عبد الرحمن الحاج مدير “الذاكرة السورية” لـ العربي القديم: لهذا السبب حجبنا سير بعض الشخصيات!
حوار وتعقيب: غسان المفلح
العربي القديم
24 مايو، 2024
تابعت الكثير، مما كتب عن مشروع “الذاكرة السورية”، هذا المشروع الذي أطلقه المركز العربي للدراسات والأبحاث، ومركزه في الدوحة. المشروع يترأسه الصديق الدكتور عبد الرحمن الحاج الذي شكل هذا المشروع بالنسبة له طموحاً، سعى لتحقيقه، سواء على المستوى الشخصي أو العام، معه بالطبع مجموعة من السوريين المهتمين بهذا المشروع. إنها مهمة تتمحور حول إبقاء سردية الثورة، وتفاصيل حدثها في ذاكرة ما محفوظة إلى الأبد، خاصة في ظل الانكسارات المتعددة الأوجه التي أصابت جماهير الثورة ونخبها، منذ ثلاثة عشر عاماً، بما تحويه من وثائق، ووقائع مكتوبة ومرئية ومسموعة، ومنها ما هو شفاهي أيضاً، فلكم أن تتخيلوا حجم هذه المهمة.
سأبدأ ببوست للصديق حسام القطلبي، يشكك من خلاله بهذا العمل، بالمعنى النسبي للعبارة. في الحقيقة لفت نظري؛ لأنه يتحدث عن مؤسسة مهمة من مؤسسات الثورة، وهي لجان التنسيق المحلية، وهذه ليست هفوة، بالطبع بالاعتماد على بحث حسام في الذاكرة، يتحدث حسام كيف لنا أن نثق بالذاكرة، وهي لا تأتي على ذكر لجان التنسيق المحلية! إضافة إلى كتابات تناولت المشروع بالتشكيك والاتهام، لكن ما تابعته يعبر عن الصدى الإيجابي الذي تركه الإعلان عن هذا المشروع أيضاً. قبل أن أدلو بدلوي في ذلك، توجهت ببعض الأسئلة إلى الصديق الدكتور عبد الرحمن الحاج؛ كي أكتب هذه المادة بشيء من التوثيق والمسؤولية. كانت أجوبته واضحة، وكان رحب الصدر.
نص الحوار:
س: ماذا تعني لك شخصياً الذاكرة السورية… خاصة أنك وجهت رسالة لوالدك رحمه الله أنك أنجزت؟!
تعني لي شيئين: مقاومة النسيان، ومنع مراكز السلطة المختلفة من تزوير الحقيقة، كما حصل في العقود السابقة. في الثمانينات جرت فظائع، وأهوال، راح ضحيتها عشرات الآلاف في حماة وفي السجون، سحقت مدينة بأكملها مع سكانها، واعتقل الألوف واختفوا في السجون، وحيث غابت الرواية والتوثيق. وحده النظام تحكّم بالرواية، صار الضحايا منسيين، وتفاصيل الوقائع شبه معدومة، أسباب عديدة سمحت بذلك، لكننا اليوم في وضع مختلف، سمحت تكنولوجيا الاتصالات بإضعاف قدرة مراكز السلطة المختلفة على التحكم؛ ما أتاح فرصة استثنائية للتوثيق، وحفظ الذاكرة الجماعية عن الأحداث، وقد قمنا باستغلالها.
س: هل تعتقد أنكم كفريق عمل تخلصتم من حمولتكم الأيديولوجية والسياسية في التعاطي مع تفاصيل الحدث السوري، وزوايا نظر الرواة أو الموثقين؟
يمكن لكل إنسان أن يدعي أنه غير متأثر بتحيزات مسبقة، ولكن ليس المطلوب من الباحثين الحياد، المطلوب منهم الموضوعية، والالتزام بمنهجية علمية، تلتزم بالمعطيات المتوفرة هذا أولاً، وثانياً الابتعاد عن الأحكام، فما نقدمه هو مادة مرجعية، لا تتضمن أحكاماً قيمية، الأحكام متروكة للقراء والباحثين. ثالثاً السعي إلى الشمول، وعدم تغييب أطراف على حساب أطراف أخرى، لقد حاولنا أن نفعل ما بوسعنا؛ لتجنب أي عملية تهميش أو إقصاء، لا يمكن تقديم ذاكرة وطنية، عبر عمليات الإلغاء والتجاهل، لكن أيضاً لا يعني أننا حققنا إحاطة تامة، ولا ندعي ذلك، لقد قمنا بالعمل الأساسي في ذلك، ولكننا نعلم أن شمول الأحداث وتعقيدها، يتطلب الكثير من الوقت لضمان الإحاطة بها، ويستطيع أي طرف أن يرى ببساطة أن الشمول هو قاعدة أساسية في العمل الذي قمنا به في المنصة.
نحن في إطلاق المرحلة الأولى لم ننشر كل ما يتعلق بالشخصيات والكيانات، هنالك أكثر من 15 ألف كيان ظهرت في الأحداث، أو تم رصدها في عملية المسح الجغرافي، نشر منها نحو 10500، أي إن نحو 4500 كيان لا يزال في طور المراجعة، كذلك الأمر بالنسبة للشخصيات، لقد تم نشر نحو 6000 تعريف من أصل نخو 14000، وبعض هذه الشخصيات حجبنا سيرتها الذاتية لأنها قيد التحرير، لهذا فإن عدم وجود شخصية الآن في المنصة، لا يعني أنها غير موجودة، نحن نقوم بالتحرير وننشرها تباعاً.
هذا النشر المتدرج للشخصيات، قد يعطي انطباعاً مضللاً في التحيز، لكن هذا غير دقيق. كل شخصية ظهرت في الأحداث، أو شاركت فيها أو ظهرت في وثيقة كجهة مسؤولة، أو في مقطع فيديو في حدث كشخص محوري فيه، تم إدراجها في القائمة، باستثناء الشخصيات المعروفة، هنالك الآلاف من الشخصيات التي لعبت أدواراً تفصيلية، تقدم المنصة لأول مرة تعريفاً بها، وتخرجها من التهميش والنسيان.
س: هل يمكن أن نكون قد وقعنا في أخطاء أمام هذا العمل الهائل؟
نعم بالتأكيد هذا وارد، وفرصة التصحيح متاحة للجميع، كيف ذلك؟ منحتنا التكنولوجيا فرصة غير مسبوقة لمشاركة الناس، خارج مراكز السلطة في كتابة تاريخهم، يمكن لأي شخص في أي مادة من المواد المنشورة في كل الأقسام إرسال ملاحظة، هنالك زر “أرسل ملاحظة” بالأحمر في نهاية كل مادة، على يسار الصفحة، يتيح لأي شخص أن يقوم بتقديم ملاحظة تصويبه، أو يقدم تفاصيل إضافية؛ لتحسين المحتوى. باختصار بفضل التكنولوجيا صار بإمكان الجميع المشاركة، ونحن لم نوفر الفرصة، بدلاً من التشهير والتقليل من قيمة المحتوى، يمكن العمل على تحسينه، وتصويب ما قد يكون خطأ، ورد هنا أو هناك، هذه فرصة؛ لتثبيت الأحداث ومقاومة محو الذاكرة.
س: كيف تعاطيتم مع وقائع ملف التفاصيل السياسية لتيارات المعارضة؟
بكل جدية، لم نتجاهل أي واقعة من الوقائع ذات الدلالة، لم ندخل في أحكام قيمة، قدمنا وقائع تم تدقيقها والتثبت منها، على سبيل المثال هنالك 29000 يومية، رجعنا فيها إلى 59 ألف وثيقة وتقرير، ونحو نصف مليون مصدر، كانت عملية شاقة للغاية، لم ندون شيئاً، لسنا متأكدين منه، قدمنا يوميات دقيقة، يمكن الاعتماد عليها، حفظنا الكثير من المصادر على شكل ملفات مرفقة؛ كي لا تضيع وتمحى.
س: أخيراً: ما صحة ما أثاره الصديق حسام حول غياب ذكر لجان التنسيق؟
اللجان وفروعها موجودة على المنصة، لدينا شهادات لقادة لجان التنسيق: مازن درويش، أسامة نصار، خليل الحاج صالح، منهل باريش، إبراهيم فوال، (أسامة نصار وإبراهيم الفوال كانوا في دوما مع رزان حتى اختطافها)، ومازن من أبرز مؤسسي اللجان، لكننا لم نستطع الحصول على شهادة واحدة لجيش الإسلام.
المفكر الفلسطيني عزمي بشارة يتوسط سهير الأتاسي وعبدالرحمن الحاج في حفل إطلاق المشروع بالدوحة
التعقيب على الحوار:
لا للتشكيك، وقضية أنس أزرق أخذت أكبر من حجمها!
في الحقيقة لم يتسنَّ لي استعراض حقيقي للمنصة، رغم أنني حاولت أن أبحث عن بعض ما كان يهمني فوجدته، صحيح أنه غير مكتمل، ويحتاج لإضافات، لكن ما رأيته بالمجمل جيد؛ لكي أقول بداية: المشروع يستحق الدعم النقدي طبعاً.
ملاحظاتي الأخيرة والسريعة:
أولاً: الحديث عن المنصة، وربط المشروع بالجهة الداعمة للتشكيك فيه، دون الاطلاع عميقاً عليه أمر، يحتاج لوقفة موضوعية لأصحاب هذا التشكيك، بعضهم يتبعها بقضية أنس أزرق. أعتقد هذه القضية أخذت أكبر من حجمها، من خلال الحديث عنها في كل مشروع يمكن أن يطرح.
ثانياً: لماذا لا يتم العمل على منصات أخرى، بدل الدخول في سجالات تشكيكية لا طائل منها ولا تفيد؟
ثالثاً: الجهد المبذول حقيقة جهد جبار، يشكر كل من ساهم فيه، وبغض النظر عن موقعه.
رابعاً: هل نحن أمام عملية تتريخ، أم أمام عملية تأريخ، أم هي عملية توثيق فقط لسردية الثورة؟ مع الأخذ بعين الاعتبار، كما يقول المثل الشعبي: “يلي ماله هوى ما له دين”، هذا الأمر تحسمه قادم الأيام، من خلال الاطلاع المعمق والكافي على هذا الجهد الجبار، بعدها يصير للنقد والتشكيك أرضية موضوعية، أما شلف الكلام بدون اطلاع، فهذه عادة يجب أن نتخلى عنها جميعاً.
في النهاية، لا بد من تثمين كل الجهود التي أخرجته للنور.
غسان المفلح