“لا أحد ينظر إلينا”.. مصير مجهول ينتظر عشرات آلاف السوريين في السودان/ ضياء عودة
بينما تسابق العديد من الدول الزمن لإجلاء رعاياها من السودان، يعيش عشرات آلاف السوريين هناك حالة من التيه الكامل.
“الكثير منهم لا يعرف أين يذهب”، وآخرون “ينتظرون الأوكي من السفارة السورية في الخرطوم”، حسب ما كشف أحد الشبان العالقين في مناطق الاشتباك في حديثه لموقع “الحرة”.
وتشير معظم المعطيات، بعد مرور أكثر من أسبوع على القتال الدائر بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”، على أن البلاد تتجه إلى حالة متصاعدة من المعارك، مما دفع دول عربية وغربية للبدء بعمليات الإجلاء، فيما اتجهت أخرى لإغلاق سفاراتها بالكامل حتى إشعار آخر.
وفي حين تتركز الأنظار حاليا على نحو أكبر تجاه عمليات الإجلاء، وتفاصيلها المتسارعة، يترقب السوريين، وهم أكبر الجاليات في السودان، “مصيرا مجهولا”، في ظل غياب أي إعلان رسمي من السلطات السورية لبحث مصيرهم، وما إذا كانت هناك إمكانية أو استعدادات لعملية إجلائهم في الأيام المقبلة.
ويشوب وضع اللاجئين السوريين في السودان الكثير من العقبات والحواجز، حسب ما يشير البعض منهم، ترتبط بالطريقة التي وصلوا إليها إلى السودان في السنوات الماضية، والأسباب التي دفعتهم إلى ذلك.
وهناك الكثير من الشبان المطلوبين أمنيا لسلطات النظام السوري، وآخرون ممن تخلفوا عن الخدمة العسكرية، وبذلك وفي حال أعلنت سفارة النظام في الخرطوم استعدادها لعملية الإجلاء، لن يسلك الكثير منهم هذا الطريق، رغم أن الطرق الأخرى وفي معظمها “مغلقة”.
ويعيش أكثر من 90 ألف لاجئ سوري في العاصمة الخرطوم، وأجزاء أخرى من السودان، وفقا لأرقام الأمم المتحدة لعام 2021، ومنذ اندلاع القتال بين الجيش السوداني و”قوات الدعم السريع” لا تعرف الظروف التي يعيشونها، وإن كان من بينهم ضحايا أو مصابون.
ويشير تقرير لـ”المرصد السوري لحقوق الإنسان”، نشر الاثنين، إلى أن “المصير المجهول يلاحق نحو 90 ألف سوري من السودان، وسط تقاعس النظام السوري عن التدخل لنقلهم”.
وجاء في التقرير: “النظام السوري قتل شعبه داخل وطنهم فكيف يحميهم خارج أسوارها”، ونقل المرصد نداء استغاثة من لاجئين، نتيجة تعرضهم للخطر، بسبب القصف وعمليات السلب والنهب.
كما نقل مطالب بإنقاذ العائلات السورية في العاصمة السودانية الخرطوم، والتدخل السريع لحماية السوريين وإجلائهم، ولاسيما بأن “الكثير منهم مطلوبين للنظام، ولا يستطيعون العودة إلى بلادهم، وقلة قليلة من الدول التي قد تستقبلهم لمجرد أنهم سوريون”.
“الأوضاع كارثية”
وعلى مدى الأيام الماضية، وبينما كانت الكثير من العوائل تحاول الخروج من العاصمة السودانية الخرطوم، لم يتمكن الشاب السوري محمود البكار، وعائلته، من سلوك ذات الطريق، ويقول لموقع “الحرة” بينما تصل رسائله بشكل متقطع على تطبيق المراسلة “واتساب”: “لا يوجد أحد قادر على إخراجنا من هنا”.
ويضيف أن عوائل سورية تمكنت من الخروج إلى ولايات سودانية أخرى أكثر أمانا “بعد دفعها مبالغ طائلة”، ومع ذلك “هناك الكثير من العالقين، دون وضوح المصير الذي سيكونون عليه”.
وينتشر غالبية السوريين المسجلين، وغير المسجلين، لدى مكاتب الأمم المتحدة في العاصمة الخرطوم، ويعيش هؤلاء في ظروف صعبة، في ظل صعوبة التنقل للوصول إلى منطقة آمنة، وإغلاق المجال الجوي في مطار الخرطوم الدولي.
ويوضح مدير “المرصد السوري”، رامي عبد الرحمن لموقع “الحرة” أنهم وجهوا نداء خلال الأيام الماضية للأمم المتحدة ومفوضية اللاجئين “من أجل تحمل مسؤولياتها بخصوص أكثر من 65 ألف سوري، بحسب التوثيقات الرسمية”.
ويقول عبد الرحمن: “السوريون الآن يتعرضون للضغط من قبل المقاتلين في السودان، وعلى أنهم عبء. الأوضاع كارثية إلى أبعد الحدود. لدينا عائلات انقطع التواصل معها، وبعضها كان يعيش على التمر والماء في الأيام الأولى من المعارك”.
“النظام فاشل ولا يستطيع القيام بأي شيء. حتى لو أراد البدء بعملية الإجلاء من سيعود من السوريين الذين دفعوا مبالغ طائلة للخروج من مناطق سيطرته؟”، حسب ما أضاف مدير “المرصد السوري”.
وتواصل موقع “الحرة” مع مكتب مفوضية اللاجئين في السودان للحصول على إجابات بخصوص وضع اللاجئين السوريين في أماكن القتال، إلا أنه لم يتلق ردا حتى ساعة إعداد هذا التقرير.
من جانبه، وبينما لم يصدر أي بيان رسمي من جانب وزارة الخارجية السورية، نقلت وسائل إعلام شبه رسمية عن مصدر لم تسمه قوله إن “دمشق تتابع بقلق الأحداث الجارية في السودان الشقيق وتتمنى للشعب السوداني الأمن والاستقرار”.
وأضاف المصدر: “كما تتابع سوريا باهتمام كبير أوضاع الجالية السورية والبعثة الدبلوماسية في السودان الشقيق”، وأن “السفارة السورية في الخرطوم وجهت إلى تسجيل أسماء الجالية السورية الراغبين بالإجلاء، وفق الإمكانات المتاحة وفي إطار الحفاظ على حياة السوريين بعيدا عن الأخطار المحتملة”.
“ننتظر الموافقة”
وتسببت الاشتباكات المستمرة حتى الآن بمقتل أكثر من 420 شخصا وإصابة 3700 بجروح، ودفعت عشرات الآلاف للنزوح من مناطق الاشتباكات نحو ولايات أخرى، أو في اتجاه تشاد ومصر.
غير أن التقديرات ترجح أن يكون العدد الفعلي للقتلى أعلى بكثير، مع عدم تمكن الأطباء والعاملين في المجال الإنساني من الوصول إلى المحتاجين.
وكان للسوريين نصيب من حوادث القتل، سواء عبر العصابات أو بعد تعرضهم للقذائف والرصاص الطائس، ومع غياب إحصائية رسمية عن عددهم، نقلت مواقع محلية سورية عن مصادر من “أبناء الجالية السورية” قولها إن عدد الضحايا ارتفع إلى 11 شخصا.
وتحدث موقع “أثر” المحلي ومقره دمشق عن “مباحثات دبلوماسية بين السفارة السورية في الخرطوم ووزارة الخارجية والمغتربين، بهدف البحث في أوضاع أبناء الجالية السورية”.
“ومن المتوقع أن يصدر شيء رسمي بهذا الخصوص قريبا”، فيما أشار الموقع إلى أن “المسألة تحتاج إلى وجود قرار رسمي عال المستوى، خاصة أنّ إجلاء أبناء الجالية، البالغ عددهم نحو 30 ألف سوري يحتاج إلى إمكانيات كبيرة جدا”.
ومنذ أسبوع ينتظر الشاب السوري إياد “ردا من السفارة مع سوريين آخرين، لكي ترشدهم عن طرق الإجلاء وكيفية التنسيق”، ويقول لموقع “الحرة” إن غالبية العوائل السورية “لا تعرف أين تذهب بحالها”.
“السوري يحتاج في أي مكان فيزا للسفر”، ويضيف الشاب، الذي فضل عدم ذكر اسمه لاعتبارات أمنية: “هناك بعض السوريين تواصلوا مع السفارة، لكن تم إبلاغهم بأن الأمر يحتاج لرد من الخارجية في دمشق”.
ويشير إلى أنهم “تلقوا الوعود بأن السفارة ستصدر بيانا بشأن طريقة الإجلاء في الساعات المقبلة”، وأنهم “يتمنون أن يكون هناك استعجالا في هذا الخصوص”. ويتابع: “ما ننتظره في الوقت الحالي هو (الأوكي) من جانبها”.
وتحدث الصحفي السوداني، مصعب خليل الحاج، عن “استنجاد ونداءات استغاثة” عبر المجموعات الإخبارية السودانية من قبل السوريين، ويوضح أن كثيرون “يسألون عن إخواتهم وأصدقائهم المفقودين”.
ويقول الصحفي لموقع “الحرة”: “الكثير من أبناء الجالية السورية يقيمون وسط الخرطوم، وفي المناطق التي تشهد حدة الاشتباكات”.
“لا أحد ينظر إلينا”
ولسنوات طويلة كان السودان وجهة الكثير من السوريين، سواء الذين قرروا الفرار من داخل البلاد، أو من دول مجاورة ارتفعت فيها أصداء العنصرية اتجاههم، لكن وبعد سلسلة القرارات التي أصدرتها الحكومة السودانية تغيّر الحال رأسا على عقب.
ومنذ تلك الفترة، غادرت الكثير من العائلات البلاد باتجاه أوروبا، أو إلى مصر وليبيا، بينما فضلت عائلات ميسورة البقاء، كونها اعتبرت السودان البلد الآمن والملاذ الأخير لها، في ظل صعوبة الحصول على تأشيرة إلى بلدان أخرى.
لكن في الوقت الحالي، ومع اشتداد القتال داخل الأحياء والمناطق السكنية، بات من بقي من العائلات مضطرا لخوض رحلة جديدة من الغربة، تبدو معقدة على نحو كبير قياسا بالفترات السابقة من اللجوء والهجرة.
وتشرح السورية هبة المهيد، إحدى الطبيبات السوريات اللاتي قصدن السودان خلال السنوات الماضية، كيف وصل حالها مع اشتداد المعارك، حيث تقيم وسط الخرطوم، وتقول إنها تنتظر فقط مع عائلتها “رحمة رب العالمين”.
وتضيف الطبيبة السورية لموقع “الحرة”: “شبكة الإنترنت اليوم باتت منقطعة بنسبة 90 في المئة. لا يوجد رصيد لكي نشحن. الوضع الأمني سيء جدا”.
وتتابع، بينما كانت تصل رسائلها عبر تطبيق “واتساب” بصورة متقطعة: “في أي لحظة قد تدخل العصابات المنزل وتقتل وتنهب. لا مياه ولا مواد غذائية”، و”لا يوجد أي إنسان في شوارع الخرطوم في الوقت الحالي”.
وتشير المهيد إلى أنها، وسوريين آخرين، ناشدوا سفارات عدة في الخرطوم من أجل تنسيق عملية النقل إلى بورسودان أو ولاية الجزيرة، إلا أنهم “لم يتلقوا أي رد حتى الآن”.
وتشرح كيف أن انقطاع الحوالات المالية زاد من كارثية الوضع لدى الكثير من العائلات السورية، في وقت باتت تكلفة تذكرة الانتقال من الخرطوم إلى الولايات الأكثر أمانا تبلغ “300 دولار للشخص الواحد”.
من جانبه يضيف الشاب السوري إياد أن “الأسعار في العاصمة السودانية باتت مضاعفة إلى حد كبير، والاستغلال لا يتخيله عقل”، وفق تعبيره، مشيرا: “للأسف.. السوريون في السودان أكبر جالية ولا أحد ينظر إلينا”.
ضياء عودة
الحرة