إنشاء مؤسسة أممية لكشف مصير عشرات آلاف السوريين المفقودين
تحديث 14 تموز 2023
—————————-
ملف المفقودين في سورية بين الواقع والأحلام/ حسان الأسود
ثمّة مشكلات تتخطّى حدود السياسة والحروب والاستبداد، وتتبدّى آثارها المتعدّدة في حياة الناس، فتغيّرها جذريًا وتجعل منها أحيانًا جحيمًا مقيمًا وجرحًا نازفًا لا يبرأ، من هذه القضايا، بل وفي مقدّمتها قضايا المفقودين. هنا يَعملُ الزمنُ بأثر تراكمي على مفاقمة النتائج المترتّبة على فقدان الأشخاص، ليس فقط من ناحية المعاناة النفسية التي يتكبّدها الأحياءُ منهم ويقاسيها ذووهم، بل من ناحية الآثار الاجتماعية المتعدّدة، فتتوقّف مصالح الأسر مثلًا على تبيان مصير المفقودين، حيث ثمّة فرقٌ بين اعتبارهم موتى أم أحياءً، فالأزواج معلقون برابطةٍ لا يُعرف مصيرها إلا بمعرفة مصير المفقود، والآباء والأبناء والإخوة محبوسون بمقتضيات الإرث، كذلك الكثير من الحقوق التي يتوقّف الفصل فيها على التثبّت من حال المفقود المعتبر قانونًا.
في سورية، ومنذ أكثر من 60 عامًا بدأت السلطة السياسية المتمثّلة بحكم الحزب الواحد، ثم الفرد الواحد، بممارسة سياسة الاعتقال خارج القانون والتغييب القسري للبشر. ومنذ ذلك التاريخ، فُقد أشخاصٌ كثيرون لا عدّ لهم ولا إحصاء. ليس السوريون وحدهم ضحايا هذه الممارسات الغاشمة، بل وقع الفلسطينيون واللبنانيون وبعضُ العرب والأجانب أيضًا ضحايا لها أيضًا بحكم الواقع الجغرافي من جهة، وبحكم الواقع السياسي من جهة ثانية، والذي تجسّد في أحداثٍ جسامٍ، خصوصًا منذ تشكيل منظمة التحرير وبعدها النكسة، ومن ثمّ حرب أيلول الأسود في الأردن ثم اجتياح بيروت والاحتلال الذي خضع له لبنان 30 عامًا. تركت هذه الأحداث والمفاصل إرثًا هائلًا من انتهاكات حقوق الإنسان، وكان ملفّ المفقودين والمغيّبين قسرًا واحدًا من أهمّها بالنسبة للسوريين وأقرانهم من أشقائهم العرب وشركائهم في المعاناة.
على الصعيد السوري، كان هناك حدثان هائلان فاقما هذه المأساة، أولهما أحداث حماة في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات وما رافقها وتلاها من مجازر واعتقالات، والثورة السورية عام 2011 والعشريّة السوداء المستمرّة في فصولها المتعاقبة، بل ودخلت عُشريّتها الثانية. وبمقاربة أوليّة غير دقيقةٍ بكل تأكيد، تتوقّع الأمم المتحدة اختفاء مائة ألف شخص في سورية، بينما تؤكّد المنظمات الحقوقية السورية أنّ الرقم أكبر من ذلك بكثير. يبقى التأكّد من هذا العدد رهنًا بعوامل عديدة لا يبدو في الأفق أنّ ثمّة ما يؤشّر إلى توفر أيّ منها، وفي مقدمة تلك العوامل حصول انتقال سياسي في سورية يجعل بالإمكان فتح ملفات أجهزة النظام الأمنية والعسكرية وفتح أبواب السجون والمعتقلات أمام الفحص والتدقيق.
ضمن ظروفٍ مشابهة لما حصل في سورية بعد الثورة، نشأت في يوغسلافيا السابقة، إثر الحرب الأهلية التي أعقبت تفكّكها، منظمة تُعنى بشؤون المفقودين. جاءت بمبادرة من الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون على هامش قمّة مجموعة السبع الكبار في باريس، وكانت في جزء منها استجابة لمطالبات أهالي الضحايا. تطوّرت المنظمّة التي تأسّست عام 1996 لتصبح ذات طابع دولي عام 2014، عندما وقّع وزراء خارجية هولندا والمملكة المتحدة والسويد وبلجيكا ولوكسمبورغ معاهدة تمنحها وضعًا قانونيًا جديدًا، وأصبح اسمُها اللجنة الدولية لشؤون المفقودين. في سورية، ونتيجة لنضالات عائلات الضحايا السوريين ومنظمّات المجتمع المدني العاملة في مجالات المناصرة والبحث عن الحقيقة والمساءلة، صدر في 29 من الشهر الماضي (يونيو/ حزيران)، قرارٌ عن الجمعية العامّة للأمم المتحدة تمّ بموجبه إنشاء مؤسّسة مستقلّة لجلاء وكشف مصير المفقودين في سورية منذ العام 2011. سيكون على الأمين العام وضع خطّة واضحة لتنفيذ هذا القرار خلال 80 يومًا من تاريخه، على أن يتمّ ذلك بدعمٍ من مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وبالتشاور مع جميع الجهات الفاعلة المعنية، بما يشمل مشاركة الضحايا والناجين والأسر مشاركةً كاملةً ومجدية. فهل ستكون هذه المؤسّسة قادرةً على جلاء مصير المفقودين في سورية فعلًا؟
أثار السفير المصري لدى الأمم المتحدة أسئلة يمكن من خلالها استقراء بعض أوجه العقبات التي يمكن أن تحول دون قيام المؤسسة بمهامها المنوطة بها، والتي لا بدّ أنّها سترفع سقف توقعات الأهالي المكلومين دون أن تحقق لهم شيئًا ملموسًا في القريب العاجل. من بين الأسئلة المصرية عدم تحديد اختصاص المؤسسة بشكل دقيق، وتداخل عملها بشكل غير مفهوم مع عمل المفوض السامي لحقوق الإنسان، وعدم وضوح التزامات الدول تجاه هذه المؤسسة، وعدم وضوح إجراءات التعامل مع الضحايا والناجين وأسر المفقودين، بالإضافة إلى عدم وجود تعريفٍ واضح للأشخاص المفقودين، وعدم وضوح مصير المعلومات والبيانات التي سيتم جمعها ولا آليات تصنيفها وحفظها واستخدامها. هذا غيضٌ من فيضِ العقبات التي تقفُ كأداءً في طريق تحقيق المؤسّسة أهدافها، ويجب أن نعود لنكرّر أنّ المسؤول الأول، بل والأكبر مسؤولية عن الغالبية العظمى من حالات الاعتقال والإخفاء القسري في سورية هو نظام الأسد، وهو قد رفض هذا القرار، وحتى لو قبل به فإنّ سلوكه في السنوات الفارطة كلّها يدلّ على أنّه سيعطّل عملها.
مع ذلك، وكبارقة أملٍ في أجواء الإحباط العامّة في سورية، يمكن القول إنّ البناء على أساس قانوني أمرٌ جيدٌ ومطلوبٌ ولازمٌ، حتى وإن كان غير كافٍ حاليا، فالمستقبل كفيلٌ بإيجاد الظروف التي قد تزيل العقبات أمام المهمّة التي تبدو شبه مستحيلة. كما أنّ النضال السوري لن يتوقّف على هذه المؤسّسة، على الرغم من أهميتها لملفٍ بغاية التعقيد، وبالتالي سيكون علينا، نحن السوريين، أن ننظر إلى الأمر باعتباره خطوة في مضمار الكفاح ضدّ الاستبداد، وأنّ ما لا يُدركُ كلّه لا يُترك جُلّه، وخصوصا أنّه لم يُبق لنا الكثير من ساحات النضال بعد تعثرنا في السياسة وعدم قدرتنا على تشكيل هيئة اعتبارية تمثل الشعب السوري وتحوز ثقته، وتشكّل بديلًا عن نظام الأسد. ما بين الواقع والأحلام تولد الأفكار، وهي تنبت في بيئاتها، فإما أن تثمر تغييرًا نافعًا، أو أن تبقى أضغاثًا لا يقوى على تفسيرها إلا الراسخون في العلم!
العربي الجديد
—————————
شبيحة النظام السوري في ميزان العدالة الدولية/ رياض معسعس
تداول السوريون كلمة “شبيحة” ومفردها “شبيح” كصفة لمجموعة كبيرة من الشباب الذين انخرطوا في تنظيم أنشأه نظام الأسد للقيام بالأعمال “القذرة” كي لا يحاسب عليها لو نسبت إليه.
وكلمة شبيحة تنطبق على هذا التنظيم لأن معظم أفراده إذا لم يكن جميعهم من طائفة رئيس النظام وتم تجنيدهم لمواجهة أي تمرد، أو عصيان، أو حتى احتجاج بالعنف الجسدي مباشرة وهم الذراع لأجهزة المخابرات التي تعطيهم أيضا الأوامر لمهمات قتل، أو سحل، أو اعتقال.
الاعتداءات الجسدية
وقد دبوا الرعب بين المواطنين بعدد جرائمهم، التي تعدت الاعتداءات الجسدية إلى سرقات البيوت أو ما يطلق عليه في سوريا “بالتعفيش” أي سرقة أدوات المنزل وأثاثه ومحتوياته التي تباع في “سوق الحرامية” المعروف بهذا الاسم للقاصي والداني دون حسيب أو رقيب، بل أن نظام الأسد هو الذي سمح بسرقة منازل المواطنين كتعويض عن ضعف رواتب “الشبيحة” بعد انخفاض سعرة العملة السورية وارتفاع نسبة التضخم. ووجد هؤلاء ضالتهم فصار همهم اليومي البحث عن البيوت التي هرب منها أصحابها بعد الثورة “لتعفيشها” وسكنها وبعضهم يتمكن من تحويل ملكيتها له بطرق قانونية ملتوية، وأوراق مزورة. وسبب تسمية هؤلاء بالشبيحة كون الكثير منهم كان يمتلك سيارات مرسيدس “الشبح” و”يشبحون” في شوارع المدن السورية، وبعد الثورة صاروا أشباح الموت لكثرة المجازر التي ارتكبوها بحق السوريين وتحديدا المسلمين السنة، ولهذا السبب فإن 99 في المئة من اللاجئين السوريين هم من المسلمين السنة، وعودتهم إلى أحضان النظام تعني عودتهم ليكونوا تحت رحمة” الشبيحة” وأجهزة المخابرات. وقد عمد بعضهم نشر صور أجسادهم على وسائل التواصل الاجتماعي بعضلات منتفخة وهيئات إجرامية وهم يحملون أسلحة ومسدسات مع خلفية لصور بشار الأسد لبث الرعب في الناس.
مجازر وجرائم حرب
قامت لجنة من المحققين (وهي منظمة غير ربحية أسسها محقق مخضرم في “جرائم الحرب” ويعمل بها 45 محاميا جنائيا دوليا) بإنجاز تحقيق نشرته ” لجنة العدالة والمساءلة الدولية” تضمن 7 وثائق تظهر إنشاء ما يسمى بـ “اللجان الشعبية” (أطلق هذا الاسم على مجموعات شبيحة النظام) بعد تدريبهم وتوجيههم وتسليحهم. وجاء في التحقيق أن “النظام الأسدي خطط ونظم وحرّض ونشر الشبيحة منذ بداية الثورة في آذار/ مارس 2011.
وتضمنت الوثائق التي اعتمدت على عشرات الأوراق التي جمعت من منشآت حكومية أو عسكرية بعد سقوط الأراضي في أيدي المعارضة، التوجيهات الأولى التي صدرت تاريخ 18نيسان/ أبريل 2011، وأمرت بتدريب “اللجان الشعبية” (الشبيحة) على استخدام الأسلحة ضد المتظاهرين، وكيفية اعتقالهم وتسليمهم لمراكز الأمن. ويقول بعض ناشطي حقوق الإنسان الذين درسوا دور الشبيحة في الحرب السورية إن نظام الأسد استخدم هذه الجماعات في البداية لإبعاد نفسه عن العنف على الأرض.
ووثق التحقيق 9 مجازر مروعة ارتكبها “الشبيحة” في كرم الزيتون في مدينة حمص في آذار/مارس 2012. وأكد أحد الشهود أن زوجته وخمسة من أطفاله كانوا من بين ضحايا المجزرة.
محققو الأمم المتحدة
وكان محققو الأمم المتحدة خلصوا عام 2012 إلى وجود أسباب معقولة للاعتقاد أن ميليشيات الشبيحة ارتكبت جرائم ضد الإنسانية، وتشمل القتل والتعذيب وجرائم الحرب، مثل الاعتقال والاحتجاز التعسفيين والعنف الجنسي والنهب.
وعلى الرغم من عدم وجود محكمة جرائم حرب دولية ذات اختصاص قضائي حول سوريا، إلا أن هناك عدداً من قضايا “الولاية القضائية العالمية” في دول مثل هولندا والسويد وفرنسا وألمانيا التي تمتلك قوانين تسمح لها بالتحقيق في جرائم الحرب حتى لو تم ارتكابها خارج أراضيها.
واعتبرت أن الوثائق المتعلقة بممارسات الشبيحة قد تكون “أدلة ضرورية” تربط الشبيحة بالنظام السوري في قضايا العدالة الدولية.
لجنة أممية
قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة بإنشاء مؤسسة “مستقلة” للكشف عن مصير “المفقودين” في سوريا، ورحب الاتحاد الأوروبي بهذا القرار الذي يسعى إلى تقديم الدعم وتلبية احتياجات الضحايا والناجين وأُسر المفقودين وإيضاح مصيره، وأشارت أن “سوريا تضم أكبر عدد من المحتجزين والمختطفين والمفقودين في العالم بسبب الصراع الحالي.
وحصل القرار على موافقة 84 دولة مقابل رفض 11 دولة، فيما امتنعت 62 دولة عن التصويت، بينها معظم الدول العربية. ويهدف القرار إلى الكشف عن مصير أكثر من 100 ألف مفقود في سوريا، وتحديد مكانهم، وتقديم الدعم للضحايا وذويهم.
ويتعين على الأمين العام للأمم المتحدة تطوير “إطارها المرجعي” في غضون 80 يوماً، بالتعاون مع المفوض السامي لحقوق الإنسان. ووصف الاتحاد الأوروبي الآلية الجديدة بأنها حتمية وإنسانية.
ولاقى قرار الجمعية العامة ترحيب لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا التي وصفته أنه خطوة تاريخية طال انتظارها.
ولم تنشر “لجنة العدالة” جميع الوثائق التي استندت إليها، قائلة إن بعضها يستخدم في التحقيقات الجارية في الدول الأوروبية.
وبالرغم من عدم وجود محكمة جرائم حرب دولية ذات اختصاص قضائي حول سوريا، إلا أن هناك عدداً من قضايا الولاية القضائية العالمية في دول مثل هولندا والسويد وفرنسا وألمانيا التي تملك قوانين تسمح لها بالتحقيق في جرائم الحرب حتى لو تم ارتكابها خارج أراضيها.
واعتبرت أن الوثائق المتعلقة بممارسات الشبيحة قد تكون “أدلة ضرورية” تربط الشبيحة بالنظام السوري في قضايا العدالة الدولية.
الدول العربية من جانبها اتخذت موقفاً صامتاً حيال القرار، باستثناء قطر والكويت، اللتين صوتتا لصالحه فيما، امتنعت 13 دولة عربية عن التصويت هي: لبنان والعراق ومصر والسعودية والجزائر والبحرين والمغرب والإمارات وجيبوتي واليمن والأردن وعمان وتونس.
كاتب سوري
القدس العربي
——————————
على هامش الحال السورية الراكدة/ محمود الوهب
منذ بداية شهر حزيران الماضي، وإلى عدة أيام خلت جرت أحداث تتعلق بالشأن السوري العام (مؤتمر مدنية، باريس، مسودة مشروع قرار أممي بشأن المغيبين قسرياً، تفاهمات سياسية بين هيئة التنسيق وقوات سوريا الديمقراطية) يمكن إعطاؤها جميعاً عنوان: “على هامش الحال السورية الراكدة” إذ تكتسي تلك الأحداث أهمية خاصة من كونها جرت على أرضية الفراغ أو الركود الذي تعانيه الحال السورية، ورغم أنَّ السوريين قابلوها بردود أفعال، ومواقف متناقضة، تباينت بين (ضد أو مع أو بين.. بين!) إلا أن تلك المواقف عبرت عن حالة صحية، فرضتها الروح الجديدة التي أخذت تتغلغل داخل المجتمع السوري، وخاصة في بلاد الاغتراب! كما يفرضها ثبات الحال السورية، واستمرار معاناة السوريين وتعقيدها، ولا يزال الصراع الدولي محتدمًا حول سوريا، كما لا تزال الاحتلالات قائمة ويؤيد النظام بعضها، وبعضها الآخر مسكوت عنه بفعل الواقع الذي يفرض نفسه، وثمة احتلال اقتحم المنطقة الشرقية دون استئذان من أحد، واعتمادًا على ما يسمى بقوات سوريا الديمقراطية.. وستحاول هذه المقالة إبداء رأي حول أهم تلك الأحداث..
أولاً: في السادس من حزيران عُقد في باريس مؤتمر تحت اسم “مدَنِيَّة”، وتمثلت فيه نحو مئة وخمسين منظمة مجتمع مدني، وموَّله رجل الأعمال السوري “أيمن الأصفري” وإذا كانت منظمات المجتمع المدني ممنوعة من الشغل في السياسة بطلب من المموِّلين! فهذا المؤتمر استدرك ذلك الأمر. إذ كيف لهؤلاء الشباب الذين قاموا بدءاً من العام 2011 وما بعده باحتجاجات ثورية ذات محتوى سياسي ألّا يساهموا في العمل السياسي؟! وخاصة أنّهمَ ومن خلال عمل منظماتهم قد اكتسبوا خبرات متنوعة سوف تصب، في نهاية المطاف، في بناء مجتمع الحرية السوري الذي يطمح إليه السوريون. ولم تتعارض نتائج المؤتمر مع ما توصل إليه المجتمع الدولي من توجهات للحل في سوريا وفق القرار 2254، وفي النهاية، يُعَدُّ هذا المؤتمر، خطوة إيجابية على طريق بناء دولة الحرية والمواطنة المتساوية المصانة بمبادئ وقوانين ديمقراطية يسعى إليها السوريون كافة..
ثانياً: توصلت الأمم المتحدة إلى مسودة قرار يقضي بتشكيل مؤسسة أممية مستقلة تهدف إلى متابعة ملف المفقودين في سوريا، وكشف مصيرهم، وقد جاء القرار بأغلبية 83 دولة، ومعارضة 11، وامتناع 62 عن التصويت. ومن المؤسف حقاً أن تمتنع الدول العربية عدا “قطر” و”الكويت” عن التصويت، ولكن ماذا تقول إذا كانت معظم الدول العربية الممتنعة هي التي تطبِّع مع العدو الصهيوني، وتدعو للتطبيع معه، ورغم أن القرار ذو غايات إنسانية محضة، إلا أن الدول العربية أخذت هذا الموقف الشائن! فالمؤسسة التي اتُّخذ قرار بتشكيلها سوف تسعى للكشف عن مصير آلاف المفقودين وتريح آلاف الأمهات والآباء والأبناء والإخوة في سوريا، منذ اندلاع الثورة السورية وإلى اليوم، ويقدر “مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عدد السوريين المفقودين أو المخفيين قسراً منذ عام 2011، بنحو مئة ألف إنسان سوري، فيما ترى مؤسسات سورية أن الرقم أعلى من ذلك بكثير، وربما وصل إلى أضعاف هذا العدد.. ومع ذلك يبقى مجرد طرح هكذا مشروع، إدانة قوية للنظام وهو مشروع يساهم في تعرية النظام أكثر فأكثر إلى جانب المجازر المتعددة واستخدام الكيماوي وصناعة المخدرات وتجارتها.. ومن هنا كان انزعاج ممثلي النظام، وعدّوا ذلك تدخلاً في شؤونهم الداخلية.. وبالفعل هو تدخل، إذ ليس لهم من شؤون الحكم غير القتل العمد، وقهر الشعب بأشكال شتى..
ثالثاً: توقيع وثيقة تفاهم بين “هيئة التنسيق الوطنية” و”مجلس سوريا الديمقراطية”، وهي الأهم رغم معارضة أغلبية السوريين لها، و(المعارضة هنا مشروعة لما لاقاه سكان الجزيرة السورية من معاناة تحت ظل حكم قسد) ولذلك يجب التوقف عندها، وقراءة بنودها، والتطورات الجارية في شمال شرقي سوريا والمتغيرات السياسية المحتملة هناك..
تضمنت الوثيقة خمسة بنود رئيسة نوجزها بما يلي: 1- إن تأسيس جبهة وطنية ديمقراطية سوريّا لقوى الثورة والمعارضة السورية ضرورة لمشروع التغيير الوطني الديمقراطي الذي يُخرج سوريا من محنتها باتجاه الخلاص من الاستبداد والتحول نحو الديمقراطية.
2- إجراء العملية السياسية دون إقصاء أحد وفق القرار الأممي 2254 وجميع القرارات الأخرى ذات الصلة، بما يكفل إنهاء نظام الاستبداد، وبناء سوريا ديمقراطية تعددية ذات نظام سياسي لامركزي، يتوافق عليه السوريون!
3- يتبنى الطرفان وحدة الجغرافيا السورية والسياسية، ويرفضان أشكال التقسيم كافة.
4- يتبنى طرفا الوثيقة الحل السياسي وفق القرار المذكور، ويرفضان وجود أية ميليشيا أو أي احتلال، ويجب أن يترافق ذلك مع الإفراج عن المعتقلين كافة، ويرفض الطرفان أي تغيير ديمغرافي في سوريا..
5- يؤكد الطرفان على أن الثروات السورية ملك للشعب السوري وأن محاربة الفساد مهمة وطنية..
إضافة إلى بنود الوثيقة (مفصَّلة على موقع تلفزيون سوريا: الإثنين/25/ 6/ 2023) يمكن قراءة خلفياتها في فشل تنظيم قسد وملاقاته معارضة كبيرة من المجتمع المحلي (العربي) في الجزيرة السورية، والأهم إدراك أميركا لذلك الفشل والعمل على “تشكيل حزام سنّي عشائري في سوريا، يتبعه امتداد له في العراق لتقويض نفوذ إيران وقطع شريانها البرّي من طهران إلى بيروت”. (بحث نشره صالح الحموي الأسبوع الماضي على موقع “مركز كاندل للدراسات”) ويتوافق هذا الحل في حال وجوده مع تركيا التي يلاحظ اليوم بداية انفراج مع أميركا..
وبغض النظر عن مدى دقة ما ورد في البحث لا بد من تأكيد أن الحل في سوريا هو الذي يحافظ على وحدتيْ الأرض والشعب ويتخلص من الاستبداد وآثامه كلياً لن يكون إلا وفق نظام ديمقراطي لامركزي ينسجم مع تطلعات السوريين.. وأن وثيقة التفاهم تأخذ بالحسبان، فيما أعتقد، أن مشكلة المكوِّن الكردي أو سواه من المكونات لا تُحل إلا من خلال تلبية حاجات الفرد السوري المادية والروحية وهذه لا يحققها هذا الحزب أو ذاك بالمحاصصة السياسية التي سوف تقود إلى استبداد آخر، بل عبر نظام ديمقراطي يقف معه، ويدعمه السوريون كافة، وأن الأحزاب التي ستشكل مستقبلاً لن تحمل صفات إيديولوجية بل سمات وطنية سورية ذات توجهات تنموية شاملة تفسح في المجال لإبداع المواطن السوري أينما وجد ومهما كان مكونه..
تلفزيون سوريا
————————————
=======================
تحديث 06 تموز 2023
————————–
مفقودو سورية يكشفون تهافت “المبادرة العربية”/ غازي دحمان
كشف التصويت الذي أجرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عن إنشاء مؤسّسة مستقلة تعنى بالمفقودين والمخفيين قسرياً في سورية، رثاثة (ووهن) ادّعاء الأنظمة العربية أن ما تسمّى “المبادرة العربية” الهدف منها تخفيف آلام الشعب السوري، وصولاً الى إيجاد مخارج تنهي أزمته، إذ يبدو أن كلام المبادرات النظري سرعان ما تمحوه الأفعال الجادّة.
باستثناء قطر والكويت، رفضت جميع الدول العربية التصويت لصالح القرار، وفضلت عدم التصويت، وهذا موقف ليس بريئاً، فعدم التصويت تصويت ضد مشروع القرار، ذلك أنه يُحسم من كتلة الأصوات المؤيدة للقرار، هو تذاكٍ دبلوماسي تمارسه الأطراف غير المصوّتة التي تراهن على إضعاف وزن كتلة الأصوات المؤيدة، وبالتالي إفشال مشروع القرار ومنعه من الاعتماد.
واضحٌ أن لعبة دارت داخل أروقة الأمم المتحدة، جرى خلالها تقاسم الأدوار، فهناك دول ترفض بشكل مباشر المشروع وتصوّت ضده، وهي التي لها خصومة مع الغرب، على اعتبار أن هذا المشروع يتساوق مع قيم الغرب المؤيد للثورات، في حين تمتنع دولٌ أخرى عن التصويت، تلك التي لها مصالح مع الغرب، ولكنها لا تريد زجّ نفسها بمواجهة مباشرة معه. وهنا تستطيع القول إنها لم تعارض القرار، لكنها رفضت التصويت عليه، وبذلك اختارت الحياد بين طرفين متصارعين.
إن لم يكن هذا انحيازاً لنظام الأسد ماذا يكون؟ قد لا تكون هناك مشكلة في أن تقف دولة في أميركا اللاتينية على الحياد، نظراً إلى بعدها عن الحدث السوري، رغم أن هذا الموقف سيوضع ضمن خانة السلوك اللا أخلاقي لحياده عن الحقيقة. أما أن تقف موقف الحياد بلدانٌ عربية شاهدت المذبحة السورية، وامتلأت أرشيفاتها بتفاصيل ما جرى في سورية، وربما اختفى بعض أبناء هذه الدولة على يد عصابة الأسد، فالحياد هنا يثير حوله شكوكاً، ويبدو خارج سياق المنطق والواقع.
تعرف جميع البلدان العربية أن مسألة المغيّبين أصبحت قضية مركزية تمسّ الملايين من الشعب السوري، ويشكّل الاختفاء القسري الممارس من النظام جريمة ضد الإنسانية، وقد استخدمها نظام الأسد لابتزاز السوريين وإضعافهم لدفعهم إلى الهرب من سورية، ما يعني أن هذه القضية أحدثت ديناميكيات عديدة، استفادت منها عصابة الأسد، فكل من مات في البحار هرب من التغييب القسري، ومن باع منزله لمليشيات إيران فعل ذلك ليدفع لعصابات الأمن كي تكشف له مصير ابنه أو مكان إخفائه، وكل من لجأ الى الجوارين، القريب والبعيد، هرب من مصير التغييب القسري.
عدم التصويت على القرار يعني موافقة الأنظمة العربية على نهج التغييب الذي يمارسه النظام، هو دعم مباشر لهذه السياسات، وهو تكذيبٌ لآلام ملايين السوريين، وتصديقٌ لرواية النظام بشكل مباشر. ليقل الإعلام العربي ما يشاء ويتذرّع بما يريد، المسألة بوضوح هي هكذا: نريد استمرار هذا النمط من السياسات، وعدم تصويتنا إما سيساهم في إسقاط المشروع، أو سنكون في حلٍّ من أي التزامات يرتبها القرار على اعتبار أننا لم نؤيده.
المفارقة الغريبة أن ما تسمّى “المبادرة العربية” حسب ما نشرتها مجلة “المجلة” التي تقدّم بها الأردن، وأصبحت مبادرة الدول العربية، نصّت على “حضّ جميع الأطراف السورية وتركيا على التعاون للإفراج عن المعتقلين”، ودعت الى أن “تقدّم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والهيئات التابعة للأمم المتحدة ذات العلاقة الدعم والمساعدة للمُفرج عنهم لتسهيل إعادة دمجهم ضمن مجتمعاتهم”.
هذه الأمم المتحدة تجهز لدعم هذه الجزئية من المبادرة العربية، فلماذا تخلّى عنها العرب؟ فقد تهيأت فرصة ثمينة للمبادرة العربية، لتصبح ذات بعد دولي، وفرصة لتقوية الموقف العربي الذي يدّعي أصحابه أنهم يتفاوضون مع النظام، من أجل تنفيذ بنود مبادرتهم، فلماذا ضيّعوا هذه الفرصة؟ هل السبب أنهم يأخذون في حساباتهم خواطر عصابة الأسد على حساب آلام ملايين السوريين؟ هل هو الخوف من ردّة فعل هذه العصابة؟ وهل الدول العربية التي باتت تطالب بدور وازن في النظام الدولي وتصحيح اختلالاته الحاصلة وتتحدّى القوى الكبرى فيه تخاف من قول الحقيقة لعصابة مجرمة؟
كشف كلام مندوب مصر، المتحدث العربي الوحيد في الجلسة، حقيقة الموقف العربي “الذي يبدو أنه جرى التنسيق بخصوصه”. تذرّع بأشياء عديدة لرفض بلاده التصويت على القرار، أغربها “افتقار القرار لتعريف واضح للأشخاص المفقودين”. تُرى ألم يشاهد السفير فيديو مجزرة حي التضامن في دمشق؟ ما زال موجوداً على “يوتيوب”، وقد يوصله إلى الشطر الأول من تعريف المغيّبين. هم أشخاص، في الغالب عاديون، جرى اختطافهم من على الحواجز وخلال المداهمات والاعتقالات الممنهجة. الشطر الثاني من التعريف أن في سورية أكثر من عشرة آلاف حاجز، وعشرات الاعتقالات الجماعية اليومية، فضلاً عن تغييب الأشخاص لمطالبة ذويهم بتسليم أنفسهم، أو للحصول على الفديات، أو لمجرّد الانتقام من بيئة الثورة… هل يحتاج هؤلاء إلى تعريفٍ محدّد، ليتلقوا تعاطفاً معهم؟
كشف رفض الأطراف العربية التصويت على القرار أن ما تسمّى المبادرة العربية هي مجرّد ذر للرماد في عيون المجتمع الدولي، ومحاولة للضحك على الرأي العام العربي والعالمي، لإعادة تأهيل مرتكب آلاف المجازر بحق السوريين.
العربي الجديد
——————————
ما رأيكم أن تخرسوا؟/ مالك داغستاني
قبل ربع قرن تماماً، تحديداً في أيلول/سبتمبر عام 1998، وقف السجين الأشهر في العالم نيلسون مانديلا، وقد غدا رئيس دولة وزعيماً عالمياً، على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة وخاطب قادة العالم بكلمات سيحفظها التاريخ له: “بينما سأجلس في “كونو” قريتي، ويتقدم بي العمر ليضاهي عمر تلالها، سيظلّ يحدوني الأمل في ظهور جيل من الزعماء في بلدي ومنطقتي، في قارتي وفي العالم. زعماء لن يسمحوا بأن تُنكر على أحد حريته كما أُنكرت علينا، ولا بأن يُحوَّل أحد إلى لاجئ كما حُوِّلنا، ولا أن يُحكم على أحد بأن يجوع كما حُكم علينا، ولا أن يُجرَّد أحد من كرامته الإنسانية كما جُرِّدنا… فإذا ما تحولت كل هذه الآمال إلى حلم قابل للتحقيق، وليس إلى كابوس يقض المضاجع، عندئذ سأشعر حقا بالسلم والطمأنينة”.
أحلامك أوقعتنا في الفخ يا “ماديبا”، وها نحن في وسط الكابوس تماماً. ماديبا هو اسم القبيلة التي ينتمي إليها مانديلا، واسمه الشائع في بلاده. في تلك الفترة تصاعدت لدى الكثيرين آمال بأن جرعة أخلاقية يقودها هذا الرجل، سوف تدخل إلى عالم السياسة الدولية. المخيِّب ليس فقط أن حلم ماديبا بوجود مثل هؤلاء الزعماء الأخلاقيين لم يتحقق. الأدعى للخيبة أن أمثال القادة الذين حلم بهم الرجل كادوا أن ينقرضوا تماماً، وإن كان هناك منهم من ما زال يردد بعض الأمثولات الأخلاقية، فإن السياسات العملية في الواقع، سوف تكذّب كل ما يتردد من كلام غير ذي معنى.
هل بدا لكم عنوان مادتي وقحاً؟ حسناً، انتظروني قليلاً، وسوف تنضمون لي. من على نفس المنبر الذي أدلى به مانديلا بكلماته تلك، لكن بعد مرور واحد وعشرين عاماً سيقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب عام 2019 ليخبرنا (هو، أو من كتب له خطابه) بأن “الفجوة الأساسية في مختلف أنحاء العالم، وعلى مرّ التاريخ، واضحة وضوح الشمس. إنها الفجوة بين من يقعون ضحية تعطشهم للسيطرة، فيخالون أن قدرهم الحكم على الآخرين، وبين الشعوب والأمم التي تريد حكم نفسها بنفسها ليس إلا”. يا للجرأة، ترامب يقدم لزعماء العالم دروساً في الأخلاق السياسية ويتحدث عن تحرر الشعوب! سيد ترامب، ما رأيك أن تخرس. والآن ألا ترون أن العنوان كان أقل وقاحة من حديث ترامب.
بعد مضي ربع قرن من وقفة مانديلا تلك، في ذات المحفل، سيمتنع خلال الأسبوع الماضي، تسعةٌ وستون مندوباً يمثلون تسعةً وستين زعيم دولة يفتقدون لأي حسٍّ أخلاقي مما تحدث عنه ماديبا. سيمتنعون عن التصويت على إحداث آلية مستقلة للكشف عن مصير عشرات الآلاف من المعتقلين والمخفيين قسراً في سوريا، وسيصوت أحد عشر مندوباً يمثلون أحد عشر زعيماً، من المصنفين في الدرك الأسفل على مقياس أي أخلاق، ضد القرار. وسوف يسوق كل مندوب من هؤلاء مبررات بلاده للموقف المشين، دون أن تواتيهم الحصافة أن يخرسوا.
استباقاً لأية ملاحظة، ولمن يعتقدون أنه علي التنويه هنا بممثلي الدول التي صوتت لصالح القرار، أرى ضرورة التأكيد على أن ما فعلته تلك الدول ليس مأثرة أخلاقية تستحق الشكر أو حتى التنويه. ما فعلته تلك الدول أنها لم تطلق النار على ضحية بريئة، ولم تدخل سكّينها أعمق في جسد بلاد تنزف. فهل يستحق هذا الأمر الإطناب بالمديح أو حتى لفت النظر. بداهةً من الطبيعي جداً لمن يمتلك الحدَّ البشري الأدنى من الأخلاق أن ينحو هذا النحو، ونحن حين نتصرف بالفطرة التي لم يستغرقها الإجرام، أي حين نسلكُ كبشر طبيعيين ولسنا مجرمين، فإننا لا نستحق الشكر. كأن يقول لك أحدٌ ما “صباح الخير” ببرودٍ أو بحرارة، فإنك ترد “صباح الخير”، وليس مطلوباً منك الرد: “أشكر لك هذا الكرَم سيدي، أن بادرتني بقولك صباح الخير”. إنها طبائع الحياة ليس إلا.
باستثناء دولتين، فإن مندوبي زعمائنا العرب امتنعوا عن التصويت، فيما بدا أنه إجماع عربي سياسي، لم تخرقه سوى دولتين مارقتين على خسة هذا النوع من الإجماع الجرمي هما الكويت وقطر. يجب الانتباه هنا أيضاً إلى ضرورة عدم امتداح البلدين، فما فعلتاه بتصويتهما لصالح القرار هو الأمر البشري والإنساني الطبيعي. لا يُشكر إنسان أو حتى بلد لأنه في موقفٍ ما، لم يتسبب بأذى لمن حوله. الموافقة على المطالبة بالكشف عن مصير عشرات آلاف المخفيين قسرياً هو الأمر الطبيعي للحدِّ من استفحال أكثر مجازر الحاضر فجاجةً، وما دون هذا الموقف جريمة على الدول التي ارتكبتها أن تشعر بالعار، لو كانت تعرف معنى العار، أو لو كان قادتها يمتلكون الحس الأخلاقي بحدوده الدنيا. ألم يتساءل هؤلاء الزعماء، ولو للحظةٍ، كيف ستسجل هذه الواقعة في تاريخ دولهم وليس في تاريخهم الشخصي وحسب؟ أعلم أنكم ابتسمتم من استخدامي تعبير “تاريخهم الشخصي”.
كان أشد ما أثار حنقي حقيقةً، اشمئزازي بالأحرى، هو البيان الصادر عن وزارة الخارجية اللبنانية، لتبرير عدم تصويت لبنان لصالح القرار. البيان الذي جاء رداً على استنكار عائلات المفقودين اللبنانيين في سوريا لموقف بلدهم. لدى لبنان منذ الثمانينيات سبعة عشر ألف مفقود اختفت آثارهم بعد اعتقالهم لدى المخابرات السورية، ومع ذلك تمتنع مندوبة لبنان إلى الأمم المتحدة عن تأييد القرار! يقول بيان الخارجية اللبنانية إن الأمر جاء “تماشياً مع شبه الإجماع العربي بالامتناع عن التصويت، ورغبةً منه بعدم تسييس هذا الملف الإنساني بامتياز”.
لم ينتبه جهابذة الخارجية اللبنانية أنهم أقحموا السياسة ولم يحيّدوها هنا، فانساقوا إلى الإجماع العربي سياسياً، متناسين أن هذا الملف هو جرح إنساني سوري لبناني فلسطيني، سيّما أن القرار لا يمتلك في آليات تشكيله أيّ أدوات لتجريم ومحاسبة من اعتقل وأخفى هؤلاء الضحايا! يكمل البيان ركاكتهُ بالتأكيد على تمسك لبنان بحل هذه القضية التي “تشكل جرحاً نازفاً وألماً مُستداماً لأهالي المفقودين، من خلال الحوار والتفاهم بين لبنان وسوريا”. لكم أن تتخيلوا أن الحديث عن الحوار مع سوريا يخصّ ملفاً عمره أكثر من أربعين عاماً لم تنجح خلالها أية حكومة لبنانية بحلّه! هنا أيضاً، أما كان حريّاً بالخارجية اللبنانية أن تخرس؟
رغم تأييدي الدائم للاعتراف بدولة فلسطين كبلد مستقل، إلا أنني لأول مرة كنت سعيداً بأنه ليس للدولة التي نحلم بالاعتراف بها منذ عقود، مندوبٌ يصوّت في الأمم المتحدة! لم أكن أريد تلويث اسم فلسطين بامتناع مندوب حكومتها عن التصويت على القرار، بينما يصوت المندوب الإسرائيلي بالموافقة. هل تستطيعون التخيّل؟ مع وجود آلاف الفلسطينيين المختفين في معتقلات الأسدين الأب والابن، كان هذا ما سيحدث بالتأكيد لو كان لدولة فلسطين صوت هناك، فما يجري من تطبيع مع نظام الأسد بعد مجازره في مخيم اليرموك وغيره، لا يوحي إلا بانجرار المندوب الفلسطيني إلى إجماع العار العربي. أبتسم لافتراضي الوهمي للموقف الذي لم يحدث في الواقع أصلاً، بينما حقيقةً كنت أود البكاء.
أخمِّنُ أنكم تتساءلون: وهل تعتقد بأن إحداث تلك المؤسسة المستقلة سوف يُخرِج زير المعتقلين من بير الأسد وباقي الأطراف التي مارست الإخفاء القسري؟ إطلاقاً لا. فأنا لست أحمق إلى الدرجة التي تجعلني أصدق أن مفاعيل حقيقية سنلمسها في الواقع بسبب القرار، بل وباعتقادي أن الدول المنخرطة في الصراع التي صوتت لصالح إحداث المؤسسة لن تدفعَ باتجاه آليّة فاعلة لعملها، إلا إذا اقتضت مصالحها ذلك مستقبلاً. ما أنا بصدد الحديث عنه هنا، هو فقط جفاف ماء الوجه عن قادة يفتقدون لأي نوع من الأخلاق التي تحدّث عنها ماديبا قبل ربع قرن.
أحاول اليوم أن أضع نفسي في موقع المخفيين في السجون السورية، ولن أذكر هنا المعاناة الهائلة لعائلاتهم، وهذا ملفٌ جارح وحده. أتذكر وجودنا في سجن الأسد الأب، وكيف كانت تعنينا أية إشارة تومئ لقضية المعتقلين، وكم كان يُفرح قلوبنا وأرواحنا أي موقف إيجابي لأي جهة تطالب بالإفراج عنّا. أسأل نفسي، ماذا لو علم اليوم آلاف المعتقلين أن تسعاً وستين دولة ترفض الخوض في مصيرهم، ومن بينها معظم الدول (الشقيقة)؟
لم تكن وقاحة تلك الدول فقط بالامتناع عن التصويت، بل بالاسترسال الرخيص لإقناعنا أنها إنما فعلت ذلك لأسباب وجيهة، ليس من بينها الاستهتار بأروح عشرات الآلاف ممن ما زالوا يقتلون في سجون الأسد منذ عقود. بعد موت باسل الأسد بحادث سيارة مطلع عام 1994. وقفت أمٌّ سورية خلف الشبك، في أول زيارة لابنها المعتقل طفلاً منذ أكثر من عقد في سجن صيدنايا، وفي إشارة منها لاعتقادها بأن موت الابن البكر لحافظ الأسد عقاب سماوي، قالت: “الله كبير”.
تلفزيون سوريا
———————————-
آلية الكشف الأممية وصوت العار/ يحيى العريضي
يُحزِنُ السوريُّ ويؤلمه ويهزُّ كيانه موتُ حبيب أو دمار بيت أو تشَرُّدٌ أو فقر؛ ولكنَّ الأشدّ وطأة على روحه والمدمّر لكيانه، ألاّ يعرف إذا كان مَن يحب حيّاً أو ميتاً. إنها قصة المعتقلين والمفقودين والمغيّبين قسرياً. جَهِدَ السوريون أفراداً ومجموعات ومنظمات مجتمع مدني، وعبر مؤسسات دولية في التمسّك بخيط أمل؛ وعملوا جاهدين أن يكون هناك طريقة أو وسيلة أو أي آلية للكشف عن مصير هؤلاء.
وأخيراً، وفي الثامن والعشرين من حزيران، وصلت جهودهم لاستصدار قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، قدمته “لوكسمبورغ”، بإنشاء آلية تسهم بإطفاء شيء من ذلك الجمر في قلوب الأهل. وكان اللجوء للجمعية العامة هرباً من مجلس الأمن، الذي أخذه بوتين رهينة باستخدام “الفيتو”، كي يحمي ويرافع عن منظومة الاستبداد الأسدية ثماني عشرة مرة خلال السنوات الماضية.
تقول التقديرات إن عدد المفقودين والمغيبين قسرياً يقارب مئة ألف سوري. وحقيقة الأمر، هم أكثر من ثلاثة أضعاف هذا الرقم. وبات معروفاً أن القسم الأكبر منهم قد قضى تحت التعذيب في معتقلات نظام الأسد؛ وشهادات قيصر وصوره، وما رواه “حفار القبور” كشاهد عيان، والمجازر الموثقة، وأفران سجن صيدنايا دلائل دامغة على ذلك. أما كيف وصل هؤلاء ليد النظام، فكان عبر الحواجز الطيارة والثابتة، وخلال الاعتقال العشوائي، لنشر الرعب. وكانت ذروة تلك الأفعال بين 2012 و2014.
خضع قرار تلك الآلية للتصويت في الجمعية العامة، ونجح. ولا يُتَوقّع أن يكون مصيره مختلفاً عن قرارات أخرى بخصوص سوريا؛ إذ رفضها “النظام” ممارسة وفعلاً، بما في ذلك القرار 2118 إثر استخدامه للسلاح الكيماوي؛ والذي حوى في طياته بنداً يشير إلى الفصل السابع، في حال استخدم النظام ذلك السلاح ثانية. إلا أن “النظام” استخدمه ثانية وثالثة؛ وتمّ توثيق ذلك؛ ولم يحدث شيء. وهذا القرار في إنشاء آلية للكشف عن المختفين والمغيبين قسرياً لن يختلف مصيره عن مثيلاته، بحكم أن ذلك سيكون وبالاً على “النظام”؛ ومع ذلك يبقى على الأقل إعلامياً تذكيراً بالجرائم التي ارتكبتها منظومة الاستبداد، وناقوساً يذكّر العالم أن هناك إجراماً، وتفلُّتاً من العدالة.
أسعدَ السوريين المكلومين مرور القرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولم يستغربوا رفض نظام الاستبداد له؛ لأنه البوابة التي ستفتح أبواب جهنم على إجرامه؛ ولكن، ألاّ توافق دول عربية، قالت إنها تقترب من نظام الأسد من أجل إنقاذ الشعب السوري، فهو صادمٌ وجرحٌ مضاعفٌ.
لقد كانت الذرائع والحجج التي ساقها هؤلاء لتبرير فعلتهم الذليلة الرذيلة، بأنهم ينهجون نهجاً سياسياً واقعياً عقلانياً لاستجلاب الأسد إلى حل من دون ضغوط. ومسلكهم هذا يشبه تماماً ما ساقوه من حجج للتقارب والتطبيع مع نظام الأسد. فِعلُهم الإضافي هذا هو طَلَبُ ودّ الأسد، الذي عبّرَ سلفاً عن احتقاره لهم في قمّتهم، ووصفهم يوماً بأنصاف الرجال؛ وربما لا يراهم الآن حتى أشباه ذكور، لا أشباه رجال. والأخطر والأمرّ من ذلك النفاق المعيب كان محاولات تلك الأنظمة وضغوطها على بعض الدول لِثَنيها عن الموافقة، أو التمنع عن التصويت. والمفارقة أن إسرائيل لم تفعل ما فعلوا.
إذا كانت إحدى الذرائع التي ساقتها تلك السلطات العربية للاقتراب والتطبيع مع نظام الأسد قد قالت يوماً إنها من أجل إنقاذ السوريين، وخاصة اللاجئين وإعادتهم إلى بلادهم؛ فالموافقة والدفع بهذه الآلية يُسهم بالعناية والاهتمام بالشعب السوري؛ فما معنى المحايدة السلبية على تشكيل هذه الآلية؟! أليس ذلك دليلاً على الكذب في الحجة الأولى؟! ألا يثبت ذلك أن آخر اهتمامات تلك السلطات هو الشعب السوري، وإنما إنقاذ أنفسهم بإنقاذ زميلهم؟! لماذا يصرّون على عدائهم للشعب السوري، ويستمرون بادّعاء الحرص عليه، ويصرّون على لبوس العار، هذا الذي يصعب فهمه؟!
حقيقة الأمر، هم لا يريدون لشبيههم المجرم أن يتكشّف أكثر؛ فهم نسخة واحدة بالطريقة والعقلية والنهج؛ ويخشون انكشاف أفعالهم المشابهة؛ حيث انتشار قرارات بآليات مشابهة وامتدادها إلى معتقلاتهم، مدمّر بالنسبة لهم. لقد كان هاجس تلك السلطات واهتمامها في مكان آخر؛ إذ إن الموافقة على آلية كهذه ستفتح الأبواب على خزائن الجماجم، فينكشف المستور.
إن نتائج ومآلات وعقابيل هذا الانكشاف وخيمة جداً؛ وليس أقلها العداء والشروخ بين السوريين والشعوب العربية التي تدّعي تلك السلطات تمثيلها أو تفرض عليها نفسها بالقوة. ما فعلته لا يُنسى، ويحفر في النفوس أبدياً؛ وكأنها مكلَّفةٌ رسمياً بصناعة هذه الشروخ. إذا كان الإخفاء والتغييب جريمة ضد الإنسانية، والقبول بها كارتكابها؛ فهم بفعلتهم يُثبتون عداءهم لحقوق الإنسان وشراكتهم بالجريمة.
سيعمل السوريون مع الشعب العربي الشريف في تلك الدول مستندين إلى رعب تلك السلطات من السوريين طلاّب الحرية، وعلى خوفها من شرفاء “شعوبها”؛ فهؤلاء هم النبراس والقدوة للخلاص من الطغيان. إرادة السوريين وعزيمة أولئك الشرفاء ستنقل حال الأمة من هذا الانحطاط إلى حالة إنسانية عادلة حضارية رشيدة تسهم في بناء الإنسان الخلاّق، لا بناء أبراج النذالة.
تلفزيون سوريا،
——————————-
هل بوسع محكمة العدل الدولية إضعاف الدافع للتطبيع مع الأسد؟/ ربى خدام الجامع
يبدو أن رئيس النظام السوري قد نجا بجلده، إذ بدلاً من محاسبته على الجرائم التي لا تعد ولا تحصى التي ارتكبها نظامه بحق المدنيين، ينشغل الديكتاتور السوري اليوم بالمصالحة مع رؤساء وقادة العالم.
قامت الحرب السورية بعد العام 2011، ومنذ قيامها، ارتكبت جميع انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم الدولية التي يشملها القانون الدولي، بل وتكررت. وقد مرت تلك الفترة التي استحوذت فيها تلك الجرائم مع هروب المدنيين من سوريا على اهتمام الرأي العالمي، ولكن الأمر لم يعد كذلك خلال السنوات القليلة الماضية.
ولهذا لا عجب أن تمر المحاسبة على الجرائم المرتكبة في سوريا مرور الكرام، فقد عمدت كل من الصين وروسيا في البداية، ثم الولايات المتحدة إلى إحباط الجهود الساعية لتمكين المحكمة الجنائية الدولية، التي تشمل سلطتها القضائية الفصل بجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية والإبادة، من التحقيق بالجرائم المرتكبة في سوريا.
رفض أولي
أخذ سيل من القضايا المرفوعة في الدول الأوروبية بالتدفق حتى تمارس تلك الدول سلطاتها القانونية عبر ملاحقة مجرمي الحرب السوريين من خلال محاكمها، على الرغم من أن تلك الخطوة لا تحلم بمعالجة الطبيعة الواسعة والممنهجة للجرائم المرتكبة في سوريا. ومن جانبها رفضت كندا أن تنحو نحو الدول الأوروبية، وتجاهلت حتى فكرة ملاحقة مواطنيها الذين انضموا لتنظيم الدولة في سوريا وذلك لمشاركتهم في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وفي ظل هذه الظروف، لا بد وأن يحظى إعلان كندا وهولندا عن رفعهما لدعوى قضائية ضد النظام السوري أمام محكمة العدل الدولية باهتمام بالغ، إذ أعلنت أوتاوا بأنها تسعى لمحاسبة النظام بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب لدى الأمم المتحدة، وذلك بسبب الانتهاكات التي لا تحصى لحقوق الإنسان التي مني بها الشعب السوري منذ عام 2011.
من المرجح لجلسات الاستماع في المحكمة أن تعقد أواخر هذا الصيف لتحمل معها جرعة أمل تفيد بأننا لا يمكن أن ننسى الآلاف من السوريين الذين تعرضوا للوحشية ولتقطيع الأوصال والقتل على يد النظام السوري.
بيد أن هذا لا يعني بأن الأسد سيجد نفسه وقد سيق لأي محكمة دولية حتى يحاكم على جرائمه الوحشية هناك، بل إن كندا وهولندا ستقفان في محكمة عالمية في محاولة منهما لضمان انصياع سوريا للقانون الدولي فيما يتصل بحالات التعذيب.
وعلى وجه الخصوص، ترغب كل من كندا وهولندا من محكمة العدل الدولية أن تصدر أوامر تقضي بحفظ وحماية حقوق المدنيين السوريين بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب التي ما برح النظام ينتهكها، مع حماية أرواح الناس وكرامتهم على المستوى الجسدي والنفسي في الداخل السوري بما أنهم حالياً يتعرضون أو يعيشون خطر التعرض للتعذيب أو عاشوه أصلاً، إلى غير ذلك من أنواع المعاملة الوحشية القاسية واللاإنسانية أو التي تحط من كرامة الإنسان، فضلاً عن تعرضهم للعقوبة أو التلويح بها”.
النظام السوري في طور التريث
مانزال بانتظار النظام حتى يرد على الموضوع، لأنه بوسعه أن يتجاهل الدعوى المرفوعة ضده تماماً أو أن يشارك فيها ضمن محاولة لشرح موقفه، تماماً كما فعلت ماينمار عندما رفعت غامبيا دعوى ضدها أمام محكمة العدل الدولية وذلك بالنسبة للمجزرة التي ارتكبتها بحق الروهينغيا.
قد تكون الخطوة التي اتخذتها كندا وهولندا رمزية فحسب، بيد أن الرموز مهمة، لأن العدالة لا تقاس بالنتائج دوماً، بما أن السعي نحو العدالة مهم أيضاً، وحتى مع انشغال الغرب بالوضع في أوكرانيا، تعكس القضية المرفوعة ضد النظام أمام محكمة العدل الدولية مدى رسوخ كندا وهولندا في دعمهما للضحايا والناجين من عنف نظام الأسد، ولهذا قامت كل منهما بإحياء فكرة السعي لتحقيق العدالة بالنسبة للجرائم المرتكبة في سوريا، ولم تركنا لفكرة نسيان الآلاف من المدنيين الذين تعرضوا للتعذيب ومايزالون في السجون السورية.
إلا أن المحزن في الأمر هو أن الأسد خرج منتصراً من الحرب السورية، وعلى الرغم من مقتل أكثر من 300 ألف سوري، بدأت الدول بتطبيع علاقاتها مع دمشق، إذ خلال الشهر الماضي، استقبلت الجامعة العربية الأسد ورحبت بعودته إلى أحضانها بحرارة، على أمل كسب تعاونه في وقف تجارة المخدرات والحد من أزمة اللجوء مقابل ذلك، بيد أن الفضل في عودته الرمزية ينسب أيضاً لأقرب حلفائه، أي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي سعى جاهداً منذ أمد طويل لكسر العزلة الدولية المفروضة على الأسد.
غير أن التمسك بحبال الأمل الذي أحيته تلك الخطوة الساعية لجعل العدالة تلاحق الأسد قد لا يمنع من إعادة تأهيله على المستوى السياسي في نهاية المطاف، على الرغم من قدرة ذلك على التخفيف من التطبيع معه وإبطائه، لذا فإن القرار الذي يقضي بمحاكمة النظام السوري في محكمة العدل الدولية بسبب حملة التعذيب التي شنها على الشعب لا بد وأن يغلق المجال السياسي الذي انفتح أمام من كانوا يفكرون بإعادة النشاط التجاري مع الأسد لولا رفع تلك الدعوى، لأن هذه الدعوى ترغمهم على تبرير سبب قيامهم بذلك مع شخص يتولى قيادة دولة عميلة لروسيا مارست التعذيب على مستوى جماعي، كما توجه هذه الدعوى رسالة للبقية من أمثال بوتين، مفادها بأن ذاكرتنا التي تحتفظ بالجرائم والفظائع لم ولن تصل لمرحلة انتهاء الصلاحية.
وهذه الخطوة الكندية الهولندية المتمثلة برفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية تفيد بأن الأسد سيبقى قيد الملاحقة بسبب جرائمه، وتعني بأن السوريين من الضحايا والناجين سيبقون ماثلين في الضمير العالمي وحاضرين في أروقة المحاكم الدولية.
إن الطريق للمحاسبة متعب ومؤلم من شدة بطئه، ولكن عسى أن يتقلص المجال المحيط بالأسد في يوم من الأيام بسبب الجهود المبذولة ضمن هذا السياق، كتلك التي قدمتها كندا وهولندا، وعسى أن يمل رفاقه من مساندته بعدما تحول لمجرم حرب مميز، لذا، عندما يأتي ذلك اليوم، ستتحول العدالة من أجل سوريا من سراب إلى شيء ممكن.
تلفزيون سوريا
———————
خطوة غير كافية للمفقودين في سورية/ باسل. ف. صالح
قرّرت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 29 الشهر الماضي (يونيو/ حزيران) إنشاء مؤسّسة دولية تعمل على جلاء مصير المفقودين والمخفيين السوريين، والكشف عن أماكن وجودهم بالتوازي مع العمل على تقديم الدعم لمجموع الضحايا وأسرهم، وذلك بعد سنوات من القتل ومن الإخفاء والتنكيل والاضطهاد الذي مارسه النظام أمام مرأى العالم ومسمعه.
وفي السياق، لم يستفض أيُّ من المتكلمين في الأمم المتحدة بشرح الآلية التي سيجري اعتمادها للوصول إلى النتيجة المبتغاة من مؤسّسة كهذه، خصوصًا عندما يتمنّع النظام عن التعاون الجدّي معها، كما هو متوقّع، وخصوصًا أيضًا أن المؤسّسة تقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف، أي أنها تساوي بين الفعل وردّ الفعل، والجاني والضحية، إذ من المفترض أن يُدرك المتابع أن الهدف الأساس من إنشاء مؤسّسةٍ كهذه هو الاقتصاص أولًا من النظام السوري، لأنه يتحمّل المسؤولية الكبرى في اختفاء معارضين سوريين وخطفهم وتصفيتهم، هذا السلوك الذي يتكرّر دائمًا قبل أن يتكثّف منذ اندلاع الثورة عام 2011.
واللافت أن مجموعة دول، تتقدّمها لكسمبورغ، هي التي تقدّمت بالقرار، في غياب الدول الكبرى التي لم تتّخذ موقفًا واضحًا وحاسمًا مما ارتكبه، وما زال يرتكبه، النظام بحقّ السوريين المعارضين والثائرين، وأن الكلام والشعارات التي رفعتها منذ اندلاع الثورة السورية كانت عناوين عامة لم تجد أية مفاعيل على أرض الواقع، ولم تنعكس في مجموع خطواتٍ إجرائية تعمل على حماية السوريين، وعلى المساعدة في تأسيس شبكات أمان تكون بمثابة لبنة أساسية يستكملها السوريون لاحقًا ببناء نظام سياسي مختلف يؤمّن لهم أبسط حقوق التعبير عن النفس وعن الرأي بالأطر الديمقراطية، أي تأسيس شبكات تعمل على تأمين السوريين ضد كل محاولات نثر الخوف وسياسة الرضوخ المبنية على التهديد والوعيد والاغتيال والتصفية.
لطالما شاهد العالم هذه المأساة من دون أن يحرّك ساكنًا، واليوم يعمل على إنشاء مؤسّسة كهذه لا تحمّل المسؤوليات بشكل واضح، ولا توضّح آلية المعالجة باستثناء موضوعية مزعومة، سرعان ما تتحوّل إلى معالجة غير سياسية لمشكلة سياسية، مؤسّسة تفرّغ السياسة من سياسيتها وتحاول أن تموّه المشكلة لا أن تعالجها، لأن العلاج الفعّال والوحيد هو الاقتصاص من بشار الأسد ونظامه، والمساعدة على تأسيس نظام سياسي مختلف عن السائد، وإلا فسيبقى كل نشاطها مجرّد ذرٍّ للرماد في العيون.
الإصرار على وضع قرار يوزّع الاتهامات بهذا الشكل اللااتهامي، وبهدف البقاء على مسافة واحدة من الجميع، لا يصبّ إلا في سياق تعميم المسؤوليات، وبالتالي تبرئة من كان رأس حربة في مشروع إرساء الجريمة المنظمّة بحقّ السوريين، على قاعدة أن التعميم يهدف دائمًا إلى التعمية وإلى تضييع المسؤوليات، ولم يكن، في أي لحظة من لحظات الصراع الدولي والمحلي، إلا وسيلة لهذه الغاية. التعميم هو تضييع نقطة الارتكاز، وهو استكمال المشاهدة بصمت، بما ينعكس في موافقة مضمرةٍ على القتل، وقد اتضح ذلك بشكل مباشر في كلمة مندوب لكسمبورغ حين أعلن أن “هذا القرار لا يوجّه أصابع الاتهام إلى أي أحد”.
وعلى الرغم من اعتبار لجنة التحقيق الدولية بشأن سورية قرار إنشاء المؤسسة تاريخيا، والتي أردفها رئيس اللجنة باولو بينيرو بالقول إنها خطوة طال انتظارها، وإنها جاءت لمساعدة العائلات وذوي من خطفوا وتم احتجازهم بأشكال تعسّفية، خصوصًا وأنهم تُركوا بمفردهم ليبحثوا عن أحبابهم، بما يضع المؤسّسة في خانة الضرورة الإنسانية التي ستتكلل لاحقًا بتحقيق المساءلة، إلا أن التعميم بقي سيد الموقف. وأكدّت عليه المفوضة لين ولشمان، حين ساوت بين مسؤولية الحكومة السورية وأطراف النزاع، معتبرة أن الطرفين تعمّدا “إطالة أمد معاناة العائلات من خلال حجب المعلومات عن مصير عشرات الآلاف من المفقودين أو المختفين”. مضيفًة أن أفراد العائلات الذين يحاولون القيام بمهمة الكشف عن مصير أقاربهم، معرضون باستمرار لخطر “الاعتقال والابتزاز وسوء المعاملة”، وأن معظم المخفيين من الرجال، ما يوضَح أن النساء يأخذن على عاتقهن الاضطلاع بمهمّة الكشف عن مصيرهم، ما يجعلهن عرضةً لأنواع من التمييز والابتزاز، ويعرّضهن لسوء المعاملة وفقًا للمعيار الجنسي، فالنساء السوريات “الشجاعات بحاجة إلى كل دعم يمكن أن يحصلن عليه من هذه المؤسّسة الجديدة”.
ولكن، حتى هذا السقف المنخفض في الخطاب وفي تحميل المسؤوليات لم يردع مندوب النظام السوري الدائم في الأمم المتحدة السفير بسام صبّاغ عن التصويب على القرار، معتبرًا أن “اللجنة مسيّسة”. وقال إن بلاده “حريصة على التعامل مع هذه المسألة الإنسانية، إلا أنها ترفض نهج التسييس الذي تم السير به بشأنها، وتؤكّد على أن المسائل الإنسانية لا يمكن تجزئتها، ولا يمكن التعامل معها بانتقائية”، مؤكدًا أنه كان من المفترض أن يتمثل النظام السوري في هذه المناقشات حول المؤسّسة، وهو ما لم يجرِ، فالمندوب السوري يريد لهذه المؤسّسة أن تعمل وأن يكون نظامه، أي المتّهم الأول، الخصم فيها وهو الحكم، على الرغم من شكّ كل من عايش النظام وسلوكياته بوصول هذه اللجنة إلى نتائج حاسمة في آليات تقصّي الحقائق، ومع السلوكيات النظام الذي يبدو اتجاهه واضحًا في كلام السفير، لأنهم يعلمون أن مثل هذا النوع من الحيادية لن يكون إلا في خدمتهم، ولن يصبّ إلا في إطالة عمر نظامهم، على حساب الشعب السوري وحقائقه ومعاناته وتضحياته.
مؤسّسة كهذه خطوة بسيطة جدًا إلى الأمام، لكنها غير كافية، ناهيك عن أنها متأخّرة.
العربي الجديد
—————————
باحثون في جرائم الحرب: النظام السوري هو الذي أنشأ ميليشيات الشبيحة
في السنوات الأولى من الصراع الوحشي في سوريا، أنشأ مسؤولون حكوميون كبار مجموعات شبه عسكرية تعرف باسم الشبيحة، وأشرفوا على توجيهها لمساعدة الدولة في قمع المعارضين، وفقاً لما وثقه محققون في جرائم الحرب.
وفي تقرير أُرسل إلى رويترز، نشرت لجنة العدالة والمساءلة الدولية سبع وثائق، قال محققوها إنها أظهرت أن أعلى مستويات النظام السوري “خططت ونظمت وحرّضت ونشرت” الشبيحة، منذ بداية الحرب في عام 2011.
وخلص محققو الأمم المتحدة، في عام 2012، إلى وجود أسباب معقولة للاعتقاد بأن ميليشيات الشبيحة ارتكبت جرائم ضد الإنسانية، منها القتل والتعذيب، وجرائم الحرب، مثل الاعتقال والاحتجاز التعسفيين والعنف الجنسي والنهب.
ولا تحتوي وثائق لجنة العدالة والمساءلة الدولية على أوامر مكتوبة مباشرة لارتكاب الأعمال الوحشية.
ولم تردّ حكومة النظام السوري على طلب من رويترز للتعليق، وسبق أن حمَّلت مقاتلي المعارضة مسؤولية عدد من عمليات القتل الجماعي التي أدرجتها اللجنة في تقريرها. ولم تعلق الحكومة علانية من قبل على الشبيحة، أو ما إذا كان لها أي دور في تنظيم تلك الجماعات.
يعود تاريخ الوثائق إلى يناير كانون الثاني 2011، وهي الأيام الأولى للاحتجاجات ضد حكم رأس النظام السوري بشار الأسد. وتوضح الوثائق إنشاء ما يسمى باللجان الشعبية، وهي مجموعات ضمت أنصار النظام المعروفين بالفعل باسم الشبيحة في الأجهزة الأمنية. ويشير التقرير إلى تدريبهم وتوجيههم وتسليحهم.
تتضمن الوثائق تعليمات في الثاني من مارس آذار 2011 من المخابرات العسكرية إلى السلطات المحلية عبر اللجان الأمنية التي يديرها قادة حزب البعث التابع للأسد لحشد المخبرين والمنظمات الشعبية، وما يسمى بأصدقاء نظام الأسد. وفي وثائق أخرى في أبريل نيسان، صدر أمر بأن يتم تنظيمهم في لجان شعبية.
وذكر التقرير أن الوثائق تحتوي أيضاً على تعليمات، في أبريل نيسان ومايو أيار وأغسطس آب 2011، للجان الشعبية من خلية إدارة الأزمات المركزية، والتي جرى إنشاؤها حديثاً في ذلك الحين، وهي مزيج من قوات الأمن ووكالات المخابرات وكبار المسؤولين الذين كانوا يقدمون تقاريرهم مباشرة إلى الأسد.
أمرت إحدى التوجيهات الأولى الصادرة عن خلية إدارة الأزمات المركزية، بتاريخ 18 أبريل نيسان 2011، بتدريب اللجان الشعبية على كيفية استخدام الأسلحة ضد المتظاهرين، وكذلك أساليب اعتقالهم وتسليمهم للقوات الحكومية.
ويقول بعض علماء حقوق الإنسان الذين درسوا دور الشبيحة في الحرب السورية إن نظام الأسد استخدم هذه الجماعات في البداية لإبعاد نفسه عن العنف على الأرض.
وقال فضل عبد الغني، رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، ومقرها المملكة المتحدة، إن نظام الأسد لم يكن يريد أن تظهر قوات الأمن والجيش وهم ينفذون مثل هذه الأعمال.
ولجنة العدالة والمساءلة الدولية التي نشرت هذا التقرير هي منظمة غير ربحية، أسسها محقق مخضرم في جرائم الحرب، ويعمل بها محامون جنائيون دوليون عملوا في البوسنة ورواندا وكمبوديا. وقد تم استخدام أدلتها بشأن سوريا سابقاً في قضايا قضائية ضد مسؤولي النظام في ألمانيا وفرنسا والسويد وهولندا.
(رويترز)
————————–
حول الامتناع عن التصويت في قضية المخفيين قسرياً/ أحمد مظهر سعدو
لعل قضية المفقودين والمعتقلين والمغيبين قسرياً في سوريا، باتت من أهم القضايا والإشكاليات التي تؤرق السوريين قاطبة، وهي التي تتمحور حول البعد الإنساني بوضوح، وتبتعد عن السياسة بما تحمله من معطى إنساني صرف، مهما حاول بعضهم جرَّها إلى ميدان السياسة، واستغلالها كقضية سياسية، ضمن أجنداته وخططه التكتيكية والاستراتيجية، وهي اليوم وبعد أن صدر القرار الأممي عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ليل الخميس – الجمعة، الفائت والذي أنشئت بموجبه المؤسسة المستقلة، تحت رعاية الأمم المتحدة المعنية بالمفقودين والمخفيين قسريًا في سوريا. قد ذهبت بعيداً في الاشتغال عملياً على مسألة أنسنة الحالة وأخذها إلى المكان الطبيعي رغم معارضة النظام السوري ومعه العديد من الدول أهمها روسيا والصين ومن يدور في فلكهما.
لقد حصل مشروع القرار الذي قدمته وصاغته دولة (لوكسمبورغ) على تأييدٍ ليس بالكبير من 83 دولة، وعارضته 11 دولة وامتنعت عن التصويت له كثيرٌ من الدول وعددها 62 دولة من أصل 193 دولة عضواً في الجمعية العامة.
الطامة الكبرى تبدت عندما وقفت إلى جانب القرار دولتان عربيتان فقط، هما قطر والكويت، إذ صوتتا لصالح قرار إنشاء (مؤسسة للبحث عن مصير المفقودين بسوريا) في حين امتنعت معظم الدول العربية عن التصويت لصالح القرار الإنساني الذي كان يترقبه السوريون، ونذكر من هذه الدول التي امتنعت: السعودية والإمارات والبحرين وعُمان ومصر والأردن والمغرب وموريتانيا ولبنان وتونس واليمن، وقد جاء الامتناع كصفعة جديدة لآمال السوريين في الوصول إلى إيجاد آلية أممية جدية تجبر النظام السوري على الكشف عن المفقودين، والبحث عن متاهات الألم العميق المتراكم داخل جلّ الأسر السورية. ومع أن القرار صدر، ولم يمنعه عدم التصويت أو الامتناع عنه من الخروج إلى العلن، فإن موقف الامتناع عن التصويت قد جاء من معظم أركان النظام الرسمي العربي، فهي قضية تدعو للتوقف طويلاً أمام مسارات الواقع السوري، إذ أتى بعد التفاهم السعودي الإيراني، وما وصلت إليه المسألة السورية، وما يمكن أن تصل إليه، بعد هرولة المطبعين إلى النظام السوري فُرادى وجماعات.
وإذا كان القرار الأممي المشار إليه يتمحور عبر الاشتغال عملياً على وضع آلية أممية حول “توضيح مصير الأشخاص المفقودين”، و”تقديم الدعم للضحايا والعائلات”. فإن تمويل ذلك سيكون من خلال “الميزانية العادية للأمم المتحدة”، ما يضمن استمراريتها. ومن المتوقع أن تصل تبعات الميزانية إلى ثلاثة ملايين دولار للعام 2024، وأكثر من 10 إلى 12 مليون دولار للعام 2025.
ولعل أبرز ما تمخض عنه نص القرار الأممي أن الجمعية العامة “تقرر أن تنشئ، تحت رعاية الأمم المتحدة، الهيئة المستقلة المعنية بالمفقودين” في سوريا لتوضيح “مصير جميع المفقودين وأماكن وجودهم، وتقديم الدعم الكافي للضحايا وأسر المفقودين، بالتعاون الوثيق والتكامل مع جميع الجهات الفاعلة والمعنية”، وأن “يكون للهيئة المستقلة عنصر هيكلي يضمن مشاركة الضحايا والناجين وأسر المفقودين في سوريا”.
كما تطلب الجمعية العامة للأمم المتحدة من الأمين العام (أنطونيو غوتيرش) أن يقوم “بوضع اختصاصات الهيئة المستقلة في غضون 80 يومَ عمل من اتخاذ القرار، وذلك بدعم من مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وبالتشاور مع جميع الجهات الفاعلة المعنية، بما يشمل مشاركة الضحايا والناجين والأسر مشاركة كاملة ومجدية”.
أيضاً، تطلب الجمعية العامة من الأمين العام للأمم المتحدة “أن يتخذ، ومن دون إبطاء، الخطوات والتدابير والترتيبات اللازمة للإسراع بإنشاء الهيئة المستقلة وتأديتها مهامها على نحو كامل”.
والجمعية العامة تشير في قرارها إلى أنه “يوجد أكثر من مئة ألف سوري مختفين قسرياً منذ عام 2011، فضلاً عن المفقودين قبل ذلك التاريخ”، ومن المفترض أن يتمحور عمل الآلية حول “توضيح مصير الأشخاص المفقودين”، و”تقديم الدعم للضحايا والعائلات”.
ويجدر في هذا السياق طرح العديد من الأسئلة التي أضحت تؤرق السوريين، وبعد أن تبدت آليات عمل أركان النظام الرسمي العربي في المحافل الدولية، بما يخص القضية السورية ومآلاتها، وإلى أين تسير محركات الدفع بالمسألة السورية عالمياً وإقليمياً، بعد هذا الموقف الرسمي العربي الذي وصل إلى هذا الدرك، في قضية هي محض إنسانية، وإلى أين تسير سياقات الوضع السوري بعد ولوج النظام السوري في الجامعة العربية، إبان التفاهم السعودي الإيراني الذي جرى في 10 آذار/ مارس الفائت في بكين، وهل تخلت هذه الدول العربية التي باتت تجامل النظام السوري وإيران وروسيا في الامتناع عن التصويت بشأن قرار أممي إنساني يخص المفقودين والمعتقلين، علماً أن القرار وضمن الآليات الحالية، وامتناع النظام عن التعاون مع الدول بشأنه، وبدعم روسي إيراني صيني، سوف يبقى ذا بُعدٍ معنوي ليس أكثر، ولن يُسمَح بإنفاذه واقعياً. لكن امتناع كل هذا الكم من الدول عن التصويت له يؤشر إلى مسارات جديدة، ورؤيا متجددة، لم تعد تنظر إيجابياً إلى أهمية الإجماع الدولي والعربي، لإجبار النظام السوري على الولوج في الحل السياسي، وتؤشر إلى انشغالات أخرى لدى المجتمع الدولي، ضمن قضايا ليس في رأسها الوضع السوري بطابعه الإنساني والسياسي.
وإذا كانت الدول العربية (ما عدا الكويت وقطر) تريد أن تقول للنظام السوري ومعه إيران إنها ماضية وبشكل حثيث في إنجاز إعادة تعويم الأسد وتدويره، ليكون مقبولاً دولياً وإقليمياً، فإن الموقف الغربي وخاصة الأميركي (المعلن) على الأقل، ما زال يُصرّ على عدم قبول هذه التحركات التعويمية، وهو في ذلك يشير إلى أن السمة الكبرى الإرهابية، ما برحت هي نفسها، في طريقة تعاطي وتعامل نظام الأسد مع الشعب السوري، رغم كل المسارات التي كانت متوافرة، ثم أصرّ النظام السوري على إيقافها، ومعه إيران وروسيا، ومنها مسار اللجنة الدستورية المتوقف منذ أكثر من سنة، ومسار أستانا الآيل للسقوط، ومسار جنيف الأممي الأول المتوقف منذ سنين طويلة، بفعل فاعل روسي وصمت دولي غير مفهوم.
لا شك أن امتناع معظم الدول العربية عن التصويت لصالح إنشاء آلية متعلقة بالمفقودين، ومعهم 62 دولة عالمية يشير إلى انبثاقات جديدة، وتغيرات كبرى في ماهية الاشتغال الدولي على القضية السورية، قد يفضي إلى غير ما يريده الشعب السوري، عبر مسيرته الصعبة في ثورته التي طال أمدها وأصبحت في حالة استنقاع، ولعل نتائج التصويت الأممية والعربية المواكبة للقرار الأممي، توحي بأن ما يقوله وينطق به لسان حال السوريين عامة أن (أوّل الرقص حَنجلة).
——————————–
ملف الاعتقال السوري بذمة التحديث الأممي/ مرح البقاعي
تحديث الأمم المتحدة هو مفهوم يشير إلى الجهود المستمرة لتعزيز وتطوير هذه المنظمة الدولية، بينما يتطلب تحديث هذه المنظمة التي دخلت في طور الشيخوخة التكيف مع التحديات والتغيرات المعاصرة التي تواجه العالم.
المنظمة تأسست في العام 1945 بهدف الحفاظ على السلام والأمن العالميين وتعزيز التعاون الدولي في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. على مرّ العقود، تطورَ دور الأمم المتحدة وازدادت التحديات التي تواجهها.
تحديث الأمم المتحدة الذي غدا أمراً ملحّاً لمواجهة تحديات القرن وشؤونه المعقّدة سيستدعي التأكيد على مبادئ حقوق الإنسان والمساواة والعدالة الاجتماعية والتنوع الثقافي، وضمان تمثيلية أكبر للدول النامية والمجتمع المدني في عمل الأمم المتحدة.
كما يجب أن تتضمن جهود تحديث المنظمة تعزيز الشفافية والمساءلة والديمقراطية الداخلية في هياكلها وإجراءاتها في التعامل مع النزاعات والأزمات الدولية، وتحسين الكفاءة والفاعلية في تنفيذ برامجها ومشاريعها.
ويبدو أن صحوة أمل من قلب تنافر المصالح الدولية في هذه المنظمة وتناقضها ولا سيما في تشكيلة مجلس الأمن، قد سجّلتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في تاريخ 29 يونيو حزيران الماضي، في حدث تاريخي يُحسب للجمعية العامة ويدعو إلى مزيد من العمل بهدف تحديث ميثاق المنظمة بحيث تتحول قرارات الجمعية – وهي عادة ما تتعرض لأكثر القضايا الإنسانية والأممية تعقيداً وخلافية – إلى قرارات ملزِمة بتنفيذها.
ففي هذا اليوم المشهود تبنّت الجمعية العامة قراراً بإنشاء مؤسسة دولية جديدة لاستجلاء مصير المفقودين في سوريا وأماكن وجودهم وتقديم الدعم للضحايا وأسرهم.
شارك في صياغة مشروع القرار كل من ’لكسمبورغ وألبانيا وبلجيكا والرأس الأخضر وجمهورية الدومينيكان ومقدونيا’. وحين تقدّم مندوب لكسمبورغ الدائم لدى الأمم المتحدة، أوليفيه مايس، بمشروع القرار أمام الجمعية العامة، وعد أن المؤسسة الجديدة ستعمل على التنسيق والتواصل مع كل الأطراف، وستكون نقطة موحدة لجمع ومقارنة البيانات المتعلقة بمصير المعتقلين والمفقودين وأماكن وجودهم.
وأوضح مايس أن المؤسسة الجديدة ستعمل على سد جوانب القصور الحالية حيث لا يوجد تنسيق كافٍ بين الأطراف المعنية، الأمر الذي ينتج عنه قوائم غير مكتملة للأشخاص المفقودين، بينما لا توجد جهة موحدة يلجأ إليها أهالي المفقودين لمعرفة مصير ذويهم.
بدورها، وصفت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا قرار إنشاء المؤسسة بـ”التاريخي”. وجاء في بيان أصدرته بالمناسبة “إن هذه الخطوة التي طال انتظارها من قبل المجتمع الدولي، قد جاءت أخيراً لمساعدة عائلات جميع من اختفوا قسراً وخُطفوا وعُذبوا واحتُجزوا في الحبس التعسفي بمعزل عن العالم الخارجي على مدى السنوات الـ 12 الماضية”.
وبالإضافة إلى المساعدة في البحث فإن الهيئة الجديدة مكلفة بتقديم المساعدة، بما في ذلك المساعدة النفسية والاجتماعية التي تمسّ الحاجة إليها بالنسبة للعائلات والناجين.
وكانت جهود المنظمات السورية المعنية، ومعظم أعضائها هم من أفراد عائلات المعتقلين، ومن الحقوقيين السوريين المتطوعين للعمل على هذا الملف، قد استدارت على مجلس الأمن بسبب التناقضات السياسية التي تتعلق بمصالح أعضائه، والتي كانت ستعمل حتماً على تعطيل تمرير قرار ملزم بهذا المستوى. وقد حظي مجهود تلك المنظمات السورية بدعم أممي كبير من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ليتحول إلى نصر كبير للقضية السورية العادلة وإحداث آلية أممية مراقبة للبت في مصير المدنيين السوريين خلف قضبان المعتقلات.
أما مجلس الأمن، وهو الهيئة الأممية الأعلى المسؤولة عن حفظ السلام والأمن الدوليين ويتكون من 15 عضواً منهم 5 أعضاء دائمين بحق النقض (الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة) و10 أعضاء غير دائمين يتم انتخابهم لفترة محدودة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، قد غدا بتركيبته الحالية عبئاً حقيقياً على قضايا حفظ السلام والأمن الدوليين!
وكثيراً ما عبّرت الولايات المتحدة، المساهم المالي الأكبر في الأمم المتحدة والتي تلعب دوراً حاسماً في تمويل ميزانيتها، عن دعمها للإصلاحات المؤسسية في الأمم المتحدة لتعزيز فعاليتها وكفاءتها، بما يتضمن ذلك جهود تطوير هياكل المنظمة وعمليات صنع القرار وتعزيز الشفافية والمساءلة بين أروقتها.
أما معضلة التوازنات في آلية مجلس الأمن، فهي قضية تتعلق في تمثيلية وصلاحيات الدول الأعضاء في المجلس. وهي تعكس التحدي الذي يواجه المجتمع الدولي في تحقيق توازن بين القوى والمصالح المختلفة. فتوزيع المقاعد في مجلس الأمن غدا غير عادل، ولا يعكس الواقع الحالي للنظام الدولي. والقوى الكبرى الدائمة في مجلس الأمن لديها حق النقض، وهذا يعني أن لديها القدرة على حجب أي قرار يرونه غير مرغوب فيه. وهذا يثير مخاوف بشأن التوازن في قرارات المجلس قد يؤدي إلى تعثر الجهود الدولية لمعالجة الأزمات والنزاعات.
الحل الأمثل لقصور أداء مجلس الأمن يمكن أن يتسرّع الآن ليصير موضوعاً للتفاوض الدولي. وهناك عدة اقتراحات ومقترحات لتحسين وتعزيز آلية مجلس الأمن كانت قد اقترحتها الولايات المتحدة منها زيادة عدد الدول الأعضاء في مجلس الأمن وتعزيز التمثيلية الإقليمية والجغرافية. كما بالإمكان اللجوء إلى تحجيم حق النقض الدائم لتحسين توازن القوى ومنع انتهاك حقوق الأعضاء غير الدائمين، الأمر الذي يتطلب إجراء تعديلات في الميثاق الدولي للأمم المتحدة. كما يستدعي التحديث التعاون مع المنظمات الإقليمية كالاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية، بهدف تعزيز الفعالية في إيجاد حلول عادلة والبت بقرارات نافذة في القضايا الإنسانية الملحة ومن أكثرها أهمية وإلحاحاً قضايا الشعب السوري الجريح.
—————————–
خطوة غير كافية للمفقودين في سورية/ باسل. ف. صالح
قرّرت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 29 الشهر الماضي (يونيو/ حزيران) إنشاء مؤسّسة دولية تعمل على جلاء مصير المفقودين والمخفيين السوريين، والكشف عن أماكن وجودهم بالتوازي مع العمل على تقديم الدعم لمجموع الضحايا وأسرهم، وذلك بعد سنوات من القتل ومن الإخفاء والتنكيل والاضطهاد الذي مارسه النظام أمام مرأى العالم ومسمعه.
وفي السياق، لم يستفض أيُّ من المتكلمين في الأمم المتحدة بشرح الآلية التي سيجري اعتمادها للوصول إلى النتيجة المبتغاة من مؤسّسة كهذه، خصوصًا عندما يتمنّع النظام عن التعاون الجدّي معها، كما هو متوقّع، وخصوصًا أيضًا أن المؤسّسة تقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف، أي أنها تساوي بين الفعل وردّ الفعل، والجاني والضحية، إذ من المفترض أن يُدرك المتابع أن الهدف الأساس من إنشاء مؤسّسةٍ كهذه هو الاقتصاص أولًا من النظام السوري، لأنه يتحمّل المسؤولية الكبرى في اختفاء معارضين سوريين وخطفهم وتصفيتهم، هذا السلوك الذي يتكرّر دائمًا قبل أن يتكثّف منذ اندلاع الثورة عام 2011.
واللافت أن مجموعة دول، تتقدّمها لكسمبورغ، هي التي تقدّمت بالقرار، في غياب الدول الكبرى التي لم تتّخذ موقفًا واضحًا وحاسمًا مما ارتكبه، وما زال يرتكبه، النظام بحقّ السوريين المعارضين والثائرين، وأن الكلام والشعارات التي رفعتها منذ اندلاع الثورة السورية كانت عناوين عامة لم تجد أية مفاعيل على أرض الواقع، ولم تنعكس في مجموع خطواتٍ إجرائية تعمل على حماية السوريين، وعلى المساعدة في تأسيس شبكات أمان تكون بمثابة لبنة أساسية يستكملها السوريون لاحقًا ببناء نظام سياسي مختلف يؤمّن لهم أبسط حقوق التعبير عن النفس وعن الرأي بالأطر الديمقراطية، أي تأسيس شبكات تعمل على تأمين السوريين ضد كل محاولات نثر الخوف وسياسة الرضوخ المبنية على التهديد والوعيد والاغتيال والتصفية.
لطالما شاهد العالم هذه المأساة من دون أن يحرّك ساكنًا، واليوم يعمل على إنشاء مؤسّسة كهذه لا تحمّل المسؤوليات بشكل واضح، ولا توضّح آلية المعالجة باستثناء موضوعية مزعومة، سرعان ما تتحوّل إلى معالجة غير سياسية لمشكلة سياسية، مؤسّسة تفرّغ السياسة من سياسيتها وتحاول أن تموّه المشكلة لا أن تعالجها، لأن العلاج الفعّال والوحيد هو الاقتصاص من بشار الأسد ونظامه، والمساعدة على تأسيس نظام سياسي مختلف عن السائد، وإلا فسيبقى كل نشاطها مجرّد ذرٍّ للرماد في العيون.
الإصرار على وضع قرار يوزّع الاتهامات بهذا الشكل اللااتهامي، وبهدف البقاء على مسافة واحدة من الجميع، لا يصبّ إلا في سياق تعميم المسؤوليات، وبالتالي تبرئة من كان رأس حربة في مشروع إرساء الجريمة المنظمّة بحقّ السوريين، على قاعدة أن التعميم يهدف دائمًا إلى التعمية وإلى تضييع المسؤوليات، ولم يكن، في أي لحظة من لحظات الصراع الدولي والمحلي، إلا وسيلة لهذه الغاية. التعميم هو تضييع نقطة الارتكاز، وهو استكمال المشاهدة بصمت، بما ينعكس في موافقة مضمرةٍ على القتل، وقد اتضح ذلك بشكل مباشر في كلمة مندوب لكسمبورغ حين أعلن أن “هذا القرار لا يوجّه أصابع الاتهام إلى أي أحد”.
وعلى الرغم من اعتبار لجنة التحقيق الدولية بشأن سورية قرار إنشاء المؤسسة تاريخيا، والتي أردفها رئيس اللجنة باولو بينيرو بالقول إنها خطوة طال انتظارها، وإنها جاءت لمساعدة العائلات وذوي من خطفوا وتم احتجازهم بأشكال تعسّفية، خصوصًا وأنهم تُركوا بمفردهم ليبحثوا عن أحبابهم، بما يضع المؤسّسة في خانة الضرورة الإنسانية التي ستتكلل لاحقًا بتحقيق المساءلة، إلا أن التعميم بقي سيد الموقف. وأكدّت عليه المفوضة لين ولشمان، حين ساوت بين مسؤولية الحكومة السورية وأطراف النزاع، معتبرة أن الطرفين تعمّدا “إطالة أمد معاناة العائلات من خلال حجب المعلومات عن مصير عشرات الآلاف من المفقودين أو المختفين”. مضيفًة أن أفراد العائلات الذين يحاولون القيام بمهمة الكشف عن مصير أقاربهم، معرضون باستمرار لخطر “الاعتقال والابتزاز وسوء المعاملة”، وأن معظم المخفيين من الرجال، ما يوضَح أن النساء يأخذن على عاتقهن الاضطلاع بمهمّة الكشف عن مصيرهم، ما يجعلهن عرضةً لأنواع من التمييز والابتزاز، ويعرّضهن لسوء المعاملة وفقًا للمعيار الجنسي، فالنساء السوريات “الشجاعات بحاجة إلى كل دعم يمكن أن يحصلن عليه من هذه المؤسّسة الجديدة”.
ولكن، حتى هذا السقف المنخفض في الخطاب وفي تحميل المسؤوليات لم يردع مندوب النظام السوري الدائم في الأمم المتحدة السفير بسام صبّاغ عن التصويب على القرار، معتبرًا أن “اللجنة مسيّسة”. وقال إن بلاده “حريصة على التعامل مع هذه المسألة الإنسانية، إلا أنها ترفض نهج التسييس الذي تم السير به بشأنها، وتؤكّد على أن المسائل الإنسانية لا يمكن تجزئتها، ولا يمكن التعامل معها بانتقائية”، مؤكدًا أنه كان من المفترض أن يتمثل النظام السوري في هذه المناقشات حول المؤسّسة، وهو ما لم يجرِ، فالمندوب السوري يريد لهذه المؤسّسة أن تعمل وأن يكون نظامه، أي المتّهم الأول، الخصم فيها وهو الحكم، على الرغم من شكّ كل من عايش النظام وسلوكياته بوصول هذه اللجنة إلى نتائج حاسمة في آليات تقصّي الحقائق، ومع السلوكيات النظام الذي يبدو اتجاهه واضحًا في كلام السفير، لأنهم يعلمون أن مثل هذا النوع من الحيادية لن يكون إلا في خدمتهم، ولن يصبّ إلا في إطالة عمر نظامهم، على حساب الشعب السوري وحقائقه ومعاناته وتضحياته.
مؤسّسة كهذه خطوة بسيطة جدًا إلى الأمام، لكنها غير كافية، ناهيك عن أنها متأخّرة.
كاتب لبناني، أستاذ الفلسفة في الجامعة اللبنانية
العربي الجديد
——————————–
باحثون في “جرائم حرب” ينشرون تحقيقاً حول ممارسات “شبيحة” النظام
وثق محققون في “جرائم الحرب” قيام النظام السوري بتأسيس وتوجيه جماعات مسلحة، تعرف باسم “الشبيحة”، لقمع المتظاهرين والمعارضين بداية الثورة السورية عام 2011.
جاء ذلك في تحقيق مشترك نشرته “لجنة العدالة والمساءلة الدولية” (CIJA)، بالتعاون مع وكالة “رويترز”.
ممارسات “الشبيحة” في 7 وثائق
وتضمّن التحقيق 7 وثائق، أظهرت أن “أعلى مستويات الحكومة السورية خططت ونظمت وحرّضت ونشرت الشبيحة منذ بداية الحرب عام 2011”.
ويعود تاريخ الوثائق إلى الأيام الأولى من الاحتجاجات السلمية ضد حكم بشار الأسد عام 2011، وتظهر إنشاء ما يسمى بـ “اللجان الشعبية”.
وهي مجموعات ضمت أنصار النظام المعروفين باسم “الشبيحة” في الأجهزة الأمنية، بعد تدريبهم وتوجيههم وتسليحهم.
وتضمنت الوثائق التي نشرها التحقيق توجيهات صادرة عن “اللجنة المركزية لإدارة الأزمات” المنشأة حديثاً، وهي مزيج من قوات الأمن ووكالات المخابرات وكبار المسؤولين الذين كانوا يقدمون تقاريرهم مباشرة إلى الأسد.
وأمرت إحدى التوجيهات الأولى الصادرة بتاريخ 18 أبريل/ نيسان 2011، بتدريب “اللجان الشعبية” على كيفية استخدام الأسلحة ضد المتظاهرين، وكذلك كيفية اعتقالهم وتسليمهم للقوات الحكومية.
ويعتمد التحقيق على عشرات الأوراق الأخرى التي تم جمعها من منشآت حكومية أو عسكرية بعد سقوط الأراضي في أيدي المعارضة.
ولم تنشر “لجنة العدالة” جميع الوثائق التي استندت إليها، قائلة إن بعضها يستخدم في التحقيقات الجارية في الدول الأوروبية.
واللجنة التي أعدت التحقيق هي منظمة غير ربحية أسسها محقق مخضرم في “جرائم الحرب”، ويعمل بها محامون جنائيون دوليون عملوا في البوسنة ورواندا وكمبوديا.
وقد تم استخدام أدلتها بشأن سورية سابقاً في قضايا قضائية ضد مسؤولي النظام، في ألمانيا وفرنسا والسويد وهولندا.
تسع مجازر
بحسب التحقيق، تم توثيق ما لا يقل عن 9 مجازر نفذتها “الشبيحة” في سورية، أبرزها في حي كرم الزيتون بحمص في آذار 2012.
ونقلت عن أحد الشهود قوله إن زوجته وأطفاله الخمسة كانوا من بين ضحايا تلك المجزرة.
وأظهرت وثائق اللجنة توترات بين بعض أفرع الأمن وبعض “اللجان الشعبية”، مع انتشار تقارير الانتهاكات.
لكن “بدلاً من كبح جماح الميليشيات (الشبيحة)، أصدرت قوات الأمن تعليمات بعدم معارضتها”.
وعرض التحقيق، الذي أعده قرابة 45 شخصاً، تفاصيل نمو جماعات “الشبيحة”، التي بدأت بجماعات موالية على مستوى الأحياء.
ثم تحولت إلى مليشيا “جيدة التنظيم”، ثم جناح موازٍ لجيش الأسد يُدعى “الدفاع الوطني”.
وكان محققو الأمم المتحدة خلصوا عام 2012 إلى وجود أسباب معقولة للاعتقاد بأن مليشيات الشبيحة ارتكبت “جرائم ضد الإنسانية”.
وتشمل “القتل والتعذيب وجرائم الحرب، مثل الاعتقال والاحتجاز التعسفيين والعنف الجنسي والنهب”.
وتقول “رويترز” إنه بالرغم من عدم وجود محكمة جرائم حرب دولية ذات اختصاص قضائي حول سورية، إلا أن هناك عدداً من قضايا “الولاية القضائية العالمية” في دول مثل هولندا والسويد وفرنسا وألمانيا.
وتملك تلك الدول قوانين تسمح لها بالتحقيق في جرائم الحرب حتى لو تم ارتكابها خارج أراضيها.
واعتبرت أن الوثائق المتعلقة بممارسات الشبيحة قد تكون “أدلة ضرورية” تربط الشبيحة بالنظام السوري في قضايا العدالة الدولية.
————————————–
النظام السوري يرفض الاعتراف بولاية لجنة التحقيق الدولية بشأن سوريا
أكد مندوب النظام السوري الدائم لدى مكتب الأمم المتحدة في جنيف، حيدر أحمد، رفض النظام الاعتراف بولاية لجنة التحقيق الدولية، كما ندد بإنشاء مؤسسة مستقلة معنية بالمعتقلين والمفقودين في سوريا.
وفي بيان بيان اليوم الأربعاء خلال الحوار التفاعلي للجنة التحقيق الدولية بشأن سوريا، ضمن الدورة الـ 53 لمجلس حقوق الإنسان في جنيف، انتقد أحمد تحديث رئيس اللجنة باولو بينيرو، معتبراً أن “تحيز اللجنة ضد النظام شكل جزءاص لا يتجزأ من تأسيسها ومن منهجية عملها على مدار السنوات الماضية”.
واعتبر أن اللجنة “أبدت فشلاً متواصلاً في تقديم تقييم موضوعي للأوضاع في سوريا وأسبابها ونتائجها”، متهماً الدول الغربية بأنها حولت سوريا إلى “مسرح لاستعراض سياسي مشين، حتى لو كان ثمنه مزيداً من الدمار والإرهاب وتزييف الحقائق”، وفق تعبيره.
وربط سفير النظام السوري “مواصلة جهود عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم بتكثيف برامج دعم توفير الخدمات الأساسية لضمان استدامتها، بما في ذلك من خلال تنفيذ قرارات مجلس الأمن الرامية إلى دعم مشاريع الإنعاش المبكر وآخرها القرار 2672”.
وطالب بـ “الكف عن تقويض عمل المنظمات الإنسانية وإغراقها بقيود أو شروط سياسية تجبرها على تقليص برامجها، في وقت وصلت فيه الاحتياجات الإنسانية إلى مستويات غير مسبوقة، والإنهاء الفوري وغير المشروط للإجراءات القسرية أحادية الجانب”.
النظام يرفض المؤسسة المستقلة المعنية بالمعتقلين
وتعليقاً على قرار إنشاء مؤسسة مستقلة معنية بالمعتقلين والمفقودين في سوريا، قال أحمد إن النظام السوري “لم يشارك في إنشائها، ولن يشارك في عملها، لكونها أتت دون طلب أو موافقة أو تأييد من الدولة المعنية”، معتبراً أن “الهدف الواضح من إنشائها هو التدخل مرة أخرى في شؤون سوريا، وممارسة المزيد من الضغط على شعبها”.
وزعم سفير النظام السوري في جنيف أن نظامه “ملتزم بمواصلة الجهود لتعزيز وتحسين وتطوير الأطر التشريعية والمؤسسية الوطنية المعنية بحقوق الإنسان”، داعياً الأمم المتحدة والدول الأعضاء فيها إلى “الاستثمار في هذه الأدوات عوضاً عن دعم آليات مفلسة وغير شرعية، هدفها الاستغلال السياسي لحقوق الإنسان”.
وكان رئيس لجنة التحقيق الدولية الخاصة بشأن سوريا، باولو بينيرو، قال في كلمته أمام مجلس حقوق الإنسان إن انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا “ما زالت مستمرة”، معرباً عن “الفزع” من أن جامعة الدول العربية تركز في تطبيعها مع النظام السوري على تجارة الكبتاغون واللاجئين، وتتجاهل حقوق الإنسان.
المؤسسة المستقلة المعنية بالمعتقلين
وفي 30 تموز الماضي، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة مشروع قرار لإنشاء مؤسسة للكشف عن مصير المفقودين والمختفين قسريا في سوريا، في قرار صوتت لصالحه 83 دولة، وصتت ضده 11 دولة، فيما امتنعت 62 دولة عن التصيت، بما فيها الدول العربية ما عدا قطر والكويت.
وأكد رئيس لجنة التحقيق الدولية بشأن سوريا، باولو بينيرو، إن إنشاء المؤسسة “خطوة طال انتظارها من قبل المجتمع الدولي، وجاءت أخيراً لمساعدة عائلات جميع من اختفوا قسراً وخُطفوا وعُذبوا واُحتجزوا في الحبس التعسفي بمعزل عن العالم الخارجي على مدى السنوات الـ 12 الماضية”.
وبالإضافة إلى المساعدة في البحث فإن الهيئة الجديدة مكلفة بتقديم المساعدة، بما في ذلك المساعدة النفسية والاجتماعية التي تمس الحاجة إليها بالنسبة للعائلات والناجين، وفق المسؤول الأممي.
—————————–
============================
ذوو معتقلي سورية… يبقى الأمل رغم ألم السنين/ عبد الله البشر
ربّما يساهم قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة إنشاء مؤسسة مستقلة من أجل جلاء مصير آلاف المفقودين في سورية على مدى 12 عاماً في بعث الأمل لدى ذوي المعتقلين الذين أنهكهم ألم الترقب والانتظار. وعلى مدى هذه السنين، كانت عمليات الاعتقال العشوائية بدوافع انتقامية لا تفرّق بين شاب أو رجل أو طفل أو امرأة أو حتى كبار السن، بل طاولت كل سوري قد يكون في صف المعارضة أو مجرد مؤيد مع بداية الثورة.
رأى كثيرون صور قيصر (صور المعتقلين السوريين التي سربها العسكري المنشق عن نظام بشار الأسد والذي لقب باسم قيصر)، وعددها 55 ألف صورة وتوثق مقتل 11 ألف معتقل في سجون النظام السوري، وتبدو على جثثهم آثار التعذيب بالكهرباء والضرب المبرح، وتكسير العظام والخنق، والأمراض المختلفة من بينها الجرب والغرغرينا. ومن بين القتلى فتيان تتراوح أعمارهم ما بين 12 و14 عاماً، ونساء وشيوخ يتجاوز عمر بعضهم 70 عاماً.
يعيش عبد الله حاج سليمان حتى اليوم حالة ترقب لمعرفة مصير شقيقه. ويقول لـ “العربي الجديد”: “اعتقل شقيقي مصطفى عام 2013 خلال وجوده بريف دمشق من قبل حاجز لجيش النظام السوري. بدأنا البحث عن مكانه لنعرف أين تم إخفاؤه، لكن لم يكن هذا يجدي أي نفع. بعدها، بدأنا البحث عنه لمعرفة مصيره من خلال محامين ودفعنا الكثير من المال لهم ولغيرهم. وكل عمليات البحث كانت عبارة عن عمليات نصب واحتيال من قبل الأشخاص الذين كانوا يعدون بالكشف عن مصيره”.
وبعد تسريب صور قيصر، تشابهت إحدى الصور مع صورة مصطفى. يضيف عبد الله: “في التسريبات، رأينا صورة شبيهة لأخي، وفقدنا الأمل في أن يكون على قيد الحياة. عند التواصل مع رابطة عائلات قيصر، اتفقنا على تحديد موعد لرؤية الصورة وتلك المشابهة لها، واستغرق الموعد قرابة العام لنرى الصور. كنت أنا وإخوتي وابنه علي. رأينا أكثر من 300 صورة مشابهة لصورة أخي. ومن خلال الذكاء الاصطناعي والصورة القديمة التي لدينا، تأكدنا أنه ليس هو، فعاد إلينا الأمل أن يكون على قيد الحياة”.
ويرى أن ملف المعتقلين يجب أن يكون في أولوية أي مفاوضات، مضيفاً: “في الحقيقة، ولشدة الألم الذي نعيشه في العائلة، كنت أتمنى أن يكون من بين الشهداء بعد اعتقاله، لأن هذا قد يكون خفف عنه عذاب 10 سنوات على أقل تقدير في سجون النظام المجرم. لكن لدينا أنا وإخوتي وزوجته وأطفاله أمل حتّى الوقت الحالي أنّه حي حتى بعد كل هذه السنين في المعتقلات تحت التغييب القسري. بالنسبة لي كحقوقي وشقيق لمعتقل، النظام مجرم وليس له أي عهد أو ميثاق، ولا يمكن لأيّ منظّمة أن تؤثّر في قضية المعتقلين أو مصيرهم، ولن يتعاون النظام أبداً في هذا الملف”. ويلفت إلى أنه “ملف صعب للغاية وشائك وفائق الأهميّة، ويفترض ألا تتم أي عملية تفاوض مع النظام السوري من دون أن يكون هذا الملف في الأولوية. ويفترض ألا تقوم جهات المعارضة بالتفاوض مع النظام حتى إنهاء ملف المعتقلين، لكنه آخر الملفات التي يهتم لها السياسيون. وحتى الآن، ندعو الله بالفرج لجميع المعتقلين في سورية”.
تتشابه المعاناة لدى ذوي المعتقلين ممن لا يعرف مصيرهم بعد أكثر من عقد على الاعتقال والتغييب في سجون النظام، وهو ما يؤكده ماجد المحمد قريب المعتقل محمد خراطة. ويتحدث لـ “العربي الجديد” عن تفاصيل اعتقال محمد وتغييبه قائلاً: “منذ عام 2012، غيّب محمد المتحدر من منطقة القلمون في ريف دمشق في سجون النظام السوري. وحتى اليوم، لا نعرف شيئاً عن مصيره، ولا يعرف ذووه إن كان قد قتل تحت التعذيب أو أنه لا يزال حياً في سجون النظام. عندما اعتقل، كان بعمر 52 عاماً، وهو أب لعائلة من خمسة أفراد، أحد أولاده من الأشخاص ذوي الإعاقة. كان لديه بيت في دمشق ويزور أهله في القملون. وخلال عودته إلى البيت في دمشق في منطقة كفرسوسة ضمن الحارة المعروفة باسم حارة الدحاديل، اعتقل من قبل دوريّة كانت موجودة هناك. ولا أخبار عنه حتى الآن على الرغم من أنه كان موظّفاً حكومياً في إحدى دوائر الدولة خلال عام 2012”.
يتابع ماجد: “بعد اعتقاله، حاول أهله من خلال الضباط وجهاز الاستخبارات معرفة مصيره وذلك بدفع المال. وكلّ ما كانوا يحصلون عليه هو مجرد أخبار عن أنه موجود في فرع المنطقة وتارة في فرع أمن الدولة أو فرع الاستخبارات بدمشق. كلّ هذه المعلومات لم تكن تحدّد مصيره تماما، وهي مجرد عمليات ابتزاز واحتيال لا أكثر. وحتى اليوم، لا يزال قيد الإخفاء القسري. أصيبت والدته بأمراض عدة بعد اعتقاله ولا تزال حتى اليوم تنتظر الإفراج عنه. ودائماً ما تترقب عائلته أية أخبار. وقد تابعت كلّ صور قيصر على أمل معرفة مصيره، لكن حتى اليوم وبعد مرور كلّ هذه السنين على اعتقاله، وعلى الرغم من أنه لم يكن له أي نشاط ثوري، لا يزال مغيباً قسراً. كان من البعيدين عن إثارة أي شبهة، وأخفي قسراً حينها بدوافع طائفية خلال تلك الفترة التي شهدت حدة في الاحتجاجات ضدّ النظام في عموم مناطق سورية، كغيره من الكثيرين الذين غيبوا قسراً من دون أي مبرر أو سبب، فقط بإجرام من أجهزة الأمن وجيش النظام”.
ويقول: “اليوم وبعد كلّ السنوات التي مضت على اعتقاله، لا تزال عائلته تعيش المعاناة والترقب. تنتظر أمّه وزوجته وأبناؤه أيّ خبر عنه. المعاناة لا توصف والأوجاع كبيرة بالنسبة إليهم”. ومن بين المعتقلين أيضاً علي رشيد، وهو خريج كلية الحقوق بمعدل ممتاز، ويتحدر من بلدة بدّا في ريف دمشق، كما يوضح صديقه أمين الحسين لـ “العربي الجديد”. يضيف: “التحق علي بالخدمة الإجبارية في الجيش بمطار حلب وأصيب عام 2012، فعاد بإجازة مرضية إلى البيت ولم يلتحق بالخدمة العسكرية. وبعد عامين خلال وجوده في بدا بريف القلمون، اعتقل خلال اقتحام الجيش للبلدة، وما من أخبار عنه منذ عام 2014. حاول أهله دفع أموال باهظة من دون أن يتمكنوا من الوصول إلى أي نتيجة. الحرقة كبيرة. هل هو ميت أم على قيد الحياة؟ هم يريدون ما يريح بالهم ويخلصهم من هذا العذاب”.
يضيف أمين: “موضوع كشف مصير المعتقلين مهم جداً ويعطي بعض الراحة لأهلهم. على الأقل يقرأون الفاتحة على أرواحهم في حال كانوا أمواتاً. وهناك ما يتعلق بالأمور القانونية لناحية الزوجة والأولاد، وما إذا كان يحق لهم الحصول على الميراث. يجب الكشف عن مصير هؤلاء المعتقلين لإنهاء المعاناة التي طالت لسنوات”.
أحمد (43 عاماً) الذي يتحدر من ريف حمص الشرقي، وتحفظ على ذكر اسمه الكامل لدواع أمنية، يوضح لـ “العربي الجديد” أنّ والدته اليوم بالكاد تقوى على السير، بعدما عانت من أزمة نفسية عقب اعتقال شقيقه عند حاجز لقوات النظام السوري في دمشق. وحال والده الذي تجاوز الخامسة والسبعين من العمر ليس أفضل. يضيف: “خلال العام الماضي، ومع الإفراج عن عدد قليل من المعتقلين وتجمع الناس عند جسر الرئيس في دمشق، عاد إلينا الأمل بأن نسمع خبراً عن شقيقي قتيبة. كنا نراقب ونسأل لكن لم يصل إلينا أي خبر. وخلال السنوات التي مضت على اعتقال شقيقي، بذلنا كلّ ما بوسعنا للحصول ولو على معلومة واحدة نحدد من خلالها مصيره. دفعنا المال لضباط في النظام وسألنا كثيراً من دون نتيجة. اليوم وبعد كلّ هذه السنوات، لم يفقد أمي وأبي الأمل. نخاف أن نذكر اسم شقيقي أمام أمي إذ تبكي على الفور. بالنسبة لي، لا يمكن لأحد أن يضغط على هذا النظام المجرم للإفصاح عن المعتقلين في سجونه وتحديد مصيرهم. هذا النظام وصل لأقصى مراتب الإجرام ولن يستجيب أبداً. كلّ ما نرجوه أن نحصل على خبر ينهي عذابنا، وخصوصاً أمي وأبي”.
معرفة مصيرهم حق (جون ماكدوغال/ فرانس برس)
عائلاتهم تأمل أن يكونوا على قيد الحياة (جون ماكدوغال/ فرانس برس)
وفي قضية اعتقال الطبيبة رانيا العباسي، دهم فرع الأمن العسكري التابع للنظام منزلها في منطقة دمر على أطراف دمشق في التاسع من مارس/ آذار 2013، واعتقلها مع زوجها وأطفالهما الستة. ومنذ ذلك اليوم، انقطعت أخبار العائلة كاملة. والطبيبة من مواليد 1970، وكانت قد حققت مكانة علمية عالية، وحصلت على بطولة سورية والعرب في لعبة الشطرنج. لكنّ نظام الأسد لم يشفع لها عنده شيء ولا حتّى لأطفالها وزوجها، ولا يزال مصيرها مجهولاً بعد عقد على تغييبها وعائلتها قسراً في سجونه، ليبقى جرح المعتقلين السوريين في سجون النظام نازفاً.وتضاعفت أعداد المعتقلين والمفقودين منذ اندلاع الاحتجاجات ضد نظام بشار الأسد عام 2011، لتصل إلى نحو 156 ألف شخص، كما يقول مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني لـ “العربي الجديد”. ويوضح أن البيانات الموجودة لدى الشبكة تمثل “الحد الأدنى ممن تمكنّا من توثيقهم. ومن بين الـ 156 ألف معتقل لدينا 112 ألف مختفٍ قسرياً كمعتقلين لدى أطراف الصراع المختلفة، ومعظمهم لدى النظام السوري، أي 96 ألف مختفٍ قسرياً، بنسبة تصل إلى 86 في المائة من مجموع السوريين المختفين قسرياً”.
العربي الجديد
——————————
المفقودون في سوريا.. آمال معقودة على تدخل المجتمع الدولي قبل التصويت على “القرار التاريخي“
تأمل الطبيبة السورية، نايلة العباسي، في أن تساعد حملة أطلقها ناشطون لتحديد مصير المفقودين في سوريا، في الكشف أيضا عن مصير شقيقتها رانيا، وزوجها عبد الرحمن، وأبنائهما الستة المختفين منذ عام 2013.
وقالت العباسي، في تصريحات لموقع “الحرة” إن شقيقتها، وهي طبيبة أسنان ولاعبة شطرنج سابقة حصلت على بطولات محلية ودولية، وكرمها النظام السوري من قبل، اختفت بعد اعتقال الأسرة كاملة في دمشق، في مارس 2013.
وتبذل العباسي وآخرون من أهالي المفقودين جهودا من أجل كشف مصير المختفين الذين يقدر عددهم بأكثر من 100 ألف شخص، سواء على يد السلطات السورية أو أطراف أخرى مشاركة في النزاع، بما في ذلك جماعات مسلحة مثل “داعش”.
وفي بيان حصل موقع “الحرة” على نسخة منه، دعت روابط أُسر مفقودين وضحايا الصراع في سوريا الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى التصويت لصالح قرار تاريخي تتوقع منظمات أن يتم التصويت عليه، الخميس، في الجمعية العامة، لإنشاء مؤسسة دولية لكشف مصير المفقودين في سوريا.
ويأتي التصويت بعد أن اقترح الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيري، في أغسطس 2022، إنشاء مؤسسة مستقلة لتعزيز الجهود لمعالجة ملف الاختفاء القسري في سوريا، منذ عام 2011، وتقديم الدعم للعائلات.
كانت 101 منظمة، من بينها العفو الدولية، قد أرست خطابا إلى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لتشجيعها على التصويت لصالح إنشاء المؤسسة.
واعتبرت منظمة هيومن رايتس ووتش التصويت المتوقع بمثابة “علامة فارقة على استجابة المجتمع الدولي للصراع السوري”.
كانت رانيا العباسي، وهي من مواليد عام 1970، وأبناؤها الستة قد اعتقلوا في 11 مارس 2013، من منزلهم في حي مشروع دمر في دمشق، بعد يومين من اعتقال زوجها عبد الرحمن، وهو من مواليد 1969، وسرقة سيارات ومقتنيات للأسرة من المنزل.
وكانت رانيا العباسي بطلة شطرنج محترفة شاركت ببطولات محلية وعالمية وكرمها باسل الأسد، الشقيق الأكبر لبشار الأسد.
ودخلت رانيا كلية طب الأسنان وعملت في السعودية طبيبة أسنان، وهناك أنجبت خمسة أبناء، قبل أن تنجب الطفلة الأخيرة في سوريا، والتي كانت بعمر سنة ونصف وقت الاعتقال، بينما لم يتجاوز عمر أكبر أبنائها 13 عاما في ذلك الوقت.
وتقول نايلة العباسي إن سبب الاعتقال “غير معروف” لكنها ترجح أن يكون تقديم زوجها شقيقتها، عبد الرحمن، مساعدات مالية للاجئين أثناء الحرب، وقد اعترف أحد المعتقلين الذين تلقوا مساعدات منه بذلك تحت وطأة التعذيب.
وتوضح أنه منذ وقت الاعتقال وحتى اليوم “لا نعرف ما إذا كانوا أحياء، أم فارقوا الحياة، وهل ظلوا معا أم تم فصلهم عن بعضهم البعض”.
ورغم المناشدات المستمرة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان “الحرية لرانيا العباسي”، لم تحصل الأسرة على أي رد، كما رفض النظام تضمين اسم رانيا ضمن صفقة تبادل سجناء مع “الجيش السوري الحر”.
لكن نايلة العباسي حصلت على معلومات تفيد بتفريق الأم عن أبنائها، وأخذهم في ملاجئ، لكن لم تستطع الأسرة العثور عليهم في أي ملجأ حتى الآن، وترجح وفاة عبد الرحمن تحت وطأة التعذيب بعد العثور على صوره ضمن تسريبات “قيصر”، المصور المنشق عن النظام.
وتؤكد أن رانيا “لا تنتمي لحزب معارض ولم تخرج في تظاهرات. هي فقط كانت طبيبة أسنان وأما مشغولة بتربية أبنائها، وكنت تساعد الفقراء بقدر ما تستطيع”.
في غضون ذلك، دعت 10 من روابط أُسر المفقودين والناجين والضحايا في سورية، تُشكِّل مجتمعة ما يسمى “ميثاق الحقيقة والعدالة” الدولَ الأعضاء في الأمم المتحدة إلى “التصويت لصالح قرار تاريخي من شأنه أن ينشئ مؤسسة دولية تعمل على كشف مصير وأماكن وجود أكثر من 100 ألف شخص مختطف أو مخفي قسرا” وفق البيان الذي حصل موقع “الحرة” على نسخة منه.
وقالت المنظمات إن الغالبية العُظمى لهؤلاء “محتجزون في ظروف مروعة داخل زنازين الاعتقال لدى نظام الأسد، وقد قُطعوا عن أي اتصال بالعالم الخارجي”.
وقالت المنظمات إن هذه “المؤسسة المستقلة والمرتكزة على المفقودين والضحايا وأسرهم ستكون مركزا لجمع وتنظيم البيانات المتوفرة ذات الصلة بالمفقودين وتوحيد معاييرها بالتنسيق مع الآليات القائمة الأخرى بهدف تحديد أماكن وجود الأحياء من المفقودين وتحديد أماكن دفن رفات المتوفين منهم وتحديد هويات أصحابها وأعادتها إلى الأُسر، كما ستوفر دعما للضحايا والناجين وأسرهم”.
واعتبرت أن معالجة القضية “من خلال إنشاء مؤسسة إنسانية مستقلة للمفقودين من شأنه أن يعزز جهود أسر وروابط الضحايا من أجل معرفة مصير أحبتهم وذويهم وإطلاق سراح من هم على قيد الحياة منهم وتحقيق سلام واستقرار شاملين ودائمين في سوريا”.
وحثت هذه المنظمات الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على “إرسال رسالة واضحة إلى العالم مفادها أنها لن تتجاهل أو تتناسى محنة عشرات الآلاف من المفقودين وأُسرهم… رغم الاتجاه الجاري نحو تطبيع العلاقات” مع النظام السوري.
وفي تصريح لموقع “الحرة”، قال الناشط السوري، محمود الحموي، وهو ممثل لـ”ميثاق الحقيقة والعدالة”، إن المنظمات المنضوية تحت “الميثاق” عملت لمدة ثلاث سنوات على هذا الملف، حيث نظمت عدة مؤتمرات وأصدرت دراسات.
وعبر عن أمله في أن تتمكن المؤسسة في “كشف مصير المفقودين في أماكن الاعتقال والسجون السرية”.
ويرى أن إنشاء الآلية “خطوة مهمة لعائلات الضحايا والناجين، وإن كانت متأخرة، ووسيلة للضغط على جميع الأطراف لفصل هذه القضية عن قضية النزاع”، وستكون “بمثابة إدانة للنظام السوري وروسيا باعتبارهما مسؤولين عن الاختفاء القسري” في سوريا.
وتقول العباسي إنه “بمررو الوقت ينتابنا أحيانا اليأس بسب عدم الاستجابة للنداءات، لكن ما نأمله أن يكون هناك تحرك جدي وفعال، والضغط بكل الأدوات من المجتمع الدولي لإطلاق سراح النساء والأطفال، وكل المعتقلين قسرا في سجون النظام ومعرفة مصير من فقد وأين دفن ومحاسبة المجرمين”.
الحرة – واشنطن
———————————–
مؤسسة مستقلة خاصة بالكشف عن المعتقلين والمغيبين السوريين: من الفكرة إلى التصويت/ عماد كركص
بشكل مفاجئ، ودون تمهيد إعلامي، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة، ليل الخميس الجمعة، قراراً تنشئ بموجبه مؤسسة مستقلة تحت رعاية الأمم المتحدة معنية بالمفقودين والمخفيين قسريّاً في سورية.
وتعتبر هذه الخطوة نقلة هامة لمعرفة مصير المفقودين والمختفين قسراً، في ظل تراخ مع القضية السورية بكل ملفاتها، وكذلك حالة التطبيع العربي مع النظام وإعادته إلى الجامعة العربية، الأمر الذي أوحى للبعض ببداية موت القضية السورية مع ملفاتها المتعددة والمعقدة.
وحصل مشروع القرار، الذي صاغته لوكسمبورغ، على تأييد 83 دولة، ومعارضة 11 وامتناع 62 دولة من أصل 193 دولة عضواً في الجمعية العامة. وما عدا قطر والكويت، كان من اللافت للانتباه امتناع عدد من الدول العربية عن التصويت، من بينها مصر والبحرين والجزائر والعراق والأردن ولبنان وموريتانيا والمغرب وعُمان والسعودية واليمن والإمارات.
وفي حين فصّل “العربي الجديد”، في تقارير سابقة، ماهية القرار الذي تبنته الجمعية العام للأمم المتحدة بعد أن تقدمت به لوكسمبورغ، يعود هنا إلى بداية فكرة القرار وصياغته والحشد له قبل تبنيه.
بداية الفكرة
يجيب مدير البرنامج السوري في المجلس الأطلنطي (مؤسسة بحثية غير حزبية)، قتيبة إدلبي، أحد الذين سعوا مع الجهات الفاعلة في الولايات المتحدة لإعداد مشروع القرار، ثم المضي به حتى صدوره، على سؤال “العربي الجديد” عن تفاصيل تلك الخطوات، كاشفاً أنّ الفكرة بدأت نتيجة دفع بعض الجهود الدولية، موضحاً أنّ لجنة التحقيق الدولية الخاصة بسورية كانت أول من اقترح إنشاء آلية من هذا النوع ضمن تقريرها للعام 2017.
ويشير إدلبي، لـ”العربي الجديد”، إلى أنّ “الكثير من البلدان التي مرت بحالات مشابهة لسورية كانت لديها آليات مثل هذه المؤسسة التي توصلت إليها الأمم المتحدة، كقبرص، الكويت، الأرجنتين، كولومبيا، تشيلي، وغيرها”.
ويضيف إدلبي أنّ “هذه الدعوة من قبل لجنة التحقيق الدولية تلقتها روابط العائلات ومجموعات الضحايا، وأصدرت ما يسمى بـ(ميثاق العدالة والحقيقة)، وطالبت من خلاله بإيجاد إطار غير سياسي لحل هذه المشكلة”، لافتاً إلى أنه “في ذات الوقت، عملت الحكومة الأميركية على هذا الموضوع، فعقدت استشارات مع أكثر من خمسين جهة سورية تمثل منظمات المجتمع المدني، وأعدّت تقريراً قدمته للإدارة الأميركية، وبعد ذلك، بدأت الولايات المتحدة بالتحرك مع الشركاء الأوروبيين للدفع بالموضوع داخل أروقة الأمم المتحدة، ثم كان هناك تقرير للأمين العام للأمم المتحدة (أنطونيو غوتيريس) حول الآلية ونظام عملها شكلاً ومضموناً وطبيعة إدارة المؤسسة وكافة التفاصيل المتعلقة بها”.
خطان متوازيان
يوضح إدلبي أنّ “الإدارة الأميركية لم تكن مقتنعة بشكل كامل في البداية، لكن بعد تأمين لقاءات بين الإدارة والجهات المعنية، كروابط العائلات ومجموعات الضحايا، تجاوبت الإدارة مع المشروع، وأصدرت تقريراً يوصي بتبنيه قبل حوالي عام من الآن، ثم بدأنا العمل مع الدول بعد صدور تقرير المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة (فولكر تورك)”، مشيراً إلى أنّ “الإدارة الأميركية أخذت على عاتقها إجراء محادثات مع بعض الدول، في حين أننا نحن في المجلس الأطلنطي أجرينا محادثات مع دول أخرى من خلال ورشات تطرح مسودة لمشروع القرار، وتحاول مناقشتها مع بحث المخاوف والتعديلات الممكنة”.
وينوه إدلبي بـ”الدور الكبير لـ(ميثاق الحقيقة والعدالة) في إصدار مكتب المفوض السامي تقريره، الذي دفع به إلى الأمم المتحدة لتوضيح الحاجة لهذه الآلية”، مؤكداً أنّ الولايات المتحدة عملت بخط مواز مع جهود الأمم المتحدة بالدفع لتبني المشروع.
لكن لماذا تقدمت لوكسمبورغ بالمشروع وليس الولايات المتحدة؟ يجيب إدلبي بأنّ “الولايات المتحدة لم تكن ترغب أن تكون في الواجهة حتى لا يلتصق المشروع بها كمشروع أميركي، ما سيؤثر في عملية التصويت”.
عوائق في إقناع الدول
ويكشف إدلبي أنّ “العائق الأكبر كان إيجاد دولة من الدول النامية لتبني المشروع إلى جانب لوكسمبورغ، والدول التي طرح عليها الموضوع ولم تقبل هي: الكويت، الأرجنتين، تشيلي، البرازيل، المكسيك، قبرص وعدد من الدول الأفريقية، وعندما لم يتم الحصول على موافقة دولة أخرى لحمل القرار تم الذهاب لتقديمه من قبل لوكسمبورغ وحدها”.
ويشير إدلبي إلى أنّ “العائق الثاني كان يتمثل بحشد الأصوات لتمرير المشروع، فهناك دول كنا نعتقد أنها ستوافق بشكل تلقائي على المشروع، لكن تطلّب الأمر الكثير من المفاوضات معها، والدول التي كانت تتحفظ.. منها من كانت لديها أسباب محقة، وأخرى غير محقة”.
أما من جهة الأسباب “المحقة”، فيوضح إدلبي أنّ “أصحابها انطلقوا من أمرين؛ الأول أنّ هذا المشروع اعترضت عليه دول كثيرة أو لم يلق رضاها، أما الأمر الثاني فكان متعلّقاً بمن سيرأس هذه الآلية وصلاحياته، وكانت هناك مخاوف من تسييسها باختيار شخص له انحياز واضح للمعارضة السورية، كما أنّ هناك قلقاً لدى الدول حول الجانب المالي وتمويل الآلية، لا سيما أنّ تقرير المفوض السامي الخاص بالآلية ذكر في نهايته إنشاء صندوق لدعم الضحايا، ولم يكن مفهوماً ما إذا كان الدعم مخصصاً لعائلات الضحايا أو المجموعات، أو تعويض الضحايا أنفسهم، ففي الشق الأول يمكن أن يتم الموضوع بمبالغ بسيطة، أما تعويض الضحايا أنفسهم فيحتاج إلى مليارات من الدولارات، ومن هنا تخوفت الدول التي تدعم الميزانية العامة للأمم المتحدة من هذا الجانب، قبل أن يجرى توضيحه والذهاب إلى التوافق”.
أما الأسباب “غير المحقة” لبعض الدول، فكانت تتلخص، بحسب إدلبي، في “الاتهام حول تسييس الآلية، لا سيما أنّ مجموعات وروابط الضحايا التي تريد التوصل إليها هي ذاتها التي تطالب بمحاسبة النظام في الأروقة الغربية والأممية، وهذا الأمر كان حجة من بعض الدول غير الديمقراطية التي لديها بالأساس مشاكل في مسالة التغييب والاختفاء القسري”.
وبحسب تقديرات مختلفة للأمم المتحدة، فإنّ عدد المفقودين منذ عام 2011 وحده يفوق مئة ألف، لكنّ هناك مفقودين قبل هذا التاريخ، وتضاعفت أعداد المعتقلين والمفقودين منذ اندلاع الاحتجاجات ضد نظام بشار الأسد في مارس/ آذار عام 2011، ليصل العدد إلى نحو 156 ألف شخص، وفق الشبكة السورية لحقوق الإنسان، غير أن هذه الإحصاءات رسمية ويتطلب توثيقها الكثير من المعايير، فيما تشير المعطيات إلى أن الأعداد أكثر من ذلك بكثير.
العربي الجديد
———————————-
إنشاء مؤسسة أممية لكشف مصير عشرات آلاف السوريين المفقودين/ هبة محمد وسعد الياس
رغم معارضة النظام السوري، أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤسسة مستقلة من أجل جلاء وكشف مصير آلاف المفقودين في سوريا على مدى 12 عاماً، وهو طلب متكرر لأهاليهم وللمدافعين عن حقوق الإنسان.
وصوتت الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة على مسودة القرار القاضي بإنشاء مؤسسة أممية مستقلة تهدف لمتابعة ملف المفقودين في سوريا وكشف مصيرهم، وقد مرَّ القرار بأغلبية 83 دولة، ومعارضة 11، وامتناع 62 عن التصويت.
وتهدف المؤسسة إلى الكشف عن مصير آلاف المفقودين في سوريا، منذ اندلاع الثورة السورية وحتى الآن، ويقدر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة عدد السوريين المفقودين أو المخفيين قسراً منذ عام 2011، بأكثر من مئة ألف سوري، لكن مؤسسات سورية اعتبرت أن الرقم أعلى من ذلك بكثير، ويصل إلى مئات الآلاف، لأن “أطراف النزاع لا يكشفون أبداً هوية من تم إخفاؤهم”، وفقاً لمنظمة العفو الدولية.
واستطاع القرار الذي اتخذته الجمعية أن يحصد موافقة 83 صوتاً، في وقت رفضت 11 دولة ذلك القرار، وامتنعت 62 عن التصويت بينها دول عربية كثيرة، باستثناء قطر والكويت اللتين وافقتا عليه.
وجاء هذا القرار نظراً لاستمرار الصراع في سوريا منذ 12 عاماً، حيث لم يتم التقدم في ملف المفقودين بخطوات جدية، لذا “قررت الدول الأعضاء أن تنشئ تحت رعاية الأمم المتحدة، المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في الجمهورية العربية السورية، لجلاء مصير ومكان جميع المفقودين”، وفقا لما حمله نص القرار. من جهته، وصف سفير النظام السوري في الأمم المتحدة بسام صباغ، القرار بأنه “تدخل صارخ” في شؤون البلد الداخلية.
يأتي ذلك رغم معارضة روسيا والصين للقرار، الذي اعتبره سفير النظام السوري في الأمم المتحدة بسام صبّاغ “تدخلاً صارخاً” في شؤون البلد الداخلية، مشيراً بالدرجة الأولى إلى الولايات المتحدة. وصوتت قطر والكويت مع القرار، في حين امتنعت السعودية والإمارات والبحرين وعمان ومصر والأردن والمغرب ولبنان وتونس واليمن عن التصويت. وقال المندوب المصري إن مشروع القرار لم يقدم إجابات كافية حول آلية عمل المؤسسة وتعريف مفهوم المفقودين في سوريا.
من جهتها، قالت منظمة هيومن رايتس ووتش و100 منظمة حقوقية “إن إنشاء هذه المؤسسة الجديدة التابعة للأمم المتحدة سيكون خطوة مهمة نحو تقديم إجابات طال انتظارها”.
بدورها، وصفت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا قرار إنشاء المؤسسة بـ “التاريخي”. ولقي مشروع القرار ترحيباً من قبل منظمات سورية وحقوقية والكثير من المثقفين والناشطين والصحافيين السوريين. ورحبت الشبكة السورية لحقوق الإنسان بهذا القرار، وقالت إنها وثقت بشكل يومي حالات الاعتقال التعسفي والتي يتحول معظمها إلى اختفاء قسري على مدى أكثر من اثني عشر عاماً. وأضافت الشبكة في بيان رسمي الجمعة “لدينا قاعدة بيانات ضخمة تضم قرابة 112 ألف مختفٍ قسرياً، قرابة 86 ٪ منهم لدى قوات النظام السوري.
وحجب موقف لبنان بالامتناع عن التصويت في الهيئة العامة للأمم المتحدة على إنشاء آلية جديدة للتقصي عن مصير المفقودين في سوريا موضوع الاستحقاق الرئاسي، ولم يمر هذا الامتناع مرور الكرام، إذ سُجّلت ردود فعل مستنكرة هذا الموقف للحكومة اللبنانية في وقت لم يُقفل ملف المفقودين والمخفيين قسراً في السجون السورية في فترة الحرب الأهلية، حيث هناك نحو 622 معتقلاً في هذه السجون وهم “أحياء” بحسب رئيس جمعية المعتقلين علي أبو دهن “إلى أن تثبت الدولة السورية وفاتهم وتسلّمنا إياهم أحياء أم رفات”. وقد حمّلت جمعية المعتقلين والمخفيين قسراً في السجون السورية “رئيس مجلس الوزراء والمجلس مجتمعاً بمن فيهم هذا اللاوطني وزير الخارجية كامل المسؤولية جراء إعلانه امتناع لبنان الرسمي عن التصويت لصالح المعتقلين والمخفيين قسراً من اللبنانيين والسوريين في السجون السورية”.
——————————-
القرار الأممي بإنشاء مؤسسة للمفقودين والمخفيين قسرياً في سورية.. ما مفاعيله؟/ عدنان أحمد
أحيا قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، القاضي بإنشاء مؤسسة مستقلة تعنى بالمفقودين والمخفيين قسرياً في سورية، آمال آلاف الأسر التي فقدت أبناءها منذ نحو عشر سنوات، لمعرفة مصيرهم.
وتقول الحاجة صفية عثمان ذات الستين عاماً، وهي تطالع عبر الهاتف صورة ابنها الثلاثيني مصطفى الذي انقطعت أخباره منذ عشر سنوات، إنها لا تعلم مصيره أو في أي منطقة فقد، أو إن كان قد اعتقل من قبل أحد الفروع الأمنية، أم اختطفته إحدى المليشيات.
وانقطعت أخبار مصطفى عندما كان عائداً من لبنان لقضاء استراحة في قريته بريف حماة، كما اعتاد في كل مرة. وتروي عثمان لـ”العربي الجديد” ما حصل مع ابنها حينها، قائلة: “يومها تحدث معنا وأخبرنا بأنه دخل الأراضي السورية ويلزمه نحو أربع ساعات ليصل القرية، مرت الساعات ولم يصل، حاولنا الاتصال به، لكن هاتفه كان مقفلاً، صبّرت نفسي عبر إيهامها بأنّ شحن بطارية هاتفه نفد، وأنه تأخر بسبب قطع الطرق نتيجة العمليات العسكرية، انتظرت تلك الليلة على أحرّ من الجمر، كانت من أطول الليالي التي عشتها، إلا أنه لم يعد حتى الآن”.
الأمم المتحدة تتبنى قرار إنشاء مؤسسة مستقلة تعنى بالمفقودين في سورية
وتابعت الحاجة عثمان وهي تجلس أمام خيمة في مخيم الكرامة شمالي إدلب شمال غربي سورية: “حاول أحد أشقائه البحث عنه، إلا أنّ كل الطرق كانت مسدودة أمامه، فلم نعرف في أي منطقة فُقد، وهل جرى اعتقاله من قبل أحد الأفرع الأمنية، أم خُطف من قبل إحدى المليشيات.. كنت أنتظر أن يتصل بنا أحدهم ويطلب فدية كما حدث مع كثيرين إلا أن هذا الأمر لم يحدث.. نشرنا صورة ومعلومات عنه. سألنا في المستشفيات والمخافر ولم نصل لأي معلومة، وأنا ما زلت أعيش على أمل عودته أو سماع خبر عنه”.
تعد قصة الحاجة صفية عثمان مع اختفاء ابنها، واحدة من آلاف القصص التي تكاد لا تخلو أسرة سورية منها. وتضاعفت أعداد المعتقلين والمفقودين منذ اندلاع الاحتجاجات ضد نظام بشار الأسد في مارس/ آذار عام 2011، ليصل العدد إلى نحو 156 ألف شخص، وفق ما أفاد به مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني.
وأوضح عبد الغني، خلال حديث مع “العربي الجديد”، اليوم الجمعة، أنّ البيانات الموجودة لدى الشبكة تمثل “الحد الأدنى الذي تمكّنت الشبكة من توثيقه”، مشيراً إلى أنّ من بين الـ156 ألف مفقود، يوجد 112 ألف مختف قسرياً معتقلين لدى أطراف الصراع المختلفة، منهم 96 ألف مختف قسرياً في سجون النظام، بنسبة تصل إلى 86% من مجموع السوريين المختفين قسرياً.
إنكار متكرر
واعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً لإنشاء مؤسسة للكشف عن مصير المفقودين والمختفين قسرياً في سورية. وصوتت 83 دولة لصالح القرار، و11 دولة ضده، فيما امتنعت 62 دولة عن التصويت، بينها كثير من الدول العربية، حيث لم تؤيد القرار من الدول العربية سوى قطر والكويت.
وعارض القرار 11 دولة، بينها حلفاء النظام السوري، روسيا والصين وإيران، إضافة إلى النظام نفسه الذي اعتبر من خلال مندوبه في الأمم المتحدة بسام صبّاغ، القرار “مسيساً وتدخلاً صارخاً” في شؤون سورية الداخلية.
ولا تملك آلاف الأسر السورية، التي فقدت أبناءها منذ سنوات، أي وسيلة للتحقق من مصيرهم، بسبب سياسة الإنكار التي يواظب عليها المتهم الرئيسي في هذه القضية، وهو النظام السوري، الذي يدّعي عدم وجود أي معتقلين سياسيين لديه.
وزعم صباغ أنّ حكومة نظامه “لم تتوان عن التعامل مع موضوع المفقودين السوريين، انطلاقاً من أنها مسألة وطنية سوريّة”، مطالباً بالتركيز على “آلاف المفقودين الذين سقطوا ضحايا لأعمال العدوان العسكري الذي شنّته الولايات المتحدة، وآلاف المفقودين الذين اختطفتهم المجموعات العميلة للقوات الأميركية الموجودة بشكلٍ غير شرعي في شمال شرق سورية”.
واتهم صباغ بعض الدول الغربية التي لم يسمّها بأنها “قادت حملاتٍ ممنهجة حول موضوع المفقودين في سورية، وذلك من خلال إطلاق ادعاءات مفبركة وغير صحيحة، وتداول أعدادٍ مضخّمة للمفقودين”، بحسب قوله.
كما أكد عدم مشاورة النظام السوري خلال المناقشات التي جرت لإنشاء المؤسسة المذكورة، ملمّحاً إلى أنّ نظامه لن يتعاون مع هذه المؤسسة، بتأكيده “رفض سورية القاطع ما ورد في مشروع القرار جملةً وتفصيلاً”.
إشادات بالقرار
إلى ذلك، أشادت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أمس الخميس، عبر حسابها في “تويتر”، بـ”المبادرة التي تشتد الحاجة إليها”، مضيفة: “للعائلات الحق في معرفة مصير ومكان وجود أقاربها للمساعدة في مداواة جراح المجتمع كله”.
من جهته، قال المسؤول في منظمة “هيومن رايتس ووتش” لويس شاربونو، أمس الخميس، في تغريدة على “تويتر”، “يجب على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ضمان حصول هذه المؤسسة الجديدة على الموظفين والموارد اللازمين”، مؤكداً أنّ الشعب السوري لا يستحق أقلّ من ذلك.
بدورها، وصفت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سورية قرار إنشاء المؤسسة بـ”التاريخي”. وقال رئيس اللجنة باولو بينيرو، في بيان، أمس الخميس، إنّ هذه الخطوة “جاءت أخيراً لمساعدة عائلات جميع من اختفوا قسرا وخُطفوا وعُذبوا واحتجزوا في الحبس التعسفي بمعزل عن العالم الخارجي على مدى السنوات الـ 12 الماضية”.
وإضافة إلى المساعدة في البحث عن مصير المفقودين، فإنّ الهيئة الجديدة مكلفة بتقديم المساعدة، بما في ذلك المساعدة النفسية والاجتماعية التي تمسّ الحاجة إليها بالنسبة للعائلات والناجين.
أهداف إنسانية.. لا تحدد المسؤول عن الإخفاء
من جهته، قال المحامي والناشط السوري في مجال حقوق الإنسان عبد الناصر حوشان، لـ”العربي الجديد”، اليوم الجمعة، إنّ “لجنة التحقيق حول آلية إنشاء مؤسسة المفقودين أوردت الأسباب الموجبة لإنشائها، كما وضعت تصوراتها للآليات والسبل الكفيلة بتحقيق نجاحها، من خلال مجموعة من التوصيات، مثل أن تكون محايدة، ومستقلة، وذات مصداقية، وشاملة، ويمكن الوصول إليها، وأن تركز على الأهداف الإنسانيّة في معرفة وكشف مصير المفقودين، دون الدخول في موضوع العدالة الجنائيّة، وتحديد المسؤول عن الإخفاء والاعتقال التعسّفي، باعتبار أن ذلك سيكون أداة قوية للبحث عن المعلومات ذات الصلة عن المفقودين، وجمعها في سياقاتها الإنسانيّة فقط”.
وأضاف أنّ تمويل المؤسسة يجب أن يكون من الموازنة العامة للأمم المتحدة، وسيكون عليها التركيز على عائلات الضحايا، وجمع كل البيانات المتوزعة على عدد من اللجان والهيئات ذات الصلة، وتوحيدها ضمن إطار عمل اللجنة.
في المقابل، وصف المحامي والناشط الحقوقي أنور البني إنشاء المؤسسة، بأنه “خطوة مهم ستشكّل إضافة لقضية المفقودين، وتطرحها مجدداً أمام المجتمع الدولي، وستحرج النظام السوري والدول العربية التي تحاول التطبيع معه”.
غير أنّ البني أكد، في حديث مع “العربي الجديد”، اليوم الجمعة، أنّ المطلوب هو إنشاء محكمة دولية لمعاقبة مرتكبي الانتهاكات، معرباً عن اعتقاده بأنّ مهمة المؤسسة ستركز بشكل أساسي على جمع بيانات حول قضية المفقودين والمعتقلين، موضحاً أنّ “جمع البيانات كلها لدى جهة دولية واحدة موثوقة مثل الأمم المتحدة، هو أمر مهم، لكن الأهم هو إنشاء محكمة دولية تنظر في هذه الأدلة وتحاكم المرتكبين، خاصة أن جميع الأدلة موجودة لدى المنظمات السورية التي قامت بجهود جبارة لتوثيق الجرائم التي حصلت في سورية خلال الـ12 عاماً الماضية”.
تحذيرات من المبالغة في التوقعات
وحول الأشخاص المقصودين بالعمل المتوقع للمؤسسة، أوضح مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، في حديثه مع “العربي الجديد”، أنّ مصطلح “المفقودين” هو المفهوم الأوسع، مشيراً إلى أنه “قد يكون شخص ما غرق أو توفي، ويعتقد أهله أنه معتقل، لكن أغلب المفقودين هم مختفون قسرياً، أي معتقلون، وعلى الأغلب لدى النظام السوري”.
وحذر عبد الغني من المبالغة في التوقعات بشأن إنشاء هذه المؤسسة، مذكّراً بأنّ “كل الجهود الدولية لم تتمكن حتى الآن من إطلاق معتقل واحد أو الكشف عن مصير مختف قسري واحد”.
وأضاف: “نحن طالبنا بتشكيل آلية أممية للكشف عن مصير المفقودين منذ أواخر 2011 حين كانت حصيلة المفقودين لا تتجاوز 27 ألف شخص، كلهم تقريباً لدى النظام السوري، وكثيرون ماتوا تحت التعذيب”.
وحول الفائدة المتوخاة من عمل هذه المؤسسة، قال عبد الغني “نحن بحاجة لهذه الآلية الخاصة المتوقع منها أن تضع هذا الملف على طاولة الحل السياسي بحيث لا يكون هناك حل دون معالجة هذه القضية، إضافة إلى المطالبة بكشف مصير هؤلاء المفقودين، والسماح بزيارات لذويهم، فضلاً عن جمع بيانات عن المختفين، وأن تكون المؤسسة صلة وصل بين الجهات المختلفة التي تتابع هذه القضية”.
وأعرب عبد الغني عن اعتقاده بأنّ الآلية الجديدة لن تتمكن من الكشف عن مصير المعتقلين، وأن النظام والجهات الأخرى لن يتعاونوا معها، كما أكد أنّ ولايتها لا تنص على محاسبة مرتكبي الانتهاكات.
وأشار إلى وجود آليات أممية أخرى تملك ولاية أعلى من ولاية هذه المؤسسة، مثل لجنة التحقيق الدولية، و”لم تستطع فعل شيء للمعتقلين، علماً أنّ هذه اللجنة يمكنها التحقيق وتسمية المنتهكين، ورغم ذلك لم تتمكن من فعل شيء للمعتقلين، بسبب عدم وجود ضغوط دولية كافية على النظام السوري”.
العربي الجديد
——————————-
حين تنتصر ’الأمم’ للمعتقل السوري/ مرح البقاعي
خاص وايتهاوس
تحديث الأمم المتحدة هو مفهوم متداول يشير إلى الجهود المستمرة لتعزيز وتطوير هذه المنظمة الدولية، بينما يتطلب تحديث المنظمة – التي دخلت في طور الشيخوخة – تكيّفها مع التحديات والتغيرات المعاصرة التي تواجه العالم.
المنظمة تأسست في العام 1945 بهدف الحفاظ على السلام والأمن العالميين وتعزيز التعاون الدولي في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. على مر العقود، تطور دور الأمم المتحدة وازدادت التحديات التي تواجهها.
تحديث الأمم المتحدة، الذي غدا أمراً ملحّاً لمواجهة تحديات القرن وشؤونه المعقّدة، سيستدعي التأكيد على مبادئ حقوق الإنسان والمساواة والعدالة الاجتماعية والتنوع الثقافي، وضمان تمثيلية أكبر للدول النامية والمجتمع المدني في عمل الأمم المتحدة.
كما يجب أن تتضمن جهود تحديث المنظمة تعزيز الشفافية والمساءلة والديمقراطية الداخلية في هياكلها وإجراءاتها في التعامل مع النزاعات والأزمات الدولية، وتحسين الكفاءة والفاعلية في تنفيذ برامجها ومشاريعها.
ويبدو أن صحوة أمل من قلب تنافر المصالح الدولية في هذه المنظمة وتناقضها ولاسيما في تشكيلة مجلس الأمن، قد سجّلتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في تاريخ 29 يونيو الجاري، في حدث تاريخي يُحسب للجمعية العامة ويدعو إلى المزيد من العمل بهدف تحديث ميثاق المنظمة بحيث تتحول قرارات الجمعية – وهي عادة ما تتعرض لأكثر القضايا الإنسانية والأممية تعقيداً وخلافية – إلى قرارات ملزِمة بتنفيذها.
ففي هذا اليوم المشهود تبنّت الجمعية العامة قراراً بإنشاء مؤسسة دولية جديدة لاستجلاء مصير المفقودين في سوريا وأماكن وجودهم وتقديم الدعم للضحايا وأسرهم.
شارك في صياغة مشروع القرار كل من دول ’لكسمبرغ وألبانيا وبلجيكا والرأس الأخضر وجمهورية الدومينيكان ومقدونيا’. وحين تقدّم مندوب لكسمبرغ الدائم لدى الأمم المتحدة، أوليفيه مايس، بمشروع القرار أمام الجمعية العامة، وعد أن المؤسسة الجديدة ستعمل على التنسيق والتواصل مع كل الأطراف، وستكون نقطة موحدة لجمع ومقارنة البيانات المتعلقة بمصير المعتقلين والمفقودين وأماكن وجودهم.
وأوضح مايس أن المؤسسة الجديدة ستعمل على سد جوانب القصور الحالية حيث لا يوجد تنسيق كافٍ بين الأطراف المعنية، الأمر الذي ينتج عنه قوائم غير مكتملة للأشخاص المفقودين، بينما لا توجد جهة موحدة يلجأ إليها أهالي المفقودين لمعرفة مصير ذويهم.
بدورها، وصفت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا قرار إنشاء المؤسسة بـ ’التاريخي’. وجاء في بيان أصدرته بالمناسبة “إن هذه الخطوة التي طال انتظارها من قبل المجتمع الدولي، قد جاءت أخيراً لمساعدة عائلات جميع من اختفوا قسراً وخُطفوا وعُذبوا واُحتجزوا في الحبس التعسفي بمعزل عن العالم الخارجي على مدى السنوات الـ 12 الماضية”.
وبالإضافة إلى المساعدة في البحث، فإن الهيئة الجديدة مكلفة بتقديم المساعدة النفسية والاجتماعية التي تحتاجها العائلات وكذا الناجون.
وكانت جهود المنظمات السورية المعنية، ومعظم أعضائها هم من أفراد عائلات المعتقلين ومن الحقوقيين السوريين المتطوعين للعمل على هذا الملف، قد استدارت على مجلس الأمن بسبب التناقضات السياسية التي تتعلق بمصالح أعضائه، والتي كانت ستعمل حتماً على تعطيل تمرير قرار ملزم بهذا المستوى. وقد حظي مجهود تلك المنظمات السورية بدعم أممي كبير من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ليتحول إلى نصر كبير للقضية السورية العادلة، وإحداث آلية أممية مراقبة للبتّ في مصير المدنيين السوريين خلف قضبان المعتقلات.
أما مجلس الأمن، وهو الهيئة الأممية الأعلى المسؤولة عن حفظ السلام والأمن الدوليين ويتكون من 15 عضواً منهم 5 أعضاء دائمين تتمتع بحق النقض (الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة) و10 أعضاء غير دائمين يتم انتخابهم لفترة محدودة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، فقد غدا بتركيبته الحالية عبئاً حقيقياً على قضايا حفظ السلام والأمن الدوليين!
وكثيراً ما عبّرت الولايات المتحدة، المساهم المالي الأكبر في الأمم المتحدة والتي تلعب دوراً حاسماً في تمويل ميزانيتها، عن دعمها للإصلاحات المؤسسية في الأمم المتحدة لتعزيز فعاليتها وكفاءتها، بما يتضمن ذلك جهود لتطوير هياكل المنظمة وعمليات صنع القرار وتعزيز الشفافية والمساءلة بين أروقتها.
أما معضلة التوازنات في آلية مجلس الأمن، فهي قضية تتعلق في تمثيلية وصلاحيات الدول الأعضاء في المجلس. وهي تعكس التحدي الذي يواجه المجتمع الدولي في تحقيق توازن بين القوى والمصالح المختلفة. فتوزيع المقاعد في مجلس الأمن غدا غير عادل ولا يعكس الواقع الحالي للنظام الدولي. والقوى الكبرى الدائمة في مجلس الأمن لديها حق النقض، وهذا يعني أنها لديها القدرة على حجب أي قرار يرونه غير مرغوب فيه. وهذا يثير مخاوف بشأن التوازن في قرارات المجلس قد يؤدي إلى تعثر الجهود الدولية لمعالجة الأزمات والنزاعات.
الحل الأمثل لقصور أداء مجلس الأمن يمكن أن يتسرّع الآن ليصير موضوعاً للتفاوض الدولي . وهناك عدة برامج لتحسين وتعزيز آلية مجلس الأمن كانت قد اقترحتها الولايات المتحدة منها زيادة عدد الدول الأعضاء في مجلس الأمن وتعزيز التمثيلية الإقليمية والجغرافية. كما بالإمكان اللجوء إلى تحجيم حق النقض الدائم لتحسين توازن القوى ومنع انتهاك حقوق الأعضاء الغير الدائمين، الأمر الذي يتطلب إجراء تعديلات في الميثاق الدولي للأمم المتحدة. كما يستدعي التحديث التعاون مع المنظمات الإقليمية كالاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، لوذلك بهدف تعزيز الفعالية في إيجاد حلول عادلة والبت بقرارات نافذة في القضايا الإنسانية الملحة ومن أكثرها أهمية وإلحاحاً قضايا الشعب السوري الجريح.
——————————
متى يغلق ملف التعذيب في سوريا؟/ محمد كريشان
جيد أن يوجد يوم عالمي لمساندة ضحايا التعذيب في السادس والعشرين من شهر يونيو/ حزيران من كل عام حتى نتذكر هؤلاء، ولو ليوم واحد فقط، وندرك حجم الجحيم الذي عاشوه وكوابيس الذكريات لدى الناجين منهم.
في تقريرها السنوي الثاني عشر عن التعذيب في سوريا، تقول «الشبكة السورية لحقوق الإنسان» إنَّ ممارسات التعذيب في سوريا مستمرة منذ 12 عاما دون محاسبة، وإن حصيلة الذين قتلوا بسببه بلغت 15281 شخصاً منذ آذار/ مارس 2011 وحتى حزيران/ يونيو الحالي بينهم 198 طفلاً و113 سيدة.
«نصيب الأسد» من بين هؤلاء كانت لنظام الأسد فهو المسؤول، وفق التقرير، عن مقتل 15039 بينهم 190 طفلاً و94 سيدة، لكنه ليس الوحيد فتنظيم «داعش» مسؤول عن مقتل 32 بينهم طفل و14 سيدة، و«هيئة تحرير الشام» عن مقتل 34 بينهم طفلان، فيما قتل بنفس السبب على يد «قوات سوريا الديمقراطية» َ 94 شخصاً بينهم طفلان وسيدتان، فيما قتل 53 بينهم طفل وسيدتان على يد جميع فصائل المعارضة المسلحة، كما سجل التقرير مقتل 29 شخصاً بينهم طفلان وسيدة على يد جهات أخرى لم يحددها بالضبط.
المصيبة لا تقف عند هذا الحد، فقد جاء في التقرير أن ما لا يقل عن 155 ألف شخصٍ مازالوا قيد الاعتقال والاحتجاز التعسفي في سوريا من قبل أطراف النزاع، يتحمل النظام مسؤولية 88 ٪ منهم. وغالبيتهم العظمى منهم معتقلون سياسيون على خلفية الحراك الشعبي، وجميعهم يتعرضون لأشكال عدة من أساليب التعذيب على مدى سنوات عديدة. وقد أثبت التقرير أنّ جميع القوى المسيطرة في سوريا قد مارست التعذيب ضد خصومها، وبأن هذه الممارسات ما زالت مستمرة حتى الآن، موصيا مجلس الأمن والأمم المتحدة بإيجاد آلية لإلزام كافة أطراف النزاع، وبشكل خاص النظام السوري، لوقف هذه الممارسة المشينة، والكشف عن أماكن جثث الضحايا وتسليمها للأهالي، عارضا في نفس الوقت قائمة جديدة لأبرز أسماء المتورطين لدى النظام السوري في جريمة التعذيب، مع التذكير بأنه وفقاً للقانون الدولي الإنساني يتحمل القادة والأشخاص الأرفع مقاماً مسؤولية جرائم الحرب التي يرتكبها مرؤوسوهم.
المفارقة العجيبة أن الحكومة السورية سنّت نهاية مارس/ آذار العام الماضي قانونا لتجريم التعذيب رأت منظمة العفو الدولية «أنّه لا يقدّم إنصافاً لضحايا التعذيب السابقين، ولا يشمل أي تدابير حماية للشهود أو ضحايا التعذيب، ولا يذكر ما إذا كانت أسر ضحايا التعذيب ستتلقّى تعويضات، في حالة وفاتهم. والأهمّ من ذلك، لم يذكر أي إجراءات يمكن اتخاذها لمنع حصول التعذيب في مراكز الاحتجاز والسجون في المستقبل».
وقد كانت نفس المنظمة قد ذكرت في تقاريرها المختلفة حالات «تعذيب لا يمكن تخيله» وفق تعبيرها، حيث استعرضت شهادات عديدة لسجناء سابقين التقت بهم «عن دوامة لا تنتهي من التعذيب» فقد ذكر الضحايا أنهم «تعرضوا للضرب بخراطيم بلاستيكية، وقضبان مصنوعة من السيليكون، وعصي خشبية، والحرق بأعقاب السجائر، وأُجبِر آخرون على الوقوف في الماء وتلقي صدمات كهربائية، كما تعرض رجال ونساء إلى الاغتصاب والتحرش الجنسي، فيما تلقت نساء تهديدات بالاغتصاب أمام أقاربهم بهدف انتزاع اعترافات منهن».
ولأن المصائب لا تنتهي فرادى للشعب السوري المغلوب على أمره، فقد ذكرت منظمة «هيومن رايتس ووتش» في تقرير لها نهاية أبريل/ نيسان الماضي أن «حرس الحدود الأتراك يُطلقون النار عشوائيا على المدنيين السوريين على الحدود مع سوريا، ويُعذّبون ويستخدمون القوّة المفرطة ضدّ طالبي اللجوء والمهاجرين الذين يحاولون العبور إلى تركيا» مطالبة الحكومة التركيّة بضرورة «فتح تحقيق ومحاسبة حرس الحدود المتورطين في هذه الانتهاكات» وهو التحقيق الذي ليس معروفا بعد ما إذا كان قد فتح أم لا.
وعدا حالات محدودة من محاكمات جرت في أوروبا لبعض المتورطين القلائل في التعذيب فقد بقي كل الجلادين من مأمن من أية ملاحقة أو محاسبة، ففي أبريل/نيسان 2020 مثلا بدأت محكمة ألمانية في مدينة كوبلنز جلسات استماع لمسؤولين سابقين اثنين في المخابرات السورية، بتهم متصلة بجرائم ضد الإنسانية، وقد كانت تلك المحاكمة، الأولى في العالم المتعلقة بالتعذيب الذي رعته الدولة في سوريا. ووفق الادعاء فإن أحد هذين المسؤولين أشرف في الفترة بين نيسان/أبريل 2011 وأوائل سبتمبر/أيلول 2012، على تعذيب 4 آلاف شخص على الأقل أثناء الاستجواب بالإضافة إلى 58 جريمة قتل، وحرمان من الحريات، واغتصاب واعتداء الجنسي في الفرع 251 للمخابرات السورية. ولنا أن نتخيّل ماذا ستكون الحصيلة إذا مثل للمحاكمة مئات غيرهم.
سيقول كثيرون إن سوريا ليست الوحيدة في ممارسة التعذيب المعيبة والتي ما زالت متفشية في أغلب الدول العربية، وهذا صحيح لكن الأصح كذلك أن لا دولة عرفت هذا العدد من ضحايا التعذيب وعلى امتداد فترة بهذا الطول. من يدري فقد نحتاج يوما، على غرار مؤشرات دولية عديدة مختلفة، إلى مؤشر عربي للتعذيب لنرى لمن ستكون «الريادة».
كاتب وإعلامي تونسي
القدس العربي
—————————
====================