صفحات الحوار

برهان غليون: تطبيع السعودية هدية مجانية للنظام والمعارضة تتسابق إلى تصدر المنصات

غسان ياسين

في كانون الأول 2022، حدث أول لقاء علني ورسمي بين وزير الدفاع التركي (السابق) خلوصي أكار، ووزير دفاع النظام السوري علي محمود عباس، وبدأ ما يمكن تسميته بمسار جديد قائم على التعامل مع بقاء بشار الأسد في حكم سوريا من قبل دول الإقليم، هذا التطبيع التركي كان بوابة لتسريع تطبيع عربي انتهى بعودة النظام السوري إلى الجامعة العربية.

في مقابل موجة التطبيع تلك، كانت هناك محاولات سورية لتحريك المياه الراكدة وحدثت عدة لقاءات بين أقطاب المعارضة في العاصمة القطرية الدوحة، وفي فرنسا أطلق رجل الأعمال السوري أيمن الأصفري مشروعاً جديداً باسم “مدنية”.

وبعد انقطاع لسنوات عقدت هيئة التفاوض اجتماعاً في جنيف، وأصدر العميد المنشق مناف طلاس بياناً عاود فيه الحديث عن مشروع المجلس العسكري، وبناء على هذه المعطيات نود في موقع “تلفزيون سوريا” معرفة موقف المفكر والسياسي السوري برهان غليون من النشاطات السياسية الجارية مؤخراً:

حدثنا عن اجتماعات الدوحة الأخيرة ما هو الهدف منها وهل توصلتم إلى شيء أم أن المباحثات واللقاءات مستمرة؟

صحيح. اجتمعت منذ فترة بعض الشخصيات السياسية والثقافية فيما يشبه حلقة نقاش للتداول في وضع القضية السورية وما يمكن عمله لانتشالها من التجاهل الذي آلت إليه، في محاولة لكسر حلقة الاستعصاء الذي تشهده مسألة تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 منذ سنوات. وهذا النقاش مستمر بطرق مختلفة. وما تزال هناك صعوبات في التوصل إلى الاستنتاجات النهائية بسبب تباين توجهات الأفراد ونقاط تركيزهم وزوايا نظرهم وربما عدم تحرر بعضنا من الأوهام القديمة حول دور الدول الأجنبية ونيّاتها. والغاية من كل ذلك بلورة استراتيجية عمل سورية مستقلة تقوم على توحيد القوى وتعبئة الجهود لتشكيل قوة سورية سياسية قادرة على نيل ثقة الجمهور السوري والعالمي معاً. مما يستدعي تجاوز التجاذبات الشخصية والفئوية التي عطلت جهود المعارضة السورية خلال السنوات الماضية.

وللأسف لم ننجح بعد في التغلب على عقلية المنصة التي يتبارى في إنشائها بعض الأفراد لتعظيم قدرتهم التفاوضية داخل المعارضة نفسها مقابل المجموعات الأخرى. ولم نتمكن من القضاء على التعلق العنيد بوهم الحل الدولي والرهان على التفاهم الروسي الأميركي لفرض تطبيق قرار 2254 وعلى عدم الثقة بكل ما عدا ذلك، أي بقدرة السوريين على العمل بأنفسهم وتطوير مبادراتهم الخاصة.

كيف ترى عودة رجل الأعمال أيمن الأصفري من بوابة المجتمع المدني وكيف تقيم “مدنية”؟

أنا أفضل أن أرى في هذا اللقاء الذي حصل في باريس بداية هذا الشهر (حزيران 2023) تجمعاً مفيداً لمنظمات المجتمع المدني السورية وتعزيزاً لدورها وارتقاء بمستوى تعاونها والتنسيق فيما بينها لتحسين أدائها وتعزيز قدرتها على الاستجابة للأوضاع المأساوية التي يعيشها المجتمع السوري. ولا أرى في عودة أيمن الأصفري رجل الأعمال السوري المعروف إلى الساحة السياسية أي بأس. بالعكس نحن نريد من كل الشخصيات التي تمتلك رصيداً ونفوذاً من أي نوع، مالي أو سياسي أو ثقافي أو اجتماعي، الانخراط ما أمكن في العمل العام وتحمل مسؤولياتهم أمام شعبهم ومساعدته على الخلاص من الوضع الكارثي الذي تعيشه بلادنا اليوم.

ليت رجال الاعمال الآخرين يحذون حذوه. أخذ بعض النقاد على السيد الأصفري ترؤسه للشبكة المدنية الجديدة وهو رجل أعمال، وتمنى بعضهم عليه أن يبقى حراً ويترك الرئاسة لمجلس منتخب من قبل المنظمات المدنية، ولو فعل ذلك لوفر على نفسه هذا النقد. لكنه قبل المخاطرة بوضع نفسه في الواجهة وهذا خياره وينبغي أن نتمنى له النجاح.

ما هو تقييمك للخطوة السعودية بإعادة علاقات الرياض مع النظام بشكل كامل وأيضاً ومساهمتها بإعادة مقعد سوريا في الجامعة العربية للنظام؟

من وجهة نظرنا هذه هدية مجانية لنظام مجرم ما يزال يرفض حتى الآن الاعتراف بأخطائه وتصحيح سياساته الكارثية. لكني لا أعتقد أن المملكة العربية السعودية تجهل طبيعة النظام والجرائم التي تكبله والتي غالباً ما وصفت من المنظمات الحقوقية الدولية بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وحرب الإبادة الجماعية.

لا أعتقد أن تطبيع الرياض مع نظام الأسد لمساعدته على مسح جرائمه وتمكينه من الاستمرار في عدوانه على الشعب السوري. حسب ما تفيد التصريحات السعودية والعربية أيضاً، بل يتعلق الأمر باعتراف بالأمر الواقع لاستئناف علاقات مع نظام مارق وفي تحالف ضد العرب أنفسهم، في سبيل دفعه إلى التحرك على طريق تطبيق القرار الدولي 2254 على مبدأ خطوة مقابل خطوة.

ليس لدى السوريين أية أوهام بأن الدافع إلى هذا الاعتراف هو الحفاظ على مصالح الرياض الأمنية والاستراتيجية. ونحن لا يمكننا، مهما بلغ عمق جراحنا، أن نحدد للدول حتى الشقيقة مصالحها. كل ما يمكننا عمله هو أن نسعى مع هذه الدول إلى أن لا يكون ذلك على حساب مصالح الشعب السوري الذي لا يزال نصفه في المنافي ومخيمات اللاجئين والنصف الآخر يعيش تحت حد الفقر وفي ظروف لا إنسانية. ومن أجل أن يكون لمسعانا أثرٌ ينبغي أن نظهر أيضاً أننا قوة وأننا قادرون على التصرف كشعب والتدخل المنظم في قضيتنا وما يجري من حولنا، في السياسة والإعلام والعمل المدني والعمل العسكري أيضاً. وهذا يستدعي أن نخرج من سباتنا السياسي ونتحرك في اتجاه بناء قوة سياسية قادرة على تحريك الرأي العام وشحذ إرادة السوريين وإعادتهم إلى ساحة معركة التغيير التي لم تنته ولن تنتهيَ قبل أن يتحقق رحيل نظام القهر والعنف والجريمة. وبالرغم من أن إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الجامعة العربية ودمشق جرعة من الأوكسجين السياسي لنظام في حالة نفوق واحتضار طويل إلا أنها لم ولن تستطيع أن تعيد إليه الحياة. ولا أعتقد أن هذا هو القصد من ورائها أيضاً.

هل من نتائج مرجوة من هذا التقارب العربي مع النظام بعد بيان لقاء عمان الوزاري وبيان القمة العربية؟

أنا أعتقد بالعكس أن عزلة النظام وانسداد الطرق والخيارات أمامه لم يبرزا في أي حقبة سابقة كما يبرزان بعد عودة الاعتراف العربي به. والسبب أن الوهم الذي كان يسوقه النظام للسوريين بقرب الانفراج وتطوع الخليج بإعادة الإعمار قد سقط. ولم يخف وزير خارجيته ذلك في تصريحه الأخير بأن النظام قام بمئة خطوة (هكذا) ولم ير في مقابل ذلك أي خطوة عربية. باختصار سقطت ورقة الرهان على “التطبيع العربي” ومعها وهم الانتصار الذي لم يكف أنصار الأسد عن ادعائه والتغني به وانتظار عوائده. وما من شك في أن النظام كان يعتقد أن الاعتراف سوف يعيده إلى الحياة ويقدم لها خشبة الخلاص بتمويل إعادة الإعمار وتوفير الأموال للحاشية الملتحقة به من الشبيحة ورجال المافيا. فعاد الآن يطلب قروضاً جديدة على وجه السرعة من روسيا وإيران تحفظ الحد الأدنى من حاجاته.

مناف طلاس يصمت طويلاً ثم يذكرنا كل فترة بمجلسه العسكري، ما هو تعليقك على بيانه الأخير وعلى فكرة وجود مجلس عسكري؟

لا يوجد سوري معارض لنظام الأسد لا يرحب بوجود مجلس عسكري يقدم يد العون للشعب السوري وللمعارضة السياسية ويعزز موقفهما في مفاوضات تحاول الأمم المتحدة منذ 12 عاماً إطلاقها من دون جدوى للتوصل إلى حل سياسي ومخرج من المحنة الدائمة التي وضعت فيها البلاد.

كما لا يوجد معارض مخلص لم يكن يتمنى أن يلعب العميد مناف طلاس، ابن المؤسسة العسكرية القائمة، دوراً مركزياً في تعبئة الضباط المنشقين وتنظيمهم وزجهم في الصراع الدائر منذ سنوات طويلة مع إخوتهم الثائرين للخلاص من نظام الإبادة والإجرام. ولو حصل ذلك لجعل من العميد إضافة كبيرة لقيادة المعارضة. المشكلة أن السياسة قبل أن تكون فكرا هي ممارسة عملية على الأرض وفي كل الميادين اليومية. ولا تغني الفكرة في السياسة عن الفعل. ولا يمكنها أن تولد جسماً عسكرياً ولا سياسياً. ومع ذلك ما يزال الشعب السوري يتمنى وينتظر أن يجد العميد طلاس وضباطه طريقهم العملي للانخراط في معركة ما تزال بالرغم من مرور أعوام طويلة عليها عصية على الحسم.

بعد أكثر من ثلاث سنوات على تجميد-تعطيل هيئة التفاوض اجتمعت مؤخراً في جنيف، كيف ترى هذه الخطوة؟

يعبر ذلك عن رغبة بعض مسؤوليها ومسؤولي الدول المستثمرة فيها في إثبات الوجود بعد أزمة داخلية عميقة وهجوع طويلين، وليس نتيجة انفتاح أي أفق جديد لمفاوضات تستخدم لتمرير الوقت وتمديد الوضع القائم.

بعد فوز حزب العدالة والتنمية وحلفائه بالبرلمان والرئاسة كيف ترى مسار العلاقة بين تركيا والنظام؟

لا أعتقد ان هناك تغييراً سريعاً منتظراً في السياسة التركية تجاه سوريا من هذا الفوز. فالأهداف التركية لن تتغير سواء ما تعلق منها بتقييد حركة قسد وميليشياتها أو بترحيل اللاجئين السوريين أو القسم الأكبر منهم، ولو أن ذلك سوف يكون بأقل ما يمكن من الضجيج الذي استثمرت فيه المعارضة التركية.

وفي المقابل سوف تستمر المساعي الروسية لدفع الطرفين إلى التعاون والتفاهم لكن من المستبعد أن يتم التوصل إلى اتفاق سريع يقف ضده الأميركيون ويخشاه الإيرانيون ولا يرحب به النظام.

بالعكس يريد هذا الأخير استغلال حالة النزاع مع أنقرة للتغطية على أوضاعه الداخلية وحرف الأنظار عن التوسع والتمدد المستمر لإيران في سوريا في جميع الميادين وبسط وصايتها على سوريا وسيطرتها على مقاليد الأمر في البلاد وعلى أهم المواقع الاستراتيجية فيها.

منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا لم ينعكس هذا العداء الغربي لروسيا على وضعنا كمعارضة سورية في مواجهة الروس. هل من الممكن أن نستفيد لاحقاً من هذه الحرب؟

الذين توقعوا أن تخدم الحرب الأوكرانية القضية السورية هم من كان يراهن دائماً على التدخلات الغربية لحسمها. فسودوا الاعتقاد بأن انشغال موسكو بالحرب الأوكرانية سوف يدفعها إلى التقليل من اهتمامها بسيطرتها الجيوستراتيجية على سوريا.

وقد منّى البعض أنفسهم أيضاً بسحب موسكو بعض جنودها لزجهم في المسرح الأوكراني. والحال أن الكتلة الغربية اعترفت منذ بداية الأحداث السورية الكبرى بوصاية روسيا على الدولة السورية ونفوذها فيها، وتفاهمت مع موسكو لدفعها للتدخل لوضع حد للثورة وما تمخض عنها من صراعات داخلية وخارجية.

بالعكس أعتقد أن هذه الحرب همشت كلياً الاهتمام بالقضية السورية دولياً. ولا ينبغي لنا أن نغش أنفسنا بالمواقف السياسية العلنية من هنا وهناك. تحولت سورية لقضية إنسانية فحسب وثانوية سياسياً . وحتى في هذا المجال سنشهد انحساراً كبيراً للدعم الإنساني مع تراكم مآسٍ أخرى جديدة في بلدان مأزومة جديدة. وفي اجتماع بروكسل الأخير للمانحين قلصت المعونات المقدمة للسوريين إلى نصف حجمها في العام الماضي.

وحتى في حال دخول الغرب وروسيا في مفاوضات لإنهاء الحرب الأوكرانية، وهذا ما يزال بعيد الاحتمال، ليس من المؤكد أن ينعكس ذلك إيجابياً على سوريا. فليس هناك ما يمكن للغرب أن يقدمه مجاناً لروسيا أفضل من الاعتراف بنفوذه وأسبقية مصالحه في سوريا المنكوبة.

سوريا اليوم هي كرة النار التي لا يريد أحد أن يمسك بها أو ينتزعها، وإنما أن يحمي نفسه من مخاطر تطوراتها ويستخدمها مسرحاً لحروبه ومواجهاته الخارجية. وما لم ينجح السوريون في الوقوف على أقدامهم وإعادة توحيد صفوفهم وبناء قوتهم الذاتية، أي ما لم يصبحوا فاعلين في واقعهم وعلى أرضهم سوف تبقى سوريا كما هي اليوم مزرعة لميليشيات ممولة وموجهة من الخارج، وفي مقدمها ميليشيا نظام الأسد، وساحة لحروب الوكالة الإقليمية والدولية. 

وهذا ما ينبغي أن يكون هدف أي نشاط سياسي سوري في الأشهر وربما السنوات المقبلة. من دون ذلك لن تنجح أي مفاوضات سورية ليست في واقع الحال اليوم سوى مفاوضات إقليمية ودولية تجري في ثياب وعبر دمى القش السورية.

ما مستقبل العملية السياسية بعد أن عطلت روسيا مسار اللجنة الدستورية وبعد أن صار اللقاء الرباعي (تركيا وروسيا والنظام مع ايران) بما يشبه بديلاً لكل المسارات الأخرى؟

كما ذكرت سابقاً ليس هناك بعد أي أفق لمفاوضات جدية حول سوريا. بالعكس الأجواء حاملة أكثر بالمواجهات المحتملة بين العديد من الأطراف وعلى محاور مختلفة. وهي تبدو لجميع المتنازعين على أنقاض الدولة السورية فريسة مستسلمة من دون صاحب ولا مقدرة على المقاومة ورد الفعل. ولا توجد قوة في العالم تضيع وقتها في إنقاذ فريسة خائرة ينهش فيها حكامها وأحياناً معارضاتها قبل أعدائها ويتسابقون إلى فتات ما يلقيه لهم هؤلاء وأولئك. فالسياسة هي السياسة والحرب هي الحرب، وليس في السياسة، وأقل من ذلك في الحرب، مكان للعاطفة وعمل الخير والمعروف أو كما نقول بالعامية السورية “يا أمي ارحميني”. لم يبق أمام السوريين من خيار سوى أن يعضوا على الجرح والتقدم إلى الأمام بكل ما تبقى لديهم من قوة والتضامن فيما بينهم للحفاظ على البقاء الذي ينازعهم عليه أكثر من طرف إقليمي ودولي.

تلفزيون سوريا

Show More

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button