جاك هيرشمان .. شاعر أمريكا المتمرد/ فرانسيس كومب*
ترجمة خالد الريسوني
مات صديقنا الشاعر الأمريكي العظيم جاك هيرشمان، 22 أغسطس من العام 2021م. لحظات فقط قبل “دردشة” كنا سنشارك فيها. (اجتماع لجنة التنسيق للحركة الشعرية العالمية لاتخاذ قرارات حول مستقبل الحركة).
كانت رفيقته، الشاعرة السويدية الأمريكية أغنيتا فالك، هي التي نقلت لنا الخبر. واضح أن كل من عرف جاك وأحبه كان في حالة صدمة. نبعث لأغنيتا أفكارنا الأكثر تضامنًا وحبًا.
لن نرى بعد الآن الهيئة الظلية المديدة لجاك، ولا هيكله الضخم والودود وهو يتسكع في أزقة حي “ليتل إيتالي” في سان فرانسيسكو، في “مثلث برمودا للشعر الأمريكي”، بين مقهى ترييست، وحانة سبيكس، ومكتبة سيتي لايتس لصديقه فيرلينغيتي. لن نرى بعد الآن الصورة الظلية العالية لهذا المرتحل في الشعر الذي يطارد شوارع باريس ونابولي وشينغدو، بعين مؤذية، لن نسمع قط ضحكته المدوية، ولا هذه اللغة الأمريكية التي تخصه وحده بكلماتها الملونة من الإيديشية والروسية، وكلماته المنحوتة الجديدة التي يخترعها.
كان جاك شاعرًا ملحميا أمريكيًا، وفقَ التقاليد العظيمة للشعر الديمقراطي لويتمان وغينسبيرغ. كان يتمتع بالمكانة والبناء الشعري والنفَس. حملت أبياته الشعرية رياح الغضب والألم ومآسي تاريخنا. كان يتفاعل مثل طبلٍ يهتزُّ مع كل حدث في العالم. هو الذي كان شديد الانتباه لإيقاع الكلمة وللإبداع اللفظي، لم يكن يتصور الشعر كتمرين شكلي بسيط. كان فقط يعُدُّ بعينيه ما أسماه الشعر الثوري.
فقد كان شاعرًا ثوريًا حقيقيًا، وذلك قبل كل شيء كان يشعر بكل المظالم. لقد كان بشكلٍ عفويٍّ مع المستغَلين، المُهانين والمغتربين والمُهمَّشين، لكنه إن كان شاعرًا ثوريًا، فذلك أيضًا لأن كل شعره يدعونا للنهوض واستعادة كرامتنا.
ولد جاك بنيويورك (13 ديسمبر 1933)، بدأ الكتابة في وقت مبكر جدًا. حين كان شابًا، أرسل مقالاته الأولى إلى إرنست همنغواي، الذي أجابه بأنه ليس لديه ما يعلمه لأنه كان يكتب مثله في ذلك العمر… بعد خطواته الأولى في عالم الصحافة، بدأ يدرِّس في الجامعة. لكن مسيرته الجامعية سرعان ما توقفت. في السبعينيات، طُرد من جامعة كاليفورنيا، لكونه يُشجِّع الطلاب على معارضة حرب فيتنام.
وبدأت حياته الطويلة، المشاكسة والمحفوفة بالمخاطر، كشاعر في الهواء الطلق، يعيش من يوم لآخر، يكتب الكثير ويوزع أشعاره على شكل منشورات في الشوارع، يقيم في غرف فنادق صغيرة مثل ذاك الذي كنا قد زرناه فيه في ذلك الحي بسان فرانسيسكو التي صارت وطنه الصغير.
احتك جاك بشعراء جيل البيتنيك، لكنه لم يكن منهم حقا. لقد شاركهم تمردهم ورفضهم للحرب، لكنه لم ينجذب أبدًا لا للمخدرات ولا للتجارب الصوفية البوذية. وكان بلا شك أحد أكثر شعراء أمريكا من حيث الوعي السياسيّ.
كان جاك هيرشمان شيوعيًا. وهذا ليس شائعًا، في الولايات المتحدة كما في أي مكان آخر… بل ادعى – للاستفزاز قليلًا ولكن أيضًا لرفض الرسوم الكاريكاتورية التاريخية – أنه الشاعر “الستاليني” الوحيد في الولايات المتحدة. في الواقع، كان ناشطًا في أحد أحزاب اليسار الراديكالي الأمريكي، الرابطة الثورية لأجل أمريكا جديدة، التي كانت تنوي إعطاء صوت لـ “الطبقة الجديدة” التي استبعدتها الرأسمالية الحديثة. وبهذه الصفة، كان مراسلًا منتظمًا لصحيفة بيبول تريبيون.
كان جاك مدافعًا قويًا عن قناعاته، لكن هذا لم يمنعه من أن يكون دائمًا ذا فضولٍ ومنفتحًا.
تأثر بقوة بتاريخ عائلته والملاحقات التي تعرض له اليهود من قبل النازية، لذلك كان يكره العنصرية والحقد والعنف والفاشية بجميع أشكالها. إن الموت الذي لم يُبدِ نحوه أي تهاون حاضر جدًا في عمله، فضلًا عن التساؤل الإنساني الأكثر كونية حول معنى الوجود، في مظاهره المختلفة. هكذا كان هذا الشاعر الماركسي الشغوفُ بالقبَّالة ومترجمُ أرتو للأمريكية، مهتمًا بمالارمي بقدر اهتمامه بماكوفسكي، الذي ترجمه مثلما الشعراء الهايتيين والإيطاليين والألبانيين… فقد قام طوال حياته بنشاط ترجمة لا يُصدق (ليس كمترجم محترف ولكن كشاعر) ومن عدد لا يحصى من اللغات.
تضم أعماله الشعرية أكثر من خمسين عنوانا. تشتمل على العديد من القصائد القصيرة جدا، والتي غالبًا ما تكون عن “أشياء رآها”. وقد تحدثنا عن هذه القصائد، (مثل تلك التي جُمعَتْ في ديوان “علمت أن لي أخًا” التي نشرتها في سلسلة “زمن الكرز” “Le Temps des Cerises” من “شعر الشارع”، “Street poetry”، شعر ينزل للأزقة. قصائد العديد منها يحكي بالفعل لقاءات، ويرسم صورًا إنسانية، شعور التعاطف يمنحها قوة شعرية خارقة. أوضح جاك هيرشمان أنه لمَّا كان شابًا، استمع إلى إحدى صديقاته تقرأ له قصائد إيلوار، فأحسَّ أن الشعر يمكن أن يعبر بدقة عن الأمل الإنساني، والذي غالبًا ما يكون مهددًا في المجتمع الرأسمالي الحالي. وهذا الأمل اتخذ شكل إلهام بالنسبة له كما بالنسبة لكثيرين آخرين، كان يأمل في تحقيق حلم الاشتراكية، في مجتمع أكثر تضامنًا وأخوّة. ونحن نرى العديد من الشباب في الولايات المتحدة يعيدون اكتشاف هذا المثل الأعلى.
شاعر احتجاج وقتال، وشاعر البصيرة، وكان جاك أيضا شاعرًا غضًّا. لقد احتفظ بهذه البراءة، والدنو من الطفولة، والصراحة التي غالبًا ما تكون سمة الشعراء العظماء. وهنا يكمن أحيانا بعض عناده وحماسه.
في قصيدة أساسية، “طريق”، يعبر عن شعرية يمكن للكثيرين منا أن يحاولوا تملُّكَها:
سِرْ باتجاه قلبك المحطم.
وإذا كنت تعتقد أنه ليس لديك، فلتمضِ بحثا عن واحد.
لكي تعثر عليه، كن صادقًا.
و(لمَّا تجده)، اذهبْ، غَنِّ…
ببساطة، اكتب قصيدتك
إلى جانب هذه القصائد المشبعة بالحنو وبمعنى التأمل، وبالسخرية وروح الجدال، هناك أيضًا سلسلة قصائد كبرى ملحمية فلسفية، “الخفايا” التي تتناول موت باسوليني مثلما الفيتنام، واختفاء ابنه دافيد. والانتفاضة أو حبه لأجي… هذا العمل الكبير لم يكن من الممكن أن يصدر في الولايات المتحدة وقد نُشِرَ في مجلدين ضخمين بإيطاليا في منشورات مالتيميديا لسيرجيو ياغولي ورفائيلا مارزانو، وفي بيت الشعر في ساليرنو. وقمنا في فرنسا بنشر مختارات مهمة منها.
كان لجاك أيضًا دور دائم في التنظيم والتحريض الشعري. فقد كان المحرض على تعبئة الشعراء الأمريكيين للتضامن مع نيكاراغوا، وكان دائمًا يقف إلى جانب الشعوب المناضلة في أمريكا اللاتينية.
في عام 2006، حصل على لقب شاعر سان فرانسيسكو، وترأس مهرجانها الشعري الذي كان من أجمل التظاهرات الشعرية في أمريكا الشمالية خلال تلك السنوات بجوهرها العالمي، بمقدم العديد من الشعراء من جميع أرجاء العالم.
في السنوات الأخيرة، أسسَ جاك هيرشمان “كتائب الشعراء الثوريين”، في سان فرانسيسكو ولوس أنجلوس، مما أدى إلى نشر العديد من الأنطولوجيات العالمية، مثل الصادرة مؤخرًا. “التخلص من الرأسمالية”.
وقبل عشر سنوات، كان جاك أيضًا أحد مؤسسي الحركة الشعرية العالمية WPM خلال انعقاد مهرجان مديين. وعلى مدى عامين عمل في لجنة التنسيق العام للحركة.
في فرنسا، نُشرت خمس مجموعات شعرية من أعماله، شاركت في نشرها دار “زمن الكرز” (Temps des Cerises) وبيت الشعر في رون- الألب، في ترجمات أنجزها صديقه جيل برنار فاشون.
سنفتقد جاك بشدة… لكن الشحرور الهازئ سيستمر في إسماع صوته.
———————–
السعادة
ثمَّة سعادة وفرح
في الروح التي تَمَّ
دفنها حية في الجميع
ونسيانُها.
هي ليست مزحة حانٍ
أو هزلًا حنونًا وحميمًا
أو عاطفة ودية
أو مقامرة كبيرة ولامعة.
هم الناجون من ضمن الناجين
عَمَّا حدث لما تم دفن
السعادة حية، حينما لم
تعد كامنة بعد ترصد
من عيون الحاضر ولم تعد حتى
لا تتبدى لمَّا شخص ما
منا يموت، نحن فقط نبتعد
عن الجميع، وحيدين
مع ما يتبقى منا،
نستمر في أن نكون بشرًا
دون أن نكون بشرًا
بدون تلك السعادة.
———————-
نيويورك.. نيويورك
شاسعة
لكنها قبيحة
أنا أكرهها
أنا أحبها
أنا حر
أوه
تحدثي إلي
ألا تستطيعين سماعي؟
لا أستطيع أن أتركها
كنت سأفعل أي شيء من أجلها
هي جد كبيرة
هي جد وسخة
هي جد عذبة
أحبها
سأستمرُّ
لن أرحل أبدًا
توجد بداخلي
هي جدُّ قاسية
أنا أكرهها
أنا أحبها
هي لي
هي ملكي
هي لي
مرة ثم أخرى
أقول إنني أكره الحرب
أحبها
هي مُقرفة
هي رائعة
أحبها
لن أرحل
أعد بذلك
هي فاتنة
تحدثي إلي
ألا تستطيعين سماعي
أحبُّ؟
أواه، يا لها من شديدة التوحش
هي خراء جد مقرف
أخبرني
قل لي
ما الذي يجب عليَّ أن أفعله
أيَّ شيءٍ
هي ساحرة
لن أتخلى أبدًا
عن حُبها
أبدًا، أبدًا
أبدًا، أبدًا
أبدًا.
———————–
اثنين
في البداية كنت سكران بالكلمات، لم تكن الصفحة شاسعة
بما يكفي لاحتواء فيضي، ركضت وركضت مراهنات
وأقداح عرق تطايرت من فمي بأشعار مدوية الإيقاعات.
مع مرور الوقت رأيتها. توقفت
الأشعارُ. تنظر ما هو لي، ثم تنظر إلى ما لها. ولا أحد مات بسبب ذلك.
يقولون: إن الأيرلندي كان يغني بشكل أفضل
في السابعة والسبعين.
ليس من السهل
أن تكتب كلمة حب
وأن تشعر بها
صراحة.
أغنية
ارفعه!
ارفع جسده
المغطى بالازدراء وبالبصق
أثناء كل هذه الأزمنة.
أنت لم ترفع
أبدا
امرأة سقطت في الشارع
رجلٌ مستلقٍ على الرصيف،
طفلٌ هاجمه اللصوص
ذراعاه على الأرض
كي يحمي رأسه
من ركلات الأقدام؟
الشيء نفسه بالنسبة لهذه الأغنية.
ارفعها! واجعلها تستوي.
ضع بثورها وجراحها
قليلا في الهواء.
هي لم تمت.
لن تموت أبدًا.
مضروبة ومقيدة بالسلاسل ومفترى عليها،
– انظر، هي تحاول أن تجد
صوتك.
ارفعها.
ضعها مباشرة على أرضها.
نشيد الأممية
سيكون هو الجنس البشري.
——————————–
حروب عصابات
ينام في كهوف الجبل
الرجال العنيدون.
بدون سكون الماء
بدون دفء المرأة أو الطفل
بدل دعامة السرير، حربة بندقية،
وبدل الوسادة الحديد.
—————————–
نشيد
أنا في البيت
أنتَ في البيت
بالداخل
الأطفال
ناموا
في غرفتهم
بالداخل وأنا
أشتغل
على قصيدة
تحت ضوء المصباح.
فلاديمير ماياكوفسكي
أنت، يا إله البرق العاصف
في لواء الدم والورود،
يا من يعجن خبز القصيد،
أيها الرفيق الخالد للمديح
وللحرية،
أنت الذي أحمل حياته المنتحرة
مثل مَصْهَرٍ،
أنت الذي كان أول من يذرعُ
زُقاقَ هذا القرن،
أواه! قد كنت حقا أول
من غنَّى عبر هذه المدن الصفيح من وساخات
وهذه الجزيئات المقيدة بالسلاسل
إلى ألف أمس،
من مسح مَرَقَ التاريخ
عن الأفواه التي غدت سمينة من الأكاذيب،
خادم الثورة،
أنت الذي، من بين كل الرجال، أجبرتَ
الشفاه الشاحبة للحياد،
وللامبالاة،
وليس مثل الساقط من قَدَرٍ مأساويٍّ ونذلٍ،
ليس كشبيهٍ مُماثلٍ
ولكن كغريزة، كاندفاع
لكتلة وطاقة
وإعلان طواطمَ تفرضُ ذاتها
من قبل إنسانية تحررت من ملجئها،
أنت روسي أمريكي أكثر
من أن تكون إنجليزيا،
أنت فالقُ السَّابَات،
مُسَوِّي مقاساتِ الغباوة
ورجال الإكليروس ولسانهم المتشعب،
لقد أخرجت الرصاصة مرات عديدة
من دماغك
وأنا أستطيع أن أغذي
أكثر من مائة كفاحٍ مُسَلَّحٍ فقط مِنْ أحلامك.
————————–
غاردينيا
هذه المرأة التي تمشي وهي تحدث ذاتها وحيدة
وهي ترتدي الفراء.
وتلك التي، في المدخل، ورائحة
الكرتون والخرق الرثة، وهي تغمغم.
وهذا الرجل المخمور الذي يتلعثم على الرصيف،
الصيني الذي يحمل كيس بلاستيك وردي.
وهذا الآخر، الرصين، الذي يتحدث إلى عمود إنارة،
وهذه العاهرة الشابة أمام الفندق،
رائحة لحظات جماع ميتة،
تهمس جد وحيدة، وشفتها السفلى المنتفخة متهدلة،
مُشَتَّتة ومُنزعِجَةٌ ومُنشقَّة وغير متناغمة
دونما فرحٍ ودونما عملٍ في زمنٍ مُشَوَّهٍ
في الفضاءِ المَيِّتِ،
تلتهمُها دُودَةُ المال،
وجوهٌ قد تم افتراسها، وبيانات منعزلة،
سنتات من كلام منمق يستدعي الإشفاق،
– على مسمع الاشتراكية
هم بتلات من أعبق أزهار الغردينيا
وكل واحدة يُستمَع إليها عبر مقاطع أصواتها.
——————————
هذه الأرض نيرودا
جالسا عند قدم جذع شجرة في حديقة دولوريس
وسط تجمع لدعم الشعب الشيلي
وقعت عيناي على ثلاث أزهار لؤلؤيات صغيرة
على العشب، قلوبها الصغيرة من حبات لقاح
قد باغتها الذباب. وغير بعيدٍ، كانت الدبابير
تحلقُ فوق غابة من قشِّ العشب
ونُعَرات ظهرُها أخضرُ بَرَّاقٌ كانت تتغذى على بقايا من براز كلب.
كنت قد غادرت
خطاب العيون وحتى حشد
“منصة الشَّعْب”
بجانبي. ليس ثمة إلا حركة
في الطبيعة! حطت فراشة
على الصفحة، وهي تتجول على امتداد
العناوين الكبرى كما لو كانت تقرأها.
كان الذباب مستمرًّا في الالتهام بشراهة.
كانت النُّعَرات قد تلاشت سكرانة تمامًا
من البراز. وكانت الدبابير
تهاجم وتحط ثم
تقلعُ محلقة. كانت حرب عصابات،
الحربُ، وكان (1) Mir ، كان السلام. يا لها من
حركة، أي مساحة في سنتيمتر واحدٍ.
هذه أرض نيرودا.
كنت أرغب في أن تعلموا ذلك
أنا لن أنزل إلى
أجواء الأساتذة
والرأسماليين
والت ويتمان
كنت أستند إلى واجهة متجر
لكتب المعلوميات
في زقاق سكرامنتو، وأنتظر
الحافلة رقم 1 التي ستجتاز بي
التلة، وكنت أقرأ
“ما بين السود” في مجلة أولسون (2)
عندما “ككتوليدونك الرجل الأبيض؟”
جعلني أرفع عينيَّ نحو الأعلى لأرى
شخصا ليس بالأسود ولا بالأبيض
ورفيقه (الذي كان يواصل صعود المنحدر).
كان يحمل في كيسه الورقي
زجاجة بيرة
يمكن من نظرة أولى أن تتوقع أنها الفلبينية.
للتو أجبته: “ديوان شعر”.
“هل تستطيع أن تقرأ لي قصيدة؟” قال بصوت كثيف
بدا لي ودِّيًّا.
من الذاكرة قرأت له واحدة من قصائدي:
أعرف الأحشاء
أحشاء الأطفال
المنتفخة كلها بلا شيء،
الحبلى بالجوع.
داخل
الأفواه الفارغة
وهي تصرخ “لماذا؟”
تصرخ “هل سيأتي؟”
كفى من الأكاذيب
وكفى من الأحلام
عن الجنة!
ماذا يتم إعداده
في الأحشاء
لدى الفقراء
يمكن أن يحدث
يجب أن يحدث
سوف يحدث.
لديك صفعتك المتقنة؟
توقف عن أكاذيبك.
هيا بنا لنقوم بالثورة.
اتسعت عيناه، وعبرهما وميض،
قال: “أوه، هذا صلب! وأنا
ستجدني جنبك”
لذلك مررت له صحيفة People’s Tribune
ولما مضى ليلحق برفيقه.
واصلت قراءة قصائد أولسون
(المُستبعد من طبعات أعماله الكاملة) بصدد
رجل أسود قتله خمسة وعشرون من البيض بسبب
صوته، لمّا لم يكن هذا الرجل فلبينيًا،
هكذا تم كشف الحقيقة، ولكن حتى أقول الحقيقة – وكان ينحدر عبر الزقاق-
كان من هاواي، كان اسمه ريك، قال لي
إنه اطلع على الصحيفة
وهل من الممكن أن يكتب له (“طبعا!”)
وهكذا، هنا كان رفيقه، خوان،
– قبعة بيسبول مزينة بحرف “D”
بالحروف القوطية، في ديترويت
(“هل هناك ولدتَ؟”)
لا، لقد كان من سان أنطون.
كانوا قد نزلوا فقط ليروا
إن كنت أحتاج إلى شيء؟
كل شيء يمضي على ما يرام؟ هل كنت
في حاجة إلى مال؟ – لا، كان حالي
في أفضل صورة. “مرحبًا أخي الصغير. كافئ نفسك بلحظاتٍ جيدة.”
ثم صعدوا من جديد أعلى التلة في الظلام
هنالك حيث كانت حفلة القمر في شينا تاون.
آمل أن تكون الأمور قد سارت بشكل جيد معهما.
كان انطباعي
أني قد قمت للتو
بتجربة شعرية
أمريكية حقيقية.
وكنت أرغبُ
في أن تعلموا ذلك.
الهوامش
* فرانسيس كومب: شاعر وناشر فرنسي هو مؤسس والمشرف على دار النشر Temps des Cerises، وعضو في هيئة تحرير مجلة «أوروبا»، أصدر كشاعر ما يقارب عشرين ديوانا شعريا، من بينها: «متعلمُ الربيع» (1980)، «الحبُّ والأقحوانة والحاسوب» (1983)، «سيفين أو السماء ليست للبيع» (1986)، «الدروس الصغيرة للأشياء» (1987، 1995، 1997)، «سيدة برج إيفيل» (1989)، «بالاد القلب العاصي» (1996)، «مصنع السعادة» (2000)، «قضية مشتركة» (2003، 2005، 2008)، «الدفتر الأزرق للصين» (2005)، «بالاد أوبيرفيي» (2007)، «مفتاح العالم في المدخل على اليسار» (2008)، «نبيذ السنونوات» (2011)، «فرنسا في مهب الرياح الأربع» (2015)، «رسائل الحبِّ، بريدٌ محفوظ» (2020)… ترجم إلى الفرنسية: فلاديمير ماياكوفسكي وهاينريش هايني وبرتولد بريخت وأتيلا يوزيف…
(1) كلمة سلام باللغة الروسية мир
(2) تشارلز أولسون (1910-1970): شاعر أمريكي قدم مفهوم النفس الإسقاطي في الشعر، وحاول إعادة صياغة المفخرة المؤسِّسَة للولايات المتحدة الأمريكية من خلال إعادتها إلى الصيادين الباسك والإنجليز (قصائد مكسيموس)، وبتضمينها القيم الهندية والإسبانية والإفريقية.
نزوى