عن الوحدة واضطرابي النفسي… ألا أستحقّ السعادة؟/ سلمى الفتيّح الشيخ
23.03.2024
لا أعرف كم من الوقت استنفدت لأفهم المرض من دون شرح أي طبيب، كون من التقيت بهم يكتفون بالتشخيص البسيط، ويرددون الأعراض، وكأنها لائحة لشراء حاجيات المنزل من السوبر ماركت !.
استغرقت الكتابة عن المرض الكثير من وقتي وتفكيري وطاقتي، والكثير من الشجاعة لأسرد تجربتي الشخصيّة، وأكتب باسمي الحقيقي، ناهيك بأنه إلى اليوم، يؤلم هذا المرض أكثر من قُدرة أي كلمة عن الوصف.
شُخّصتُ منذ 6 سنوات في لبنان باضطراب الشخصيّة الحديّة-Borderline personality disorder، واستغرقت وقتاً طويلاً للاعتراف بذلك، لأدخل بعدها باب الحزن ومن ثمّ الاقتناع بالأدوية والعلاج النفسي، وبعد رحلة العلاج، التزمت فقط بالدواء، تماماً كما أمرني الطبيب.
لا أعرف كم من الوقت استنفدت لأفهم المرض من دون شرح أي طبيب، كون من التقيت بهم يكتفون بالتشخيص البسيط، ويرددون الأعراض، وكأنها لائحة لشراء حاجيات المنزل من السوبر ماركت.
يتصرّف الأطباء وكأنّك يجب أن تعلم ما عليك أن تفعل حين ترغب في أذيّة نفسك أو حتى الانتحار، كأن الكلام المطوّل عن الماضي في جلسات العلاج النفسي، والأسئلة عن شعوري حين تعرّضتُ للضرب سيشفيانني من الأعراض !
أن تكون مريضاً نفسياً في لبنان وسوريا يعني أنه عليك أن تقوم بأبحاث شاملة بمفردك عن طبيعة مرضك، وتقرأ الكثير والكثير من المقالات من أبحاث لاختصاصيّين، وتبحث عن “ناجين” آخرين من المرض، لتطّلع على تجربتهم الخاصة، فمن المحتمل أنهم يمرّون بما تمرّ به، وربما يلفتون انتباهك الى أنّك تمرُّ بشيءٍ ما من دون وعي حتى.
تشير الأبحاث أن اضطراب الشخصيّة الحديّة، يعزى إلى أسباب جينية في بعض الأحيان، وقد ينتقل بالوراثة بنسبة 35-67 بالمئة، كما أن الأشخاص الذين يمتلكون قريباً من العائلة كأخوة أو والذين يعانون من هذا الاضطراب يكون لديهم احتمال عال للإصابة بهذا الاضطراب، في حين ترى أبحاث أخرى أن السبب هو “الدماغ المختلف” لدى المصابين بهذا الاضطراب واختلاف قدرة الدماغ على ضبط التهيج العاطفي.
تصف المعالجة النفسيّة والكاتبة الأميركيّة مارشا لاينهان، التي طوّرت العلاج الجدلي السلوكي للمُصابين بهذا الاضطراب، أن “الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الشخصية الحدية (من مثلهم) يشبهون الأشخاص المصابين بحروق من الدرجة الثالثة في أكثر من 90 في المئة من أجسادهم. ولأنهم يفتقرون إلى الجلد العاطفي، فإنهم يشعرون بالألم عند أدنى لمسة أو حركة”.
لكنْ، هناك “أسباب بيئيّة”، أبرزها الإساءة في الطفولة والصدمات النفسيّة، فـ70 في المئة من المصابين بهذا الاضطراب تعرّضوا للإساءة الجنسيّة أو العاطفيّة أو الجسديّة، أو الانفصال عن الأهل كهجران أحد أو كلَي الوالدين أو موت الوالدين وإهمالهم لهم.
لا توجد تمارين على الإساءة!
لا أحد يُجهزّك للإساءة، كما لا أحد يُخبرك كم الحياة قاسية. عندما كنتُ صغيرة عشت في بيئةٍ قاسية جداً، لم أكن أفهم تماماً لماذا تقع الإساءة عليّ، ولمَ تعرّضتُ للهجران من والدي أو لمَ عندما أكون على طبيعتي سأغضبُ أمّي.
أعتقد أني ضُربتُ مرات كثيرة، لا أستطيع عدّها كلّها، كما أننّي تعرّضت للهجران والتلاعب النفسي والإساءة النفسيّة والمعنويّة.
كنتُ دوماً، ومنذ صغري، أفكّر بالهروب، وكنتُ أؤذي نفسي حين أختبر أيّ نوع من المشاعر السلبيّة، أضرب رأسي بالحائط أو الأرضيّة الرخاميّة في منزلنا، ثم تطوّر الأمر إلى إحراق نفسي في كلّ مرّة أتعرّض فيها للإساءة ثمّ أصبحتُ أجرحُ جلدي.
ما أتذكّرهُ دائماً من الإساءة هو الأشدُّ قسوة، ولا توجد كميّة كحول ولا مخدرات أو أدويّة نفسيّة أو حتى أشخاص من الممكن أن تُنسيني إياها.
اعتدت على الإساءة الى درجة أني أقع بغرام فقط من يسيء إليّ، لأنها أصبحت مساحة الأمان بالنسبة إلي، عندما أكون بمواجهتها وبما أنني طفلة لوالدة نرجسيّة، هناك سعيٌ الى شعور القبول الذي يمنحهُ الطرفُ الآخر، إذ دائماً بعد الإساءة، تسعى الى إرضاء هذا الشخص، لأنّه عادةً هناك حالة مثاليّة من الحُب والاهتمام من الوالد النرجسي بعد الإساءة.
تعرّضي للإساءة منذ الصغر جعل تمييز الإساءة صعباً علي في العلاقات الجديدة. دائماً ما أميّزها بعدما أكون غرقتُ بها، ما يجعل الانسحاب أمراً صعب جداً. الإساءة تكون غالباً تراكميّة، تبدأ صغيرة لا يُمكن مُلاحظتها إلى أن تُصبح سلسلة من الأفعال التي تحمل تأثيراً سلبياً كبيراً علي.
“لا أشعر بالحبّ إنما الهوس”
كل علاقة هي رحلة معقّدة جداً من الخيبات وسوء الفهم والتواصل، على رغم بذلي كامل الجهد بأن أكون واضحة تماماً، وإعلاني مُعاناتي من هذا الاضطراب، وعدم سهولة التعامل معي، ما إن أُمرّ بأي حلقة من الاكتئاب، حتى ينسحب الشريك.
أواجه دوماً أحكاماً مُستمرّة، وسوء فهم لشخصي ومن أنا ودوافعي وتصرّفاتي، لا أشعرُ بالحُب وإنّما الهوس، ومن الصعب على الآخرين فهم حاجتي المُلحّة الى رؤيتهم والتكلّم معهم بشكلٍ دائم. ليس من السهل، أن تدمن شخصاً واحداً، وأن يرفضني بأيّ طريقةٍ كانت.
تقول المُعالجة النفسيّة كاثرين سميث المتخصصة في Borderline personality disorder: “الجنس يأتي كشكل من تنظيم العواطف كما يكون أيضاً أداة للبقاء في الآن والإلهاء عن المشاعر السلبية، كما يكون طريقة لاكتساب القبول كما أنّه طريقة للإحساس بالقرب من الآخرين. لكنّ من مثلي للأسف أيضاً لديهم احتمالات عالية بأن يكونوا ضحايا لكل أنواع الإساءة الجنسية، التي تتضمن الإجبار على الجنس أو الاغتصاب من شخص يعرفونه أو من شخص غريب عنهم”.
لا أعلمُ كيف أشرح بالكلمات ما اختبرته من مشاعر سلبيّة أو أثناء واحد من انهياراتي، لا أعلم كيف أشرح للآخر ما أطلبه منه، لا أعلم كيف أتواصل من دون أن أكتب رسائل طويلة لأوضّح مشاعري ووجهة نظري.
أختبر كثافة في المشاعر، عندما أغضب هي ثورة، وحين أحزن أغرق في الأسى، لا أظن أني أختبرُ الألم بالمعيار الطبيعيّ للإنسان الذي لا يُعاني من هذا الاضطراب. لأنّ ألمي مُبكٍ، أثناء الألم يُصبح جسمي بارداً، أرتعش ويُصبح جسدي في حالة استجابة الكر أو الفر fight or flight.
المُضحك المُبكي، أن هذا الألم قد يكون سببه تافهاً، وهو أنّ أحداً لم يستجب لرسائلي، أو أن يكون بعظمة أني تحت عنف جسدي أو نفسي مُباشر. لا يوجد معيار منطقي لمشاعري، ولا أشعرُ بشيء إلا بكثافة.
لا أستطيع أن أختبر الاعتدال أو الوسط في أي شيء، هو إما جيد أو سيئ، لا يوجد مُنتصف، أما الشعور المُسيطر دائماً، فهو الألم والحزن، لا أظنّ أنني كنت سعيدة حقاً ولا حتى في طفولتي، لا أظنّ أنني أعلم ما هي السعادة وما شعورها.
المرات التي أضحك فيها أو أرقص أو أكون “سعيدة”، هي عادة نوبة من نوبات الهوس (Mania)، إذ أُفاجأ في اليوم التالي، وعند أول عقبة أواجهها بعودة كلّ المشاعر السلبيّة. الحب هو الشيء الأكثر تميّزاً في حياتي، ولكن مع الحُب يأتي الألم الشديد، لخوفي من الهجران.
ليس سهلاً شرح ما أمرّ به بشكل لا يبدو مبالغاً فيه أو خطيراً، وليس سهلاً إيجاد شخص أنجذب إليه فكرياً وجسدياً، كوني أشعرُ بالضجر بسرعة. الفراغ هو الشعور المُسيطر، أُحاول أن أملأهُ بأي شيء مهما كان بسيطاً، كأن أقع في وهم بأنني أحببتُ شخصاً ما، وفي النهاية أُترك مع سؤال إن كنتُ أعلمُ ما هو الحُب وإن كنتُ اختبرته يوماً.
الوحدة والفراغ… أن تشعر دائماً أنّ هناك جزءاً ناقصاً في نفسك
تكتب المُعالجة النفسيّة كاثرين سميث: “يميل الأشخاص المصابون باضطراب الشخصية الحدية إلى وصف شعورهم بالوحدة بقدر ما يستطيعون تذكره. كما أبلغوا عن شعورهم بالاختلاف أو الغربة عن أقرانهم في سن مبكرة. قد يشعرون أنهم لن يتأقلموا أبداً، كما لو أنهم منفصلون تماماً عن المجتمع، ويقفون في الخارج ينظرون إلى الداخل. يختار بعض الأشخاص المصابين باضطراب الشخصية الحدية الحد من علاقاتهم الشخصية لأنهم أكثر حساسية للرفض…لا يعني ذلك أن الوحدة أمر سهل أو مريح، بل إن خطر الرفض المتأصل الذي يأتي مع العلاقات يبدو مؤلماً للغاية بحيث لا يمكن تحمّله”.
وبالفعل، أنا أشعرُ بالوحدة دائماً، منذُ صغري لم أكُن أشعر أني أنتمي الى عائلتي ولا الى دمشق مدينتي، ولم أكن أعلمُ كيف أكوّن صداقات أو كيف أُصبح مقبولة للناس.
كنتُ الفتاة الغريبة في طفولتي، أمشي في استراحة المدرسة لوحدي، فلم أكن أعلم كيف أكون عكس ما أنا، ولا كيف أنتمي إلى مجموعة.
الشعور باختلافي عن محيطي يلازمني إلى اليوم، كل بداية تواصل تُبشر بخيبات أملٍ جديدة،لا أردّ على الرسائل بسهولة، لا أتكلّم مع أحد تقريباً لأنني لا أعلم كيف أخوض محادثات صغيرة.
لا أعلمُ كيفية التواصل بشكل سطحي، وأخاف أن أتعدّى على مساحة أحد، لا أعرفُ كيفيّة قراءة ردود الأفعال، وكما قالت كاثرين سميث بالتحديد، أشعرُ بأن هناك فاصلاً بيني وبين الناس.لا أستطيع عبوره ولن يحاولوا أن يعبروه.
تشرح كاثرين سميث الفراغ بوصفه مختلفاً عن الاكتئاب،لأن الشخص المصاب باضطراب الشخصية الحدية، يمكن أن يشعر بالفراغ حتى عندما يكون في مزاج لطيف،. وتضيف أنه في حال كان الطفل لا يستطيع تحمّل الانفصال، أو إذا لم يكن مقدمو الرعاية داعمين له في المقام الأول، أو إذا كان مقدمو الرعاية منزعجين من الطفل لأنه أصبح مستقلاً، عوضاً من تطوير شعور آمن بالذات، قد ينمو الطفل ليربط الاستقلال بألم لا يطاق والوحدة.
أشعر بفجوة داخل صدري مُستمرّة، لا تُملأ بشيء تقريباً، منذُ سنتين ونصف السنة وأنا أحاول بكلّ جهدي وطاقتي أن أملأ كل وقتي، بحيث لا أشعرُ بالعزلة ولا بالوحدة ولا بالفراغ، ولكني اختبر هذه المشاعر حتى وأنا على خشبة المسرح أؤدي أمام الجمهور، وأنا في التمرينات، وأنا في عملي، وأنا أستحمّ، في كل لحظة هذا الشعور لا يُملأ .
مُتعبٌ جداً أن تشعر بأنّ هناك جزءاً ناقصاً دائماً في نفسك، وأنّك لا تملكُ صورة واضحة عن نفسك، أما أدواتك للتعامل مع ما تشعر به، فهي محدودة جداً.
لا تستطيع أن تعيش مع هذا الشعور ولا أن تكون طبيعياً وتتجاهله، هو شعورٌ مُلحّ دائماً، يدفعك الى وضع نفسك في خطر الأذى، سواء المعنوي أو الجسدي، في محاولة طمسه.
رأسماليّة العلاج النفسي
تحوّل العلاج النفسي الى تجارة مربحة، إذ تتراوح جلسة الاختصاصي بين 50 إلى 100 دولار مُقابل 45 دقيقة.
قابلتُ الكثير من المعالجين والأطباء النفسيين، لا أشعر أنهم يفهمون الاضطراب هذا، لا أشعر بأنهم يُقدّمون علاجاً فعالاً، أشعرُ بأنهم يحكمون كثيراً، يخلطون بين من يُعاني من اضطراب ثُنائي القطب باضطراب الشخصيّة الحديّة أو يقدمون نصائح لا تُفيد.
نصحتني معالجة بأنّ أجرب كتابة مذكّراتي أو أن أرسم عندما أشعر برغبة في الانتحار أو أذية نفسي، كيف سأتوقّف في منتصف انهيار نفسي لأكتب أو أرسم أو أستمع إلى الموسيقى؟
5 سنوات وأنا أذهب إلى المُعالجين، لم أتحسن أبداً، لم يتغيّر شيء، وأصبحت لديّ تجارب صادمة كافية لكي لا أرغب في رؤية أي معالج جديد.
أنا لم أختر أن أكون هكذا، ولا أحد يعلم الحدود التي قد يصل إليها الإنسان لينجو من دماغه، قد يغرق في الكحول، قد يمارس الجنس، قد يتعاطى المخدرات، قد يدمن على أيّ شعور يجعله يتخطى يومه بأقل خسائر ممكنة، لم يقف أحد في مكاني، ولا يعرف أحد قصتي كاملة.
من السهل أن نوزّع النصائح والأحكام على بعضنا البعض وأن نتبادل الأكاذيب كما نتبادل البسكويت مع كأس من الشاي، ولكن في الواقع الأمر صعب، حقيقةً، أنا لا أجد من يفهمني أو يتواصل معي بأقل تفصيل عشته. في الواقع، لم يكن إلى جانبي من جميع محيطي الكبير جداً والذي يعرف الكثير عنّي، إلّا قلّة قلائل.
في الواقع، لا أستطيع أن أغفو بلا دوائي ولا أستطيع أن أستيقظ من دونه، لا أستطيع عيش حياة طبيعيّة، ما أعيشه الآن هو نصف حياة، لا يمكنني أن أبقى كما أنا لأن هذا أكثر من طاقة أي أحد على الاحتمال.
الدواء الذي آخذه يجعلني أشعر بالخدر، أو باللاشيء، ولكنّه يجعلني قادرة على أن أعمل وأختلط بالناس بنسبة 50 بالمئة، أنا أعتمد على هذه الـ 50 بالمئة لأبني مسيرة مهنيّة، لأحافظ على علاقاتي ولكي لا أؤذي نفسي أو من حولي.
أنا مُجبرة على العيش، يُنظر إلي على أني مجنونة أو ضعيفة أو شديدة القسوة، أفعل كل ما بطاقتي لأكون ضمن التصنيفات الطبيعية، على رغم أن ما يعتبرونه طبيعياً هو شخصيّات مُلمّعة، شخصيات تقوم في الخفاء بأشنع التصرّفات وأقول هذا عن تجربة، كيف سأكون مقبولة؟ ولدتُ بعقلٍ مُختلف وقلبٍ يملكُ الكثير من المشاعر.
كل ما أقوم به مبالغ فيه ويسبب الضغط لمن حولي، تذمّر زائد وجذب اهتمام زائد، هو ضغط، هو مزيّف، هو حقيقي، هو حقيقي أكثر من اللازم، هو ضعف، هو جنون، هو مرض .
لا يُفكّر أي أحد في حياتي قدمتُ له قليلاً من المشاعر. كم أستطيع أن أقدم أكثر. وأنني لا أطلبُ سوى شيء واحد. التواصل الحقيقي الفكري .أن لا أشعر بأنّني فوق طاقة أحد على التحمّل، أن تُعطى لي فرصة للحُب والتقبّل.
أن يُفهم أنني في معركة دائمة مع عقلي ومشاعري ونفسي. أنا لا أحُب أن أكون كما أنا، توجد لدي طاقة محدودة للسيطرة على كلّ شيء، فإن أحببت أبكي وإن رغبتُ في شيء أبكي، وإن اتخذتُ قراراً مصيرياً أعيش في حالة الفوضى لأشهر.
ووسط أحاديث الناس وابتساماتهم وأسئلتهم الكثيرة، كيف تقول لهم إنك منذ ساعات كنت على وشك أن تنهي حياتك؟
أشعرُ دائماً بأنني أطوف في الفضاء، لا أرض ثابتة أضع عليها قدميّ، لا يوجد شعورٌ واحدٌ ثابت. أستيقظُ كل يوم بتعريف جديد عن نفسي، أختبرُ الوقت بشكلٍ سورياليّ، فعندما أشعرُ بالألم يمتدّ الوقت لما يبدو كأنّه للأبد.
قبل أن أُنهي ما كتبته، أودّ أنّ أنوّه أن العالم المعاصر لم يُبنَ لمن مثلي، أيّ من نعاني من اضطرابات نفسيّة / عقليّة، لا يُؤخذ بالحسبان أبداً أننّا نمتلك أدمغة مُختلفة عن الأُخرى “الطبيعية”، لا تُؤخذ بالاعتبار المحن التي نمرّ بها، مثلاً، بعد انهيار من انهياراتي وبعد جرحي نفسي ومحاولتي الانتحار، أنهض في الصباح وأذهب إلى عملي، كأن شيئاً لم يكُن.
ومرّة، بعد محاولة للانتحار، انتهت في المستشفى، نهضت في اليوم التالي وذهبتُ إلى العمل.لا يمكنك أخذ يوم إجازة بداعٍ نفسي، لا يُفهم بأنّك تمر يومياً بمحن لا يختبرها الجميع، كأن تُعاني من أن تأكل أو تقوم بأبسط المهام اليوميّة أو حتى أن تأخذ قراراً بأن ترى أحداً من أصدقائك.
لا أستطيعُ الانهيار، لا أستطيع أن أدع الناس تشعر بما أشعر، فصلتُ نفسي عن مجتمعي، كي لا أمر بالأحكام والنصائح والجمل التي أسمعها عندما أحدّثهم بمَ أفكّر وما أمرّ به.
أمّا أنا وبعد هذا كله، توقفتُ عن البحث عن السعادة لأنني آمنت بأنني لا أستحقها.
ممثلة وكاتبة سورية
درج