تنامي ظاهرة أطفال الشوارع في مناطق سيطرة النظام في سورية (أطفال دمشق نموذجًا)
ماسة الموصلي
مساعدة باحث: بتول حديد
ملخص الدراسة:
بدأ الاقتصاد السوري بالتدهور، وكذلك القدرة الشرائية لذوي الدخل المحدود الذين يشكلون معظم أُسر الشعب السوري، مع بدء العمليات المسلحة للنظام ضد الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالتغيير التي انطلقت في ربيع عام 2011، ورافق ذلك تزايد في معدلات البطالة، نتيجة لانخفاض فرص العمل؛ بسبب توقف الاستثمار وهروب الرساميل، وتوقف التحويلات من الخارج، وتراجع أداء جميع قطاعات الاقتصاد السلعية والخدمية، وتراجع إيرادات الخزينة العامة خاصة مع خروج الشركات المستثمرة للنفط من سورية وانقطاع إيراداته، بعد سيطرة الفصائل المعارضة على الحقول وقطع خط النقل بين شرق سورية ومصفاتي حمص وبانياس في غربها، واضطرار النظام إلى استعمال موارد الدولة والاحتياطي من النقد الأجنبي، لتمويل الحرب التي يشنها على الشعب السوري[1].
أما بالنسبة إلى معدلات الفقر في مناطق سيطرة النظام، فلا توجد إحصائيات دقيقة، لعدم وجود تعداد سكاني واضح، ومع ذلك ذكر تقرير لليونسيف صدر سنة 2019 أن أربعة من كل خمسة سوريين على الأراضي السورية يعيشون تحت خط الفقر[2]، وقد أكد ذلك المتحدث الرسمي باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك مطلع 2022، إذ قدّر أن 14.6مليون شخص في سورية يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية[3]، وهي نسبة تقارب 90% من سكان سورية اليوم [4].
ونتيجة للحرب وتدهور الأوضاع الاقتصادية، تضخّمت الظواهر الاجتماعية السلبية التي كانت تُمارس قبلها على نطاق محدود نسبيًّا، ومنها ظاهرة أطفال الشوارع، التي سلّطت هذه الدراسة الضوء عليها، وبحثت في الأسباب التي أدت إلى نموها بعد العام 2011، كونها ظاهرة بالغة الخطورة على الطفل وعلى المجتمع وعلى مستقبل الدولة السورية.
وقد تناولت الدراسة في المحور النظري منها مفهوم أطفال الشوارع في التشريعات الدولية، ثم بحثت عنه في القوانين السورية الخاصة بحقوق الطفل، وعن قدرة النصوص الواردة فيها على معالجة الظاهرة، وعن مدى الحاجة إلى سنّ نصوص قانونية جديدة تتناسب وظروف المرحلة الراهنة الناتجة عن الحرب، خاصة أن كثيرًا من هؤلاء الأطفال هم من النازحين ومن الأيتام ومن مكتومي القيد[5]، وممّن لا معيل لديهم يؤمن لهم الرعاية والحماية، إما بسبب السجن والاعتقال أو الخطف والاختفاء القسري أو بسبب فقر الحال، أو بسبب انعدام المسؤولية لديه، الأمر الذي دفعهم إلى التشرد في الشوارع، بحثًا عن مأوى لهم وعن لقمة عيش، عبر التسول أو جمع النفايات من الحاويات أو ممارسة بعض الأعمال الهامشية، مثل مسح زجاج السيارات ومسح الأحذية أو بيع الورود وعبوات المياه أو علب المحارم والبسكويت. وتبين في الدراسة أن هنالك قصورًا في النص القانوني، لناحية معالجة تلك الظاهرة، فالتدابير التي تقدّمها مؤسسات الرعاية الخاصة بالدولة، والتي نُصّ عليها، إن في قانون الأحداث الجانحين أو في قانون العقوبات السوري، تقتضي وصول طلبٍ إلى المحكمة، أو شكوى عن الطفل المشرد، لتتمكن من إصدار قرار بفرض تلك التدابير يحيل الطفل إلى إحدى تلك المؤسسات، ما يعني أن الطفل سيبقى في الشارع، في حال عدم وجود قرار من المحكمة. وتبيّن أيضًا أن ما نصّ عليه قانون حقوق الطفل رقم 21 الصادر في العام 2021، وخاصة في المادة 42 منه، بأن (تكفل الدولة تقديم رعاية بديلة للطفل فاقد الرعاية الأسرية)، لم يُطبّق، وبقي ضمن الإطار النظري للنص القانوني، وقد اتضح ذلك في ضوء نتائج الدراسة الميدانية التي أجريت في مدينة دمشق، حيث تمت دراسة ( 151) حالة من الأطفال المشردين في الشوارع، تبعًا لمتغيرات العمر والجنس والوضع الأسري والعمل والتعليم، وتبين أن الشريحة العمرية بين (10 إلى 14) سنة هي الأكثر وجودًا في الشارع، إذ بلغت نسبتهم من الحالات المدروسة (67%)، وأن 62% منهم ينبشون[6] في الحاويات لجمع الكرتون والبلاستيك لبيعه، واتضح أيضًا أن هناك شخصًا يسيطر على كلّ بضع حاويات في منطقة معيّنة، يقوم بتشغيل الأطفال في عملية الجمع، مقابل أجر يراوح بين خمسمئة وألف ليرة سورية، عن كل كيلو غرام، وأن أغلب هؤلاء الأطفال أميّون لم ينتسبوا للمدرسة قطّ، وبلغت نسبتهم من العدد الكلي للحالات 51%، بينما بلغت نسبة التسرّب من المدرسة الابتدائية إلى الشارع من العدد الكلي 36%.
يمكنكم قراءة البحث كاملًا بالضغط على علامة التحميل
[1] سمير سعيفان، محمود الحسين، دمار قطاع الطاقة في سورية خلال الحرب 2011-2020، مركز حرمون للدراسات المعاصرة / https://2u.pw/jmCFf
[2] https://bit.ly/3N9d5Gy
[3] https://news.un.org/ar/story/2022/02/1094772
[4] Every Day Counts, Children of Syria cannot wait any longer , 2022, https://www.unicef.org/syria/every-day-counts
[5] مكتوم القيد هو الطفل غير المسجل في سجلات الأحوال المدنية السورية، ومهلة تسجيل الطفل حددها قانون الأحوال المدنية بـ (30) يومًا بعد الولادة، وقد أصبح الأطفال مكتومي القيد ظاهرة بعد الحرب، بسبب فقدان الأهل لأوراقهم الثبوتية (دفتر العائلة) وخاصة المهجرين منهم، وبسبب الزواج العرفي غير المسجل قانونيًّا، وقد كثرت حالاته خلال فترة الحرب.
[6] النباش: مصطلح متعارف عليه في دمشق لجامع المواد التي يعاد تصنيعها من القمامة أو مكب النفايات، وهذا عمل يعاقب عليه في فصل العقوبات من قانون القانون رقم 49 لعام 2004 /المادة 38 / https://2u.pw/NRmF7b