قصر بشار الأسد: ملاذ رُعاة الرياضة الفاسدين/ محمد فارس
تداخل الرياضة والسياسة في سوريا، إلى جانب تورّط المسؤولين الفاسدين، يجسّد الافتقار العميق الى النزاهة داخل المؤسسات الرياضية في البلاد، ما يثير مخاوف جدية حول مستقبل الرياضة السورية.
في قصة الكاتب الروسي إيفان كريلوف الشهيرة “الرجل الفضولي”، يفشل زائر المتحف في ملاحظة فيل ضخم بين المعروضات التفصيلية. هذه القصة أعطت ولادة مصطلح “فيل في الغرفة” (بالإنكليزية: There is an elephant in the room)، الذي يرمز إلى التجاهل العمد أو تجنّب قضية ملحّة أو خطر وشيك يتفق الجميع على تجاهله. هذا المصطلح ينطبق تماماً على استقبال رأس النظام السوري بشار الأسد فريق “الفتوة” لكرة القدم في قصر الشعب، بعد فوزهم في الدوري السوري الممتاز.
امتدح الأسد الفريق القادم من محافظة دير الزور، مشيداً بانتصارهم كدليل على قوة الإرادة في هزيمة الظروف الصعبة. وذكرت وكالة “سانا” الرسمية أن الفوز يعكس كيف تنتصر الرياضة على الحرب والإرهاب، بخاصة في دير الزور التي عاشت سنوات عجافاً تحت وطأة أبشع التنظيمات إرهاباً.
وبغية تبديد أي فكرة تفصل بين السياسة والرياضة، أكد الأسد أن فرحة الفوز ببطولة الدوري تحمل أهمية وطنية. وحضرت الاستقبال شخصيات بارزة في الرياضة السورية، بمن فيها رئيس الاتحاد الرياضي العام، فراس معلا، ورئيس اتحاد كرة القدم، صلاح الدين رمضان.
وللمفارقة، كان من بين الحاضرين، مدلول عمر العزيز، رئيس نادي “الفتوة” وعضو في البرلمان، والذي تم إلقاء الحجز الاحتياطي على أمواله أخيراً إلى جانب مسؤولين سابقين آخرين متهمين بالتهريب. ويشتهر العزيز بمشاركته في تهريب المخدرات والنفط إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) عبر معابر نهر الفرات بمساعدة الميليشيات الإيرانية و”حزب الله” اللبناني.
ووفقاً للتقارير، يُعتقد أن العزيز كانت لديه صلات مع جبهة النصرة، التنظيم المرتبط بتنظيم القاعدة، قبل هروبه إلى دمشق. وبعد وصوله إلى العاصمة، تطوع في إدارة المخابرات الجوية. واستغل العزيز صلاته المتميزة لتشكيل ميليشيا تضم أفراداً من عشيرته العبيدات، وهي فخذ من قبيلة البقّارة. بالإضافة إلى ذلك، نجح في الحصول على أصول مهمة في دير الزور، يُقدر أحدها بنحو نصف مليار ليرة سورية (نحو 200 ألف دولار أميركي)، بفضل شبكته وارتباطاته داخل “الجوية”.
علاوة على ذلك، وطّد العزيز علاقة وثيقة مع اللواء فايز جمعة، قائد موكب الرئيس السوري. كما عزز علاقته بعائلة قاطرجي، المقربة من الأسد، ما سمح له بتأمين عقود نفط في المنطقة الشرقية. ومن خلال شركته “شام العزيز”، شارك في استيراد وتصدير وتجارة وتوزيع مواد وأدوات البناء والمشتقات النفطية.
في حزيران/ يونيو 2021، تولّى العزيز رئاسة نادي “الفتوة”، وتلقى شكراً من لجنة الانضباط والأخلاق في اتحاد كرة القدم السوري على تهدئة الجماهير وتسهيل عمل الحكام خلال المباريات. لكن اتحاد الكرة أوقفه موقتاً بسبب اقتحامه أرض الملعب واعتراضه واستهزائه بحكم مباراة في كانون الثاني/ يناير الماضي، مخالفاً الأخلاق الرياضية.
واتهمت وسائل إعلام عدة العزيز بالاستفادة من نشاطه في الرياضة كغطاء لغسيل الأموال. فبفضل علاقاته الوثيقة بمسؤولي الحرس الثوري الإيراني في دير الزور، غدت لديه سطوة كبيرة في المحافظة، حيث أقام حواجز للتفتيش الأمني وسيطر على معابر يستخدمها في التهريب. كما ويُزعم أن العزيز يسيطر على بئر نفط في حقل الخراطة، جنوب غربي دير الزور، تحت حماية ميليشيا الباقر السورية، وهي إحدى أكبر الميليشيات الموالية للأسد في المنطقة.
ويؤكد دعم العزيز المالي للمركز الثقافي الإيراني في دير الزور، صلته بإيران وتأثيرها في المنطقة.
ومع ذلك، لا تقتصر الاتهامات بالفساد على العزيز وحده. فقد اتُّهم أنور عبد الحي، الرئيس السابق لنادي “الوحدة” الدمشقي، فراس معلا، رئيس الاتحاد الرياضي، بالتورط في نهب مئات آلاف الدولارات. وقال عبد الحي إن معلا تستّر على الفساد وضغط على قضاة لوقف التحقيقات فيه. وعلى رغم اعتذار عبد الحي في وقت لاحق، فقد كان قد كشف سابقاً عن فساد داخل نادي “الوحدة”، وطالب بتدخل الأسد لإنقاذ الرياضة السورية من الدمار.
وبشكل لافت، تزامن فوز فريق “الفتوة” مع الذكرى السنوية لوفاة الشيخ الكردي محمد معشوق الخزنوي، الشخصية المعارضة التي برزت بعد اشتباكات خلال مباراة كرة قدم بين فريقي “الفتوة” و”الجهاد” في عام 2004. وشارك الخزنوي في الانتفاضات الكردية وأثار بذلك غضب دمشق. وتتهم عائلته الرئيس الأسد وشقيقه ماهر باختطافه وتعذيبه وقتله.
تداخل الرياضة والسياسة في سوريا، إلى جانب تورّط المسؤولين الفاسدين، يجسّد الافتقار العميق الى النزاهة داخل المؤسسات الرياضية في البلاد، ما يثير مخاوف جدية حول مستقبل الرياضة السورية.
ويبدو أن استقبال الأسد فريق “الفتوة” كان مصمماً لإضفاء صورة من الاستقرار والأوضاع الطبيعية التي تعيشها البلاد. ومع ذلك، فإن تورط العزيز والاتهامات المستمرة له بالفساد، تلقي الضوء على مشكلة داخل نظام الأسد، وهي قضية لا يمكن تجاهلها ببساطة. وهي تطرح السؤال عن هوية ذلك الفيل القابع في قصر الأسد.
درج