل الاقتصادي هو أكبر العوامل المؤثرة على قرار الناخبين في هذه الانتخابات المفصلية، وبالتالي بغض النظر عن نتيجة الانتخابات فإن انخفاض الليرة إلى حدود 25 ليرة للدولار الواحد قبل نهاية العام الحالي هو السيناريو الأكثر ترجيحا.
أما المسار التالي لمرحلة الوصول إلى القيمة العادلة فيتوقف على نتيجة الانتخابات وطبيعة السياسة الاقتصادية المتبعة وطبيعة الفريق الاقتصادي الذي يقود مرحلة مابعد الانتخابات ومدى الاستقلالية التي ستمنح للمصرف المركزي، ففي حال استمرار السياسات الحالية، فسنشهد مزيدا من الانخفاض ومدى هذا الانخفاض سيتوقف على معدل التضخم وحجم العجز في الحساب الجاري، أما في حال العودة إلى السياسة الاقتصادية التقليدية فستكون تركيا إحدى أهم وجهات الاستثمار الأجنبي حيث تشير التقديرات إلى إمكانية تدفق 50 مليار دولار خلال هذا العام بحسب بلومبيرغ، الأمر الذي سيؤدي إلى تقليص عجز الحساب الجاري وبالتالي استقرار الليرة في حدود القيمة العادلة.
يشكل الاقتصاد محورا أساسيا في هذه الانتخابات وربما سيكون العنصر الحاسم في نتيجتها، ولكن مما لا شك فيه أن الاقتصاد التركي سيمر بمرحلة من التقلبات القياسية بعد هذه الانتخابات، كما أن العودة إلى الاقتصاد الليبرالي ستكون مؤلمة بسب الاختلالات التي أصابت مؤشرات الاقتصاد الكلي خلال العامين الماضيين.
——————————–
الانتخابات التركية ومستقبل السوريين في تركيا/ رضوان زيادة
تشهد تركيا منتصف الشهر المقبل انتخابات رئاسية مصيرية ليست بالنسبة لها فحسب وإنما لمستقبل ملايين السوريين الذين يعيشون على أرضها في مدنها المختلفة.
ولما كانت استطلاعات الرأي تعطي نتيجة متقاربة بين مرشح المعارضة (الطاولة السداسية)، والرئيس أردوغان فقد أضحت الانتخابات تحمل بُعداً مصيرياً لكثير من السوريين ومستقبلهم على الأرض التركية، خاصة أن المعارضة تهدد علناً بترحيل السوريين وتضع ذلك في رأس جدول أعمالها وبرنامجها الانتخابي خاصة إذا فازت في هذه الانتخابات.
وقد أشار نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض أونورسال أديغوزيل قائلاً: إن “مخاوف مواطنينا بشأن أمن الانتخابات” تبرز عندما أُعلِنَ أن قرابة 150 ألف ناخب من مواليد سوريا وأفغانستان وليبيا والعراق وإيران سيصوتون “لأول مرة”، مردفاً: “الدخول غير المنضبط إلى بلدنا جاء نتيجة لسياسة الباب المفتوح التي نفذها حزب العدالة والتنمية على حدودنا”، يأتي ذلك ذلك وسط توترات بشأن التصويت المقبل.
وقد انتشرت الشائعات حول احتمالية تزوير الانتخابات المرتبطة بتصويت اللاجئين السوريين أيضاً، ولذلك فأحزاب المعارضة تستهدف السوريين بشكل كبير وتعتبرهم هدفاً لها في الحصول على نقاط التصويت، لا سيما أن قاعدة حزب العدالة والتنمية ذاتها بدأت تردّد الحديث عن ضرورة ترحيل السوريين وأنهم هم السبب وراء ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وغير ذلك، إذ يكاد يكون هناك اتفاقٌ شعبيٌ على ضرورة ترحيل السوريين، لكن الفرق أن حزب العدالة يدرك أن ذلك مستحيل في ظل بقاء الأسد في الحكم.
لقد شهدت تركيا تغييرات عميقة على مدى العقد الماضي في استيعاب تداعيات الصراع السوري، فهي تستضيف الآن 4 ملايين لاجئ سوري وأصبحت أكبر دولة مضيفة للاجئين في العالم.
لم يُمنح السوريون وضع اللاجئ الكامل ولذلك أعطوا ما يسمى “الحماية المؤقتة” بسبب قيود جغرافية أدرجتها تركيا في انضمامها إلى اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين. ومع ذلك فهي الدولة الوحيدة من جيران سوريا التي منحت الجنسية للاجئين السوريين بشكل جماعي. حيث حصل السوريون في المقام الأول على الجنسية التركية من خلال حالة استثنائية في قانون الجنسية التركي لعام 2009، كما أنهم حصلوا عليها أيضًا من خلال الاستثمار أو الزواج.
في منتصف شهر مارس، سافر كمال كليتشدار أوغلو المرشح الرئاسي لحزب الشعب الجمهوري عن التحالف السداسي إلى الحدود التركية السورية، وتعهد من هناك بإعادة اللاجئين السوريين في غضون عامين من الانتخابات، بما يتماشى مع خطته السابقة، التي تضمنت تطبيع العلاقات مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، ثم استخدام الأموال غير الموعودة من الاتحاد الأوروبي لدفع رواتب المقاولين الأتراك لبناء منازل ومدارس وطرق في سوريا لإعادة توطين السوريين.
ولذلك ومع توقّع بعض استطلاعات الرأي أن يخسر أردوغان يتزايد القلق بشأن قضيتين رئيسيتين في الحملة الانتخابية: دعوة أردوغان للمصالحة مع النظام السوري، ورحيل ما يقرب من 3.6 ملايين لاجئ سوري.
في الواقع يتعرض أردوغان حالياً للتهديد من تحالف أحزاب المعارضة، من بينها حزب الشعب الجمهوري الكمالي الذي يطالب بمراجعة السياسة التركية في سوريا، وبضغط أيضاً من القاعدة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية، فقد تعهد أردوغان بحلّ هاتين المسألتين، حتى لو كان بالكاد يؤيد أياً منهما.
في هذا السياق، تم التخطيط لبرنامج عودة السوريين الذي سيشهد عودة نحو مليون لاجئ إلى شمالي سوريا، كما بدأ الحوار التركي مع النظام السوري تحت رعاية روسيا على الرغم من العداء العميق بين الجارتين فيما يتعلق بالأنشطة التركية في الشمال الغربي.
ربما يعني انتصار أردوغان استمرار سياسته الحالية في سوريا، لكن في حالة خسارته من المرجّح أن يسعى الفريق الرئاسي الجديد لتجسيد التغيير، إذ من المتوقّع حدوث تغييرات قليلة في النضال ضد حزب العمال الكردستاني، لكن العديد من الأسئلة تدور حول سوريا، ومن أبرزها: كيف ستتعامل المعارضة التركية في حال وصولها إلى الحكم مع الملف السوري، خاصة اللاجئين السوريين؟
تلفزيون سوريا
—————————
كل ما تجب معرفته عن الانتخابات التركية: 10 أسئلة وأجوبة/ جابر عمر
تتجه الأنظار، في 14 مايو/أيار الحالي، إلى تركيا، التي تشهد انتخابات رئاسية وبرلمانية، هي الثانية وفق النظام الرئاسي، ويترشح فيها مجدداً الرئيس رجب طيب أردوغان مقابل 3 مرشحين آخرين، أبرزهم مرشح تحالف الشعب المعارض وزعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كلجدار أوغلو.
وتتحضر تركيا لانتخاباتها بعد أسبوعين، في سياق داخلي محموم، بعدما أحيت الأزمة الاقتصادية التي ضربت البلاد، خصوصاً آمال المعارضة في إلحاق الهزيمة بحزب “العدالة والتنمية” الحاكم منذ 21 عاماً.
كما يأتي الاستحقاق في سياق تجد فيه تركيا نفسها وسط اشتباك في العديد من الملفات على صعيد الإقليم والعالم، ومحاولة السلطة “تصفير” المشاكل مع عدد من دول المنطقة، ما يضع أردوغان وحزبه مجدداً في اختبار مهم وحاسم، ويجعل الاستحقاق الانتخابي محط اهتمام ورصد من قبل دول كبرى عدة.
وتشهد تركيا في الوقت الحالي حملات انتخابية بين المرشحين الرئاسيين ومرشحي البرلمان والأحزاب، وتقام كل يوم تجمعات عديدة في ولايات مختلفة، تسعى من خلالها الحكومة إلى استعادة زمام المبادرة، بعدما شهدت تركيا خلال السنوات الأخيرة أزمة اقتصادية وارتفاعاً لنسبة التضخم وغلاء في الأسعار أدت إلى موجة استياء شعبي. وفتح ذلك المجال أمام المعارضة لرصّ الصفوف والحديث عن تغيير في البلاد بعد حكم حزب “العدالة والتنمية” المتواصل منذ 21 عاماً.
دور تركيا الإقليمي والدولي يجعل أعين العالم متجهة إلى هذه الانتخابات، التي تحظى باهتمام كبرى المؤسسات الإعلامية في العالم، وبالتالي، باتت تفاصيل الانتخابات تهم كل متابع سواء في المنطقة العربية أو العالم.
فلتركيا دور عسكري مباشر في سورية والعراق وليبيا وأذربيجان، وسياسياً في المنطقة الخليجية ومع إسرائيل، ولديها أزمات مع أرمينيا واليونان والدول الأوروبية وأحياناً مع الولايات المتحدة، وهي حليف مهم داخل حلف شمال الأطلسي (ناتو)، كما تتمتع بعلاقات متميزة مع روسيا، في توازن فريد بين التناقضات، وهو ما يرفع من أهمية نتائج الانتخابات.
وعلى الرغم من تعدد المرشحين للرئاسة، إلا أن المنافسة ستتركز بين الرئيس رجب طيب أردوغان، مرشح التحالف الجمهوري الحاكم، وكمال كلجدار أوغلو، مرشح تحالف الشعب المعارض. وحشد كل من التحالفين مجموعة من الأحزاب مختلفة المشارب لتحقيق خرق وتقدم مهم في هذه الانتخابات.
1- كيف ستجرى الانتخابات المنتظرة في تركيا؟
الانتخابات التي ستجرى في تركيا هي الثانية في ظلّ النظام الرئاسي وفق التعديلات الدستورية التي أقرها أردوغان في عام 2017 بعد الانقلاب الفاشل في 2016، إذ جرت الانتخابات الأولى وفق النظام الجديد في عام 2018، وتمكن فيها أردوغان من الفوز بالانتخابات الرئاسية بنسبة تجاوزت 52 في المائة على بقية المتنافسين.
وكان أقرب منافس له مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض، أكبر أحزاب المعارضة، محرم إنجه، الذي حصل على أكثر من 30 في المائة من الأصوات، فيما تمكن التحالف الجمهوري الحاكم من الفوز بالأغلبية البرلمانية على حساب تحالف الشعب المعارض.
الاستحقاق الذي سيجرى في 14 مايو الحالي يشمل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية للدورة التشريعية الـ28. ويأتي إجراء هذه الانتخابات بعد انتهاء الفترة السابقة للرئيس والبرلمان، وبرّر حزب “العدالة والتنمية” في وقت سابق سبب اللجوء إلى إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في اليوم ذاته وفق التعديلات الجديدة، بأنه للتقليل من الأحداث الانتخابية التي تؤثر على استقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد، إذ تدخلها في ركود، والهدف هو منح مزيد من الاستقرار للرئيس والبرلمان وفق انتخابات محددة.
يوم الانتخابات سيُصوّت الناخبون على ورقتي اقتراع: الأولى تتضمن أسماء المرشحين الرئاسيين، والثانية تشكل أسماء الأحزاب البرلمانية والتحالفات والمستقلين. وستُعدّ الأوراق المتعلقة بالبرلمان في كل ولاية بشكل مختلف بحسب التحالفات فيها والأحزاب وأسماء المستقلين، وستوضع في ظرف واحد وتلقى داخل الصناديق الاقتراعية.
2- ما هي ولاية الرئيس والمجلس وعدد النواب؟
الانتخابات البرلمانية وفق النظام الرئاسي الجديد تجرى كل خمس سنوات، وهو ما يعني أن ولاية الرئيس هي خمس سنوات، وولاية البرلمان أيضاً خمس سنوات، والفترة الأخيرة للبرلمان كانت تعد الأطول في تاريخ تركيا، بسبب أنه خلال النظام البرلماني السابق وقبيل وصول “العدالة والتنمية” إلى السلطة، كانت البلاد تشهد حكومات ائتلافية قصيرة العمر، وانتخابات مبكرة بشكل مستمر، فلا يكمل البرلمان فترته بشكل كامل.
وشهدت تركيا استقراراً نوعاً ما في الحكم خلال الأعوام الـ20 الأخيرة بسبب انفراد “العدالة والتنمية” بالحصول على الأغلبية البرلمانية وقيادة البلاد. ومع التعديلات الدستورية وإقرار الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في وقت واحد، رُفع عدد أعضاء النواب في البرلمان إلى 600 عضو، فيما كان عدد النواب سابقاً قبل التعديلات 550 عضواً.
وفي انتخابات 2018، استطاع التحالف الجمهوري، ممثلاً بحزب “العدالة والتنمية” وحزب الحركة القومية، من الحصول على 344 مقعداً برلمانياً، فيما حصل تحالف الشعب على 195 مقعداً لحزب الشعب الجمهوري و”الحزب الجيد”. من جهته، تمكن حزب الشعوب الديمقراطي الكردي من دخول البرلمان بحصوله على 67 مقعداً. ولكن هذه الأرقام تبدلت مع طرد وإخراج بعض النواب واستقالة أو وفاة بعضهم.
وبناء على التعديلات الدستورية، فإن الرئيس المنتخب والبرلمان الجديد ستمتد ولاية كل منهما إلى خمس سنوات، إلا إذا حصلت تعديلات دستورية جديدة في البلاد، أو لم تحسم الأطراف الحكم وذهبت تركيا إلى انتخابات مبكرة بقرار من البرلمان أو عبر الرئيس المنتخب.
3- كيف ستجرى الانتخابات؟
ينص قانون الانتخابات الرئاسية في تركيا على أن المرشح لهذا الاستحقاق يتوجب عليه الحصول على نسبة 50 في المائة زائداً واحداً من أصوات الناخبين على الأقل للفوز، وفي حال عدم حصول أي مرشح رئاسي على هذه النسبة، فإن الانتخابات تنتقل إلى دورة ثانية تجرى بين أكثر مرشحين حصلا على النسبة الأعلى، ويفوز من يحصل على نسبة أكثر من 50 في المائة من الأصوات. أما الانتخابات البرلمانية فتجرى من دورة واحدة.
وبحسب الهيئة العليا للانتخابات التي تشرف على إجراء الانتخابات، فإن المرشحين للانتخابات الرئاسية الحالية الذين قبلت ملفاتهم هم: مرشح التحالف الجمهوري الحاكم الرئيس رجب طيب أردوغان، مرشح تحالف الشعب المعارض كمال كلجدار أوغلو، المرشح الرئاسي السابق رئيس حزب البلد محرم إنجه، والمرشح الرابع عن تحالف “أتا” القومي المتطرف سنان أوغان، وهو تحالف مدعوم من زعيم حزب “النصر” أوميت أوزداغ الذي يركز في حملته على طرد السوريين واللاجئين فقط من دون وعود أخرى.
وأجرت الهيئة قرعة من أجل ترتيب أسماء المرشحين الرئاسيين في الورقة الانتخابية، حيث تبدأ من اليسار إلى اليمين، وحصل أردوغان على الترتيب الأول، يليه محرم إنجه، وثالثاً كمال كلجدار أوغلو، ورابعاً سنان أوغان.
يتنافس أربعة مرشحين بينهم أردوغان على الرئاسة (أوزغون تيران/الأناضول)
4- كم حزباً مشاركاً في الانتخابات البرلمانية؟
أعلنت الهيئة العليا للانتخابات أن الانتخابات البرلمانية يشارك فيها 24 حزباً سياسياً، و151 مرشحاً مستقلاً، فيما كانت أعلنت سابقاً أن عدد الأحزاب البرلمانية التي تستوفي الشروط للمشاركة في الانتخابات هي 36 حزباً. إلا أن القوائم المشتركة، والتحالفات، وخوض بعض الأحزاب الانتخابات باسم أحزاب أخرى وفي قوائمها، خفّضت هذا الرقم إلى 24 حزباً.
وتقسّم الدوائر الانتخابية إلى 87 دائرة، تشمل 81 ولاية تركية، إضافة إلى تقسيم بعض الولايات إلى دوائر عدة، مثل إسطنبول التي تتألف من 3 دوائر انتخابية، وكذلك العاصمة أنقرة وإزمير.
الأحزاب التي تشارك في الانتخابات هي: حزب العدالة والتنمية في 87 دائرة، حزب الوحدة الكبرى في 87 دائرة، حزب الشعب الجمهوري في 80 دائرة، حزب العدالة والوحدة في 47 دائرة، حزب العدالة في 67 دائرة، حزب الوطن الأم في 63 دائرة، الحزب الشاب في 72 دائرة، حزب اتحاد القوة في 59 دائرة، حزب الحق والحريات في 87 دائرة، وحزب تحرير الشعوب في 87 دائرة، والحزب الجيد في 78 دائرة، وحزب البلد في 87 دائرة.
كما يشارك حزب الشعب الجمهوري في 87 دائرة، وحزب الحركة القومية في 87 دائرة، وحزب الطريق الوطني في 49 دائرة، والحزب اليساري في 87 دائرة، وحزب العمال التركي في 55 دائرة، وحزب الحركة الشيوعية في 87 دائرة، والحزب الشيوعي في 87 دائرة، وحزب الوطن في 87 دائرة، وحزب “الرفاه من جديد” في 87 دائرة، وحزب التجديد في 74 دائرة، وحزب اليسار الأخضر في 87 دائرة، وحزب النصر في 75 دائرة.
5- ما هي التحالفات المشاركة في الانتخابات؟
الانتخابات وفق التعديلات الدستورية الجديدة وقوانين الانتخابات تجرى وفق التحالفات، وبحسب القانون الانتخابي الجديد، يمكن لأي حزب داخل التحالف دخول البرلمان بالنسبة التي حصل عليها من الأصوات فقط. وفي حال خاض الحزب الانتخابات وحده من دون تحالف، يمكنه دخول البرلمان في حال تجاوزه عتبة 7 في المائة من الأصوات، الأمر الذي شجع الأحزاب الصغيرة على الدخول في تحالفات مع الأحزاب الكبيرة.
وتشارك في انتخابات 14 مايو 5 تحالفات هي: التحالف الجمهوري، تحالف الشعب، تحالف “أتا”، تحالف “الجهد والحرية”، وتحالف “اتحاد القوى الاشتراكية”، حيث أعلنت التحالفات الثلاثة الأولى مرشحاً رئاسيا لها، فيما دعم تحالف “الجهد والحرية” مرشح تحالف الشعب كلجدار أوغلو، ولم يعلن تحالف القوى الاشتراكية دعمه لأي مرشح.
ويتكوّن التحالف الجمهوري من حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية وحزب الوحدة الكبرى وحزب “الرفاه من جديد”. ويدعم التحالف بشكل غير رسمي حزب “هدى بار” الكردي الإسلامي وحزب اليسار الديمقراطي، وهذا الحزبان قدّما مرشحيهما في قوائم حزب “العدالة والتنمية”، وأعلنا دعم أردوغان.
أما تحالف الشعب فيتكون من 6 أحزاب هي: الشعب الجمهوري، الحزب الجيد، المستقبل، السعادة، دواء، والديمقراطي، وهو أكبر تكتل معارض، ومرشحه كلجدار أوغلو منافس قوي للرئيس أردوغان. أما تحالف “الجهد والحرية”، فيقوده حزب الشعوب الديمقراطي الذي قرّر خوض الانتخابات باسم حزب اليسار الأخضر للهروب من دعوى إغلاق الحزب أمام المحكمة الدستورية العليا، ويضم التحالف أيضاً حزب العمل التركي، ويحظى بدعم أحزاب يسارية اشتراكية كردية صغيرة.
تحالف “أتا” يضم حزبي العدالة والنصر، وهو تحالف قومي متطرف يستهدف المهاجرين غير النظاميين والأجانب، وقدم سنان أوغان للانتخابات الرئاسية. والتحالف الأخير هو “اتحاد القوى الاشتراكية”، ويضم حزب الحركة الشيوعية والحزب التركي الشيوعي والحزب اليساري.
6- كم عدد الناخبين؟
رئيس الهيئة العليا للانتخابات أحمد ينر أعلن، قبل أيام، أن عدد من يحق لهم المشاركة في الانتخابات المقبلة بلغ 64 مليوناً و113 ألفاً و941 ناخباً، من بينهم 4 ملايين و904 آلاف و672 مواطناً يحق لهم للمرة الأولى المشاركة في الانتخابات، فيما نقل نحو 133 ألف ناخب في المناطق المنكوبة جراء زلزال 6 فبراير/شباط الماضي قيودهم إلى ولايات أخرى.
ولفت المسؤول التركي إلى أن عدد الناخبين داخل البلاد يبلغ 60 مليوناً و697 ألفاً و843 شخصاً، والبقية هم عدد الناخبين في الخارج. وأشار إلى أن 47 ألفاً و523 مواطناً آخرين سيُدلون بأصواتهم للمرة الأولى في حال بقاء الانتخابات الرئاسية للجولة الثانية، أي الذين تنطبق عليهم شروط الانتخاب للمرة الأولى، من قبيل دخول السن القانونية، وهي 18 عاماً.
ويبلغ عدد صناديق الاقتراع 191 ألفاً و884 صندوقاً في أنحاء البلاد، و5 آلاف و40 خارجها، وسيتمكن 6 آلاف و215 ناخباً من الإدلاء بأصواتهم في صناديق متنقلة في 421 قضاء.
7- ما هي مدة التصويت؟
تنقسم الانتخابات التركية الرئاسية والبرلمانية إلى انتخابات تجرى داخل تركيا وأخرى خارجها، ومدة الانتخابات في تركيا هي يوم واحد فقط، حيث تفتح المراكز الاقتراعية أبوابها صباحاً عند الساعة الثامنة، على أن تستمر عملية التصويت حتى الساعة الخامسة عصراً (توقيت تركيا +3 توقيت غرينتش).
وكانت عملية التصويت في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية قد انطلقت في 27 نيسان/إبريل الماضي للناخبين المقيمين في خارج تركيا، في وقت أعلنت فيه الهيئة العليا للانتخابات إلغاء صناديق الاقتراع في السودان.
وبحسب الهيئة العليا للانتخابات، فإن 3 ملايين و416 ألفاً و671 ناخباً خارج البلاد يحق لهم الاقتراع في الخارج. ويصوت في الانتخابات للمرة الأولى خارج تركيا 277 ألفاً و646 ناخباً. وتستمر العملية حتى 9 مايو الحالي، وستكون صناديق الاقتراع مفتوحة في كل الأيام حتى في العطلات.
8- ما هي الولايات التي تجرى فيها الانتخابات؟
الانتخابات التركية تجرى في 81 ولاية تركية هي مجموع الولايات التركية، ويجرى الاقتراع في مراكز اقتراعية، هي غالباً مؤسسات حكومية ومدارس. وستجرى الانتخابات في الولايات المنكوبة أيضاً، حيث سمح للمنكوبين من الزلزال بنقل نفوسهم، أو الانتخاب في المخيمات التي أنشئت وستوضع فيها صناديق اقتراع بحسب توزعها والقيود والسجلات.
وأجرت الهيئة العليا للانتخابات عدة جولات في المناطق المنكوبة من أجل تنسيق وتيسير العملية الانتخابية والسماح لأكبر عدد من المواطنين بالانتخاب، وفي الوقت نفسه، عملت اللجان بشكل جيّد لحصر الوفيات لمزيد من الشفافية في الانتخابات.
9- كيف تُجرى عملية فرز الأصوات؟
اللجان الانتخابية في مراكز الاقتراع تعطي للناخبين بعد التحقق من هويتهم ظرفاً وورقتي اقتراع وختماً يتضمن كلمة “موافق”، أو “تفضيل”، لوضعها في المكان المخصص بالورقة. وتجرى عملية الاقتراع بشكل سرّي، وبعد الختم، توضع الأوراق في الظروف وتلقى في صندوق الاقتراع.
وبعد انتهاء التصويت، تعمل اللجان مع المراقبين على فحص الظروف والأوراق وسلامتها وعدم وجود أكثر من ختم في الورقة نفسها حيث تعتبر لاغية، أو وجود خلل في الظروف أو ختوم غير الختوم المعتمدة من الهيئة العليا للانتخابات.
وبعد التأكد من سلامة الأوراق، تُعدّ الأصوات في كل صندوق، وتُجمع في ضبط، ومن ثم تُوحّد الضبوط في المراكز وترسل إلى فرع الهيئة العليا للانتخابات في المنطقة والولاية، ليصار إلى توحيدها وإدراجها في نظام إحصاء الأصوات. ومع جمع الضبوط، سيتم الوصول إلى النتائج النهائية، وفي الأثناء، تفتح ضبوط الأصوات خارج تركيا، وتُجمع كلها في النظام المعتمد.
10- متى تعلن النتائج؟
تفرض الهيئة العليا للانتخابات حظراً على النتائج حتى ساعات محددة من مساء يوم الاقتراع، أي 14 مايو، وبعدها ترفع الحظر لتبدأ وسائل الإعلام بنقل حي للنتائج. ومع استكمال عمليات الفرز وتقدمها ووصولها إلى مرحلة تقارب النهاية، تعلن الهيئة العليا للانتخابات، منتصف الليل أو صباحاً، النتائج الأولية غير الرسمية.
وبعدها تُمنح الأحزاب والمرشحون مدة لتقديم الطعون في النتائج الأولية والنظر فيها، وبعد استكمالها، تعلن النتائج النهائية في مدة أقصاها أسبوعين، وبعدها تنتهي مرحلة الانتخابات.
في حال عدم حسم الانتخابات الرئاسية وعدم تمكن أي مرشح من الحصول على نسبة 50 في المائة زائداً واحداً من الأصوات، فإن الجولة الثانية بحسب تقويم الهيئة العليا للانتخابات ستجرى بعد أسبوعين، أي في 28 مايو، وبالتالي، فإن نتائج الانتخابات الرئاسية ستعلن بأسرع من نتائج الانتخابات البرلمانية لمعرفة مصير الجولة الثانية من الانتخابات.
العربي الجديد
—————————–
بعض محددات السلوك الانتخابي لدى الناخبين في تركيا/ بكر صدقي
لم يبق إلى موعد الانتخابات العامة والرئاسية في تركيا إلا أكثر من أسبوعين بقليل، وقد تحددت الترشيحات بصورة نهائية لكليهما من قبل مختلف الأحزاب السياسية والتحالفات المشاركة فيهما، ويحتدم التنافس بين المرشحين الرئيسيين لمنصب الرئاسة، ومعهما مرشحان أقل حظاً، في حين تنقسم الأحزاب السياسية بين ثلاث كتل ائتلافية كبيرة، إحداها هي ائتلاف السلطة، واثنتان في الصف المعارض هما ائتلاف الأمة وائتلاف الحرية والعمل. تشير نتائج كثير من استطلاعات الرأي إلى تقارب في نتائج السبر الاجتماعي بين أردوغان ومنافسه كلجدار أوغلو من جهة، وبين كل من تحالف الجمهور وتحالف الأمة من جهة ثانية، مع بقاء حزب العدالة والتنمية في صدارة الأحزاب بفارق تقلص كثيراً بينه وبين أقرب منافسيه، حزب الشعب الجمهوري الذي يقود تحالف الأمة. بدلاً من إطلاق تخمينات حول النتائج المحتملة للانتخابات، ستحاول هذه المقالة أن تلقي نظرة على بعض العوامل المؤثرة على القرار الانتخابي للناخب التركي، أو ما يمكن أن يحدد خياراته في اللحظة الأخيرة.
على رغم العمر المديد للنظام الديمقراطي في تركيا، وكذا تاريخ التعددية الحزبية، ما زالت الهويات الاجتماعية تلعب دوراً مهماً في الخيارات السياسية للناخبين. ليس المقصود بالهويات الانتماءات الأهلية حصراً، وإن كانت هذه مهمة بذاتها، بل كذلك الانتماءات السياسية ـ الأيديولوجية، والجهوية، والطبقية وغيرها. على سبيل المثال يلعب الانتماء الإثني ـ الثقافي دوراً كبيراً في تحديد خيارات الناخبين الكرد، فيصوتون بغالبيتهم لحزب الشعوب الديمقراطي، لكن قسماً منهم يصوت أيضاً لحزب العدالة والتنمية الذي يتشكل من المحافظين اجتماعياً أو المتدينين السنيين، في حين يصوت قسم من الكرد العلويين لحزب الشعب الجمهوري أو لأحزاب يسارية.
وعموماً ينقسم المجتمع في تركيا، وفقاً للباحث بكير آغردر، بصورة عمودية على خطين رئيسيين: الأول بين علماني\محافظ، والثاني بين تركي\كردي. ويقول آغردر إن العمليات الانتخابية أقرب ما تكون إلى عمليات إحصاء سكاني بين هذه الكتل الاجتماعية، ولا تعكس خيارات لمواطنين أفراد بين برامج سياسية متنافسة. لذلك قلما تلعب تلك البرامج دوراً حاسماً في قرارات الناخبين، وبخاصة أن الثقة تزداد ضعفاً بالوعود الانتخابية، فيصوّت كل ناخب لمرشحي «جماعته» الذي قد «يمون» عليهم لتحقيق بعض مصالحه إذا فازوا في الانتخابات. وعلى سبيل المثال يشقّ على الناخب المحافظ لحزب السعادة أن يصوّت لكمال كلجدار أوغلو على رغم أنه متحالف مع «الشعب الجمهوري» في إطار ائتلاف الأمة. بالمقابل يصعب تصور أن يصوت ناخبو حزب اليسار الديمقراطي لأردوغان على رغم إعلان قيادة الحزب لتأييده، وترشح زعيمه ذي الخلفية الماركسية لمقعد نيابي على قوائم «العدالة والتنمية».
المثالان المذكوران يشيران إلى محاولات لكسر الانقسامات المذكورة التي تبدو وكأنها قدرية، وقد كان كلجدار أوغلو سباقاً في ذلك حين أسس تحالفاً عريضاً من ستة أحزاب، مثلت تيارات سياسية ـ أيديولوجية متنافرة، علمانية وقومية وإسلامية وليبرالية، كما انفتح على الكرد وضمنَ تأييد ناخبي «الشعوب الديمقراطي» له في الانتخابات الرئاسية. بالمقابل اجتذب أردوغان حزب «خودا ـ بار» الإسلامي الكردي على أمل تعويض النزيف في شعبيته بين كرد البلاد في السنوات الأخيرة.
أما التيار القومي فقد انقسم بين الائتلافين المتنافسين، فبقي حزب الحركة القومية في تحالف السلطة، ورحل الحزب الجيّد إلى التحالف المعارض، مع وجود عناوين أخرى هامشية للقوميين كحزب الوحدة الكبرى وحزب الوطن، وكلاهما مع تحالف السلطة، في حين يغرد «حزب النصر» وحده خارج التحالفين عازفاً على برنامج من بند وحيد هو طرد اللاجئين السوريين إلى بلادهم.
تحالفات «الشعب الجمهوري» مع «السعادة» الإسلامي، وحزبين منشقين عن العدالة والتنمية، أثارت استياء البعض من العلمانيين المتشددين، أبرزهم محرم إينجة الذي انشق عن الحزب وأسس حزبه الخاص ويخوض الانتخابات الرئاسية القادمة بلا تحالفات.
القصد هو أن الانقسامات الاجتماعية التقليدية على أسس علمانية أو محافظة، قومية تركية أو كردية، سنية أو علوية، يمينية أو يسارية، ليست نهائية وثابتة على رغم قوتها، فالمجتمع يشهد تحولات عبر الزمن متأثراً بعوامل عديدة، والأحزاب السياسية تتغير بدورها وإن ببطء سببه التكلس الأيديولوجي أو بيروقراطية قياداتها. يشير العديد من الباحثين، مثلاً، إلى أن أولئك الذين سيتمتعون بالحق في التصويت في صناديق الاقتراع للمرة الأولى في حياتهم يشكلون كتلة كبيرة تعد بالملايين ممن بلغوا السن القانونية. ويميل المراقبون إلى أن قسماً كبيراً من هؤلاء الشباب يحملون نظرة سلبية إلى السياسة والطبقة السياسية ككل، ولا يعرف كم قد تبلغ نسبة من سيشارك منهم في الانتخابات، وكيف ستتوزع أصواتهم. ونظرياً يمكن لهذه الكتلة أن تشكل عاملاً حاسماً من شأنه أن يرجح هذا المرشح أو ذاك أو هذا الحزب أو ذاك الائتلاف على منافسيه.
كذلك هناك كتلة غير صغيرة تظهر في جميع استطلاعات الرأي هي تلك التي تعبر عن أنها لم تقرر بعد لمن من المرشحين أو الأحزاب ستصوت. هذه الكتلة من «المترددين» ستتوزع أصواتها، في اللحظة الأخيرة، بين المتنافسين، وقد تلعب دوراً حاسماً في نتائج الانتخابات أيضاً.
وعموماً من المرجح أن تلعب الأزمة الاقتصادية، وبخاصة البطالة والتضخم والفقر، دوراً كبيراً في تحديد خيارات الناخبين، من غير أن تكون العامل الوحيد.
كاتب سوري
القدس العربي
————————————-
تركيا: كيف ستكون سياسة المعارضة الخارجية بشأن سورية؟
مع بدء العد التنازلي لموعد تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا تطلق تساؤلات بشأن السياسة الخارجية التي قد تتبعها المعارضة في حالة الفوز، وما إذا كانت ستقلب النظام السائد منذ عقدين بالكامل أم أنه قد تؤسس قواعدها عليه.
ومن بين الملفات الخارجية التي تتسلط الأضواء عليها على نحو كبير هي الملف السوري، والمسار الذي تسير الحكومة من خلاله في الوقت الحالي، وقبل ذلك بعدما نشرت آلاف القوات في مناطق متفرقة من الشمال السوري.
ونقل موقع “ميدل إيست آي” البريطاني عن مسؤولين في المعارضة، اليوم الجمعة، قولهم إن “سياسة تركيا تجاه سورية ستعتمد إلى حد كبير على الحوار مع الرئيس السوري بشار الأسد، الذي ظل منبوذاً على مدى عقد من الزمان، لكنه يلقى ترحيباً متزايدا بين دول الشرق الأوسط”.
ولطالما دعت المعارضة إلى استئناف العلاقات مع الأسد بهدف عودة اللاجئين السوريين، وهي سياسات اكتسبت شعبية متزايدة وحاكها إلى حد ما الرئيس التركي، رجيب طيب أردوغان، الذي بدأت حكومته التواصل مع النظام السوري.
ومع ذلك، لا تزال القوات التركية في شمال سورية تدعم فصائل “الجيش الوطني السوري”، وتواجه أحياناً القوات الكردية المعروفة باسم “قوات سوريا الديمقراطية”، وعمادها العسكري “وحدات حماية الشعب”.
وقال أحد المسؤولين للموقع إن “تركيا اتخذت جانباً في الحرب الأهلية السورية، وسيتم تصحيح ذلك”.
وأضاف: “لن ننسحب على الفور من سورية. لا يمكنني إعطاء جدول زمني، لكننا سنناقش ظروفنا ونرى ما سيحدث”.
وأوضح المسؤول أن “العمل الإداري والمساعدات التركي الحالي في شمال سورية سيستمر، لكن الوجود العسكري سيعتمد على اتفاق نهائي يضمن أمن الحدود ضد التهديدات الإرهابية”.
“هذه الصفقة ستستند إلى اتفاق أضنة لعام 1998 حيث وعدت سورية تركيا بأنها لن تؤوي جماعات إرهابية وستسمح لأنقرة بالتدخل العسكري على بعد 5 كيلومترات من الحدود لحماية نفسها”.
وتابع المسؤول المعارض الآخر أن “اتفاق أضنة سيكون له أهمية كبرى لحل القضية”، مشيراً إلى أن “الأمر سيستغرق وقتاً طويلاً لكسب ثقة دمشق وتفكيك الوضع في الشمال، لا سيما في محافظة إدلب، حيث توجد مجموعات مسلحة مثل هيئة تحرير الشام، الفرع السوري السابق للقاعدة”.
ومنذ بداية العام الحالي كانت تركيا قد مضت بعملية “بناء حوار” مع النظام السوري، ومن المقرر أن تحرز تقدماً ملحوظاً في الأيام المقبلة، بالاجتماع على مستوى وزراء الخارجية في العاصمة الروسية موسكو.
ورغم انتقال الحوار من العسكرة والاستخبارات إلى الدبلوماسية ونقاشات السياسين، إلا أن الطريق بين أنقرة ونظام الأسد يراه مراقبون شائكاً، ولاسيما مع إصرار الأخير على شرط انسحاب القوات التركية من سورية.
ولطالما غازت أحزاب المعارضة في تركيا النظام السوري، فيما بعث مرشحها الرئاسي زعيم “حزب الشعب الجمهوري”، كمال كلشدار أوغلو برقية تعزية للأسد، في أعقاب كارثة الزلزال المدمّر.
ووفق المسؤولين المعارضين الذين نقل عنهم “ميدل إيست”: “سيتعين على المعارضة إعادة التواصل مع السكان المحليين في إدلب، وإعادتهم إلى المجتمع”.
وقال أحد المسؤولين إن “عودة 3.7 مليون لاجئ سوري من تركيا مشروع مهم يتطلب قدراً هائلاً من الجهد وربما إطاراً زمنياً أطول من عامين”.
وأضاف: “لا شك في أن ذلك سيكون على أساس طوعي”، وسيتطلب ذلك تحفيزاً وفرص عمل وإعادة تأهيل، “وسنريد بالتأكيد تقاسم العبء مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والأمم المتحدة “.
—————–
حوار خاص| سعيد الحاج: محور الاستقطاب في الانتخابات التركية هو شكل النظام الحاكم
باسل رزق الله
تُعدّ الانتخابات التركية المزمع عقدها في منتصف أيار/مايو المقبل، الأبرز في تاريخ تركيا الحديث، وقد تكون من بين الأحداث البارزة الكبرى في المنطقة، لكونها تأتي بعد أكثر من 20 عامًا من حكم حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان، بالإضافة إلى تقاطعها مع الذكرى المئة لتأسيس الجمهورية في تركيا، وما يلتصق بكل ذلك من شحنات سياسية وعاطفية.
تشكل الانتخابات التركية المقبلة، حدثًا مفصليًا في النظام السياسي التركي، وستكون لها تبعات كبيرة على تركيا والمنطقة
كما تأتي الانتخابات في لحظة اتحاد غير مسبوق للمعارضة التركية، وهو اتحاد ذو أهداف انتخابية حتى الآن، تتمثل أساسًا في إسقاط أردوغان عبر صناديق الاقتراع والعودة إلى النظام البرلماني.
لا تشبه الانتخابات التركية الحالية سابقاتها، بحسب تقديرات عدة، ومن أجل ذلك، وبهدف تشكيل فهم أعمق لسياقات هذه الانتخابات، وبناء تصور أوفى عنها، أجرى “الترا صوت” هذا الحوار مع الباحث الفلسطيني المهتم بالشأن التركي الدكتور سعيد الحاج، وهو مؤلف كتاب “العلاقات التركية – العربية: الآفاق والصعوبات”، الصادر عن الشبكة العربية للدراسات الاستراتيجية عام 2016.
كتبت سابقًا عن انتخابات تركية مختلفة وأكثر تعقيدًا، كيف يمكن أن نفهم الانتخابات التركية الحالية؟
هي بالتأكيد انتخابات معقدة وتختلف كثيرًا عن الانتخابات التي خاضها رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية منذ التأسيس، وهي الأصعب على أردوغان والعدالة والتنمية. تبدو في ظاهرها كأنها انتخابات تتجاوز الإيديولوجيا، أي أنّ نقطة الاستقطاب أو التمايز ليست إيديولوجية، لكن هذا لا يعني بالضرورة حالة ديمقراطية أكثر نضجًا، إذ أن هناك ديناميات داخلية كثيرة دفعت بهذا الاتجاه.
إن محور الاستقطاب الأساسي، هو النظام الحاكم للبلاد، أي النظام الرئاسي الذي يريد أردوغان وحلفاؤه استمراره، فيما تريد المعارضة التركية إنهاءه والعودة للنظام البرلماني. لكن في الجوهر أعتقد أن الاستقطاب يدور حول استمرارية أردوغان من عدمها.
كما أن تعقيدات واختلافات الانتخابات التركية الحالية، تنبع أولًا من رمزية عام 2023، وهو عام مئوية الجمهورية التركية، كما أنها تمثل استفتاءً على أردوغان نفسه الذي يحكم منذ 21 عامًا. وهي استفتاء على النظام الرئاسي، لأنها أول انتخابات بعد إقراره -انتخابات 2018 جاءت بعد إقراره مباشرةً- أي أن هذه الانتخابات حالة حساب وتقييم من الناخبين لتطبيق النظام الرئاسي.
إضافة لذلك، التطورات التي حصلت في تركيا الفترة الماضية، والمرتبطة بملفات اللاجئين ومن ثم الاقتصاد والزلزال المدمر، كلها جعلت من هذا الاستحقاق أصعب على العدالة والتنمية. وأخيرًا وربما هذا الأهم، أنه ولأول مرة يواجه حزب العدالة والتنمية، منافسةً من أحزاب تشبهه أو تشترك معه في الخلفية الفكرية والإيديولوجية، وهي الأحزاب المنشقة عنه، وأسسها قادة سابقون في العدالة والتنمية أو في الحكومة، وبناءً على ذلك هي فعلًا أصعب انتخابات يخوضها رجب طيب أردوغان والعدالة والتنمية.
هناك تحليلات تتحدث عن انتخابات بلا حسم، أي صعوبة الفوز بالبرلمان والرئاسة معًا، والحديث يدور عن حزب العدالة والتنمية، الذي تشكك التحليلات في قدرته على الفوز بالبرلمان مع الحديث عن إمكانية رجب طيب أردوغان من تجديد فوزه بالانتخابات الرئاسية، كيف ترى ذلك؟
في حالة التنافس الشديد وحالة الاستقطاب العميقة في تركيا، من الصعب الجزم بالنتائج، وأعتقد مع مرور الوقت والحملات الانتخابية سيكون هناك تغيرات طفيفة على التوقعات، مع الإشارة إلى أنه لا يمكننا أن نثق في استطلاعات الرأي بتركيا، لذلك فإننا نقدم توقعات حذرة. باعتقادي، ووفق المعطيات الحالية، سيكون أردوغان قادرًا على الفوز بالرئاسة مرةً أخرى، وعلى الأرجح في الجولة الثانية، إذ قد يصعب تصوّر الحسم في الجولة الأولى.
أمّا على مستوى البرلمان، أرى الحظوظ متساويةً إلى حدّ كبير، وأي فوز سيكون بأغلبية بسيطة، وبالتالي من الصعوبة حسم الانتخابات البرلمانية والرئاسية من الجولة الأولى لأي طرف. لكن، إذا كان هناك فعلًا جولة إعادة في الانتخابات الرئاسية، فإن نتائج انتخابات البرلمان ستكون محددة ومؤثرة، والطرف أو التحالف الذي سيمتلك الأغلبية في البرلمان، سيكون له فرصة أكبر من أجل حسم الانتخابات الرئاسية.
وبالتالي، إذا قُدر لتحالف الجمهور [تحالف أردوغان] الفوز بأغلبية ولو بسيطة في البرلمان فهذا سيعزز فرص أردوغان في جولة الإعادة، ولكن فوز المعارضة بأغلبية ولو بسيطة في البرلمان، ستجعل فرص أردوغان أصعب في جولة الإعادة، ورغم ذلك أرى أنه من المرجح فوزه في الانتخابات الرئاسية.
تظهر المعارضة في لحظتها الحالية متحدة، هل هذا التحالف حقيقي وجذري أم أنه تحالف انتخابي وهدفه إسقاط أردوغان فقط (خاصةً مع الخلافات التي ظهرت في أيامه الأولى)؟
تحالف المعارض حتى اللحظة هو تحالف آني، فيه تنوع ولكن فيه أيضًا اختلافات شديدة، وما يجمعه حتى اللحظة هو رفض النظام الرئاسي ورفض استمرار أردوغان. وبالتالي، نتائج الانتخابات المقبلة ستكون محددة جدًا لمصيره. ورأينا في عدة محطات عدم التوافق على موضوعات أساسية، وبغض النظر عن نتائج الانتخابات، من الصعب تخيل اجتماع التحالف وإدارة شؤون تركيا. لكن، الخسارة ربما ستكون إعلان فشل التحالف السداسي، وبداية مشاكل أكبر له حيث سيكون أقرب للتصدع والتشظي.
إسلاميون ضد أردوغان، كيف يمكن فهم هذه الظاهرة في الانتخابات التركية الحالية؟
وجود أحزاب إسلامية ضد أردوغان قد يبدو، ظاهريًا وللوهلة الأولى، وكأنه نضج في الديمقراطية التركية وتجاوز الإيديولوجيا والذهاب نحو عناوين سياسية أو حياتية. ولكن، لا أعتقد أن التجربة التركية قد وصلت بعد إلى هذه اللحظة، وأعتقد أن التحالف الحاصل اضطراري، ويعبر عن أزمة الأحزاب الجديدة المنشقة عن الأحزاب الكبيرة، وهذا ينطبق على الأحزاب المنشقة عن العدالة والتنمية والشعب الجمهوري. هذه الأحزاب الصغيرة لا تستطيع التحالف مع من يشبهها إيدولوجيًا لأنها انشقت عنه سياسيًا، وهي مضطرة أن تتحالف مع خصمها التقليدي، وهذا محرج لها إيديولوجيًا، ولكنه أخف الضررين، إن جاز التعبير. فهذه الأحزاب تبحث عن موطئ قدم لها في الحياة السياسية التركية، ولا إمكانية لذلك إلّا من خلال التحالف مع خصم الحزب الذي انشقت عنه، وفي هذه الحالة هو الشعب الجمهوري. وبالتالي، فإننا أمام حالة استقطاب ضد أردوغان.
تظهر المواجهة وكأنها قطبية بين رجب طيب أردوغان وكمال كليجدار أوغلو، إلى أين تميل التقديرات وما هي مميزات كل مرشح على حساب الآخر؟
هناك أربعة مرشحين للانتخابات الرئاسية، لكنِ المرشحان الرئيسيان هما كمال كليجدار أوغلو ورجب طيب أردوغان. أردوغان بالتأكيد يمتلك عناصر قوة كبيرة في مقدمتها الخبرة الطويلة في الحكم، والإنجازات التي قدمها لتركيا في ظل حكومات العدالة والتنمية المتتالية، في السياسة والاقتصاد والتجارة والتصدير وفي مكانة تركيا على مستوى العالم والإقليم، وحتى على مستوى إصلاحات كثيرة في الداخل. بالإضافة، للكاريزما التي يتمتع بها، وهو شخصية سياسية مخضرمة ويمتلك مهارات قيادية وخطابية، وهذا مفيد جدًا في الحملات الانتخابية.
إلى جانب ما سبق، يستفيد أردوغان من تمتعه في تحالف وسعه مؤخرًا، بالإضافة إلى تقديم نفسه كضمانة الاستقرار في تركيا، ويحذر من أنه في حال وصول المعارضة للحكم، وخصوصًا في ظل الخلافات داخل المعارضة، قد يكون ذلك وصفةً للفوضى وخسارة تركيا لإنجازاتها ومكتسباتها التي تراكمت على مدار الأعوام الماضية.
في المقابل، فإن كل هذه الفترة الطويلة بالحكم، هي عامل ضعف للعدالة والتنمية ولأردوغان في الآن ذاته، وهناك كثر يريدون التغيير لأسباب متنوعة، متعلقة بهم أو بالعدالة والتنمية، فهناك ترهل وفساد وفقدان لحالة الزخم التي كانت موجودة في بدايات الحزب، كحالة أي حزب يحكم لفترة طويلة، كما أنه بعد فترة طويلة من الحكم يصعب إرضاء كل الأطراف، مما يرفع من المتذمرين أو المترددين أو الغاضبين، والذين خرج بعضهم من العدالة والتنمية في شكل أحزاب سياسية جديدة.
سعيد الحاج: كل هذه الفترة بالحكم، هي عامل ضعف للعدالة والتنمية ولأردوغان، وهناك كثر يريدون التغيير
بالنسبة إلى كليجدار أوغلو، أعتقد أن أحد أهم أوراق قوته، السابقة لتأسيس تحالف المعارضة التركية، هي فكرة التغيير التي يريدها كُثر وفي مقدمتهم الشباب، بالإضافة إلى جمع كل هذا العدد من الأحزاب ضمن تحالف الطاولة السداسية. وهي أحزاب من مشارب سياسية مختلفة، مما يتيح إمكانية تقديم نفسه بأنه لا يحكم بشكلٍ فردي. ومن خلال هذا التحالف المعارض أصبح قادرًا، على مخاطبة مختلف الشرائح في الشارع التركي، نتيجة التنوع في الأحزاب، وهذا عامل قوة زاد من رصيده بشكلٍ كبير، وتخطى بالتأييد القاعدة الصلبة لحزبه -الشعب الجمهوري- وحصل على دعم أحزاب متعددة إسلامية ويسارية وكردية ومحافظة وديمقراطية.
وأعتقد أن الشعار المرفوع من قبل تحالف المعارضة: “العودة إلى النظام البرلماني”، وما يتبعه من عناوين مثل الديمقراطية والحريات والتشاركية، عامل قوة لأنها هدف أو عنوان بعيد عن الإيديولوجيا ومترفع عن الحزبية، وقادر على جذب أصوات متنوعة.
في المقابل، أعتقد أن لدى كليجدار أوغلو والتحالف المعارض، نقطة ضعف كبيرة وهي كليجدار أوغلو نفسه. فهو من جهة يفتقد للمهارات القيادية من خطابة وأدوات تواصل جماهيري، ولا يملك كاريزما أردوغان، وغير قادر على إثارة الحماسة لدى الجماهير في الحملات الانتخابية وهذا أمر مطلوب في الثقافة السياسية التركية. ولكن، من جهة ثانية وهذا هو الأهم، أن كليجدار أوغلو يتولى منصب رئيس حزب الشعب الجمهوري، وهو يحمل إرث هذا الحزب، وصحيح أنه ذهب في مسار مصالحات واعتذارات خلال السنوات الماضية عن بعض الأضرار والمظالم التي حصلت من حزبه في الماضي. لكنه، ما يزال يحمل هذا الإرث ويعبر عنه.
وبالتالي، لا يعد كليجدار أوغلو المرشح المثالي، لأنه يمكن أن يثير بعض الهواجس لدى الإسلاميين وبعض الأكراد في الانتخابات، أي لو كان هناك مرشح آخر مكان كليجدار، وكان أقل وضوحًا من ناحية إيديولوجية وبعيدًا عن حزب الشعب الجمهوري، لربما كان أكثر قدرةً على سحب الأصوات من أردوغان. الأمر الثاني، هو أن التنوع الموجود في تحالف المعارضة التركية، ليس أمرًا إيجابيًا دائمًا، وهناك خلافات داخل التحالف بعضها ظهر على السطح، وبعض رواسب هذه الخلافات ما تزال موجودة. وهناك شكوك تدور حول التنوع والتباين داخل التحالف والقدرة على حكم تركيا، أي شكوك تدور حول كيفية الاجتماع على رأي واحد في حالات السلم والحرب وقضايا الأمن القومي، وغيرها من القضايا الخلافية.
أخيرًا، أعتقد أن المعارضة أخطأت في تقديم قوائم المرشحين للانتخابات البرلمانية، حيث ظهرت أسماء مرشحين الأحزاب الصغيرة على قوائم حزب الشعب الجمهوري، وهي خطوة ستساهم في جمع الأصوات ومنع التشظي وبالتالي قد تزيد عدد نواب التحالف في البرلمان. ولكنها، تفقد هذه الأحزاب الصغيرة -الأحزاب الإسلامية كما سميتها- فرصة سحب شرائح غاضبة من العدالة والتنمية كانت تبحث عن بديل عنه، ولكنها غالبًا لن تصوت لقائمة الشعب الجمهوري، وهذا عزز فرص العدالة والتنمية.
بالنظر إلى كل ذلك، فإنه من غير المتوقع أن يكون هناك فوز كاسح أو مريح لأي طرف من الأطراف، وبالتالي أعتقد أن الحملة الانتخابية، من هنا وحتى يوم الاقتراع، ستكون مُحَدِدة بل ومحددة جدًا، فهي تلعب على الأصوات المترددة، وهي نسبة تقدر حاليًا بحوالي 10%، وهي نسبة كبيرة جدًا بالنظر لحالة التنافس والاستقطاب الكبيرة. وبالتالي، الحملة الانتخابية وما سيظهر فيها من وعود ووسائل إقناع واستغلال أخطاء الخصم، ستكون محددة في النتيجة. لكن توقعي مرةً أخرى، هو أن يفوز أردوغان في جولة الإعادة.
كيف ستنعكس كارثة الزلزال والأزمة الاقتصادية على الانتخابات التركية؟
في العموم ونظريًا، فإن الزلزال والأزمات الاقتصادية تصب بالتأكيد في صالح المعارضة، فالاقتصاد الذي كان بصمة العدالة والتنمية وأردوغان، تحول في السنوات الأخيرة الماضية إلى هدف للانتقادات. وينسحب ذلك أيضًا على الزلزال، باعتبار أن العدالة والتنمية في الحكم منذ 21 عامًا، وهو ما انعكس بتحميله المسؤولية السياسية عنه، لاسيما مع تعثر أعمال الإغاثة في أول يوم أو يومين. ولكن باعتقادي، أن أردوغان حاول ونجح في تقليل الآثار السلبية للأزمة الاقتصادية والزلزال.
في الجانب الاقتصادي، تسود في تركيا قبل الانتخابات، ما نسميه ’اقتصاد الانتخابات’ ويتمثل في زيادة إنفاق الحكومة على مختلف الشرائح، وبالأخص الشرائح الضعيفة، وتقليل الجباية الحكومية، مثل رفع الحدِّ الأدنى للأجور، ورفع رواتب المتقاعدين والموظفين، وتسهيل القروض، وإعادة جدولة الديون، ومشاريع إسكان، وتقديم الدعم للمزارعين، كل هذه الأمور تحاول التخفيف من وطأة الحياة اليومية وارتفاع الأسعار على المواطن، بحيث يدخل الناخب جو الانتخابات في حالة أقل ضررًا، ولا يؤثر ذلك على تصويته.
وبما يتعلق بالزلزال، أعتقد أن أردوغان نقل السؤال مِن “مَن المسؤول عن عدم الجاهزية للزلزال؟” إلى سؤال “من هو القادر على إحياء المحافظات المنكوبة وإعادة الإعمار؟”، وقدم نفسه باعتباره الأقدر على القيام بهذه المهمة، من خلال خبرته وتاريخه بالالتزام في وعود التعويضات عن الزلازل، كما أنه قدم وعدًا واضحًا بتسليم المباني المدمرة من الزلزال وإعادة إعمارها، خلال عام واحد. وبالتالي، أعتقد أن تأثير الزلزال والأزمة الاقتصادية، سيكون أقل بكثير مما كان متوقعًا قبل أسابيع، ومع مرور الوقت استطاع أردوغان لملمة بعض الآثار السلبية.
شككت أو لنقل حذرت عدة مرات من استطلاعات الرأي عن الانتخابات التركية، لماذا؟
مشكلة استطلاع الرأي في تركيا مرتبطة في عدة أبعاد. أولًا، هناك حذر عام لدى الشعب التركي، وربما له علاقة في الإرث السياسي في البلاد، فهي لا تعكس واقع الشارع التركي بشكلٍ كبير، ويبدو أن هناك حذرًا في التعاطي مع استطلاعات الرأي في الشارع التركي.
ثانيًا، وهو الأهم، هو شركات الاستطلاعات نفسها، وهي في معظمها غير دقيقة أو موضوعية، وجزء كبير منها مسيس، وعلى علاقة مع الأحزاب السياسية بمختلف أنواعها، وبعضها حريص على إظهار تقدم الأحزاب المرتبطة معها، وجزء منها ليس بالضرورة مسيسًا بشكلٍ كبير، ولكنه يفتقر للأدوات المهنية. وعند النظر إلى تفاصيل الاستطلاعات، ترى أنها ليست عينات ممثلة للشارع التركي، ولا تخرج النتائج بشكلٍ دقيق. ولذلك، عند النظر إلى نتائج استطلاعات الشركات التي تعقد في نفس التوقيت، تظهر التباينات الكبيرة بينها، ولذلك أقول دائمًا إنه لا يمكن الوثوق في استطلاعات الرأي والبناء عليها لتوقع دقيق، ولكن يمكن الاستئناس بها في سياقات معينة، بمعنى في حال أجمعت كل الاستطلاعات على قضية ما أو مقارنة نتائج نفس الاستطلاع على مدار فترة زمنية، أما ما دون ذلك فلا يمكن الاعتماد عليه. في حالة الاستقطاب الشديد وتقارب الفرص، أعتقد أن استطلاعات الرأي لا تصلح لأن تكون أداة يمكن البناء عليها في توقع نتائج الانتخابات.
نرى سياسة تركية تتجه نحو تصفير الخلافات الإقليمية، هل هي لحظة راهنة مرتبطة بالانتخابات أم أنها ملمح للسياسة الخارجية التركية في الفترة القادمة؟
انعطاف بوصلة السياسة الخارجية التركية نحو تدوير زوايا الخلاف ولا أقول تصفير الخلافات، مع عدد من الدول الإقليمية، هو أمر سرعت من وتيرته الانتخابات التركية القادمة، ومن الواضح توجه أردوغان نحو تخفيف حدة التوتر في السياسة الخارجية، بحيث يكون مردودها إيجابيًا على الانتخابات. ولكنها، ليست مسارًا مرتبطًا في الانتخابات بشكلٍ حصري، وباعتقادي هو مسار تبدو أنقرة مقتنعة به ومرشح للاستمرار بعد الانتخابات.
التخفيف من حدة التوتر، وعدم الدخول في نزاعات كبيرة، وتعظيم فرص التعاون المشترك في المجالات المالية والاقتصادية، ستكون أمرًا مؤثرًا في عدة ملفات، مثل التعاون مع مصر في ليبيا، وفي شرق المتوسط، وأعتقد أنها مسارات ستبقى قائمة وستستمر بعد الانتخابات وبغض النظر عن نتيجتها.
ما انعكاس الانتخابات على اللاجئين السوريين والأجانب في تركيا؟
اللاجئون حضروا كملف أساسي للأسف على أجندة الانتخابات. وذلك لعدة أسباب، أولًا لأن المعارضة رفعت شعار إعادة اللاجئين، وخصوصًا السوريين. وثانيًا لظهور أحزاب عنصرية، كل همها التركيز على اللاجئين السوريين والأجانب، حيث قاموا بتأسيس تحالف وقدموا مرشحًا يمينيًا للانتخابات.
وبالتالي، سيبقى ملف اللاجئين أحد ملفات الانتخابات في الحملة الانتخابية، وهنا أعتقد أن العدالة والتنمية تنبه لهذا الأمر وحاول سحب هذه النقطة من يد المعارضة، من خلال محاولة تقنين الوجود الأجنبي داخل تركيا، من خلال إصدار قوانين وتعليمات بخصوص الوجود الأجنبي، مثل أذون الإقامة، والسكن في بعض الإحياء، وانعكس ذلك في تراجع حدة التعامل الإعلامي مع مواضيع اللاجئين. لكن، هذا الملف سيستمر خلال الانتخابات، فيما ينخفض تأثيره، رغم استمرار محاولات استغلاله، مع اعتقادي بأنه لن يحضر بشكلٍ كبير، نتيجة وجود ملفات سبقته في الأهمية، مثل الزلزال والأزمة الاقتصادية.
Getty
نهاية، في حال الفوز أو الخسارة، كيف ترى مستقبل العدالة والتنمية بعد أردوغان؟
أعتقد أن سؤال العدالة والتنمية ما بعد أردوغان، هو سؤال شائك ومعقد، وفي سنوات سابقة ربما كانت ستكون الإجابة مختلفة. ولكن حاليًا، وبعد ما حصل من تغيرات كبيرة في العدالة والتنمية وبعد خروج قيادات وازنة من الحزب، بعضها أصبح خارج السياسة تمامًا وبعضها في أحزاب منافسة، لم يعد هناك أسماء مرشحة قوية تخلف أردوغان، وقادرة على جمع شمل الحزب، وتوحيده خلفها، من خلال جمع كل التيارات الموجودة والمتنافسة داخله. سابقًا، كان هناك شخصيات موجودة داخل الحزب وقادرة على فعل ذلك، وهو ما يغيب اليوم عن العدالة والتنمية.
وبالتالي، أعتقد أنه خلال الخمسة أعوام المقبلة، ستكون المهمة الأولى ربما والأصعب على أردوغان، هي التفكير في مصير الحزب ما بعد قيادته. بالطبع، كان هناك وما زال شخصيات قوية من التيار القومي أو المحافظ أو الليبرالي، لكن في ظل وجود أردوغان ليس هناك فرص لحسم هذا الخلاف، ولا توجد إشارات لأي تيار ستكون الغلبة بعد أردوغان.
وفي حال خسارة الانتخابات ستكون المهمة أصعب على العدالة والتنمية، لكن الفوز سيمنحه خمسة أعوام إضافية، قد يستطيع من خلالها ترتيب أوراقه الداخلية من أجل الترتيب لمرحلة ما بعد أردوغان، إن كان يفكر بهذه الطريقة.
الترا صوت
========================
تحديث 25 نيسان 2023
————————-
موقع بريطاني: سقوط أردوغان سيُقابل بالترحيب و”الشمبانيا” في الغرب.. لكن تداعياته لن تكون كذلك
نشر ديفيد هيرست الكاتب الصحافي البريطاني، ومدير موقع “ميدل إيست آي” (عين الشرق الأوسط) تقريرا بعنوان “انتخابات تركيا: هل يتنازل كمال كيليشدار أوغلو عن استقلال أنقرة؟ تناول فيه التداعيات المحتملة على تركيا والشرق الأوسط في حال فوز كليتشدار مرشح المعارضة المشترك في الانتخابات الرئاسية القادمة في تركيا، هو الذي يبدي رغبة جامحة في إرضاء واشنطن والاتحاد الأوروبي والناتو، بما لا تبشر بخير بالنسبة للمنطقة، حسب الكاتب. وماهي بالتالي ارتدادات هزيمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وابعاده عن المسرح السياسي الإقليمي والعالمي؟
عندما كان مصير أردوغان مجهولا
يبدأ الكاتب بتوطئة تاريخية يعود فيها إلى ساعات الصباح الأولى من يوم السادس عشر من تموز/يوليو عندما 2016 كان مصير رئيس تركيا مجهولا. فقد قامت قطاعات من القوات المسلحة بمحاولة انقلابية عنيفة، وقصفت طائرات حربية مقر البرلمان، ووقعت اشتباكات بالأسلحة النارية خارج مقرات المخابرات التركية، إلا أن مصير رجب طيب أردوغان، الذي شوهد آخر مرة في فيلته التي يقضي فيها إجازته، كان لا يزال غامضا.
ويروي كيف أمضى مذيعو القنوات التلفزيونية السعودية والإماراتية والمصرية الليلة بطولها وهم يعلقون مبتهجين على تطورات الأحداث دقيقة بدقيقة، زاعمين أن عدوهم، الذي وقف إلى جانب الربيع العربي، إما أنه قد هلك أو هرب إلى خارج البلاد.
ويشير إلى أنه تماما كما حدث عندما أطاح انقلاب عسكري في مصر بمحمد مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطيا في تاريخ البلد، رفض وزير خارجية الولايات المتحدة آنذاك جون كيري وصف الأحداث التي جرت في تركيا بالانقلاب. بل أعرب عن أمله، بدلا من ذلك، في “الاستقرار والسلام والاستمرارية”، الأمر الذي اعتبر رسالة مشفرة إلى زعماء الانقلاب العسكري بأن بإمكانهم أن يفعلوا ما بدا لهم.
ويلفت إلى أنه حينذاك، نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية مقال رأي، قال إنه يرتدي قناع تحليل سياسي، حول “نهاية رجل وصفته بأن إسلامي سلطوي”، وأكدت أن أردوغان جلب نهايته بيده. كان عنوان المقال: “كيف سعر رجب طيب أردوغان لهيب التوترات في تركيا.”
وينوه إلى أنه من نافلة القول بأن العنوان ما لبث أن بُدل على عجل عندما برز أردوغان وخرج من القبر الذي زعموا أنه حفره لنفسه بيديه، ليعقد مؤتمرا صحفيا في مطار إسطنبول، وقد مارست طائرته طوال الليل في أجواء تركيا لعبة القط والفأر مع الطائرات الحربية.
تركيا تغيرت كثيرا
بعد هذه التوطئة التاريخية يؤكد الكاتب هذا العام، في الرابع عشر من أيار/ مايو، والاحتمال الأكبر أن يتم ذلك بعد هذا التاريخ بأسبوعين اثنين، سوف تنظم الجولة الثانية من الاقتراع، التي قد يخسر فيها أردوغان السلطة، ولكن هذه المرة بوسائل دستورية. سوف تكون هذه الانتخابات هي السباق الأصعب الذي يخوضه منذ 22 عاما. فعلى خلاف ما يجري من انتخابات مزيفة في بلدان الشرق الأوسط الأخرى، هذه انتخابات حقيقية بالفعل.
ويشدد هيرست على أن الكثير تغير في البلد. وفيما لو سقط أردوغان، فسيكون ذلك بسبب قضايا مثل التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة، فيما يعتبر تجسيدا للقول الذي يؤثر عن الرئيس الأمريكي السابق كلينتون؛ “إنه الاقتصاد أيها الأحمق”.
ويرى أنه عندما سئل الأتراك في عام 2018 عما إذا كانوا يريدون التغيير أم الاستقرار، صوت معظمهم للاستقرار. أما الآن، فالكفة ترجح لصالح الرغبة في التغيير.
ويلفت إلى أنه كما في عام 2016، ليس الغرب اليوم مجرد متفرج محايد، وأقل ما يقال في تعاملات أردوغان مع الزعماء الغربيين أنها كانت في حدها الأدنى تتسم بالحيوية.
فبينما وصفه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بأنه لاعب شطرنج عالمي، قال جو بايدن عن الزعيم التركي؛ إن عليه دفع ثمن، وقال بايدن قبل أن يتسلم مهامه الرئاسية: “ما أعتقد أنه يتوجب علينا فعله، هو انتهاج مقاربة مختلفة إزاءه الآن، بحيث نؤكد بجلاء أننا ندعم قيادة المعارضة.”
أما نائب رئيس البرلمان الألماني، وولفغانغ كوبيكي فوصفه بـ”أنه فأر من فئران المجاري”. وقال أردوغان نفسه عن الرئيس الفرنسي ماكرون؛ إنه بحاجة إلى “نوع من العلاج النفسي”؛ بسبب الطريقة التي يتعامل بها مع المسلمين.
وبحسب الكاتب فالأسوأ من ذلك أن أردوغان في عيون الزعماء الغربيين هو الذي عطل انضمام السويد إلى حلف الناتو، بينما سمح لفنلندا بالدخول. كما أنه، من وجهة نظرهم، مذنب بارتكاب خطيئة لا تحتمل، ألا وهي الإبقاء على علاقات طيبة مع روسيا وأوكرانيا، ناهيك عن أن قواته المسلحة تتدخل في كل أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا، بدءا بسوريا ومرورا بليبيا والعراق.
وآخر نقاط الاحتكاك كانت في السليمانية داخل العراق، إذ يوجه المسؤولون الغربيون أصابع الاتهام نحو تركيا، بسبب شن هجوم بطائرة مسيرة على موكب للزعيم السوري الكردي الجنرال مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية، التي تقول أنقرة؛ إنها فرع عن حزب العمال الكردستاني. إلا أن تركيا تنفي المسؤولية عن الهجوم على الموكب الذي كان يشتمل على ثلاثة من الحراس الشخصيين الحاملين للجنسية الأمريكية.
هل ستعود إزاحة أردوغان بالخير على تركيا والمنطقة؟
ويرى الكاتب أنه ما من شك في أن إزاحة أردوغان من منصبه سوف تقابل بترحيب شديد وبالشمبانيا في العواصم الغربية من برلين إلى واشنطن، وهذا أمر واضح. ولكن هل سيعود غيابه من الساحة الإقليمية بالخير على تركيا أو حتى على الشرق الأوسط؟
للإجابة على ذلك السؤال، يقول الكاتب إنه التقى بعدد من المسؤولين من الحكومة ومن المعارضة، بعض هؤلاء كانوا من السفراء السابقين.
يلفت هيسرت إلى انه من أجل كسب اهتمام الرأي العام، ولكي يحظى بالعناوين الرئيسية، أصدر مرشح المعارضة المشترك للرئاسة، كمال كيليتشدار أوغلو، سلسلة من الإعلانات، منها وعد بضمان السفر إلى أوروبا بدون تأشيرة خلال ثلاثة شهور من استلامه لمنصبه. كما هدد اليونان بالتدخل المسلح. وحرص على القيام بزيارات إلى كل من واشنطن وبريطانيا وألمانيا.
يرى الكاتب أنه لو تم التدبر فيها فسنجد أن الوعود التي قطعها على نفسه ستكون بعيدة المنال. ويضيف الكاتب أنه عندما ألح بالسؤال على أحد مسؤولي المعارضة التركية، أقر له بأن تعهد كمال كيليتشدار أوغلو بالحصول للمواطنين الأتراك على عبور بلا تأشيرة إلى بلاد الشنغن خلال ثلاثة شهور “مغرق في التفاؤل”. فحتى لو استجابت الحكومة التركية للشروط التي يضعها الاتحاد الأوروبي كافة، ستبقى هناك مشكلة قبرص.
وينقل هيرست عن السفير المتقاعد أونال جيفكوز، الذي يعتبر المستشار الأول في الشؤون الخارجية لدى كمال كيليتشدار أوغلو؛ قوله إن الحكومة الجديدة ستكون عازمة على تطبيع علاقاتها مع المجتمع الدولي ومع الاتحاد الأوروبي ومع الناتو.
وقال السفير جيفكوز؛ إن السياسة الخارجية الجديدة سوف تقوم على مبدأ “عدم التدخل في الشؤون الداخلية للجيران، وسوف تكون سياسة خارجية محايدة تلتزم بالأعراف الدولية.” كما انتقد استخدام أردوغان للقوة الصلبة في ليبيا، وتعهد بأن تكون تركيا “وسيطا نزيها” في ليبيا، من خلال الحديث مع الأطراف كافة.
لكن الكاتب يقول إنه حتى هذا الأمر، الكلام فيه أسهل من الأفعال.
الملف السوري.. الكلام أسهل من الأفعال
أما في سوريا، فقد تعهدت المعارضة بالقيام بثلاثة أمور في الوقت نفسه، إعادة 3.7 مليون لاجئ سوري إلى ديارهم، والتعامل مع الرئيس بشار الأسد، وتصحيح سياسة التحيز والوقوف مع طرف دون آخر في الحرب الأهلية.
ويقول هيرست إنه سأل أحد المسؤولين في المعارضة: ما الذي سيحدث لمعارضي الأسد الذين يحظون بحماية القوات التركية في إدلب؟ فأجاب برسم ابتسامة عريضة على ثغره.
ويضيف أنه سيكون هناك وقت طويل لكسب ثقة نظام دمشق وحتى التخلص من ورطة إدلب، وقال: “علينا أن نعيد التواصل والتفاهم مع الناس في إدلب، وأن نعيد دمجهم في المجتمع. ولكن هذه مهمة لن نتمكن من إنجازها بمفردنا.”
أما فيما يخص أوكرانيا، فيشير الكاتب إلى أن كمال كيليتشدار أوغلو صرح بأنه يتوجب على تركيا الوقوف إلى جانب أوكرانيا في الحرب الروسية الأوكرانية، تصدى له من يعارضه من داخل حزبه، حزب الشعب الجمهوري. وقد أكد نائب رئيس المجموعة البرلمانية لحزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزال، أن السياسة الحالية لتركيا هي السياسة الصائبة، مشيرا إلى أنه ليس بإمكان تركيا التضحية لا بأوكرانيا ولا بروسيا.
وقد أكد ذلك مسؤولان من داخل المعارضة، بل واتفقا على أنه ينبغي على أنقرة المضي قدما في مقاربتها الحالية المتوازنة، من خلال السعي للتوسط بين الطرفين. كما قالا إنه ينبغي على أنقرة ألا تنضم إلى نظام العقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي.
ماذا عن المنفيين العرب في تركيا؟
ويؤكد هيرست على أن الشعور بتغيير النظام التركي الحالي -حال حدوثه- سيكون أشدة وطأة على الشرق الأوسط، مشيرا إلى أنه لا يعني بذلك فقط المنفيين المصريين والسوريين والفلسطينيين الذين استضافتهم تركيا، ولكن علاقة تركيا برؤساء الدول أنفسهم الذين كانوا يحاولون إبعاد أردوغان عن المسرح الدولي قبل سبع سنوات.
وأشار إلى أن السياسية الخارجية في الشرق الأوسط تبدأ وتتوقف مع قمة الهرم السياسي، فإذا كان لديك علاقة شخصية معه فستكون مسألة وقت فقط قبل استئناف العلاقات بعد أي موجة من الخلافات.
وأستشهد بتلقي تركيا الآن استثمارات بمليارات الدولارات من السعودية والإمارات، اللتين مولتا جزئيا محاولة الانقلاب على أردوغان، حسب قوله.
ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ محمد بن زايد، أدرك أن الأموال التي كان ينفقها على دعم الطغاة في شمال أفريقيا لم تكن تؤتي ثمارها ولهذا غير مساره، كما يرجع إلى أن تركيا اتخذت خيارات براغماتية، أحيانًا على حساب التخلي عن القضايا التي دافعت عنها، مثل تراجعها عن تقديم قتلة الصحافي السعودي جمال خاشقجي إلى العدالة.
وذكر أنه يتم التعامل مع تركيا كحليف تكتيكي في موسكو وفي الخليج على وجه التحديد، لأنها حاربت القوات الروسية في سوريا، واستخدمت طائراتها بدون طيار ضد قوات مجموعة فاغنر في ليبيا، وصدت الثورة المضادة التي تمولها الرياض وأبو ظبي.
وأوضح أن حقيقة أن تركيا تُعامل الآن كلاعب في المنطقة لديه قوات لنشرها لحماية حلفائه، أمر مهم، مضيفا أن توقيت إبعاد أردوغان قد يكون مثيرا للقلق أيضا بالنظر إلى أن تركيا قد تكون على وشك التنازل عن ركائز استقلالها في الوقت الذي تستعد فيه الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لمواجهة عسكرية كاملة مع الصين.
يؤكد الكاتب أن هذا الخطر لا يغيب عن حلفاء الولايات المتحدة في الخليج، الذين يسعون لتنويع تجارتهم واعتمادهم على الدولار.
ويختم الكاتب بالقول إن الصين نسبت الفضل لنفسها في ذوبان الجليد بين المملكة العربية السعودية وإيران، وهي تعرض الآن الوساطة بين الفلسطينيين وإسرائيل. في هذه البيئة بالذات، من الضروري أن يكون للشرق الأوسط دول قوية مستعدة لممارسة استقلالها، هذا ما حققه أردوغان رغم كل أخطائه التي لا شك فيها، لذا فإن فقدانها الآن سيكون كارثة ليس فقط لتركيا، ولكن للمنطقة.
القدس العربي،
————————-
هل يكون الرئيس القادم لتركيا علويا؟/ وائل عصام
« علوي» هذا هو عنوان منشور لكلمة مصورة بثها على تويتر كليشتدار أوغلو زعيم المعارضة التركي، والمرشح لانتخابات الرئاسة أمام الطيب رجب أردوغان رئيس حزب العدالة ذي الجذور الإسلامية. ليس سراً إن كليشتدار أوغلو ينتمي لأتراك الأناضول العلويين، لكنه أراد بهذه الكلمة المصورة تحفيز قاعدة حزبه وتحالفه الجماهيرية، التي يمثل العلويون كتلة أساسية فيها، سواء كانوا من علويي الأناضول الأتراك البكتاشية، أو العلويين الأكراد، أو حتى العلويين ذوي الأصول العربية في لواء الإسكندرون، المتصلين بعلويي سوريا الذين يحكمون دمشق منذ عقود، رغم كونهم أقلية سكانية ويختلف مذهبهم في كثير من الجزئيات عن علويي الأتراك، ولكنهم يتفقون سياسيا حول مكانة أهل البيت المركزية ورمزية الإمام علي، والموقف السلبي من الدول الإسلامية السنية عبر التاريخ، خصوصا الأمويين.
يقول كليشتدار أوغلو في كلمته، إنه إذا تم انتخابه فلن نتحدث لاحقا عن التمييز والاختلاف، بل سنتحدث عن شراكاتنا وأحلامنا المشتركة، وقد حصد الفيديو مشاهدات ضخمة وصلت لنحو 60 مليونا على تويتر، ووسائل التواصل الأخرى. يهاجم أوغلو في كلمته أيضا منافسه الرئيس أردوغان ويقول، إن سلطته تعارض العلويين، من دون أن يأتي بدلائل واضحة على ذلك، وهو ما يلقي أجواء من التوتر المذهبي في تركيا، خصوصا أن العديد من المواجهات حصلت ضد العلويين في تركيا حديثا وقديما، ولعل موقفه الأكثر صراحة كان عندما هاجم الحكومة التركية عقب إطلاقها اسم السلطان سليم على جسر البوسفور الجديد، مذكرا بالصورة العدائية التي تحتفظ بها ذاكرة العلويين ضد السلطان سليم المتهم بقمع واضطهاد العلويين في حلب والإسكندرون.
يشير البروفيسور المساعد في جامعة بروكلين لوي فيشمان إلى ذلك في تعليق له على ردود الفعل المتشنجة من البعض، التي رافقت كلمة أوغلو التي تحدث فيها عن علويته، ويقول إن الكراهية للعلويين والطوائف الإسلامية غير التقليدية الأخرى، عميقة بين البعض، وينشر تعليقا كتبه أحد القراء على كلمة أوغلو يتحدث فيها عن ذكرى السلطان سليم، يقول فيشمان «هذه الكراهية أمر مروع»، واصفا إياه بأنه تصيد تاريخي للضحايا، «قبيح ومؤلم لأي شخص يدرس التاريخ». ولكن هل يصبح كليشتدار العلوي رئيس الجمهورية بعد الانتخابات التركية المقبلة؟ تشير الإحصاءات واستفتاءات الرأي إلى أن فرصته كبيرة، لكنها غير مرجحة، كما هي فرصة حزبه وتحالفه المعارض، الكبيرة جدا بالفوز بالانتخابات، بسبب التقارب الكبير بينه وبين أردوغان في استفتاءات الرأي، لكن في ما يتعلق بانتخابات البرلمان فإن تحالف المعارضة بقيادة الحزب الجمهوري الذي يتزعمه كليتشدار أوغلو يملك الفرصة الأكبر للفوز بأغلبية البرلمان والحصول على نسبة النصف زائد واحد اللازمة لتشكيل الحكومة التركية، وهذا يعود لدعم كتلتين صلبتين انتخابيتين للمعارضة وهما، العلويون والأكراد، فكما لعب الأكراد دور بيضة القبان في انتخابات إسطنبول ومنحوا الفوز للمعارضة، فإن المسار الحالي لمواقفهم وقياداتهم الحزبية يشير إلى أنهم سيرجحون كفة المعارضة في انتخابات البرلمان، ويعود ذلك تحديدا لانكفاء معظم الجزء الإسلامي المحافظ من كتلة الأكراد التي تبلغ من 10% إلى 13% من المصوتين، وتبديل وجهة أصواتهم من حزب العدالة بقيادة أردوغان الى المعارضة، خصوصا عندما ضمت المعارضة حزبا إسلاميا هو «حزب السعادة» المنبثق من حركة أبو الإسلام السياسي التركي نجم الدين أربكان، وهكذا فإن البرلمان سيكون غالبا للمعارضة، والرئاسة ما زالت متأرجحة، لكن إن فاز أردوغان بالرئاسة فإن هذا يعني دخول البلاد في أزمة بسبب وجود حكومة من المعارضة غير منسجمة مع رئيس البلاد في نظام رئاسي، أما فوز كليشتدار أوغلو فسيعني أن دولة شرق أوسطية سادسة بات رئيسها من الطوائف الشيعية وشقيقاتها العلوية، بعد إيران والعراق وسوريا ولبنان وكذلك اليمن.
كاتب فلسطيني
القدس العربي
———————-
تركيا: كيف ستكون سياسة المعارضة الخارجية بشأن سورية؟
مع بدء العد التنازلي لموعد تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا تطلق تساؤلات بشأن السياسة الخارجية التي قد تتبعها المعارضة في حالة الفوز، وما إذا كانت ستقلب النظام السائد منذ عقدين بالكامل أم أنه قد تؤسس قواعدها عليه.
ومن بين الملفات الخارجية التي تتسلط الأضواء عليها على نحو كبير هي الملف السوري، والمسار الذي تسير الحكومة من خلاله في الوقت الحالي، وقبل ذلك بعدما نشرت آلاف القوات في مناطق متفرقة من الشمال السوري.
ونقل موقع “ميدل إيست آي” البريطاني عن مسؤولين في المعارضة، اليوم الجمعة، قولهم إن “سياسة تركيا تجاه سورية ستعتمد إلى حد كبير على الحوار مع الرئيس السوري بشار الأسد، الذي ظل منبوذاً على مدى عقد من الزمان، لكنه يلقى ترحيباً متزايدا بين دول الشرق الأوسط”.
ولطالما دعت المعارضة إلى استئناف العلاقات مع الأسد بهدف عودة اللاجئين السوريين، وهي سياسات اكتسبت شعبية متزايدة وحاكها إلى حد ما الرئيس التركي، رجيب طيب أردوغان، الذي بدأت حكومته التواصل مع النظام السوري.
ومع ذلك، لا تزال القوات التركية في شمال سورية تدعم فصائل “الجيش الوطني السوري”، وتواجه أحياناً القوات الكردية المعروفة باسم “قوات سوريا الديمقراطية”، وعمادها العسكري “وحدات حماية الشعب”.
وقال أحد المسؤولين للموقع إن “تركيا اتخذت جانباً في الحرب الأهلية السورية، وسيتم تصحيح ذلك”.
وأضاف: “لن ننسحب على الفور من سورية. لا يمكنني إعطاء جدول زمني، لكننا سنناقش ظروفنا ونرى ما سيحدث”.
وأوضح المسؤول أن “العمل الإداري والمساعدات التركي الحالي في شمال سورية سيستمر، لكن الوجود العسكري سيعتمد على اتفاق نهائي يضمن أمن الحدود ضد التهديدات الإرهابية”.
“هذه الصفقة ستستند إلى اتفاق أضنة لعام 1998 حيث وعدت سورية تركيا بأنها لن تؤوي جماعات إرهابية وستسمح لأنقرة بالتدخل العسكري على بعد 5 كيلومترات من الحدود لحماية نفسها”.
وتابع المسؤول المعارض الآخر أن “اتفاق أضنة سيكون له أهمية كبرى لحل القضية”، مشيراً إلى أن “الأمر سيستغرق وقتاً طويلاً لكسب ثقة دمشق وتفكيك الوضع في الشمال، لا سيما في محافظة إدلب، حيث توجد مجموعات مسلحة مثل هيئة تحرير الشام، الفرع السوري السابق للقاعدة”.
ومنذ بداية العام الحالي كانت تركيا قد مضت بعملية “بناء حوار” مع النظام السوري، ومن المقرر أن تحرز تقدماً ملحوظاً في الأيام المقبلة، بالاجتماع على مستوى وزراء الخارجية في العاصمة الروسية موسكو.
ورغم انتقال الحوار من العسكرة والاستخبارات إلى الدبلوماسية ونقاشات السياسين، إلا أن الطريق بين أنقرة ونظام الأسد يراه مراقبون شائكاً، ولاسيما مع إصرار الأخير على شرط انسحاب القوات التركية من سورية.
ولطالما غازت أحزاب المعارضة في تركيا النظام السوري، فيما بعث مرشحها الرئاسي زعيم “حزب الشعب الجمهوري”، كمال كلشدار أوغلو برقية تعزية للأسد، في أعقاب كارثة الزلزال المدمّر.
ووفق المسؤولين المعارضين الذين نقل عنهم “ميدل إيست”: “سيتعين على المعارضة إعادة التواصل مع السكان المحليين في إدلب، وإعادتهم إلى المجتمع”.
وقال أحد المسؤولين إن “عودة 3.7 مليون لاجئ سوري من تركيا مشروع مهم يتطلب قدراً هائلاً من الجهد وربما إطاراً زمنياً أطول من عامين”.
وأضاف: “لا شك في أن ذلك سيكون على أساس طوعي”، وسيتطلب ذلك تحفيزاً وفرص عمل وإعادة تأهيل، “وسنريد بالتأكيد تقاسم العبء مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والأمم المتحدة “.
————————–
لقاء أردوغان والأسد المرتقب.. لنهاية القطيعة أم خطوة انتخابية؟/ محمد أمين
رجّح وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، الإثنين، عقد لقاء بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس النظام السوري بشار الأسد، ما سيعني وضع حدّ لقطيعة سياسية بدأت في 2012، عقب رفض الأسد التجاوب مع الجهود التركية لتطويق الأزمة السورية التي كانت لها تبعات سلبية.
وفي تصريحات تلفزيونية له، مساء الاثنين، لم يستبعد جاووش أوغلو عقد اللقاء، مشيراً إلى أنه “يجب أولاً تحضير خريطة طريق لهذا اللقاء، تتضمن عدم فرض شروط مسبقة، ودراسة المرحلة السياسية، ومكافحة الإرهاب، وإحلال الاستقرار في سورية”.
ولم يحدد المسؤول التركي موعدا دقيقا للقاء المحتمل بين أردوغان والأسد، لكنه أشار إلى أنه “اقتُرحت مواعيد، أحدها مطلع مايو/ أيار المقبل، وهو قريب جدًا من موعد الانتخابات، لكنه لم يحدث، لأن الرئيس الإيراني (إبراهيم) رئيسي سيذهب إلى سورية في هذا التوقيت”.
وأوضح وزير الخارجية التركي أن بلاده ترى أن التواصل مع النظام السوري “مفيد إذا كنا نريد إعادة اللاجئين السوريين، وإذا كنا نريد مواصلة مكافحة الإرهاب بشكل أكثر فاعلية، وإذا أردنا الحفاظ على وحدة أراضي سورية”، مضيفاً: “في حال لم يتم إحلال الاستقرار في سورية، فإن الآثار السلبية على تركيا ستكون كبيرة”.
غير أن جاووش أوغلو أكد أن قوات بلاده لن تنسحب في الوقت الراهن من شمال سورية، لأن هذا الانسحاب “يعني توقف عملياتنا العسكرية ضد الإرهاب، واقتراب الإرهابيين من حدودنا، وهذا يشكل تهديداً لأمننا القومي”، كما شدد على أنه “لا مطامع لتركيا في الأراضي السورية، ولكن لا يمكننا الانسحاب من الشمال السوري إلا حين يستتب الأمن ويعود الاستقرار الكامل إلى تلك المناطق”.
ويبدو أن الاجتماع الأمني والعسكري في موسكو، اليوم الثلاثاء، والذي يضمّ وزراء دفاع ورؤساء استخبارات تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري، يندرج في سياق “تنقية الأجواء” لتهيئة الظروف أمام اجتماع ثنائي بين أردوغان والأسد، ورباعي بين رؤساء تركيا وإيران وروسيا والنظام السوري، للدفع أكثر في اتجاه “تطبيع سياسي” بين أنقرة ودمشق.
ولا يمكن عزل اللقاء المرتقب عن الأوضاع الداخلية التركية قبيل انتخابات برلمانية ورئاسية حاسمة، فالتفاهم المبدئي مع الأسد من شأنه سحب الورقة السورية من يد المعارضة التركية. كما أن للنظام السوري مصلحة في تغيّر موقف أنقرة تجاهه، كونها الطرف الرئيسي الداعم للمعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري، ما يعني اضطرار هذه المعارضة ربما إلى تقديم تنازلات، وخاصة لجهة استمرار الأسد في السلطة.
جدية تركية
ويضع المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو، في حديث مع “العربي الجديد”، تصريحات جاووش أوغلو في سياق “النهج الدبلوماسي التركي حيال النظام في دمشق”، مضيفاً: “إذا كان هناك توجه نحو المصالحة، فلا بد أن يكون هناك لقاء بين أردوغان والأسد في النهاية، كما حدث مع الجانب المصري”، معتبراً أن “هذه خطوة انتخابية للحصول على مكاسب من خلال سحب الورقة السورية من الائتلاف المعارض”.
ويعتقد رضوان أوغلو أن لدى الجانب التركي “جدية لوضع حلول للقضية السورية”، لافتاً إلى أن “استمرار الأوضاع في سورية على ما هي عليه ليس في مصلحة تركيا”.
من جانبه، يرى مدير وحدة تحليل السياسات في مركز “الحوار السوري” محمد سالم، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “السباق الانتخابي في تركيا هو أحد دوافع التطبيع التركي مع نظام الأسد”، لافتاً إلى أن “جاووش اوغلو يحاول تسويق الجهود الحكومية لجهة أنها يمكن أن تذهب إلى أبعد ما يمكن لحلّ القضية السورية المؤرقة للناخب التركي”، ويعتقد أن تصريحات الوزير التركي حول اللقاء بين أردوغان والأسد “قابلة للتحقق”، مستدركاً بالقول: “لكنني أرى أن اللقاء مستبعد قبل الانتخابات التركية”.
وأعرب سالم عن قناعته بأن النظام السوري “يقاوم الضغوط الروسية للتوفيق بين الطرفين، بهدف عدم منح هذه الورقة لحكومة العدالة والتنمية”، ويرى أن النظام “يريد انتظار نتائج الانتخابات التركية التي يمكن أن تؤدي إلى مجيء تحالف المعارضة، وهو غالباً سيكون أكثر مرونة مع نظام الأسد”. ويضيف: “بعد الانتخابات التركية، لقاء أردوغان والأسد ممكن، لكن قياساً على الحالة المصرية، هذا الأمر قد يأخذ وقتاً طويلاً. حتى الآن، لم يلتقِ أردوغان بالسيسي لقاء رسمياً، باستثناء لقاء عابر قصير بوساطة قطرية”.
ومنذ عام 2012، اتبعت تركيا سياسة الباب المفتوح أمام اللاجئين السوريين، الذين يصل عددهم اليوم إلى نحو 4 ملايين، يعتبر مراقبون أنهم تحولوا إلى “عبء اقتصادي وسياسي” على حكومة “حزب العدالة والتنمية”.
وشهد الموقف التركي من القضية السورية منعرجات متعددة، وصلت إلى حدّ التدخل العسكري المباشر عدة مرات، الأولى في عام 2016، حين شنّ الجيش التركي عملية “درع الفرات”، وأنهى وجود تنظيم “داعش” في ريف حلب الشمالي. وفي مطلع عام 2018، طرد الجيش التركي “وحدات حماية الشعب” الكردية من منطقة عفرين، شمال غربي حلب، وفي عام 2019 سيطر على منطقتي تل أبيض ورأس العين في شمال شرقي سورية. ونشرت تركيا آلاف الجنود في ريف محافظة إدلب، شمال غربي سورية.
العربي الجديد،
—————————-
ماذا تخبّئ طبخة موسكو الرباعية؟/ عمر قدور
لا يُنتظر من اجتماع موسكو الرباعي الإعلان عن نتائج دراماتيكية مفاجئة، لكن اجتماع وزراء الدفاع ورؤساء أجهزة المخابرات لن يكون أيضاً على سبيل النزهة أو السياحة. كان وزير الدفاع التركي خلوصي أكار قد أعلن عن انعقاد الاجتماع اليوم “الثلاثاء”، وسبق لوزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو أن أعلن عن اجتماع رباعي لوزراء الخارجية في مطلع الشهر المقبل. ورغم أن أوغلو أشار إلى أن الهدف “هو إعادة إحياء المسار السياسي الذي لم يسفر عن أية نتيجة حتى اليوم”، إلا أنه صرّح أيضاً بأن المسار يمضي خطوة خطوة “وفق خريطة طريق محددة”.
في الحديث عن لقاء موسكو الحالي، وربما المقبل، من المستحسن قراءة تصريح أوغلو من طرفيه؛ فهو يتحدث عن عدم الخروج بنتائج سياسية، وفي الوقت نفسه ينوّه بمضي المسار حسبما هو مرسوم. والتنويه لا تنبغي قراءته على محمل إجرائي فقط، لأن الجوانب الإجرائية تم تجاوزها منذ الاجتماعات المخابراتية الأولى بين هاكان فيدان وعلي مملوك، والتي مهّدت لانطلاق المسار الثلاثي مع موسكو، قبل انضمام طهران برغبة تركية لتحاشي التعارض بين الوصيين الروسي والإيراني.
هناك تقدّمٌ ما في المفاوضات، وبما يخالف تصريحاتٍ لمسؤولي الأسد أو إعلامه، وبما يخالف التسريبات التي توحي بأنه يعارض الرغبة الروسية في دفع هذا المسار، ويفضّل عليه مسار التطبيع العربي، وكأن المسارين في متناوله بمطلق الحرية. ولئن كانت الحصافة تدحض التهويل من تأثير المسار الرباعي على صعيد تقرير مستقبل سوريا، فهي أيضاً يجب أن تدحض الاستخفاف المطلق بالمسار ذاته، وبما قد ينجم عنه من تفاهمات غير معلنة يدفع ثمنها سوريون في مناطق سيطرة الأسد ومناطق النفوذ التركي.
للتوقيت أهمية كبيرة، على مقربة ثلاثة أسابيع من الانتخابات التركية، ومفاتيح فوز أردوغان فيها ليست في جيب الأسد، لكن الأول سيكون مسروراً إذا حصل على هدية تقوّي من حظوظه، والهدية محددة بانتصار ما على وحدات الحماية الكردية المنضوية ضمن قسد. أما الثمن الذي يدفعه لقاء ذلك فلن يكون منظوراً من قبَل الناخب التركي، لأن المقايضة برمتها في سوريا، وجزء مما يقبضه الأسد قد يكون على حساب سيطرة الجولاني في إدلب، وجزء آخر قد يتعلق بتأمين الطرق الرئيسية، فضلاً عن تنشيط المنافذ الحدودية المباشرة بين تركيا والأسد.
بخلاف علاقته التي ساءت مع بشار الأسد، تربط أردوغان علاقات وثيقة بكل من بوتين وحكّام طهران، والعلاقة مع الجانبين صمدت وأثبتت متانتها رغم تباين التوجهات في سوريا، ورغم التنافس على مناطق نفوذ بعيدة عن سوريا. وإذا كانت لموسكو وطهران دوافع لاستغلال التوقيت، والضغط على أردوغان لانتزاع تنازلات في سوريا، فقد يكون فوزه في الانتخابات أهم لهما من كسب سوريٍّ زهيد بطبيعة الحال.
تضع السياسة الأمريكية سقفاً للتفاهمات التي يمكن إبرامها بين أنقرة والأسد، وهو غير منخفض جداً فضلاً عن أنه متحرك، وليس من ضمانة في أن لا يتأثر لاحقاً بما يفعله آخرون في سوريا. المظلة الأمريكية لا تغطّي قسد في كافة أماكن توجدها، لذا قد تدفع الأخيرة ثمناً حيث تتواجد بموافقة الأسد أو موسكو. قد يكون ريف حلب الشمالي من الأماكن المحتملة، فأنقرة طالبت مراراً بالسيطرة على تل رفعت ومحيطها، ومن بين الاعتبارات إبعاد قسد عن عفرين نهائياً، ما له دلالة معنوية أكثر منها ميدانية.
على العموم لا تُظهر واشنطن اكتراثاً ملموساً بالجغرافيا الواقعة خارج مظلتها العسكرية شرق الفرات، ولا تُظهر اكتراثاً بالتحركات الدبلوماسية المتعلقة بالشأن السوري، لأنها إذا تجاوزت الحد ستصطدم بالعقوبات الاقتصادية وبالوجود العسكري الأمريكيين. الركيزة الأساسية لاطمئنان المعارضة السورية واطمئنان قسد، رغم العداء المتبادل، هي في الموقف الأمريكي لا في الركون إلى مواقف حلفاء آخرين. طبّاخو المسار الرباعي يعرفون هذا جيداً، وهم أيضاً مطمئنون إلى الهامش الواسع المتروك أمريكياً.
السلبية الأمريكية تجاه الشأن السوري قد تفسّر الكثير من التحركات الدولية والإقليمية، فتوقف الفعالية الأمريكية سياسياً دفع القوى الأخرى إلى النشاط، لا حباً بالأسد أو قبولاً به، بل لأن حالة الجمود والتعفن لا تناسبها مثلما تناسب واشنطن. من هذه الزاوية، قد لا يكون تحرك بعض الدول العربية للتطبيع مع الأسد منافساً للتحرك التركي، أو على الضد منه، فتحرك بعض العرب مدفوع أيضاً بسلبية واشنطن، وبأن سلاح العقوبات لا يردع مثلاً تجارة الكبتاغون على المدى القصير. أما أنقرة فقد يئست بسبب عدم تجاوب واشنطن معها وعدم وضع قسد على لائحة الإرهاب الأمريكية، وهي تحاول عزلها في نطاق المظلة الأمريكية ما يقوّض مكانتها كورقة متعددة الوجهات.
إن السؤال عما تخبئه طبخة موسكو يقع في المنطق السياسي، لا ضمن تحرّي مؤامرة ما. في السياق ذاته، يمكن توقع ظهور نتائج لتفاهمات موسكو مع اقتراب الموسم الانتخابي التركي وصولاً إلى أواخر الشهر المقبل، لأن استطلاعات الرأي ترجح عدم فوز أحد من مرشّحي الرئاسة في الجولة الأولى، والاضطرار إلى جولة الحسم بعد أسبوعين من الجولة الأولى المقرَّرة في 14 أيار.
لا تستطيع واشنطن فرملة المسار الرباعي، على نحو الدور الذي كان لها في مواجهة الاندفاعة السعودية للتطبيع، ولا استعداد لديها لتقدّم لأردوغان ما يبعده عن الأسد. أما سياسة واشنطن بعدم التحرك الدبلوماسي المباشر بالشأن السوري، وعدم الانخراط في أي مسعى من أي نوع، فهي خدمت وتخدم أنقرة إذ تظهر الفعالية التركية الوحيدة المتاحة أمام الأسد وحلفائه. بل تُملي عليهم الواقعية السياسية التعامل مع “الممكن” التركي، طالما أن واشنطن ممتنعة عن الخوض فيما تريد حقاً وراء ربط وجودها بهدف لا تبدو له خاتمة هو القضاء “نهائياً” على الإرهاب.
ستحتدم المعركة الانتخابية في تركيا، ومن شبه المؤكد ألا تكون الساحة السورية بعيدة عن سخونة جارتها. ستكون الأسابيع الثلاثة أو الخمسة المقبلة عصيبة على ملايين اللاجئين السوريين في تركيا، إذ يُستخدمون في التجاذبات الانتخابية، وستكون عصبية أيضاً “وربما دموية” على سوريين داخل سوريا سيُرغمون على دفع الثمن كما فعلوا من قبل، وكما سيفعلون لاحقاً، وكأن قدرتهم على ذلك لا تنضب!
المدن
————————
تقارب متأن بين سوريا وتركيا بانتظار تجاوز الخلافات
سوريا تميل إلى التحفظ تجاه الرئيس التركي الذي تتسم مواقفه بالمزاجية والتقلب، وهو ما يعكس حالة من انعدام الثقة.
إسطنبول- تستضيف موسكو الثلاثاء جولة جديدة من المحادثات بين مسؤولين سوريين وأتراك بحضور إيران، وفق ما أعلن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار الاثنين، في خطوة تتنزل في إطار المساعي الروسية لإصلاح العلاقات بين دمشق وأنقرة.
يأتي هذا في وقت يقول فيه المراقبون إن دمشق وأنقرة تميلان إلى تقارب متأن بانتظار إذابة الخلافات حول الكثير من التفاصيل الميدانية التي تعوق اللقاءات المباشرة وعلى رأسها الوجود العسكري التركي شمال سوريا.
وقال أكار “خططنا لعقد اجتماع رباعي في العاصمة الروسية” الثلاثاء، على أن يحضره “وزراء دفاع ورؤساء استخبارات” تركيا وروسيا وسوريا وإيران.
وأضاف “هدفنا هو حلّ المشاكل من خلال المفاوضات وإحلال السلام في المنطقة في أقرب وقت ممكن”.
أيمن سوسان: إذا كان الجانب التركي جادا فعلا في تصحيح العلاقة مع سوريا فلا أعتقد أنه ستكون هناك صعوبة في التجاوب مع ما نطرحه أيمن سوسان: إذا كان الجانب التركي جادا فعلا في تصحيح العلاقة مع سوريا فلا أعتقد أنه ستكون هناك صعوبة في التجاوب مع ما نطرحه
وأعلنت وزارة الدفاع السورية في وقت لاحق عقد الاجتماع الثلاثاء بين وزراء دفاع الدول الأربع في موسكو “استكمالاً للمباحثات السابقة”.
ويرى المراقبون أن سوريا تميل إلى التحفظ تجاه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي تتسم مواقفه بالمزاجية والتقلب، وهو ما يعكس حالة من انعدام الثقة، وهذا ما يفسر استمرار دمشق في الرهان على الوساطة الروسية أو الآلية الرباعية بمشاركة إيران.
وفيما تسعى أنقرة للاستفادة من عودة سوريا إلى محيطها العربي من أجل تأمين انفتاحها على دمشق، إلا أن نظام الرئيس السوري بشار الأسد يميل إلى الفصل بين المسارات، خاصة أن العمق العربي مهم بالنسبة إليه، ويمكن أن يتغاضى عن حيثيات أيّ دعم عربي لقوى المعارضة في بداية الحرب السورية – السورية.
ويُعقد الاجتماع الثلاثاء على وقع تغيرات دبلوماسية في خارطة المنطقة مع استعادة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية برعاية بكين، وانفتاح عربي متسارع تجاه دمشق، عززته الأسبوع الماضي زيارة أجراها وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى دمشق، هي الأولى لمسؤول سعودي إثر القطيعة الدبلوماسية بين البلدين منذ بدء الحرب.
لكن الوضع مختلف بالنسبة إلى التقارب مع تركيا. ففيما تراجعت الدول العربية عن دعم المعارضة أو تمويلها وتسليحها منذ فترة طويلة، فإن تركيا ما تزال تدعم المعارضة السورية وتحميها وتوظفها في خدمة أجندتها في فرض منطقة عازلة على طول الحدود السورية، أو في المعارك مع الأكراد.
ولتركيا قوات كثيرة داخل الأراضي السورية، في محافظة إدلب وريف حلب ومناطق أخرى في شمال سوريا وشرقها، ضمن تل أبيض ورأس العين، كما أنها تدعم عسكريا تحالفا مناهضا للأسد هو “الجيش الوطني السوري”.
وتعمل موسكو على رأب الصدع في العلاقة بين دمشق التي تعد أبرز داعميها وأنقرة التي تعد أبرز داعمي المعارضة السياسية والعسكرية منذ اندلاع النزاع في سوريا قبل 12 عاماً.
وفي نهاية ديسمبر، التقى وزيرا الدفاع التركي والسوري في أول لقاء رسمي على هذا المستوى بين الدولتين منذ بدء النزاع.
خلوصي أكار: هدفنا هو حلّ المشاكل من خلال المفاوضات وإحلال السلام في المنطقة خلوصي أكار: هدفنا هو حلّ المشاكل من خلال المفاوضات وإحلال السلام في المنطقة
وجاء عقد اللقاء بعد بروز مؤشرات عدة خلال الأشهر الأخيرة على تقارب بين دمشق وأنقرة.
ولم يستبعد الرئيس التركي، الذي كان دعا نظيره السوري مراراً إلى التنحي عند اندلاع النزاع ووصفه بـ”القاتل”، إمكانية عقد لقاء معه.
لكن الأسد أعلن في تصريحات مؤخراً أنه لن يلتقي أردوغان إلا إذا سحبت تركيا قواتها من شمال سوريا.
وكان نائب وزير الخارجية السوري أيمن سوسان قد قال عقب اجتماع مع نظيره التركي في موسكو بحضور إيراني وروسي “لم نرَ حتى الآن أيّ مؤشرات إيجابية بخصوص انسحاب القوات التركية من سوريا، أو بخصوص محاربة الإرهاب والقضاء عليه في شمال غرب سوريا وبالأخص في إدلب”.
وأضاف “إذا كان الجانب التركي جاداً فعلاً في تصحيح العلاقة مع سوريا، وفي احترام سيادتها ووحدتها وسلامة أراضيها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، فلا أعتقد أنه ستكون هناك صعوبة في التجاوب مع ما نطرحه”.
وتدعم موسكو جهود تحقيق مصالحة بين تركيا وسوريا، خصوصاً أن من شأن إحراز أيّ تقدّم أن يظهر ثقلها الدبلوماسي رغم العزلة التي تواجهها من الدول الغربية منذ بدئها الحرب على أوكرانيا.
وتعتبر تركيا وجودها العسكري في سوريا ضرورياً لحماية حدودها وإبعاد المقاتلين الأكراد، الذين تصنفهم “إرهابيين” رغم أنهم تصدوا بشراسة لتنظيم الدولة الإسلامية.
واستضافت موسكو في وقت سابق من الشهر الحالي اجتماعاً رباعياً، ضمّ دبلوماسيين من تركيا وسوريا وروسيا وإيران، في إطار الإعداد لاجتماع رباعي على مستوى وزراء الخارجية.
العرب
——————————-
النظام السوري يكذب بيان الدفاع التركية: لا تطبيع قبل الانسحاب من سوريا
نفى مصدر في النظام السوري، مساء اليوم الثلاثاء، صحة المعلومات التي وردت في البيان الذي نشرته وزارة الدفاع التركية، والتي تحدثت عن خطوات ملموسة تتعلق بتطبيع العلاقات بين أنقرة والنظام.
وقال المصدر لصحيفة الوطن المقربة من النظام السوري، إن ما حصل في الاجتماع بين وزراء دفاع تركيا وروسيا وإيران والنظام “كان للبحث في آلية انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية ولم يتطرق الاجتماع إلى أي خطوات تطبيعية بين الجانبين”.
وأضاف أن التطبيع أو العلاقة الطبيعية بين تركيا والنظام السوري تعني انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، وبغير الانسحاب لا تنشأ ولا تكون هناك علاقات طبيعية.
وأشار إلى أن الانسحاب هو أول مسألة يجب أن يجري حسمها في مباحثات عملية التطبيع.
لا جديد في الاجتماع الرباعي
وانتهى الاجتماع الرباعي في موسكو على مستوى وزراء دفاع روسيا وتركيا وإيران والنظام السوري، اليوم الثلاثاء، بتأكيدات تركية على وحدة الأراضي السورية وتكثيف العمل على إعادة اللاجئين السوريين، في حين قالت وزارة دفاع النظام السوري إن الاجتماع بحث موضوع انسحاب القوات التركية من سوريا إضافة إلى موضوع تطبيق الاتفاق الخاص بالطريق الدولي المعروف باسم طريق إم فور.
وذكرت وزارة الدفاع التركية، في بيان، إن أطراف الاجتماع الرباعي أكدوا على أهمية وحدة الأراضي السورية، إضافة إلى تكثيف جهود إعادة اللاجئين.
وبينت الوزارة أن الاجتماع ناقش الخطوات الملموسة التي يمكن اتخاذها في مجال تطبيع العلاقات التركية السورية خلال الاجتماع الرباعي في موسكو، مشيرة إلى أنّ الاجتماع مع وزراء دفاع سوريا (النظام) وروسيا وإيران كان بنّاءً.
وتابعت أنّ الأطراف ناقشت محاربة المنظمات الإرهابية وجميع الجماعات المتطرفة في سوريا، وتم التأكيد على أهمية استمرار الاجتماعات الرباعية من أجل الحفاظ على الاستقرار في سوريا.
الاجتماع الرباعي في موسكو
وعقد الاجتماع بحضور وزراء الدفاع التركي خلوصي أكار، والروسي سيرغي شويغو، والإيراني محمد رضا أشتيان، ووزير دفاع النظام السوري علي محمود عباس، كما سيشارك فيه أيضاً رؤساء استخبارات الأطراف الأربعة.
ويأتي الاجتماع “استمراراً للمحادثات التي جرت بين الأطراف الأربعة في الـ 28 من كانون الثاني في العاصمة موسكو”، بحسب بيان صادر عن وزارة الدفاع الروسية.
وكان أكار قد أعلن عن الاجتماع خلال لقاء تلفزيوني، أمس الإثنين، معرباً عن “أمله” في تحقيق تطورات إيجابية.
—————————————
===================
انتخابات نيابية ورئاسية حاسمة في تركيا/ بكر صدقي
بِقرار من رئيس الجمهورية، رجب طيب أردوغان، تم تحديد موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية في تركيا في الرابع عشر من شهر أيار (مايو) القادم، في حين كان الموعد المفترَض لإجرائها هو الثامن عشر من شهر حزيران (يونيو)، أي بعد مرور خمس سنوات كاملة على الانتخابات السابقة كما يحدد الدستور. لم تصدر اعتراضات ذات شأنٍ على تقديم الموعد، وإن كان الأمر قد خضع لبعض الجدل قبل ذلك، فقد كانت أحزاب المعارضة الرئيسية المجتمعة في إطار إئتلاف الأمة (millet ittifakı) قد أعلنت عن موافقتها المبدئية على تقديم الموعد شرط ألا يسبق السادس من شهر نيسان؛ موعد دخول قانون الانتخابات البرلمانية الجديد الذي أُقر في التاريخ نفسه من العام الماضي. وسنعود إلى سببِ ذلك لاحقاً.
جدل حول الرمزية التاريخية لموعد الانتخابات
كان اختيار السلطة لهذا التاريخ موضعَ تعليقات متناقضة من قبل أصواتٍ معارضة وأخرى موالية. ففي الرابع عشر من أيار عام 1950 أُجريت الانتخابات العامة في تركيا وفاز فيها الحزب الديمقراطي المعارض بقيادة عدنان مندريس بعدما خاض حملته الانتخابية تحت شعار «كفى! الكلمة الآن للشعب!»، مُنهياً بذلك تفرّد حزب الشعب الجمهوري بالسلطة طوال 27 عاماً متصلة.
من وجهة نظر السلطة التي اختارت هذا التاريخ الرمزي يُراد القول إن هزيمةً جديدةً ستلحق بحزب الشعب الجمهوري هذا العام، شبيهة بتلك التي تكبّدها في منتصف القرن حين فقد السلطة التي أمسك بها مُتفرداً منذ تأسيس الجمهورية التركية عام 1923. أما التعليقات المعارضة فقد رأت في اختيار هذا التاريخ فشلاً ذريعاً، لأنه يرمز إلى انتصار المعارضة على السلطة وإن اختلفت الأدوار. وهكذا تبنى حزب الشعب الجمهوري شعار خصمه القديم «كفى! الكلمة والسلطة للشعب!» مُرفَقاً بصورة كبيرة لزعيمه كمال كلجدار أوغلو عُلّقت على واجهة المبنى الرئيسي للحزب.
الواقع أن التمسّك بهذه الرمزية من قبل السلطة غير مفهوم حقاً؛ فهو يوحي كأن حزب الشعب الجمهوري موجودٌ في السلطة، وأن حزب العدالة والتنمية يسعى لإنهاء هذا الاحتكار والفوز بالسلطة، أي بعكس الواقع القائم الآن حيث يمسك أردوغان و«العدالة والتنمية» بالسلطة منذ 21 عاماً، بل إن الرئيس أردوغان تفرّد بكامل الصلاحيات التنفيذية في السنوات الخمس الماضية بعد تغيير النظام من برلماني إلى رئاسي. من جهة أخرى، لا يمكن اعتبار «العدالة والتنمية» وريثاً سياسياً للحزب الديمقراطي اليوم، في الوقت الذي يضُم فيه التحالف المعارض حزباً باسم «الحزب الديموقراطي» الذي يعتبر نفسه وريث سميِّه القديم.
قد يمكن تفسير هذا «الخطأ» الرمزي بأمرين أو واحد منهما: الأول هو أن الحالة الروحية، إن جاز التعبير، للتيار المحافظ هي حالةُ مظلوميةٍ تاريخية تعود جذورها إلى بدايات تأسيس الجمهورية حين كان التيار العلماني مُمسِكاً بزمام الدولة، ولم تنته هذه الحالة بهزيمة «الشعب الجمهوري» في التاريخ المذكور أعلاه، بل امتدّت وصولاً إلى مطلع القرن الحالي؛ انقطع المسار الديمقراطي المتعثّر بثلاثة انقلابات عسكرية، وتعرض التيار الإسلامي الناشئ في أواخر الستينيات لاضطهاد سياسي متواتر، من خلال إغلاق الأحزاب التي أسسها الواحد تلو الآخر (النظام الجديد، السلامة القومية، الرفاه، الفضيلة). القطّاع الاجتماعي المحافظ المتدين كان على الدوام مُهمّشاً مقابل النخبة العلمانية. هذه الذاكرة الجمعية ربما لم تزل بعد أكثر من عقدين على حكم «العدالة والتنمية» وازدهار الجماعات الإسلامية في ظله. التفسير الثاني المحتمل هو قلق «العدالة والتنمية»، والرئيس أردوغان بالذات، من تراجع شعبيتهما باطراد مع وقع الأزمة الاقتصادية المتفاقمة وعوامل أخرى، وهو ما قد يكون السبب المباشر لإحساسهما أنهما يخوضان معركة الانتخابات من موقع معارض.
الجدل حول حق أردوغان في الترشح لمنصب الرئاسة
شهد المسرح السياسي التركي أيضاً جدلاً حول حق أردوغان في الترشح لمنصب الرئاسة أساساً؛ فالدستور ينصُّ في مادته 101 على أنه يحق للشخص الواحد الترشح مرتين فقط للانتخابات الرئاسية. وتقوم دعوى الطاعنين بحقه في الترشح مجدداً على أن أردوغان سبق وترشح للمنصب مرتين، في 2014 و2018، والنص الصريح في الدستور يمنعه من الترشح للمرة الثالثة. في حين يدافع الناطقون باسم الحزب الحاكم عن حقه في الترشح بدعوى أن النظام السياسي قد تغير إلى النظام الرئاسي، وبالتالي أردوغان حَكَمَ لفترة رئاسية واحدة فقط بعد إقرار النظام الجديد. وبالفعل صادقت الهيئة العليا للانتخابات على ترشيح أردوغان، رافضةً الطعون المقدمة إليها بشأن ذلك.
مدى أهمية كل من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية
بعد أن تغيَّرَ النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي، في استفتاءٍ أُجري في العام 2017، اجتمعت مُعظَم الصلاحيات التنفيذية في يد رئيس الجمهورية، وتم إلغاء منصب رئيس الوزراء ليصبح مجلس الوزراء برئاسة رئيس الجمهورية، وهو الذي يُعيّن الوزراء ويعزلهم، ولا يشترط فيهم الانتماء إلى حزب الأغلبية البرلمانية، ولا يقدمون الحساب للبرلمان. كذلك يُعيِّن الرئيس كلاً من حاكم المصرف المركزي ورئيس «الشؤون الدينية» التي هي بمثابة وزارة، ورئيس الهيئة العليا للتعليم الجامعي، ورئيس هيئة أركان الجيش.
في هذه الشروط الموصوفة تضاءلت أهمية البرلمان في النظام السياسي، واقتصرت مهمته على تشريع القوانين، أما الرقابة على عمل الحكومة فلا تتجاوز حق النواب في انتقاد ما يرَونه خاطئاً في مسلك السلطة التنفيذية، وتقديم الاقتراحات، أما حجب الثقة عن عملها فلم يعد من صلاحياته.
لذلك تكتسب الانتخابات الرئاسية أهمية حاسمة في تحديد مستقبل السياسة في تركيا، لكن ذلك لا يلغي أهمية الانتخابات النيابية، ففيها يتحدد حجم القاعدة الاجتماعية لكل حزب، وتفتح النيابة الباب أمام الشخص للارتقاء في ميدان السياسة، إضافة إلى الوظيفة التشريعية التي لا جدل حول أهميتها الكبيرة. لكن الأهمية السياسية للانتخابات البرلمانية القادمة تكمن أساساً في أن قوى المعارضة قد تعهدت بإعادة النظام البرلماني، وفي حال فازت هذه القوى في الانتخابات بأغلبية المقاعد، سوف تعمل على نزع معظم الصلاحيات التي يملكها الرئيس في النظام الساري حتى لو فاز أردوغان نفسه بهذا المنصب. الواقع أن النقطة الرئيسية في برنامج المعارضة تتمثل في العودة إلى النظام البرلماني، بعد خمس سنوات مما تراه فشلاً ذريعاً للنظام الجديد.
أطراف المعركة الانتخابية
يشارك في الانتخابات البرلمانية القادمة 34 حزباً سياسياً، منها خمسة فقط ممثلة في البرلمان الحالي، وهي بترتيب عدد نواب كل منها: العدالة والتنمية، الشعب الجمهوري، الشعوب الديموقراطي، الحركة القومية والحزب الخيّر. في حين يتنافس أربعة مرشحين – مبدئياً – على منصب رئيس الجمهورية، هم الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، وزعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كلجدار أوغلو، وزعيم حزب البلد محرّم إينجة، ومرشح حزب النصر سنان أوغان.
غير أن المعركة الانتخابية الأساسية من المتوقع أن تدور بين تحالف المعارضة المُسمّى «ائتلاف الأمة» وتحالف السلطة المُسمّى «ائتلاف الجمهور»، مع وجود تحالف ثالث معارض أيضاً هو «ائتلاف العمل والحرية» الذي يتشكل من مجموعة أحزاب يسارية صغيرة ويقوده حزب الشعوب الديمقراطي. أما التنافس على منصب الرئاسة فمن المتوقع أن يكون أساساً بين أردوغان وكلجدار أوغلو.
تحالف الأمة المعارض وبرنامجه
يتشكل تحالف الأمة المعارض بصورة رئيسية من حزب الشعب الجمهوري والحزب الخيّر مع مجموعة من الأحزاب الصغيرة، ويتصدّر برنامجه إعادة النظام البرلماني وإعادة الاعتبار لمبدأ الفصل بين السلطات وتعزيز الديمقراطية والحريات العامة.
تأسس حزب الشعب الجمهوري عام 1923 على يد مصطفى كمال أتاتورك ليكون حزب السلطة في نظام الحزب الواحد، واستمر في حكم تركيا 27 عاماً إلى حين خسارته في انتخابات تعددية جَرَت في عام 1950 على يد الحزب الديمقراطي بقيادة عدنان مندريس. ويتبنّى الحزبُ «الفكر الكمالي»، وهو مزيجٌ من عَلمانية متشددة على النمط الفرنسي، وقومية تركية وتقديس دور الدولة مع مشروع لـ«عصرنة تركيا» لتصبح صنواً للدول الأوروبية المتقدمة، حيث حارب كلاً من التيار الديني والطرق الصوفية والتطلعات القومية الكردية. وبعدما خسر السلطة وفشل في الانتخابات اللاحقة، بات يستنجد بالجيش الذي قام بانقلابات عسكرية دورية كلما أحس بأن السلطة قد حادت عن «الأسس» العلمانية والقومية.
في عقد السبعينيات، شهد الحزب صعوداً جديداً بقيادة الراحل بولند أجاويد الذي ذهب بالحزب إلى يسار المشهد السياسي (يسار الوسط). لكن الانقلاب العسكري للعام 1980 قطع هذا المسار وزجّ بجميع قادة الأحزاب السياسية في السجون. بعد استعادة الحياة السياسية أعاد الحزب تشكيل نفسه لكنه لم يستعد زخمه أبداً بعد ذلك، مع احتفاظه بقاعدة اجتماعية ثابتة من الطبقة الوسطى ذات نمط الحياة الحديثة العلمانية. شارك بعدد من الحكومات الائتلافية في السبعينيات والتسعينيات، ثم تحول إلى حزب المعارضة الرئيسي في البرلمان تحت قيادة دنيز بايكال بعد صعود «العدالة والتنمية» إلى السلطة في الألفية الجديدة. وبعد استبعاد بايكال من قيادة الحزب، انتُخب كمال كليجدار أوغلو لقيادته في 2010.
بعد هزائم حزبه المتكررة في الانتخابات، اتجه كليجدار أوغلو إلى سياسة أكثر انفتاحاً على قطاعات اجتماعية كانت إلى حينه مغلقة في وجه الحزب، وتزامن ذلك مع ازدياد النزعات السلطوية باطراد لدى حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان، فتحالف في انتخابات العام 2018 مع الحزب الخيّر وحزب السعادة الإسلامي ومدَّ الجسور مع حزب الشعوب الديمقراطي. ومنذ شباط 2022 أسس «الطاولة السداسية» تحضيراً لانتخابات العام 2023، جمع حولها تيارات قومية ومحافظة ومن يمين الوسط، وهو يتنافس اليوم مع أردوغان على منصب الرئاسة.
انشق الحزب الخيّر بقيادة وزيرة الداخلية الأسبق مرال آكشنر عام 2017 عن حزب الحركة القومية بعد تحالف الأخير مع «العدالة والتنمية»، ولدى الوزيرة طموح في احتلال حزبها موقع «يمين الوسط» الذي احتله تاريخياً تيار الزعيم السياسي سليمان دميريل تحت اسم حزب العدالة في الستينيات والسبعينيات، وحزب الطريق القويم في نهاية الثمانينيات والتسعينيات، لكن التيار القومي العلماني هو الأقوى داخل قيادة الحزب.
«أعارها» كمال كليجدار أوغلو عشرين نائباً في البرلمان من حزبه ليتسنّى لحزبها خوض الانتخابات في العام 2018، فشكلت تحالفاً مع «الشعب الجمهوري» و«السعادة». وحين اقترح هذان الحزبان اسم الرئيس السابق عبد الله غل مرشحاً موحداً لـ«تحالف الأمة» لمنصب الرئاسة في مواجهة أردوغان، رشّحت نفسها لهذا المنصب وفشلت في الانتخابات فشلاً ذريعاً. ثم شاركت في «الطاولة السداسية» التي تحولّت إلى «ائتلاف الأمة» مطلع العام الحالي، وحين اتفقت الأحزاب الخمسة الأخرى على ترشيح كمال كليجدار أوغلو لمنصب الرئاسة أعلنت انفصالها عن الائتلاف في بيان غاضب هاجمت فيه أطرافه بشدة، ودعت كلاً من رئيسي بلديتي إسطنبول أكرم إمام اوغلو وأنقرة منصور ياواش للترشح لمنصب الرئاسة. وإذ رفضا معاً دعوتها (وهما من أعضاء حزب الشعب الجمهوري) عادت إلى الائتلاف ووافقت على مضض على ترشيح كليجدار أوغلو، بشرط أن يشارك إمام أوغلو ويواش في الحملة الرئاسية كنواب للرئيس كليجدار أوغلو.
يقضي بروتوكول الائتلاف فيما يخص الانتخابات الرئاسية بأن يكون للرئيس كليجدار أوغلو، في حال انتخابه، نواب رئيس هم قادة أحزاب الائتلاف، وأُضيف إليهم رئيسا بلديتي إسطنبول وأنقرة بناءً على طلب آكشنر. وتُبرّر آكشنر رفضها لترشيح كليجدار أوغلو بأنه لن يتمكن من النجاح في الانتخابات الرئاسية، وتعتبر أنها تقدم تنازلاً باقتراحها ترشيح شخص آخر من «الشعب الجمهوري» نفسه؛ هو أحد رئيسي البلديَتين المذكورتين بعد النجاح الكاسح الذي حققاه في الانتخابات البلدية في 2019 بفوزهما على مرشحي الحزب الحاكم الذي احتكر رئاسة هاتين البلديتين منذ التسعينيات.
كان انشقاق الحزب الخيّر عن التحالف المعارض بمثابة فضيحة مدوية أثلجت قلب السلطة القلقة من تراجع شعبيتها، وفسّرت الأوساط المعارضة موقفها بأنه دعمٌ غير مباشر لأردوغان وحزبه، مستعيدةً موقفها المماثل في الانتخابات الماضية، ومواقف أخرى لها في لحظات مفصلية كانفصالها عن الكادر المؤسس لـ«العدالة والتنمية» بعدما شاركت في صياغة برنامجه، وانشقاقها عن حزب الحركة القومية. وقد يكون طموحها الشخصي وراء هذه المواقف، فهي تسعى دائماً إلى مناصب أعلى في السلطة بعدما شغلت منصب وزير الداخلية في حكومة تانسو تشيلر في التسعينيات.
الأحزاب الأخرى في ائتلاف الأمة هي أحزابٌ هامشية، كحزب السعادة الإسلامي المحافظ، وحزب الديمقراطية والتقدم (اختصاراً حزب «دواء») بقيادة وزير الاقتصاد الأسبق علي باباجان، وحزب المستقبل بقيادة رئيس الوزراء الأسبق أحمد داوود اوغلو، وأخيراً الحزب الديمقراطي بقيادة غولتكين أويصال. غير أن أهمية وجود هذه الأحزاب في التحالف تكمن في أنها تخاطب حساسيات إيديولوجية سياسية واسعة، حيث يجمع التحالف كامل الطيف السياسي تقريباً باستثناء الكرد، ويراهن على قضم قسم من القاعدة الاجتماعية للسلطة المستاء منها.
نسج كليجدار أوغلو علاقة غير رسمية مع حزب الشعوب الديمقراطي، لكنه لم يستطع ضمه لتحالف المعارضة بسبب معارضة الحزب الخيّر الذي لا يقبل أي تحالف مع الممثل السياسي لكُرد البلاد. لكنه تمكن من الحصول على موافقته على دعم ترشيحه لرئاسة الجمهورية بصورة غير مباشرة، من خلال امتناعه عن التقدم بمرشحه الخاص.
قدَّم تحالف الأمة المعارض في أوائل العام الحالي «نص توافقات»؛ عبارة عن برنامج عمل لما ينوي القيام به في حال فوزه بالسلطة، استغرق إعداده قرابة العام من خلال التداولات بين زعماء أحزاب التحالف التي انعقدت دورياً كل شهر. البند الرئيسي في هذا النص هو العودة إلى النظام البرلماني مع تعزيزه بمزيد من القوة مقابل إعادة منصب الرئاسة إلى طابعه الأقرب إلى الرمزية ومع شرط حياد الرئيس السياسي الذي من المفترض أن يمثل كل الأمة.
ويَعتبر النصُّ النظامَ الرئاسي، كما تم اختباره في التطبيق العملي، سبباً رئيسياً لتدهور حال واعتبار مؤسسات الدولة، وشخصنةً للدولة من خلال التفرّد باتخاذ القرارات، وتحجيماً لدور البرلمان وللمشاركة السياسية، ونتج عنه تكريس الميول السلطوية وقضمٌ للحريات العامة والشخصية وإفراغٌ لمبدأ الفصل بين السلطات من مضمونه، وفقدان الثقة العامة بالنظام القضائي الذي تم تسييسه واستتباعه إلى حد كبير بالسلطة التنفيذية وغير ذلك من أوجه الخلل الذي اعترى الإدارة العامة.
إلى ذلك، تعتبر المعارضة أن جمع كل الصلاحيات في يد شخص واحد أدى أيضاً إلى الأزمة الاقتصادية التي تتفاقم باطراد، ومن أوجهها البارزة انفلات التضخم المرتبط بالسياسة النقدية القائمة على نظرية «ارتفاع الفائدة هو ما يؤدي إلى التضخم» التي يتبناها أردوغان، ويتدخل في شؤون البنك المركزي ويحدد السياسة النقدية وفقاً لها. كما أن فقدان الاستقرار النقدي والهبوط المطرد في قيمة العملة المحلية والإخلال الكبير بمبدأ الفصل بين السلطات، أدت إلى عزوف رؤوس الأموال عن الاستثمار في الاقتصاد التركي، الأمر الذي أثر سلباً على العمالة وعلى النمو الاقتصادي.
انطلاقاً من هذه الانتقادات، يقوم «البرنامج الاقتصادي» للتحالف المعارض على عكس تلك المفاعيل من خلال إعادة الاعتبار إلى استقلالية القضاء والمؤسسات والعملة المحلية، والشفافية والقابلية للمحاسبة في الإدارة، وإلغاء بعض الإجراءات كـ«الودائع المصرفية بضمانة العملة الصعبة»، واشتراط بيع المستورد أربعين في المئة من إيراداته من العملات الصعبة إلى البنك المركزي.
يمكن تلخيص هذا «البرنامج» في أنه أساساً عبارة عن إصلاح سياسي – إداري يؤمّن بيئة ملائمة لجذب الاستثمارات، ولأرقام موجبة مستدامة في النمو السنوي، أكثر من كونه برنامجاً اقتصادياً. ذلك أن المتوقع من حكومة تشكّلها المعارضة أن تحافظ على ليبرالية اقتصادية منفتحة على العالم، هي نفسها الفلسفة الاقتصادية لحزب العدالة والتنمية. وبات متداولاً أن رئيس حزب «دواء» علي باباجان هو الذي من المتوقع أن يستلم إدارة الاقتصاد في حكومة المعارضة الحالية، وقد كان يحتل هذا الدور قبل سنوات في حكومات حزب العدالة والتنمية.
في موضوع اللاجئين (السوريين بصورة خاصة) لوحظ ابتعاد النص التوافقي للتحالف عن الخطاب الشعبوي المناهض الذي ساد على ألسنة الحزبين الرئيسيين فيه؛ الخيّر والشعب الجمهوري، فوعد بإعادتهم إلى بلدانهم في غضون عامين، من خلال التواصل مع «الحكومة السورية» والمساهمة الإيجابية في حل الصراع في سوريا حلاً سلمياً. أي أنه ربط بين إعادة اللاجئين السوريين وحل سياسي للصراع في سوريا.
في السياسة الخارجية، وعدت المعارضة، في نصها التوافقي، بترميم علاقات تركيا الإقليمية والدولية بعد الاختلال الذي أصابها، وبخاصة مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، مع وجوب تطوير سياسة متوازنة بين الغرب وروسيا، واستعادة دور بنّاء للدبلوماسية التركية، بعيداً عن الدخول طرفاً في الصراعات الإقليمية والدولية، والمساهمة النشطة في حل الأزمات بالوسائل الدبلوماسية.
تحالف ائتلاف العمل والحرية
عموده الفقري حزب الشعوب الديمقراطي الذي يُعتبر المُمثل السياسي الرئيسي لكُرد تركيا، وتعتبره السلطة والتيارات القومية المتشددة واجهة سياسية لحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابياً لدى الحكومة. ومعه في الائتلاف خمسة أحزاب يسارية ومنظمةُ مجتمع مدني غير ممثلين في البرلمان، منها حزب العمال التركي والحزب الشيوعي التركي وحزب اليسار الأخضر والحزب اليساري.
وقد تعرض هذا الحزب طوال تاريخه لقرارات حظر، فكانت كوادره تُعيد تشكيله بأسماء جديدة، مثله في ذلك مثل التيار الإسلامي. بعد الانقلاب العسكري الفاشل في تموز (يوليو) 2016، تم اعتقال زعيمه صلاح الدين دمرتاش الذي لم تنته محاكمته إلى اليوم. وبقيادته دخل الحزب الانتخابات النيابية في 2015 على قوائمه الخاصة لأول مرة ففاز بنسبة 13 بالمئة من الأصوات ودخل البرلمان بنحو 80 نائباً. كان ذلك في ختام عملية «الحل السلمي» للقضية الكردية، الحل الذي أطلقه أردوغان قبل ذلك بعامين، ثم ارتد عليه بعد الانتخابات المذكورة وبات يعامل «الشعوب الديمقراطي» بعدائية شديدة، خاصة بعد تحالفه مع حزب الحركة القومية بقيادة بهجلي، فتم اعتقال عدد كبير من رؤساء البلديات التي فاز بها الحزب أو عزلِهم من مناصبهم وتعيين بُدلاء عنهم مقربين من السلطة، كذا تم اعتقال كثير من أعضاء الحزب أو مقربين منه في السنوات السابقة. يقوده اليوم مدحت سنجر (من أصول عربية) وبرفين بولدان وفقاً لنظام الرئاسة المشتركة الذي يتبعه الحزب (رئيسين مشتركين، رجل وامرأة). أصدر العام الماضي منظوره السياسي استعداداً للانتخابات القادمة وأعلن أنه منفتح على التحالفات على أساس المبادئ السياسية بصرف النظر عن الأحزاب وإيديولوجياتها واصطفافاتها، وحين لم يلقَ منظوره السياسي تجاوباً من تحالف المعارضة؛ أعلن أنه سيخوض الانتخابات الرئاسية بمرشحه الخاص. بعد إعلان التحالف المعارض لترشيح كليجدار أوغلو، قرر دعم الأخير في الانتخابات من خلال الامتناع عن ترشيح مرشحه الخاص. ثم أعلن أنه سيخوض الانتخابات النيابية على قوائم حليفه في ائتلاف العمل والحرية «الحزب اليساري الأخضر» ربما تحوّطاً من احتمال صدور قرار بحظر نشاط «الشعوب الديمقراطي» من المحكمة التي تحاكمه بتهم تتعلق بعلاقته المفترضة مع حزب العمال الكردستاني.
«حزب البلد» بقيادة محرّم إينجة
كان إينجة عضواً في حزب الشعب الجمهوري، برز اسمه حين قدّمه كليجدار أوغلو مرشحاً للحزب في الانتخابات الرئاسية للعام 2018، وتمكن من خلق شعبية كبيرة من خلال خطاباته البارعة في الحملة الانتخابية أمام حشود مليونية في بعض المدن الكبرى، ونال نحو 30 بالمئة من أصوات الناخبين، وهي نسبة أعلى مما يحققه حزبه عادةً في الانتخابات النيابية. لكنه اختفى عن الأنظار حين بدأ تعداد الأصوات في الصناديق ثم ظهر بعد ساعات ليعلن عن فوز منافسه أردوغان قبل اكتمال التعداد. شكلت هذه الحادثة نكسة كبيرة في شعبيته، لكنها لم تثبّط طموحه؛ فرشح نفسه لرئاسة الحزب في مؤتمره التالي في مواجهة كليجدار أوغلو وخسر في الانتخابات الحزبية. فـ«حرد» وانشق عن الحزب ليؤسس لاحقاً حزبه الخاص «حزب البلد»، وأعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية ومشاركة حزبه في الانتخابات النيابية. يصفه العارفون بأنه متقلب المزاج، ميّالٌ للسجال واكتساب الخصوم بسبب لسانه اللاذع، ولا يمكن توقع ما سيفعله. ارتفعت شعبيته، في أعقاب زلزال 6 شباط (فبراير) وفقاً لاستطلاعات الرأي، لأنه كان أول زعيم سياسي يصل إلى المناطق المنكوبة ويتضامن مع المتضررين. ويرى محللون أن قسماً كبيراً من شعبيته يأتي من الجيل الشاب (المعروف بالجيل Z) وهو جيل لا – سياسي apolitic يائس من كامل الطبقة السياسية في السلطة والمعارضة معاً، ومن المحتمل أن يكون له دور حاسم في الانتخابات النيابية والرئاسية إذا قرر المشاركة في التصويت.
وتنظر المعارضة إلى إينجة على أنه يساهم بطريقة غير مباشرة في احتمال فوز أردوغان في الرئاسيات، والتحالف الحاكم في البرلمانيات، لأنه يقسم الرأي العام المتطلع إلى التغيير ويقتطع جزءاً من كتلة الناخبين وهو ما يعزز احتمالات فوز تحالف السلطة بالنظر إلى أن استطلاعات الرأي، عموماً، تشير إلى تقاسم هذه الكتلة بالتساوي تقريباً بين السلطة والمعارضة كما بين المرشحَين الرئيسيَين لمنصب الرئاسة.
أثر الزلزال على النتائج المحتملة
امتلأت وسائل التواصل الإجتماعي بشكاوى مُرّة وغضب عارم من تباطؤ السلطة في التعامل مع الزلزال المدمر، إضافة إلى تحميلها مسؤولية الفساد في منح تراخيصَ بناءٍ لأبنية غير مقاومة للزلازل في بلد يمتلئ تاريخه بزلازل مدمرة أشهرها زلزال قرب إسطنبول في العام 1999، كان أحد تداعياته السياسية سقوط الائتلاف الحاكم آنذاك في أول انتخابات عامة أُجريت بعد 3 سنوات، ليفوز حزبٌ تأسس للتو هو العدالة والتنمية.
وكان لافتاً أن منظمات مجتمع مدني سارعت قبل منظمة الكوارث والهلال الأحمر الحكوميَين لإغاثة منكوبي الزلزال، وجمعت منظمة مجتمع مدني «أحباب» التي يرأسها مغني بوب شهير تبرعات بمبالغ كبيرة، وحظيت بثقة المتبرعين أكثر من الجهات الحكومية. في ملاعب كرة القدم رفع بعض جمهور الأندية لافتات تدعو الحكومة إلى الاستقالة. عبرت السلطة عن استيائها الشديد من منظمات المجتمع المدني التي سارعت إلى نجدة المنكوبين، واعتقلت الشرطة بعض رافعي اللافتات المذكورة.
هذه الأجواء زادت منسوبَ القلق لدى السلطة من تأثيرها المحتمل على نتائج الانتخابات، يضاف إلى التأثير السلبي الكبير للأزمة الاقتصادية وبخاصة التضخم المنفلت. بولند آرنج من القادة المؤسسين لحزب العدالة والتنمية ومستشار سابق للرئيس (تم إبعاده لاحقاً بسبب بعض الآراء النقدية التي اعتاد أن يطلقها من حين لآخر)، وقد ظهر على وسائل الإعلام وطالب بتأجيل موعد الانتخابات عاماً واحداً بسبب تعذّرٍ مُفترض لإجرائها بسبب تداعيات الزلزال. لكن جميع الأحزاب المعارضة وبعض وسائل الإعلام رفضت اقتراحه، فسُحب من التداول بهدوء قبل أن يعلن أردوغان الموعد النهائي للانتخابات.
ومن الآثار الجانبية للزلزال المدمر خفوت الأصوات المناهضة للاجئين (السوريين منهم بخاصة) بما في ذلك انخفاض تواتر تصريحات زعيم حزب النصر المتطرف أوميد أوزداغ من وسائل الإعلام وتراجع شعبية حزبه في استطلاعات الرأي. بالمقابل سجلت شهادات متواترة عن ممارسات معادية للسوريين من قبل الجهات الحكومية في عمليات نَجدة منكوبي الزلزال، كطردهم من خيم تم إعطاؤها لمنكوبين أتراك، أو اعتقال وضرب عدد من السوريين بشبهة النية في سلب ونهب المنازل المنكوبة؛ أي أن الآية انقلبت أثناء الزلزال عما كان سابقاً في التعاطي مع اللاجئين: إيجابية من الجهات الحكومية وعدائية في المجتمع، فتحول المجتمع نحو التعاطف مع المنكوبين وتراجعت الميول المعادية.
*****
أما المعارضة فقد سادتها أجواء التفاؤل بفعل ردود الفعل الشعبية الغاضبة التي فهمتها على أنها ستزيد من حظوظها في الفوز بنتيجة كبيرة على تحالف السلطة ومرشحه الرئاسي معاً.
لكن أحداً من المراقبين أو المحللين المستقلين لا يغامر بتوقع نتيجة صريحة في الانتخابات القادمة، وإنْ كان يغلب الرأي القائل إنَّ تحالف السلطة سيفقد الغالبية في البرلمان، وإنَّ الانتخابات الرئاسية ستحتاج إلى دورة ثانية تُجرى بعد أسبوعين من الأولى.
يبقى أن تحدد الأحزاب داخل كل تحالف استراتيجيتها في تشكيل القوائم المحلية في الانتخابات النيابية، هل تدخل في قوائم خاصة بكل حزب أم بلوائح مشتركة على اسم أحد الأحزاب. فلهذا الاختيار نتائج حاسمة من شأنها أن تقلب توزع القوى السياسية داخل البرلمان، بسبب التعديل الذي أجرته السلطة العام الماضي على القانون الانتخابي.
كان واضحاً أن قانون الانتخابات الجديد يهدف إلى إفراغ تحالف الأحزاب المعارضة من معناه، فبموجبه ينبغي على كل مرشح أن يحصل على نسبة من أصوات الناخبين للفوز بمقعد نيابي، من غير أن يستفيد من فائض الأصوات لدى مرشحين حلفاء في الدائرة نفسها كما كان القانون القديم يتيح له. كما ينص القانون الجديد على وجوب تقدم كل حزب بمرشحين في نصف عدد الولايات في تركيا على الأقل، وهو ما يمكن أن تعجز عنه بعض الأحزاب الصغيرة. لذلك سارع خبراء في الانتخابات إلى تحذير المعارضة من هذا الفخ الذي من شأنه أن يهدر أعداداً هائلة من أصوات الناخبين المعارضين، ودعو إلى حصر الترشيح في أقل ما يمكن من القوائم، مع مرونة في التعامل مع كل دائرة انتخابية وفقاً لشعبية كل حزب ومرشح. آخر موعد لتقديم القوائم كان في التاسع من شهر نيسان (أبريل) الجاري، وسيتّضح بعدها أيُّ تكتيك اتخذ كل تحالف وكل حزب.
موقع الجمهورية
——————————-
السوريون والانتخابات التركية/ فايز سارة
يسود الارتباك فيما يمكن أن تفضي إليه الانتخابات التركية المقبلة في مايو (أيار) المقبل من نتائج على مستقبل السوريين في تركيا، والعلاقة معها. ويعود الأساس المؤدي للارتباك إلى ما يحيط بالانتخابات من معطيات ومواقف مختلفة، تلقي بظلالها على النتائج المتوقعة، نتيجة عاملين؛ أولهما التناقضات والاختلافات في المعطيات المحيطة بمواقف المعنيين بالموضوع من الأتراك والسوريين، والثاني سياسة الإغراق التي باتت تحيط بالموضوع، وجعلته الموجه الأساسي في مستقبل العلاقات السورية التركية، وهو في الأساس واحد من موضوعاتها، وليس كلها.
إن الأسباب التي زادت من تأثير الانتخابات على أوضاع السوريين في تركيا، تتركز في 3 أسباب، الأول فيها تحويل الملف السوري إلى عامل مؤثر في صراعات الجماعات السياسية التركية، التي باتت منضوية في انقسام حاد، جناحه الأول جماعات السلطة التي يقودها حزب العدالة والتنمية، والجناح الثاني أحزاب المعارضة، التي اندمج أغلبها في تحالف للانتخابات المقبلة، والسبب الثاني هو الحجم الملموس الذي بات يشكله السوريون بشرياً واقتصادياً في الواقع التركي أو على الأقل في بعض تجمعاته وفعالياته، على نحو ما يظهر حجم السوريين في بعض المدن والقرى التركية، ومقدار حضور العمالة ورأس المال السوريين في بعض مناحي الاقتصاد التركي وقطاعاته، وهو ما جعل بعض الأتراك يحمّلون السوريين المسؤولية عن مشكلات تواجهها تركيا، والسبب الثالث، أن تركيا على أبواب مرحلة جديدة في سياستها السورية، تسجل فيها أنقرة تبديلاً علنياً من حيث انتقال سياساتها من العداء لنظام الأسد إلى الانفتاح عليه والتوجه نحو تطبيع العلاقات معه.
وإذا كانت هذه الأسباب تفسر (مع أسباب أخرى أقل أهمية) أساس الارتباك في رؤية ما يمكن أن تؤدي إليه نتائج الانتخابات على مستقبل السوريين في تركيا، فإنه من المهم تحديد النقاط الأساسية في واقع السوريين هناك…
أولى هذه النقاط هو موضوع ترحيل اللاجئين إلى سوريا، أو ما يسميه الأتراك «العودة الطوعية»، وللحق فإن الموضوع يتجاوز حدود الشعارات الانتخابية، وله روابط يدركها الأتراك أصحاب الدولة العميقة أكثر من غيرهم حول فوائد وجود السوريين في تركيا، وهم الذين يبذلون جهوداً استثنائية لجلب رؤوس الأموال ورجال الأعمال الأجانب للمساهمة في تطوير الاقتصاد، وهذا جزء من دور سوري يدعمه وجود واسع لعمالة سورية (منتهكة رخيصة التكلفة وبلا حقوق) إضافة إلى استفادة تركيا من وجود السوريين في تعزيز دورها السياسي على المستويين الإقليمي والدولي، وخاصة علاقاتها مع روسيا والاتحاد الأوروبي، وكله يؤكد أن وجود السوريين في تركيا نعمة لا نقمة، ولا سيما أنه مشجب لتعليق كل المشكلات، ومبرر لبعض السياسات، التي لا ترغب أنقرة ونخبتها السياسية في تقديم تفسير لها.
ولا شك أن الحديث عن إعادة اللاجئين السوريين موضوع مبالغ فيه، ليس للأسباب السابقة فقط، بل معها أسباب أخرى. فتركيا التي تشير دول ومنظمات كثيرة إلى ملفها الحساس في موضوع حقوق الإنسان، لا تحتاج إلى تثقيل الملف وإضافة مزيد إليه، كما أن إعادة أو إبعاد 4 ملايين إنسان من بلد ما، أمر مستحيل، وإذا كان الأمر يتعلق بسوريا في وضعها الحالي فالصعوبات أكبر، وبسبب ما سبق يتبارى مسؤولون أتراك في إنكار أي سياسة سلبية في ملف اللاجئين، ويضيفون التشديد على روابط الصلات والعلاقات مع السوريين، وما اتسمت به سياساتهم من إيجابية في القضية السورية طوال سنوات العقد الماضي. وكله لا يمنع أن مسؤولين آخرين يأخذون مواقف، ويبدون آراء مختلفة، لعل من بينها التأكيد أن عودة سوريين، يشكلون ربع أو ثلث الموجودين في تركيا، سيكون وفق خطط معلنة رسمياً، وأنها ستكون طوعية، وسوف تترافق مع تهيئة ظروف حياتية مدعومة ببيئة مناسبة، توفر الأمان والسكن والعمل والتعليم وغيرهم من ضرورات الحياة، بالتعاون مع دول ومنظمات، وقد تم الإعلان عملياً عن بعض المشروعات في هذا السياق.
ولا شك أن الحكومة التركية (أي حكومة كانت) ستكون سياستها أفضل في الموضوع السوري، ومع عموم السوريين، بحكم روابط تتجاوز ما هو تاريخي وثقافي وحضاري بين الطرفين، حيث تتم الإشارة إليه من باب تأكيد عمق العلاقات وقول إن حسن العلاقة يمثل ضرورة قومية للأتراك الذين يتشاركون مع السوريين نحو 1000 كيلومتر من الحدود المشتركة، وفي ذلك 3 نقاط تتصل بالأمن القومي التركي، أولاها التداخل السكاني على جانبي الحدود، حيث يشكل الأكراد أحد مخاوف الأتراك من سيطرة حزب العمال الكردستاني التركي وامتداداته السورية على المنطقة، وتحوله إلى مصدر خطر بسبب تصنيفه من قبل الأتراك «تنظيماً إرهابياً» ووضعه على قائمة الحرب على الإرهاب، وبهذا المعنى فإن الأتراك يحتاجون إلى مزيد من الأصدقاء السوريين، لا إلى مزيد من الأعداء.
والنقطة الثانية قضية المياه المشتركة بين تركيا وسوريا، ومن بين الأهم في ملفاتها مياه نهر الفرات، الشريان الأبرز في احتياجات المياه السورية، حيث تحتاج تركيا إلى علاقات جيدة للتوصل إلى تفاهمات حول اقتسام مياهه مع سوريا وعبرها مع العراق، خصوصاً في ضوء تنامي أزمة المياه في البلدين الأخيرين.
والنقطة الثالثة لا تقل أهمية عما سبقها، وأساسها أن سوريا معبر المرور البري التركي مع البلدان العربية، وهو ضرورة اقتصادية وحضارية لاحتياجات النمو والتطور التركي، إذ يوفر فرص نقل أقل كلفة وأكثر جدوى للأشخاص والبضائع بين تركيا وأسواقها في سوريا والأردن ولبنان والخليج. بل إن سوريا في مرحلة إعادة الإعمار المقبلة، ستكون محطة كبرى لورشة بناء وعمل تركية لسنوات كثيرة في قطاعات إنتاجية وخدمية.
وسط المعطيات والوقائع السابقة، يطرح سؤال؛ عن طبيعة السياسات والخطوات التي ستتبعها الحكومة التركية المقبلة، سواء أكانت حكومة حزب العدالة والتنمية وشركائه أم حكومة المعارضة، والجواب المنطقي والمنتظر، أن السياسات والخطوات ستكون هادئة ووسطية وتراعي المصالح المشتركة أكثر من أي وقت مضى، وأنها ستعالج الملفات التركية – السورية بروح التوافق، أيا كان الطرف المقابل لتركيا في سوريا، خاصة أن زج ملفات السوريين في الصراعات والمعارك الانتخابية سيكون قد انتهى، وتحدد مصير السلطة لـ4 سنوات على الأقل، إن لم يكن لوقت أطول، وليس غريباً حينها أن يعيش السوريون في تركيا في ظل ظروف أفضل مما عليه حالهم الآن.
الشرق الأوسط
——————————–
بوتين والأسد يشاركان في الانتخابات التركية/ موفق نيربية
أعلن الجيش الروسي منذ بضعة أيام أن إحدى سفنه الحربية ترسو في أحد موانئ السعودية للاستراحة، وأشار إلى أنها تحمل صواريخ تسيركون فرط الصوتية… وفهم العالم ذلك الإعلان- فرط الصوتي بدوره- الذي يُسمِع الغربَ بأن هنالك مكاسب جيوسياسية ما زالت تتحقّق على حساب الغرب في الشرق الأوسط عموماً، وفي مركز المصالح الأمريكية فيه.
من جهة أخرى، وعلى الرغم من أن الاجتماع الرباعي لنواب وزراء الخارجية في تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري، لم يسفر عملياً عن تغير في موقف دمشق «المتشدد» بشأن المطالبة بانسحاب القوات التركية من شمال سوريا، فإن التأكيدات التي خرجت عنه ركّزت على استمرار جهود المصالحة، وتحقيق اختراق واضح قبيل الانتخابات التركية.
وقالت مصادر إن الواضح حتى الآن هو وجود رغبة لدى جميع الأطراف في استمرار محادثات التطبيع وإنجاح هذا المسار.. «حتى إن استغرق الأمر وقتا طويلاً»، مع أن وقت بوتين في حربه الأوكرانية أطولُ بقليل من وقت أردوغان في حربه الانتخابية، وكلاهما لا يسمحان بأن يكون هذا المسار طويلاً ومفتوحاً.
تحدّثت مصادر لصحيفة «الشرق الأوسط» عن ثوابت تركية في المحادثات الرامية للتطبيع مع نظام الأسد، تعتبرها تأسيساً لعملية متكاملة تهدف لتحقيق الاستقرار في سوريا، وتتمثل في 3 قضايا رئيسية هي مكافحة الإرهاب (تعني قوات سوريا الديمقراطية في شمال سوريا وشرقها)، دفع العملية السياسية في سوريا لمواصلة مسار آستانة باعتباره المسار الحي الوحيد للحل السياسي (يعني، تقاسم منافع مرحلة التسوية وما يليها)، وضمان العودة الآمنة والكريمة للاجئين السوريين في تركيا إلى بلادهم (يعني، الانتخابات التركية). من جهة أخرى، ذكرت وكالة أنباء النظام (سانا)، أن الوفد السوري ركز في اجتماع إسطنبول على 3 نقاط رئيسة وهي، «ضرورة إنهاء الاحتلال التركي» ( الابتعاد عن ظهر حلب وإدلب ابتداءً من فتح الطريقين السريعين غرب – شرق، وشمال- جنوب)، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية السورية (إنهاء دعم المعارضة واستبداله بإعادة الاعتراف بالأسد)، ومكافحة الإرهاب بكل أشكاله (الاستعداد لتبادل المصالح بين غرب الشمال وشرقه). بذلك ما تزال الأمور تراوح في مكانها عند نقاط ثلاث مقابل نقاط ثلاث أخرى، تخفي خلفها نقطة واحدة، تتعلّق غالباً بالانتخابات التركية: يريد أردوغان تحقيق شيء مفيد له قبلها، يساعد في تجاوز أخطار النتائج المحتملة، ويريد الأسد أن يشفي غليله من الحكومة التركية الحالية، ولا يساعدها مباشرة على تحقيق مأربها. هذا يعني عملياً أنه أقرب بقليل إلى الرغبة بنجاح المعارضة هناك. لكنّ المسألة ليست هكذا تماماً، ولن يتركها بوتين تفلت من بين يديه، فهو يرغب بقوة بنجاح حزب العدالة والتنمية وأردوغان، لأن حربه الأكبر مع الغرب أكثر أهمية وحسماً بالنسبة إليه، ونجاح المعارضة التركية سوف ينقل تركيا إلى حضن الغرب حتماً ومن جديد. من ثمّ سوف تتغيّر التوازنات بشكل كبير، وربّما جذري. يقول أحد المحلّلين لدى النظام السوري؛ وهو من جناحه الروسي؛ إن موسكو تخشى وصولَ المعارضة التركية، الذي سيجعل عملية اتخاذ القرار صعبةً في الكثير من المسائل.. وهذه الملاحظات وغيرها تدفع موسكو، وأيضاً طهران، للتعجيل في مسار المصالحة السورية التركية لتقديم أوراق أكثر لأردوغان قبيل هذا الاستحقاق الانتخابي الخطير، وقد عبّر لافروف منذ يومين في أنقرة عن أنّ ذلك هو محور زيارته الأكثر أهمّية. رغم ذلك يتساءل كاتب النظام المذكور النموذجيّ «هل هناك من يضمن أردوغان إذا فاز في الانتخابات ألا يتنصل من وعوده؟ وأي الخيارات أفضل لنا؟ ثمّ يستنتج أنّ «هذه الانتخابات لم تعد شأناً داخلياً تركياً، بل جزءاً من الصراع مع الغرب الجماعي، إضافة إلى أن المعارضة التركية خيار خاسر، وفي المقابل ترى دمشق أنها ليست مستعدة لتقديم هدايا انتخابية لأحد، لكن الحل الوسط سار باتجاه لقاء نواب وزراء الخارجية لوضع أجندة منتجة وواضحة ذات مخرجات، وإذا كان لا بد من حل وسط يرضي موسكو، فقد يكون هناك لقاء بين وزراء الخارجية بعد تقييم لقاء موسكو الرباعي الأخير». ويمارس الكاتب طريقة الإقناع باستخدام المصادر الخاصة، مثل أن «أحد صناع السياسة الروسية قال لي قبل فترة في لقاء داخلي: نحن لدينا ضمانات على أعلى مستوى بانسحاب الجيش التركي من الأراضي السورية!».
بالنسبة لضمان أردوغان- حقيقة لا أحد يضمن- هناك متغيرات عديدة قد تساعد على ذلك، منها «ملف اللاجئين الذي تحول لعبء كبير» و»الحاجات الاقتصادية التي ازدادت بعد الزلزال» و»تلك الجغرافية التي لم يستطع إيجاد حل لها» ولأنّ «أي انفتاح على الخليج سيحتاج حكماً للبوابة السورية» و»نهاية المشروع الذي تبناه أردوغان، وسقوطه» و»الانفتاح العربي على سوريا، وهذا عامل داعم لها».
«هنا نحن نختار بين السيئ والأسوأ، وإذا كان أردوغان قد يراه كثيرون خياراً سيئاً، لأنه أحد المتسببين بما حدث لسوريا وشعبها، فإن المعارضة التركية أسوأ، لأنها ستتسبّب بنتائج سلبية، ومنها»منح كرد تركيا حكماً ذاتياً حسبما وعد زعيم المعارضة التركية حزب الشعوب الديمقراطي، بهدف كسب أصواتهم في الانتخابات، وإذا طبق ذلك في تركيا، سيكون مطلوباً تطبيقه في سوريا».
هذه المعطيات تبيّن لنا سبب اشتغال موسكو على التقريب بين دمشق وأنقرة، خلال هذه الفترة الحاسمة». والقضية باختصار أمن قومي روسي وسوري وإيراني وصيني، والباقي خلافات حول التكتيكات، وليس الاستراتيجيات»،
كذلك يمكن التوقّف- لدقيقتين وحسب- مع افتتاحية في صحيفة «تشرين» كتبها رئيس تحريرها، ويمكن استنتاج درجة تهتّك بنية النظام الإعلامية وغير الإعلامية من خلالها، يقول في استنتاجه فيها «إن ثمة قناعةً أمريكيّةً بأن المسألةَ السوريّة باتتْ في خواتيم الحلِّ، وتالياً، لا بدّ من حضورٍ نوعيٍّ وثقيلٍ، حيث دارت رحى حربٍ لا تشبه الحروبَ السابقة، لا بأدواتها ولا بمجرياتها الطويلة.. والأهمُّ أنها مختلفةٌ في المنعطفات الحادّة والمفاجآت الصادمة التي صفعتْ بها مَنْ أداروها.. فقد علّمتنا دروسُ التاريخ أن الأمريكيَّ لا يتوانى عن الاستنفار حين يأزفُ موعدُ قطفِ الثمار، وهذا الاحتمالُ هو الأرجحُ (وهذا تفسير الكاتب لتمديد مهمة حاملة الطائرات جورج إتش دبليو بوش وتقريبها من السواحل الشرقية للبحر المتوسّط). يرى بعد ذلك» أن التطوّرات المتسارعةَ للأحداثِ تتجاهلُ الأمريكيَّ تماماً، سواء في ما يتعلّقُ بالاتفاق السعوديّ- الإيرانيّ برعاية صينيّة، أو من حيث تطورات ما يرشحُ من أروقة محاولات صناعة التقارب السوريِّ- التركيّ، والسوريّ ـ السعوديّ والدور الروسيّ في كلِّ ملفّات المنطقة، وهنا لا بدَّ من ربط الاعتداءات الإسرائيليّة المكثّفة على سوريا في الأيام الأخيرة بكلِّ ما سبق».
النظام السوري إذن مهتمّ بدعم السياسة الروسية، وهذا ما يقوله إعلامه على الأقل، هو مهتمّ من ثمّ بتلبية رغبة بوتين بدعم أردوغان وحزبه – الإسلامي؟ في الانتخابات القريبة جداً، رغم تحفّظاته وضغائنه المتراكمة. لكنّه لن يصل إلى حدّ مفاجأتنا بلقاء سريع على أعلى مستوى ممكن، وسيكتفي حالياً بتقديم وجبة سريعة بلقاء وزيري الخارجية.. ربّما! ولا بدّ أخيراً من الاعتذار عن كثرة علامات التنصيص والاقتباس من إعلام النظام السوري وما يقوله مؤخّراً، في صحيفة «الوطن» التي كانت مملوكة من ركن النظام الاقتصادي السابق رامي مخلوف، وبقيت حية مع طاقمها نفسه؛ وفي وكالة سانا وصحيفة «تشرين» الرسمية الأشدّ ضعفاً، بعد اليأس من لملمة شيء من صحيفتي النظام الأخريين «الثورة» و»البعث».. وذلك يعطي انطباعاً حادّاً عن ديكتاتورية فقدت مواصفاتها، ومواصفات الدولة. هنا تسود روسيا أكثر. أمّا حين نرغب بمعرفة الاتّجاه الآخر الإيراني الملتبس، فينبغي أن نقرأ خارج الحدود في صحيفة «الأخبار» وتلفزيون الميادين، حيث تسود إيران، طرف الهيمنة الثاني في سوريا.
كاتب سوري
القدس العربي
———————
الخريطة السياسية للانتخابات التركية/ بكر صدقي
لم يبق على موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا إلا شهر واحد، واكتملت الاصطفافات والتحالفات وقوائم المرشحين، وبدأت الأحزاب السياسية حملاتها الشعبية بشكل رسمي، فامتلأت الشوارع والساحات ببوسترات كبيرة تحمل رسائل جذابة للناخبين، مع غياب الطريقة التقليدية حيث كانت سيارات المرشحين تجوب الشوارع، في الحملات السابقة، وتطلق أغاني تم تأليفها خصيصاً من أجل المناسبة. وسبب ذلك هو جو الأسى المستمر في الفضاء العام بسبب الخسائر البشرية والمادية الكبيرة التي أدت إليها الزلازل منذ السادس من شهر شباط.
ومن المحتمل أن تكون للزلزال المدمر تداعيات سياسية كبيرة قد تحسم قرارات كثير من الناخبين في لحظة إدلائهم بأصواتهم منتصف الشهر القادم. لكنها لن تشكل العامل الوحيد الحاسم، فالأزمة الاقتصادية المتفاقمة، ومن أبرز وجوهها التضخم وارتفاع معدلات البطالة وتآكل القدرة الشرائية لدى شرائح واسعة، ستلعب دوراً لا يقل أهمية بل ربما تفوق مشاعر الغضب التي سادت في الرأي العام بسبب التداعيات الإنسانية للزلزال. لذلك يركز خطاب كل من السلطة والمعارضة على هاتين المسألتين في حملاتهما الانتخابية.
ويتفق الطرفان أيضاً على الأهمية المصيرية للانتخابات القادمة، كل من زاوية نظره الخاصة المتعارضة على طول الخط مع زاوية النظر الطرف الآخر. فهي مصيرية بداهةً من وجهة نظر تحالف السلطة لأنها ستحسم موضوع بقائه في السلطة من خسارتها، لكنه لا يقدمه بالطبع بهذه الصراحة، بل بدعاوى تطابق فيها بين سلطته والدولة، بحيث يصور بقاء الدولة مرتبطاً ببقاء السلطة السياسية القائمة، وكأن تركيا ستضيع هباءً بين الدول إذا انتصرت المعارضة. ومن هذا الباب إنما يتم تصوير تحالف المعارضة على أنه «مرشح القوى الخارجية والإرهاب» والمقصود بالأولى الولايات المتحدة، وبالثاني حزب العمال الكردستاني وجماعة فتح الله غولن، على غرابة هذه الاتهامات.
أما من وجهة نظر المعارضة فتكمن مصيرية الانتخابات القادمة ليس فقط في فوزها أو خسارتها في الانتخابات، بل لأنها ستحدد مصير تركيا في أحد اتجاهين: إما وضع حد لما تعتبره تدهوراً عاماً في جميع المجالات، وأولها النظام السياسي القائم على جمع كل السلطات في يد شخص واحد، وما أدى إليه من تفاقم النزعة السلطوية وتراجع مبدأ الفصل بين السلطات، وهيمنة السلطة التنفيذية على السلطتين التشريعية والقضائية، وتراجع دور الإعلام وغير ذلك. وإما اكتساب تحالف السلطة لخمس سنوات إضافية يعزز فيها هذا المسار ويكمل التحول إلى نظام لا ديمقراطي، يقضم كل مكتسبات الحقبة الجمهورية.
ويخوض الرئيس أردوغان الانتخابات الرئاسية كمرشح لحزب العدالة والتنمية وتحالف الجمهور معاً في مواجهة ثلاثة مرشحين آخرين هم زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كلجدار أوغلو مرشحاً موحداً لتحالف الأمة، ومحرم إينجة مرشحاً عن حزب البلد، وسنان أوغان مرشح عن تحالف يقوده حزب النصر. وقد نص الدستور الساري على وجوب حصول المرشح الرئاسي على نسبة خمسين في المئة زائد صوت واحد من أصوات الناخبين على الأقل ليفوز بالمنصب. وهو ما يصعّب من مهمة المرشحين الرئيسيين، أردوغان وكلجدار أوغلو، ويرفع من احتمال الاضطرار إلى جولة ثانية للانتخابات الرئاسية تعقد في 29 أيار. وذلك بافتراض المرشحَين الأخيرين، إينجة وأوغان، ستتم تصفيتهما في الجولة الأولى لأنهما لا يستندان إلى تحالفات واسعة.
يلاحظ من الأداء السياسي والإعلامي لكل من الفريقين أن تحالف السلطة أكثر قلقاً من احتمال الخسارة، لذلك فقد ضم، في الفترة القريبة الماضية أحزاباً جديدة إلى صفوفه على رغم أنها لا تتمتع بأوزان ذات شأن، الأول هو حزب «الرفاه مجدداً» بزعامة فاتح أربكان، نجل الزعيم التاريخي للتيار الإسلامي نجم الدين أربكان، وقد انشق عن حزب السعادة الإسلامي المعارض قبل سنوات قليلة، واجتذب بعضاً من عضويته المعارضة لتحالف «السعادة» مع حزب الشعب الجمهوري لأسباب أيديولوجية. والثاني هو حزب «خودا ـ بار» الذي يُنظر إليه باعتباره امتداداً لمنظمة إرهابية تدعى «حزب الله» نشطت في المناطق ذات الكثافة السكانية الكردية في التسعينيات، وارتكبت عدداً من الجرائم، فتم تفكيكها وحلها في مطلع الألفية، وأسس من بقي من كوادرها جمعية إسلامية تحولت لاحقاً إلى حزب سياسي. ويطمع تحالف السلطة من خلال هذا الحزب لكسب أصوات ناخبين كرد محافظين ممن يخاصمون حزب الشعوب الديمقراطي، الممثل الأبرز لكرد البلاد، وذلك بعد انحسار شعبية حزب العدالة والتنمية في البيئة الاجتماعية الكردية بالقياس لسنوات صعود نجمه. وفي اللحظة الأخيرة أعلن «حزب اليسار الديمقراطي» أنه لن يشارك في الانتخابات العامة المقبلة، ليدعم تحالف السلطة، مقابل ترشيح رئيس الحزب أوندار آكسكال للمجلس النيابي على قوائم «العدالة والتنمية». كان إعلاناً مفاجئاً لأن هذا الحزب الذي كان قد أسسه في التسعينيات الزعيم الكارزمي للتيار العلماني بولند أجاويد كان إلى حينه حزباً يسارياً معارضاً للتيارين الإسلامي والقومي، أما آكسكال نفسه فيعود تاريخه السياسي إلى منظمة «ديف سول» (اليسار الثوري) في السبعينيات وسُجن خمس سنوات بسبب انتمائه إليها.
إلى ذلك قد يشير الإقبال على الترشح على قوائم تحالف المعارضة مقابل ضعف الإقبال على الترشح على قوائم تحالف السلطة إلى أن احتمال التغيير يبدو أقوى في وعي الراغبين لدخول الحياة السياسية.
أما تحالف المعارضة فيبدو أكثر ثقة بالفوز بالقياس إلى التحالف الحاكم، لأنه من جهة أولى يخاطب حساسيات اجتماعية وأيديولوجية متنوعة (علمانية، قومية، إسلامية) كما تمكن من الفوز بدعم التحالف الثالث الذي يقوده حزب الشعوب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية لصالح كلجدار أوغلو، ومن جهة أخرى يرى أن الأزمة الاقتصادية وأداء الحكومة في مواجهة الزلزال سيتكفلان بهزيمة التحالف الحاكم. غير أن القلق يساور التحالف بسبب عامل آخر هو دخول محرم إينجة حلبة التنافس على منصب الرئاسة. فعلى رغم ضعف حظوظه في الفوز، لكنه قد يقتطع قسماً مهماً من أصوات التيار العلماني من المستائين من حزبهم الأصلي «الشعب الجمهوري» سيكون بمثابة هدية مجانية لأردوغان.
كاتب سوري
القدس العربي
————————–
تحالفات الانتخابات التركية والتحدّيات أمام “العدالة والتنمية“
المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
يتجه الأتراك يوم 14 أيار/ مايو 2023 إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيس للجمهورية و600 نائب من نواب الجمعية الوطنية، وفقًا لدستور 2017 الذي حوّل النظام السياسي في البلاد من نظام برلماني إلى نظام رئاسي. ويواجه حزب العدالة والتنمية الذي يمسك بالسلطة منذ عام 2002 تحدّيًا كبيرًا في هذه الانتخابات، بعد أن اتفقت المعارضة على دعم مرشّح واحد في مواجهة الرئيس رجب طيب أردوغان. وتستأثر الانتخابات التركية باهتمام إقليمي ودولي كبير؛ نظرًا إلى مكانة تركيا، إقليميًّا ودوليًّا، وانعكاس نتائج الانتخابات على سياساتها الداخلية والخارجية.
أولًا: بطاقة الانتخابات المقبلة
الجدول (1)
الانتخابات البرلمانية والانتخابات الرئاسية ونظام كلّ منها
الانتخابات البرلمانية
عدد 28
الانتخابات الرئاسية
عدد 13
نظام الانتخابات البرلمانية
هوندت-التمثيل النسبي
سن الانتخاب
18 عامًا
تاريخ الانتخابات
14 أيار/ مايو 2023
عدد نواب البرلمان
600 نائب
عدد الناخبين
64 مليون ناخب
عدد الناخبين لأول مرة
6 ملايين ناخب
المدة
5 سنوات
عدد الأحزاب المشاركة
36 حزبًا
عدد المرشحين للرئاسة
4 مرشحين
العتبة الانتخابية
7%
المصدر: من إعداد وحدة الدراسات السياسية.
ثانيًا: التحالفات الانتخابية القائمة
مع تحوّل تركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي بعد استفتاء شعبي عام 2017 وافق بموجبه 51.4% من المصوتين على تغيير الدستور، بدا أن عهد فوز الأحزاب بالحكم في تركيا على نحو منفرد قد انتهى، وأن عهد التحالفات الانتخابية قد بدأ، وهو ما حصل فعلًا في انتخابات حزيران/ يونيو 2018 الرئاسية والبرلمانية، وتكرر في الانتخابات البلدية التي جرت في عام 2019 بصيغة أوسع؛ إذ حصل تحالف الأمة المعارض على دعم غير مباشر من أحزاب أخرى، من بينها حزب السعادة وحزب الشعوب الديمقراطية. وقد بَنت المعارضة تحرّكاتها المتعلقة بالانتخابات المقبلة على ذلك، وصولًا إلى تشكيل طاولة من ستة أحزاب أُطلق عليها اسم “الطاولة السداسية”، إضافة إلى تفاهم مع حزب الشعوب الديمقراطية ذي الأغلبية الكردية. ويوضح الجدول (2) التحالفات الانتخابية الأساسية، والأحزاب المنضوية تحتها، والمرشح الرئاسي الذي يدعمه كل تحالف في الانتخابات.
الجدول (2)
التحالفات الانتخابية الأساسية ومرشّحها الرئاسي الذي تدعمه
التحالف
تحالف الجمهور
Cumhur İttifakı
تحالف الأمة
Millet İttifakı
تحالف العمل والحرية
Emek ve Özgürlük İttifakı
تحالف أتا
Ata İttifakı
حزب البلد
Memleket Partisi
1
حزب العدالة والتنمية
حزب الشعب الجمهوري
حزب الشعوب الديمقراطية (قد يدخل تحت اسم حزب مستقبل اليسار الأخضر)
حزب الظفر
2
حزب الحركة القومية
الحزب الجيد
حزب العمل
حزب القويم
3
حزب الاتحاد الكبير
حزب السعادة
حزب الحركة العمالية
حزب العدالة
4
حزب الرفاه الجديد
حزب المستقبل
حزب عمال تركيا
حزب دولتي
5
حزب الهدى بار
حزب التقدم والديمقراطية
حزب اتحاد الجمعيات الاشتراكية
6
الحزب الديمقراطي
حزب الحرية المجتمعية
المرشح الرئاسي
رجب طيب أردوغان
كمال كليجدار أوغلو
سنان أوغان
محرم إينجه
المصدر: من إعداد وحدة الدراسات السياسية.
عانت تركيا تراجعًا كبيرًا في أوضاعها الاقتصادية في السنوات الأخيرة، وقد برز ذلك خصوصًا في تراجع قيمة الليرة التركية مقابل الدولار
ويمكن أن تقدّم الأحزاب التي تكون لها مجموعة في البرلمان (مؤلفة من 20 نائبًا على الأقل)، أو التي استطاعت الحصول على 5% من الأصوات في آخر انتخابات، مرشّحًا للرئاسة. وفي هذا الإطار، ترشّح كل من أردوغان وكليجدار أوغلو. أما الأحزاب التي لا يتوفر فيها هذان الشرطان، فإن مرشّحها يحتاج إلى أن يجمع مائة ألف توقيع من المواطنين ليقدّمها إلى اللجنة العليا للانتخابات. وقد تمكّن من ذلك مرشّحان فقط هما: محرم إينجه، رئيس حزب البلد، والمرشّح السابق للرئاسة في انتخابات 2018 عن تحالف الأمة، وسنان أوغان عن تحالف أتا القومي المتطرف.
ثالثًا: تحدّيات يواجهها حزب العدالة والتنمية
يواجه حزب العدالة والتنمية في هذه الانتخابات تحدّيات كبرى ستحدّد موقعه في الانتخابات المقبلة:
1. التحدّي الاقتصادي
عانت تركيا تراجعًا كبيرًا في أوضاعها الاقتصادية في السنوات الأخيرة، وقد برز ذلك خصوصًا في تراجع قيمة الليرة التركية مقابل الدولار (19.2 ليرة مقابل دولار واحد)، وزيادة التضخّم الذي وصل إلى أكثر من 80% مع نهاية عام 2022 قبل أن يتراجع إلى نسبة 55% في شباط/ فبراير 2023، وذلك في وقتٍ تحاول فيه الحكومة التعامل مع تأثير الزلزال المدمّر الذي ضرب البلاد في مطلع شباط/ فبراير 2023. ويعتقد أن التراجع الاقتصادي قد أثّر في توجّهات الناخبين الذين يشتكون من غلاء الأسعار وتآكل القوة الشرائية. ولا يبدو واضحًا إلى أي حدٍّ نجحت برامج الحكومة الخاصة في معالجة الأزمة الاقتصادية بشأن استعادة ثقة الجمهور. وكانت قد أعلنت عن مشاريع سكنية كبيرة بأقساط بسيطة، فضلًا عن أنها رفعت رواتب الموظفين، وأعلنت عن توظيف مزيد من المواطنين، وأعلنت كذلك عن زيادة معاشات المتقاعدين، وإلغاء ديون الطلاب وبعض الفئات الأخرى الأكثر هشاشة، إضافةً إلى برامج مكافحة التضخّم المستمرّة من أجل استعادة الثقة بالاقتصاد. ويستعد الرئيس أردوغان خلال الأسابيع المقبلة للإعلان عن برامج وحملات جديدة في محاولة أخيرة لاستعادة ثقة الناخب بقدرة حكومة حزب العدالة والتنمية على معالجة الوضع الاقتصادي.
2. “وحدة” المعارضة
هذه أول مرّة يواجه فيها حزب العدالة والتنمية، منذ وصوله إلى الحكم عام 2002، تحالفًا معارضًا متنوّعًا يجمع أحزابًا من أيديولوجيات وتوجهات مختلفة، تضم فئاتٍ من اليسار والقوميين والمحافظين والليبراليين، إضافةً إلى أحزابٍ وشخصياتٍ انشقّت عن حزبه. وقد اجتمعت كل هذه الأحزاب على هدف واحد، إزاحة حزب العدالة والتنمية ورئيسه من السلطة، واستعادة النظام البرلماني. وتجتمع، حاليًّا، سبعة أحزاب معارضة على الخطوط العريضة لهذا المسار، مستهدفةً التغيير بعد فشلها في ذلك أكثر من عقدين. وقد حصلت بعض هذه الأحزاب على ثقة أكبر بعد فوزها في انتخابات البلديات الكبرى في أنقرة وإسطنبول عام 2019. ويسعى حزب العدالة والتنمية لمواجهة هذا التحدّي بتوسيع تحالفه الذي يشتمل حاليًّا على حزب الحركة القومية، وحزب الاتحاد الكبير، ليضم حزب الهدى بار الكردي وحزب الرفاه الجديد.
3. توافر غطاء محافظ للمعارضة العلمانية
خلال العقدين الماضيين، نجح حزب العدالة والتنمية في استقطاب الجزء الأكبر من الكتلة المحافظة في البلاد وحشدها في مواجهة المعارضة التي ظلّ ينظر إليها، على نطاقٍ واسع، بوصفها معاديةً للتوجّهات الدينية المحافظة. لكن المعارضة تمكّنت في السنوات الأخيرة من تغيير هذه الصورة، مقتربةً من الشارع التركي المحافظ، خصوصا مع انضمام أحزاب من بينها حزب المستقبل بقيادة أحمد داود أوغلو، وحزب السعادة بقيادة كارامولا أوغلو، وكلاهما محسوبان على القوى المحافظة في البلاد.
ومع تشكيك حزب العدالة والتنمية في صدقية المعارضة، فإنّ اقترابها من الشارع المحافظ، وتحالفها مع قوى معبّرة عنه، يمثّلان تحديًا لا يمكن تجاهله؛ ففي نظام الصوت الواحد، يمكن لاجتذاب ما يراوح بين 2 و3% من الأصوات المحافظة أن يمثل فرقًا. وقد دفعت هذه المخاوف حزب العدالة والتنمية إلى الدخول في مفاوضاتٍ صعبة مع حزب الرفاه الجديد لإقناعه بالانضمام إلى تحالفه، وذلك لجذب ناخبي حزب السعادة المتحالف مع المعارضة.
4. الناخب الكردي
باستثناء الأحزاب القومية الكردية، كان حزب العدالة والتنمية يحصل على أكبر عدد من أصوات الأكراد في تركيا، ولكنّ تحالفه مع حزب الحركة القومية، وانهيار كل الآمال المعقودة على عملية السلام لحلّ القضية الكردية التي أطلقها الرئيس أردوغان في الفترة 2013–2015، أدّى كلّه إلى انفضاض الناخب الكردي عنه. ومع ذلك، لم تستطع المعارضة الاستفادة من هذا الوضع، بسبب عجز حزب الشعب الجمهوري عن إيجاد أرضيةٍ مشتركة مع المعارضة الكردية التي يمثلها حزب الشعوب الديمقراطية (تقدر أصواته بـ 10% تقريبًا من مجمل الكتلة الناخبة في تركيا). لكن هذا الوضع تغير الآن؛ إذ ظهرت، في الآونة الأخيرة، ملامح تفاهم بين الطرفين يرجّح أن تشكّل تحدّيًا مهمًّا لحزب العدالة والتنمية الذي يحاول إضعاف هذا التحالف الناشئ من خلال: أولًا، محاولة الربط بين حزب الشعوب الديمقراطية وحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابيًّا في تركيا. ثانيًا، من خلال التحالف مع حزب الهدى بار، وهو حزب كردي إسلامي صغير تراوح نسبة أصواته بين 1.5 و2%. فضلًا عن ذلك، يعمل حزب العدالة والتنمية على ترشيح شخصياتٍ كردية للبرلمان ذات تأثير؛ للحصول على نتائج أفضل في أوساط الأكراد.
5. تراجع التأييد للتحالف الحاكم
تشير استطلاعات الرأي العام إلى استمرار تراجع نسب التأييد لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية من 49% في انتخابات 2015 و42% في انتخابات 2018 إلى نحو 33–35% حاليًّا. ويسعى الرئيس أردوغان لتقديم قائمة مرشحين للبرلمان مختارة بعناية. ومن مؤشرات ذلك دفعُ عدد من الوزراء الذين يحظون بشعبية إلى الترشح في الانتخابات البرلمانية، من بينهم 11 وزيرًا برزوا خلال كارثة الزلزال.
أما حليفه حزب الحركة القومية الذي حصل في انتخابات حزيران/ يونيو 2015 على أكثر من 16% من أصوات الناخبين، فتبلغ نسبة تأييده في الوقت الحالي نحو 8%؛ ما يعني أنه صار قريبًا من العتبة الانتخابية التي قام التحالف الحاكم بتخفيضها في العام الماضي، من 10% إلى 7%، لكي يضمن دخول حزب الحركة القومية إلى البرلمان. ويعود السبب الرئيس لتراجع حزب الحركة القومية إلى تمكّن الحزب الجيد الذي انشقّ عنه من جذب جزء مهم من قاعدته الانتخابية؛ إذ تصل نسبة تأييد هذا الحزب حاليًّا، بحسب استطلاعات الرأي، إلى نحو 12%. وقد حاول التحالف الحاكم إدخال تعديلات على قانون الانتخابات ليضمن توزيع أصوات النواب داخل التحالف الواحد عبر المناطق، بدلًا من توزيعها على عموم تركيا؛ من أجل أن يصبّ ذلك في مصلحة حزب الحركة القومية.
6. دخول جيل جديد من الناخبين
ينتمي نحو 13 مليون ناخب من بين 64 مليون ناخب تركي إلى ما يطلق عليه اسم الجيل “Z”؛ أي مواليد 1997 فصاعدًا. وسيصوت ستة ملايين منهم، أوّلَ مرة، في انتخابات 2023. وفي هذا السياق، يوجد مَيلٌ عام لدى هذه الشريحة، التي لا تعرف إلا حكومة العدالة والتنمية ورئيسها، إلى التغيير؛ خصوصا في ضوء اختلاف اهتماماتها عن الفئات العمرية الأكبر سنًّا، وتعرّضها الكبير لمضامين وسائل التواصل الاجتماعي، وعدم إدراكها الفارق الذي أحدثه حزب العدالة والتنمية في تركيا منذ وصوله إلى الحكم عام 2002. ورغم الجهود الكبيرة التي بذلها هذا الحزب للتواصل مع جيل الشباب، من الصعب تقدير تأثير هذه الجهود في القرار الانتخابي بالنسبة إلى هذه الفئة العمرية، سيما في ظل حملات تضليل واسعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
المعطيات الحالية تشير إلى عدم قدرة أي مرشّح على الحسم في هذه الجولة، خصوصا في ظل تعدّد المرشحين
7. تحدّي الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية
سيسعى الطرفان المتنافسان للفوز في الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية، لكن المعطيات الحالية تشير إلى عدم قدرة أي مرشّح على الحسم في هذه الجولة، خصوصا في ظل تعدّد المرشحين. وبناءً عليه، يمكن أن تفرض نتائج الانتخابات البرلمانية التي تصدر قبل أسبوعين من الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية معطياتٍ جديدة، وستكون نسبة المشاركة، واحتمال تأثّر آراء الناخبين بنتائج الانتخابات البرلمانية، من المؤشّرات المهمة في هذا الشأن، فقد يسعى قسم من الجمهور غير المتحزّب لتحقيق نوع من التوازن؛ إذ قد يمنح صوته للطرف الذي لم يفز بأغلبية في البرلمان، في حين قد يفضّل قسم آخر الاستقرار ومنح الطرف الفائز صوتَه في الانتخابات البرلمانية، حتى لو لم يصوّت هو له. وينبغي أن نشير في هذا السياق إلى أن نسبة المتردّدين في تركيا ليست قليلة.
8. كارثة الزلزال
يُتوقع أن يكون لزلزال 6 شباط/ فبراير، الذي تسبّب في سقوط نحو 50 ألف قتيل ودمار كبير، تأثير مهم في نتائج الانتخابات المقبلة. ورغم أن الرأي العام لا يحمّل الحكومة أيَّ مسؤولية عن الكارثة بحسب استطلاعات الرأي العام، فإن استجابة الحكومة لها كانت محلّ نقاش كبير، خصوصًا أن المعارضة حاولت استثمار ذلك للإضاءة على أوجه القصور الذي اعترى العمل الحكومي في الساعات والأيام الأولى من وقوع الكارثة. في مقابل ذلك، حاول حزب العدالة والتنمية تحويل كارثة الزلزال إلى “فرصة”؛ عبر تقديم برامج كبيرة هدفها تقديم تعويضات للمتضرّرين، سواء من خلال تقديم مساعدات مالية مباشرة أو من خلال برامج لإعادة الإعمار. ويبدو أن الحزب لم يتضرّر من الزلزال، وأن الأمر على عكس ذلك؛ بسبب اعتماد جمهور المتضرّرين أساسًا على عمل الحكومة الذي بدأ متعثرًا، وتحوّل إلى عمل مكثف وناجع على مستوى الإغاثة، وعلى مستوى التخطيط السريع لإعادة الإعمار أيضًا.
تحاول المعارضة إقناع الناخب التركي بوجود مشكلة في علاقات تركيا الخارجية، وأن “العدالة والتنمية” مسؤول عنها
9. ملف اللاجئين
لقد تراجعت أهمية ملف اللاجئين في الوقت الحاضر، خصوصا بعد الزلزال، ولكنّ المعارضة استغلت ذلك الملف، إلى حد بعيد، خلال السنوات الماضية، ونجحت نسبيًّا في تحميل حكومة حزب العدالة والتنمية المسؤولية عن هذه المشكلة، ونجحت أكثر في ربطها بتراجع وضع المواطن الاقتصادي. ومن ثمّ، عمد حزب العدالة والتنمية إلى عدة إجراءات لحل هذه الأزمة وسحبها من يد المعارضة. ومع ذلك، يرجّح أن تعود هذه المسألة لتصبح من القضايا الانتخابية المهمة مع اقتراب موعد الانتخابات، واستمرار تراجع الوضع الاقتصادي.
10. العلاقات الخارجية
في ضوء تطبيع الحكومة التركية، خلال العامين الأخيرين، العلاقات مع عدد من دول في المنطقة، تحاول المعارضة من جهتها إقناع الناخب التركي بوجود مشكلة في علاقات تركيا الخارجية، وأن حزب العدالة والتنمية مسؤول عنها، وأنها في حال وصولها إلى السلطة ستسعى لتحسين علاقات البلاد مع القوى الكبرى (الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي خصوصًا)، ومع الدول المجاورة لها أيضًا؛ على نحو يؤثر إيجابيًّا في علاقاتها التجارية والاستثمارية، ويسهم في تحسين الوضع الاقتصادي للمواطن التركي.
خاتمة
مع اقتراب موعد الانتخابات التركية، تتسابق مؤسّسات استطلاع الرأي في محاولات قياس اتجاهات الناخبين. وعلى الرغم من الشكوك التي تعتري استطلاعاتٍ عديدة يرى بعضهم أنها ربما تهدف إلى توجيه خيارات الناخبين، فإن بعض هذه الاستطلاعات الجدّية تشير إلى تقارب كبير بين المتنافسين؛ إذ تراوح نسب التأييد لهما بين 42 و46%. وبناءً عليه، يصعب تعرُّف ما ستكون عليه النتائج. ورغم التراجع الواضح في نسب التأييد للحزب الحاكم نتيجة الأسباب التي سبق ذكرها، فإنّ أي تغييرٍ سوف يعتمد على استمرار تماسك تحالف المعارضة الذي يترتب عليه أن يخوض اختباراتٍ عديدة قبل الوصول إلى موعد الانتخابات، وأولها الاتفاق على القوائم البرلمانية.
—————————–
المعارضة التركية تواجه سيناريو إسرائيل/ حسن يحيى
ما من شك أن أيام تركيا المقبلة ليست كأيامها السابقة. فالبلاد التي شهدت زلزالاً مدمراً منذ نحو شهرين، مقبلة على زلزال سياسي هو الأعنف في العقدين الماضيين.
ومع توقيع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان على مرسوم الانتخابات النيابية والرئاسية التي ستجرى بدءاً من 14 مايو (أيار) المقبل، تبدأ ريشة الرسامين السياسيين برسم ملامح مستقبل البلاد، وطريقة حكمها.
أمام المعارضة التركية الكثير من المعضلات في هذه الانتخابات، ولعل أبرزها محاولة تجنب السيناريو الإسرائيلي في الحكم، أي عندما اجتمعت أطياف المعارضة غير المتناسقة لمواجهة بنيامين نتنياهو، بهدف إزاحته عن الحكم.
هذا السيناريو أوصل البلاد إلى أزمة سياسية، إذ لم يستطع رئيس الحكومة نفتالي بينت الحكم بفعالية، نتيجة التحالفات غير المتسقة التي أجراها. ومع وصول البلاد إلى أزمة داخلية، استطاع نتنياهو المحنك سياسياً، شق طريقه والعودة إلى السلطة، على رأس حكومة أقل ما يُقال عنها أنها الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل.
وفي تركيا، اتفقت المعارضة على مرشحها كمال كيليجدار أوغلو، واحتاجت للوصول إلى هذا الخيار أكثر من 72 ساعة من المفاوضات.
وحتى مع وصول «الطاولة السداسية» في إشارة إلى الأحزاب الستة المنضوية تحت لواء المعارضة، إلى توافق، خرجت زعيمة «حزب الجيد» ميرال أكشنار لتخالف الإجماع العام وتبدي اعتراضها على ترشيحه، قبل أن تقبل لاحقاً.
ورغبت أكشنار بترشيح عمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو أو عمدة أنقرة منصور يافاش، لمنافسة إردوغان، بوصفهما الأقدر على المنافسة.
واستطاعت المعارضة لملمة التشرذم، بعدما اتفقت على تعيين الرجلين نائبين لكمال كيليجدار أوغلو إذا فاز.
برامج ضد إردوغان
بعيداً عن التشرذم الداخلي، فإن المعارضة وضعت محو إرث إردوغان نصب أعينها إن فازت، إذ تعهدت العودة إلى «الديمقراطية البرلمانية» وإلغاء النظام الرئاسي الذي أرساه إردوغان عام 2018.
وتخطط المعارضة وفقاً لبرنامجها الذي أعلنته في السابع من مارس (آذار) الجاري، إلى إعادة منصب رئيس الوزراء الذي ألغاه إردوغان عقب الانتقال إلى النظام الرئاسي، وتحويل منصب الرئيس إلى منصب «محايد» وإلغاء حق الرئيس في الاعتراض على التشريعات وإصدار المراسيم.
هذه الأفكار التي تعتبر مواجهة مباشرة لقرارات إردوغان ورؤيته للدولة التركية التي رسّخها طوال سنوات حكمه، ليست بالأمر الهين. فإردوغان الذي وصل إلى السلطة عام 2002، وسط شعبية كبيرة دعمته خلال هذه السنوات، لم يلجأ إلى تعديل نظام الحكم إلا بعد أكثر من عقد من الحكم، وذلك بعدما رتّب ملفاته طوال سنوات حكمه للوصول إلى هذه المرحلة.
ومع تلويح المعارضة بإلغاء ما قام به إردوغان بغض النظر عما إذا كان قراراً صحيحاً أم خاطئاً، فإنها تحتاج إلى سنوات طويلة من عمليات «إلغاء التمكين» الإردوغاني في صلب النظام الحاكم.
ومن نافل القول إن إردوغان لن يقف متفرجاً على المعارضة التركية وهي تهد ما بناه طوال أكثر من عقد في الحكم، خصوصاً أنه لا يزال يتمتع بشعبية كبيرة، حتى ولو خسر الانتخابات.
وطبعاً من غير المعروف ما الذي يمكن لإردوغان القيام به في حال حدوث هذا الأمر، ولكن ما هو مؤكد أنه لن يمنح المعارضة التركية رفاهية الاستقرار السياسي من دون مواجهة.
ولعل أبرز معضلات المعارضة التركية الأخرى تتمثل في الوضع الاقتصادي. إذ سترث هذه المعارضة، إن فازت، وضعاً اقتصادياً صعباً يبدأ بضعف قيمة الليرة أمام الدولار، ولا ينتهي بغياب أفق الاقتصاد العالمي وتأثيراته على الدول النامية والناشئة.
وعلى رغم أن المرشح المفترض هو اقتصادي سابق، إلا أن الظروف المحيطة بالاقتصاد التركي في حال فاز صعبة الحل، خصوصاً أنها ظروف عالمية وليست مرتبطة بتركيا وحدها.
وفي الشأن العالمي، فإن العالم مقبل على رفع متواصل لأسعار الفائدة الأميركية، وهو ما يؤثر على الاستثمارات الخارجية في أغلب الدول النامية والناشئة، كما يضعف من قدرة الأفراد على الدخول إلى عالم الأعمال، وذلك بسبب الكلفة المرتفعة للأموال، وزيادة قوة الدولار أمام العملات الأخرى.
وإضافة لما سبق، فإن تركيا واظبت خلال السنوات الماضية، على اعتماد سياسة نقدية فريدة تتمثل في خفض أسعار الفائدة لمواجهة التضخم، في وقت كانت أغلب البنوك المركزية حول العالم تتجه لرفعها.
ولجأ إردوغان إلى إقالة ثلاثة حكام للبنك المركزي خلال عامين، حاولوا التمرد على سياسته بشأن أسعار الفائدة.
ورغم سياسات إردوغان، إلا أن التضخم لم ينخفض، بل واصل تحقيق الأرقام القياسية، ليصل إلى نحو 85% العام الماضي.
ورغم هذه السياسات التي أضرت من دون أي شك بشعبية إردوغان، إلا أن الرئيس التركي استطاع زيادة هذه النسب منذ الصيف الماضي، من خلال زيادة الحد الأدنى للأجور، وهو ما يزيد من صعوبة مهمة المعارضة.
في المحصلة، فإن المعارضة التركية أمام معضلات عديدة كلها تدور حول إردوغان الذي من دون أي شك سيبقى بالمرصاد في حال خسر، منتظراً اللحظة المناسبة للعودة إلى السلطة، ومحو كل ما تمكنت المعارضة من القيام به، للمرة الثانية، وبالتالي تكرار سيناريو إسرائيل مجدداً.
الشرق الأوسط
————————-
تركيا.. ما الذي تقوله قوائم مرشحي البرلمان؟/ سعيد الحاج
سلمت مختلف الأحزاب التركية المشاركة في الانتخابات المقبلة قوائم مرشحيها للانتخابات البرلمانية للهيئة العليا للانتخابات، والتي يفترض أن تراجعها بغية إقرارها أو التعديل الطفيف عليها قبل نشرها في الصحيفة الرسمية.
القوائم
أقرت الهيئة العليا للانتخابات مشاركة 36 حزبا سياسيا في البلاد محققا للشروط في الانتخابات المقبلة، ثم أجرت بعد عدد من الانسحابات القرعة لترتيب الأحزاب الـ26 المتبقية في الورقة الانتخابية التي سيصوّت بناء عليها الناخبون.
من ضمن هذه الأحزاب 5 تحالفات هي “الجمهور” الحاكم الذي يضم إلى جانب العدالة والتنمية أحزاب الحركة القومية والاتحاد الكبير والرفاه مجددا ويدعمه من خارجه حزبا الدعوة الحرة واليسار الديمقراطي، وتحالف “الشعب” المعارض الذي يضم أحزاب الطاولة السداسية الشعب الجمهوري والجيد والسعادة والديمقراطية والتقدم والمستقبل والديمقراطي، وتحالف “العمل والحرية” الذي يضم أحزاب يسارية يقودها الشعوب الديمقراطي، وتحالف “أتا” أو “الأجداد” الذي يضم أحزابا يمينية يقودها حزب النصر المتطرف المعادي للاجئين، وتحالف “اتحاد القوى الاشتراكية” الذي يضم أحزابا يشير لها اسمه.
من الطبيعي أن جل الاهتمام والبحث تركز حول أول تحالفين بعدِّهما الأكبر في البلاد واللذين تدور بينهما منافسة حامية في الانتخابات المقبلة على البرلمان والرئاسة، وقد صاغ كل منهما قوائمه بفلسفة مختلفة عن الآخر.
تقدم تحالف الشعب أو الأمة المعارض بقائمتين فقط تحت سقف التحالف، قائمة الحزب الجيد وقائمة حزب الشعب الجمهوري. وقد قدم الأخير 77 مرشحا من الأحزاب الأربعة الأخرى داخل التحالف على قوائمه (إضافة لأحزاب أخرى من خارجه)، بحيث لم تدخل تلك الأحزاب الانتخابات بأسمائها وشعاراتها ولا بقائمة مشتركة وإنما على قوائمه حصرا.
ويعود ذلك لسعي التحالف لتحشيد الأصوات للقائمة وتجنب تشتتها وهدرها، وبالتالي كسب أكبر عدد ممكن من مقاعد البرلمان المقبل من جهة، ومن جهة ثانية لحضور هذه الأحزاب الضعيف في الشارع وفق استطلاعات الرأي الأخيرة بحيث تكون فرصها في النجاح حال ترشحها بمفردها ضئيلة.
ورغبة في الاستفادة القصوى من فكرة التحالف، فقد قدم الشعب الجمهوري بعض مرشحي الحزب الجيد على قوائمه، واتفق الحزبان على دعم بعضهما بعضا في عدد من المحافظات حسب قوة كل منهما فيها. وبهذه الطريقة، يسعى التحالف لأن تصب أغلب أو كل الأصوات الموجهة لمختلف أحزاب التحالف لهذه القوائم.
في المقابل، دخل تحالف الجمهور الحاكم الانتخابات بقوائم منفصلة في العموم. فعلى عكس رغبة العدالة والتنمية، أعلنت الأحزاب الأخرى في التحالف عن رغبتها في خوض الانتخابات بقوائمها الذاتية. وتقديرنا أن قرار الحركة القومية، الحزب الثاني في التحالف، كان ردة فعل انفعالية على إعلان الأحزاب الصغرى ذلك، ويعود كذلك لرغبته في كسب بعض الأصوات التي تنفض عن الحزب الجيد مؤخرا لا سيما وأن الأخير يشترك معه في الخلفيات السياسية والفكرية والأيديولوجية.
بيد أن العدالة والتنمية قدم كذلك مرشحين عن أحزاب من خارج التحالف، مثل الدعوة الحرة واليسار الديمقراطي، على قوائمه بعدد قليل جدا، وهي أحزاب كانت أعلنت دعمها للرئيس أردوغان في الانتخابات الرئاسية وإن لم تدخل التحالف رسميا.
دلالات وانعكاسات
تعد صياغة قوائم المرشحين للانتخابات البرلمانية من أصعب الأمور التي تخص الانتخابات. ورغم أن رئيس كل حزب يملك صلاحيات شبه مطلقة بهذا الخصوص، فإنه يبذل جهدا مضاعفا في إعدادها مع قيادة حزبه إذ يحتاج لتقديم قوائم قادرة على المنافسة والفوز من جهة وعلى إرضاء مختلف الأطراف من جهة ثانية، وهو أمر متعذر بطبيعة الحال. ومع التحالفات القائمة وحالة الاستقطاب وفلسفة إعداد القوائم الانتخابية، باتت مهمة بعض رؤساء الأحزاب أصعب بكثير.
في تحالف الجمهور الحاكم، كان إعداد القوائم أسهل نسبيا، فمعظم الأحزاب قدمت قوائمها الذاتية دون حرص على إرضاء أطراف خارجية، اللهم إلا الصف الداخلي للحزب. ولذلك، فقد أعاد حزب الحركة القومية، على سبيل المثال، ترشيح 43 من أصل 48 نائبا له في البرلمان حاليا، للانتخابات المقبلة.
حتى العدالة والتنمية كانت مهمته سهلة نسبيا، فمن رشحهم على قوائمه أعدادهم قليلة جدا بحيث يستبعد أن يواجه ذلك باعتراضات من داخل الحزب. وقد ذهب الأخير لعملية تجديد واسعة في الترشيح وصلت حد 65% من أعضاء البرلمان الحاليين منه.
ومن الملحوظات الرئيسة على قوائم الحزب الحاكم أنه حرص إلى جانب التجديد على مظهر القوة، بحيث ترأست قوائمه في مختلف المحافظات شخصيات معروفة وقوية مثل الوزراء ونواب رئيس الحزب ووزراء سابقين.. إلخ.
وإضافة لذلك، فقد اهتم بالعامل المحلي والعائلي في محافظات الشرق والجنوب الشرقي حيث للعائلة والعشيرة دور مهم، فضلاً عن تقديمه شخصيات فنية ورياضية ومهنية معروفة للجمهور كما يفعل دائما.
بيد أن سهولة صياغة القوائم لا تعني بالضرورة نتائج أفضل، فقد كانت القوائم المشتركة خيارا أفضل للتحالف الحاكم، لا سيما مع التقارب الأيديولوجي بين أحزابه المختلفة، ولكن العدالة والتنمية لم يستطع فيما يبدو إقناع الأحزاب الأخرى وخصوصا الحركة القومية بذلك ولا سعى للضغط عليها بهذا الاتجاه.
يعني ذلك أن نسبة من الأصوات ستتشتت وتضيع هباء وبالتالي يمكن أن يستفيد منها تحالف الشعب المعارض في المقام الأول، ويعني كذلك أن حالة من التنافس ستحصل بين هذه الأحزاب، ولا سيما بين العدالة والتنمية والحركة القومية، في بعض المحافظات والدوائر الانتخابية بحيث يكون فوز أحدها (الحركة القومية؟) على حساب الآخر (العدالة والتنمية؟) وليس الطرف المنافس.
في المقابل، كان على كمال كليجدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري (ومرشح تحالف الشعب للرئاسة) أن يوازن بين 3 أمور؛ إرضاء صفه الداخلي، وإرضاء الأحزاب المتحالفة معه، وتقديم قوائم قوية ومقنعة للناخبين من حيث المنافسة وفرص الفوز. ولم يكن ذلك سهلا بسبب الخلافات والاختلافات بين حزبه والأحزاب الأخرى، وهو ما سبب جدلا كبيرا داخل أروقة الحزب وتسبب بتأجيل اجتماع قيادته لإقرار القوائم أكثر من مرة.
إذ إن بعض قيادات الحزب وكوادره، وبالتأكيد أنصاره، يرفضون ترشيح “خصوم الأمس” على قوائم حزبهم وبما يحرم بعضهم من الترشح والفوز. وفي المقابل، فإنه ليس مضمونا أن يصوت كل أنصار هذه الأحزاب لقوائم الشعب الجمهوري -خصمهم التقليدي- بهذه السهولة وفقط بهدف إنجاح مرشحيهم، كما قد يؤثر ذلك على حماسة الماكينات التنظيمية لمختلف الأحزاب في الحملة الانتخابية.
ولذلك، أقول إن أثر هذه الأحزاب، وخصوصا حزبَيْ المستقبل والديمقراطية والتقدم بقيادة داود أوغلو وباباجان على التوالي، على العدالة والتنمية وقدرتها على السحب من رصيده الانتخابي تراجع بشكل ملحوظ بهذا الخيار. إذ أن تقديم هذه الأحزاب مرشحيها على قوائم الشعب الجهموري سيقف عائقا أمام تصويت الشريحة الغاضبة من العدالة والتنمية والباحثة عن بديل له.
وكانت ترى في هذه الأحزاب البديل، ولكن ليس الشعب الجمهوري. وبالتالي، ستخدم هذه الطريقة في الترشح إلى حد كبير العدالة والتنمية وبالمنطق نفسه حزب الرفاه مجددا الذي يبدو في مقدمة الكاسبين في مسار الانتخابات الحالي، بغض النظر عن نتيجته المباشرة في البرلمان المقبل.
نظريا، تؤمن القوائم المشتركة للشعب الجمهوري فرصة لتحالف المعارضة ليتجنب تشتت الأصوات ويرفع عدد نوابه في البرلمان المقبل، وهذا مرجح إلى حد كبير ويمكن توقع حصوله مع حزب الشعوب الديمقراطي على أغلبية بسيطة في البرلمان المقبل. لكن عمليا، من الصعب الجزم بذلك وقد يفيد هذا الأمر أحزاب التحالف الحاكم في بعض المحافظات من زاوية الشريحة المترددة على وجه التحديد.
أخيرا، أفادت القوائم المقدمة مؤخرا من الأحزاب حزب العدالة والتنمية جزئيا وعظمت فرصه مقارنة بالفترة السابقة، لكنها كذلك تمنح تحالف الشعب المعارض فرصة غير مسبوقة بإمكانية كسب أغلبية البرلمان المقبل لا سيما مع تفرد أحزاب التحالف الحاكم بقوائمهم.
لكن ما زال من الصعب توقع النتيجة بشكل دقيق من الآن، لا سيما وأن الحملة الانتخابية لم تبدأ رسميا بعد وأن النتائج ستعتمد كذلك على نتائج أطراف أخرى من داخل التحالفات مثل تحالف “أتا” ومن خارجها مثل حزب البلد بقيادة محرم إنجة.
كاتب وباحث في الشأن التركي
—————————-
خارطة الأحزاب السياسية التركية قبيل الانتخابات/ محمود عثمان
ثمة شبه إجماع على اعتبار انتخابات 14 ماي / أيار تاريخية ومصيرية، لأسباب عديدة، منها ما يتعلق باستمرار الرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه العدالة والتنمية بالسلطة، ومنها ما يتعلق بقدرة المعارضة، التي وحدت صفوفها واستنفرت قواها، لوضع نهاية لهزائمها السياسية أمام الرئيس أردوغان. هذا بالإضافة إلى العوامل الخارجية، بسبب الدور المحوري، الذي تلعبه تركيا في ملفات بالغة الحساسية والتعقيد، على رأسها ملف الغزو الروسي لأوكرانيا، وملف الأزمة السورية، والأزمة الليبية، والصراع على الطاقة في شرق المتوسط، والحرب بين أذربيجان وأرمينيا، والوضع المتوتر القلق في البلقان.
وقد بدأت تتضح معالم الخريطة الانتخابية التركية، بعد أن انتهت الأحزاب السياسية من عمليات الاستقطاب والاصطفاف، وحسم مواقفها من التحالفات القائمة، سواء كانت على أساس المصالح السياسية، أو بناء على التوجهات الأيديولوجية.
**خريطة التحالفات الانتخابية
ساهم النظام الانتخابي الجديد، في دفع الأحزاب السياسية نحو التكتل والتجمع ضمن تكتلات سياسية، من أجل تحقيق أعلى نتيجة ممكنة. بناء على ذلك، تشكلت تحالفات برز منها تحالفان رئيسيان، هما تحالف الجمهور وتحالف الأمة، وتحالفات أخرى شكلتها أحزاب صغيرة لم تجد لها مكانا ضمن التحالفين الرئيسيين.
أولا: تحالف الجمهور Cumhur İttifakı
ويضم ستة أحزاب، هي: حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة الرئيس رجب طيب أردوغان، وحزب الحركة القومي بزعامة دولت بهجلي، وحزب الوحدة الكبرى بزعامة مصطفى دستجي، وحزب “الرفاه من جديد” بزعامة فاتح أربكان وريث الزعيم الإسلامي الراحل نجم الدين أربكان، مؤسس حركة “النظرة الوطنية”، وحزب هدى بار الذي يضم شريحة من المتدينين الأكراد وينشط في مناطق جنوب شرق تركيا، ومؤخرا انضم حزب “اليسار الديمقراطي” إلى هذا التحالف.
وقد عمل حزب العدالة والتنمية على ضم عدد من الأحزاب الصغيرة إلى تحالفه مع حزب الحركة القومي، آخذا بعين الاعتبار توجهاتها السياسية، والشرائح الاجتماعية التي تمثلها، حيث تمثل هذه الأحزاب الصغيرة شرائح اجتماعية ذات أهمية خاصة إضافية، كما هو حال حزب هدى بار، الذي يضم كتلة انتخابية كردية محافظة، وهو ما ينطبق على حزب الرفاه الجديد بقيادة فاتح أربكان، الذي يمثل حركة “مللي غوروش”، وهي حركة سياسية اجتماعية ذات حضور قوي، ولها تأثير كبير على الشارع المحافظ والشارع الإسلامي في الداخل التركي وفي بلاد المهجر.
ثانيا: تحالف الأمة Millet İttifakı
ويضم الأحزاب السياسية المعارضة التي شكلت ما سمي بالطاولة السداسية، ويتشكل من أحزاب “الشعب الجمهوري” بقيادة كمال كليتشدار أوغلو، وحزب الجيد بقيادة ميرال أكشنار، وحزب السعادة بقيادة تمل كرامولا أوغلو، وحزب المستقبل بقيادة أحمد داود أوغلو، وحزب “ديفا” بقيادة علي باباجان، و”الحزب الديمقراطي” بقيادة غولتكين أويصال.
وقد سمى تحالف الأمة كمال كليتشدار أوغلو
مرشحا للرئاسة، رغم المعارضة الشرسة من حزب الجيد.
ويعد حزب الشعوب الديمقراطي شريكا غير معلن لهذا التحالف، بسبب ظروفه الاستثنائية الخاصة، الناتجة عن ارتباطه الوثيق بمنظومة ب ك ك الإرهابية.
ثالثا:تحالف العمل والحرية Emek ve Özgürlük İttifakı
ويضم إلى جانب حزب الشعوب الديمقراطي كلا من، حزب العمل، وحزب الحركة العمالية، وحزب عمال تركيا، وحزب اتحاد الجمعيات الاشتراكية، وجميعها أحزاب يسارية شيوعية ماركسية متطرفة، وقد أعلنت تأييدها لكمال كليجدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية، لذلك لم تقدم مرشحا للرئاسة.
رابعا:تحالف أتا Ata İttifakı
ويضم كلا من حزب الظفر، وحزب العدالة، والحزب القويم، وحزب دولتي، ومرشحه الرئاسي سنان أوغان.
خامسا: حزب البلد Memleket Partisi
أسسه السياسي المخضرم المنشق عن حزب الشعب الجمهوري محرم إنجه يوم 17 مايو/أيار 2021، ويتماهى من الناحية الأيديولوجية مع حزب الشعب الجمهوري، من حيث الانتماء للفكر الكمالي (نسبة إلى كمال أتاتورك)، إلا أنه يميل إلى اليمين القومي أكثر من القيادة الحالية لحزب الشعب، ويخوض الحزب الانتخابات بمفرده، ومرشحه للرئاسة رئيس الحزب محرم إنجه.
**لمحة عن أهم الأحزاب السياسية الفاعلة
بحلول عام 2023، ارتفع العدد الإجمالي للأحزاب السياسية في تركيا إلى 123 حزبا، ورغم وجود هذا العدد الكبير فإن الأحزاب النشطة والفاعلة منها لا يتجاوز 15 حزباً. وأبرز الأحزاب الفاعلة،
1-حزب العدالة والتنمية AKP
أسسه الرئيس رجب طيب أردوغان في 14 أغسطس/آب 2001، ويقود تركيا منذ عام 2002، متصدرا المشهد السياسي التركي، حيث لم يخسر في أي استحقاق انتخابي، منذ تأسيسه وإلى يومنا هذا، ويمتلك 285 مقعداً من أصل 600، وقد تجاوز عدد أعضائه 12 مليونا، ويعرف حزب العدالة والتنمية نفسه على أنه حزب ديمقراطي محافظ.
2-حزب الشعب الجمهوريCHP
أُسس حزب الشعب الجمهوري عام 1923، تزامناً مع تأسيس الجمهورية التركية على يد مصطفى كمال أتاتورك، وقاد تركيا طيلة فترة حكم الحزب الواحد. لكنه خسر السلطة عام 1950 مع أول انتخابات ديمقراطية نزيهة.
أغلق الحزب عقب انقلاب 1980، ثم أعيد افتتاحه 1992، وهو أكبر حزب معارض، وثاني أقوى حزب في البرلمان بـ 134 نائباً، ويقوده كمال كليتشدار أوغلو، ويصنف الحزب على أنه وسط اليسار، بالرغم من وجود شخصيات يسارية متطرفة ضمن صفوفه. وقد انخفض عدد منتسبيه إلى مليون و250 ألفا.
3-حزب الشعوب الديمقراطيHDP
هو حزب يساري شوفيني كردي، أُسس في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2012، يتركز نشاطه في مناطق شرق وجنوب شرقي البلاد، التي تقطنها غالبية كردية، ويعتبر الواجهة السياسية لحزب العمال الكردستاني المحظور، ويتبنى أجندة انفصالية، وهو ثاني أكبر حزب معارض، وثالث أقوى أحزاب البرلمان بـ 56 نائباً.
وبسبب الدعوى القضائية المرفوعة ضده أمام المحكمة الدستورية العليا بتهم تتعلق “بالإرهاب”، قرر الحزب دخول الانتخابات باسم اليسار الأخضر، وللحزب رئيسان في آن واحد، ويقوده الآن كل من مدحت سنجار، وبرفين بولدان.
4-حزب الحركة القوميMHP
هو حزب يميني قومي، أُسس الحزب في 7 يوليو/تموز 1983. متحالف مع الحزب الحاكم منذ 2018، ويعتبر رابع أقوى أحزاب البرلمان بـ 48 نائباً، ويقوده دولت بهجلي. وقد تعرض الحزب لعملية هندسة سياسية، اتهم بها الكيان الموازي، أدت إلى انقسامات حادة، وأسفرت عن انشقاق ميرال أكشنار وأوميت أوزداغ وعدد من نواب الحزب وأعضائه، مما تسبب في انخفاض عدد منتسبيه إلى نحو 490 ألفا.
5-حزب الجيدİP
هو ثالث أكبر أحزاب المعارضة
وأقل الأحزاب البرلمانية قوة برصيد 37 نائباً برلمانياً. أُسس في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2017، إثر انشقاق قيادته عن حزب الحركة القومية، وتقوده ميرال أكشنار.
وقد شهد في الأيام الأخيرة تراجعا كبيرا في شعبيته، وتصدعات في بنيته الحزبية، على خلفية ترشح كمال كليتشدار أوغلو للرئاسة عن تحالف الأمة الذي يشارك فيه الحزب، وبسبب تحالف كليتشدار أوغلو مع حزب الشعوب الديمقراطي.
6-حزب السعادةSP
هو حزب يميني محافظ، أسسه الراحل نجم الدين أربكان في 20 يوليو/تموز 2001 بعد إغلاق حزب الرفاه، وقد آلت قيادته إلى تمل كارا مولا أوغلو، الذي يعتبر من الشخصيات شديدة المعارضة للحزب الحاكم، ولعب دورا مؤثرا في ترشيح كمال كليتشدار أوغلو للرئاسة. ويبلغ عدد أعضاء الحزب 265 ألفاً و738 عضواً.
7-حزب الديمقراطية والتقدم DEVA
هو حزب ليبرالي ديمقراطي، أسسه علي بابا جان في 9 مارس/آذار 2020، ويبلغ عدد أعضائه177 ألفاً و454 عضواً، ويُنظر لمؤسسه علي بابا جان على أنه رجل اقتصادي قوي، شغل منصب نائب رئيس الوزراء في حكومات العدالة والتنمية، ويحظى الحزب بدعم خفي من الرئيس السابق عبد الله جول.
8-حزب الرفاه الجديدYRP
هو حزب يميني إسلامي، أُسس في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2018 بقيادة فاتح أربكان، نجل الراحل نجم الدين أربكان، ويحاول إحياء مسيرة والده الراحل وحزبه “الرفاه”، وقد بلغ عدد أعضاء الحزب 269 ألفاً و391 عضواً.
9-حزب الاتحاد الكبيرBBP
هو حزب يميني قومي محافظ متحالف مع الحزب الحاكم وحزب الحركة القومي، ضمن “تحالف الجمهور”. أسس في 29 يناير/كانون الثاني 1993، يبلغ عدد منتسبيه 119 ألفاً و237 عضواً، ويقوده مصطفى دستجي.
10-حزب المستقبلGP
هو حزب محافظ ليبرالي، أسسه أحمد داود أوغلو في 12 ديسمبر/كانون الأول 2019، ويبلغ عدد أعضائه 18 ألفا و281. وقد ترأس داود أوغلو حزب العدالة والتنمية ورئاسة الوزراء، خلفا للرئيس أردوغان، لكنه لم يتمكن من قيادة الحزب والحكومة بنفس الزخم الذي كان يقوم به أردوغان. وعندما تم استبداله بـ (بن علي يلدرم)، ترك حزب العدالة والتنمية ليؤسس حزبه الجديد.
هذه لمحة مختصرة جدا عن الأحزاب السياسية التركية، وتحالفاتها الانتخابية، قبيل انتخابات 14 مايو / أيار المقبل.
تلفزيون سوريا
————————–
كيف تبدو خارطة المنافسة الانتخابية في تركيا؟/ محمود علوش
قدمت الأحزاب التركية نهاية الأسبوع المنصرم قوائم مرشحيها للانتخابات البرلمانية إلى المجلس الأعلى للانتخابات. وبذلك، تكون معالم المنافسة الانتخابية بشقيها الرئاسي والبرلماني قد اكتملت بعد تحديد المرشحين للرئاسة في وقت سابق، لتدخل تركيا المرحلة الأخيرة من السباق نحو 14 مايو/ أيار. بينما المنافسة الرئاسية تجذب الحيّز الأكبر من الاهتمام كونها أكثر وضوحاً وتنحصر المنافسة فيها بشكل أساسي بين مرشحين بارزين هما الرئيس رجب طيب أردوغان عن التحالف الحاكم وكمال كليجدار أوغلو عن التحالف السداسي مدعوماً بحزب الشعوب الديمقراطي الكردي، وستُحدد أيضاً هوية رئيس البلاد بعد 14 مايو، فإن الانتخابات البرلمانية لا تقل أهمية عن الرئاسية من حيث دورها في تشكيل السلطة الجديدة وكذلك من حيث تأثيرها على السباق الرئاسي. ويُمكن تلخيص أهمية الانتخابات البرلمانية في أمرين اثنين: أولاً، سيكون فوز أي من التحالفين في الرئاسة دون البرلمان فوزاً غير مكتمل، لأن الرئيس الذي سيُنتخب سيجد صعوبة في ممارسة السلطة بوضوح إذا لم يمتلك غالبية برلمانية تُساعده في تمرير القوانين والتشريعات. وهذه النقطة تكتسب أهمية أكبر لتحالف المعارضة على وجه الخصوص، لأنّه حتى لو استطاع الفوز في الانتخابات الرئاسية، فإنه من دون حصوله على أغلبين الثلثين أو ستين في المئة من المقاعد البرلمانية، فإنه لن يتمكن من إلغاء النظام الرئاسي والتحول إلى نظام برلماني مُعزز من خلال تعديل الدستور أو طرح مشروع تعديل الدستور على الاستفتاء الشعبي.
ثانياً، سيكون لنتائج الانتخابات البرلمانية تأثير على الانتخابات الرئاسية خصوصاً إذا ما ذهبت المنافسة إلى جولة ثانية ولم يستطع أي من المرشحين الأربعة وأردوغان وكليجدار أوغلو على وجه التحديد حسمها من الجولة الأولى. في هذه الحالة، فإن حصول أي من التحالفين الحاكم والمعارضة على أغلبية برلمانية واضحة سيمنح أحدهما ميزة انتخابية جديدة في جولة ثانية محتملة من خلال استقطاب الأصوات المترددة التي يلعب عامل الاستقرار السياسي دوراً حاسماً في تحديد خياراتها الانتخابية. بمعنى آخر، فإن التحالف الذي سيحصل على غالبية برلمانية سيُقدم نفسه في جولة ثانية محتملة من الانتخابات الرئاسية على أنّه قادر على إحداث استقرار سياسي في البلاد وتجنب حصول صراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. مع أنه من غير المرجح أن تؤثر نتائج الانتخابات البرلمانية على القاعدة الانتخابية الصلبة لكلا التحالفين في جولة ثانية من الانتخابات الرئاسية، إلآّ أنّها ستُحدث فرقاً بالنسبة للأصوات المترددة، والتي قد تكون حاسمة في السباق الرئاسي.
دعونا نُلقي نظرة سريعة على القوائم البرلمانية التي قدمتها التحالفات والأحزاب لمحاولة الوصول إلى تقدير لنتائج الانتخابات البرلمانية. بادئ ذي بدء، تكمن أهمية القوائم البرلمانية في أن التحالفات التي تدخل الانتخابات التشريعية بأقل عدد من القوائم الموحدة، ستتمكن من كسب أكبر عدد من النواب بسبب تعديل أجري على قانون الانتخابات ومنح ميزة للتحالفات الحزبية وفرض على الأحزاب الصغيرة الدخول في قوائم انتخابية مع الأحزاب الكبيرة من أجل ضمان تمثيلها في البرلمان وتجاوز عتبة السبعة في المئة اللازمة للحصول على كتلة برلمانية.
في التحالف السداسي المعارض، ضم حزب الشعب الجمهوري أحزاب المستقبل والسعادة والديمقراطية والتقدم والديمقراطي إلى قوائم مرشحيه، وهو ما يعظم فرص هذه الأحزاب من تجاوز العتبة الانتخابية. لكنّ الحزبين الرئيسيين في التحالف وهما الشعب الجمهوري والجيد توصلا إلى صيغة تتمثل في دخولهما في قوائم موحدة في عشر ولايات فقط، وهي الولايات الصغيرة التي سيُنتخب عن كل منها خمسة نواب أو أقل، وذلك بهدف الحصول على أكبر عدد من المقاعد فيها. وكانت معايير هذه الصيغة ترتكز على الأصوات التي حصل عليها كل من الحزبين في الانتخابات السابقة والتوجّهات المحتملة للناخبين. ووفقاً لهذه الصيغة، سيتصدر مرشحو حزب الشعب الجمهوري القائمة الموحدة في سبع ولايات، بينما سيتصدر مرشحو الحزب الجيد القائمة في الولايات الثلاث الأخرى. لم تكن هذه الصيغة مثالية لتحالف المعارضة لضمان الفوز بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان، لكنّها كانت حلاً وسطاً بين كليجدار أوغلو وزعيمة حزب الجيد ميرال أكشنار.
أما بالنسبة للتحالف الحاكم، فقد قرر الحزبان الرئيسيان فيه وهما حزبا العدالة والتنمية والحركة القومية دخول الانتخابات البرلمانية في قوائم منفصلة. كان إصرار حزب الحركة القومية على قرار القائمة المنفصلة بسبب اعتقاده أنه سيتجاوز عتبة السبعة في المئة، فضلاً عن إحجامه عن عدم وضع مرشحيه في نفس قائمة حزب العدالة والتنمية التي تضم أيضاً مرشحين عن حزب الدعوة الحرة الكردي المحافظ لأن الدخول في قائمة موحدة مع الحزب الكردي سيُحرج الحركة القومية التي تنتقد التعاون الانتخابي غير المُعلن بين التحالف السداسي وحزب الشعوب الديمقراطي الكردي. في حال استطاع حزب الحركة القومية تجاوز عتبة السبعة في المئة، فإن دخوله في قوائم منفصلة مع حزب العدالة والتنمية لن يكون له تأثير سلبي على حظوظ تحالف الجمهور الحاكم في الانتخابات البرلمانية. في ضوء ذلك، فإن جانباً مهماً ومؤثراً في المنافسة البرلمانية سينحصر بشكل أساسي على النتائج التي سيحصل عليها الحزبان القوميان في كل من التحالف الحاكم والمعارض. الخلاصة أن الصيغة المُعقّدة للقوائم البرلمانية التي قدمتها الأحزاب في كلا التحالفين الرئيسيين تجعل من الصعب الوصول إلى تقدير واقعي للنتائج التي ستُفرزها الانتخابات البرلمانية.
أما بالنسبة لخريطة السباق الرئاسي، فإنها رست على أربعة مرشحين، لكنّ أكثرهم حظوظاً في الفوز من الجولة الأولى أو التأهل إلى جولة ثانية هما أردوغان وكليجدار أوغلو. مع ذلك، فإن ترشيح زعيم حزب البلد مُحرم إينجه للانتخابات الرئاسية، أضفى مزيداً من التعقيد عليها. في حين أن المعارضة كانت تطمح إلى انسحاب محرم إينجه من الانتخابات لتعظيم فرص فوز كليجدار أوغلو في الجولة الأولى، فإن مُضيّه في الترشيح، رجّح احتمالية أن تذهب الانتخابات إلى جولة ثانية. مع ذلك، تتخوف المعارضة من احتمال أن يفوز أردوغان في الجولة الأولى لأنّ أصوات المعارضة ستكون مشتتة كما أن التحالف غير المُعلن بين كليجدار أوغلو وحزب الشعوب الديمقراطي قد يؤدي إلى امتناع شريحة من الأصوات القومية في التحالف السداسي عن التصويت لصالح كليجدار أوغلو. في حال لم تُحسم الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى، فإن الناخبين الذين سيُصوتون لإينجه والناخبين المترددين سيلعبون على الأرجح دوراً حاسماً في حسم الجولة الثانية. بينما الافتراض السائد أن ناخبي إينجه سيدعمون كليجدار أوغلو في جولة ثانية، فإن نتائج الانتخابات البرلمانية ستُحدد السلوك الانتخابي للناخبين المترددين وستصب في صالح التحالف الذي سيحصل على غالبية برلمانية.
تلفزيون سوريا
—————————
المشهد بعد إعلان القوائم الانتخابية في تركيا/ محمود سمير الرنتيسي
إن المتابع للشأن السياسي عموما والتركي خصوصا يدرك حجم التقلب والتغيير، لذلك يحرص من يكتبون التقدير على ربطه بعبارة “حتى الآن”. ولهذا كان من الممكن أن يكون التقدير الأرجح قبل يومين أن الانتخابات الرئاسية قد تذهب لجولة ثانية، وأن حزب العدالة والتنمية يواجه صعوبة شديدة في المنافسة في الانتخابات البرلمانية ولكن حدث تغيير كبير منذ أن تم إعلان القوائم الانتخابية للأحزاب.
ومن خلال متابعة ردود الفعل على القوائم بدأنا نرى تقييمات تقول إن حزب العدالة والتنمية وحليفه سيحصلون على نسب أعلى من السابق، وإن أردوغان قد يحسم من الجولة الأولى وأنه قد يأخذ أكثر من الانتخابات السابقة. كما أن هناك استياء لدى أنصار الأحزاب المعارضة من قوائم أحزابها.
بشكل أكثر تفصيلا غيّر أردوغان 70% من نواب الحزب السابقين وبالتالي أزال الشخصيات التي لم يرغب فيها الناس أو التي قصّرت في عملها أو التي شاب عملها أي شوائب أخرى، كما التزم أردوغان بقاعدة منع ترشيح أي نائب أتمّ 3 دورات في البرلمان ولم يستثن من ذلك حتى بن علي يلدرم ورئيس البرلمان مصطفى شنطوب.
لقد تم وضع أسماء قوية جدا على قائمة الحزب، فعلى سبيل المثال في إسطنبول يوجد وزير الداخلية سليمان صويلو ومراد كوروم وزير البنية التحتية ونعمان كوروتولموش نائب رئيس الحزب إضافة إلى أاسماء من الحلفاء رئيس حزب الهدى بار ورئيس حزب الرفاه الجديد سيكونون في إسطنبول. وبالطبع فإن بقية الوزراء مثل جاويش أوغلو وخلوصي أكار في أماكن أخرى، وهناك وزراء سابقون مثل وزير العدل السابق والمحبوب عبد الحميد غول في غازي عنتاب.
على صعيد الناخب الكردي تظهر القوائم اهتمام حزب العدالة والتنمية، إذ قدّم حزب العدالة والتنمية شخصيات قوية مؤثرة في المجتمع الكردي على قوائمه في ديار بكر وفان وحتى أزمير. مثل غالب أنصاري أوغلو والمثقف الكردي أورهان مير أوغلو، هذا فضلا عن تحالفه مع حزب الهدى بار الكردي.
على صعيد المعارضة يعاني الحزب الجيد ثاني أحزاب المعارضة من ضجة كبيرة بعد استقالة شخصية مهمة جدا فيه مثل أيتون شيراي الذي سحب ترشيحه من قوائم الحزب، وقال إن حزبه بسبب تموضعاته وسلوكه السياسي من المرجح أن ينزل تحت العتبة الانتخابية ولا يدخل البرلمان.
أما حزب الشعب الجمهوري فجزء من أنصاره معرض للتصويت لحزب محرم إينجه وجزء آخر مستاء من القوائم لأنها ضمّت أعضاء سابقين في حزب العدالة والتنمية الذين كانوا معادين لهم بالسابق. من زاوية أخرى ذكرت تقارير صحفية تركية أن كليتشدار أوغلو لم يسمح بترشيح أسماء قدَّمها منصور يافاش وأكرم إمام أوغلو وهذا سيجعلهم مستاءين ويؤثر على دعمهم له ولو قليلا.
مرة أخرى لا يمكن التكهن بالنتيجة تماما، إذ إن 10% إلى 15% من الناخبين على الأقل ليس لديهم قرار حتى الآن لمن سيصوتون.
ولكن بشكل عام هناك ارتياح كبير من قوائم حزب العدالة والتنمية بسبب التغيير الجذري والمدروس، وهناك مؤشرات جيدة مثل سن المرشحين حيث يوجد نحو 330 مرشحا تحت سن الخمسين أي أكثر من النصف ومن هم تحت سن الأربعين عددهم أيضا قرابة 120 مرشحا، وهؤلاء سيتحركون في كل بيت وسيطرقون كل باب فضلا عن الأسماء الكبيرة التي ستحافظ على تفوق الزخم والتجربة. وننتظر تطورات وتفاعلات المشهد التي يتغير معها التقدير صعودا وهبوطا، ولهذا فإن كل حزب وتحالف سيسعى لمفاجأة الطرف الآخر، وبعد أن برزت القوائم فمن الواضح أن التفوق فيها لحزب العدالة وفق التقييم الأولي فمن المتوقع أن يكون هناك خطوات أخرى في المجالين السياسي والاقتصادي بالتوازي مع المسار الذي يسير فيه أردوغان عبر افتتاح المشاريع بشكل يومي سواء مشاريع المترو أو المصانع المدنية أو الصناعات العسكرية.
———————————– ===================