“أهواك تي في” عوضاً عن “نتفلكس” في سوريا/ مناهل السهوي
يعكس عجز السوريين عن مشاهدة مسلسل على منصة “نتفلكس” معاناتهم في أبسط تفاصيل الحياة الروتينية، والتي تتعاظم مع كل احتياج أو حق، ابتداء من وجود انترنت جيد وصولاً إلى القدرة على تناول الطعام.
ليس لديك خيارات كثيرة لمشاهدة فيلم أو مسلسل في سوريا، منصات المشاهدة محدودة وعمالقتها محجوبة بسبب العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على سوريا، فلا وجود مثلاً لمنصة “نتفلكس”. صعوبة الوصول إلى منصات المشاهدة تسببت في رواج المواقع المختصة بقرصنة هذه الأفلام، لكنها في الغالب ليست مواقع عملية وسهلة الوصول، مثلاً يأخذك موقع “أهواك تي في” المختص بعرض الأفلام والمسلسلات إلى نافذة جديدة كلما ضغطت على خيار ما، ستتعلم الصبر مع الوقت، ستظهر في بعض الأحيان نوافذ تقول إنك حصلت على جائزة، لا تصدقهم، وقد تظهر نافذة لفتاة عارية، أغلقها وتابع محاولاتك في كل حال لتشغيل الفيديو المرجو، وحين تتمكن من تشغيله، جرب ألّا تلمس الشاشة، قد تخرجك مرة أخرى إلى نافذة جديدة، ربما تتمكن من المشاهدة لو لم ينقطع الانترنت، ستتقبل أن تشاهد المسلسل على مراحل بسبب رداءة الانترنت في عموم البلاد. إن كنت سوريّاً يعيش في سوريا، ستكون ممتناً لـ “أهواك تي في” و”إيجي بست” وغيرها من المواقع التي تقرصن الأفلام والمسلسلات لأنك لا تمتلك رفاهية مشاهدتها على منصاتها الأساسية.
مشاهدة فيلم في سوريا أمر مستحيل
في مكان آخر، غير سوريا، ستشغل حاسوبك المحمول أو شاشة التلفزيون، تختار مسلسلاً أو فيلماً على منصة “نتفلكس” أو OSN أو غيرها من المنصات وتجلس للمتابعة ببساطة، لكن في سوريا الأمر أكثر تعقيداً، بسبب العقوبات الأوروبية والأميركية المفروضة على سوريا والتي تحظر حتى منصات المشاهدة، والحل الوحيد هو القرصنة أو المتابعة عن طريق قنوات “التلغرام” أو شراء الأقراص الصلبة التي ازدهر سوقها في سوريا.
كارولين طالبة هندسة مدنية في مدينة حمص، تقول إنها تتابع الأفلام والمسلسلات من خلال مجموعات تطبيق “تيليغرام”، لكن جودة الفيديو رديئة للغاية لكنها اعتادت عليها. ومن هذه المنصات “دراما صح”، “شاهد فور يو”، ومن أشهر منصات قرصنة الأفلام والمسلسلات كان موقع “إيجي بيست”، والذي يمتلك تشكيلة واسعة وشعبية كبيرة لدى السوريين، بالإضافة إلى تنظيم جيد وإعلانات أقل لكنه أُغلق للأسف لأكثر من مرة. “حين أُغلق موقع “إيجي بيست” شعرت بالضيق والغضب، كان نافذتي شبه الوحيدة، وكنت أشاهد المسلسلات والأفلام بشكل شبه يومي، وحتى لو بجودة سيئة”، تقول ريم (اسم مستعار).
في دمشق، يحاول عمر، سنة رابعة هندسة معمارية، متابعة ما استطاع من أفلام لشغفه في السينما وتخطيطه لاحقاً لدراسة الإخراج، يقول: “بالنسبة إلى شخص يحب السينما والإخراج، فمشاهدة فيلم هو أمر مستحيل، في ظل انقطاع الكهرباء والانترنت الضعيف”. ويتابع: “آخر فيلم شفتو كانت مدته ساعة ونص بس ضليت ساعتين ونص لحضرتو بسبب بطء التحميل”. يحاول عمر وأصدقاؤه حلّ هذه المشاكل من خلال تبادل الأفلام التي تمكنوا من تحميلها، أو يضطرون لتحمّل الإعلانات والقطع بين المشاهد والسيرفرات التي تخترق الفيلم عشرات المرات خلال المشاهدة، وفي كثير من الأوقات يلغي عمر فكرة مشاهدة فيلم ما بسبب هذه الصعوبات.
عمالقة الإنترنت خارج سوريا
يدرك من يخرج من سوريا ويختبر تجربة الاشتراك في “نتفليكس” أو إحدى المنصات الأخرى، مدى الفارق واختلاف نمط الحياة وسهولته بين سوريا وأي بلد آخر، تقول سارة التي انتقلت إلى لبنان منذ سنوات: “حين فتحت نتفليكس للمرة الأولى بعد أن منحتني صديقتي وصولاً عن طريق حسابها، شعرت كما لو أني أدخل عالماً آخر، أصبتُ بالانبهار، ولليوم كلما شغّلت فيلماً جديداً أفكر كم أن الأمور سهلة، وأشعر بالحزن لأجل عائلتي في سوريا، يستغرق أخوتي ساعات وساعات لمشاهدة فيلم، وينتظرون لأكثر من 3 ساعات لتحميل حلقة واحدة”.
تحجب “نتفلكس” خدماتها في 5 بلدان، هي سوريا وروسيا والصين وكوريا الشمالية وجمهورية القرم، وحتى قبل الحرب لم يستطع عمالقة الانترنت الوصول بسهولة إلى سوريا، وزاد الأمر سوءاً، بسبب العقوبات الأميركية، التي حظرت تصدير أو بيع أو توريد السلع والبرامج والتكنولوجيا والخدمات، من دون موافقة الحكومة الأميركية واليوم هناك الكثير من المنصات المحجوبة مثل “آبل” و”أمازون” و”تيك توك” و”زوم”.
يشكل بطء الانترنت العقبة الأولى أمام السوريين، إذ احتلت سوريا المرتبة الأخيرة عربياً على مستوى سرعة التحميل عبر شبكة الإنترنت الخليوية، بمعدل بلغ 14.7 ميغابايت في الثانية، بحسب مؤشر “سبيد تيست” لشهر كانون الأول/ ديسمبر 2022، والذي تصدره شركة “أوكلا” لتقييم سرعة الإنترنت حول العالم. كما يغيب الانترنت بشكل شبه كامل لساعات في كثير من المناطق، يقابل هذه الخدمات السيئة رفع حكومة النظام لأجور الاتصالات الخليوية والأرضية وهو تحدٍ إضافي للمستخدمين.
القرصنة تحل جزءاً من المشكلة
وفي لقاء لـ “درج” مع المخرج السينمائي فراس محمد قال: “استطاعت القرصنة بشكل أو بآخر تعويض النقص والصعوبة في الوصول إلى منصات العرض الشهيرة، رغم أن مكافحتها قوية، ولكن هناك دوماً سبيل غير شرعي للوصول وخصوصاً للأفلام السينمائية، سواءً عبر المنصات العربية التي تُغلق وتعود كل فترة، كما يوفر نظام التورنت الأفلام بجودة عالية، مشكلته أنه يوفرها بعد وقت طويل نسبياً من عرضها في المهرجانات العالمية”، لكن بالنسبة لفراس المشكلة الأساسية هي غياب قاعات العرض السينمائية وانقراض هذا الطقس لكونها من جهة شحيحة، ولا تواكب هذه القاعات سوى القليل جداً من الانتاج العالمي بخلاف الدول المجاورة كلبنان ومصر، يقول فراس: “إننا في سوريا خارج خطط التسويق والتوزيع العالمي، حتى النوادي السينمائية التي كانت فيما سبق تتحصل على نسخ العرض عبر التواصل مع المراكز الثقافية لسفارات الدول المنتجة لهذه الأفلام، الآن هي غير قادرة على ذلك، وعليها أن تنتظر أحياناً توفر النسخ المقرصنة، أو ما يتسرب من المهرجانات من أفلام حديثة”.
يجد فراس أن هناك دوماً طريقة للحصول على الأفلام المطلوبة، ولكن ما يؤثر على الثقافة السينمائية أبعد من مجرد متابعة، يتابع قائلاً: “أعتقد أن الاهتمام بالسينما سيظل متراجعاً ما دامت طريقة التلقي واحدة، إضافة إلى سيطرة منطق الدراما التلفزيونية المحلية عليها. الثقافة السينمائية تتراكم، وتصبح جزءاً من تراكم المعرفة بالحياة، وأعتقد أن هذا هو الغائب”.
يعكس عجز السوريين عن مشاهدة مسلسل على منصة “نتفلكس” معاناتهم في أبسط تفاصيل الحياة الروتينية، والتي تتعاظم مع كل احتياج أو حق، ابتداء من وجود انترنت جيد وصولاً إلى القدرة على تناول الطعام.
درج