“اختفى أنين هند…”: هكذا عرقلت الحكومة السورية دخول الفرق الدولية إلى مناطق المعارضة بعد الزلزال
الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية – Siraj
يكشف هذا التحقيق الاستقصائي الذي أعدّه صحافيون من “الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية” سراج، بالتعاون مع موقع “درج ” وموقع “ميدل إيست آي”، أنّه كان يمكن إنقاذ هند وعشرات المدنيين الذين بقوا على قيد الحياة تحت الأنقاض لأيّام لو دخلت فرق الإنقاذ والتنسيق الدولية إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة شمال سوريا، إلّا أن النظام السوري استغلَّ سلطته لعرقلة دخول هذه الفرق.
علي الابراهيم – أحمد حاج حمدو – محمد بسيكي سراج – سيمون هوبر
فقدت الطفلة السورية هند (9 سنوات) حياتها في منزلها المدمّر في مدينة جنديرس في ريف حلب، رغم بقائها على قيد الحياة لثلاثة أيام وكان عمها و ذووها يستطيعون سماع صوتها بوضوح إلا أن صراخها توقف بعد نحو ستين ساعة بسبب عدم وجود ما يكفي من معدات وآليات ثقيلة وفرق مختصة بالبحث والإنقاذ للوصول إليها تحت الركام. يقول عمها: “اختفى أنين هند وماتت”.
ومنذ اللحظات الأولى على الكارثة، قاد متطوعو “الدفاع المدني السوري” عمليات الإنقاذ في محافظتي إدلب وحلب، وبحثوا عن ناجين تحت أنقاض أبنية انهارت كلياً أو جزئياً بإمكانات ضئيلة عبر إزالة أكوام الحطام باستخدام أدوات بسيطة وبأيديهم.
يكشف هذا التحقيق الاستقصائي الذي أعدّه صحافيون من “الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية” سراج، بالتعاون مع موقع “درج ” وموقع “ميدل إيست آي”، أنّه كان يمكن إنقاذ هند وعشرات المدنيين الذين بقوا على قيد الحياة تحت الأنقاض لأيّام لو دخلت فرق الإنقاذ والتنسيق الدولية إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة شمال سوريا، إلّا أن النظام السوري استغلَّ سلطته لعرقلة دخول هذه الفرق.
من ضمن الفرق التي عرقل النظام السوري تحرّكها إلى مناطق المعارضة السورية والأكثر تضرّراً بالزلزال، فريق الأمم المتحدة لتقييم الكوارث والتنسيق UNDAC بحسب ما توضح ردود حصل عليها فريق التحقيق من مسؤول أممي كبير في العاصمة السورية دمشق، إذ انتشرت هذه الفرق في حلب واللاذقية وطرطوس وحمص وحماة، التي تسيطر عليها الحكومة السورية.
كما توصّلنا إلى معلومات ترجّح إلى حدٍّ بعيد أن النظام السوري عرقل أيضاً دخول فرق “البحث والإنقاذ في المناطق الحضرية” التي تديرها وتوجّهها المجموعة الاستشارية الدولية للبحث والإنقاذ (INSARAG) إلى مناطق المعارضة، بينما طلب من كلا المنظّمتين أن ترسل فرقاً إلى مناطق سيطرته .
قابلنا في هذا التحقيق ستة عائلات من مناطق تعرضت للزلزال شمال غرب سوريا أكّدوا أنّهم استمرّوا بسماع أصوات ذويهم العالقين تحت الأنقاض حتّى اليوم الثالث من وقوع الزلزال، لكنّهم لم يتمكّنوا من إنقاذهم كما حدث مع عبد الرزاق الحسين (42 سنة) الذي حفر بيده واستخرج جثث شقيقته وأطفاله ووالدته وعدداً من جيرانه في مدينة جرابلس بريف حلب.
كما أطلعنا على منهجيات الفرق الدولية للبحث والإنقاذ التابعة للأمم المتحدة أو التي تعمل تحت إشرافها، وتتحرك في حال الكوارث إضافة إلى إجراء مراجعة دقيقة لاستجابة في المناطق السورية ومراجعة جميع القوانين الدولية المتعلقة بالاستجابة الطارئة.
يشمل شمال غربي سوريا الذي تسيطر عليه المعارضة، مدينة إدلب وريفها وريف مدينة حلب الشمالي والغربي، وأجزاء من ريف اللاذقية، ويعيش في هذه المناطق 4.6 مليون إنسان، مات منهم 4191 بفعل الزلزال بحسب “الشبكة السورية لحقوق الإنسان“.
ودمّر الزلزال 1314 منزلاً، في حين ثمّة 14.128 منزلٍ غير صالح للسكن وبحاجة للهدم، فيما ظهرت التصدعات على 10.833 منزلٍ آخر، بحسب منظّمة “منسّقو استجابة سوريا” مع وجود فريق واحد محلي من متطوعي الدفاع المدني لتقديم الإغاثة الطارئة وعمليات الإنقاذ للمناطق المنكوبة في الشمال السوري.
“لم يكن في المنطقة فرق إنقاذ كافية تناسب مع حجم الدمار في جنديرس، أكثر ما يؤلمني هو أنني كنت أسمع صوت طفلي يتوسل إليَّ لاخراجه من تحت الركام وليس لدي القدرة على ذلك، لقد كان الركام كثيفاً ويحتاج إلى آليات ثقيلة لم تكن موجودة بكفاية لمساعدة الجميع”.
لا تدخّل لفرق البحث والإنقاذ
فور وقوع الزلزال في السادس من شباط/ فبراير، أرسل “الدفاع المدني السوري” (الخوذ البيضاء) نداء استغاثة إلى المجموعة الاستشارية الدولية للبحث والإنقاذ (INSARAG ) بحسب رائد الصالح مدير المنظّمة، طالباً إرسال فرق إنقاذ بعد أن أعلنت شمال غربي سوريا منطقة منكوبة بحسب الأعراف الدولية، كما أعلنت “الحكومة الموقتة” و”حكومة الإنقاذ” التابعتان للمعارضة المنطقة ذاتها “منكوبة”، لكن من دون جدوى.
ويقول أحمد يازجي عضو مجلس إدارة الدفاع المدني في إدلب: “بعد وقوع الزلزال أجليت بناتي الثلاث من المنزل إلى السيارة ثم لم أستطع رؤيتهنَّ إلّا بعد وقوع الزلزال بخمسة أيام، الكثير من المتطوّعين في الدفاع المدني انسحبوا من مواقع الإجلاء لوقتٍ قصير من أجل دفن أقربائهم والعودة إلى الإنقاذ سريعاً. لم يعد أحد من المتطوّعين إلى منزله طيلة فترة الإجلاء بسبب كثرة المواقع التي كانت تحتوي على مدنيين عالقين تحت الأنقاض ومازالوا أحياء”.
تعتبر International Search and Rescue Advisory Group) INSARAG) الشبكة الأم التي تنسق عمل فرق الإنقاذ في المناطق الحضرية (USAR) المكوّنة من 90 دولة ومنظمة دولية، والتي يمكنها الوصول إلى المنطقة المتضرّرة في غضون ثماني ساعات، خصوصاً في الزلازل، وتعمل تحت مظلة الأمم المتحدة ويرأس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أمانة هذه المجموعة.
وجّهت INSARAG إلى تركيا 221 فريقاً دولياً للبحث والإنقاذ من 82 دولة حول العالم، بحسب وثائق اطلع عليها معدو التحقيق في حين أكد مكتب الأمم المتّحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن INSARAG أرسلت فرقاً إلى محافظات سوريّة يسيطر عليها النظام السوري فقط (اللاذقية وطرطوس وحمص وحماة وحلب) ووفق ذات المصدر فإن فرق الإنقاذ USAR المنتشرة في المحافظات الأربعة الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية تم إبلاغها في 20 شباط الماضي بأنّه لم تعد حاجة لوجودها في محافظات اللاذقية وطرطوس وحمص وحماة وحلب، فيما لم يتم إرسال أي فرق إنقاذ إلى شمال سوريا.
اقتصرت الجهود الدولية على فريق إسباني مكوّن من شخصين بجهودٍ محلّية سورية بعد أربعة أيام من وقوع الزلزال، ولم يكن دورهم المشاركة في أعمال الإنقاذ واقتصر على زيارة بعض المواقع المتضررة.
يقول الباحث في الكوارث الطبيعية في جامعة “كوليدج أوف لندن” إيلان كيلمان إن الساعات الـ 72 الأولى حاسمة للعثور على ناجين، “إذ يتم إنقاذ أكثر من تسعين بالمئة منهم في هذه المهلة”.
جاء في منهجية INSARAG أن المنظّمة تقوم بتعبئة وإرسال فرق البحث والإنقاذ في المناطق الحضرية USAR عندما توافق السلطات الوطنية في البلدان المتضرّرة على قبول المساعدة الدولية، ما يعني الحكومة السورية لكونها عضواً في الأمم المتحدة، هي التي تطلب تدخّل هذه الفرق وتحدّد المناطق التي تتحرّك فيها.
حاولنا التواصل مع INSARAG ومكتبهم في الشرق الأوسط بعدّة طرق عبر البريد الالكتروني لمعرفة حيثيات إرسالهم لفرق الإنقاذ إلى مناطق النظام، وعدم إرسال فرق مماثلة إلى مناطق المعارضة السورية ولكن لم يتجاوبوا حتّى لحظة نشر هذا التحقيق.
ولم يتجاوب كلٌّ من مجلس الوزراء السوري ووزارة الداخلية السورية على تساؤلاتنا حول سبب عدم وصول فرق الإنقاذ الدولية إلى مناطق المعارضة السورية، برغم أنها لا تزال أجزاء من سوريا.
وقالت سما كيكي، المدير التنفيذي للبرنامج السوري للتطوير القانوني، The Syrian Legal Development Programme SLDP: “تتبنى INSARAG مبادئ العمل الإنساني التي أقرتها الأمم المتحدة (الإنسانية، عدم التحيز، الحياد، والاستقلالية) وفي الوقت نفسه، فالنقاش حول دخول أي من هذه الفرق كما هو واضح يقتصر على موافقة أو طلب الدولة المتضررة، والأمور اللوجستية والإدارية، لذلك في حال رفض السلطات السورية دخول هذه الفرق إلى المناطق الخارجة عن سيطرتها، فهذا يعتبر رفضاً تعسفياً محظوراً في القانون الدولي”.
وأضافت كيكي: “على الرغم من أن تقديم المساعدة الإنسانية لمن يعيشون تحت سيطرة المجموعات المسلحة دون موافقة السلطات ما زال مثار جدل قانوني، إلا أن المادة الثالثة المشتركة لاتفاقيات جنيف تنص على أنه يجوز للمنظمات الإنسانية غير المتحيزة – و INSARAG تستوفي هذه الشروط – أن تعرض خدماتها على “أطراف” النزاع، وذلك يشمل المجموعات المسلحة التي لا تتبع للدولة، وعندما صادقت سوريا على اتفاقيات جنيف، تكون قد وافقت على هذا الأمر، وبالتالي لا يمكن اعتبار تيسير المساعدات الإنسانية دون موافقة الدولة تدخلاً غير قانوني في الشؤون السيادية للدولة.
النزاع في سوريا يخضع للمادة المشتركة الثالثة لاتفاقيات “جنيف” لعام 1949، والتي صادقت عليها سوريا، ما يسمح بإجراء مفاوضات للدخول إلى سوريا بين الهيئات الإنسانية المحايدة وجميع الأطراف بما في ذلك غير الحكومية، من دون إذن الحكومة المركزية في حالة النزاعات المسلحة غير الدولية.
استناداً إلى ذلك ترى كيكي أنّه على الأرجح كان ينبغي على فرق البحث والإنقاذ الحضري ضمن شبكة INSARAG أن تقدم أولوية الاستجابة لحاجات المدنيين وفق الإطار القانوني الملزم للجميع بدلاً من الركون فقط إلى جدلية شرط قبول السلطات أو عدم قبولها.
استجابة INSARAG في مناطق النظام السوري تمت مناقشتها في اجتماع لقادة فريق INSARAG في سنغافورة في 28 شباط. ونشرت فرق البحث والإنقاذ من روسيا ولبنان والإمارات في اللاذقية، وانتشرت فرق من تونس وأرمينيا والجزائر والصين في حلب ، بحسب عرض تقديمي قدم في الاجتماع.
لكن التحديات التي واجهتها UNDAC وINSARAG تضمنت “نقص وعي الحكومة السورية بآليات الاستجابة الدولية” و”الافتقار إلى هيكل أساسي لتلقي وتنسيق المساعدة الدولية بما في ذلك فرق USAR للبحث والإنقاذ في المناطق الحضرية”.
اشتكى قادة الفرق من تعقيد التنسيق بسبب مشاركة كيانات متعددة بما في ذلك الدفاع المدني والهلال الأحمر العربي السوري والأمن القومي، وبسبب “النهج غير المتسق لوكالة إدارة الطوارئ المحلية في تخصيص فرق USAR للقطاعات الجغرافية”.
النظام السوري عرقل دخول فرق التنسيق لشمال غربي سوريا
في اليوم الأوّل بعد وقوع الزلزال، كان رامي العبدالله، 39 سنة، يسمع صوت زوجته وطفلته الكبيرة تحت أنقاض منزله المدمّر في بلدة بسينا بالقرب من منطقة سلقين شمال غربي إدلب، لقد كانتا تصرخان بشدّة واستطاع رامي تمييز الأصوات، ولكن في مساء اليوم الثاني توقّفت الأصوات، ومات جميع أفراد عائلته باستثناء طفله الرضيع البالغ من العمر سنة ونصف السنة.
يقول رامي: “القرية كلّها كانت مهدّمة، ولم يستطع الدفاع المدني الوصول إلى الجميع وإنقاذهم بسبب عدم كفاية أعداد فرق الإنقاذ المحلّية، لقد كان السكّان يحاولون المساعدة ولكنهم كانوا يخافون من الهزّات الارتدادية وحدوث انهيارات جديدة في المباني”… في النهاية جميع أفراد عائلة رامي ماتوا باستثناء الرضيع، رغم بقائهم لنحو يومين أحياءً تحت الأنقاض.
تملك الأمم المتّحدة فريقاً لتقييم الكوارث والتنسيق UNDAC، ومهمّته مساعدة حكومات البلدان المتضررة من الكوارث، خصوصاً الزلازل، خلال المرحلة الأولى من حالة الطوارئ المفاجئة، وتنتشر فرقه في أي مكان في العالم خلال 12 إلى 48 ساعة.
هذا الفريق ليس لديه فرق للإنقاذ، ولكنّه ينسّق الأمور اللوجيستية ويوجّه المناشدات للفرق الدولية، وينسّق عمل فرق البحث والإنقاذ إضافةً إلى تبادل التحديثات المنتظمة حول الإصابات والأضرار وطلبات المساعدة المحددة.
لم تنتشر هذه الفرق في مناطق المعارضة، ولكنّهم بالمقابل دخلوا إلى مناطق النظام السوري (مدينة حلب، حمص، حماة، اللاذقية وطرطوس)، وذلك بحسب ما نُشر على الموقع الرسمي لمكتب الأمم المتّحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، التي أكّدت وجود فريق الأمم المتحدة لتقييم الكوارث والتنسيق (UNDAC) في سوريا لدعم تنسيق الفرق الدولية التي تعمل في الإجلاء.
يأتي ذلك رغم المبادئ التوجيهية الخاصة بـ UNDAC بشأن الاستجابة “لحالات الطوارئ المعقدة” التي تؤكّد على ضرورة الاحترام الكامل لسيادة الدول وسلامتها الإقليمية ، وأنه ينبغي تقديم المساعدة الإنسانية بموافقة الدولة المتضررة، لكنها تخلق استثناء في الظروف التي يكون فيها “نزاع عنيف في كثير من الأحيان شرعية وأراضي الدولة”.
وجاء في الدليل: “هذا الموقف يجعل الالتزام بالمبادئ المذكورة أعلاه إشكالياً في حالات الطوارئ المعقدة. في هذه الحالات ، قد يحل الالتزام تجاه الضحايا محل الالتزام تجاه الدولة “.
يشير الكتيب إلى أن “جهود التنسيق ستحتاج إلى الاعتراف بشرعية السلطات المتنافسة والحفاظ على علاقات فعالة ليس فقط مع الدولة ولكن أيضاً مع الخصوم والمعارضة السياسية”.
ويشدد أيضاً على الضرورة الملحة لنشر فرق الطوارئ في أسرع وقت ممكن – لا سيما في أعقاب الزلزال.
“في الكوارث الطبيعية ، تكون سرعة الاستجابة أمراً بالغ الأهمية ويتم قياسها بالساعات والأيام. هذا هو الحال بشكل خاص في حالة الزلزال حيث من غير المرجح أن يعيش الأشخاص المحاصرون أكثر من 3-4 أيام ما لم يتم إنقاذهم “.
سألنا المنسق المقيم للأمم المتحدة في سوريا (القائم بعمله المصطفى بن المليح) عن سبب انتشار هذه الفرق في مناطق النظام فقط فقال: “تم نشر فريق الأمم المتحدة لتقييم الكوارث والتنسيق UNDAC، فور تلقيهم طلب بذلك من القنوات المعتادة (السلطات الرسمية). وتم نشر أفراد فريق الأمم المتحدة لتقييم الكوارث والتنسيق في كل من حلب واللاذقية وطرطوس وحمص وحماة”.
كما أشار بن المليح إلى عدم حصول الأمم المتّحدة على موافقة من النظام السوري للدخول إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة قائلاً: “السلطات السورية أرسلت طلباً لنشر فرق الأمم المتحدة لدعم سوريا في مواجهة تبعات الكارثة (دون تحديد أو حصر) ولكن حول مسألة الانتشار في ريف حلب وإدلب فإنها مرتبطة بموافقة الجهات المعنية، وبتوفر آليات دعم العمل اللوجستي والحماية. لم تكن هذه الشروط متوفرة حتى بالنسبة للدعم الإنساني الذي حاولنا إيصاله في الساعات الأولى للكارثة.
في وقت سابق من هذا الشهر ، عينت الأمم المتحدة آدم عبد المولى منسقاً جديداً لها في سوريا.
تصريحات بن المليح أكّدتها منظّمة العفو الدولية التي أشارت في تقريرٍ لها إلى أن الحكومة السورية أعاقت وصول المساعدات إلى الناجين الذين يُعتبرون معارضين، حيث أعاقت أكثر من 100 شاحنة محمّلة بالوقود والخيام والأغذية إلى الأحياء الكردية في حلب بين التاسع و22 شباط، في حين منعت جماعات المعارضة المسلّحة المتحالفة مع تركيا والمعروفة باسم “الجيش الوطني السوري” ما لا يقل عن 30 شحنة من الدخول إلى عفرين، قادمةً من مناطق “الإدارة الذاتية” بحسب ذات التقرير.
و تشير وثيقة حصل عليها فريق التحقيق إلى أنه و بعد 48 ساعة من المحادثات و تأكيدات نظام الأسد بأنه سيبدأ عمليات تسليم عبر الخطوط إلى شمال غرب سوريا، توقفت القافلة الأولى المخطط لها وتأجلت حتى إشعار آخر بسبب “الظروف اللوجيستية”، بحسب بيان صادر عن محافظ حلب، الذي قال إنّه سوف ينسّق تاريخاً جديداً لإرسال هذه الشحنة، لكنّه لم يفعل، وتمت عرقلة إيصال الشحنة بشكلٍ نهائي.
وثيقة مُرسلة من “مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية” التابع للأمم في حلب إلى محافظ المدينة، حيث تم تأجيل إدخال القافلة إلى مدينة سرمدا بمحافظة إدلب حتى إشعار آخر “بسبب الظروف اللوجستية (لم يُحددها)”.
بحسب سما كيكي، فإنّ رفض السلطات السورية دخول هذه الفرق إلى المناطق الخارجة عن سيطرتها، يعتبر رفضاً تعسفياً محظوراً في القانون الدولي. ويترتب على ذلك إعطاء الأولوية للاستجابة الإنسانية لحاجات السكان المدنيين عبر تفعيل مسارات قانونية أخرى”.
وقالت: “إن فرق UNDAC، باعتبارها كياناً تابعاً للأمم المتحدة ومحكوماً بصلاحياته وقراراتها، فلربما كان من المجدي تكثيف العمل ضمن قرار مجلس الأمن رقم 2672 لعام 2023 الذي يسمح بمرور المساعدات الإنسانية عبر الحدود دون موافقة الدولة، على الرغم من أن الأصل هو إعطاء الأولوية لحاجات السكان المدنيين وتفعيل أحكام القانون الدولي ذات الصلة.
منسّق الشؤون الإنسانية لم يفعّل سلطته
انتظر الشاب السوري محمد المصطفى 32 عاماً لأكثر من 50 ساعة بعد الزلزال وهو ينتظر فرق الإنقاذ لإخراج زوجته وابنه الرضيع ووالده ووالدته وإخوته من تحت أنقاض البناء الذي يعيش فيه في مدينة جنديرس، بريف عفرين في شمال سوريا.
توقّف الصراخ من تحت الأنقاض في اليوم التالي لوقوع الزلزال، ولم تستطع فرق الإنقاذ الوصول إلى عائلة محمد وإنقاذهم.
وقال محمد: “لم يكن في المنطقة فرق إنقاذ كافية تناسب مع حجم الدمار في جنديرس، كثر ما يؤلمني هو أنني كنت أسمع صوت طفلي يتوسل إليَّ لاخراجه من تحت الركام وليس لدي القدرة على ذلك، لقد كان الركام كثيفاً ويحتاج إلى آليات ثقيلة لم تكن موجودة بكفاية لمساعدة الجميع”.
بعد وقوع الزلزال ووفاة عائلة محمد بستة أيام، اعتبر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث أن السكان السوريين في المنطقة يشعرون بأنهم “مهجورون” لأن المساعدة التي كانوا يأملون فيها لم تصل، ولكن بعد ولكن في اليوم التالي توجّه غريفيث، إلى دمشق والتقى بالرئيس السوري بشار الأسد، ووزير خارجيته، فيصل المقداد، دون أن يفعّل سلطته بإرسال عمل فرق تنسيق الأمم المتّحدة UNDAC إلى شمال سوريا.
طرحنا على غريفيث سؤالاً حول عدم تفعيله نظام UNDAC في شمال غرب سوريا، وتلقّينا ردّاً على لسان جينس لارك المتحدث الرسمي باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في جنيف، الذي قال: “في حالة شمال غربي سوريا في أعقاب الزلازل مباشرة، كان هناك فريق “البحث والإنقاذ في المناطق الحضرية” USAR واحد في تلك المنطقة، لذلك لا يوجد طلب لفريق UNDAC”.
ولكن بالعودة إلى هذا الفريق، تبين أنه دخل في التاسع من فبراير/ شباط أي بعد أربعة أيام من وقوع الزلزال ، وانتهاء عمليات الإنقاذ. و أكّد مدير “معبر باب الهوى” مازن العلوش أن الفريق الإسباني كان عبارة عن شخصان دخلا إلى سوريا بجهود “مكتب تنسيق الدعم الخيري في إدارة الشؤون السياسية بإدلب”، حيث أجرى جولةً لتقييم الاحتياجات لبضعة ساعات ثمَّ غادر، ولم يكن أعضاؤه مزوّدين بأي معدّات أو فرق للإنقاذ.وقال علّوش: “لم تدخل أي فرق إنقاذ أجنبية إلى سوريا”.
ذات الأمر أكّده محمد الصادق، المسؤول الصحفي في إدارة الشؤون السياسية الذي أشار أنّه في التاسع من فبراير دخل فريق مكون من شخصين من منظمة (open arms) الكتالونية المهتمة بإنقاذ المهاجرين من الغرق في البحر بالإضافة لشخصية من منظمة (دعم الشعب السوري في إسبانيا) واقتصر عمله على توجيه المناشدات والنداءات من الداخل إضافة إلى تدريب فريق من المتطوعين في الداخل على استخدام جهاز المجسات للكشف عن أحياء تحت الأنقاض.
وقال رائد الصالح مدير “الدفاع المدني السوري” قائلاً: “إن هذا الفريق لم يدخل لعمليات الإجلاء أيضاً لأنّه عندما دخل إلى سوريا كانت عمليات الإنقاذ قد انتهت، وتم إنقاذ كل من استطعنا الوصول إليهم وهم أحياء، في حين تم إخراج جثث من ماتوا تحت الأنقاض”.
“لقد كان شيئاً يشبه يوم القيامة، أتذكّر جيداً كيف بدأت أصواتهم تختفي في اليوم الثاني لأننا لا نستطيع إخراجهم بمفردنا، نحتاج المعدات المخصصة لإزالة هذا الكم الكبير من الركام كنا بحاجة لفرق مختصة بذلك”.
لا تدخّل من الحدود التركية
أرجع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، سبب عدم تدخّل فرق الإنقاذ عبر الحدود إلى سوريا إلى “إغلاق الطرق المؤدّية إلى معبر باب الهوى بين سوريا وتركيا” قائلاً: “هناك أمران مهمان لتقديم المساعدات لمنكوبي الزلزال، هما توفير إمكانية الوصول لهم والموارد” مضيفاً أن الطرق المؤدية إلى المعبر تضررت، مما يؤثر مؤقتاً على قدراتنا لاستخدام المعبر كلياً”. ولكن في بعد بضعة ساعات من وقوع الزلزال، وصلت أولى دفعات جثامين تعود سوريين قضوا جراء الزلزال في الولايات التركية المتضرّرة.
وبحسب ما أكد مدير “معبر باب الهوى” مازن العلوش فإنه “في مساء ذات اليوم الذي وقع فيه الزلزال، وصلتنا سيارات تحمل جثامين سوريين قضوا بالزلزال من كل الولايات التركية المنكوبة دون أي مشكلة في الطرقات” لافتاً إلى أن الأمم المتّحدة استأنفت إرسال المساعدات بعد أربع أيام من الزلزال وأرسلت شحنات مساعدات اعتيادية كانت مجدولة قبل وقوع الزلزال”.
وفقاً لمعبر “باب الهوى“، كان عدد الدفعة الأولى من الجثامين 85 جثّة، وتلتها بعدها دخولاً يومياً لقوافل الجثامين حتّى زاد عددها الكلي عن 1200 جثمان، وهو حيث وصلت هذه الجثامين من وسط الولايات المتضرّرة، من دون أن يعيقها تضرّر الطرق المؤدّية إلى سوريا.
اطلعنا على صورٍ وأشرطة مصورة لعمليات نقل الجثث، كما التقى فريق التحقيق مع شهود عيان قالوا أنهم شاهدوا جثثاً ضمن عشرات الشاحنات المسطحة لنقل الحقائب قرب معبر باب الهوى الحدودي بين سوريا وتركيا، على عكس مزاعم الأمين العام للأمم المتحدة.
يتساءل مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني: “لماذا تواجدت هذه الفرق في تركيا ومناطق النظام ولم تدخل إلى شمال سوريا؟ إذا كان النظام قد منعهم يجب أن يقولوا ذلك وإذا كانت تركيا قد منعتهم أيضاً يجب أن يعلنوا ذلك ويزيلون العبئ عنهم لأن الاتهام بالتقصير يقع عليهم كونهم هم المسؤولين.
عبد الغني قال إنّه طالب الأمم المتّحدة بإجراء تحقيق داخلي ولكن حتّى الآن لا يوجد استجابة، مؤكّداً على ضرورة وجود تقرير يشرح الحقائق وسبب هذا التقصير لكوننا نتحدّث عن عشرات كان يمكن إنقاذ حياتهم وهذا الأمر يقتضي تحقيقاً.
عدم التدخّل مخالف للقانون
تكشف رسالة صادرة عن مجموعة من كبار المحامين الدوليين وخبراء القانون وقضاة سابقين في المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، أن أن مرور الفرق الأممية إلى سوريا عبر الحدود قانوني ولا يحتاج إلى تفويض من مجلس الأمن، لكون النزاع في سوريا يخضع للمادة المشتركة الثالثة لاتفاقيات “جنيف” لعام 1949، والتي صادقت عليها سوريا.
وتشير الرسالة إلى أن انتظار تفويض مجلس الأمن في الحالة السورية “غير قانوني”، إذ أكدت محكمة العدل الدولية، وهي الجهاز القانوني الرئيسي للأمم المتحدة، بشكل رسمي أنه “لا يمكن أن يكون هناك شك بإيصال المساعدة الإنسانية للمحتاجين، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو أهدافهم، تدخلاً غير قانوني”.
يقول فضل عبد الغني”: “بغضّ النظر عن جميع الآليات وعملها ومسؤولية كل جهة وتقاطع عملها، فإن هذه الآليات جميعها فشلت في النهاية”.
وقال: “كل مسؤول في الأمم المتّحدة يشرح لنا آليات ويدخلنا في تفاصيل، والنتيجة أن أول استجابة للزلزال كانت في العاشر من شباط، أي بعد 4 أيام من وقوع الزلزال وكانت فرص العالقين تحت الأنقاض قد انعدمت”، لافتاً إلى أنه حتّى هذا التدخّل المتأخر كان عبارة عن استجابة لمن تشرّدوا ونجوا، ولم يكن هناك عمليات إنقاذ للعالقين وهذه النقطة هي التي تسبّبت بزيادة الوفيات.
أمّا سما كيكي فترى أنّه من المفهوم حاجة الفرق والكيانات أن تلتزم بأحد أهم مبادئ القانون الدولي وهو احترام سيادة الدولة، ولكن ليس قانونياً التذرّع بهذه الحاجة حصراً حين يتعرض السكان المدنيون لخطر يهدد حياتهم وبقاءهم، فأحكام القانون الدولي الإنساني هي ذات الاختصاص والأولوية في حالة النزاع المسلح غير الدولي في سوريا.
حتّى الآن ما زال محمد يسمع صراخ طفله من تحت الأنقاض: “لقد كان شيئاً يشبه يوم القيامة، أتذكّر جيداً كيف بدأت أصواتهم تختفي في اليوم الثاني لأننا لا نستطيع إخراجهم بمفردنا، نحتاج المعدات المخصصة لإزالة هذا الكم الكبير من الركام كنا بحاجة لفرق مختصة بذلك”.
درج