الكاتبات في الجوائز الغربية والعربية/ بشير البكر
الإثنين 2024/03/11
تحتل الروائيات موقعاً مهماً في لوائح الفائزين بالجوائز الأدبية في الغرب منذ سنوات، ويكاد عددهن يبلغ النصف، وخصوصاً في بريطانيا، حيث حصلت خمس نساء من بين عشرة كتّاب على جائزة مان بوكر للرواية بين العامين 2011 و2022، على عكس الأمر في الجوائز العربية، التي تبقى نسبة الفائزات بها قليلة. ومثال ذلك جائزة البوكر للرواية العربية، التي حصلت فيها كاتبتان عربيتان على الجائزة، واحدة مناصفة العام 2011، وهي السعودية رجاء العالم مع الكاتب المغربي محمد الأشعري، والثانية نالتها العام 2019 الكاتبة اللبنانية هدى بركات عن رواية “بريد الليل”، وذلك بعد أكثر من عشرة أعوام على تأسيس الجائزة العام 2008.
ومن يومها، لم تفز بها كاتبة أخرى، وذهبت الجائزة للكتاب الذكور، رغم المشاركة النسائية الملموسة التي تعكسها اللوائح الطويلة، والتي كانت دورة العام 2019 أكثر تمثيلاً لها، حيث بلغت نسبة النساء 9 من 16، وظل هذا الحضور قوياً، وتظهر أرقام الأعوام الثلاثة الأخيرة ذلك. في دورة 2021، جاءت النسبة 4 من 16، وفي القصيرة 2 من 6، وفي دورة 2022، 4 من 16، و2 في القصيرة، وفي الدورة ما قبل الأخيرة 8 من 16 وفي القصيرة 3 من 6، وفي الأخيرة 6 نساء من بين 16 في اللائحة الطويلة، 2 من أصل 6 في القصيرة.
يجري تناول هذه الظاهرة عربياً، لكن من دون ملامسة فعلية للأسباب، التي تقف خلف عدم تجاوز الأعمال النسائية لحاجز اللائحة القصيرة، إلا نادراً. وهناك محاذير كثيرة تحول دون إثارة الأسباب بصراحة، خصوصاً من قبل الكاتبات اللواتي رشحن أنفسهن، ولم يصل بعضهن للائحة الطويلة أو القصيرة أو يحالفهن الفوز. وهناك أكثر من كاتبة وصلت للائحة القصيرة وكانت مرشحة للفوز بإجماع النقاد والصحافة الثقافية، لكن لجنة التحكيم خذلتها، وذهبت الجائزة إلى عمل لمرشح آخر اقل مستوى.
والملاحظة الجديرة بالاهتمام، أن عدم تمكن الكاتبات من تجاوز هذا الحاجز، لم يحل دون الارتفاع المتواصل في عدد المترشحات، مع أن هناك أسماء لامعة ولها اسهامات أساسية في الرواية العربية، انسحبت من ميدان المنافسة بعدما شاركت في أكثر من دورة، ومردّ ذلك إلى الإحباط من المعايير المعتمدة في إسناد الجائزة. ورغم ذلك هناك فارق كبير بين بدايات البوكر واليوم، إذ تضاعفت النسبة بين النساء المنافسات مرات عديدة. وفوق هذا وذاك، ارتفعت نسبة الأعمال التي تصعد للائحتين الطويلة والقصيرة، حتى وصلت إلى مستوى المناصفة في الدورة ما قبل الأخيرة.
هناك مفارقة تستحق التوقف أمامها، وهي تأكيد المشرفين على الجائزة ورؤساء لجان التحكيم، في كل عام، على أهمية كتابة المرأة، وإيلاء الموضوعات التي تتناولها كتابات النساء اهتماماً خاصاً، لكن هذا الأمر لا ينعكس على صعيد الجائزة، والمرة الوحيدة التي فاق فيها عدد الكاتبات الكتّاب هي دورة العام 2019، في الطوية 9 من 16، وفي القصيرة 4 من 6، وفازت فيها الكاتبة هدى بركات، وكانت لجنة التحكيم تتمتع بحضور نسائي لافت: الشاعرة فوزية أبو خالد، الشاعرة زليخة أبو ريشة، الناقدة والمترجمة الصينية تشانغ هونغ هي، والناقد المغربي شرف الدين ماجدولين. وهذا يفسر أن تركيبة لجنة التحكيم قادرة أن تغير اتجاه الجائزة كلياً.
إزاء ذلك هناك الكثير من الأسئلة التي تذهب للبحث عن حل لهذا اللغز. وغالباَ ما تدور نقاشات على هامش كل دورة، بعضها يضع اليد على مكامن الخلل، والبعض الآخر يذهب نحو التشكيك. ومهما يكن من أمر، هناك إمكانية لحلول لا تحتاج إلى جهد كبير، تقوم على وضع معايير مهنية واضحة، يتم العمل بها من لحظة قبول طلبات الترشيح، ومن ثم عملية الفرز، ومن بعدها التحكيم النهائي.
يبدو أن بعض المتحكمين بالجوائز في العالم العربي، ما زالوا ينظرون إلى الكتابة من منظور التقسيم بين رجل وامرأة، وبالنسبة لهم هناك رواية نسائية وأخرى رجالية، وما يكتبه الرجل يختلف عما تكتبه المرأة، ولكل منهما عوالمه الخاصة، مع الاعتبار بأن موهبة المرأة على التحليق عالياً محدودة، ولا تضاهي تلك التي يتمتع بها الكاتب الرجل. وفي هذه الحالة لا يمكن تبرئة أصحاب هذه النظرة من التمييز والتحيز، وهو ما نلاحظه واضحاً في الجوائز.
هذا التعامل الفوقي مع أدب المرأة ليس تهمة موجهة لأحد بعينه، أو مسألة محدودة داخل بعض الأوساط، بل هي ذات جذور ضاربة في واقعنا العربي، وما زالت آثارها باقية لدى بعض الثقافات الغربية التي بدأت تتحرر منها منذ عقود قريبة، وهذا ما يبرر إنشاء جوائز خاصة بالنساء في بعض الدول الغربية، على سبيل كسر احتكار الرجال للجوائز المهمة. وبفضل ذلك تم رد الاعتبار لكتابة المرأة، وشكل عامل ضغط لتصحيح النظرة الضيقة.
الحل في جميع الأحوال ليس باستحداث جائزة خاصة بكتابات النساء، ولا بتخصيص نسبة معينة من الجوائز للنساء، كما يحصل في توزيع مقاعد بعض المؤسسات التي تعتمد “التمييز الإيجابي”، بل باتباع معايير مستقلة تنظر إلى الكتابة بتجرد عن جنس كاتبها، سواء كانت امرأة أم رجلاً، وإذا نجحت مؤسسات الجوائز في تحقيق هذه المعادلة، سوف تتغير النتائج بشكل تلقائي.
المدن