ألف باء تذوّق النبيذ وشربه للمبتدئين
عالم النبيذ عالم ساحر، لا سيما لعشاقه وعاشقاته، لكنه رغم هذا السحر قد يبدو غامضاً لمن لا يعرفه، فقد نشرب كأساً ونعشق طعمها الحلو، ثم نشرب كأساً من زجاجة ثانية ونرفض طعمها اللاذع أو “المز” كما يسمى في بلاد الشام.
لكل زجاجة قصة، ولكل قصة كرمة وسنة صنع وصانع نبيذ زرع وعصر وخمّر وانتظر ليتذوق ما صنعت يداه، لا يوجد زجاجة تشبه أخرى باختصار.
أول ما يجب أن نعرفه عن أنفسنا هو ما نحبه من اللون والمذاق، وربما النوع الذي نفضله والكرمة التي أعجبتنا، هل يستميلنا النبيذ الحلو أم الحامض مثلاً؟ الجاف أم الثقيل أم الخفيف؟ الأبيض أم الأحمر؟ وما هي النكهات والروائح التي نحبها في نبيذنا؟
هذه المادة تعرفكم بأبجديات النبيذ، وكل ما يجب أن نعرفه عنه بداية من الكرمة وأنواع وسلالات العنب، مروراً بالطعام الذي يستحسن أن يترافق مع كل نوع منها، ووصولاً إلى أهم سنوات الصنع التي لا يزال العالم يرفع كأسها حتى اليوم.
أنواع العنب
قبل الخوض في عالم النبيذ لا بد من التحدث عن العنب قليلاً، إذا أردنا أن نصبح خبراء في شرب النبيذ. هناك 18 نوعاً من العنب يصنع منها النبيذ، ومنها ستة أنواع تسمى بالسلالات النبيلة، وهي:
1. كابرينت ساوفيجنون
2. ميرلو
3. بينوت نوير
4. شاردونيه
5. ساوفيجنون بلانك
6. ريسلينج
ومنها تصنع أنواع النبيذ الأربعة المصنفة بحسب ألوانها، وهي النبيذ الأحمر، النبيذ الأبيض، النبيذ الوردي “الروزيه”، والنبيذ الفوّار.
الجودة
يصنف خبراء النبيذ جودته بحسب نوع العنبة الأم، وفي بعض الحالات مزيج العنبات، ويدخل في التقييم عدد من المعايير كسنة التصنيع وكيف كان صيف وشتاء ذلك العام، ودرجة ظهور النكهات الأخرى كالفواكه والتوابل والأزهار، وفي بعض الأحيان القبو الذي تم تخميره فيه، وبالطبع الإقليم الذي زرعت فيه الكرمة.
حتى اليوم يتفق نقّاد النبيذ ومواقع التقييم على أن سنوات 1975 و1976 و1983 و1998 و1995 هي التي أنتجت أفضل نبيذ في العالم في آخر نصف قرن، وتعتبر الزجاجات التي حفظت من تلك السنوات ثروة صغيرة لأصحابها اليوم، تحديداً العام 1976، والعام 1998. لذا إن كنتم تفكرون بهدية ثمينة لأحد عشاق النبيذ فبإمكانكم التفكير بشراء زجاجة من تلك السنوات، لكن مع الحذر من عمليات الغش التي تترافق مع هذا النوع من البيع.
لضمان عدم الوقوع ضحية لإحداها ينصح موقع “Wine Spectator” أولاً باختيار البائع المضمون والحاصل على شهادات ورخص تؤكد أهليته. وثانياً مراجعة الملصق الموجود على الزجاجة، فكلما زادت كميات الخلاصات الخالية من السكر، الأحماض، الكحول وحمض الكبريتيك الحُر صارت الزجاجة أفضل كلما مرت عليها السنوات، لأن وجود المواد السابقة يضمن أن “يدور” النبيذ في زجاجته كما يقول مصنعوه.
كأس نبيذ عربي… أو قدح
أكثر الدول العربية المنتجة للنبيذ هي لبنان وسوريا والأردن وفلسطين ومصر والمغرب وتونس والجزائر. اخترنا منها الدول الأكثر إنتاجاً للنبيذ.
لبنان
أنتج لبنان قرابة 15 ألف طن من النبيذ في العام 2022 بحسب “Atlas Big”، نصفها خصص للتصدير إلى المملكة المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا.
من وادي البقاع تحديداً حصل مصنع “شاتو كفريا” عدداً من الجوائز الدولية، الأبيض منه هو مزيج فريد من ثلاثة أنواع من العنب وتظهر فيه بعض المكونات الاستوائية مثل المانغو والعسل والمشمش، في العام 2013 تحديداً حصل هذا النبيذ على عدة جوائز دولية، وقد تحسنت جودته مع السنوات اللاحقة.
أما في النبيذ الأحمر فقد حصل نبيذ “إكسير” على إشادات الكثير من نقاد النبيذ في العالم، وبشكل خاص مزيج العام 2011.
مصر
أنتجت مصر حوالي 5 آلاف طن من النبيذ في العام الماضي بحسب نفس الموقع، وحصل نبيذ “جياناكليس فينياردز” على الكثير من الجوائز والإشادات، الأبيض منه تحديداً حصد الميدالية البرونزية في مسابقة النبيذ الدولية في سان فرانسيسكو في العام 2017، ووصفه النقاد بأنه يأتي بمذاقات خفية من فواكه الخوخ والإجاص والتفاح.
المغرب
أنتج المغرب 37 ألف طن من النبيذ في العام الماضي، معظم الكروم هناك تزرع للحصول على النبيذ الأحمر الشهي وليس الأبيض، ينصح موقع “Scene Arabia” بتجربة نبيذ “برنار ماغريز دومين إكسيلسيو” والحاصل على عدة إشادات دولية، تحديداً في نسخته من العام 2016. يُزرع هذا النبيذ ويتم تخميره وتعبئته في منطقة غروان بواسطة صانعي النبيذ المقيمين في بوردو، ويعتبره النقاد مثالياً إذا تم تقديمه إلى جانب الطاجن المغربي بلحم الضأن.
الجزائر
أنتجت الجزائر حوالي 52 ألف طن من النبيذ العام الماضي على الرغم من أن معظم الكروم فيها تحولت إلى زراعة العنب بهدف الطعام وليس التخمير، ورغم أنه الرقم الأكبر لكنه يظل قليلاً مقارنة بالماضي حين كان النبيذ الجزائري يشكل ثلثي تجارة النبيذ الدولية قبل عام 1962.
لكأس نبيذ أبيض يُنصح بعلامة “غراند كروز بلان دي أبوكير” التي تأتي برائحة ممزوجة مع الحمضيات والأزهار، أما النبيذ الأحمر الجزائري فالأفضل هو الأرخص، تحديداً من نوع “شاتو تيلاغ ميديا” لعام 2008.
هذا النبيذ مع هذا الطعام
ينصح الشيف محمد الغانم الذي يعمل في أحد المطاعم تصنيف (5 نجوم) في العاصمة عمان أن نتبع دائماً قاعدة النبيذ الأحمر مع اللحوم الحمراء والأبيض مع اللحوم البيضاء.
يقول لرصيف22: “بالعموم يجب أن نلاحق الألوان وأن نصدق أن العين تشرب حين يوضع النبيذ على الطاولة، فالأحمر يليق مع اللحوم الحمراء، المشوية منها تحديداً ومع الطواجن أيضاً، ومع أي طبق يأتي بصلصة الطماطم”.
ويضيف: “وبطبيعة الحال فالمأكولات البحرية بأنواعها تقدم مع النبيذ الأبيض، وإذا أردنا أن نظهر لضيوفنا أو للعاملين في المطعم أننا نعرف ما الذي نطلبه يجب أن نلقي نظرة جيدة على قائمة المشروبات ونتأكد من وجود أكثر من زجاجة تكفي كل من في الطاولة لكأسين على الأقل، وأن تكون الزجاجة باردة وتقدم في وعاء من الثلج”.
ويلفت إلى أن الأبيض أيضاً يليق بالأكلات الخفيفة كالسلطات والسالمون المشوي، وكذلك الحال مع الوردي “الروزيه” الذي يراه مناسباً للمناسبات الاحتفالية وحفلات الكوكتيل التي تقدم خلالها السناكات الخفيفة والمأكولات التي تؤخذ باليد ولا تستدعي الجلوس والشوكة والسكين.
وعن نصيحته للمبتدئين في شرب النبيذ، يقول: “نصيحتي الوحيدة هي الالتزام بالنبيذ لدى البدء بشربه في السهرة أو الحفل، وعدم الخلط بينه وبين المشروبات الأخرى، أنا شخصياً أرفض تغيير حتى نوع النبيذ فما بالك بلونه أو بغيره من المشروبات”.
وأخيراً… التذوق ورفع الكأس
التذوق هو أهم جزء لنري الآخرين أننا على دراية بالنبيذ ونوعه، لا يعني هذا الأمر أن نعيد الزجاجة إذا لم تعجبنا فهذه خطوة لا يتجرأ عليها إلا نقاد النبيذ، إنما بناء على النصائح السابقة يجدر بنا أن نكون قد عرفنا ما الذي طلبناه وما الذي نشربه، قاعدة التذوق تتكون من أربع خطوات بسيطة تأتي بعد سؤال النادل عن الطعم وحموضته أو حلاوته وبلد الصنع.
– النظر: معاينة بصرية للنبيذ ولونه في إضاءة جيدة.
– الشم: شمة بسيطة من أعلى الكأس فور سكبه وخروج روائحه، وذلك للتعرف على الروائح التي دخلت في مزيج النبيذ من أزهار أو حمضيات أو خشب أو فواكه.
– التذوق: في هذه الخطوة نحاول العثور على الروائح التي خمّنا وجودها من خلال الشم، ونكتفي بارتشافة صغيرة، لسنا مضطرين للتصرف كنقاد والتحديق في السقف والإجابة على سؤال ما هو طعم النبيذ، يكفي إبقاء الرشفة في فمنا لبضع ثوان.
– الاستنتاج: أيضاً لسنا مضطرين لشرح ما استنتجناه من الخطوات السابقة، فقط تذكر المذاق ونوع الزجاجة وسنة صنعها.
لكن كل ما سبق قد يضيع هباءً إذا لم نتقن مسك كأس النبيذ بالمقام الأول، تالياً بعض أهم المحاذير والتفضيلات التي اخترناها لكم من مجمل النصائح التي تقدمها المواقع المختصة:
– إمساك كأس النبيذ من ساقه فقط.
– لدى قرع الكؤوس، يجب أن تكون دقة خفيفة على الجزء السفلي من القاع وليس الجزء العلوي لأنه أرق زجاج من الكأس ويمكن أن ينكسر بسهولة، العلامة المطلوبة هنا هي سماع صوت الجرس العميق.
– عدم الإكثار من رفع الأنخاب، تحديداً إذا كنت المضيف أو المضيفة.
– الشائعة التي تقول إن التواصل البصري ضروري هي مفهوم خاطئ بل تصفه بعض المواقع بالمحرج، والأفضل هو رسم ابتسامة بسيطة على وجوهنا لدى رفع النخب والتصرف بشكل طبيعي.
رصيف 22