لماذا لم يوقع بايدن قانون مناهضة التطبيع مع النظام السوري؟ – مقالات مختارة-
عرقلة واشنطن لـ”مناهضة التطبيع مع النظام”..ضغوط عربية أم مكافأة وخدمات؟
في 13/05/2024
بينما صادق الرئيس الأمريكي، جو بايدن، على قانون “الكبتاغون 2” الذي يسعى لتفكيك شبكات نظام الأسد لتجارة المخدرات، أثارت عرقلة إدارة البيت الأبيض لتمرير قانون “مناهضة التطبيع مع نظام بشار الأسد” العديد من التساؤلات.
وقُدم القانونان ضمن حزمة قوانين جديدة يريدها الرئيس الأمريكي بسرعة، أهمها المساعدات العسكرية لأوكرانيا وإسرائيل، إلا أن الأول وصل إلى طاولة الرئيس وفق التسلسل المعمول به في القوانين الأمريكية، بعد الموافقة عليه في مجلس النواب ثم الشيوخ، أما الثاني فكانت محطته الأخيرة في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ دون التصويت عليه حتى الآن.
ورغم أن القانونين يستهدفان نظام الأسد ويضيقان الخناق عليه اقتصادياً وسياسياً، إلا أن إقرار القانون الأول ورفض التوقيع على الثاني، فتح باب التحليلات حول سبب العرقلة الأمريكية، خاصة أن الرفض جاء بعد أيام من تصريح رئيس النظام، بشار الأسد، بشأن عقد لقاءات مع مسؤولين أمريكيين، وإمكانية التوصل إلى تفاهم مستقبلي.
“فرصة”..و”تمديد قيصر”
وعلى مدى الأشهر الماضية، لعب نشطاء سوريون داخل الولايات المتحدة، دوراً رئيساً في تبني عدد من النواب الأمريكيين لمشروع قانون تحت اسم “مناهضة التطبيع مع نظام الأسد”، بهدف “حظر أيّ إجراء حكومي أمريكي من شأنه الاعتراف بأية حكومة سورية، يرأسها بشّار الأسد أو تطبيع العلاقات معها”.
وجاء مشروع القانون بعد موجة انفتاح دول عربية على نظام الأسد بعد قطيعة لنحو عقد، إذ بدأ بشق طريقه من مجلس النواب وطرح لأول مرة في أيار/ مايو 2023، قبل أن يدخل في حالة من الجمود حتى 14 شباط/ فبراير 2024، حيث أقره المجلس بأغلبية ساحقة وصلت إلى 389 صوتاً، فيما رفضه 32 صوتاً بينهم 28 من الحزب الديمقراطي.
ومن خلال مراجعة الصفحة الخاصة بمشروع القانون على موقع “الكونغرس الأمريكي”، فإنه وصل إلى مجلس الشيوخ وقُرأ مرتين، ثم أحيل إلى لجنة العلاقات الخارجية، دون التصويت عليه حتى الآن.
وحسب التسلسل المعمول به في إمريكا لإقرار قوانين مماثلة، فإنه يقر أولاً من قبل مجلس النواب الأمريكي، ثم يرسل إلى مجلس الشيوخ الذي قد يطلب تعديلات جديدة على نص القانون، ما يعني إعادته إلى مجلس النواب للتصويت عليه مجدداً.
وحاول رئيس مجلس النواب الأمريكي مايك جونسون، إدراجه ضمن حزمة القوانين المستعجلة، لكن البيت الأبيض ورئيس لجنة العلاقات الخارجيّة في مجلس الشيوخ، السناتور الديمقراطي بين كاردين، قاما “بتعطيل تقدم مشروع قانون مناهضة التطبيع”، حسب ما كشفته صحيفة “واشنطن بوست” مؤخراً.
ويعتبر كاردين من السياسيين الداعين إلى محاسبة نظام الأسد وعدم السماح له بـ”مسح جرائم الحرب التي ارتكبها وتطبيع علاقاته مع المجتمع الدولي”.
وحول مصير مشروع القانون، يقول مسؤول السياسات في المجلس السوري الأمريكي، محمد علاء غانم، إن “المشروع لم يلغ بشكل كامل”، وإنما كان هناك فرصة لتعجيل صدوره وإقراره ضمن حزمة القوانين المستعجلة.
ويضيف غانم في حديثه لـ”السورية.نت”، أن “الفرصة التي ضاعت هي تعجيل إقرار مشروع القانون، لكنه ما زال مطروحاً أمام مجلس الشيوخ”.
أما مدير البرنامج السوري في المجلس الأطلنطي للأبحاث، قتيبة الإدلبي، فقد توقع يدوره أن يكون هناك جهود إضافية، خلال الأشهر المقبلة، لتمرير أجزاء من القانون، مشيراً إلى أنه في “الحد الأدنى سيتم تمرير تمديد قانون قيصر لفترة ما بين 5 إلى 10 سنوات”.
ما هو القانون؟
يهدف قانون مناهضة التطبيع إلى “سن قوانين جديدة، وتحديث وتمتين وتوسيع قوانين سابقة متعلّقة بالشأن السوري”، ويقسم إلى أجزاء:
القسم الأول متعلق بحظر الاعتراف بالأسد أو بتطبيع العلاقات مع أيّ حكومة يرأسها، وتطبيق قانون قيصر لردع نشاطات إعادة الإعمار في المناطق التي تخضع لسيطرة النظام.
كما يحرم القانون “أي مسؤول أو موظف فيدرالي اتخاذ أي فعل، أو صرف أي مبلغ ماليّ من شأنه أن يشكل أي اعتراف من قبل حكومة الولايات المتّحدة، صراحةً أو ضمناً، بأي شكل من الأشكال، ببشار الأسد، أو بأية حكومة سورية يرأسها”.
ويطلب من وزير الخارجية الأمريكي، أنطوني بلينكن، تقديم تقرير سنوي استراتيجي إلى اللجان المختصة في الكونغرس يصفُ فيهما الأفعال التي اتّخذتها الدول للتطبيع أو الاتّصال مع نظام الأسد.
ويجب أن تقدم الحكومة الأميركية أيضاً تقريراً بالخطوات التي تتخذها لمكافحة اعتراف أية دولة أخرى بنظام الأسد أو تطبيعها للعلاقات معه.
أما القسم الثاني، فإنه يتعلق بتعديل قانون “قيصر”، الذي أقر أواخر 2019 ودخل حيز التنفيذ في يوليو 2020، بحيث تطال عقوباته أي جهة أجنبيّة “تقدم دعماً مالياً أو مادياً أو تقنياً للحكومة السورية، ومعاقبة أي شخص أو جهة تشترك بأيّ شكل من الأشكال في سرقة المساعدات الإنسانية، أو من يستولي على ممتلكات السوريين”.
إضافة إلى معاقبة من يساعد النظام في أي صفقة غاز أو كهرباء أو أي مصدر من مصادر الطّاقة الأخرى لم تُصدَر إجازة من وزارة الخزانة الأميركيّة للسماح بها.
أما القسم الآخر يتعلق بالتلاعب في منظومة الأمم المتحدة، ويطالب مشروع القانون من وزير الخارجية الأمريكي، تقديم تقرير للجان العلاقات الخارجيّة في مجلسي الشّيوخ والنوّاب عن تلاعب نظام الأسد بالأمم المتّحدة في سورية، كما يطلب الكشف عن مسؤولي وموظفي الأمم المتحدة الذين تربطهم صلات بنظام الأسد.
إضافة إلى الكشف عن الجهات المرتبطة بنظام الأسد التي تلقت تمويلاً أو حصلت على عقود أو منح أو دخلت في شراكات رسمية مع الأمم المتحدة، بما فيها الأمانة السّورية للتنمية، والهلال الأحمر العربي السوري.
لماذا كُبحَ القانون؟
اختلفت الأراء والتحليلات وراء رفض تمرير مشروع القانون، إذ بينما اعتبره البعض رسالة من البيت الأبيض إلى الكونغرس، رأى آخرون أن إقراره سيؤدي إلى إجبار واشنطن على تغيير سياساتها في سورية.
ولم تفصح واشنطن عن سبب رفضها تمرير القانون، حيث اكتفى الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، بالتأكيد على ربط بلاده تطبيع العلاقات مع نظام الأسد بإحراز تقدم ملموس نحو حل سياسي.
وقال ميلر “لا نعلق عندما يتعلق الأمر بالتشريعات المعلقة. ومع ذلك كان موقفنا واضحاً وهو أننا لن نطبع مع نظام الأسد مالم يكن هناك حل سياسي يتفق مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والمعروف برقم 2254”.
وأضاف: “ستظل عقوباتنا سارية المفعول بالكامل. أعلم أن هذا كان أحد الأجزاء الأخرى من التشريع بالذات (قانون مناهضة التطبيع)”، مؤكداً على الموقف الأمريكي “بالالتزام باستخدام جميع الأدوات المتاحة لتعزيز المساءلة في سورية، بما في ذلك عن طريق إصدار عقوبات بموجب قانون قيصر وغيره من السلطات”.
وكانت صحيفة “واشنطن بوست“، قد نقلت عن مسؤول في البيت الأبيض أن “الإدارة الأميركية تعتقد أن لديها من الأدوات ما يساعدها على ملاحقة الأسد وشركائه”، متحدثاً عن مخاوف لدى بعض المنظمات الإنسانية الدولية، من ضعط زيادة العقوبات الجديدة على الوضع الإنساني المأساوي أساساً في سورية.
كيف علقت واشنطن على عرقلة “مناهضة التطبيع مع الأسد”؟
خدمات لكشف أذرع إيران
وربط الباحث في معهد الشرق الأوسط، سمير التقي، رفض القانون مع “خدمات” يقدمها الأسد للأمريكيين، حيث قال لـ”السورية. نت” إن “الأسد ساعد في ضبط القوات الإيرانية الموجودة في سورية، وفي كشف العديد من عملياتها”.
وأضاف التقي أن “علاقة النظام مع الغرب رهن بأجندة إضعاف أذرع إيران في الإقليم، وسيصبح الأمر حرجاً بالنسبة له تدريجياً للاختيار بين إيران والعرب، لكن في كل الأحوال بحسب تقديرات غربية عديدة، فإن النظام غير قادر على البقاء دون الدعم الإيراني”.
لكن رغم ذلك، وصف التقي بأن “الموضوع تكتيكي وقصير المدى”، مشيراً إلى عدم وجود تبديل حقيقي في الموقف الأمريكي.
أما قتيبة الإدلبي، فقد تحدث لـ”السورية نت” هذا الأسبوع، عن اعتبراضٍ من قبل البيت الأبيض على البند الذي يمنع الحكومة الأمريكية من التطبيع مع نظام الأسد، أو أي حكومة يرأسها النظام، بسبب أن هذا البند “يشكل سابقة قانونية، ويسحب الكونغرس من الإدارة التنفيذية صلاحية العمل على ملف السياسة الخارجية”.
واعتبر أن الإدارة الأمريكية لا تود أن تظهر بأي موقع قيادي في الملف السوري، وهدفها إيصال رسالة أن “من يريد التطبيع مع النظام فيلفعل ذلك، لكن دون إظهار واشنطن بأنها تقود سياسة خاصة في سورية “.
من جانبه أرجع محمد غانم رفض مشروع القانون إلى كونه “يعاكس سياسة الإدارة الأمريكية ويجبرها على تغير سياساتها تجاه سورية، سواء الإدارة الحالية أو أي إدارة مستقبلية”.
وقال إنه “بفعل مشروع القانون يصبح محظوراً الاعتراف بأي حكومة يرأسها الأسد، بل يطلب مشروع القانون أن تضع الوكالات الأمريكية المختلفة استراتيجية لمكافحة التطبيع من الدول الأخرى”، ما يشكل “ضربة قاضية” لسياساتهم في سورية.
ضغط عربي؟
منذ انطلاق مسار التطبيع بين عدة دول عربية مع نظام الأسد، وخاصة الأردن والسعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين، لم تبد واشنطن أي تحركات واضحة أو خطوات ملموسة لوقف موجة التطبيع، واكتفت بالتصريحات السياسية المتكررة حول موقفها من النظام.
ويبدو وفق باحثين مختصين، أن دولاً عربية أعادت مسار العلاقات الدبلوماسية مع نظام الأسد، ربما تلعب دوراً في الضغط على الحكومات الغربية، لقبول التقارب مع نظام الأسد، حسب ما كشفت وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية، العام الماضي.
ونقلت الوكالة عن مصادرها، أن الرياض وأبو ظبي تضغطان لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين الأوروبيين ونظام الأسد وتخفيف العقوبات وإنعاش الاقتصاد.
وربط إدلبي رفض قانون التطبيع مع مواقف دول عربية، حيث أكد أن هناك اعتراضات كثيرة من دول إقليمية “بينها دول عربية وتركيا”، على توسيع صلاحيات “قانون قيصر”.
كما أكد مسؤول السياسات في المجلس السوري الأمريكي محمد غانم، أن بعض الدول العربية التي طبعت مع النظام، أرسلت موفدين إلى واشنطن بهدف إيقاف مشروع قانون التطبيع، لأنها لا تريد أن يعرقل مسارها نحو النظام.
وأشار إلى أن “بعض الدول المطبعة تعمل وسيطاً ما بين الإدارة الأمريكية ونظام الأسد، وتنقل له رسائل، ومؤخراً نقلت له رسائل بشأن غزة، وهذا الأمر نفذه الأسد”.
من جانبه اعتبر الكاتب والمحلل السياسي المقيم في روسيا، محمود الأفندي، أن البيت الأبيض يمتنع عن زيادة الضغوط السياسية على الدول العربية في ظل الأوضاع المتوترة في غزة والشرق الأوسط
ويقول الأفندي لـ”السورية.نت”، إن زيادة التوتر بين الولايات المتحدة والدول العربية لا تخدم المصالح المشتركة، خاصة أن “العقوبات السياسية على النظام لا تقدم ولا تأخر في ظل وجود قانون قيصر الذي يمنع أي تعامل اقتصادي مع النظام”.
ويضيف الأفندي أن التطبيع السياسي لا يزعج الولايات المتحدة، لأنها تعلم بأن النظام بحاجة إلى دعم اقتصادي وإعادة إعمار، وفي ظل وجود قانون قيصر، لا يمكن لأي دولة التعامل بهذا الشأن مع النظام بما في ذلك روسيا.
————————————
النواب الأميركي يقر بالأغلبية قانون “الكبتاغون 2” لمحاسبة النظام السوري
2024.04.17 ق مجلس النواب الأميركي بالأغلبية، على مشروع قرار “الكبتاغون 2” الذي يهدف لمنح الحكومة الأميركية صلاحيات جديدة وموسعة لمحاسبة النظام السوري والشبكات المرتبطة به بما يخص تجارة المخدرات.
ومشروع القانون الذي صوت لصالحه 410 أعضاء بنعم مقابل 13 عضو بـ لا، يهدف لمنح حكومة الولايات المتحدة صلاحيات جديدة وموسّعة لمحاسبة نظام بشار الأسد، والشبكات المرتبطة به، وجميع من ينشط، أو ينخرط، في الاتّجار بمخدّرات الكبتاغون، أو بتصنيعها، أو بتهريبها، أو بالاستفادة من الريع النّاجم عنها بغضّ النّظر عن جنسيّته.
ومشروع القانون وصل إلى الكونغرس بجهود منظمات الجالية السورية الأميركية (التحالف الأميركي لأجل سوريا والمجلس السوري الأميركي) التي بدأت قبل بضع سنين وتكللت بإقرار قانون مكافحة الكبتاغون 1 نهاية عام 2022.
#BREAKING
: 🎉 Good news from Washington! The House has passed H.R.4681, the Illicit #Captagon Trafficking Suppression Act (410-13), a major step toward dismantling the #Assad regime’s narco-empire. Thanks to bipartisan efforts & Rep. French Hill’s leadership @RepFrenchHill. Next… https://t.co/m7CKg1bwgA — Mohammed Alaa Ghanem (@MhdAGhanem)
April 16, 2024
وفي سياق ذلك، قال السيناتور الجمهوري ورئيس المجموعة المعنية بسوريا في الكونغرس الأميركي، فرينش هيل، إن “نظام الأسد القاتل مدعوم بمخدر الكبتاغون الذي يدر المليارات من التمويل غير القانوني”
وأضاف في تغريدة على حسابه بمنصة “إكس”، “نحن بحاجة إلى فرض عقوبات محددة تستهدف بشكل مباشر الأفراد والشبكات المرتبطة بتجارة الكبتاغون، ولهذا السبب على وجه التحديد من الأهمية بمكان أن يوافق مجلس النواب اليوم على مشروع القانون الذي قدمته، وهو قانون قمع الاتجار غير المشروع بالكبتاغون”.
Assad’s murderous regime is propped up by his captagon drug that generates billions in illegal funding. We need to have specific sanctions directly targeting individuals and networks associated with the trade of captagon, which is exactly why it is crucial that my bill, the…
— French Hill (@RepFrenchHill)
April 16, 2024
“إنتاج الأسد للكبتاغون”
وفي نص مشروع القرار الذي قدمه هيل للكونغرس قال: “بعد عدة زيارات مع مسؤولين حكوميين أميركيين وشركاء في الشرق الأوسط العام الماضي، أرى أن استراتيجيتي المطلوبة التي بدأتها الحكومة الأميركية لمحاربة إنتاج الأسد وتهريب الكبتاغون لا تزال في مراحلها الأولى فقط”.
وتابع “في مجلس النواب اليوم. يجب على حكومة الولايات المتحدة وشركائنا في المنطقة وفي أوروبا ممارسة ضغوط كبيرة لوقف انتشار هذا الداء الخطير بما يعد أساسياً لضمان الاستقرار في المنطقة – إن إقرار مشروع القانون الخاص بي هو خطوة تالية مهمة في إجراءاتنا الحاسمة التي يتعين علينا القيام بها”.
وسبق أن أعلن عن طرح مشروع القانون في شهر تمّوز لعام 2023 برعاية من الحزبين الجمهوريّ والدّيمقراطيّ، وإجازة لجنة العلاقات الخارجيّة له في تشرين الثاني 2023 بالإجماع بـ (44 صوتا مؤيّدا- 0 معترض).
وفي شباط الماضي، أقرّ مجلس النواب الأميركي، مشروع “قانون مناهضة التطبيع مع نظام بشار الأسد” بتأييد كبير من الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
ويقضي مشروع القانون بأن “سياسة الولايات المتحدة تحظر أي إجراء رسمي للاعتراف أو تطبيع العلاقات مع أي حكومة سورية يقودها بشار الأسد”، مستشهدة بجرائم النظام الماضية والمستمرة ضد الشعب السوري.
كذلك يقضي بأن تعارض واشنطن اعتراف أي حكومة أخرى أو تطبيع العلاقات مع النظام السوري من خلال التطبيق الكامل للعقوبات المنصوص عليها في “قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا لعام 2019” والأمر التنفيذي رقم 13894، والذي يتضمن حجب ممتلكات ودخول بعض الأفراد المتورطين في سوريا.
———————————
قانون الكبتاغون… فرصة للرئيس بايدن لاتخاذ إجراءات مؤثرة/ حايد حايد
10 مايو 2024
في خطوة مرت دون أن يلاحظها أحد تقريبا، وقع الرئيس الأميركي جو بايدن مشروع قانون قمع الإتجار غير المشروع بالكبتاغون ليصبح قانونا في 24 أبريل/نيسان، ووضعه موضع التنفيذ على الفور.
يُنتج الكبتاغون، وهو عقار شبيه بالأمفيتامين ويسبب الإدمان، بتكلفة زهيدة ويشكل مصدر قلق أمني كبيرا في الشرق الأوسط وخارجه. منذ عام 2019، وقد برزت سوريا كمركز إقليمي لإنتاج وتهريب الكبتاغون، ما أدى إلى إنتاج مليارات الدولارات من الأموال غير المشروعة لنظام بشار الأسد وشركائه، مما حول البلاد فعليا إلى دولة مخدرات.
ويمنح القانون الذي أطلق عليه اسم “الكبتاغون 2″، البيت الأبيض سلطة فرض عقوبات جديدة ومباشرة على المتورطين بشكل مباشر في تصنيع هذا العقار الخطير والإتجار به بشكل غير قانوني، بهدف تعطيل وتفكيك هذه التجارة غير المشروعة في الشرق الأوسط.
وفي حين يشير القانون إلى التزام الولايات المتحدة بمكافحة تهريب الكبتاغون، فإن فعاليته ستحول استخدام إدارة بايدن العقوبات إلى مجرد لفتات رمزية لتوظفها بدلا من ذلك في استهداف الهياكل التي تسهل انتشار الكبتاغون استهدافا فعالا.
قانون “الكبتاغون 2” استمرار لإجراءات الكونغرس السابقة التي استهدفت تجارة الكبتاغون المتنامية في سوريا. ويهدف قانون الكبتاغون الأول، الذي أقره الكونغرس في ديسمبر/كانون الأول 2022، إلى وضع استراتيجية تعتمد على التنسيق بين الوكالات الفيدرالية الأميركية لتعطيل وتفكيك شبكات الإتجار بالكبتاغون والمخدرات المرتبطة بنظام بشار الأسد في سوريا.
وقد فرضت وزارة الخزانة الأميركية لاحقا سلسلتين من العقوبات استهدفت شخصيات في النظام السوري والجهات اللبنانية المتورطة في إنتاج وتهريب الكبتاغون. ففي مارس/آذار 2023، فرضت الولايات المتحدة، بالتنسيق مع المملكة المتحدة، عقوبات على ستة أفراد، بينهم اثنان من عائلة الأسد (سامر كمال الأسد ووسيم بادي الأسد)، إضافة إلى قائد ميليشيا تابعة للمخابرات العسكرية (عماد أبو زريق)، وتاجر مخدرات لبناني بارز (نوح زعيتر)، ومهربين سوريين اثنين يعملان تحت غطاء أنهما من رجال الأعمال (خالد قدور وحسن محمد دقو). واستهدفت الحزمة الثانية من العقوبات، التي صدرت بعد عام، شخصين آخرين (طاهر الكيالي ومحمود عبد الإله الدج) بتهمة تهريب المخدرات.
وفي حين فُرضت عقوبات على هؤلاء الأفراد بالفعل بسبب تورطهم في تجارة الكبتاغون، كان على إدارة بايدن أن تبرر هذه الإجراءات باستخدام أوامر تنفيذية أخرى، وبشكل خاص تلك التي استهدفت مكافحة انتهاكات حقوق الإنسان أو منع الدعم المالي عن النظام السوري.
في المقابل، يوفر قانون “الكبتاغون 2” أساسا قانونيا صريحا للبيت الأبيض لاستهداف أي فرد أو كيان أو شبكة أجنبية متورطة في أنشطة المخدرات ومرتبطة بالحكومة السورية أو “حزب الله”. إضافة إلى ذلك، فإنه يفرض على إدارة بايدن تقييم قائمة تضم ثمانية أشخاص من مساعدي الأسد، فرضت عليهم عقوبات في وقت سابق بموجب أوامر تنفيذية أخرى، وتحديد ما إذا كان كل منهم يستوفي معايير العقوبات بموجب قانون “الكبتاغون 2″، مما قد يعرضهم للعقوبات بموجب هذا التشريع الجديد أيضا.
إلى جانب أهمية قانون “الكبتاغون 2” السياسية والرمزية، كونه يمثل تذكيرا بأن الأسد ليس مجرم حرب فحسب، بل هو متورط أيضا في تهريب المخدرات، فإن هذا القانون يمكّن البيت الأبيض بشكل أساسي من فرض عقوبات إضافية. وبالتالي، فإن فعاليته في تعطيل شبكة المخدرات التابعة للأسد تتوقف على تطبيق الولايات المتحدة الاستراتيجي لهذه العقوبات كي تسبب الحد الأقصى من الضرر.
لكن الأمل ضئيل في أن تتمكن إدارة بايدن من استخدام القانون الجديد بفعالية، فبايدن، الذي لا شهية لديه في التدخل في الصراع السوري، كان على الدوام مترددا في فرض عقوبات استراتيجية لتعزيز سياسة الولايات المتحدة في المنطقة. ويتجلى هذا الأمر بشكل أوضح في حالة تعطيل تجارة الأسد للكبتاغون. رغم سنوات من تسليط الضوء على تورط النظام السوري في إنتاج الكبتاغون والإتجار به، الأمر الذي أدى إلى إيرادات بالمليارات، إلا أن ثمانية أفراد فقط واثنتين من الشركات المرتبطة بهم واجهوا عقوبات حتى الآن.
إضافة إلى ذلك، فإن هذه العقوبات تفتقر إلى القوة. إذ لا يملك أي من الأفراد الخاضعين للعقوبات مصالح تجارية أو حسابات مصرفية في الولايات المتحدة، على الأقل ليس بأسمائهم الخاصة، ولا يمكنهم الحصول على تأشيرات لدخول البلاد. وبما أن هذه هي الآثار الأساسية للعقوبات الأميركية، فقد تمكن الأفراد الخاضعون للعقوبات من مواصلة أنشطتهم دون انقطاع من قواعدهم الآمنة في سوريا.
لا يرجع العدد المحدود من العقوبات إلى نقص المعلومات، بل إلى الافتقار للإرادة السياسية بهدف اتخاذ الإجراءات اللازمة. فمنذ عام 2019 جرى تجميع وثائق شاملة لمختلف الشبكات والأفراد المنخرطين في إنتاج الكبتاغون والإتجار به عبر لبنان وسوريا وحتى العراق منذ عام 2019، على المستويين الخاص والعام. وبالتالي، كل ما ينبغي على الولايات المتحدة فعله هو الوصول إلى هذه المعلومات والتحقق منها، لمعاقبة جميع الأفراد رفيعي المستوى المتورطين على الأقل.
وأكثر من ذلك، يجب على إدارة بايدن تحديد وتعطيل سلاسل التوريد المستخدمة لاستيراد المكونات اللازمة لإنتاج الكبتاغون، وكذلك تلك المستخدمة لتهريبه إلى الخارج. إن مجرد استهداف أفراد مختارين متورطين لن يؤدي إلا إلى توريط الولايات المتحدة في محاولة إيقاف المشكلة التي تحدث بشكل متكرر بطريقة مجزأة دون التوصل إلى حل شامل، كما لو أنها تخوض لعبة عقيمة أخرى من ألعاب “اضرب الخلد”.
وبالإضافة إلى توسيع قائمة الأفراد الخاضعين للعقوبات، يجب على الولايات المتحدة أن تحشد حلفاءها ليس في أوروبا وحسب، بل أيضا في الشرق الأوسط وأماكن أخرى من العالم لفرض عقوبات مماثلة على أولئك المتورطين.
ولكي يسفر قانون “الكبتاغون 2” عن نتائج ملموسة، ينبغي على الولايات المتحدة أن توقف ممارستها المتمثلة في استخدام العقوبات باعتبارها مجرد لفتات رمزية وليست سوى وهم زائف عن القيام بفعل حقيقي. إن مثل هذه الجهود المترددة لا تخدع أحدا، وقد أصبحت مصدرا للسخرية، حتى بين الأفراد الذين تستهدفهم.
المجلة
———————————–
لماذا لم يوقع بايدن قانون مناهضة التطبيع مع النظام السوري؟/ د. فيصل القاسم
10 – مايو – 2024
من أهم القوانين التي نجح اللوبي السوري بتمريرها عبر مجلس النواب الأمريكي (الكونغرس) قانون مناهضة التطبيع مع النظام السوري، فقد صوّت المجلس قبل فترة بأغلبية ساحقة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي على مشروع القانون، وحسبما هو معمول به في أمريكا، لا بد أن يصعد القانون بعد تبنيّه في الكونغرس إلى مجلس الشيوخ، وبعد الموافقة عليه أو تعديله، ينتهي به الأمر على طاولة الرئيس الأمريكي كي يوقعه، فيصبح نافذاً.
وكان هناك «حماس» شديد لدى الدوائر السورية التي عملت على سن القانون لتمريره بطبعته النهائية بأسرع وقت ممكن لكبح جماح المندفعين للتطبيع مع النظام السوري، وخاصة بعض الأنظمة العربية، وبناء على ذلك دفعوا بقانون مناهضة التطبيع مع دمشق بالإضافة إلى قانون مكافحة اتجار النظام السوري بالكبتاغون المعروف بقانون كبتاغون اثنين، دفعوا بالقانونين إلى مجلس الشيوخ ومكتب الرئيس ضمن حزمة قوانين جديدة تخص تمويل أوكرانيا لمواجهة الغزو الروسي، فكانت النتيجة أن مجلس الشيوخ صادق على قانون الكبتاغون، وحوّله إلى الرئيس للتوقيع، فوقع عليه فوراً، وأصبح نافذاً، لكن مجلس الشيوخ تريّث في المصادقة على قانون مناهضة التطبيع بالتنسيق مع البيت الأبيض، فشن اللوبي السوري حملة ضد الإدارة الأمريكية ومجلس الشيوخ، ثم خرجت صحيفة واشنطن بوست بعنوان مثير اتهمت فيه الرئيس الأمريكي بالتساهل مع الرئيس السوري وجرائمه، لا بل شككت بموقف الرئيس الأمريكي في تنفيذ عقوباته ضد النظام السوري، فكانت النتيجة أن الحملة ضد البيت الأبيض المدعومة بمقال واشنطن بوست الذي لاقى رواجاً إعلامياً كبيراً في الأيام القليلة الماضية جاءت بنتائج عكسية، وأعطت انطباعاً خاطئاً بأن النظام السوري حقق نصراً ضد معارضيه، وأن الإدارة الأمريكية تفضل النظام على سواه رغم كل ما فعله، وهذا طبعاً ليس صحيحاً، حسب شخصيات سورية على اتصال مباشر بدوائر صنع القرار في أمريكا، بدليل أن الرئيس الأمريكي وقع قانون الكبتاغون الذي يخنق النظام السوري مالياً فيما لو طُبق بشكل صارم.
والسؤال هنا لماذا صادق مجلس الشيوخ والرئيس على قانون الكبتاغون ولم يصادقا على قانون مناهضة التطبيع؟ الجواب، حسب العارفين ببواطن الأمور في واشنطن، أن قانون الكبتاغون يخص جانباً واحداً فقط من التعامل مع النظام السوري، ألا وهي مواجهة تجارة المخدرات التي يديرها النظام السوري في المنطقة وباتت تشكل خطراً كبيراً على الدول المجاورة وغير المجاورة، أما قانون مناهضة التطبيع فهو قانون شامل وبحاجة إلى إعادة صياغة ليكون أكثر مرونة ويصب في المصلحة الأمريكية، فمسودة القانون التي وافق عليها مجلس النواب (الكونغرس) بدعم من الجمهوريين الذين يريدون تسجيل نقاط ضد الإدارة الديمقراطية، كانت صارمة وقاسية للغاية وتشل يد الإدارة الأمريكية في التعامل مع الملف السوري، وهذا ما رفضه البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية، لأن هناك الكثير من الملفات التي تخص الوضع السوري التي تريد الإدارة الأمريكية الانتهاء منها، وفيما لو مر قانون مناهضة التطبيع بصيغته الصارمة الحالية، فلن يعود بمقدور الإدارة التفاوض مع النظام، أو المساومة في الملفات التي تهم البيت الأبيض في الشأن السوري، وعلى رأسها، حسب المصادر نفسها، تقليم أظافر إيران داخل سوريا وقضايا أخرى، إضافة إلى معرفة مصير ستة أمريكيين مفقودين في سوريا. لهذا طالب مجلس الشيوخ بتعديل بنود القانون بحيث يترك مجالاً للإدارة الأمريكية في عملية المساومة مع النظام في قضايا كثيرة عالقة تريد الإدارة الدفع بها إلى الأمام.
وحسب مصادر داخل وزارة الخارجية الأمريكية، فإن الوزارة، بصفتها سلطة تنفيذية، ضغطت على البيت الأبيض كي لا يوقع على قانون مناهضة التطبيع مع النظام السوري بصيغته الحالية، لأنه سيغلق كل الأبواب في وجهها، وسيحول دون تحقيق الأهداف الأمريكية في سوريا، وسيعّقد عملية عقد الصفقات المتعلقة بالشأن السوري مع الأطراف الدولية والإقليمية والعربية المعنية بالقضية. لكن هذا لا يعني أبداً أن القانون تعطل ولن يمر، لا أبداً، بل إن مجلس الشيوخ سيقوم بتعديل بعض الفقرات، ثم يعيد القانون إلى مجلس النواب (الكونغرس) للتصويت عليه، وبعد ذلك يعود إلى مجلس الشيوخ للمصادقة عليه، ومن ثم تحويله إلى مكتب الرئيس للتوقيع ليصبح معمولاً به من تاريخ توقيعه، لكن بصيغة أكثر ليونة.
لهذا فإن كل القراءات التي رأت بأن واشنطن أنقذت النظام السوري من المصيّدة بعد تأجيل تمرير قانون مناهضة التطبيع قراءات خاطئة، حسب مصادر سورية نافذة داخل الدوائر الأمريكية، فليس صحيحاً أن التأجيل جاء كمكافأة للنظام على موقفه الإيجابي من الحرب الإسرائيلية على غزة، وليس صحيحاً أن واشنطن أطلقت يد النظام في الجنوب السوري بعد تأجيل القانون. أما الهجوم الإعلامي على الإدارة الأمريكية من قبل بعض الجهات السورية في أمريكا فقد جعل النظام، من دون قصد، يبدو بمظهر المنتصر، بينما في الواقع، هو باق بوضعه المهترئ لأنه يخدم كل الأطراف المتصارعة على سوريا، ولأن الجميع يتناوب على انتعاله خدمة لمصالح خارجية. أضف إلى ذلك أن وضع النظام يزداد وسيزداد سوءاً على كل الأصعدة رغم عودته إلى الجامعة العربية، ولا يمكن أن يحلم بأي مكافآت كبيرة يمكن أن تساعده على الخروج من عنق الزجاجة، لأنه يلعب في الوقت الضائع، مهما طال هذا الوقت.
كاتب واعلامي سوري
القدس العربي
——————————–
ماذا لدى بايدن تجاه الأسد؟/ فاطمة ياسين
05 مايو 2024
لم تهدف العقوبات الاقتصادية التي طبقتها الولايات المتحدة على سورية إلى تغيير النظام، بل ركّزت نصوصها على أن الهدف تغيير النظام سلوكه بالدرجة الأولى، والهدف الآخر التوقف نهائياً عن الممارسات التي تنال من حقوق الإنسان. وكان الهدفان جزءاً من ديباجة قرار العقوبة، التي تخفي ضمناً غاياتٍ أخرى، كتقييد حركة النظام الاقتصادية وعدم تمكينه من الحصول على مواد أولية تساعده على مداومة الحرب. ظنّت الولايات المتحدة أن تخفيض قدرة النظام الاقتصادية داخل المناطق التي يسيطر عليها ستجبره، في النهاية، على تغيير سلوكه السياسي، أو توقفه عن ممارساته التي تمتهن الإنسان وتحطّ من قيمته، ورغم أن أول عقوبة طبقتها الولايات المتحدة على سورية ترجع إلى عام 1979، إلا أن هذا النظام بقي، بفضل دعمٍ تلقاه من حلفائه، بالتركيبة والفكر نفسيهما، فلم يُبدِ منذ تولى السلطة عام 1970 أية رغبة في تخفيف قبضته الأمنية، ولم يفكّر في منح هوامش حرية، وإنْ بأضيق المجالات، لكن العقوبات كانت فعّالة في وصول سورية إلى أرقام قياسية بمستويات الفقر، وقلة الموارد، مع ما يجرّه ذلك من عوارض جانبية كالفساد والجريمة واللجوء.
في ما يوصف بأضعف الإيمان، مثَّلت العقوبات السلاح الذي أشهرته الولايات المتحدة في وجه النظام، فلم يبدِ باراك أوباما ومن بعده دونالد ترامب وجو بايدن رغبةً في تصعيد الموقف الأميركي في المنطقة ضد بشّار الأسد، ولم يشعر الرؤساء الثلاثة بأنّ مصالح الولايات المتحدة مهدّدة بشكل كبير أو حاسم، رغم التدخل الروسي القوي ومن قبله التداخل الإيراني العميق في سورية. تطور الموقف بشكل مختلف بعد ظهور تنظيم الدولة الإسلامية، وفشلت التجارب الأميركية في التحالف مع “قطب” محلي ذي كفاءة عسكرية يمكن الاعتماد عليه لمواجهة النظام، فتمسَّك الجانب الأميركي بالعقوبات، وبدأ بزيادة جرعاتها حتى وصلنا إلى لحظة قانون قيصر الذي جرى التعويل عليه لردع كل محاولة من الأطراف الأخرى في تعويم النظام أو مساعدته، خصوصاً بوجود بوادر إقليمية تنمّ عن مثل تلك المحاولات، كفتح السفارات أو الاتصال المباشر، وقد استغلّ النظام مأساة الزلزال الذي ضرب سورية قبل أكثر من سنة، ليوسع من قنوات اتصالاته ويحصل على مزيد من الموارد، بعد التساهل الذي بدر من الولايات المتحدة أمام الفاجعة.
بمساعدة عسكرية من روسيا وإيران، استمر النظام واقفاً على قدميه، وقد استفاد من ظروف دولية حوّلت الأنظار عنه، كالحرب في أوكرانيا التي شغلت الجانب الأميركي بشكل كبير، وشكّلت همّاً أساسياً للاتحاد الأوروبي، فتراجع الاهتمام بحالة النظام إلى المرتبة الثانية، ثم جاءت حرب غزّة ليختفي الحديث عن ممارسات النظام في الداخل وقصفه مناطق في شمال سورية من عموم النشرات الرئيسية للأخبار. لم يساعد ذلك في تحسين الواقع الاقتصادي للمناطق التي تقع تحت سيطرة النظام، فقد بقيت تعاني بشدة، ولكن الأسد استمرّ بالوجود مع حزمة العقوبات التي يتضوّر منها، ولا يجد بديلاً له من الانتظار مع الاستمرار بالسياسة نفسها.
ما زال الغرب يستخدم أسلوب العقوبات الذي طبّقه عشرات المرات من قبل ولم ينفع، بل تحوّل إلى ممارسة بيروقراطية لم يجد المشرّع الأميركي غيرها، لكن ما يبدو اليوم أن لدى البيت الأبيض خططاً مختلفة، فقد رفض تمرير مشروع مناهضة التطبيع مع نظام الأسد، والمشروع تمديد لقانون قيصر الذي ينتهي بنهاية هذا العام، كما يحتوي فرضَ عقوباتٍ على من يتعامل مع الأسد. برّر البيت الأبيض الرفض بأنه ما زال يمتلك أوراقاً يستطيع بها إيقاف الأسد، رغم عدم التوقيع على القانون. ويبدو بايدن محقّاً، فهو بالفعل يمتلك أدوات يستطيع بها أن يتخلّص من مخالب الأسد، لكننا لا نستطيع الجزم إن كان ينوي استخدامها بالفعل، بعد أن وجد أن العقوبات لا تؤدّي الغاية.
العربي الجديد
—————————–
القرار الأميركي حماية للأسد أم تنكيل به؟/ سميرة المسالمة
06 مايو 2024
تتنافس كل من إيران وروسيا في تصدير التصريحات بشأن دوريهما في حماية النظام السوري من الانهيار الذي كان وشيكاً بين عامي 2012-2015. وعلى الرغم من أسبقية المليشيات الموالية لإيران في التدخّل في الصراع السوري إلى جانب النظام، إلا أنها لم تستطع أن تحول دون فقدانه كثيراً من المساحات السورية، جنوباً وشرقاً وشمالاً، ما استدعى التدخّل العسكري الروسي. إلا أن الحماية الأساسية التي اعتمدها الرئيس السوري بشار الأسد، على مدار السنوات الـ 13 الماضية، كانت سياسةً دوليةً سمحت لتدخّلات داعميه العسكرية بهزيمة أو وضع حدّ لتقدّم القوى المُعَارِضَة المُتصارِعِ معها، محلّيةً كانت أم مدعومة من دول عربيةٍ أو إقليميةٍ، من دون أن يعني ذلك منحَه صفةَ الانتصار أو إعلان هزيمة مُعارِضِيه.
هذا التأرجح بين الهزيمة والنصر، الذي تعاني منه كلّ أطراف الصراع السوري، هو السياسة التي اعتمدتها الولايات المتحدة تجاه القضية السورية، على خلاف مواقفها من مثيلاتٍ لها سابقة، في العراق وليبيا، حيث انفرد الجانب الأميركي بقرارات التدخّل لمصلحة هزيمة السلطة الحاكمة، من دون العودة إلى إجماع أممي حول ذلك، وهو ما تمارسه اليوم مع أوكرانيا، حين تمدّها بكلّ ما يجعلها صامدة في مواجهة الحرب الروسية عليها. ويأتي قرار البيت الأبيض، رفض تمرير قانون مناهضة التطبيع مع بشار الأسد، في سياق سياسة الـ”لا حسم”، فتتابع واشنطن، من خلال هذا الرفض، منع حسم المعركة ضدّ الأسد لأسباب عديدة، قد يكون من بينها جائزة ترضية جماعية للقوى الفاعلة في سورية، وهي اليوم أوسع من عباءة الروس وإيران والصين.
السؤال الذي يمكن أن يشغل السوريين: من يكافئ البيت الأبيض بقراره رفض تمرير مشروع قانون صادق عليه مجلس النواب الأميركي بأغلبية كبيرة؟… ضمن هذا التساؤل، لا بدّ من ملاحظة أن القرار، في وقتٍ يشدّد عقوبات قانون قيصر على الأسد، ومنعكسات ذلك على الراغبين في التطبيع معه، فإنّه يُحاصر الإدارات الأميركية، ويحدّ من قدرتها على اتخاذ أيّ خطوات تسوية مع نظام الأسد، وهو السبب الذي قد يكون وراء تعطيل البيت الأبيض للقرار، إذ يمنع مضمونه الإدارات الأميركية فقط من الاعتراف بأي حكومة يرأسها الأسد في أيّ وقت، بشكل قطعي وجازم، من دون أن يستثني هذا الأمر، في حال تنفيذ قرارات معينة مثل قرار مجلس الأمن 2254 (في 18 ديسمبر/كانون الأول 2015، المتعلّق بوقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية في سورية)، ما يجعل رفض قرار مناهضة التطبيع مع الأسد يصبّ في مصلحة الإبقاء على مثل هذه القرارات لتقديرات البيت الأبيض، وليس محكوماً بقوانين قد تضطرّ السياسات المُتغيرة إلى مخالفتها. أيّ أنّ البيت الأبيض قد يكون برفضه تمرير القرار، يدافع عن بقاء ملفّ سورية بين يدي من يسكنها، وليس دفاعاً عن الأسد، لأنّ تحديده مستفيداً أو أنّها مكافأة علنية غايتها الحماية من مفاعيل القرار، فيه كثير من الاستهانة بالسياسة الأميركية، وقدرتها على قياس عدم فاعلية النظام السوري حالياً، في أيٍّ من ملفات المنطقة، من دون النظر إلى ارتباط قرار الإدارة حالياً بجملة الملفات التي تعمل عليها، سواء مع الدول الداعمة للأسد، وروسيا وإيران ضمناً، أو مع حلفائها العرب، وفي مقدّمتهم السعودية.
فخلال السنوات الماضية، لم تحاول الولايات المتحدة، في أيٍّ من مراحل الصراع السوري، أن تفصل ملف النظام السوري عن روسيا، فمنذ عام 2015 (اتفاق كيري – لافروف) حلّت روسيا ممثلاً رسمياً لسورية في الساحات الدولية، وسهّلت عليها تمرير الاتفاقيات، وترسيم الصلاحيات بين الأطراف المتنازعة في اتفاقيات خفض التصعيد من جهة، وتركيا من جهة أخرى، وكذلك ضبط الحدود مع إسرائيل وتأمينها، ما يعني أنّ قرار دخول سورية على خطّ الحرب ضدّ إسرائيل روسي أكثر منه إيرانيا. ولهذا، أيّ مكافأة بهذا الخصوص، سواء لضبطها إيقاع الحركة السورية أو الإيرانية أو المليشيات الملحقة بها، على الحدود مع إسرائيل سابقاً، ولاحقاً، هي موجّهة لروسيا، وليست لسورية أو رئيسها.
في الطرف المقابل، يوحي استهجان قوى المعارضة السورية القرار وكأنّهم لا يزالون يأملون بدور أميركي فاعل في إسقاط الأسد، وتقديم سلطة الحكم لهم على طبق قانوني “يمنع الإدارات الأميركية من الاعتراف بأيّ حكومة يترأّسها… بشّار الأسد”، أيّ أنّ التسويات التي تأملها المعارضة هي حتما تزيح الأسد من السلطة، وهو ما كانت الإدارة تنفي العمل عليه، وتؤكّد أنّها ليست بصدد إسقاط النظام، ولكنها ترغب في دفعه إلى تسوية وفق القرارات الأممية، وهي تسويةٌ بالتراضي بين الطرفيْن، ما يجعل القرار مخالفاً لمضمون التراضي المشار إليه في القرار 2254، إذ لا يُتَوَقّع من النظام الموافقة على عزل الأسد في أيّ عملية تفاوضية مأمولة.
ربما من المفيد التذكير بأنّ إيران أيضاً أحد المستفيدين والعاملين على تعويم الأسد، والحفاظ على نظامه، سواء جاء هذا التعويم من دول عربية أو أوروبية أو بقرار أميركي “محابٍ” لعمليات التطبيع العربي مع الأسد، ما يعني أنّ إيران، الحريصة على بقاء الأسد رئيساً، قد تكون صاحبة القرار بإبعاده عن دائرة الحرب الإسرائيلية على غزّة، وتمكينه من البقاء على “الحياد السلبي” الذي يُعزّز فرص استمرار تعويمه عربياً وإقليمياً، ما يجعل من تمهّل الإدارة الأميركية في تمرير القانون فرصة جديدة للقول إنّها فعلت ذلك تكريماً للردّ الإيراني الناعم على العملية الإسرائيلية التي استهدفت القنصلية الإيرانية في دمشق، واحتواء غضبها تجاه الاغتيالات المُتكرّرة لمسؤوليها.
في كلّ الأحوال، لم يفقد قرار مناهضة التطبيع مع الأسد فرص مروره، ولا تزال مفاعيل التهديد به قائمة، بل يمكن استخدامه للتنكيل بالأسد حتّى نهاية ولاية الرئيس الأميركي جو بايدن، ما يعني أنّ توقيف القرار قد لا يكون مكافأة لأيّ طرف، كما قد لا يكون تمريره هو الحلّ في ظلّ تطورات غير معروفة في عموم منطقة الشرق الأوسط بكاملها.
العربي الجديد
—————————-
ماذا يحدث على الحدود الأردنية – السورية؟
عمان تحذر من خطورة الوضع وتؤكد حقها في حماية أراضيها
بي. بي. سي.
تَردُ كل فترة وأخرى تصريحات لمسؤولين أردنيين حول “خطورة الوضع” على الحدود الشمالية مع سوريا بسبب تجارة وتهريب المخدرات والأسلحة.
إذ أعلن مسؤول عسكري في القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية أن المنطقة العسكرية الشرقية وبالتنسيق مع الأجهزة الأمنية العسكرية وإدارة مكافحة المخدرات أحبطت مساء الخميس، محاولة تسلل وتهريب كميات كبيرة من المواد المخدرة قادمة من الأراضي السورية.
وأوضح المسؤول العسكري أن الاشتباك مع المهربين أسفر عن مقتل اثنين من المهربين، وإصابة آخرين وتراجعهم إلى داخل العمق السوري، وضبط عدد من الأسلحة، وتحويل المضبوطات إلى الجهات المختصة.
وفي وقت سابق صرح العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، أن بلاده تواجه هجمات بصورة منتظمة على حدودها من قبل “ميليشيات لها علاقة بإيران”.
وفي كانون الثاني (يناير) نقل المرصد السوري لحقوق الإنسان أن الأردن قصف أهدافا “داخل” الأراضي السوريّة ما تسبب “بمقتل 10 أشخاص” في ريف السويداء جنوب سوريا.
“شن الطيران الأردني غارات جوية استهدفت منازل ومستودعاً في منطقتين جنوب شرقي السويداء، مخلفة ضحايا وأضراراً مادية”، هكذا جاء الخبر على المرصد السوري المعارض، ومقره كوفنتري في بريطانيا.
قد تكون هذه أول مرة يقصف بها سلاح الطيران الأردني داخل حدود سوريا؛ لكن عمليات ضبط تهريب المخدرات في المنطقة الحدودية ليست جديدة.
وفي كانون الأول (ديسمبر) 2023، نشرت القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي، مقطع فيديو يظهر مشاهد ميدانية لـ”مكافحة الأنشطة غير المشروعة” على الحدود الشمالية، وتوعدت “المهربين” بأن تصبح حدود الأردن “مقبرة لهم”.
“الأردن يخوض حرباً نيابةً عن دول المنطقة”
ولم تمرّ الغارة دون وقوع ضحايا مدنيين، إذ تحدّث المرصد عن دمار لحق بمنازل في بلدة عرمان، في السويداء، “وسط استغاثة من قبل الأهالي لفرق الإنقاذ للتوجه إلى مكان الاستهداف، ورفع الأنقاض وانتشال الجثث العالقة، وطالت الغارات مستودعاً يعود لأحد المواطنين في قرية ملح بريف السويداء الجنوبي الشرقي، ما أدى إلى تضرره”.
موقع “السويداء 24″، الذي يديره ناشطون من محافظة السويداء، نقل أيضا تفاصيل عن ضحايا “الغارة”.
وقال إن عشرة أشخاص قتلوا على الأقل، بينهم طفلتان و5 نساء وثلاثة رجال، في غارات “يُشتبه” أن يكون مصدرها سلاح الجو الأردني.
وتعتبر عمّان أن “الأردن يخوض حرباً نيابة عن دول المنطقة” على حدوده الشمالية ضد “ميليشيات المخدرات المدعومة من قوى إقليمية تدفع من أجل التهريب والاعتداء على الأردن”، وفقاً للناطق الرسمي باسم الحكومة مهند مبيضين.
#الجيش_العربي يتوعد كل من يحاول المساس بأمن #الأردن.. حدودنا مقبرة لكم#القوات_المسلحة_الأردنية #هنا_المملكة pic.twitter.com/OwaOKl443I
— قناة المملكة (@AlMamlakaTV) December 18, 2023
“لا مبرر لمثل هذه العمليات العسكرية في الأراضي السورية”
وزارة الخارجية السورية أكدّت وقوع الغارة الأردنيّة على أراضيها، وتحدّثت عن “تصعيد” سياسي وإعلامي وعسكري خلال الأشهر القليلة الماضية.
إذ عبّرت الخارجيّة السوريّة في كانون الثاني (يناير) عن “أسفها الشديد، جراء الضربات التي وجهها سلاح الجو الأردني إلى قرى ومناطق عدة على أراضيها، كان آخرها استهداف قرى في ريف السويداء الجنوبي، وتبريرها بأنها موجهة لعناصر منخرطة في تهريب المخدرات عبر الحدود إلى الأردن”.
وأوضحت أن ضربات سلاح الجو الأردني “أدّت إلى مقتل وإصابة مدنيين”.
وزارة الخارجيّة السورية قالت إنه “لا مبرر” لمثل هذه العمليات العسكرية داخل أراضيها، وفي الواقت ذاته قالت إنها تحاول احتواءها “حرصاً منها على عدم التوتر أو التأثير على استمرار استعادة العلاقة الأخوية بين البلدين”.
“الأردن لا يسعى لتصعيد الأمور”
تحدثت بي بي سي نيوز عربي مع المتحدث الرسمي باسم الحكومة الأردنية، مهند مبيضين، لفهم موقف المملكة التي تعاني من عمليات تهريب المخدرات منذ حوالي ثلاثة أعوام.
وأوضح الوزير أن بلاده أبلغت سوريا وإيران بـ”عدم سماح الأردن بتهديد حدوده من الجهة السورية بعمليات تهريب المخدرات أو الأسلحة، إلا أن العمليات استمرت”، مضيفاً أن الأردن “أعلن عام 2021 تغيير قواعد الاشتباك، وكان يجب أن يلقى هذا الأمر تعاوناً أكبر من الجانب السوري”.
وأكّد أن الأردن يحرص أن تكون جهوده في مكافحة تهريب المخدرات والأسلحة “في نطاق القانون”.
لكنه يقول: “بالتأكيد، عندما تقصف بيوت مهربي المخدرات، للأسف، من الممكن أن يكون هناك ضحايا مدنيين، ونحن نأسف لذلك، لكن بقدر موازي من الاهتمام، نحرص على ألّا يكون هناك أي تصعيد في المستقبل وأن تعود الأمور وتنضبط بشكل دقيق”.
شدّد الوزير على أن سوريا “دولة شقيقة نحترمها ونقدرها ونعتز بأدوارها العربية”، وأكّد أن هناك “تواصلاً مع الجانب السوري كحكومة وكمجتمع محلي”.
أشار مهند مبيضين إلى حقيقة الواقع الأمني الذي تعيشه سوريا، قائلاً: “نقدّر أن الدولة السورية تعيش أزمة مفتوحة منذ عام 2011، والأردن حريص على دعم الشقيقة سوريا في موضوع عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وكان من شروط الدعم هذا دعوة الأشقاء السوريين للتعاون على سيطرة العمليات على حدودها”.
وكانت عضوية سوريا في الجامعة العربية جُمدت في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2011، وفي أيار (مايو) عام 2023، قرر وزراء الخارجية العرب رفع التجميد.
وصدر “بيان عمّان” في أيار (مايو)، أكّد فيه وزراء الخارجية العرب من الأردن والعراق ولبنان ومصر والسعودية على تجديد الالتزام بالحفاظ على سيادة سوريا ووحدة أراضيها واستقرارها وسلامتها الإقليمية، وعلى ضرورة اتخاذ “خطوات عملية” نحو حل الأزمة، وفق مبدأ “الخطوة مقابل الخطوة”، انسجاماً مع قرار مجلس الأمن رقم 2254.
المتحدث الرسمي باسم الحكومة الأردنية قال لبي بي سي إن “الأردن لا يسعى لتصعيد الأمور على الحدود السورية ومع الشقيقة سوريا “لأجل التصعيد”، ولكنه “يحاول حماية أراضيه”.
ويوضّح أن بلاده أعلنت صراحة وعبر وسائل الإعلام “حملة لمواجهة التهريب”، وذكر من خلال مديرية الأمن العام أسماء الأشخاص المتورطين وطالب بالقبض عليهم؛ فهم “مطلوبون للعدالة”، ونشر تفاصيل القيود الأمنية والتهم الموجهة لهم.
كيف تُترجم هذه العمليات العسكرية؟
يقول أستاذ القانون الدولي، كمال حداد، لبي بي سي إن أي اعتداء على حدود دولة أخرى هو – بشكل عام – عمل “غير قانوني”.
أما فيما يتعلق بقضية محاربة تهريب المخدرات على الحدود السورية-الأردنية، فيقول الخبير اللبناني إنه على الأردن أن يبلّغ السلطات السورية من خلال تنسيق أمني أو عسكري أو من خلال التنسيق مع الوزارات، ويجب تقديم المعلومات من الجانب السوري للجانب الأردني.
ويستند إلى قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1373، الذي صدر عام 2001 بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) والذي ينصّ على أنه في حال وقع أي اعتداء من جهة دولة على دولة أخرى من خلال عمليات تهريب أو ميليشيات معينة، فيحق للدولة – من دون إخطار مجلس الأمن – أن تقوم بـ”حركة استباقية” لحماية حدودها.
ويثير خبير قانوني آخر نقطة “الحق بالدفاع عن النفس” وشرط القيام بذلك.
إذ يقول خبير القانون الدولي، حسن جوني، إن هناك اتفاقيات بين الأردن وسوريا بخصوص أمن الحدود، وهناك لجان مشتركة وآلية عمل لهذه اللجان، وبالتالي، فإن “كل دولة مسؤولة عن حماية أراضيها من أي عدوان أو أي اعتداء عليها من قبل الدولة الأخرى – وهذا هو حق الدفاع عن النفس”.
لكنه يضيف أن هذا الحق مشروط؛ إذ أنه يطبّق في حال وجود “عدوان عسكري” على الدولة.
ويرى الدكتور حسن جوني أنه إذا أرادت كل دولة تصعيد الوضع عند تهريب مخدرات أو أسلحة عبر الحدود، “لكان العالم اليوم غير موجود”.
ويقول إن كل دول العالم لديها خلافات وقضايا على حدودها، واستشهد بالوضع على حدود الولايات المتحدة والمكسيك كمثال، والتي تسجل عمليات تهريب مختلفة عبر الحدود.
وقال الخبير جوني: “بالرغم من أن على الأردن أن يحمي حدوده وبلاده ويمنع التهريب إليه، إلا أنه يجب ألا يتعرض لسيادة دولة أخرى وخصوصاً إذا كان من خلال العمل العسكري وهذا في القانون الدولي لا يجوز ويعتبر عدواناً على البلد الآخر”.
“حركة رجال الكرامة”
اقترح أكبر فصيل عسكري في محافظة السويداء، جنوبي سوريا، وهو “حركة رجال الكرامة” على الأردن مبادرة تكونت من 9 بنود من أجل “الانخراط في جهود لتنسيق المعلومات وتبادلها بغية مكافحة تهريب المخدرات عبر الحدود”.
وجاءت المبادرة، وفق ما قالت “حركة رجال الكرامة” في بيان، لـ”تجنّب موت المدنيين خلال ملاحقة تجار المخدرات في المحافظة”.
وحركة رجال الكرامة هي حركة اجتماعية مسلحة في محافظة السويداء، جنوب سوريا، تأسست عام 2013 على يد الشيخ أبو فهد وحيد البلعوس. وكان السبب الرئيسي لتأسيس الحركة هو معارضة تجنيد الشبان الدروز ورفض مشاركتهم في الحرب السورية.
وأشعلت الغارة الأردنية غضباً داخل المحافظة التي تسكنها الغالبية الدرزية، وخرج متظاهرون إلى الميدان تنديداً بالقصف الأردني وقالوا إن الحرب لملاحقة المهربين “باتت خارج الحدود”.
وأعلنت الحركة استعدادها لملاحقة جميع المتورطين في تهريب وتجارة المخدرات، بعد تقديم الجانب الأردني قوائم بأسماء المتورطين، داعيةً الأردن إلى وقف العمليات العسكرية ضد المواقع المدنية، وتوخي الحذر عند تنفيذ أي عملية، وإطلاع الحركة على تحركاتهم العسكرية والتنسيق معها.
قال المتحدث باسم الحركة أبو تيمور لبي بي سي: “لا يوجد أي تقدم بخصوص قضية تجارة وتهريب وتصنيع المخدرات عبر الحدود. فلا القصف الأردني أحدث فارقاً ولا النظام السوري أبدى استعداده بأي شكل من الأشكال لتقويض هذه الظاهرة”.
يضيف خلال مقابلتي معه: “طلبنا من الأردن، لتجنب الموت المجاني للمدنيين، تزويدنا بقائمة تشمل أسماء المطلوبين ومن تريد السلطات الأردنية ملاحقتهم، لمحاولة، وبالتعاون مع المجتمع المحلي، القبض عليهم وتسليمهم للضابطة العدلية التابعة للحكومة السورية”.
ويقول: “إن تجنب الخسائر المدنية يكون من خلال القصف خارج الأماكن السكنية، عندما تم القصف في عرمان لاستهداف مهرب، قتل معه ثمانية أشخاص منهم أطفال ونساء ليس لهم علاقة بموضوع التهريب نهائياً”، مضيفاً: “نتمنى توخي الحذر أثناء عمليات من هذا النوع. إضافةً إلى أن المعقل الرئيسي لإنتاج المواد المخدرة والخط الرئيس الذي تمر به معروف بشكل واضح لكل الدول الإقليمية ومنها المملكة الأردنية الهاشمية”.
ويعلّق على البيانات الأخيرة من الجانبين السوري والأردني: “فيما أعلن النظام السوري استنكاره لما حدث وأنه لم يكن هناك تنسيق – رد الجانب الأردني أنه على تواصل عبر اللجان المشتركة بين البلدين، وأن عمّان زوّدت دمشق القائمة بأسماء المطلوبين، ولكن النظام السوري لم يفعل شيئاً حول الموضوع”، وفق قوله.
————————————–
التواصل العربي مع الأسد على مدى عام باء بالفشل
مقاربة “الجزرة” لم تؤد إلا إلى تشجيع الرئيس السوري بشار الأسد على زيادة تهريب الكبتاغون والأسلحة.
لا تقدّم رغم الإغراءات
2024/05/18
المنامة – حضر الرئيس السوري بشار الأسد قمة الجامعة العربية في البحرين هذا الأسبوع، بعد مرور ما يقرب من عام على إعادة انضمام بلاده إلى الجامعة العربية في القمة التي انعقدت في السعودية عام 2023.
ويقول أندرو جيه تابلر، وهو زميل أقدم في برنامج الزمالة “مارتن ج. غروس” ضمن “برنامج روبين فاميلي حول السياسة العربية”، في تقرير نشره معهد واشنطن إن “إلقاء نظرة سريعة على أعمال ‘لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا’ التابعة للجامعة العربية، إلى جانب الزيادة الأخيرة في الضربات العسكرية الأردنية ضد شبكات تهريب الكبتاغون عبر الحدود، يُظهر أن الانخراط العربي مع الأسد قد فشل في إعادة تأهيل النظام”.
وفي عام 2021، بعد عشر سنوات من تعليق الجامعة العربية عضوية سوريا بسبب القمع الوحشي الذي مارسه النظام السوري ضد الانتفاضة التي أشعلت الحرب الأهلية، بدأ الأردن ومصر تقاربا مشروطا مع دمشق. وفي محاولة يائسة لإعادة فتح الحدود الشمالية وتعزيز التجارة وتسهيل عودة اللاجئين السوريين أصدرت عمّان ورقة بيضاء حول الانخراط تضمنت خطة معقدة لنقل الكهرباء الأردنية والغاز الطبيعي الإسرائيلي والمصري عبر سوريا إلى لبنان.
وما وقف في طريق ذلك هو عزلة الأسد الإقليمية والعقوبات الأميركية التي فرضها “قانون قيصر”، والذي يقيد الاستثمار في إعادة الإعمار في الأجزاء التي يسيطر عليها الأسد بسوريا إلى أن تتم محاسبة شخصيات النظام والتوصل إلى تسوية سياسية قابلة للتطبيق.
وفي ذلك الوقت كانت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تدعم مبادرة الطاقة كوسيلة لتحسين الوضع الإنساني المحلي. ووفقاً لبعض التقارير اعتبر مسؤولو الإدارة الأميركية أن شروط الصفقة، وهي نقل الغاز والكهرباء عبر سوريا مقابل تسديد دفعات عينية إلى دمشق تصل إلى 8 في المئة من الطاقة المنقولة، لا تشكل “صفقة كبيرة” بموجب “قانون قيصر”. وفي النهاية لم تترجَم الفكرة على أرض الواقع، ويرجع ذلك جزئياً إلى عدم قدرة الإدارة الأميركية على تقديم ضمانات مكتوبة حازمة بأن المعاملات المخطط لها سوف تكون معفاة من العقوبات.
وحتى عندما كان المسؤولون العرب يحاولون تنفيذ صفقة الطاقة هذه في الفترة 2022 – 2023، كانت شبكات نظام الأسد تزيد بشكل كبير من إنتاج الكبتاغون، المنشط الاصطناعي المسبب للإدمان الشديد، وتهريب كميات هائلة منه إلى جميع أنحاء المنطقة.
ومن الصعب تحديد حجم الإيرادات التي حققتها هذه العملية (ولا تزال تحققها) للنظام السوري بدقة، لكن المناطق التي يسيطر عليها الأسد في سوريا كانت تنتج الغالبية العظمى من مادة الكبتاغون غير المشروعة في العالم، والتي قُدرت قيمتها بنحو5.7 مليار دولار في عام 2021. وفي المملكة العربية السعودية وحدها تم ضبط 107 ملايين حبة في عام 2022، والتي كانت ستصل قيمتها إلى 2.7 مليار دولار بسعر تقريبي يبلغ 25 دولارا للقرص الواحد.
ومع خروج مشكلة الكبتاغون عن نطاق السيطرة، وتدهور الوضع الإنساني في سوريا بعد الزلزال الكبير الذي ضرب سوريا في فبراير 2023، وعدم إحراز أي تقدم نحو تسوية سياسية سورية، قررت السعودية استئناف العلاقات مع الأسد ودعم إعادة انضمام بلاده إلى الجامعة العربية في قمة جدة عام 2023. وكان الهدف من هذا النهج، الذي طرحته الإمارات العربية المتحدة للمرة الأولى، حل الكثير من المشاكل المستعصية في وقت واحد من خلال منح الأسد حوافز إيجابية لتغيير سلوكه.
وبناءً على ذلك تم إنشاء “لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا ” في مؤتمر القمة، والتي تضم الأمين العام لجامعة الدول العربية وممثلين عن مصر والعراق والأردن ولبنان والسعودية وسوريا.
وكُلّفت اللجنة بأربع مهام رئيسية: (1) الحد من إنتاج الكبتاغون وتهريبه، (2) إعادة اللاجئين إلى سوريا، (3) دفع عجلة العملية السياسية السورية عبر اللجنة الدستورية، (4) تشكيل لجنة لـ”تنسيق الأمن الإقليمي”. ولم يتم تحديد هدف معيّن ولكنه كان مدرجاً في المبادرة وهو تقويض نفوذ إيران وحزب الله المتوسع في سوريا، والذي يشمل على سبيل المثال لا الحصر شبكات الكبتاغون.
وفي أعقاب الاجتماع الافتتاحي في القاهرة خلال أغسطس الماضي، وُلدت “لجنة الاتصال” ميتة في الأساس بسبب استمرار تدفق الكبتاغون إلى الخارج، ما أجبر الأردن على اتخاذ إجراءات عسكرية متزايدة. وبحلول نهاية سبتمبر كانت قوات المملكة قد أسقطت أربع طائرات دون طيار انطلقت من الأراضي التي يسيطر عليها الأسد، وشنت غارات جوية على منشآت إنتاج المخدرات بالقرب من قرية أم الرمان الحدودية السورية.
ورداً على ذلك اعترف وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، الذي أيد صراحةً إشراك الأسد، علناً بأن تهريب المخدرات قد زاد في السنوات التي تلت افتتاح عمان لمحادثات التطبيع. وتوسَّع هذا النشاط بصورة أكثر في الأشهر اللاحقة، حيث ساعد ظهور الضباب الشتوي المهربين على التهرب من الدوريات وكاميرات الحدود.
وتشعر السلطات الأردنية بقلق أكبر إزاء تزايد مصادرة الأسلحة المهربة من سوريا، إذ يمكن استخدام أي أسلحة يتم تهريبها عبر الحدود محلياً أو نقلها إلى الضفة الغربية لتأجيج التوترات الإسرائيلية – الفلسطينية بصورة أكثر وسط الحرب مع حماس.
وكشفت مصادر أردنية هذا الأسبوع عن ضلوع إيران، على ما يبدو، في تسهيل عمليات النقل هذه. فقد أشارت المصادر، في تقاريرها عن المخبأ الذي تم ضبطه في مارس، إلى أن الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا قد أرسلت أسلحة إلى خلية تابعة لجماعة الإخوان المسلمين مرتبطة بـحماس في الأردن. وفي ضوء هذه التفاصيل، ربما لم تعد عمّان قادرة على التزام الصمت الحذر بشأن التواطؤ الإيراني في مجموعة التهديدات الصادرة من سوريا.
وبغض النظر عما ستؤول إليه قمة المنامة، أثبت نظام الأسد أن الحوافز الإيجابية لن تغير سلوكه بشأن تهريب الكبتاغون، وتهريب الأسلحة، وغير ذلك من التهديدات. فقد استمرت هذه المشكلة حتى عندما سُمح لدمشق باستخدام قناتها المفضلة للانخراط الدبلوماسي المستقل من أعلى المستويات إلى أدناها مع الرياض بدلاً من الاستجابة للنهج القائم على الشروط بقيادة الأردن.
العرب
————————
=========================