“يحق لجسد المرأة أن يوجد كما هو”… السورية بيان ليلى عن لقبها كأفضل ممثلة صاعدة في ألمانيا
سليمان عبدالله
جاء فوز الممثلة السورية بيان ليلى بجائزة “نيو فيسس أوورد” لمجلة المجتمع الألمانية بونته، كأفضل ممثلة صاعدة في شهر أيار/ مايو الماضي بمثابة إقرار بأننا أمام موهبة صاعدة سنراها كثيراً على الشاشتين الكبيرة والصغيرة في الفترة القادمة.
الجائزة التي بدأت المجلة بتوزيعها سنوياً نهاية الألفية الماضية تهدف إلى لفت الأنظار إلى أبرز المواهب في مجال الفن والموضة والموسيقى والتشبيك بينهم وبين أصحاب الخبرة في القطاع، وحصل عليها ممثلون/ات باتوا نجوماً الآن مثل “دانييل برول” الذي شارك في بعض من أبرز الأعمال الألمانية كان آخرها فيلم “كل شيء هادئ على الجبهة الغربية”، و”سيبيل كيكلي” في فيلم “وجهاً لوجه” لفاتيح آكين ومسلسل “غيم أوف ثرونس”/ صراع العروش.
وأعلن فوز بيان عن دورها في فيلم “إلاها” الذي جاء عرضه العالمي الأول في النسخة الماضية من مهرجان برليناله، ورُشحت عنه لجائزة “هاينر كاروف” التي تهدى لأكثر المرشحين/ات تأثيراً في قسم “آفاق”. وفازت مخرجة الفيلم “ميلينا أبويان” عنه أيضاً بجائزة أفضل فيلم أول.
وتجسد بيان في الفيلم دور شابة مقبلة على الزواج عليها أن تثبت لعائلة زوجها المستقبلي أنها “عذراء”، مما يفتح الباب أمام نقاش مع عائلتها وصديقاتها عن الحرية الجنسية، وما الذي تعنيه قطعة جلد قد يُقدر للمرأة أن تُخلق دونها بالنسبة لكيانها ومكانتها عند أسرتها. كذلك يسلط الضوء على صراع شابة تحب ثقافتها وعائلتها لكنها تنتمي لمحيطها الجديد في ألمانيا وتريد أن تعيش حياتها كما ترغب.
إنضمّ/ي
لجنة تحكيم “نيو فيسس أوورد” وصفت أداء بيان بأنه “عطاء تمثيلي رائع وخالص وصادق”.
التقى رصيف 22 بيان في برلين التي انتقلت مؤخراً للعيش فيها، وأجرى معها حواراً عن “إلاها”، والصعوبات التي واجهتها لدخول مجال التمثيل في ألمانيا، وانتقالها من العمل في المسرح للوقوف أمام الكاميرا.
ما الذي يعنيه لك حصولك على جائزة “بونته” كأفضل ممثلة صاعدة في ألمانيا؟
ذهبت لحفل توزيع الجوائز دون أي توقعات بأنني سأحصل عليها، فمنذ وصولي إلى ألمانيا ومع كل خطوة كنت أخطوها، كنت أسأل نفسي إن كنت في ذلك المكان لأنني أستحق ذلك، أم أن الأمر مرتبط بتوجه نحو التنوع، وينبغي أن نكون منفتحين على العالم. كان ذلك الخوف حاضراً. أن أكون موجودة لأجل ذلك الغرض وألا أحصل عليها. لكن عندما نلتها ونالت مخرجة فيلم” إلاها” ميلينا أبويان جائزة أيضاً عن الفيلم، تيقنت بأن الأمر غير مرتبط بالتنوع.
إلى جانب ذلك، لو قال لي أحد قبل 8 أعوام ونصف، عندما وصلت إلى ألمانيا دون أن أتحدث كلمة ألمانية واحدة، بأنني سأحصل على جائزة أفضل ممثلة صاعدة في ألمانيا لكنت ضحكت. لذا تعني لي الجائزة الكثير. وتعني لي أكثر لكونها مرتبطة بفيلم يحكي قصة اعتبرها مهمة للغاية. وكانت لحظة تسلمها عاطفية للغاية بالنسبة لي.
كنت ما زلت تدرسين التمثيل عندما قمت بتجارب الأداء لدورك في فيلم “إلاها”، هل لك أن تحدثينا عن تجاربك المسرحية، ثم كيف جاءت خطوة الانتقال للوقوف أمام الكاميرا؟
عشت وكبرت في مدينة “السلمية” في سوريا. لم أحضر عروضاً مسرحية هناك البتة. لذا ارتبطت كل تجربتي بمشاهدة التمثيل أمام الكاميرا بالأفلام والمسلسلات. عندما وصلت إلى ألمانيا بدأت العمل في المسرح… كمسرحية “إيفيغينا” في برلين مع عمر أبو سعدة ومحمد العطار، وأيام في الشمس مع مضر الحجي، ومسرحيات باللغة الألمانية غير مرتبطة بسوريا في مسرح “كارلسروه” ودرست في الجامعة، ففكرت بأنني أريد العودة للتمثيل أمام الكاميرا، لكونه أمراً مألوفاً لدي وأحبه.
قبل فيلم “إلاها”، شاركت في أول فيلم طويل لي بعنوان “جينراسيون توختر”، وهو فيلم مستقل دون ميزانية لتجمع نسوي يعمل على توسيع مشاركة النساء في قطاع الأفلام.
عندما علمت بوجود إعلان في الجامعة يطلبون فيه ممثلة أصغر مني عمراً، مع تفضيل أن تتحدث بالكردية، وأن تتحدث الألمانية بدون لكنة لدور في فيلم “إلاها”. ولكون الألمانية ليست لغتي الأم، لم أكن أعرف بأنهم سيأخذونني بعين الاعتبار. بعد عدة اختبارات أداء استغرقت عاماً بأكمله، حصلت على الدور من بين 100 شخص شاركوا في الاختبارات. كان لدي معلمة لغة كردية، وقمت بفترة تدريب في مغسلة ثياب استعداداً للدور. وخضعت مع شريكي في العمل لدروس رقص كردي لكون إحدى المشاهد تتضمن ذلك.
ما الذي يجمع بينك وبين شخصية “إلاها” وما الذي تختلفين فيه معها وفي تعاملها مع الأعراف المقيدة لحريتها؟
عندما قرأت سيناريو الفيلم، انتابني شعور بالسعادة والخوف في الوقت نفسه. عندما يُكتب عن موضوع كالعذرية في هذه المجتمعات، قد يُكتب بطريقة خاطئة للغاية. وقد لا أحب أن أكون جزءاً من هذا المشروع. عندما قرأته بكيت وغضبت وضحكت. كانت هناك جمل قيلت لشخصية “إلاها” سمعتها شخصياً في سوريا، لذا لمستني هذه الشخصية. في الوقت نفسه، قلت للمخرجة حينذاك أنني لا أستطيع كراهية أي أحد في هذا السيناريو، لأنني أعرف كل هذه الشخصيات بتعقيداتها. هذا لا يشبه العديد من الأفلام المنتجة في ألمانيا، التي تصورهم إما كوحوش أو كضحايا وملائكة. ويمكن أن نجد ذلك في شخصية خطيب “إلاها” في الفيلم، الذي يحاول التغيير ويظهر كرجل هو أيضاً ضحية لهذا المجتمع الذكوري. هذا أمر أعرفه من خلال عائلتي. لذا كان الموضوع مهماً للغاية بالنسبة لي، والسيناريو قد كُتب بطريقة صحيحة، من قبل مخرجة تعي ما تصنعه، كامرأة كردية.
كيف تعاملت مع لعب دور شخصية كردية وأنتِ لا تتحدثين اللغة؟
كنت أشعر بالمسؤولية حيال تمثيل دور شخصية كردية. وكان السؤال حاضراً، حول ما إذا كانت الجالية الكردية ستكون راضية عن تمثيلي دور شخصية كردية. وكنت قلقة حيال ردات الفعل عند عرض الفيلم، وأسأل أي كردي/ة شاهد الفيلم عن رأيهم. عندما كنت أدرس اللغة الكردية لأجل الفيلم، كان ينتابني شعوران متناقضان، سعيدة كشخص غير كردي بالتعلم وأشعر بالحزن لوجود أشخاص يُمنع عليهم التحدث بها في بلدان معينة، ولدي الآن الامتياز بالتحدث بها. لذا كان مهماً للغاية بالنسبة لي أن أمثل المشاهد الذي اتحدث بها بالكردية بشكل صحيح، واتعامل مع الثقافة باحترام، لا أن أقول العبارات كيفما اتفق. كذلك أعطتني مخرجة العمل كتباً وأفلاماً يُفترض أن شخصيتي قد شاهدتها أو قرأتها، مدتني بمشاعر معينة كانت حاضرة خلال التصوير.
فازت المخرجة ميلينا أبويان بجائزة بونته أيضاً عن فيلم “إيلاها” الذي يعد فيلمها الطويل الأول، وستعملين معها حسب ما صرحت في فيلم قادم أيضاً تلعبين فيها دور شخصية كردية. حدثينا عن العلاقة المهنية التي تجمعكما؟
أعتقد أن ما جمعنا هو وحدة موقفينا حيال الفن الذي نصنعه والمواضيع الخاصة بنا التي نريد أن نتحدث عنها بأنفسنا لا أن ندع الآخرين يتحدثون عنها بسرديتهم. ومنذ أن بدأنا باختبارات الأداء نشأت ثقة بيننا. وهو أمر لا يرتبط بحصولي على الدور.
تحدثنا عن المشاهد الحميمية الموجودة في الفيلم، ومنحتها الثقة المتعلقة بالعمل في غرفة المونتاج. وعندما شاهدت الفيلم في النهاية، كنت سعيدة بخياراتها الفنية. سعيدة كمشاهدة، رأت أن صانعة الفيلم نجحت في أن تجعلها ترى جسد المرأة كما هو، لا يمثل بالضرورة شيئاً مثيراً جنسياً. يحق لهذا الجسد أن يتواجد كما هو. وكان يهمنا للغاية ألا يظهر الجسد بطريقة مثالية … هوليوودية.
كانت حواراتي بالكردية في الفيلم قليلة نسبياً، فيما ستكون نصف الحوارات في الفيلم القادم الذي سيجمعني مع المخرجة، بالكردية، لنرى ما الذي ستكون عليه الأمور. سنبدأ التصوير في شهر أغسطس القادم. لكنني أتدرب على اللغة منذ الآن، بمساعدة معلمة كردية. وسيتوجب علي التدرب على المصارعة، حسب ما تقتضيه الشخصية، المختلفة تماماً عن دوري في فيلم “إلاها”. وسأشاركها العمل في فيلم ثالث العام القادم، بشخصية مختلفة، ليست كردية.
بدأتِ بدراسة العمارة في سوريا قبل الانتقال إلى ألمانيا والبدء بدراسة العلوم السياسية التي توقفتِ عنها لاحقاً وانتقلتِ لدراسة اللغة الألمانية وانتهى بك الأمر بدراسة التمثيل. ما الذي جعلك تعتقدين بأنك اخترت المجال المناسب في نهاية المطاف؟
كنت أكتب كثيراً في سوريا، حيث لم يكن هناك مجال للتمثيل. لكن كان لدي دوماً حاجة لأعبر عن نفسي بشكل أو بآخر، وكنت أحلم بأن أصبح ممثلة. كانت الكتابة طريقة إثبات للأهل ربما بأن من تستطيع الكتابة تستطيع أن تمثل. ومنذ وصولي لألمانيا، بدأت بالمشاركة في مسرحيات صغيرة في مدينة لايبزغ. كانت الآراء التي سمعتها حينها غير مشجعة. قيل لي أن الألمانية ليست لغتي الأم، ولست من ألمانيا لأتمكن من عقد علاقات. الحصول على فرصة في مدارس التمثيل في ألمانيا ليس سهلاً. المدارس تختار مجموعة من 10 أو 15 شخصاً من مئات المتقدمين. تقدمت ل 3سنوات في مدن عدة كبرلين وهانوفر. عندما تم قبولي في ميونيخ، وجدتها مناسبة لي وبدأت بالدراسة. بعد دراستي ل 3 سنوات، حصلت على عرض توظيف في مسرح كارلسروه مدة سنتين، فقطعت دراستي وانتقلت، لكنني أتممت دراستي بعدها. أشعر بأنه المجال المناسب لي. أتصور بأنني كنت سأجرب سنوات وسنوات حتى ينتهي بي الأمر في هذا المجال، لأن أفضل ما أجيده التمثيل.
ما هي أعمالك القادمة، وكيف تنظرين إلى المستقبل؟
انتهيت من تصوير مسلسل مختلف تماماً، وهو من نمط رعب كوميدي لصالح”أمازون برايم” في فيينا، من المفترض أن يعرض في الخريف القادم، ألعب فيه دور البطولة … دور شبح. وسأصور مسلسلاً آخراً هذا الصيف للتلفزيون الألماني. وأشارك أيضاً في الفيلم الذي تحدثت عنه مع المخرجة ميلينا وفي مسلسل بدور صغير نسبياً، ألعب فيه أيضاً دور شخصية كردية. وفي العام القادم سأصور فيلماً آخر مع المخرجة ميلينا، سيكون مقتبساً من رواية.
أنا منفتحة على المشاركة في أعمال مختلفة، وأتجنب وضعي في نمط معين فحسب، لذا أنا سعيدة بالمشاركة في أعمال مختلفة في الفترة القادمة، وفي أفلام سينمائية ومسلسلات. وأود العمل في السنتين القادمتين ضمن أعمال عربية أيضاً، خاصة إن كانت لأشخاص تعجبني أعمالهم.
عند النظر إلى حال العمل في هذا القطاع في قبل 10 سنوات، سنجد أن الأدوار المتاحة لنا كأشخاص قادمين من خلفيات مهاجرة محدودة، لكن الوضع يتحسن أكثر فأكثر وهو أمر جيد. ومع ذلك ينبغي للمرء أن يعي ماهية المشاريع التي يشارك فيها وما هي القصص التي يريد أن يحكيها.
بعيداً عن شرط توافر الموهبة بالتأكيد. ما هي العوائق التي تقف أمام الدخول في هذا المجال في ألمانيا وفقاً للتجربة التي مررت بها، وما الذي تنصحين به للراغبين/ات في دخوله؟
اللغة ربما. لغتي تحسنت كثيراً خلال الدراسة. حيث كان لدينا دروس نطق. وكنت أخضع لدروس لدى بروفيسور متخصص بعلم اللغات، لأجل تخفيف اللكنة. رغم كون موضوع اللكنة قابلاً للنقاش، فيما إذا كان من الضروري تخفيف اللكنة في الحديث، لكون الكثيرين ممن يعيشون في ألمانيا يتحدثون بألمانية مع لكنة. لكن وجود اللكنة بالمقابل يجعل الأدوار التي يمكن للممثل/ة الحصول عليها محدوداً. مثلاً شخصية “إلاها”، هي لامرأة وُلدت وتربت في ألمانيا. حديثها بلكنة كان سيكون غريباً.
لكن إن تحدثنا عن دراسة التمثيل، فسقف اللغة مرتفع، لكون المدارس العامة تجهز الطلاب والطالبات للعمل في المسارح الحكومية. ومن المنتظر في هذه المسارح أن يتحدث الممثل/ة الألمانية بمستوى يجعله/ا قادرة على المشاركة في أعمال فاوست وشكسبير.
بالطبع أنا لا يسعني توجيه نصيحة للجميع. ما بوسعي قوله أن التركيز على اللغة كان مفيداً بالنسبة لي.
رصيف 22