شعر

سماءُ آخِرِ ترقُّب/ يانيس ريتسوس

لم يكن ريتسوس، الشاعر اليوناني الأبرز في النصف الثاني من القرن العشرين، ليختار لو استطاع يوماً أجمل لميلاده من الأول من أيار، عيد العمّال. هنا حُزمة من قصائده تحية لشهر مولده.

تكرارات

أحجار وأجسام، عارية، مقدَّسة، بهيّة

إلى مدى الأفق، إلى عمق الذاكرة؛

وفي البحر الحصى، ورديّة أو زرقاء،

كحلوى المُلَبَّس، لم تؤكل، لأعراس تماثيل.

■ ■ ■

إضافة تاريخيّة

ذكريات عميقة -اسم، مكان، حجر مكسور-

لم يعد عندك ما تضيفه. أمّا ذلك، فهو،

في وسط الشارع، في ساعة بارزة، في ظهيرة مشمسة،

ينزع قبّعته الزرقاء، قبّعة العامل، وبحركة

بسيطة وطقسيّة معاً، يعلّقها

هناك، على الحائط الأبيض، على المسمار، إلى جانب الدهور.

■ ■ ■

قنوط بينالوبي

ليس أنها لم تتعرّفه في وهج الموقد؛ لم تكن

أرتال المتسوّل، زيّ التخفّي، – كلّا؛ علامات واضحة:

الندبة في ركبته، الصلابة، المكر في نظرته. مذعورة،

أسندت ظهرها إلى الحائط، كانت تبتغي حجّة،

مهلةَ وقتٍ يسير أُخرى، كيلا تجيب،

كيلا تنفضح. فهي من أجله، قد أنفقت عشرين سنة،

عشرين سنة انتظار وأحلام، من أجل هذا الرثّ،

المضرّجة لحيته البيضاء بالدم؟ ارتمت صامتة على كرسيّ،

أجالت نظرها بتؤدة على الخطباء القتلى أرضاً، كأنّها تنظر إلى

رغباتها ذاتها ميتة. و”طاب حلولُك وأَمْرُك” قالت له،

فسمع صوتها غريباً بعيداً. في الزاوية، مغزلها

ملأ السقف ظلالاً كالدرابزين؛ وكلّ الطيور التي حاكتها

بخيطان حمراء بهيّة على أوراق خضراء، فجأة،

في ليلة الرجوع هذه، عادت رماديّة وسوداء

محلّقة على الواطئ في استواء سماءِ آخِرِ ترقُّب.

■ ■ ■

وديعة

قال: أومن بالشعر، بالحبّ، بالموت،

لهذا بالضبط أومن بالخلود. أكتب بيتاً،

أكتب العالم؛ أُوجَد؛ يوجَد العالم.

من طرف إصبعي الصغير يجري نهر.

السماء سبع مرّات زرقاء. هذا الصفاء

هو الحقيقة الأولى من جديد، رغبتي الأخيرة.

■ ■ ■

سوناتا ضوءِ القمر

دعني آتي معك. ما أجمل القمرَ الليلةَ. القمرُ جيّد – لن يظهرَ أنّ شعري شاب. سيُعيدُ القمر لشعريْ لونَه الذهبيّ. لن ترى بياضَه. دعني آتي معك.

حين يطلّ القمر تكبر الظلال في البيت، أيادٍ خفيّةٌ تسحب الستائر عن النوافذ، إصبع واهنة تكتب على غبار البيانو كلماتٍ منسيّةً – لا أريد سماعها. أصمت.

دعني آتي معك أسفل قليلاً، إلى حيث تنعطف الطريق وتظهر المدينة إسمنتيّة ورقيقة، وهي إذ يبيّضها ضوء القمر على هذا القدر من اللامبالاة واللاهيولى، على هذا القدر من الإيجابيّة وكأنّها ميتافيزيقيا فيمكنك أخيراً أن تؤمن بأنّك موجود وغير موجود، بأنّك لم تكن قطّ، لم يكنِ الزمن ولا فسادُه. دعني أجيء معك.

أعرف جيّداً أنّ كلَّ امرئٍ يسير وحدَه إلى الحبّ، وحدَه إلى المجد وإلى الموت. أعرف ذلك. جرّبته. لا ينفع. دعني آتي معك.

* شاعر يوناني ولد في بلدة/ قلعة مونيمفاسيا في 1 أيار/ مايو 1909 ورحل في مدينة أثينا في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 1990، وترك أكثر من 100 مجموعة شعرية.

** ترجمة عن اليونانية: روني بو سابا

العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى