ديمومة الكانتونات
مايكل يونغ
يناقش أرميناك توكماجيان وخضر خضّور، في مقابلة معهما، الدراسة التي أعدّاها مؤخرًا حول الحدود الشمالية السورية.
نشر أرميناك توكماجيان وخضر خضّور مؤخرًا دراسة لكارنيغي بعنوان A Fractured Border: Syria, Türkiye, and Cantonization (حدود مفككة: سورية وتركيا والكانتونات).
https://carnegie-mec.org/2023/03/27/fractured-border-syria-t-rkiye-and-cantonization-pub-89377
أرميناك توكماجيان زميل في مركز مالكوم كير–كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، حائز على منحة العريان، وتركّز أبحاثه على قضايا الحدود والنزاع، واللاجئين السوريين، وعلاقة الدولة والمجتمع في سورية. وخضر خضّور باحث غير مقيم في المركز، حيث تركّز أبحاثه على العلاقات المدنية-العسكرية والهويات المحليّة في بلاد الشام، مع تركيز خاص على سورية. يعاين المؤلّفان في دراستهما هذه المناطق الحدودية الشمالية السورية والتفاعل بين سورية وتركيا في المنطقة.
أجرت “ديوان” مقابلة معهما في منتصف نيسان/أبريل لمناقشة هذه الدراسة.
مايكل يونغ: وضعتما مؤخرًا دراسة بعنوان A Fractured Border: Syria, Türkiye, and Cantonization. ما الفكرة الأساسية التي ناقشتماها فيها؟
أرميناك توكماجيان وخضر خضّور: أرست الحرب السورية المستمرة منذ أكثر من عقد من الزمن واقعًا ديموغرافيًا واجتماعيًا واقتصاديًا جديدًا على طول الحدود السورية التركية. هذا الواقع ليس آيلًا إلى الأفول، ولا يمكن حسمه من خلال الحرب. قد يتبلور ذلك في المستقبل عن طريق مساومات بين تركيا ونظام الأسد في سورية، إضافةً إلى دور روسي محوري، ما سيساهم في إعادة رسم خارطة المنطقة الحدودية بما يتماشى مع رغبات الطرفَين. نعتقد أن هذه العملية ستؤدي إلى إدخال تعديلات على الكانتونات التي برزت على الحدود، أي المناطق الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام، في عفرين، وتلك الخاضعة لسيطرة تركيا في إطار عمليتَي “درع الفرات” و”نبع السلام” العسكريتَين، إضافةً إلى المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سورية الديمقراطية ذات الغالبية الكردية. ولم تسهم المفاوضات التي جرت مؤخرًا بوساطة روسية بين تركيا ونظام الأسد إلا في التأكيد على استمرارية هذه العملية.
يونغ: هل يمكنكما تعريف ظاهرة “التقسيم إلى كانتونات” في السياق السوري للقرّاء؟ وما هي الخصائص الأساسية للكانتونات في سورية؟
توكماجيان وخضّور: إن ظاهرة التقسيم إلى كانتونات في سياق النزاعات لم تُقارب نظريًا بصورة جيدة، ويمكن أن تعني أشياء مختلفة في سياقات مختلفة. لكن، ثمة عدد من الخصائص الأساسية للكانتونات في سورية. أولًا، إن الكانتون عبارة عن مساحة تقع خارج سيطرة المركز، أي النظام في دمشق، ويمتلك بالتأكيد قنوات تواصل مع العالم الخارجي، تشمل على سبيل المثال إمكانية الحصول على مساعدات إنسانية عابرة للحدود والوصول إلى الأسواق العالمية. ومن دون هذه القنوات، لا يستطيع الكانتون الصمود والبقاء لعدم امتلاكه ما يكفي من الموارد المحلية لتحقيق الإكتفاء الذاتي.
ثانيًا، تطرح الكانتونات معضلة ديموغرافية، إذ تضمّ شرائح مختلفة من السكان المحليين، الذين نزح عدد كبير منهم داخليًا، ولا يملكون مكانًا آخر يذهبون إليه (داخل البلاد أو خارجها)، ولا يمكنهم التعايش مع النظام الذي لا يستطيع إعادة دمجهم في البلاد أو لا يرغب في ذلك.
ثالثًا، يُعتبر الكانتون إلى حدّ كبير جزءًا من إطار أمني إقليمي أوسع، على حساب الإطار الوطني. فإدلب الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام والإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية التي يهيمن عليها الأكراد لا تندرج ضمن الإطار الوطني الذي صاغته دمشق، لكنهما جزء من الإطار الأمني الإقليمي. أما تركيا فترى أن هيئة تحرير الشام تشكّل حاجزًا وثقلًا موازنًا للوجود الكردي، بينما تُعدّ قوات سورية الديمقراطية الحليف المحلي لواشنطن في حربها ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وتوفر الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية موطئ قدم لاستمرار الوجود الأميركي.
وأخيرًا، يرتبط الثقل السياسي للكانتون ارتباطًا وثيقًا بالدعم أو الحماية السياسية والعسكرية من الخارج. لذا، إن قامت تركيا مثلًا بسحب قواتها من شمال غرب سورية، قد تصبح الجهات الفاعلة المحلية التي تحكم هذه الكانتونات فريسة سهلة للنظام وحلفائه. والأمر نفسه ينطبق على الشمال الشرقي. فعلى الرغم من أن عديد قوات سورية الديمقراطية كبير، إلا أن انتشار القوات الأميركية هناك هو ما يُبقي هذه المناطق خارج قبضة النظام.
يونغ: ما مصير المفاوضات بين سورية وتركيا، ولا سيما بعد أن صرّح الرئيس السوري بشار الأسد مؤخرًا بأنه لن يلتقي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى أن تُنهي تركيا احتلالها لسورية؟
توكماجيان وخضّور: من المرجح ألا يواصل الأسد تحسين المفاوضات الثنائية مع تركيا بوساطة روسية، ما لم يحصل في المقابل على شيء مهم. لن يكون من السهل إيجاد أرضية مشتركة، إذ لا يمكن غضّ النظر عن اثني عشر عامًا من النزاع والمشاكل الديموغرافية والأمنية المتراكمة والمعقدة التي لا بدّ من معالجتها. لذا، نعتقد أننا في صدد عملية طويلة ستشمل جولات عدّة من المفاوضات والمساومات والمقايضات، التي ستكون على حساب الجهات الفاعلة المحلية، إن حصلت.
يونغ: كتبتما أن ظاهرة الكانتونات لن تزول من المشهد في المستقبل القريب، وأن هذه العملية قد لا تكون انتهت. ماذا تقصدان بذلك؟ وما الذي قد يضع حدًّا للكانتونات في سورية؟
توكماجيان وخضّور: لا نعتقد أن هذه الظاهرة ستزول. أضف إلى ذلك أن الجهة الوحيدة القادرة على استعادة السيطرة على أراضٍ إضافية هي النظام السوري، ما قد يعني إدخال تعديلات على الكانتونات القائمة لصالح النظام. مع ذلك، لا يمتلك النظام القدرة، أو حتى الاستعداد ربما، لإحكام قبضته على جميع المناطق الخارجة عن سيطرته، إذ إن ذلك قد يثير مجموعة من التحديات الأمنية والسياسية والإدارية الأخرى. ففي حين يحرص النظام على إحكام قبضته من جديد على مناطق استراتيجية ومصادر اقتصادية في الشمال، تبقى استعادة سيطرته على كامل الأراضي السورية مسألة ثانوية، بما معناه أن الكانتونات ستبقى جزءًا من المصطلحات المستخدمة عند الحديث عن الشمال السوري خلال الفترة المقبلة.
يونغ: كيف أثّرت حرب روسيا في أوكرانيا على قدرتها على لعب دور الوسيط بين تركيا وسورية؟
توكماجيان وخضّور: ساهمت الحرب في أوكرانيا في تسريع التقارب بين سورية وتركيا بوساطة روسية، وأدّت إلى إضعاف نفوذ موسكو في سورية عمومًا. قبل شباط/فبراير من العام 2022، كانت روسيا المرجع الأساسي لسورية على المستويَين الإقليمي والدولي. واضطلعت بدور المفاوض والوسيط بين جميع الأطراف ذات الصلة المحلية والإقليمية وحتى الدولية. لذا، انحسرت هيمنة روسيا في سورية أقلّه في البداية، نتيجة الحرب التي شنّتها في أوكرانيا. فعلى سبيل المثال، حين اندلعت الحرب الأوكرانية، بدأت إيران والدول العربية باتّباع سياسة أكثر استقلالية تجاه سورية، في حين انحسرت الاتصالات المتعلقة بالشأن السوري بين روسيا والغرب بشكل ملحوظ. مع ذلك، بقيت موسكو لاعبًا مهمًا، حتى أنها سعت جاهدةً لاستعادة زمام المبادرة.
ربما تكون الجهود التي بذلتها روسيا في إطار التوسط لإبرام تفاهم بين سورية وتركيا أفضل مثال على محاولات موسكو الاحتفاظ بدور أساسي في سورية. ومن شأن إبرام اتفاق تركي سوري أن يعزّز الوجود الروسي في سورية، وربما يتيح الفرصة أمام روسيا حتى للاضطلاع بدور طويل الأمد في المناطق الحدودية السورية. وقد يؤدي تقارب مع طرف قوي مثل تركيا إلى إخراج النظام من عزلته، ما يُعدّ إنجازًا دبلوماسيًا لروسيا. علاوةً على ذلك، قد يساعد التفاهم مع الأسد أردوغان في حملته الانتخابية الصعبة، بينما تحتاج روسيا إلى الرئيس التركي في سياق حربها في أوكرانيا، وإلى الاستقرار في مناطق نفوذها، مثل سورية والقوقاز ودول الاتحاد السوفياتي سابقًا. فمن شأن أي تصعيد للنزاعات القائمة في سورية أو القوقاز أو آسيا الوسطى مثلًا أن يحوّل مصادر روسيا ويصرف انتباهها عن المغامرة الثقيلة الوطأة التي تخوضها في أوكرانيا. لقد عزّزت جميع هذه العوامل الدور الناشط لروسيا في دعم التقارب السوري التركي.
لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.