سوريا وتناقضات المصالح التركية والروسية والإيرانية/ محمود علوش
2024.02.13
كان من المتوقع أن يُجري الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زيارته المنتظرة منذ فترة طويلة إلى تركيا في الثاني عشر من فبراير الجاري، لكنّها أجّلت مرة أخرى إلى موعد لاحق قد يكون في نهاية أبريل /نيسان المقبل أو بداية مايو /أيار المقبل، وفق ما ذكرته وسائل إعلام تركية وروسية. ولا يزال من غير الواضح طبيعة الأسباب التي تحول دون الاتفاق بين البلدين على موعد الزيارة على الرغم من أن الحديث التركي عنها بدأ قبل قرابة عام تقريباً.
مع ذلك، يبدو من غير الواقعي الاعتقاد بأن التأجيل المُتكرر لزيارة بهذه الأهمية يرجع إلى أسباب غير سياسية أو خارجة عن إرادة بوتين خصوصاً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار بعض التطورات التي طرأت على السياسة الخارجية التركية وعلى العلاقات التركية الروسية في الأشهر الأخيرة مثل إغلاق بنوك تركية حسابات لعملائها الروس خشية التعرض للعقوبات الغربية والتعاون العسكري المتزايد بين تركيا وأوكرانيا ومصادقة أنقرة على عضوية السويد في حلف الناتو وإبرامها اتفاقية مع رومانيا وبلغاريا للتعاون في مجال مكافحة الألغام في البحر الأسود. ولا يُمكن بالطبع الجزم بأن هذه التطورات هي السبب وراء إشكالية موعد زيارة بوتين، لكن نظرة على هذه التطورات قد تُساعد في محاولة فهم هذه الإشكالية.
مع ذلك، بمعزل عن الأسباب التي خلقت إشكالية موعد زيارة بوتين، فإن البيئة الراهنة في العلاقات التركية الروسية لا تبدو مستقرة تماماً. ولا تنحصر حالة عدم الاستقرار هذه في الجوانب المرتبطة بالحرب الروسية الأوكرانية فحسب، بل تشمل كذلك الملف السوري كعامل ضغط إضافي على العلاقات. ظاهرياً، لا يوجد ما يدعو للاعتقاد بأن أنقرة وموسكو تواجهان صعوبة كبيرة في مواصلة تعاونهما في الملف السوري. فمن جانب، أظهرت الجولة الأخيرة من محادثات أستانا أن الثلاثي التركي الروسي الإيراني لا يزال حريصاً على الحفاظ على حالة التهدئة في منطقة خفض التصعيد الرابعة في إدلب على الرغم من أن التصعيد العسكري للنظام وحلفائه بين الفينة والأخرى يضغط على تفاعلات تركيا مع روسيا وإيران في سوريا.
ومن جانب آخر، لا تزال روسيا تلعب إلى جانب إيران دوراً محورياً في رعاية عملية الحوار بين أنقرة ودمشق منذ ما يزيد عن عام على الرغم من أن هذا الحوار يواجه عقبات كبيرة. مع ذلك، فإن أنقرة بدأت تُظهر امتعاضها غير المباشر من الدورين الروسي والإيراني في هذا المسار.
في الخامس من فبراير/ شباط الجاري، قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان إن النظام السوري عاجز عن عقد اجتماعات مع تركيا دون اللجوء إلى أطراف أخرى في إشارة إلى الدول التي تدعمه وهي روسيا وإيران. ويُفهم عملياً من تصريح فيدان أن الأسباب التي تحول دون تقدم مسار الحوار لا تقتصر فقط على الشروط التي يضعها النظام بخصوص إنهاء الوجود العسكري التركي في سوريا، بل تشمل أيضاً النفوذ الذي تمارسه موسكو وطهران عليه.
حقيقة أن النظام أُجبر على الدخول في حوار تركيا بضغط روسي بالدرجة الأولى، تجعل من الصعب عزل الشروط التي يضعها على أنقرة عن التأثيرين الروسي والإيراني. وما يُمكن فهمه من الجمود الذي يطرأ على مسار المفاوضات ومن التصريحات فيدان، أن موسكو وطهران تدفعان النظام إلى التمسك بشرط وضع جدول زمني للانسحاب التركي من سوريا. ومع الأخذ بعين الاعتبار أن الملف السوري سيكون حاضراً بارزاً في الزيارة المنتظرة لبوتين إلى تركيا، فإن صعوبة إيجاد أرضية مشتركة حتى الآن بين أنقرة وكل من موسكو وطهران والنظام بخصوص مستقبل الوجود العسكري التركي في سوريا، تُظهر بشكل واضح تناقضات السياقات التركية والروسية والإيرانية في الملف السوري. وما يُعزز ذلك أيضاً أن الزيارة الأخيرة التي أجراها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى تركيا الشهر الماضي، لم تؤثر على الجمود في مسار الحوار التركي السوري.
على الرغم من أن التفاهمات الروسية التركية لعبت دوراً حيوياً في إعادة تشكيل ديناميكيات الصراع السوري منذ النصف الثاني من العقد الماضي، إلآّ أن موسكو وطهران تُظهران تماهياً كبيراً في سياساتهما السورية عندما يتعلق الأمر بمستقبل الدور التركي في سوريا. انطلاقاً من ذلك، فإن رهانات أنقرة على أن تداخل المصالح الجيوسياسية مع موسكو في قضايا إقليمية ودولية مهمة مثل الحرب في أوكرانيا والوضع في البحر الأسود وجنوب القوقاز سيدفع الأخيرة إلى التماهي بقدر أكبر مع مصالحها في سوريا أظهرت عدم واقعيتها.
لا تزال موسكو تنظر إلى تحالفها الوثيق مع إيران في سوريا على أنه نقطة ارتكاز أساسية لدورها في الصراع على عكس الشراكة الروسية الإيرانية مع تركيا ضمن منصة أستانا، والتي صًممت من أجل مواءمة مصالح الأطراف الثلاثة في بعض جوانب الصراع. كما أن الإقرار الروسي والإيراني بالمصالح الأمنية التركية في سوريا لم يتجاوز حدود التوافق السياسي الثلاثي على تقويض المشروع الانفصالي لوحدات حماية الشعب الكردية والحفاظ على وحدة الأراضي السورية.
سيبقى التعاون الثلاثي الجزئي في سوريا حاجة لكل من موسكو وطهران وأنقرة، كما سيظل مسار الحوار التركي السوري حاجة لهذه الأطراف لاعتبارات مختلفة. لكنّ تناقضات المصالح التركية والروسية والإيرانية تُظهر حدود قدرة هذا الثلاثي على تطوير عملية مواءمة المصالح في سوريا إلى مستويات تؤدي إلى تحقيق تحول جذري حاسم في مسار الصراع.