تحوّل في أولويات مفوضية اللاجئين “السوريين”/ يقظان التقي
في إشارة إلى التحوّل في الأولويات لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من أمنية إلى مالية، كشف استطلاع في الآراء والنيات لدى اللاجئين السوريين تجريه المفوضية عن رغبة 56% بالعودة، شرط توافر فرص العمل، أي تقدّم العامل الاقتصادي على الوضع الأمني الذي حلّ في المرتبة الثانية. ويشمل الاستطلاع مجموعة خيارات، منها الخوف من استمرار النزاع الدائر، والقلق من عدم الالتزام بالقانون، والخوف من التفجيرات، ونقص الخدمات الأساسية، وانعدام البنية التحتية. فيما لم يشكّل الخوف من التوقيف والاحتجاز قلقاً للفارّين من الأحداث (المرتبة السادسة). وهذا يتناقض مع كل تبريرات مسؤولي المنظمّات الأممية المعنيّة بمتابعة الملف عند أي طرح لعودتهم الآمنة والطوعية إلى بلادهم، ومن أن عودتهم عرضة لخطر التعذيب والاضطهاد. وتدعم نتائج الاستطلاع التحوّلات الإقليمية، حيث تكثف الدول العربية تعاطيها مع الملف، ومع النظام السوري على أمل اتخاذه إجراءات بشأن القضايا العابرة للحدود، منها محنة ملايين اللاجئين، إضافة إلى ملف آخر يتعلق بمليارات الدولارات التي يجنيها من تجارة المخدّرات غير الشرعية.
مقابل 32% من اللاجئين الذين لا يرغبون بالعودة إلى سورية نهائياً ظهر أن هناك أكثر من 56% يرغبون بالعودة، وبانتظار عودة سلطة الدولة للوصول إلى الخدمات الأساسية، وعودة الأمن، وانخفاض معدلات الجريمة، ربطاً بزيادة المدة لتحقيق العودة حتى خمس سنوات، مع رغبة 26% منهم في مغادرة البلدان إلى أماكن أخرى. وقد شملت العينة ثلاثة آلاف لاجئ يمتلكون في غالبيتهم وثائق رسمية صادرة عن الدولة السورية، تثبت انتماءهم، ويتوزّعون على لبنان والأردن والعراق ومصر (عينّة قصديّة). معظم المستطلعين من الراشدين، وسُجل تدنّ طفيف في نسبة الرافضين للعودة خلال 12 شهراً بلغت في لبنان 19%، و97% في الأردن، ونسبة متدنية في مصر 6%، وبحسب بيانات المفوضية، سجل لبنان العدد الأكبر من اللاجئين المسجل رسمياً 805 آلاف، يليه الأردن 600 ألف، ومصر 45 ألفاً، فيما تفيد أرقام الحكومة اللبنانية بأن أعداد اللاجئين تصل إلى أكثر من مليون ونصف مليون، تقل أعمار 51% عن 18 سنة. ويؤكّد الاستطلاع على أوضاع اللاجئين المعيشية السيئة لجهة تلبية حاجاتهم الأساسية ولعائلاتهم، وندرة فرص العمل، والحصول على مساعدات مالية، وحلّ الخوف من الترحيل المرتبة الخامسة، يتبعه التوتر مع المجتمعات المحلية المحيطة. ويتقاطع نشر المعلومات مع الجهود الدبلوماسية العربية أخيراً، وخطط جامعة الدول العربية لتشجيع عودة اللاجئين إلى ديارهم، وإقناع الدول الغربية لتخفيف العقوبات على الدولة المنبوذة.
يأمل الدبلوماسيون أن يأتي اجتماع بروكسل المقبل ليشجع هذا التوجّه في مخطط العودة، وتتمكّن الدول العربية من إقناع الولايات المتحدة وأوروبا لتخفيف العقوبات على سورية، والمساعدة في إعادة الإعمار في المناطق التي دمّرتها الحرب، فمن المنتظر أن يناقش مؤتمر اللاجئين الخطط على أعلى المستويات، مع استمرار وجود انقسامات لجهة اعتمادها على ضمانات أمنية من دمشق. فرّ حوالي ستة ملايين لاجئ من البلاد بعد اندلاع الحرب قبل 12 عاماً، وشرّد عدد مماثل، حيث سحق النظام السوري المدعوم من إيران وروسيا انتفاضة الشعب السوري بوحشية، واستعاد السيطرة على جزء كبير من البلاد. وقد أثارت التحرّكات لإعادة إشراك النظام في جامعة الدول العربية مخاوف من المدافعين عن حقوق الإنسان أن يصبح مخطّط عودة اللاجئين، الذي طرحه الأردن قبل عامين حقيقة من دون ضمانات فعلية. وتتعلق المخاوف بشأن سلامة العائدين، إذ ترافقت المحاولات السابقة لإعادتهم إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام مع تعرّضهم لانتهاكات، على الرغم من تراجع حدّة الصراع الدائر في سورية، فالجماعات الحقوقية وثّقت استمرار الاعتقالات والاختفاء القسري والتجنيد والاضطهاد، كما منع بعض العائدين من الذهاب إلى مناطقهم الأصلية، إذ أجبروا على العيش في مناطق تديرها الحكومة، ويسيطر عليها الأمن السوري وأمن حزب الله. كما تمنع وكالات الأمم المتحدة باستمرار من مراقبة عمليات العودة، ويشكك عمال الإغاثة وبعض المراقبين في أن نظام الأسد مستعد لتغيير سلوكه.
قد تكون خطّة عودة اللاجئين في اجتماعات بروكسل المقبلة طريقة لاختبار ما إذا كان النظام السوري جادّاً، ويمكن الوثوق به لاتخاذ إجراءات، منها الموافقة على عودة آمنة للاجئين، وإجراء إصلاحات تمهّد لمناقشة مساعدته اقتصادياً، مقابل التقدّم في مسألة العودة والمخدّرات. وبعد ذلك يجري تقييم الخطوات وفقاً للدبلوماسيين العرب، مع أن هناك وجهة نظر صادمة للبنانيين والأردنيين والأتراك، مفادها بأن الحكومة في سورية ليست جادّة، ولكنها الطريقة الوحيدة لاختبار هذه الجديّة، من خلال خريطة طريق بعودة عملية هادئة، بعيداً عن أجواء الشعبوية والعنصرية، فضلاً عن توخّي الحذر إزاء حجم الدمار الهائل، الذي تعانيه مناطق العودة، بسبب الحرب، وانهيار الاقتصاد السوري.
يخدم الاستطلاع آمال النظام بالتوصل إلى تسوية سياسية مع المجتمع الدولي، على الرغم من المعارضة الشديدة لها منذ سنوات، حتى إن الولايات المتحدة وأوروبا تبديان اهتماماً محدوداً بسورية. الفكرة القائلة إن ستة ملايين لاجئ سوري في الخارج سوف يندفعون إلى الوطن، إذا ضخت دول الخليج أو غيرها أموالاً في إعادة بناء المدن التي دمّرتها الحرب، هي فكرة خيالية.
يخشى كثيرون على حياتهم. لا يزال عشرات الآلاف من السوريين محتجزين بشكل تعسفي أو مختفين قسرياً. أن يُمنح نظام تسبّب بمقتل نصف مليون شخص، وأجبر 12 مليوناً على ترك منازلهم، انتصاراً دبلوماسياً في بروكسل، ومن المفوّضية الأممية، معنى غير ضروري و”غير مبرّر”.
العربي الجديد