تشكيل الحكومة السورية الجديدةسياسة

الحكومة السورية الانتقالية: المهام، السير الذاتية للوزراء، مقالات وتحليلات تحديث 04 نيسان 2025

لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي

تشكيل الحكومة السورية الجديدة

————————

التحدّيات أمام الحكومة الانتقالية في سورية/ عمار ديوب

03 ابريل 2025

تشكّلت الحكومة الانتقالية في سورية أخيراً (الخطوة الأكثر أهميةً في المرحلة الانتقالية)، وتأتي بديلاً من حكومة مؤقّتة شُكّلت عقب رحيل النظام السابق. هذه الخطوة تأسيسية للنهوض بالدولة في المرحلة الانتقالية، وستشكّل ممارساتها مقياساً للسياسات الهادفة إلى النهوض بالدولة التي أعلنها الوزراء (والرئيس أحمد الشرع) في أثناء إلقاء الكلمات. لقد شكّكت قطاعات واسعة من السوريين طوال الأشهر الأربعة السابقة بوجود الدولة، وأن هيئة تحرير الشام، وقد سيطرت على سورية، تُمكّن لنفسها سلطةً مطلقةً وتتحكّم بالدولة، ولا سيّما أنها وضعت أغلبية كوادرها في قيادة الجيش والقضاء والعدل والطاقة والخارجية والداخلية، وهي الوزارات التي أتت من نصيب الإدارة، أي من نصيب هيئة تحرير الشام، التي وضعت كوادرها في الأشهر السابقة في كل مؤسّسات الدولة وأجهزتها. والآن، هناك قراءة تقول إن الوزراء الجدد من غير المذكورين سيكونون مكبّلي الأيدي بتلك الكوادر. وبالتالي، سيُواجَهون بمختلف التحدّيات المتعلّقة بترهّل مؤسّسات الدولة، ومنذ 2011، وكيفية مواجهة تعليمات وفِكَر وآراء وسلوكيات هذه الكوادر.

يشكّل وزراء الإدارة الكتلة الصلبة في وضع سياسات الوزارة العامّة مع الرئيس. ومن ناحية أخرى، يشكّل النهوض بالدولة والاشتراطات الدولية عاملاً ضاغطاً لتقييد الكتلة الصلبة في فرض سياساتها، وليس من الصواب الثرثرة هنا في أن الإدارة ستكرّر ما كانت تفعله في إدلب، لكنّ خبرات الإدارة ووزرائها محدودة للغاية، ووزير العدل آتٍ من خلفية سلفية وليس من خلفية قانونية، وهذه مشكلة كبرى ستواجه قضاة وزارة العدل. وأيضاً، هناك فشل وزير الدفاع، وتبيّن ذلك في عدم قدرته على ضبط بعض الفصائل التابعة لوزارته، وقد ارتكبت مجازر وانتهاكات طائفية في النصف الأول من الشهر الماضي (مارس/ آذار)، ولم تتوقّف الانتهاكات قبل التاريخ السابق ولا بعده. ويتخوّف السوريون من القرار 53، الذي (عدا عن عدم اختصاص وزارة الخارجية) يقضي بتشكيل “الأمانة العامّة للشؤون السياسية”، والذي نصّ على الاستيلاء على أصول حزب البعث والجبهة الوطنية التقدّمية. وهناك من يؤكّد أنّ السلطة، عبر هذا القرار، في طريقها إلى تأسيس حزب جديد، حزب السلطة، والخشية من أن يكون بديلاً من “البعث” وأيديولوجيته وسياساته ورؤاه، ما يؤسّس ديكتاتوريةً جديدة.

جاءت الحكومة الانتقالية واسعةً، والسياسات التي أعلنها الوزراء من خارج مجموعة الإدارة، وحتى من هذه المجموعة، تؤكّد وعياً عميقاً للمشكلات التي تواجه سورية، التي لم تفصّلها كلماتهم القصيرة، ويُنتظر تطبيقها، فتشمل إعادة هيكلة مؤسّسات الدولة مراجعة التعيينات العشوائية التي فرضتها الإدارة في الأشهر السابقة، وكانت فوضويةً وفاشلةً، كما كانت سياسات الحكومة المؤقتة كلّها، فجمّدت أعمال الدولة وحتى القطاع الخاص، وساءت أوضاع الشعب أكثر فأكثر. كما يجب التراجع عن أغلبية القرارات التي اعتُمدت، ولا سيّما طرد آلاف العمّال من وظائفهم، وطيّ قرارات التسريح التعسفي.

تقف أمام الحكومة الانتقالية مسألة تعزيز الأمن، وهي المدخل نحو تحقيق سياساتها، وكذلك نحو رفع العقوبات الدولية، وإنشاء علاقات طبيعية مع دول العالم كافّة. إذ يبدأ تعزيز الأمن من المباشرة في تطبيق العدالة الانتقالية، وقد أشار وزير العدل مظهر الويس إلى ذلك، وكان الأفضل ألّا يوجد هذا الرجل في هذا المنصب، لما ذُكر أعلاه. وليس تشكيل لجنتين، للتحقيق وللسلم الأهلي بعد مجازر الساحل، وعلى أهميتهما، ليس المدخل نحو تحقيق العدالة، بل ينبغي البدء بالتحقيق في المجازر منذ 2011. ولكن حسناً، هناك ضرورة الآن للبدء، وسينعكس تأثير ذلك ليس في استقرار الأمن، بل في أوجه النهوض بالدولة، وسيسمح بدوران عجلة الاقتصاد والانفتاح المجتمعي، والكفّ عن تحميل الأقلّية العلوية مجازر الأقلّية الأسدية، وستزول غشاواتٌ كثيرة لدى السوريين، علويين وسُنّة، وسيدفع الأمر نحو تعزيز مبادئ المواطنة، والحقوق والواجبات المتساوية، وتجفيف مناخات التطييف والعقلية الثأرية والانتقامية. وبالتالي، ليست وزارة العدل فقط معنيةً بأن تسارع إلى تطبيق العدالة الانتقالية، بل على الوزراء جميعهم وعي خطورة كلّ تأخير في هذه المهمة، وبأن ذلك سيعرقل تنفيذ سياساتهم، وسيبدون بأعين الشعب لا تطابق أقوالهم أفعالهم.

أيضاً، من التحدّيات المذكورة أعلاه، أن كتلةً وازنةً من السوريين يرون أن السلطة تتّجه لفرض هيمنتها على الدولة، وأن سورية انتقلت من حكم حزب البعث إلى حكم استبدادي جديد، فهل يشكّل القرار “53”، المدخل نحو ذلك؟… نأمل طيّه، والثقة بالشعب السوري، الداعم، رغم النقد كلّه للإدارة، ولخطواتها منذ الثامن من ديسمبر/ كانون الأول (2024)، فهناك رغبة شعبية بألّا تفشل الإدارة وحكومتها الجديدة في النهوض بالدولة، وإعطاء السوريين حقوقهم، بعيداً من عقلية الاستئثار والتفرّد والتأسيس لديكتاتورية جديدة.

تراجع التأييد الشعبي للإدارة بعد أحداث الساحل، وبعد الإعلان الدستوري المؤقّت، الذي مَرْكَز السلطات بيد الرئيس أحمد الشرع، وهناك رفض كردي واسع للحكومة الانتقالية، ويقول كثيرون إن السلطة ستفشل لا محالة في النهوض بالدولة، طالما هي لا تُشرك الشعب في المرحلة الانتقالية. انتقد صاحب هذه السطور بعض أوجه الفوضى والسياسات الخاطئة منذ رحيل النظام في مقالات كثيرة سابقة منشورة (في “العربي الجديد”)، ولكنّ الوزارة الجديدة هذه منوّعة، وفيها وزراء أعلنوا سياسات مهمّة للفترة المقبلة. وبالتالي، هذه خطوة مهمّة نحو مغادرة الإدارة احتكارها وتفرّدها واستئثارها، وإن كان القرار 53 مؤشّراً سالباً.

سورية، في أسوأ أحوالها، أمام فرصة كبيرة من خلال حكومتها الانتقالية هذه، ويأمل السوريون بأن يأتي المجلس التشريعي واسعاً وممثّلاً لمختلف المدن السورية، وعلى أساس الكفاءة والنزاهة والمرجعية الوطنية، ولا يكون رفض المحاصصة الطائفية والقومية (وهو اتجاه سليم) بتمكين الطائفة السُّنية. السوريون المتخوّفون، ولألفٍ سببٍ وسبب، من سياسات الإدارة، ولا يأخذون الوعود على محمل الجدّ، هم أنفسهم من ينتظرون الوقائع الملموسة لأعمال الوزارة، وإن أيّ أعمالٍ إيجابية ستترافق بعودة الدعم والتأييد والثقة في الإدارة، فهل تتجه الأخيرة نحو التأسيس لدولة حديثة وفصل السلطات والتبشير بالنظام الديمقراطي، وإعطاء استقلالية كبيرة في أعمال الوزارة الجديدة على أسس وطنية ومواطنية، ومن دون أيّ وصائية وتحكّمٍ من الكتلة الصلبة في الوزارة؟

العربي الجديد

—————————

سوريا: رسائل دمج الوزارات.. فعالية أكثر أم خصخصة ونيو-ليبرالية؟/ منصور حسين

الجمعة 2025/04/04

مع إقرار تشكيلة الحكومة الانتقالية الأولى في العهد الجديد لسوريا، والجدل الذي رافقها، لما حملته من تغييرات لافتة شملت تعديلات في بنيتها وهيكلتها الجديدة، من خلال دمج وزارات حيوية، لم تلقَ الخطوة ترحيب الكثيرين الذين عبروا عن مخاوفهم من تبعاتها على أداء مؤسسات الدولة وتداخل صلاحياتها.

وقبل عيد الفطر، أدت الحكومة الانتقالية اليمين الدستورية في قصر الشعب، وضمت 23 وزيراً، لقيادة المرحلة الانتقالية المتوقع أن تستمر لمدة 5 سنوات، بدلاً من 28 وزيراً في آخر حكومة لعهد نظام الأسد المخلوع.

ووفق الإعلان الدستوري الذي ألغى منصب رئيس الوزراء، فإن الحكومة الانتقالية التي تضم خليطاً اثنياً وعرقياً، تقاد مباشرة من  قبل الرئيس المؤقت أحمد الشرع، على أن يكون هناك أميناً عاماً عليها.

وزارات جديدة

وشهدت الحكومة الجديدة تغييرات بنيوية على مستوى الوزارات، من خلال إحداث حقائب جديدة، مثل وزارة الطوارئ والكوارث التي يقودها مدير منظمة الخوذ البيضاء سابقاً رائد الصالح، إضافة إلى وزارة الشباب والرياضة، كما تم حذف وزراء الدولة، وهم الوزراء أو المستشارين دون حقيبة، وهي مناصب سياسية دون مهام تنفيذية.

وفي المقابل، تمت إعادة هيكلة العديد من الوزارات تحت مظلة واحدة، كما هو الحال مع وزارة الطاقة الجديدة، التي يفترض أن تجمع وزارات النفط والثروة المعدنية، ووزارة الكهرباء، ووزارة الموارد المائية.

لكن أبرز الوزارات التي جرى دمجها، تتمثل بوزارة الصناعة التي عادت وانضوت تحت مظلة وزارة الاقتصاد، ووزارات أخرى لم تدرج ضمن القائمة الوزارية، مثل “وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، ووزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية”، ويعتقد أن توكل مهامها جميعاً لوزارة الاقتصاد والصناعة الجديدة.

دمج اقتصادي يحمل وجهين

ورغم الحذر الواضح في تقييم خطوات الدمج “الجريئة” التي وصفتها السلطات السورية بالضرورة لرفع كفاءة عمل المؤسسات ومستوى الخدمات، وانتظار فاعلية هذه التدابير، إلا أنها لم تخلُ من الانتقاد والتخوف على مسار الوزارات واستقلاليتها، وأثرها على أوضاع السوريين أنفسهم لما يترتب عليها من موجة تسريح جديدة قد تطال مئات الموظفين، وتداخل الأولويات التي تضر بحوامل نهضتها.

ويرى مدير منصة اقتصادي يونس الكريم، أن خطوة دمج الوزارات تحمل وجهين، أحدهما إيجابي قوامه سهولة رسم سياسات اقتصادية متكاملة، وتوفير الجهد والوقت والأموال، وأخر سلبي يعيق عملية النهوض بعمل الوزارة من خلال تبدل أولويات الوزير وفريقه لإنجاح عملية الدمج، إضافة إلى خسارة التنوع في وجهات النظر الاقتصادية، واستقلالية وزارات هامة مثل الصناعة والنفط، وما يحمله من أثر سلبي عليها.

ويقول الكريم لـ”المدن”: “هناك مؤشرات واضحة على أن الدولة تولي أهمية كبيرة للصناعة وتعتمد عليها في عملية تطوير الاقتصاد المحلي خلال المرحلة المقبلة، إضافة إلى زيادة كفاءة وزارة الاقتصاد من خلال جعلها أكثر مرونة وقدرة على اتخاذ القرارات والربط مع الحقائب المرتبطة، فضلاً عن توفير هذه الخطوة للموارد المالية، في ظل وضع الدولة التي تعيش على حافة الانهيار الاقتصادي”.

لكن هذه الميزات تحمل جملة من السلبيات، أخطرها بحسب الكريم، تتمثل بـ”تجريدها من مهام التواصل والتنسيق مع المستثمرين، وسلطتها على المناطق الحرة لحساب هيئة الاستثمار المستقلة التي يديرها حازم الشرع، شقيق الرئيس أحمد الشرع، ما يضعف دور الوزارة”.

نحو دولة ليبرالية

ويضيف الكريم أن “عملية الدمج تعكس التوجه الحكومي نحو النظام النيو-رأسمالي، من خلال الذهاب للخصخصة الغير معلنة، والتخلي عن الموظفين، لتخفيف الأعباء المالية المفروضة عليها، وتبعث برسائل سلبية للسوريين أن دولتهم لم تعد الراعي لمصالحهم على مستوى الخدمات المدعومة، وهو ما بدا جلياً في عملية إحداث وزارة الطاقة”.

ويشير إلى أن “مسلمات تقليص الوزارات، تسريح أعداد كبيرة من الموظفين، وبالتالي ارتفاع معدلات البطالة في البلاد، فضلاً عن الهدر المالي المصاحب لإجراءات الدمج والتسريح، في مرحلة السكان هم بأشد الحاجة للدعم وتوفير فرص العمل، في ظل غياب القطاع الخاص الذي يفترض أن ينوب عن الدولة”.

ويتفهم كثير من السوريين قرار السلطات السورية الجديدة، في ظل الوضع الاقتصادي والتحديات الكبيرة التي تواجهها، إلا أنهم يؤكدون وجود أخطاء تعكس تسرع واضح في الإعلان عن شكل الحكومة، أبرزها محاولات تحجيم وزارات بأدوار مختلفة داخل حقيبة واحدة، مثل الطاقة التي تضم الموارد المائية والنفط، الأمر الذي قد يجبر الرئيس الشرع على مراجعة بنية حكومته، وإعادة فصل الحقائب، لكن بعد أن يدفع كثير من الموظفين ثمن هذه الخطوة.

الدفع مقابل الخدمة

ويتفق الباحث الاقتصادي رضوان الدبس مع الكريم، إذ يعتبر أن التشكيلة الحكومية الحالية ترسم توجهات الجديدة المبنية على مبدأ الاقتصاد الحر، والاستفادة من تحسن العملة المحلية وإلغاء الأتاوات السابقة على السلع، الأمر الذي يخفف من تبعات التضخم المرافق لهذه الخطوة.

ويقول لـ”المدن”: “منذ سقوط نظام الأسد، تبنت الدولة الجديدة شعار الخصخصة وإلغاء الدعم، وقد ظهرت بوادرها من خلال إغلاق صالات البيع التابعة للمؤسسة السورية للتجارة التي تم إلغائها أيضاً، إضافة إلى رفع الدعم عن مختلف أنواع السلع من الخبز والمحروقات والمواد التموينية والغذائية، ما يعني تحمل المواطن الأعباء، وبالتالي ارتفاع معدل إنفاقه بنحو 50 في المئة مقارنة بالوضع الحالي”.

وفي المقابل، يتوقع الدبس، أن تشهد الخدمات الحكومية عامة تحسناً تدريجياً على المدى المنظور، بفضل تراكم الخبرات وتحسن عمل المؤسسات وإلغاء بعض القيود والعقوبات، فضلاً عن توافر مختلف أنواع السلع، لكن بحسب تسعيراتها العالمية، ما يجعل من توازن كفة المواطن الاقتصادية التحدي الأكبر أمام الحكومة الحالية.

ويبلغ الحد الأدنى من حاجة الأسرة المتوسطة في سوريا نحو 5 ملايين ليرة لتغطية احتياجاتها الأساسية، وبالتالي فإن هذا الرقم مرشح للزيادة لنحو ثمانية ملايين ليرة مستقبلاً، مقابل متوسط دخل لا يتجاوز الـ500 ألف ليرة.

المدن

————————–

سوريا الجديدة: وقفُ انحرافٍ خطر

النظام السوري الجديد في سباق مع الزمن. يجب على الحكومة المؤقتة أن توازن بعناية بين التحديات الكثيرة التي تواجهها. وينبغي على الجهات المانحة أن تقدم لها المساعدة التي تحتاجها، خشية فشل هذا المشروع الواعد لبناء الدولة.

ما الجديد؟ تواجه الحكومة السورية المؤقتة مرحلة انتقالية صعبة في بلد دمَّره القمع، والحرب الأهلية والعقوبات. لقد أطلقت عملية سياسية تهدف إلى تمثيل رؤى شرائح واسعة من السكان كجزء من عملية إعادة بناء جذرية للدولة.

ما أهمية ذلك؟ تعيش سوريا في وقت مستقطع؛ فالحكومة المؤقتة لا تملك المال، وقوات الأمن منتشرة على مساحات أوسع من قدرتها على السيطرة، والفقر يتعمق والتمرد يتفاعل في المناطق الهامشية. القوى الخارجية تتدخل، والعقوبات الغربية تحرم القادة مما يحتاجونه لإعادة الإعمار، بينما يعملون على منع التقسيم أو العودة إلى الحرب الأهلية.

ما الذي ينبغي فعله؟ ينبغي على الحكومة المؤقتة أن تسعى إلى فرض الأمن، وإجراء إصلاحات اقتصادية، وإصلاح الحوكمة في الوقت نفسه، مع إدراك الترابط الوثيق بين هذه الإجراءات واعتماد بعضها على بعض. إن تحقيق الأمن للمجتمعات الهشة – ولا سيما مجتمعات العلويين، الذين شكلوا القاعدة السياسية للنظام السابق – أمر جوهري لوقف تصاعد العنف. ينبغي على الجهات المانحة تخفيف حدة العقوبات وتقديم أشكال أخرى من الدعم لمنح العملية الانتقالية فرصة النجاح.

I. لمحة عامة

النظام السوري الجديد في سباق مع الزمن. حلَّ الابتهاج بعد الإطاحة بالرئيس بشار الأسد على يد هيئة تحرير الشام وغيرها من مجموعات المتمردين الإسلامية السنية. لكن تسود في البلاد الآن حالة متنامية من انعدام اليقين بشأن الرؤية السياسية للرئيس أحمد الشرع والاعتقاد السائد بنزعته لاحتكار السلطة. لقد سعى إلى تهدئة الأعصاب المتوترة بمحاولة فرض الأمن، وإطلاق عملية انتقالية تهدف ظاهرياً إلى تشكيل حكومة أكثر تمثيلاً. لكنه يواجه تحديات مهولة تتمثل في الدمار الذي خلفته الحرب، ونقص حاد في توفر المال لدفع رواتب الموظفين الحكوميين، ووزارات منهكة، ومؤسسات أمنية غير موحَّدة، وانقسامات طائفية تتفاعل تحت السطح، ومظالم تراكمت على مدى سنوات من الحرب الأهلية، وعقوبات غربية تمنع وصول مساعدات خارجية كبيرة، وتدخُّل إسرائيلي مدمر. مع هذا الانحراف الخطر في مسار سوريا، ينبغي على الجهات الفاعلة الخارجية أن تمنح القيادة الجديدة الدعم الذي تحتاجه للشروع في إعادة بناء البلاد، لأن البديل يمكن أن يكون انهيار الدولة، الذي ستترتب عليه كلفة هائلة بالنسبة للسوريين وللاستقرار الإقليمي.

إن إسقاطهم لنظام مكروه دون قدر كبير من إراقة الدماء خلال الهجوم الأخير، أكسب قادة سوريا الجدد درجة كبيرة من الامتنان في أوساط كثير من السوريين وفي العديد من العواصم الأجنبية، وأكسبهم أيضاً افتراض حسن النية ووقتاً ثميناً لوضع البلاد على مسار جديد. رغم أن كثيراً من السوريين ينظرون إليهم بتشكك، بالنظر إلى أصولهم الجهادية وطموحاتهم غير المعروفة، فإن معظمهم شجعتهم تصريحات الشرع العلنية، التي تتسم بالابتعاد عن الخليط الذي كان يستعمله الأسد من التهديدات والشعارات المبتذلة – وهي العلامات المميزة لحكم قمعي دموي. شعر السوريون بالارتياح من عدم انتشار العنف على نطاق واسع لبعض الوقت بعد سقوط الأسد. لكن، في مطلع آذار/مارس، أظهرت صدامات دموية في اللاذقية، وطرطوس وحماة – جاءت مصحوبة في بعض الأماكن بمجازر بحق المدنيين – أن هناك الكثير مما يبرر الخوف من تجدد العنف، الذي يمكن أن يتخذ بُعداً طائفياً واضحاً، وأن يولِّد الفوضى، وموجات جديدة من النزوح، بل حتى انقسام سوريا إلى كانتونات تحت نفوذ قوى أجنبية.

لا بد للشرع، من جهته، أن يسير بحذر على الخط الفاصل بين الأيديولوجيين الإسلاميين، وبعضهم ينظر شزراً إلى خطابه البراغماتي وتفاعلاته الدبلوماسية مع العالم الأوسع. بالنسبة لإعادة الإعمار، يجب أن تحصل سوريا على المال الذي قد لا تقدمه الجهات المانحة أو تجعله مشروطاً بالحوكمة الرشيدة ودرجة من المشاركة السياسية التعددية. في هذه الأثناء، يجب على الشرع أن يوازن بين التصرف بسرعة لتلبية الاحتياجات الملحَّة للسكان – الغذاء، والكهرباء والأساسيات الأخرى – والتحرك بإيقاع أكثر تأنياً لتطوير عملية سياسية مع أوسع مشاركة ممكنة. كما يجب أن يحافظ على الأمن، وأن يضمن في الوقت نفسه مساءلة أولئك الذين يهاجمون المدنيين، سواء كان المهاجمون من المتمردين أو من المتحالفين مع الدولة. اتضح خطر ارتكاب الميليشيات العاملة تحت لواء قوات الأمن التابعة للدولة فظاعات في سياق محاربتها لعناصر النظام السابق على نحو صارخ في مطلع آذار/مارس. يجب على الشرع أن يتعامل أيضاً مع تدخل اللاعبين الخارجيين، ولا سيما توغل الجيش الإسرائيلي في جنوب سوريا.

يمكن للتعثر على أي من هذه الجبهات أن يُدخل القيادة الجديدة في حلقة مفرغة من محاربة متمردين جدد رداً على انعدام الأمن، وظهور ثغرات في الخدمات الأساسية، والإقصاء السياسي وتصاعد الانتهاكات بحق المدنيين، يتبعها تراجع أي احتمال للدعم الخارجي الكبير لإعادة إعمار البلاد. وقد يؤدي المزيد من إفقار السكان إلى ظهور مظالم جديدة تكون عوامل مسببة لتمرد جديد، يمكن أن يُحدث بدوره ثغرات يدخل منها لاعبون خارجيون ساعون إلى تحقيق مصالحهم الخاصة على حساب الحكومة المؤقتة. في ذلك السيناريو، سيكون من الصعب تخيُّل استمرار وجود دولة سورية مستقرة، أو أي دولة سورية على الإطلاق. ويمكن أن تكون النتيجة تقسيماً طويل الأمد وعودة إلى الحرب الأهلية.

تأمل دمشق بالحصول على رفع جزئي للعقوبات من العواصم الغربية، وأيضاً الحصول على دعم مالي منها ومن دول الخليج العربية؛ إذ تمثل هذه المصادر الرئيسية للمساعدة الفورية والمصدر الأكثر قوة للاستثمار في المستقبل. لكن الحكومات الغربية المتشككة في هيئة تحرير الشام قد تضع شروطاً على تخفيف حدة العقوبات غير مرتبطة بغايتها الأصلية. إذا فرضت الجهات المانحة شروطاً لا يستطيع القادة الجدد تلبيتها، يمكن أن يؤدي ذلك إلى دفع سوريا إلى حالة أعمق من البؤس الاقتصادي بدلاً من تخفيف حدته.

من المؤكد أن الطريق إلى المستقبل سيكون وعراً، لكن من المؤكد أنه سيكون أفضل إذا أظهر قادة البلاد أكبر درجة ممكنة من الشفافية في الحوكمة وإتاحة المجال لإحداث تحسينات في كل شيء، من تعزيز المشاركة الأوسع، إلى ضبط سلوك العناصر غير المنضبطة في قوات الأمن الجديدة. إضافة إلى الاجتماعات التي عقدت أصلاً مع جهات مانحة رئيسية، ينبغي أن يفعلوا كل ما في وسعهم لمنح الحكومات الغربية والخليجية ما يبرر دعمها، خشية أن يفشلوا بسرعة بسبب عدم توفر الموارد. وينبغي على الجهات المانحة أن توضح الشروط المطلوبة لدعمها، الذي ينبغي أن يشمل إعادة بناء البنية التحتية الأساسية، إضافة إلى استثناءات أخرى من العقوبات، إن لم يكن رفعها كلياً. كما ينبغي على الجهات المانحة أن تستعمل القنوات الدبلوماسية لمنع الجهات الفاعلة الخارجية من استغلال هشاشة سوريا لأغراضها الخاصة. إذا امتنع المانحون عن تقديم المساعدات، أو إذا أخَّروها دون مبرر، فإن هذا المشروع النادر لكن الواعد لإعادة بناء الدولة في الشرق الأوسط المضطرب يمكن أن يسقط ويتحول إلى فشل آخر، مع تكاليف هائلة بالنسبة للأمن البشري والإقليمي.

دمشق/بروكسل، 28 آذار/مارس 2025

———————————–

وريث أرض الشام/ سليمان جودة

 3 أبريل 2025 م

أعتقد دائماً في صدق العبارة التي أطلقها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب فقال: «أظهروا لنا أحسن ما عندكم، والله أعلم بالسرائر». ولو شاء أحد أن يختار عنواناً للحكومة السورية الجديدة التي أعلنها الرئيس أحمد الشرع قبل عيد الفطر بيومين، فلن يجد أفضل من هذه العبارة، لأنها بالنسبة إلى الحكومة بمثابة الشيء الذي يقال عنه إنه يوافق واقع الحال.

وعندما قال الرئيس الشرع إنه «سعى قدر المستطاع لاختيار الأكفأ»، وإنه «فضّل المشاركة على المحاصصة في الاختيار»، فإنني أجده صادقاً فيما قال، وبالذات فيما يخص تفضيل المشاركة على المحاصصة في تشكيل الحكومة. ولا أعرف ما إذا كان اعتراض الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرقي البلاد على تشكيلة الحكومة، سوف يعطل الاتفاق الذي وقَّعته «قوات سوريا الديمقراطية» مع الشرع، أم أن هذا شيء وذاك شيء آخر؟

إنك إذا تطلعت إلى العراق فلن تحتاج إلى جهد كبير لترى عواقب المحاصصة، وإذا تطلعت إلى لبنان فلن تحتاج إلى جهد كبير أيضاً لترى عواقب المحاصصة نفسها، وبالتالي فإن محاولة الإفلات من هذه العواقب في تشكيلة الحكومة السورية الجديدة أمر يجب أن يُحسب للإدارة في دمشق، كما يجب أن نظل نحسب ذلك في ميزان هذه الحكومة الآن على الأقل، ثم إلى أن نرى أثر التجربة في حياة الناس هناك.

كَمْ يتمنى المرء لو أن رئيس الوزراء في بغداد يجري اختياره على أساس عراقيّته وحدها، وليس على أي أساس آخر يتصل بانتمائه إلى طائفة بعينها. وكَمْ يتمنى المرء لو أن هذا هو الحاصل في منصب رئيس البرلمان، وكذلك في موقع رئيس الدولة. كَمْ هو ثقيل على الأُذن أن تسمع كلمة سُني، أو شيعي، أو كردي، وأنت تستعرض الأسماء التي تشغل هذه المواقع الثلاثة. فعراقيّة المواطن في بلاد الرافدين أشمل وأجمل، وهي تساوي بين الكل إذا تعلق الأمر بما على كل مواطن من واجبات أو بما له من حقوق، ولا شك في أن المواطنة بصفتها مبدأ تبقى مظلة كافية لأن تمتد فوق الجميع، فتكون كأنها السقف الذي يحمي ويُظلّل ويحتوي.

وكَمْ يتمنى المرء في لبنان ما يتمناه في العراق، ولكن المحاصصة المقيتة كانت ولا تزال تُفسد على الأشقاء في البلدين حياتهم، وكانت ولا تزال تُفرِّق ولا تجمع. فالمشاركة هي الصيغة الأفضل، لأنها لا تتطلع في بيانات البطاقة الشخصية لكل مواطن إلا إلى جنسيته، وما عداها لا يهم ولا يجب أن يهم.

من علامات المشاركة التي قصدها الشرع وهو يتحدث عن حكومته الجديدة، أن فيها وزيراً كردياً للتعليم، وأن فيها وزيرة مسيحية للشؤون الاجتماعية، وأن فيها وزيراً علوياً للنقل، وأن فيها وزيراً درزياً للزراعة.

هذه صيغة أفضل بالتأكيد، لأن المعنى أن الأكراد والمسيحيين والعلويين والدروز موجودون في الحكومة، وأن أساس الوجود في الحالات الأربع هو المشاركة لا المحاصصة. ولكن الشيء المؤسف أن الإدارة الذاتية الكردية اعترضت، وأنها وصلت في اعتراضها إلى حد قولها إنها ليست معنية بتنفيذ قرارات هذه الحكومة.

هذا شيء مؤسف لأن دمشق تتكلم عن المشاركة، بينما الإدارة الذاتية الكردية تتكلم عن المحاصصة، التي لم تظهر في أي بلد إلا أفسدت الحياة فيه، لأن الانتماء في الحالة الثانية إنما هو إلى الطائفة، لا إلى الوطن بكل ما يعنيه من رحابة، ومن امتداد، ومن اتساع.

ومما قاله الشرع وهو يتعرض للانتقادات التي طالت حكومته، إن إرضاء الكل ليس ممكناً، وإنه حاول الإرضاء ما استطاع. وهذا صحيح إذا تطلعنا إلى ما يقوله بمنظار عبارة الخليفة الراشد الثاني، ولكن لأن الشرع يجلس في عاصمة الأمويين، فإن «شعرة معاوية» الشهيرة يجب ألا تفارق يديه.

«شعرة معاوية» لا بد أن تكون حاضرة أمام الشرع في قصر الشعب طول الوقت. فالذين يتربصون بسوريا كثيرون، والذين خسروا نفوذهم فيها لا يسلِّمون بالخسارة، والذين استثمروا فيها على مدى سنين يصعب عليهم أن يكون استثمارهم بغير عائد، والسوريون الذين فقدوا كل شيء أيام نظام الأسد يريدون الآن كل شيء أيضاً.

كل سوري – كردي مدعوٌّ إلى أن يترفق بسوريا لأنها وطنه الأم، وكذلك كل مسيحي وعلوي ودرزي، لأن حضن الأم أوسع من حاضنة الطائفة، ولأن الروح المعنوية في «شعرة معاوية» هي التي لا بد أن تكون بوصلة لدى الطرفين. فإذا شدها الشرع اليوم فليس أمام الطرف الثاني إلا أن يُرخيها، وإذا أرخاها الطرف الثاني فإن دمشق سوف يكون عليها أن تشدها، ولا يوجد خيار آخر إلا أن تنقطع الشعرة، لا قدَّر الله.

الشرق الأوسط

—————————–

 ألمانيا: الحكومة السورية الجديدة أكثر تمثيلاً وتعكس كفاءة في التعيينات

2025.04.03

رحّبت الحكومة الألمانية بتشكيل الحكومة السورية الجديدة، مشيرة إلى أن التعيينات الأخيرة تعكس تطوراً في نهج التشكيل مقارنة بالحكومة السابقة.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الألمانية كاثرين ديشاور، في تصريح رسمي، إن هناك انطباعاً بأن التعيينات في الحكومة الجديدة تمّت على أساس الكفاءة والخبرة.

وأكدت أن التشكيلة الجديدة تُعد “أكثر تمثيلاً” من من الحكومة السابقة.

الإعلان عن الحكومة السورية الجديدة

ومساء السبت، جرى في قصر الشعب بالعاصمة دمشق الإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة لتحل محل حكومة تصريف الأعمال.

وتضم الحكومة الجديدة 23 وزيراً، بينهم سيدة، و5 وزراء من الحكومة الانتقالية التي تشكلت في 10 من كانون الأول 2024 لتسيير أمور البلاد عقب الإطاحة بنظام الأسد.

ترحيب عربي ودولي واسع بالحكومة السورية الجديدة

وقوبل إعلان تشكيل الحكومة السورية الجديدة بترحيب واسع على المستويين العربي والدولي، حيث أعربت عدة دول ومنظمات عن دعمها للتشكيلة الجديدة، مؤكدة أهمية الاستجابة لتطلعات الشعب السوري وتعزيز الأمن والاستقرار في البلاد.

من جانبها، أعربت وزارة الخارجية والمغتربين في سوريا عن شكرها وتقديرها العميق للدول والمنظمات التي أبدت دعمها، مؤكدة أن هذا الموقف يعكس حرص المجتمع الدولي على دعم جهود سوريا في بناء مستقبلها واستعادة الاستقرار.

———————————

=======================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى