“لعبة الانتظار”: نظام الأسد وهوَس البقاء في السلطة
بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، اكتشف كثيرٌ من السوريين أن الصمت والخشية من القول السياسي لم يكونا مُطْبقين على مجتمع بلادهم فحسب، بل وحتى على القسم الأكبر من الفاعلين خارج البلد، إنْ كان على مستوى ما يُعرَف بـ”المجتمع الدولي”، الذي ظلّ يُحابي النظام لعقود رغم جرائمه وقمعه، أو على مستوى النخب الثقافية حول العالَم.
وتنتمي إلى هذا الصمت المكتبة شبه الفارغة من الأعمال البحثية والتحليلية التي نُشرت قبل الثورة بالعربية وبلغات أُخرى، والتي عملت على وصف بنية النظام وطريقة حكمه وقمعه لشعبه، وهي مكتبة تضمّ أعمالاً تكاد تُعَدّ على أصابع اليدين، من أبرزها اشتغالات ليزا وادين (ولا سيّما “السيطرة الغامضة”، الذي صدر بالإنكليزية عام 1999)، و”سورية: الدولة المتوحّشة” للباحث الفرنسي ميشيل سورا، الذي لم يصدر إلّا عام 2012، بعد أكثر من 30 عاماً على اغتيال مؤلّفه في لبنان.
عن “مؤسّسة ميسلون” السورية، صدرت حديثاً، بترجمة حازم نهار، النسخة العربية من كتاب “لعبة الانتظار: السياسة الخارجية السورية في ظلّ نظام الأسد (1970 ــ 2013)”، للباحثة بينت شيلر، والذي كان قد صدر بالإنكليزية عام 2013.
تشرح المؤلّفة أن كتابها قد يبدو، للوهلة الأولى، مفارقاً زمانياً للمجريات التي كانت (وما زالت) تعرفها سورية عند صدوره، من قصف وقتل وتدمير لا يترك مجالاً للبحث بهدوء في مسائل الدبلوماسية والسياسية؛ لكنّها تقول إنّ فهم عقلية النظام في علاقاته الخارجية تشرح، في أحد الجوانب على الأقل، بعضاً من أسباب اندلاع الثورة، وتعامُل النظام الدموي معها، وتحويله إياها إلى مسألة إقليمية، كما تشرح مواقف العديد من الدول الكُبرى منها.
لعبة الانتظار
في ثمانية فصول، تدرس شيلر النحو الذي بنت عائلة الأسد علاقاتها من خلاله مع العديد من الفاعلين في ما يخصّ العديد من القضايا، بدءاً من الولايات المتّحدة التي تقسّم طبيعة العلاقات معها إلى خمسة مراحل، لكن يمكن تلخيصها جميعاً بسعي النظام إلى تجنُّب المواقف الحادّة، بحيث لا يصبح عدوّاً مباشراً لواشنطن، كما فعل صدّام حسين، ولا صديقاً لها.
كما تستعرض سياسات الأسد الأب ثمّ الابن إزاء القضية الفلسطينية، والمفاوضات مع “إسرائيل”، وكذلك إزاء تركيا وروسيا، مروراً بشراكة النظام مع إيران، ووضعه يده على لبنان وسياسته.
وتستخلص المؤلّفة من كلّ هذه التحليلات أنّ النظام لم يكن يعمل وفقاً لأيديولوجيا سياسية خاصّة به، بل من أجل بقائه، مفضّلاً عدم التدخُّل مباشرةً في القضايا الإقليمية والدولية وانتظار أن يجد فاعلوها حلّاً لها، بما فيه مصلحة لسورية وخدمة لاستقرار حُكم النظام فيه وتجنُّبه هو نفسه لمثل هذه الأزمات.
العربي الجديد