قافلة نازحين تنطلق قريباً إلى سوريا… “همروجة” تحريض جديدة؟/ باسكال صوما
07.03.2024
بعد سنوات من تحميل اللاجئ مسؤولية الأزمات من التقنين الكهربائي إلى تفشّي الجريمة، وصولاً إلى الانهيار الاقتصادي، هناك أسئلة تُطرح، هل عودة النازحين واللاجئين قسراً ومن دون ضمانات إلى بلادهم تعيد أموال المودعين المسروقة مثلاً؟ هل توقف التفلت الأمني في بلد لا دولة فيه؟ وحين يعود السوريون إلى بلادهم، ماذا سيكون عذر المتخاذلين من رجال السلطة؟ وعلى من سيلقون مسؤولية الفشل؟
“نعلن اليوم، أن قافلة من النازحين سَتنطلق قريباً الى سوريا، بالإضافة إلى استمرار المديرية بتقديمِ التسهيلات والإعفاءات اللازمة للنازحين الراغبين في العودة التلقائية إلى بلادهم، وذلك مباشرة عند المعابر الحدودية”، هكذا قال المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري، في مؤتمر خُصِّص لتنظيم الوضع القانوني للنازحين السوريين في لبنان وآلية عودتهم.
لا شك في أن الأمر يبدو بديهياً في البداية، بلد منهار اقتصادياً ومالياً كلبنان لا يستطيع تحمّل عبء نزوح أو لجوء بهذا الحجم، ويمكن أيضاً تفهّم مخاوف البعض على الأمن وحتى على “الهوية اللبنانية” كما ورد خلال المؤتمر الصحافي.
إلا أن التعمّق في ملف النازحين واللاجئين في لبنان يفتح هلالين كبيرين حول العجز الحقيقي عن معالجة الملف بأطر إنسانية تحفظ حقوق أبناء البلد المضيف وتحفظ أيضاً كرامة الإنسان اللاجئ، من دون أخذ الجميع في سلة واحدة كما تجري العادة، ومن دون المتاجرة بها لمكاسب سياسية وطائفية ضيّقة.
هناك من يذهب إلى سوريا ويعود إلى لبنان بحرية، بطرق شرعية أو غير شرعية، فيما لا يملك آخرون هذه الرفاهية لأسباب كثيرة اقتصادية أو أمنية.
هذه طبعاً ليست المرة الأولى التي يُفتح فيها ملف العودة، فقبل ذلك كان رئيس الحكومة في تصريف الأعمال نجيب ميقاتي استخدم ورقة اللاجئين لتهديد المجتمع الدولي والضغط عليه لزيادة الأموال المخصصة لدعم لبنان، بوصفه بلداً مضيفاً للسوريين.
وفي كل استحقاق انتخابي أو سياسي، يستخدم المتخاصمون في السياسة ورقة اللجوء لتجييش الجماهير والمزايدة في الروح الوطنية وكره اللاجئين. وكأننا في مسابقة بعنوان: “من يكرههم أكثر؟”.
والآن، بعد سنوات من تحميل اللاجئ مسؤولية الأزمات من التقنين الكهربائي إلى تفشّي الجريمة، وصولاً إلى الانهيار الاقتصادي، هناك أسئلة تُطرح، هل عودة النازحين واللاجئين قسراً ومن دون ضمانات إلى بلادهم تعيد أموال المودعين المسروقة مثلاً؟ هل توقف التفلت الأمني في بلد لا دولة فيه؟ وأي تنظيم قانوني لملف النزوح أو سواه يمكن أخذه على محمل الجد إن كان رياض سلامة، الحاكم السابق لمصرف لبنان، ما زال حراً طليقاً وما زالت أموالنا محتجزة ولا نعرف حتى متى؟ وحين يعود السوريون إلى بلادهم، ماذا سيكون عذر المتخاذلين من رجال السلطة؟ وعلى من سيلقون مسؤولية الفشل؟
من دون أدنى شك، يحتاج ملف اللجوء السوري إلى بحث جدي وقرارات تتخطى التنظير والمناكفات العنصرية والطائفية والحملات الانتخابية، التي لا تنجح سوى في زيادة الكراهية وبث التحريض داخل المجتمع.
لكن، من هذا الذي يستطيع معالجة ملف بهذا الحجم؟
الدولة اللبنانية؟ حقاً؟
في السنوات الأخيرة، ازدادت شكاوى الحكومة اللبنانية من تراجع المساعدات المالية التي تقدمها الأمم المتحدة، مقارنة بكلفة الاحتياجات التي يتطلبها اللجوء، فمثلاً في عام 2021 تلقى لبنان مساعدات بقيمة 1.69 مليار دولار من أصل ملياري دولار، وفق بيانات رسمية. ومع انشغال المجتمع الدولي بأزمات عدة حول العالم، أبرزها الحرب في أوكرانيا، والآن الحرب في غزة، تراجع الاهتمام الدولي بالملف السوري ككل، وليس بقضية اللجوء وحدها، وقد تحمّل لبنان ودول أخرى أعباء ثقيلة بالفعل، فيما واصل المجتمع الدولي المراوغة وتقليص المساعدات. وبذلك، يبقى ملف اللجوء معلّقاً من دون حل حقيقي، بين الخطابات العنصرية من جهة وتجاهل المجتمع الدولي من جهة أخرى.
على مدى السنوات الماضية، قام لبنان بأكثر من محاولة لإعادة قسم من السوريين إلى بلادهم، لكنها لم تكلل بالنجاح، وازدادت المطالبة بتنفيذ خطة للعودة في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية التي يواجهها لبنان منذ أواخر عام 2019، كان آخرها المؤتمر المذكور، والذي استخدم خلاله المتحدثون لهجة عالية النبرة، مؤكدين انطلاق قافلة للعائدين قريباً. ولكن كيف؟ وهل هي بالفعل عودة آمنة وطوعية؟ وهل ستحصل فعلاً أم أنها مجرد “همروجة” ترحيل وعنصرية جديدة، قبل العودة إلى قواعدنا سالمين؟.
درج