لا بد من جهد دولي لاحتواء القتال في سوريا/ باولو بنهيرو – هاني ميغالي – لين وليشمان
14 فبراير 2024
أثار حجم وشراسة الصراع في غزة ومعاناة المدنيين التي أصبح من المتعذر وصفها، غضب العالم أجمع. إلا أنه في الوقت ذاته، ثمة تصعيد حاد بأعمال العنف يجري في سوريا، الأمر الذي أجبر عشرات الآلاف على الفرار، في خضم أكبر أزمة نزوح في العالم. ومع ذلك، مر كل هذا من دون أن يلاحظه أحد إلى حد كبير خارج المنطقة.
وعليه، نجد أن سوريا هي الأخرى بحاجة ماسة إلى وقف العنف. إلا أنه بدلاً من ذلك، زادت حدة الحرب المشتعلة هناك منذ أكثر من 12 عاماً، ممتدة اليوم عبر خمس جبهات.
وتخوض القوات الحكومية السورية والقوات الروسية قتالاً ضد جماعات معارضة مسلحة في الشمال الغربي. من جهته، صعد تنظيم «داعش» هجماته عبر مختلف أرجاء البلاد، بينما تهاجم تركيا القوات التي يقودها الأكراد في شمال شرقي البلاد. أما القوات التي يقودها الأكراد فتقاتل بدورها قبائل محلية. وبالتوازي مع ذلك، ترد الولايات المتحدة وإسرائيل بهجمات ضد القوات المرتبطة بإيران.
وفي ظل الاضطرابات التي تعصف بالمنطقة، أصبح من الضروري بذل جهد دولي دؤوب لاحتواء القتال على الأراضي السورية. والمؤكد أن أكثر من عقد من إراقة الدماء بحاجة إلى نهاية دبلوماسية. إلى جانب ذلك، فإنه من شأن إقرار هدنة دائمة في غزة أن تسهم في تهدئة الوضع داخل سوريا إلى حد كبير، الأمر الذي سيحد من التوترات بين القوى الأجنبية – بما في ذلك الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران من خلال وكلائها، النشطة عسكرياً داخل البلاد.
وفي حمص، غرب سوريا، أسفر هجوم بطائرة من دون طيار شنه مجهولون عن مقتل وإصابة العشرات من الطلاب العسكريين وأفراد أسرهم وغيرهم، في أثناء حفل تخرج في الكلية العسكرية في الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
في المقابل، ثأر الجيش السوري والقوات الروسية، الداعمة للرئيس بشار الأسد، بمهاجمة ما لا يقل عن 2.300 موقع في الشمال الغربي تقع تحت سيطرة المعارضة، بينها مدارس ومستشفيات وأسواق ومخيمات السوريين الذين أجبروا على ترك منازلهم. كما اضطر نحو 120.000 شخص إلى الفرار، كان الكثيرون منهم قد نزحوا بالفعل عدة مرات، بينهم نازحون جراء الزلزال الضخم الذي وقع في فبراير (شباط) الماضي. وقد أصيب أو قُتل ما لا يقل عن 500 مدني في الحوادث التي تابعتها لجنتنا منذ أكتوبر الماضي.
وتضمنت الأسلحة ذخائر عنقودية محظورة دولياً – في استمرار لأنماط مدمرة وثّقتها لجنتنا منذ اشتعال الحرب الأهلية في سوريا عام 2011 – وفيما مضى، أثار الكشف عن مثل هذه الأحداث غضباً واسع النطاق ـ فما الاختلاف الآن؟ يكمن الاختلاف في أن اهتمام العالم تحول نحو مكان آخر.
ومن جهته، يصعد «داعش» نشاطه القاتل داخل سوريا، حيث يهاجم أهدافاً مدنية وعسكرية على حد سواء، ويستمر في استعراض قدراته العملياتية وآيديولوجيته المتطرفة.
في تلك الأثناء، في شمال شرقي البلاد، زادت القوات التركية وتيرة عملياتها ضد قوات سوريا الديمقراطية «قسد»، وهي جماعة معارضة تقول تركيا إن لها علاقات بالنشاط الإرهابي على أراضيها. في الوقت ذاته، تخوض هذه الجماعة المعارضة قتالاً ضد القبائل المحلية في دير الزور، أكبر مدن شرق سوريا، في صراع تؤججه المظالم القديمة من فشل الإدارة المحلية التي يقودها الأكراد في توفير الخدمات الأساسية، أو تأمين الحقوق الأساسية. وحتى الآن، لا يتوافر إحصاء للقتلى في صفوف المدنيين جراء ذلك.
الأكثر إثارة للقلق أن التوترات الإقليمية المتصاعدة الناجمة عن الهجوم على غزة أدت إلى زيادة الهجمات على الأراضي السورية من قبل إسرائيل والميليشيات الإيرانية. وتعرضت القواعد الأميركية في سوريا لأكثر من 50 هجمة من جانب الميليشيات منذ أكتوبر الماضي. وقبل وقت طويل من هجوم 28 يناير (كانون الثاني) في الأردن، الذي أسفر عن مقتل ثلاثة من أفراد الخدمة الأميركية، شنت واشنطن ضربات انتقامية ضد منشآت يقال إن الجماعات المرتبطة بإيران تستخدمها، وأدت عمليات القتل في الأردن إلى موجة جديدة من الهجمات الانتقامية الأميركية في سوريا والعراق واليمن، ما يثير مخاوف من اشتعال صراع أوسع نطاقاً.
من ناحية أخرى، أدت الضربات الجوية الإسرائيلية، التي تستهدف ظاهرياً الأصول المرتبطة بإيران، إلى إخراج المطارات المدنية السورية، التي تشتد الحاجة إليها لتسليم المساعدات الإنسانية، من الخدمة بشكل متكرر.
في خضم كل ذلك، يواجه السوريون صعوبات متفاقمة لا تطاق. ويحتاج نحو 17 مليوناً منهم إلى المساعدات الإنسانية، مثل الغذاء والماء والرعاية الطبية. ومع ذلك، فإن عمليات تسليم المساعدات تبدو معلقة بخيط رفيع، وتعتمد على تعسف الحكومة السورية، بجانب ما تخلقه العقوبات من صعوبات. كما أجبر النقص الحاد في أموال المانحين برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة على تعليق المساعدات الغذائية المنتظمة في سوريا، ما ألقى بالملايين في براثن الجوع.إجمالاً، أودت إحدى الحروب الأهلية الأكثر وحشية في هذا القرن بحياة أكثر من 300.000 مدني في سوريا خلال السنوات الاثنتي عشرة الماضية. وليس من المستغرب أن يصل عدد السوريين الذين يطلبون اللجوء في أوروبا إلى أعلى مستوى له منذ سبع سنوات.
وحتى الآن، جرى ارتكاب كل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي تغطيها المحكمة الجنائية الدولية تقريباً في سوريا: الاستهداف المتعمد للمستشفيات والعاملين في المجال الصحي، والهجمات المباشرة والعشوائية على المدنيين (بعضها يتضمن أسلحة كيميائية) تحت ستار محاربة «الإرهابيين»، وعمليات إعدام بناءً على إجراءات موجزة من دون محاكمة عادلة، وتعذيب واختفاء قسري لعشرات الآلاف من الأشخاص. أضف إلى ذلك الإبادة الجماعية للإيزيديين التي مرت دونما ذكر إلى حد كبير، خلال فترة حكم «داعش» في أجزاء من سوريا.
الحقيقة أن عدم احترام حقوق الإنسان الدولية الأساسية والقانون الدولي الإنساني في سوريا منذ فترة طويلة، لا يؤدي إلى قتل وتشويه الضحايا من جميع أطراف النزاع فحسب، بل يتسبب كذلك في تآكل جوهر نظام الحماية الدولي. واليوم، نعاين مثل هذا التجاهل للقانون الدولي في قائمة متزايدة من الصراعات، بما في ذلك في أوكرانيا والسودان، والآن في غزة.
ويتعين على الدول الأعضاء أن تتحرك بشكل عاجل لوقف هذا الاتجاه المثير للقلق. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أمرت محكمة العدل الدولية سوريا بوقف التعذيب. وخلال السنوات الأخيرة، أدان المدعون العامون في أوروبا أكثر من 50 من مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في سوريا. ويجب مواصلة هذه الجهود ودعمها وتوسيع نطاقها فيما يخص الفظائع المرتكبة، ليس فقط في سوريا بل في كل مكان.
من جهتنا، نناشد المجتمع الدولي ألا يغفل الأزمة السورية. إن سوريا بحاجة إلى دبلوماسيين شجعان، ومانحين جريئين، ومدّعين عامين حازمين أكثر من أي وقت مضى. وأكثر من أي شيء آخر، بعد ما يقرب من 13 عاماً من الصراع، فهي بحاجة إلى وقف إطلاق النار على مستوى البلاد.
*خدمة «نيويورك تايمز»
الشرق الأوسط