تحقيقات

عمليات الأمم المتحدة الإنسانيّة في سوريا 2021-2022: التحديات والحلول السياساتيّة

عمليات الأمم المتحدة الإنسانيّة في سوريا 2021-2022:

التحديات والحلول السياساتيّة

كرم شعّار، نهى القمشة، محمد عرواني، ديمة محمد

موجز سياساتي

في عام 2022، تعاون مرصد الشّبكات السياسيّة والاقتصادية مع البرنامج السّوري للتطوير القانوني وقاموا بتحليل خلفيات أكبر 100 مورّدٍ سوريٍّ للأمم المتحدة خلال الفترة 2019-2020 كما وردوا في قاعدة بيانات المشتريات الخاصّة بالأمم المتحدة. استخدمت التحليلات معلوماتٍ من مصادرَ متنوعةٍ مثل قاعدة بيانات المرصد والسّجلات التجاريّة في سوريا والمواقع الإخبارية ووسائل التّواصل الاجتماعي وشبكات الأعمال لتحديد احتمالية انتهاك أولئك الموردين لحقوق الإنسان متّبعين المنهجية التي طورتها هيومن رايتس ووتش والبرنامج السوريُّ للتطوير القانوني. واعتمد التقرير أيضًا على مقابلاتٍ مع موظفين سابقين في الأمم المتحدة وخبراء في عمليات الاستجابة الإنسانية في سوريّا. وكان الهدف من التّقرير فهم عمليات الشّراء في الأمم المتّحدة والمبادئ التّوجيهيّة والتّحديات، لتحديد القضايا التي قد تؤدّي إلى منح عقودٍ لكياناتٍ منتهكةٍ لحقوق الإنسان.

يأتي هذا التّقرير مكمّلاً للتّقرير السّابق وله ثلاثة أهداف:

    اتّباع نفس المنهجية المطبّقة في التّقرير السّابق، لتحديد مستويات مخاطر مورّدي الأمم المتحدة من القطّاعين الخاص والمشترك في سوريّا للأعوام 2021-2022، والتي لم تكن متوفرة حينها. ‌

    لأوّل مرّة، تعقّب مشتريات الأمم المتّحدة من المؤسّسات الحكومية السوريّة خلال الفترة التي تتيح بها الأمم المتحدة بيانات المشتريات على شكل قاعدة بياناتٍ (2016-2022). ‌

    لأوّل مرّة، تقييم شفافية عمليات الأمم المتّحدة في سوريّا من خلال:

        تتبّع نسبة المشتريات من المورّدين الذين تتكتم الأمم المتحدة على هويّاتهم داخل سوريّا عبر الزّمن ومقارنتها بدولٍ أخرى لديها استجاباتٌ إنسانيةٌ كبيرةٌ.

        استخدام بياناتٍ مسرّبةٍ من وزارة الشّؤون الاجتماعيّة والعمل السّوريّة، تظهر شركاء الأمم المتحدة من المنظّمات غير الحكوميّة والتي لا تقوم الأمم المتّحدة بنشرها للعامّة على الإنترنت.

وعلى الرّغم من توفّر أدلّةٍ على توجيه المساعدات الإنسانيّة إلى غير مستحقّيها في مناطق سيطرةٍ أخرى في سوريا، وإن كان بدرجة أقلَّ، يركّز هذا التّقرير على المناطق التي يسيطر عليها النظام السّوريُّ وذلك بسبب توفّر البيانات الجّاهزة للتّحليل.

تُظهر نتائج تحليل البيانات انخفاضًا واسع النّطاق في المشتريات من سوريّا عبر مختلف وكالات الأمم المتحدة، حيث أبلغت 10 وكالاتٍ من أصل 14 عن انخفاض مشترياتها في الفترة 2021-2022 مقارنة بـ 2019-2020. وهو ما قد يشير إلى تحوّلٍ في سياسة الأمم المتّحدة حول مصادر توريد لوازم الاستجابة الإنسانيّة في البلاد. على الرغم من أنّ تجنّب المشتريات من داخل الدّولة المستهدفة يضرُّ بالاقتصاد المحليّ في الظّروف العادية، إلّا أنّه مرحّب به في السّياق السّوري في ضوء النّهب الممنهج للمساعدات.

وفقًا لبياناتِ مشتريات الأمم المتّحدة، في الفترة 2021-2022، تم شراء ما مجموعه 308,759,391 دولارًا (309 مليون دولارٍ) من مورّدين مقيمين في سوريّا. يغطي تقييمنا للمخاطر لأكبر 100 مورّد خلال هذين العامين ما نسبته 95% من إجماليّ المشتريات من المورّدين من القطاعين الخاص والمشترك الذين تفصح الأمم المتّحدة عن أسمائهم؛ وهو ما يسمح للتّقرير بإطلاق تعميماتٍ حول مشتريات الأمم المتحدة بقدرٍ معقولٍ من اليقين.

فيما انخفضت المشتريات من داخل الدولة، ولكنّها بالمقابل أصبحت أكثر خطورةً نسبيًّا من حيث احتمالية تورّط المورّد بانتهاكات لحقوق الإنسان. حيث لاحظنا ارتفاع نسبة المشتريات من المورّدين ذوي مستويات الخطورة “المرتفعة” و “المرتفعة جدًّا” خلال الفترة 2021-2022 مقارنةً بالفترة 2019-2020، وهو ما قابله انخفاضٌ بنحو ستِّ نقاطٍ مئويةٍ في المشتريات من المورّدين ذوي الخطورة المتوسطة. وشكّل المورّدون ذوو المخاطر المرتفعة جداً والمرتفعة 52% خلال الفترة 2021-2022، مقارنة بـ 47% في العامين السابقين. ومن غير الواضح ما إذا كان هذا التّحول ناتجًا عن خروج المورّدين ذوي المخاطر المنخفضة من السوق في ضوء تزايد ممارسات النّظام في مضايقة رجال الأعمال. وأيضًا ينعكس ارتفاع المشتريات من المورّدين الخطرين على زيادة حصّة المشتريات من المورّدين المملوكين لأفرادٍ خاضعين للعقوبات: من 23% في الفترة 2019-2020، إلى 31% في الفترة 2021-2022. ومعظم هؤلاء المورّدين الخاضعين للعقوبات هم من المقرّبين من نظام الأسد، مثل سمير حسن، سامر فوز، محمد حمشو، وبلال النعال.

تكشف قائمة أكبر 100 مورّدٍ خلال الفترة 2021-2022 كذلك أن المورّدين ذوي مستويات المخاطر الأعلى يميلون إلى تلقّي تمويلاتٍ أكبر من الأمم المتّحدة، وهو ما لوحظ أيضًا – وإن كان بدرجةٍ أقلَّ – خلال الفترة 2019-2020. لقد عزّزت سنوات حكم القلّة الفاسدة الرّوابط بين أكبر الشّركات والطّبقة الحاكمة، مما رسَّخ رأسمالية المحسوبية التي انتشرت بشكلٍ أكبر خلال حكم بشّار الأسد. وقد تزايد هذا الاتّجاه منذ صراع عام 2011، مما أدّى إلى ظهور طبقةٍ جديدةٍ من روّاد الأعمال الذين استفادوا في البداية من الحرب ويواصلون الآن توسيع احتكارهم لقطّاعاتٍ مختلفةٍ.

للتّحقيق في مشتريات الأمم المتّحدة من المؤسّسات الحكومية، قمنا بمراجعة قاعدة بيانات المشتريات وحدّدنا جميع المورّدين الحكوميين منذ عام 2015 وحتّى 2022. بينما ينطبق تصنيف المخاطر الذي تمّت مناقشته أعلاه على المورّدين من القطّاعين الخاص والمشترك فقط، فلقد قدمنا في هذه الجزئية باعتماد التقييم النوعي لمدى إشكاليّة هكذا مشتريات لا سيما في ظلِّ عدم توفّر مورّدي بعض السّلع أو الخدمات في القطّاع الخاص.

من بين 727 موردًا مختلفًا خلال الفترة 2021-2022، تيين أن عشرين منهم مؤسّسات حكوميّة، مما يعكس صغر حجم التّوريدات من المؤسّسات الحكوميّة مقارنةً بالاستجابة الإنسانيّة بشكلٍ عامٍّ، فيما تراوحت قيمة تلك التّوريدات بين 1-2 مليون دولارٍ سنويًا بين عامي 2015 و 2021. في الحقيقة، يتم منح بعض الموردين عقودًا بدون قيودٍ وذلك بسبب عدم توفّر البدائل، كما في حالة شركة الكهرباء، والتي هي المورّد الوحيد للكهرباء في سوريّا.

على أيّ حالٍ، ونظراً للمستويات المرتفعة – بشكلٍ استثنائيٍّ – من الفساد الحكومي في سوريّا، ينبغي الحضّ أينما أمكن على عدم التعاقد مع مؤسّسات الدّولة. في عام 2023، احتلّت سوريّا المرتّبة 177 من أصل 180 دولةٍ من حيث مؤشر مدركات الفساد. وكما تشير المبادئ التوجيهية للأمم المتّحدة، “يجب على الدّول اتّخاذ خطواتٍ إضافيّةٍ للوقاية من انتهاكات حقوق الإنسان من قبل المؤسّسات الحكوميّة أو التي تسيطر عليها الدّولة، أو التي تتلقّى دعمًا وخدماتٍ كبيرةً من وكالاتها.”

في عام 2022، تجاوزت مشتريات المنظّمات الحكوميّة والقطاع المشترك مثل الهلال الأحمر العربيّ السوريّ و”محروقات-سادكوب” 3 ملايين دولارٍ. كذلك ارتفعت مشتريات المحروقات في عام 2022 ومن المرجّح أن ترتفع أكثر، حيث بدأ النّظام في فرض أسعارٍ أعلى بكثير من التّكلفة في أعقاب زلزال شباط 2023 دون أيِّ معارضةٍ علنيةٍ من الدّول المانحة والأمم المتّحدة.

وممّا يثير القلق بشكلٍ خاصٍّ هو افتقار الأمم المتّحدة إلى الشّفافية. في عام 2022، سجّلت سوريّا أعلى حصّةٍ من المشتريات من المورّدين الذين تتحفظ الأمم المتّحدة على هوياتهم في قاعدة بياناتِ مشترياتها لأسباب “الأمن” أو “الخصوصيّة” مقارنةً بأكبر خمس دولٍ في العالم من حيث حجم الاستجابة الإنسانيّة. وتظهر البيانات أنّ الوكالات الأمميّة التي تشتري من مورّدين لم يتم الإعلان عن هويّاتهم تميل إلى أن تكون متّهمةً بارتكاب المزيد من الانتهاكات. مثلًا، اتّهمت وكالة أسوشيتد برس منظّمة الصّحة العالمية، الرّائدة في مثل هذه المشتريات، بتسليم “قطعٍ ذهبيةٍ وسياراتٍ” إلى مسؤولي النّظام.

المشتريات بكل حالٍ لا تشكّل سوى حصّةٍ صغيرةٍ من الإنفاق الإنسانيِّ الإجماليّ للأمم المتّحدة. وتشمل البنود الكبيرة الأخرى الحصول على مشترياتٍ من خارج سوريا، رواتب الموظفين، والشراكات المحلية مع منظّمات المجتمع المدنيّ.

حصل معدّو هذا التّقرير على مجموعةٍ من البيانات المسرّبة في تمّوز 2023 من وزارة الشّؤون الاجتماعيّة والعمل السّورية. تحدّد البيانات لكلّ شراكةٍ 1) المنظّمة السّورية الشّريكة، 2) وكالة الأمم المتّحدة الشّريكة، 3) المبلغ المخصّص من قبل الأمم المتّحدة بالدّولار الأمريكي والليرة السّورية، 4) نوع الأنشطة المموّلة، 5) عدد المستفيدين نظريًّا من المساعدات 6) محافظة التّنفيذ، 7) قرار الدّائرة الحكوميّة المسؤولة حول السّماح بالبدء (أو عدم البدء) بالشّراكة والاستمرار (أو التّوقف). يشير سعر الصّرف الذي تشي عنه المبالغ المقرّرة بالدّولار والليرة في مجموعة البيانات هذه، إلى أنّ البيانات تغطي الفترة من حزيران 2020 إلى نيسان 2022.

بالنّسبة للمنظّمات غير الحكوميّة التي تمولها الأمم المتّحدة والتي تظهر في القائمة المسرّبة، فقد أظهر العديد منها دعماً صريحاً وقويّاً لنظام الأسد، الذي تسبّب بجزءٍ كبيرٍ من الكارثة الإنسانيّة على السّوريين في المقام الأول وارتكب انتهاكاتٍ جسيمةً لحقوق الإنسان. تسلّط مجموعة البيانات الضّوء على التمويل التفصيلي للأمانة السّورية للتنمية التي تقودها أسماء الأسد، ومنظّماتٍ غير حكوميّةٍ عديدة تدعو بقوة إلى إعادة انتخاب الأسد مؤخرًا، وكذلك إلى الشّراكة مع نجل وزير الدّفاع الأسبق.

تكشف مجموعة البيانات أيضًا أنّه بين حزيران 2020 وشباط 2021، تلقّت منظّمةٌ غير حكوميّةٍ تدعى “نور للإغاثة والتّنمية” ما يقارب 1.8 مليون دولار من صندوق الأمم المتحدة للسّكان وأكثر من 170 ألف دولارٍ من منظمة الصّحة العالمية، إلى جانب شراكاتٍ سابقةٍ أخرى مع اليونيسف ومفوّضيّة الأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين. تنشط هذه المنظّمة غير الحكوميّة في عدّة مناطق مثل مخيّم اليرموك ويلدا وبيت سحم. ويرأس نور للإغاثة والتّنمية “محمد جلبوط”، المتّهم بالتّعاون مع أجهزة الأمن السّورية وتسهيل الإجراءات الأمنيّة ضد نشطاء المعارضة، بما في ذلك انتزاع الاعترافات القسريّة والتّعذيب الذي أدّى بحسب مصادر إلى مقتل المصوّر الفلسطينيّ نيراز سعيد.

جلبوط أيضاً مرتبطٌ بميليشيا لواء القدس الموالية للنّظام، و”الجبهة الشّعبيّة-القيادة العامّة” المدرجة على لوائح الإرهاب في عددٍ من الدول. وتظهر علاقات جلبوط الدّوليّة أيضًا من خلال فعالياته مع المسؤولين الروس ومشاركته في حواراتٍ سياسيّةٍ سوريّةٍ رفيعة المستوى. بالإضافة إلى تمويله من قبل العديد من وكالات الأمم المتّحدة على الرّغم من الاتّهامات الموجّهة له بارتكاب انتهاكاتٍ لحقوق الإنسان، يواصل جلبوط المشاركة في الاجتماعات التي تقودها الأمم المتحدة وآخرها تمثيل المجتمع المدنيّ السوريّ في جنيف في “غرفة دعم المجتمع المدنيّ” في 29 كانون الثاني 2024.

لمطالعة ملخص عن التقرير (بالإنكليزية)، اضغط هنا

لمطالعة التقرير كاملا (بالإنكليزية)، اضغط هنا

لمطالعة الأداة التفاعلية التي تظهر أهم ١٠٠ مورّد ومستويات الخطر وتعاملاتهم مع الأمم المتحدة، اضغط هنا

مرصد الشبكات الاقتصادية والسياسية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى