“المطبعون متواطئون في جرائم الحرب”.. ماذا قال “حفار القبور” بالكونغرس الأميركي؟
إسطنبول – تلفزيون سوريا
شدد الشاهد السوري المعروف باسم “حفار القبور” على أنه من الضروري ألا تعترف الولايات المتحدة الأميركية، بما في ذلك الإدارة الحالية أو أي إدارة مستقبلية، بنظام الأسد كحكومة شرعية لسوريا، مؤكداً أن النظام السوري استغل كارثة الزلزال لتهريب المقاتلين الإيرانيين والأسلحة لقتل السوريين.
جاء ذلك بشهادته في جلسة الاستماع التي عقدتها لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي بشأن جرائم النظام السوري، وسياسة الولايات المتحدة للسعي إلى المساءلة في سوريا، تحت عنوان “12 عاماً من الإرهاب: جرائم حرب الأسد والسياسة الأميركية للسعي إلى المساءلة في سوريا”، والتي اطلع عليها “تلفزيون سوريا”.
أجساد الضحايا تحكي قصصاً مؤلمة
قال “حفار القبور” إنه كان شاهداً على مقابر جماعية في سوريا بين عامي 2011 و2018، موضحاً أنه “تم تعذيب الرجال والنساء والأطفال والمسنين بأكثر الطرق سادية، وتم إعدامهم من قبل نظام الأسد وإيران وروسيا، ثم ألقي بهم بقسوة في الخنادق، ومصيرهم مجهول لأحبائهم”، مضيفاً أن “أرواحهم ضائعة، ولا يمكن خلاصهم، وهم يطالبون بالعدالة، في حين ينتظر عشرات الآلاف غيرهم التحرير وهم يقبعون في زنازين الأسد”.
وخلال عمله كموظف إداري في بلدية دمشق أوائل العام 2011، أُمر “حفار القبور” من قبل مسؤولي استخبارات النظام بالعمل معهم، موضحاً أنه شهد، أحياناً مرتين كل أسبوع، وصول ثلاث شاحنات مقطورات محملة بما يتراوح بين 300 و600 جثة لضحايا التعذيب والمجاعة والإعدام من المستشفيات العسكرية وفروع المخابرات في محيط دمشق، وفي أحيان أخرى مرتين كل أسبوع، ثلاث أو أربع شاحنات صغيرة فيها 30 إلى 40 جثة، لا تزال دافئة، لمدنيين تم إعدامهم في سجن صيدنايا.
وأضاف الشاهد السوري أنه “لا توجد كلمات يمكنها تصوير المشهد الذي كنت أتعرض له كل يوم، رجال ونساء وأطفال ورضع وكبار السن لا حصر لهم، مع علامات على أجسادهم، تحكي قصة وفاة مؤلمة بشكل قاسٍ، وغالباً ما وجدت نفسي أتساءل عن مدى معاناة كل شخص قبل أن يُسمح له أخيراً بالموت، ولذلك فإن علامات التعذيب على أجسادهم شيء لن أنساه أبداً”.
آلية موت منهجية مستمرة حتى اليوم
وعما شهده، قال “حفار القبور” إنها “قصص تجعلني مستيقظاً في الليل”، وفي إحداها ألقت إحدى الشاحنات المقطورة محتوياتها المكونة من عدة مئات من الجثث الميتة في الخندق أمامه، وفي بعض الأحيان كانت الجثث تسقط على حافة المقبرة الجماعية، وقال إنه فوجئ عندما رأى جثة أم شابة هامدة مع علامات واضحة للتعذيب لا تزال ممسكة بطفلها الرضيع وهي تحتضنه على صدرها.
وقال الشاهد السوري “لم أرغب في دفنها مع جثث معظمها من الذكور في الخندق، وأردت دفنها هي وطفلها جانباً أو أعلى المقبرة الجماعية، فسألت ضابط المخابرات عما إذا كان من المقبول ذلك، لكنه وبخني بسرعة وأمر بإلقائها في المقبرة الجماعية”.
وفي قصة أخرى، ذكر أنه عندما كانت شاحنات المقطورات تفرغ مئات الجثث بشكل غير متوقع، رأينا حركة في إحدى الجثث، كان هناك رجل على وشك الموت، يستخدم بشكل يائس آخر طاقته ليشير إلى أنه ما زال على قيد الحياة، فقال أحد العمال المدنيين وهو يبكي إن علينا القيام بشيء ما، إلا أن ضابط المخابرات المشرف أمر بقتل الرجل بسرعة، أما العامل المدني الذي تجرأ على البكاء على الضحية فلم نره مرة أخرى.
وأشار “حفار القبور” إلى أنه “أنا وزملائي المكلفون بدفن جثث الضحايا في المقابر الجماعية كنا قابلين للتغير، فإذا أظهرنا أي تعاطف فهذا يعني موتاً مؤكداً، وإذا تأخرنا يوماً ما فهذا يعني الاعتقال في الزنزانات نفسها التي تخرج منها هذه الجثث المعذبة التي نضعها في مثواها الأخير”.
ووفق الشاهد السوري، فإنه بشكل يومي على مدار عدة أسابيع، كان سائقو الحفارات والجرافات يحفرون خنادق بعمق 23 قدماً وعرض 9 إلى 10 أقدام وطول 400 إلى 600 قدم موازية بعضهم بعضاً، وبشكل أسبوعي كانت هذه الخنادق تمتلئ بأعداد لا تحصى من جثث المدنيين.
وأكد “حفار القبور” أن “آلية الموت المنهجية هذه تستمر حتى يومنا هذا”، مشيراً إلى أنه تم اعتقال سائق الجرافة الذي حفر المقابر الجماعية في أحد المواقع جنوبي دمشق لمدة عام كامل لمنعه من مشاركة ما شاهده، وتعرض للتعذيب وترك ليموت لكنه نجا وهرب بأعجوبة من سوريا، وهو موجود في جلسة الاستماع في مجلس النواب الأميركي، لكنه لا يستطيع مشاركة وجهه أو اسمه، مضيفاً أن “وجوده بمنزلة تذكير بالوحشية اللاإنسانية لهذا النظام، وهو النظام نفسه الذي قررت بعض الدول، بشكل مخجل، التطبيع معه، وهو نظام تستمر حكومة الولايات المتحدة في الاعتراف به، في حين يجب أن يكون الاعتراف الوحيد بالأسد كمجرم حرب إبادة جماعية، يذكرنا بأسوأ الناس في تاريخ البشرية”.
إفلات الأسد مما فعله رسالة للطغاة الآخرين
وشدد “حفار القبور” على أنه “من الضروري ألا تعترف الولايات المتحدة، بما في ذلك الإدارة الحالية أو أي إدارة مستقبلية، بنظام الأسد كحكومة شرعية لسوريا، وألا تطبع العلاقات مع هذا الديكتاتور الفظيع”، مضيفاً أنه “لا يمكن أبداً أن تكون هناك مساءلة لعشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء الذين رقدوا في المقابر الجماعية في سوريا إذا تم قبول المسؤولين عن هذا التعذيب الوحشي والقتل والدفن اللاإنساني في المجتمع الدولي”.
وأشار إلى أن “الشعب السوري يتطلع إلى الولايات المتحدة للتأكد من أن هناك عواقب لأولئك الين يطبعون مع النظام السوري”، موضحاً أن “السماح للأسد بالإفلات مما فعله يبعث برسالة إلى الدكتاتوريين والطغاة الآخرين مفادها أنهم يستطيعون أيضاً القتل والتهجير والتعذيب من أجل الاحتفاظ بالسلطة، أو قمع الدعوات الحقيقية للديمقراطية”.
“قانون قيصر” أكثر الأدوات قيمة بيد الولايات المتحدة
وعن التطبيع العربي مع النظام السوري، قال “حفار القبور” إنه حين دعت الإمارات بشار الأسد إلى عاصمتها في ذكرى الثورة السورية، ورحبت به بـ 21 طلقة، فإن ذلك “يعد سابقة خطيرة”، وحين تقرر السعودية السماح للخطوط الجوية السورية، الخاضعة لعقوبات “قانون قيصر”، بالهبوط في مطاراتها أيضاً “تشكل سابقة خطيرة”، وحين تقرر دولة مثل الدنمارك تقويض وحدة جهود الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لعزل الأسد فإنها أيضاً “تشكل سابقة خطيرة”.
وشدد على أنه “يجب على الولايات المتحدة أن تضمن أن كل محاولة للاعتراف بنظام الأسد أو تطبيع العلاقات معه ستقابل بإدانة عامة وخاصة واضحة، وعواقب حقيقية”.
وأوضح أن “قانون قيصر” يعد “أحد أكثر الأدوات قيمة في يد الولايات المتحدة للتأكد من أن نظام الأسد لا يمكنه الاستفادة اقتصادياً من مجموعة واسعة من المعاملات التجارية”، مضيفاً أنه “من الضروري أن يتم تطبيق هذا القانون إلى أقصى حد، لعرقلة فرص النظام في الاستفادة من أشياء مثل خط الغاز العربي”.
ولفت “حفار القبور” إلى أنه “تحت إدارة الرئيس بايدن، لم نشهد أي تنفيذ حقيقي لقانون قيصر، ونحن كشهود وناجين ومدنيين سوريين نطالب الكونغرس بالضغط على إدارة بايدن لتطبيق قانون قيصر من أجل وقف التطبيع وتمويل نظام الأسد”، مؤكداً على أنه “إذا كان قانون قيصر كما هو غير كافٍ، فإننا نناشد لتشريع عقوبات جديدة أو تنقيحات لقانون قيصر تستهدف هذا النظام وكل أولئك الذين يسعون إلى تمكينه”.
نظام الأسد استغل كارثة الزلزال لتهريب المقاتلين والسلاح
من جانب آخر، قال “حفار القبور” إن نظام الأسد استغل كارثة الزلزال لتهريب المقاتلين الإيرانيين والأسلحة لقتل السوريين، تحت غطاء المساعدات، موضحاً أن النظام “تلقى أطناناً من المساعدات من الأمم المتحدة وحكومات أخرى، قام بنهبها بعد ذلك بدلاً من تقديمها للمحتاجين”.
وأشار إلى أنه “رأيت شعبي يعاني بشكل كبير في مناطق شمال غربي سوريا، وشهدت الاستجابة المخزية للأمم المتحدة، التي سمحت لنظام الأسد بعرقلة تقديم المساعدات الضرورية المنقذة للحياة عبر النقاط الحدودية، بما فيها تلك التي لا يسيطر عليها”.
وأكد على أنه “حان الوقت لسياسة مساعدات ذكية وأخلاقية لإفادة الشعب السوري وليس نظام الأسد، من خلال آلية دائمة عبر الحدود تسمح بالتوفير غير المقيد والمستمر للمساعدات الإنسانية عبر المعابر الحدودية الأربعة في شمالي سوريا”.
المطبعون مع الأسد متواطئون في جرائم الحرب
ووفق الشاهد السوري فإنه “قد يقول كثير من الناس إنه لا يوجد شيء يمكننا القيام به، وإن سوريا قضية خاسرة ويجب علينا قبول الأسد، لكن هذا ببساطة ليس صحيحاً”.
وأضاف أنه كمثال على ذلك، “إذا كان موظف بلدية من دمشق أجبر على دفن مئات الآلاف من المدنيين، تمكن من أن يجد طريقه للوقوف أمام أعضاء أقوى هيئة تشريعية في العالم، وشاركهم الفظائع التي شهدها، فإن هناك أملاً. وإذا كان سائق الجرافة، الذي أُجبر على حفر مقابر جماعية ثم أُمر باعتقاله وتعذيبه وإعدامه، تمكن من الهروب وهو الآن معنا هنا، فإن هناك أملاً. وإذا كان بإمكان قيصر، وهو رجل عادي، أن يأخذ مثل هذه المخاطر الشخصية ليُظهر للعالم ما يحدث في سوريا من خلال صوره، فإن هناك أملاً”.
وأضاف أنه “إذا استمر الشعب السوري في الخروج كل يوم، واستمر في الوقوف للمطالبة بالعدالة والحرية والديمقراطية، على الرغم من إيران والأسد وروسيا والصين، فهناك أمل”.
وقال “حفار القبور” إن “أولئك الذين يطبعون مع النظام السوري هم متواطئون وشركاء في جرائم الحرب التي ارتكبها الأسد”، مطالباً لجنة الشؤون الشؤون الخارجية بـ”تذكير إدارة بايدن بأنه يجب ألا تنحرف عن سياسات الإدارات الجمهورية والديمقراطية السابقة، التي دانت علانية تطبيع الأسد، وعملت بفاعلية لمنعه”.
وأكد على أنه “أنا هنا لأنني مثل العديد من أخوتي وأخواتي السوريين، نعلم أن الولايات المتحدة أفضل من هذا، فأنا هنا في جلسة اليوم لأن هذه اللجنة تقدر العدل والحرية، وأنا هنا اليوم لأنه بعد 12 عاماً من أسوأ الفظائع في القرن الحادي والعشرين، لا يزال كثير من السوريين يثقون بالشعب الأميركي، ونعتقد أن الكلمات لن تتكرر مرة أخرى”، مشدداً أنه “يجب ألا تكون شعارات فارغة، بل يجب أن تكون وعداً مقدساً بأنه يمكن للسوريين والعديد من الدول الأخرى العيش بحرية وعدالة وكرامة”.
وختم “حفار القبور” السوري شهادته بالقول إنه “بعد 12 عاماً من أسوأ الفظائع في القرن الحادي والعشرين، قمنا بدفن مئات الآلاف من المدنيين الأبرياء، ولكن لا يزال كثيرون محتجزين في زنزانات الأسد، وما يزال الملايين يعيشون تحت قصف النظام وإيران وروسيا، ويجب أن نقف معهم وليس مع جزارهم”، مشيراً إلى أن “شهادتي اليوم هي عبء أضعه على عاتقكم كأعضاء في الكونغرس، وكأميركيين، وكبشر”.
تلفزيون سوريا