تحقيقات

“مفاتيح دبي” تحقيقات استقصائية من  ستة أجزاء

-1-

مفاتيح دبي”: 10 من دائرة الأسد يخفون 50 مليون دولار في عقارات دبي

محمد بسيكي – علي الابراهيم (سراج)، هلا نصر الدين (درج)

15.05.2024

“مفاتيح دبي” تحقيقات استقصائية تكشف أنّ العقوبات الأميركية لم تحل دون أن يتملّك ويستثمر “رجال النظام السوري” في الإمارة الصغيرة ما يطرح تساؤلات حول التسهيلات التي يحظى بها المقربون من النظام هناك. تحتوي وثائق المشروع على تفاصيل ممتلكات سوريين من الدائرة المالية والعائلية للرئيس السوري بشار الأسد، بمن فيهم: إبنا خاله رامي وإيهاب مخلوف، رجلا الأعمال الأخوان سامر وعامر فوز، ورانيا الدباس زوجة رجل الأعمال السوري محمد حمشو وآخرون.

خسر الكثير من السوريين منازلهم وعقاراتهم واستثماراتهم جراء الحرب السورية، واحتاج أكثر من 753 ألف لاجئ منهم، إلى إعادة التوطين في عام 2024، وفق مفوضية اللاجئين.

في ذات الوقت، وجد رجال أعمال مرتبطون بالنظام السوري، ملاذاً آمناً لهم في إمارة دبي، تجنّباً للعقوبات الأميركية والأوروبية، التي لم تمنع الإمارات من السماح لهم، بتملك عقارات فاخرة في مشروع “نخلة جميرا” مثلاً، بعيداً من أعين الخزانة الأميركية، ومكاتب مراقبة مفاعيل العقوبات على الأطراف المعاقبين، على مبدأ “بيزنس إز بيزنس”.

من بين هؤلاء، الأشقاء الأشهر في سوريا: رامي وإيهاب مخلوف، سامر وعامر فوز، مدلّل وعماد خوري.

لماذا دبي؟

عندما وقّع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب على مشروع “قانون قيصر”، بعد موافقة مجلس النواب الأميركي في 17 كانون الأول/ ديسمبر 2019، ليصبح قانوناً هدفه تشديد العقوبات الأميركية على النظام السوري، ومنع التعامل معه وتوفير أي دعم مالي وتقني له، كان من المفترض أن يؤدّي هذا التشريع إلى الحد من نمو المركز المالي للنظام، وكبح جماح رجال الأعمال والنخب المستفيدة من الحرب السورية، التي راكمت ثروات بملايين الدولارات على شكل أموال نقدية “كاش”، وأصول عقارية وشركات حقيقية ووهمية طوال سنوات الحرب السورية.

إلا أنّ وثائق مشروع “مفاتيح دبي” Unlocked Dubai كشفت أنّ هذه العقوبات لم تحل دون أن يتملّك ويستثمر “رجال النظام” عقارات في دبي، الأمر الذي يطرح علامات استفهام حول عملية العناية الواجبة Due Diligence التي تتبعها السلطات في دبي تحديداً، في ما يخصّ مخاطر غسل الأموال والامتثال للوائح العقوبات الأوروبية والأميركية.

“مفاتيح دبي” هو مشروع استقصائي عابر للحدود، يقوده مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد OCCRP وموقع الأخبار المالية النرويجي E24، بمشاركة 74 وسيلة إعلامية من 58 دولة حول العالم، من بينها الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية “سراج” وشريكها موقع “درج”. 

يتضمن المشروع وثائق مسربة، تكشف معلومات حول مئات الآلاف من العقارات في دبي، وعن ملكيتها، تحديداً في عامي 2020 و2022. تم الحصول على البيانات من مركز الدراسات المتقدمة للدفاع (C4ADS)، وهو منظمة غير ربحية مقرها واشنطن، ويبحث في الجرائم الدولية والنزاعات، وتمت مشاركة البيانات مع مشروع OCCRP وE24.

تأتي البيانات التي يتضمّنها المشروع، من سلسلة تسريبات تزيد عن 100 مجموعة بيانات Dataset، معظمها من دائرة الأراضي في دبي، بالإضافة إلى الشركات العقارية التي تملكها الدولة. وتشمل البيانات اسم المالك المدرج لكل عقار، بالإضافة إلى معلومات تعريفية أخرى، كما تحتوي مجموعة البيانات التي طالعها الصحافيون، على أسماء المالكين كما هو مكتوب في جوازات السفر، وبيانات جواز السفر، والهوية، ومعلومات الاتصال، والمعلومات الرئيسية حول العقارات.

وعلى مدار أشهر عدّة، استخدم الصحافيون المشاركون في هذا المشروع الدولي الوثائق، كنقطة انطلاق لاكتشاف مشهد ملكية العقارات الأجنبية في دبي، وللتحقق من هويات الأسماء والشخصيات الواردة في البيانات، تحديداً تلك المدرجة على لوائح العقوبات الدولية، أو المصنّفة كشخصيات مكشوفة سياسيّاً PEPs.

تحتوي وثائق المشروع على تفاصيل ممتلكات سوريين من الدائرة المالية والعائلية للرئيس السوري بشار الأسد، بمن فيهم: إبنا خاله رامي وإيهاب مخلوف، رجلا الأعمال الأخوان سامر وعامر فوز، ورانيا الدباس زوجة رجل الأعمال السوري محمد حمشو، المقرب من ماهر الأسد قائد الفرقة الرابعة في الجيش السوري، وآخرون.

يملك كل من الأخوين مخلوف فيلا فاخرة في دبي، مساحة كل واحدة  منهما دونم و220 متراً مربعاً، وكلتاهما في منطقة نخلة جميرا؛ وهي أرخبيل صناعي تتوزع عليه العقارات الفاخرة، فيما كان سامر فوز، وهو رجل أعمال سوري نشط خلال الحرب السورية، وورد اسمه على لوائح العقوبات الأميركية والأوروبية، متحكماً ومسيطراً على ثلاثة أصول عقارية في دبي، من ضمنها وحدتان في برج بلاتينيوم في منطقة الثنية الخامسة.

يقول كرم شعار، مدير مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية السوري، في مقابلة مع فريق التحقيق: “الاستثمار العقاري في دبي مضمون، مقارنة بالاستثمار بالأوراق المالية أو أية مجالات أخرى، وفي الحالة السورية هناك منفعة أخرى، إذ تشكل سهولة حركة التنقل بين سوريا والإمارات، عاملاً آخر لتدفق الأموال السورية للعقارات الإماراتية، فأصبحت الإمارات الرقم واحد بالنسبة الى السوريين المستثمرين بعد تضرّر لبنان، الذي كان بمثابة رئة النظام السوري المالية، وذلك بعد انفجار مرفأ بيروت في 2020”.

وفق تصريحات رسمية إماراتية، تحتل سوريا مرتبة متقدمة في العلاقات التجارية بين البلدين، إذ تستحوذ الإمارات على أكثر من 14 في المئة من تجارة سوريا الخارجية، وبلغ حجم التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين نحو 2.6 مليار درهم (705 مليون دولار أميركي) خلال 2020، في حين وصل إلى نحو مليار درهم (250 مليون دولار أميركي)، خلال النصف الأول من 2021.

أموال سوريّة في دبي

لغاية العام 2020، بينما كان نحو 90 بالمئة من سكان سوريا تحت خط الفقر البالغ دولارين يومياً، كانت أسماء رجال أعمال وشخصيات بارزة تشكل عصب النظام السوري، تظهر في سجلات الملكيات العقارية في دبي، بعدما نقلوا أموالاً إليها، واستثمروا وتملكوا عقارات فاخرة فيها، على ما تظهره سجلات الملكية العقارية، وما يكشفه هذا التحقيق الاستقصائي.

تقاطعت مصالح هذه الشبكات في دبي كونها مركزاً مالياً عالمياً، إضافة إلى التسهيلات المالية والضرائب الأقل، التي تقدمها الإمارة في سعيها الى التنافس لجذب الاستثمارات، يقول خبير اقتصادي سوري.

لغاية نهاية العام 2019، تجاوزت قيمة الاستثمار السوري المباشر في الإمارات 1.5 مليار درهم (470 مليون دولار أميركي) وفق وزير الاقتصاد الإماراتي عبدالله بن طوق المري، لكن من غير المعلوم إن كان هذا الرقم يشمل الأصول العقارية التي يملكها سوريون في الدولة أم لا.

لا يعد امتلاك عقار أو شراء أصل عقاري في أي مكان، مخالفة أو دليلاً على ارتكاب انتهاك ما، بل يعد نوعاً من الاستثمار الذي يوفره أي بلد ضمن قوانينه، ويفضله الكثيرون بسبب مستويات الأمان العالية التي يوفرها الاستثمار في الأصول العقارية، لكن تحقيق المصلحة العامة يتطلب الإجابة عن أسئلة مثل: من يشتري هذا العقار؟ وما هو مصدر الأموال؟ وكيف يتم ذلك بسلاسة من دون التعارض مع العقوبات الأوروبية والأميركية المفروضة على بعض المشترين، الذين يُحظر التعامل معهم مالياً لتحقيق المصلحة العامة؟

 3,716 مستثمراً ومالكاً سوري الجنسية تم تحديدهم من الصحافيين في قائمة الملاك للعام 2022، استثمروا أموالهم في 5392 عقاراً في دبي بقيمة 1.8 مليار دولار أميركي.

من بين هؤلاء، تتبع فريق التحقيق أصولاً عقارية لـ 10 من كبار رجال الأعمال وسيدة في دائرة نظام الأسد الاقتصادية، كلهم على لائحة العقوبات الأميركية والأوروبية. نقل هؤلاء أموالاً إلى دبي واشتروا أصولاً عقارية. بحسب وثائق مشروع “مفاتيح دبي” كانت هذه الشخصيات هي الجهة المسيطرة (Controlling Party) على نحو 25 عقاراً في مناطق فاخرة في دبي، تبلغ قيمتها بحسب المرصد الضريبي للاتحاد الأوروبي والمركز النرويجي للأبحاث الضريبية (Skatteforsk)، نحو 50 مليون دولار.

يُقدر اقتصاديون من “المرصد الضريبي للاتحاد الأوروبي” و”المركز النرويجي للأبحاث الضريبية” (Skatteforsk) بعدما حلّلوا البيانات العقارية، أن إجمالي الملكية الأجنبية في العقارات السكنية في دبي، تقدر بنحو 160 مليار دولار أميركي في عام 2022، بما في ذلك العقارات تحت الإنشاء.

ويستند التحليل إلى أسعار العقارات في دبي في عام 2022، ولا يأخذ في الاعتبار الارتفاع التالي في أسعار العقارات فيها، إذ ارتفعت أكثر من 25 في المائة خلال عامين، وفقاً لتقرير نشرته شركة “ديلويت”، وهو ملخص في دليل العقارات العالمي، ومؤشر الإسكان الصادر عن دائرة الأراضي والأملاك في دبي.

الأخوان فوز… وبرج بلاتينيوم دبي

سامر فوز، اسم تردّد كثيراً ولا يزال يتردد، في عالم البزنس السوري خلال سنوات الحرب السورية. فرضت الولايات المتحدة عقوبات على فوز في عام 2019، باعتبار أنه “استفاد من فظائع الصراع السوري في مؤسسة مدرّة للربح”.

في المقابل، كان الرجل يعزز إمبراطوريته المالية والاقتصادية ويحصل علي تسهيلات لذلك، من دول الجوار، وقد حصل على الجنسية اللبنانية عام 2018.

يَملك فوز في لبنان وحده ثلاث شركات، الأحدث بينها شركة “سوليد 1” ش.م.ل “أوفشور”، وفي الشركات الثلاث يرد اسم شقيقه عامر فوز شريكاً.

كان سامر فوز مالكاً لثلاثة أصول عقارية في دبي، عبارة عن وحدتي في برج بلاتينيوم في منطقة الثنية الخامسة، وعقار في منطقة الثنية الرابعة. تُقدَّر القيمة المالية لواحد من عقاري بلاتينيوم بما يقارب 627 ألف دولار أميركي، بينما تبلغ القيمة التقديرية للعقار الثالث نحو 576 ألف دولار أميركي، ويملك فوز أيضاً، عقاراً على شكل أرض بصفة تجارية في منطقة الثنية الرابعة.

أما شقيقه عامر (46 عاماً)، فيملك مصالح وأنشطة تجارية في قطاعات عدة في الاقتصاد السوري (ضمن مناطق النظام)، بما في ذلك شركة “أمان دمشق القابضة”، التي تسمح له بالتجارة والاستثمار في سوريا، وهو مدرج في قائمة العقوبات الأوروبية منذ 17 شباط/ فبراير 2020، الى جانب سبعة رجال أعمال آخرين وشركتين سوريتين بسبب دعمهم النظام السوري. وتظهر السجلات العقارية أنه لا يزال يملك عقاراً على شكل فيلا Signature في منطقة جزيرة النخلة في جميرا (Palm Jumeirah)، وتبلغ قيمتها التقديرية نحو 17 مليون دولار أميركي.

تكشف الوثائق أن فوز كان يملك أيضاً عقارين في منطقة الثنية الرابعة على شكل فيلا، وتبلغ القيم التقديرية للعقارين نحو مليوني دولار أميركي، ونحو 1.9 مليون دولار أميركي على التوالي.

مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية، اتهمه وشقيقه وشخصاً وكياناً، بامتلاك وإدارة حصص في شبكة دولية تدعم نظام الأسد، وعلى رغم ذلك أظهرت التسجيلات العقارية أنه يملك هذه العقارات في دبي.

لم ترد وزارة الخزانة الأميركية على الأسئلة التي أرسلها فريق التحقيق عن المشروع، حول خرق العقوبات والعناية الواجبة التي يجب أن تعتمدها الدول لتفادي العقوبات.

ولم يردّ الأخوان فوز على طلبات فريق التحقيق بالتعليق لغاية نشر هذا التحقيق.

يقول أندرياس أوكلاند، زميل ما بعد الدكتوراه في كلية الاقتصاد والأعمال بجامعة النرويج the School of Economics and Business, Norwegian University of Life Sciences ((NMBU): “وفقاً لتسريبات عام 2022 وتقديراتنا، كان الأجانب يمتلكون ما لا يقل عن 198 ألف عقار سكني في دبي، بقيمة تزيد عن 90 مليار دولار أميركي في العام نفسه”.

الأخوان مخلوف… ونخلة جميرا

يبدو أن خلاف النظام السوري الأخير مع رامي مخلوف، أحد أهم رجالاته الماليين خلال العشرين سنة الماضية، أي منذ تولي بشار الأسد الحكم بعد وفاة أبيه حافظ الأسد العام 2000، لم يؤثر بعد على حصصه وملكيته المترامية الأطراف حول العالم، وهي عبارة عن إمبراطورية ضخمة من الأصول المالية داخل سوريا وخارجها، على رغم العقوبات، يظهر منها جزء كشفته السجلات العقارية في دبي.

يرد اسم رامي مخلوف كمالك لثلاثة عقارات في مشروع نخلة جميرا، من بينها فيلا فاخرة بمساحة نحو 1.244 متر مربع (دونم و244 متراً مربعاً)، بقيمة تقديرية نحو 8 ملايين دولار أميركي. 

في السنوات الأخيرة، أصبح مخلوف محوراً للكثير من النقاشات والتغطيات الإعلامية، بعدما برزت خلافات بينه وبين بشار الأسد وزوجته أسماء الأسد، وقد أدت هذه الخلافات إلى تقليص نفوذ مخلوف تدريجياً داخل النظام السوري، ونزعت منه ملكيته في شركة “سيريتل موبايل تيليكوم”، وهي أكبر شركة اتصالات في سوريا، لصالح نفوذ طبقة صاعدة من رجال الأعمال تديرهم أسماء الأسد.

ويملك رامي مخلوف في منطقة جزيرة النخلة شقة سكنية ضمن بناء AL DABAS بقيمة تقديرية تبلغ 1.5 مليون دولار أميركي.

وليس بعيداً من هذا البناء الفخم، يملك مخلوف شقة أخرى ضمن بناء ABU KEIBAL في جزيرة النخلة، وتقدر قيمتها بنحو مليون دولار أميركي.

أما شقيقه إيهاب، فقد تملّك فيلا فاخرة في مشروع جزيرة النخلة بقيمة تقديرية تبلغ 8 ملايين دولار أميركي.

“رغم موقف الإمارات خلال السنوات الأولى من الأزمة السورية والقطيعة مع النظام السوري، كان آل مخلوف يمارسون أعمالهم بسلاسة، واتخذت النخبة التابعة للنظام السوري من دبي، مقراً لأعمالها وشبكاتها”، يقول أيمن الدسوقي، الباحث في مركز “عمران للدراسات”.

ويضيف: “كان هناك غض نظر، وكان ذلك باباً خلفياً للتواصل مع النظام عبر هذه الشبكات ورجال الأعمال… كانت بشرى الأسد، شقيقة بشار، تقيم في دبي بعد مقتل زوجها آصف شوكت… دبي بالأساس نقطة تحرك أساسية لنخبة النظام”.

لم يرد الأخوان مخلوف أيضاً على طلب فريق التحقيق بالتعليق.

 عقارات في شبكات عائليّة 

تتّجه دبي خصوصاً والإمارات عموماً، نحو موضوع التنافسية بتسجيل الأعمال وإطلاقها، وهذه ميزة اقتصادية صحيحة تجذب الاستثمارات للبلد، لكن على هذه الاستراتيجية والسرعة في جاذبية الأموال للإمارات بالطرق المختلفة، ومنها عبر العقارات، مآخذ، وتتخللها ثغرات، كما يرى خبراء اقتصاديون.

يظهر اسم رانيا الدباس، وهي سيدة أعمال سورية، وزوجة رجل الأعمال محمد حمشو، وهي مشمولة في لائحة العقوبات الأميركية ضمن “قانون قيصر” 2020، كمالكة حتى الآن، لعقار على شكل شقة في برج DAMAC TOWERS من المنطقة العقارية بزنس باي بقيمة تقديرية 621 ألف دولار أمريكي..

بينما كان أحمد صابر حمشو، شقيق رجل الأعمال البارز محمد حمشو، كجهة مسيطرة على عقارين في منطقة Al Hebiah Third.

يفسّر حايد حايد، وهو باحث أول في معهد “شاتام هاوس الملكي” في المملكة المتحدة، السبب وراء سعي هذه الشبكات العائلية الى امتلاك عقارات في دبي، أسوة بمدن أخرى في المنطقة العربية والعالم، ويقول: “تاريخياً، كانت دبي مكاناً آمناً للاستثمارات وشراء العقارات، بالنسبة الى رجال الأعمال المرتبطين بالنظام السوري وحزب الله، وكان لهولاء هدفان اثنان، الأول: تبييض الأموال، إذ يحاول أصحاب الأموال غير المشروعة إخفاء مصادرها من خلال شراء العقارات وبيعها مراراً وتكراراً، ما يجعل من الصعب تتبع أصول هذه الأموال، فتتحوّل إلى عقارات فاخرة تبدو نظيفة. والهدف الثاني هو الاستثمار في العقارات، إذ يعتبر شراء العقارات استثماراً ناجحاً في المنطقة العربية، لكن المشكلة تكمن في تعامل البنوك ومكاتب العقارات مع الأفراد المعاقبين قانونياً، إذ يمكن أن يتعرضوا للعقوبات إذا تم التعامل معهم”.

ذكرت وزارة الخزانة الأميركية، أن عائلة حمشو “لديها اهتمامات في كل قطاعات الاقتصاد السوري تقريباً، ومحمد حمشو عمل كواجهة وشريك مقرب من ماهر الأسد، الذي يقود الفرقة الرابعة في الجيش السوري”.

ويشغل الشاب أحمد حمشو منصب نائب رئيس مجلس إدارة غرفة التجارة الدولية في سوريا، وهو شريك في شركتي “سيف الشام” و”جوبيتر” للاستثمارات إلى جانب رانيا الدباس.

بينما لم ترد الدباس ولا حمشو على أسئلة فريق التحقيق، يوضح خبير اقتصادي سوري، أن “استخدام رجال الأعمال السوريين شبكاتهم العائلية، بمن فيهم زوجاتهم وأولادهم، لتسجيل العقارات، يُعتبر استراتيجية تهدف إلى تجنب العقوبات الدولية”.

ويقول: “يمنح هذا النهج المجال لشبكات الأعمال وشبكات النظام السوري وحزب الله للتنفّس، بهدف الحفاظ على استقرار النظام السوري ومنع انهياره”.

وفي هذا السياق، يُعتبر الاستثمار في العقارات في دبي بمثابة ملاذ آمن، إذ بإمكان رجال الأعمال السوريين تسجيل العقارات بأسماء زوجاتهم وأولادهم، لتفادي المخاطر وحماية أصولهم.

بعيداً عن تأثيرات العقوبات… عقارات الأخوين خوري

انتقل مدلل خوري، وهو رجل أعمال سوري- روسي إلى روسيا في بداية السبعينات، حيث عمل على بناء شبكة معقدة من البنوك والشركات المصرفية والكيانات الخارجية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.

استخدم خوري هذه الشبكة في أعماله، وتسببت في وضعه على قائمة العقوبات الأوروبية والأميركية بسبب تسهيله أعمالاً بالنيابة عن أنظمة قمعية مثل النظام السوري.

بعيداً من سوريا والتشابكات المالية العابرة للحدود مع موسكو، أظهرت سجلات الملكية العقارية في دبي، أن خوري كان جهة مسيطرة على عقار في بناء The Matrix ضمن المنطقة العقارية  Al Hebiah Fourth إلى جانب عقار في البناء Metro Central في منطقة Al Thanyah First.

أما شقيقه عماد خوري، فكان هو الآخر جهة مسيطرة على شقة سكنية في بناء The Matrix ضمن المنطقة العقارية Al Hebiah Fourth.

لم يرد الأخوان خوري أيضاً، على طلب فريق التحقيق بالتعليق حول ملكيات العقارات وعمليات الشراء، وما إذا كان تم التصريح عنها للسلطات السورية أو الروسية. 

وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية، يعتبر مدلل خوري متورطاً في تعاملات مالية مع نظام الأسد منذ عام 1994، كما أن خوري استخدم شبكته المعقدة لدعم نظام الأسد وتمويله، بعد بدء الثورة السورية في 2011.

وخلال عام 2014، نقلت الدائرة الضيقة لآل الأسد الأموال من سوريا، واستثمرت جزءاً منها في شراء مكاتب وعقارات بقيمة 40 مليون دولار.

وتشير التحقيقات إلى أن مساعدات خوري للنظام السوري، تضمنت دعم شراء الوقود، وطباعة الأوراق النقدية، وتوفير شركات واجهة ممتدة بين قبرص وجزر فيرجن البريطانية، التي استخدمها نظام الأسد في برامجه للأسلحة الكيميائية والباليستية.

السريّة في ناطحات السحاب

في السنوات الأخيرة، شدّدت السلطات الإماراتية التشريعات المتعلقة بمكافحة غسل الأموال، بخاصة بعدما أضافت مجموعة العمل المالي (FATF)، الهيئة الحكومية الدولية لمراقبة غسل الأموال، الإمارات إلى قائمتها “الرمادية” في عام 2022، بسبب فشلها في مكافحة تدفقات الأموال غير المشروعة بفعالية. وبعد جهود مبذولة لإزالة اسمها من القائمة، حصلت السلطات الإماراتية على أخبار جيدة في شباط/ فبراير: أثنت FATF على الإمارات لـ “تقدمها الكبير”، وأزالتها من التحقق الإضافي، بحسب تحقيق الـ OCCRP في سياق المشروع.

في هذا السياق، قالت السفارة الإماراتية في بريطانيا لـ The Times، الشركاء في مشروع “مفاتيح دبي”:  “تولي الإمارات دورها في حماية نزاهة النظام المالي العالمي، جدية بالغة. في شهر شباط، أشادت مجموعة العمل المالية (FATF)، وهي الهيئة الدولية المعيارية لاتخاذ تدابير لمكافحة غسل الأموال، بالتقدم الكبير الذي أحرزته الإمارات، في مواصلتها ملاحقة المجرمين العالميين. وتعمل الإمارات بشكل وثيق مع الشركاء الدوليين لعرقلة وردع جميع أشكال التمويل غير المشروع. الإمارات ملتزمة بمواصلة هذه الجهود والإجراءات اليوم وفي المستقبل الطويل، بشكل أكبر من أي وقت مضى”.

كيف تشتري وتستثمر عقاراً؟

بالنسبة الى رجال الأعمال المرتبطين بالنظام السوري، وعندما يتعلق الأمر بربط الأموال والبزنس بالنظام المالي العالمي، تلجأ هذه الشبكات إلى منافذ أخرى، مثل دبي، لتسهيل تحويل الأموال وتجنب القيود والعقبات واستثمار العقارات، بعدما شكّل لبنان، ومنذ اندلاع الثورة، وقبل ذلك منذ ثمانينات القرن العشرين، مركزاً مالياً حيوياً، لتمرير ما يحتاجه نظام دمشق في ظل العقوبات الأميركية والحصار على سوريا.

وقد اعتمد هؤلاء سابقاً على لبنان في تسيير أعمالهم، التي يسير جزء كبير منها، باستخدام النقد “الكاش” نظراً الى تأثر القطاع المصرفي بالعقوبات، والشلل الذي يعيشه منذ 2019، وانفجار مرفأ بيروت في آب/ أغسطس 2020.

“ومع ذلك، يظهر أن النظام السوري يستفيد من الشبكة المالية نفسها، ما يسهل عملية التحويل والتحرك بين المراكز المالية المختلفة، بشكل غير ملحوظ وصعب التتبع”، يقول الباحث الدسوقي.

أردنا معرفة كيف بإمكان شخص من خارج الإمارات (حتي لو كان معاقباً من الخزانة الأميركية أو الاتحاد الأوروبي) أن يشتري عقاراً في دبي، إنْ امتلك هو الملاءة المالية اللازمة، بغض النظر عن جنسيته أو مكان إقامته الحالي.

أوضح الوكيل العقاري أنه “يمكن استخدام عملة البيتكوين في شراء أي عقار في دبي، سواء كانت شقة أو فيلا”، كما نصحنا في حال عدم القدرة على ذلك، بـ”نقل الأموال النقدية من دمشق إلى دبي عبر مكاتب الصرافة، وتسليمها للمكتب العقاري أو مالك العقار في دبي مباشرةً”، وأكد أنه “لا يوجد أي مخاوف من ملاحقة قانونية تتعلق بمصدر هذه الأموال”، مشدداً على “عدم وجود عوائق تتعلق بمكافحة غسل الأموال في هذه العملية”.

ضمن ناطحة السحاب CAYAN TOWER في منطقة مرسى دبي، التي ترتفع 306 أمتار وسط المدينة، يملك رجل الأعمال السوري المعاقب من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عمار مدحت شريف، عقاراً (شقة) في منطقة مرسى دبي.

شريف هو رجل أعمال سوري بارز، ينشط في قطاع البنوك والتأمين والضيافة، وشريك مؤسس لبنك بيبلوس سوريا، ومساهم رئيسي في شركة Unlimited Hospitality Ltd، وعضو مجلس إدارة شركة “سوليدرتي اللاينس” للتأمين وشركة “العقيلة للتأمين التكافلي”.

وقد فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على شريف عام 2016، لتعاونه مع رامي مخلوف، ابن خال الرئيس السوري بشار الأسد.

بحسب مشروع وثائق بارادايز التابع للاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين، يملك شريف حصة في المجموعة العالمية للصرافة في سوريا، وله شراكة مالية موازية في لبنان مع رامي مخلوف، من خلال شركة “روك إنفست” (سُجلت عام 2002).

لم يرد شريف على طلبات فريق التحقيق بالتعليق على الملكية أو إعطاء أية معلومات أخرى متعلقة بعمليات الدفع، أو التحويل المالي، أو مصدر الأموال التي خوّلته شراء العقار.

عقارات دبي… طوق النجاة 

نادر قلعي، رجل أعمال سوري ويُعرف بعلاقته وشراكته مع رامي مخلوف، ورد اسمه بشكل بارز في عقوبات “قانون قيصر”، التي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية، في حزيران/ يونيو 2020.

قبل العام 2011، كان نشاطه بارزاً في سوريا، في قطاع الاتصالات والبنوك، حيث دخل في شراكات استراتيجية مع رامي مخلوف، عبر شركة “شام القابضة” 2007، وفي عضوية مجلس إدارة شركة “زبيدي قلعي”، و”زبيدي قلعي للتطوير العقاري” وغيرها.

كان الرجل جهة مسيطرة على ستة عقارات (شقق) في منطقة مرسى دبي العقارية، ضمن بناء Bahar 2.

توفي نادر قلعي عن عمر يناهز الـ 58 عاماً، إثر مضاعفات إصابته بفيروس “كورونا” وفق ما نشرت عائلته في 2 شباط/ فبراير 2021.

لم ترد عائلته على طلبات فريق التحقيق والتعليق حول ما آلت إليه ملكية العقارات، وكيف تمت عمليات الشراء.

يبدو أن استثمار العقارات الفاخرة كان بمثابة طوق النجاة لنخبة النظام السوري الاقتصادية، لحفظ قيمة الأموال التي يجنونها، على رغم استمرار الصراع السوري، وعدم التوصل إلى حل سياسي، فهل يمنعهم المزيد من العقوبات من ذلك؟

سابقاً، فُرضت عقوبات أميركية على رجال أعمال سوريين مرتبطين بالنظام السوري، لديهم أعمال في الإمارات، ولكن رغم العقوبات، استمرّ الاستثمار في العقارات في دبي، لأن “لدى رجال الأعمال السوريين المرتبطين بالنظام قناعة بأن الملاحقة القانونية؛ في حال كانت مصادر التمويل غير مشروعة، قد تكون معدومة في دبي”، يقول الباحث شعار.

————————-

-2-

مفاتيح دبي”… استثمارات الممانعة بالعقارات “الإبراهيميّة

14.05.2024

حزم العقوبات الأميركية والأوروبية بحق رجال أعمال مرتبطين بالنظام السوري وحزب الله لم تردع السلطات في دبي من احتضان رؤوس أموال هي خارج النظام المصرفي العالمي، عبر استدراجها للاستثمار في عقارات فاخرة في برج خليفة ونخلة جميرا ودبي مارينا وغيرها من المناطق. حصل ذلك بينما كانت “الخصومة” على أشدها بين الإمارات العربية المتحدة ومحور الممانعة.

Business is Business، فاتفاقات أبراهام للسلام المجاني بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين، لم تحد من الطموحات الاستثمارية لرجال أعمال لبنانيين وسوريين مقربين من “حزب الله” ومن النظام السوري في عقارات دبي وفي قصورها ومنازلها الفخمة. كما أن حزم العقوبات الأميركية والأوروبية بحق رجال الأعمال أنفسهم لم تردع سلطات الإمارة عن احتضان رؤوس أموال هي خارج النظام المصرفي العالمي، عبر استدراجها للاستثمار في عقارات فاخرة في برج خليفة ونخلة جميرا ودبي مارينا وغيرها من المناطق.

هذا ما كشفه مشروع “مفاتيح دبي”، وهو مشروع استقصائي عابر للحدود، يقوده مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد OCCRP وموقع الأخبار المالية النرويجي E24، بمشاركة 72 منصة صحافية من 58 دولة حول العالم، من بينها موقع “درج”.

حصل ذلك بينما كانت “الخصومة” على أشدها بين الإمارات العربية المتحدة ومحور الممانعة، ووصل الخطاب التحريضي بينهما إلى حد إشعال حروب أهلية في بؤر الاحتكاك بينهما. فوسط اشتباك إعلامي بلغ ذروته عبر خطب التخوين التي انخرطت فيها وسائل إعلام الطرفين، كان رجال أعمال مثل أدهم طباجة وعلي رؤوف عسيران ومحمد بزي وغيرهم من المقربين من “حزب الله” والمدرجين على لوائح العقوبات الأميركية، يشترون منازل فخمة ويؤسسون فروعاً لشركاتهم في دبي، مع ما يمثل ذلك من فرص لغسل الأموال.

يمتد ما كشفه المشروع الاستقصائي إلى أنشطة رجال الأعمال المقربين من النظام السوري. فبينما كان السوريون غارقين في انهيار اقتصادي ومالي، والمدن السورية شبه مدمرة، واللاجئون من ذلك البلد هرباً من الحرب والجوع تجاوز عددهم الثمانية ملايين مواطن، كان رجال أعمال مثل رامي وإيهاب مخلوف وسامر وعامر فوز ومحمد حمشو (جميعهم على لوائح العقوبات الأميركية) يشترون منازل وقصور في دبي تجاوزت قيمتها الخمسين مليون دولار!

بقيت آلية تحويل هذه المبالغ الى المصارف في دبي غير واضحة، ووفق تحقيقات استقصائية سبق أن نشرناها، فإن ثروات هؤلاء تمت مراكمتها عبر انخراطهم في عمليات الفساد والاحتكار التي حصلت في موازاة الحرب السورية. 

يتضمن المشروع وثائق مسربة تكشف عن معلومات حول مئات الآلاف من العقارات في دبي وعن ملكيتها تحديداً بين عامي 2020 و2022. تم الحصول على البيانات من مركز الدراسات المتقدمة للدفاع (C4ADS)، وهو منظمة غير ربحية مقرها واشنطن، يبحث في الجرائم الدولية والنزاعات. تمت مشاركة البيانات مع OCCRP وE24.

استخدم الصحافيون البيانات كنقطة انطلاق لتقصّي مشهد امتلاك الأجانب العقارات في دبي. وقد أمضوا شهوراً في التحقق من هويات الأشخاص الذين ظهروا في البيانات المسربة، فضلاً عن التأكد من حالة ملكيتهم، باستخدام السجلات الرسمية، والبحث في المصادر المفتوحة، ومجموعات البيانات المسرّبة الأخرى.

وبدايةً من مهربي الكوكايين الأستراليين إلى أقارب الحكام المستبدين الأفارقة ووصولاً إلى مجموعة من ممولي “حزب الله” الخاضعين للعقوبات، تكشف النتائج كيف فتحت المدينة ذراعيها لشخصيات مطلوبة من جميع أنحاء العالم.

قالت ماريا جوديتا بورسيل، وهي مديرة ملف في مركز دراسات الدفاع المتقدمة، “تستغل الجهات الفاعلة الفاسدة والأشخاص المكشوفون سياسياً الذين يتجنبون المساءلة العامة، الولايات القضائية التي تكفل السرية مثل دولة الإمارات، لإخفاء الأصول على مرأى من الجميع”.

لماذا دبي؟

“قبل أربعين عاماً، كانت دبي موقعاً غير مميز في الشرق الأوسط، حيث بإمكان عاصفة رملية أن تجتاح المنطقة وتمر من دون عراقيل تُذكر من الصحراء العربية إلى الخليج العربي.

واليوم، أصبحت مركزاً مالياً عالمياً وتتباهى بأنها واحدة من المدن التي تضم أشهر ناطحات السحاب في العالم — إذ إنها تُعد مدينة شديدة الكثافة تضم ناطحات سحاب شاهقة وشوارع مزدحمة ذات تصميم مستقبلي، حيث يُبرم كبار رجال الأعمال صفقات بمليارات الدولارات، ويعرض المؤثرون حياة مفعمة بالرفاهية، ويتسلق النجم العالمي توم كروز أعلى ناطحة سحاب في العالم فيها خلال تصوير سلسلة أفلامه المشهورة.

لم تكن المدينة الخليجية هي المكان الوحيد الذي يُخبئ فيه المجرمون وغيرهم ثرواتهم المشبوهة في العقارات الفاخرة. فمن المعروف أيضاً أن العقارات في مدينتي نيويورك ولندن تجذب الأموال المشبوهة. بيد أن الخبراء يقولون إن دبي لديها الكثير لتقدّمه، وليس فقط في ما يتعلق بمجموعتها الهائلة من الأبراج الشاهقة الفاخرة والفيلات”، بحسب تحقيق الـ OCCRP.

لكن الدرس الأساسي الذي يعنينا من مشروع “مفاتيح دبي”، يتمثّل في أن الاحتقان الذي رافق انقساماتنا المذهبية والسياسية ليس له أي أثر عندما يتعلق الأمر بمصالح الأحزاب والأنظمة التي حرضت عليه. فبينما كان رجال الأعمال المقربون من حزب الله يتقاطرون على دبي للاستثمار، كانت سلطات الإمارة تعتقل وترحّل مواطنين لبنانيين شيعة من غير أصحاب رؤوس الأموال يعملون فيها، بتهمة العلاقة مع حزب الله. وفيما كان النظام السوري يواصل قتل السوريين، كان رجال أعماله يواصلون استثماراتهم في الإمارة الصاعدة.

ويعد لجوء “مستثمرين” تشوب أموالهم شبهات دولية على نحو ما هي عليها حال رجال أعمال الدائرة الضيّقة للنظام السوري، الى دبي الحل الأمثل لغسل هذه الأموال. فقد راجت سمعة بعض وكلاء العقارات في دبي بطرح أدنى عدد من الأسئلة حول مصادر أموال عملائهم. حتى عام 2022، لم يكن على وكلاء العقارات والسماسرة والمحامين الإبلاغ عن المعاملات النقدية الكبيرة أو المعاملات بالعملات المشفرة للسلطات. ويعتبر سوق العقارات في المدينة واحداً من أسخن أسواق العقارات في العالم، ما يوفر مجموعة واسعة من فرص الاستثمار فيها. ومع ارتفاع قيم العقارات، توفر استثمارات العقارات وسيلة لتنظيف الأموال غير المشروعة، وكذلك لتحقيق أرباح إضافية، فيما ضاقت الفرص الاستثمارية لأموال النظام السوري ولأموال مقربين من حزب الله، سواء في سوريا أو في لبنان بفعل الانهيار المالي والحروب.

بلغ عدد المالكين اللبنانيين الذين ذُكروا في قائمة التسريبات للعام 2022، 3800 مالك، استثمروا أموالهم في 4396 عقاراً في دبي بقيمة نحو 2.2 مليار دولار أميركي.

3,716 مستثمراً ومالكاً سوري الجنسية حدّدهم الصحافيون في قائمة التسريبات للعام 2022، استثمروا أموالهم في 5392 عقاراً في دبي بقيمة 1.8 مليار دولار أميركي.

قنوات الاستثمار في دبي بقيت تشتغل على رغم الحرب الضارية بين الممانعة وخصومها في الخليج، واتفاقات أبراهام التي أتاحت لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو أن يقول إن الشرط الفلسطيني للسلام مع العرب قد زال، لم تشكل بدورها عائقاً يحول دون شراكات بين محور الممانعة وبين دول السلام غير المشروط مع إسرائيل.  

——————————-

-3-

مفاتيح دبي”: كيف تتدفّق الأموال المشبوهة نحو العقارات الفاخرة في “لؤلؤة الخليج”؟

14.05.2024

استخدم الصحافيون البيانات كنقطة انطلاق لتقصّي مشهد امتلاك الأجانب عقارات في دبي من بينهم مجرمين مدانين وهاربين وشخصيات سياسية متّهمة بالفساد.

من الطابق السابع والثلاثين في أطول ناطحة سحاب في دبي، نشرت زوجة رجل يُزعم أنه عضو في منظمة إجرامية بوسنية، مقاطع فيديو على منصة “تيك توك” لشقتهما الفارهة المؤجرة، وغالباً ما أظهرت في مقاطع الفيديو قطتهما الرمادية.

قدمت الصور أدلَة كافيَة للصحافيين مكّنتهم من تحديد الموقع الدقيق للشقة في ناطحة سحاب برج خليفة الشهيرة في المدينة — وحقيقة أن تلك الشقة كانت ملكاً لهدف آخر للأجهزة الأمنية، وهو: كانديدو إنسوي أوكومو، الرئيس السابق لشركة النفط الوطنية التي تلاحقها الفضائح في غينيا الاستوائية، والذي يخضع للتحقيق بتهمة غسيل الأموال في إسبانيا. أوكومو هو أيضاً صهر رئيس غينيا الاستوائية تيودورو أوبيانج إنجيما مباسوغو، الذي يتّهمه الادعاء الفرنسي بنهب موارد البلاد التي تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط.

وليس واضحاً ما إذا كان المستأجر، دينيس كادريتش، ومالك العقار أوكومو على علم بأعمال الفساد والجرائم المزعومة المنسوبة الى كل منهما. لكن اجتماعهما في عقد إيجار واحد هو تجسيد لدبي في العصر الحديث، إذ أدت السرية وسنوات من اتباع السياسات المتساهلة إلى جعل وثائق ملكية العقارات فيها مليئة بالملاك غير المشهود لهم بالنزاهة.

شبَّه جيمس هنري، وهو زميل في برنامج العدالة العالمية بجامعة ييل وخبير في الملاذات الضريبية، دولة الإمارات العربية المتحدة – وهي اتحاد مكون من سبع إمارات بما في ذلك دبي – بمشهد الحانة في فيلم “حرب النجوم”.

يقول هنري، “عندما تدخل، ترى أمامك الزعماء الفاسدين، وإلى اليسار، تجد النخب الحاكمة، وفي الوسط، يوجد المشتغلون بغسل الأموال، وفي الخلف، يجلس تجار السلع الروس المشبوهون الذين يستخدمونها كثغرة للتهرب من العقوبات، وجميعهم تقوم على خدمتهم الممارسات المالية الأساسية السرية نفسها”.

وفي حالة شقة أوكومو الشاهقة، استخدم صحافيون من الشبكة الصربية للإبلاغ عن الجريمة والفساد (KRIK)، بالتعاون مع مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد، أولاً مقاطع فيديو من “تيك توك” لربط الشقة بالمشتبه بأنه عضو المنظمة الإجرامية البلقانية كادريتش، شرطي سابق اعتُقل في البوسنة في شباط/ فبراير بناءً على الشُبهة بمشاركته في الجريمة المنظمة وتهريب المخدرات وغسيل الأموال. أُفرج عنه في شهر أيار/ مايو لكنه لا يزال تحت التحقيق. وبعد ذلك، استخدم فريق متخصص في تحديد المواقع من موقع التحقيق “بيلنجكات” للصحافة الاستقصائية، مقاطع الفيديو لتحديد مكان الشقة بدقة. وتم تأكيد ملكية أوكومو للشقة من خلال عقد إيجار يرجع تاريخه إلى عام 2023، وتسجيله في مجموعة من بيانات العقارات المسربة.

لم يكن أوكومو المالك الوحيد المتّهم بارتكاب جرائم الذي وجده الصحافيون في البيانات المسربة: فبعد تحقيق دام ستة أشهر بقيادة مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد ومنصة “E24” الإعلامية النرويجية، اكتشف الصحافيون عشرات من المجرمين المدانين والهاربين والشخصيات السياسية المتّهمة بالفساد أو شركائهم، والأفراد الخاضعين للعقوبات الذين يمتلكون على الأقل عقاراً واحداً في دبي.

على سبيل المثال، توجد شقة لا تبعد من عقار أوكومو في برج خليفة، تقع في فندق برج لايك وتعود ملكيتها إلى شوان محمد الملا، وهو مواطن بريطاني من أصل عراقي وُجهت إليه لائحة اتهام في الولايات المتحدة في عام 2021 بسبب قضية دفع رشوة للحصول على عقود بقيمة ملايين الدولارات لإعادة الإعمار في العراق.

وعلى الساحل في غراندور ريزيدنس، وهو مبنى على شكل نخيل يقع في إحدى الجزر الاصطناعية في دبي، توجد وحدة عقارية تعود ملكيتها إلى جوزيف يوهانس لايدجكرز، الذي يبلغ من العمر 32 عاماً، والمعروف أيضاً باسم “تشابي جوز”، والمدرج على قائمة الاتحاد الأوروبي للأشخاص المطلوبين بتهمة الإتجار بالمخدرات.

وفي برج النخلة المجاور في دبي، تقع شقة تعود ملكيتها إلى دانيلو فونجاو سانتانا غوفيا، وهو رجل أعمال برازيلي يُعرف باسم “دوبيانو”. فبعدما اتُّهم بغسيل الأموال والاحتيال بسبب إدارته ما يُزعم أنه مخطط هرمي ضخم للبيتكوين في بلاده، توجه الى العمل لاحقاً كفنان موسيقي في دبي، وهو ما ذكره بالتفصيل في حسابه على تطبيق “إنستغرام”، بالإضافة إلى عرض صوره وهو يقف أمام مواقع مختلفة في المدينة، بما في ذلك مبنى جميرا برج العرب بتصميمه الشراعي.

كان ينبغي لهؤلاء والكثير من أصحاب العقارات الآخرين الذين تحققت منهم مؤسسة مكافحة الجريمة المنظمة والفساد وشركاؤها، أن يثيروا الشبهات على الفور في ظل أي نظام تقييم أساسي للمخاطر. ومع ذلك، يبدو أنه لم يُمنع أي من هؤلاء الأفراد من شراء عقارات بأسمائهم. (لم يستجب كادريتش وأوكومو والمولا وليجديكرز وسانتانا غوفيا لطلبات التعليق).

تم الحصول على البيانات المسربة، التي تعود أساساً إلى عامي 2020 و 2022، في البداية من مركز دراسات الدفاع المتقدمة (C4ADS)، وهي منظمة غير ربحية مقرها واشنطن، تكرس أعمالها في التحليل القائم على البيانات وتقارير الصراع والأمن القائمة على الأدلة في جميع أنحاء العالم. بعد ذلك، تمت مشاركة البيانات مع منصة “E24” الإعلامية النرويجية المتخصصة في الشؤون المالية ومؤسسة مكافحة الجريمة المنظمة والفساد، اللتين تنسقان معاً مشروع “كشف النقاب عن دبي”، وهو مشروع استقصائي عالمي يضم صحافيين من أكثر من 70 منصة إعلامية.

استخدم الصحافيون البيانات كنقطة انطلاق لتقصّي مشهد امتلاك الأجانب العقارات في دبي. وقد أمضوا شهوراً في التحقق من هويات الأشخاص الذين ظهروا في البيانات المسربة، فضلاً عن التأكد من حالة ملكيتهم باستخدام السجلات الرسمية، والبحث في المصادر المفتوحة ومجموعات البيانات المسرّبة الأخرى.

وبدايةً من مهربي الكوكايين الأستراليين إلى أقارب الحكام المستبدين الأفارقة ووصولاً إلى مجموعة من ممولي “حزب الله” الخاضعين للعقوبات، تكشف النتائج كيف فتحت المدينة ذراعيها للشخصيات معدومي الضمير من جميع أنحاء العالم.

قالت ماريا جوديتا بورسيل، وهي مديرة ملف في مركز دراسات الدفاع المتقدمة، “تستغل الجهات الفاعلة الفاسدة والأشخاص المكشوفون سياسياً الذين يتجنبون المساءلة العامة، الولايات القضائية التي تكفل السرية مثل دولة الإمارات، لإخفاء الأصول على مرأى من الجميع”.

لم يرد المسؤولون في الإمارات – بما في ذلك وزارات الداخلية والاقتصاد والعدل – وشرطة دبي على الأسئلة المفصلة، ولكنّ سفارتَي الإمارات في المملكة المتحدة والنروج أرسلتا رداً موجزاً إلى الصحافيين، جاء فيه أن الدولة “تولي دورها في حماية نزاهة النظام المالي العالمي جدية بالغة”.

وأضاف البيان: “في سعيها المستمر لمكافحة المجرمين العابرين للحدود، تعمل الإمارات عن كثب مع الشركاء الدوليين لتعطيل وردع جميع أشكال التمويل غير المشروع”، وأنّ “الإمارات ملتزمة بمواصلة هذه الجهود والإجراءات أكثر من أي وقت مضى اليوم وعلى المدى الطويل”.

لماذا دبي؟

قبل أربعين عاماً، كانت دبي موقعاً غير مميز في الشرق الأوسط، حيث بإمكان عاصفة رملية أن تجتاح المنطقة وتمر من دون عراقيل تُذكر من الصحراء العربية إلى الخليج العربي.

واليوم، أصبحت مركزاً مالياً عالمياً وتتباهى بأنها واحدة من المدن التي تضم أشهر ناطحات السحاب في العالم — إذ إنها تُعد مدينة شديدة الكثافة تضم ناطحات سحاب شاهقة وشوارع مزدحمة ذات تصميم مستقبلي، حيث يُبرم كبار رجال الأعمال صفقات بمليارات الدولارات، ويعرض المؤثرون حياة مفعمة بالرفاهية، ويتسلق النجم العالمي توم كروز أعلى ناطحة سحاب في العالم فيها خلال تصوير سلسلة أفلامه المشهورة.

لم تكن المدينة الخليجية هي المكان الوحيد الذي يُخبئ فيه المجرمون وغيرهم ثرواتهم المشبوهة في العقارات الفاخرة. فمن المعروف أيضاً أن العقارات في مدينتي نيويورك ولندن تجذب الأموال المشبوهة.

بيد أن الخبراء يقولون إن دبي لديها الكثير لتقدمه، وليس فقط في ما يتعلق بمجموعتها الهائلة من الأبراج الشاهقة الفاخرة والفيلات.

إذ يقول الخبراء إن أحد عوامل الجذب التي تتمتع بها دبي تتمثل في استجابات الإمارة المتضاربة للطلبات المقدمة من السلطات الأجنبية للمساعدة في القبض على الهاربين وتسليمهم.

حتى وقت قريب، لم تكن لدى دولة الإمارات معاهدات تسليم المجرمين مع الكثير من الدول، ما ساعد في تحويل دبي إلى منطقة جذب للهاربين من جميع أنحاء العالم. وعلى الرغم من أن السلطات الإماراتية عززت من التعاون مع سلطات إنفاذ القانون الأجنبية في السنوات الأخيرة، لا تزال الحكومة معروفة باستجاباتها المتضاربة لطلبات التسليم.

ومن أحدث الأمثلة على ذلك النهج الذي تتبعه دولة الإمارات، قضية “الأخوين غوبتا”، وهما شقيقان من أصول هندية، متهمان بنهب الأموال العامة في جنوب أفريقيا من خلال علاقتهما الوثيقة مع الرئيس السابق للبلاد جاكوب زوما.

على الرغم من وجود معاهدة تسليم المجرمين بين البلدين، رفضت الإمارات في العام الماضي بشكل هادئ طلب جنوب أفريقيا تسليم الأخوين أتول وراجيش غوبتا، اللذين يواجهان تهماً بغسيل الأموال والاحتيال. وقد هزت هذه الخطوة جنوب أفريقيا، إذ قالت السلطات إن الإمارات لم تقدم “ردوداً مقنعة” على أسباب الرفض.

لم يرد مسؤول إماراتي على الأسئلة المحددة حول غوبتا، لكنه قال إنه “يعمل عن كثب مع الشركاء الدوليين لتعطيل وردع جميع أشكال التمويل غير المشروع”. ولم يرد غوبتا وزوما على طلبات التعليق.

وبحسب ما قالته رادها ستيرلينغ، وهي محامية وناشطة حقوقية والرئيسة التنفيذية لمنظمة “معتقلون في دبي” المتخصصة في تقديم المساعدات القانونية، فإن السلطات الإماراتية تستغل كبار المتهمين الهاربين المعروفين عالمياً كـ “أوراق مساومة”.

إذ تقول إن “وجود معاهدات تسليم المجرمين بين الدول ليس بالضرورة أمراً أساسياً لتسليم الأشخاص”. وأضافت “الأمر المهم هو ما تريده دبي في المقابل، وما إذا كانت تلك الدولة لديها شيء تريده دبي بالقدر الكافي لكي توافق على المقايضة”.

وأكد سعود عبد العزيز المطوع، رئيس مركز مكافحة الجرائم المالية في شرطة دبي، عندما سُئل عن سجل البلاد في عمليات تسليم المجرمين، أنه تمت زيادة عدد الاعتقالات أخيراً لأولئك الصادرة في حقهم نشرات حمراء. وقال إن طلبات التسليم التي يجب أن تمر عبر المحاكم المحلية، تستغرق وقتاً أطول للبت فيها، وغالباً ما تواجه تحديات من فرق الدفاع التي تملك موارد كبيرة.

وأضاف في مقابلة مع التلفزيون السويدي في آذار/ مارس، “نحن نعمل على زيادة قدرتنا، ونعزز ونطور مواردنا… لتلبية توقعات نظرائنا الأجانب”.

الرفع من “القائمة الرمادية”

شدّدت السلطات الإماراتية إجراءات مكافحة غسيل الأموال في السنوات الأخيرة، لا سيما منذ أن أدرجت مجموعة العمل المالي (FATF)، وهي منظمة حكومية دولية معنية بمكافحة غسيل الأموال، الإمارات في قائمتها “الرمادية” في عام 2022 بسبب إخفاقها في مكافحة التدفقات المالية غير المشروعة بفعالية. وبعد محاولات من الضغط لرفعها من القائمة، كوفئت السلطات الإماراتية بأنباء سارة في شباط/ فبراير: فقد أشادت مجموعة العمل المالي بجهود الإمارات “والتقدم الكبير” الذي أحرزته، وأُعفيت من إجراءات المراقبة الإضافية.

بيد أن بعض الخبراء حذروا من أن هذه الخطوة كانت سابقة لأوانها، أو مدفوعة بمخاوف جيوسياسية.

وقال كولين باورز، وهو زميل رئيسي ورئيس تحرير برنامج نوريا للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي منظمة بحثية مستقلة غير ربحية، “ربما كانت الإصلاحات الأخيرة التي أدخلت على قانون العقوبات والسلطة القضائية، كافية لرفع دبي من القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي هذا الشتاء، لكنها لم تغير بشكل جوهري من طبيعة سوق العقارات”.

وأضاف أن الإصلاحات لا “تغير ما يجعل سوق العقارات جذاباً للغاية لحفظ الثروات”، مشيراً إلى قدرة المشترين على إخفاء ملكيتهم وراء الصناديق الاستئمانية والشركات القابضة والمؤسسات.

تشير استشارة قدمها أحد مسوقي العقارات من شركة داماك الرائدة في مجال التطوير العقاري في دبي في شهر آذار، لصحافي كان يعمل متخفياً، إلى أن بعض الوسطاء على استعداد لغض الطرف عندما يتعلق الأمر بأصول أموال عملائهم.

وأثناء جولة في أحد العقارات التابعة لشركة داماك، قيل للمراسلين من التلفزيون السويدي إنهم يستطيعون شراء الشقة بـ”حقائب من النقود” أو العملات المشفرة، ولن يواجهوا “أي أسئلة” حول مصدر أموالهم.

وقال مسوق العقارات، “في العقارات لن تتعرض لأي أسئلة من أي جهة… بخاصة من المطور العقاري نفسه”. وأضاف، “كل من يريد الشراء يستطيع أن يفعل ذلك”.

ووصف أيضاً كيف أن شراء العقارات نقداً هو وسيلة يتبعها العملاء لتجنب الأسئلة التي تطرحها البنوك حول مصدر أموالهم.

وأردف المسوق العقاري قائلاً، “إذا بعت العقار ثم حولت كل المبلغ إلى الحساب المصرفي، فلن تكون هناك مشكلة، ولن يتم سؤالك من أين حصلت على النقود لشراء العقار ثم بيعه وإيداع النقود في البنك”.

وفي وقت لاحق، قال أحد ممثلي شركة داماك، الذي تم التواصل معه للتعليق، إن الشركة تُجري عمليات التحقق من المعلومات الأساسية لعملائها، وأنه ليس من سياسة الشركة أن توصي العملاء بالشراء نقداً.

وأضاف ممثل شركة داماك، “لو أن الصحافي الذي كان يعمل متخفياً مضى قدماً في عملية البيع إلى أبعد من مجرد اللقاء الأول مع المسوق العقاري، لاطلع على عمليات التدقيق والتدابير المشددة التي نطبقها على المعاملات التي تثير الشبهات”، لافتاً الى أن تصريحات المسوق العقاري سيتم التحقيق فيها.

وعند إخباره عن هذه الواقعة، قال الضابط من مركز مكافحة الجرائم المالية في شرطة دبي، سعود عبد العزيز المطوع، إن الإمارة “لا تتسامح مطلقاً مع عدم الامتثال”، وتتخذ إجراءات ضد أولئك الذين “يغضون الطرف” عن القانون.

وأضاف، “دبي ليست ملاذاً آمناً للأموال غير المشروعة التابعة للجهات غير القانونية. بل على العكس، هي ملاذ آمن للتجارة المشروعة، وللأفراد الملتزمين بالقانون الذين يعملون بجد ويستحقون ما لديهم”.

وأشادت ميليسا سيكويرا، وهي مديرة خدمة العملاء في “تيميس”، شركة مقرها المملكة المتحدة والإمارات العربية المتحدة ومتخصصة في مساعدة العملاء على إدارة مخاطر الجرائم المالية، بتشديد دبي في إنفاذ القانون وزيادة عمليات التفتيش على الوسطاء العقاريين في السنوات الأخيرة. بيد أنها أشارت إلى أن التغيير على أرض الواقع ما زال في مرحلة التطور، لا سيما بين الشركات الأصغر حجماً ذات الموارد المحدودة، في قطاع كان قبل بضع سنوات فقط “يمكنك فيه شراء عقار بجواز السفر فقط”.

وقالت سيكويرا إن الهدف هو تغيير “أسلوب كبار المديرين، الذين يركزون أكثر على الربح بدلاً من وقف الآثار المالية السلبية للجريمة على الصعيد العالمي”.

وفي ما يتعلق برفع الإمارات من “القائمة الرمادية” لمجموعة العمل المالي، أشارت جودي فيتوري، الأستاذة في جامعة جورجتاون والمتخصصة في دراسة الفساد والتمويل غير المشروع، إلى أن الحرب الحالية في الشرق الأوسط قد تكون عاملاً من العوامل التي أدت إلى ذلك. إذ تأمل الولايات المتحدة بأن تساعد دولة الإمارات وحلفاؤها الآخرون في الشرق الأوسط في المهمة الشاقة المتمثلة في إعادة إعمار غزة، ويمكن أن يُنظر إلى توجيه التمويل عبر بلد يخضع لمراقبة مجموعة العمل المالي، على أنه غير مقبول.

وقالت فيتوري، “إن تسهيل الإمارات الفساد وغسيل الأموال والجريمة المنظمة، يقوض الجهود الغربية الأوسع نطاقاً لمكافحة كل شيء، بداية من الإتجار بمخدر “الفينتانيل”، ووصولاً إلى الإتجار بالبشر والتدفقات المالية غير المشروعة.

وأضافت، “لكن سيكون من الصعب على الحكومات الغربية أن تطلب من الإمارات إعادة إعمار غزة وفي الوقت نفسه الضغط على مجموعة العمل المالي لوضع الإمارات مرة أخرى على قائمتها الرمادية لغسيل الأموال أو فرض عقوبات أخرى عليها”.

—————————–

-4-

مفاتيح دبي”: عن علاقة إلياس بو صعب ببرج نورة الإماراتي!

هلا نهاد نصرالدين – صحافية لبنانية

برز الياس بو صعب كشخصية محورية في لبنان في السنوات الأخيرة الماضية وضجّت مؤخرًا وسائل الاعلام بخبر فصله من التيار الوطني الحر. تكشف وثائق مشروع “مفاتيح دبي” بالتعاون مع مشروع “الإبلاغ عن الجريمة المنظّمة والفساد” OCCRP، عن امتلاك بو صعب ستة عقارات في برج نورة الاماراتي. تبلغ القيمة التقريبية للعقارات نحو 6.5 مليون دولار أميركي.

ضجّت وسائل الإعلام ومنصّات التواصل الاجتماعي في نيسان/ أبريل 2024، بخبر فصل النائب والوزير السابق إلياس بو صعب من “التيار الوطني الحرّ”، في خطوة أتت كدليل لتأكيد المؤكّد، وهو احتدام الصراعات والانقسامات داخل التيار، بين رئيسه النائب والوزير السابق جبران باسيل والشخصيات المعارضة له.

وبدا فصل بو صعب أحدث فصول هذه الصراعات؛ وقد لا يكون آخرها، لأنه من الواضح أن باسيل يسعى إلى فرض سيطرته في التيار  والتخلص من معارضيه، في حياة مؤسسه الرئيس ميشال عون (حميه).

في المقابل، يبدو بو صعب غير آبهٍ بما جرى، ربمّا لأنه أسّس علاقات مع أفرقاء آخرين، وربمّا لأنّ نشاطه لا يقتصر على الحياة السياسية في لبنان، بل يتعداها إلى الاستثمار في دبي.

إستثمارات بو صعب في ناطحات سحاب دبي!

من رئاسة بلدية بلدة ضهور الشوير، تدرّج بو صعب ليصبح إحدى الشخصيات الوازنة في الساحة السياسية اللبنانية، واحتل مراكز هامة ومفصلية، فانتُخب نائباً، فوزيراً للدفاع والتربية، ثم نائباً لرئيس مجلس النواب مؤخراً، إلا أنّ نشاطه وعمله لم يكن يوماً مرتكزاً على لبنان بشكل حصري، فهو شخصية بارزة في دبي أيضاً، وقد لعب دوراً مهماً في تأسيس الجامعة الأميركية في دبي (AUD) وشغل منصب نائب الرئيس التنفيذي لها، وارتبط اسمه باسم حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، كما أنه معروف بعلاقاته الواسعة ومشاركته في الكثير من المبادرات والمؤسسات التعليمية والإعلامية.

يتمّتع بو صعب بعلاقات متينة مع الحكومة الإماراتية، وقد تلقى دعماً كبيراً من الشيخ محمد بن راشد، مما ساعد في تطوير الجامعة الأميركية في دبي، وسمح له دوره أن يكون صلة وصل غير مباشرة بين الإمارات والأحزاب اللبنانية، بما فيها الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل).

لا بدّ من التذكير هنا، أنّ بو صعب كان عرّاب اتفاق ترسيم الحدود البحرية للبنان، في سياق المفاوضات غير المباشرة التي قادها المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، ولعب دور الوسيط ما بين الجهات اللبنانية المختلفة؛ على رأسها “حزب الله”؛ وبين هوكشتاين.

لعب بو صعب دوراً رئيسياً في تأسيس عدد من المؤسسات الإعلامية ودعمها، مثل محطة التلفزيون OTV، وموقع الأخبار Al Mada.org، وإذاعة “صوت المدى”، وتعكس هذه الأنشطة مدى تأثيره في الإعلام اللبناني والعربي، بحسب موقع Media Ownership Monitor التابع لمؤسسة “سمير قصير” (حتى عام 2018).

المعلومات الواردة أعلاه، معروفة وموجودة على الإنترنت، لكن ما لا يعرفه الكثيرون أنّ بو صعب مستثمر كبير في المشهد العقاري المزدهر في دبي.

في سياق مشروع “مفاتيح دبي” بالتعاون مع مشروع “الإبلاغ عن الجريمة المنظّمة والفساد” OCCRP، وخلال بحثنا في بيانات عقارات دبي ووثائقها، وجدنا عقارات لبو صعب ولعدد من الشخصيات اللبنانية والعربية، من بينهم شخصيات مرتبطة ب”حزب الله” والنظام السوري ويخضعون للعقوبات الأميركية.

“مفاتيح دبي” هو مشروع استقصائي عابر للحدود، يقوده مشروع “الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد OCCRP”، وموقع “الأخبار المالية النرويجي E24″، بمشاركة 72 منصة صحفية من 58 دولة حول العالم، من بينها موقع “درج”.

ويتضمن المشروع وثائق مسربة تكشف معلومات حول مئات الآلاف من العقارات في دبي وملكيتها، بين عامي 2020 و2022 تحديداً، تم الحصول على البيانات من “مركز الدراسات المتقدمة للدفاع (C4ADS)“، وهو منظمة غير ربحية مقرها واشنطن، ويبحث في الجرائم الدولية والنزاعاتت، وتم مشاركة البيانات مع OCCRP وE24.

البيانات التي يتضمّنها المشروع، هي جزء من سلسلة تسريبات تزيد على 100 مجموعة بيانات dataset، ويأتي معظمها من دائرة الأراضي في دبي، بالإضافة إلى الشركات العقارية التي تملكها الدولة، وتشمل اسم المالك المدرج على العقار، بالإضافة إلى معلومات تعريفية أخرى، وعلى مدار أشهر عدّة، استخدم الصحافيون المشاركون في هذا المشروع الوثائق، كنقطة انطلاق لاكتشاف مشهد ملكية العقارات الأجنبية في دبي، وللتحقق من هويات الأسماء والشخصيات الواردة في البيانات، تحديداً تلك المدرجة على لوائح العقوبات الدولية، أو المصنّفة كشخصيات مكشوفة سياسياً PEPs.

من بين الشخصيات المكشوفة سياسياً أو الـ PEPs، هي شخصية بو صعب، الذي ظهر اسمه كمالك لستة عقارات في برج نورة في دبي.

ستة عقارات ظهرت تحت اسم بو صعب في تسريبات المشروع، تمكّن الفريق من التأكد أنه ما زال يملكها حتى اليوم، وذلك من خلال التأكد من ورود اسمه في سجل دبي، وعلى الفواتير المدفوعة للعقارات، آخرها في 16 نيسان/ أبريل 2024.

العقارات الستة موزّعة على الشكل التالي:

أربعة عقارات تحت هذه الأرقام 5101، 5401، 5501، 5601 يتألف كل عقار منها، من ثلاث غرف نوم بمساحة 182.52 م2

عقاران تحت هذين الرقمين: 6401 و6404 يتألفان من أربع غرف نوم، بمساحة

320.83 م2 و314.06 م2 على التوالي.

في الحالين، تعتبر هذه الشقق كبيرة، لا بل ضخمة، خصوصاً أنّ الكثير من المستثمرين يميلون غالباً، إلى الاستثمار إما باستديو وإما بشقق ذات غرفة نوم واحدة، وفق ما قال خبير عقاري لمعدّة التحقيق، ووفقاً لموقع بيوت، تُعد الشقق الأكثر طلباً في برج نورة هي “الشقق المؤلفة من غرفتين وصالة، تليها في المرتبة الثانية الشقق ذات الغرفة الواحدة وصالة وذات الثلاث غرف وصالة”.

في البحث عن أسعار الشقق في برج نورة على مواقع عقارية في دبي، يظهر أنّ:

سعر الشقة التي تتضمّن ثلاث غرف نوم يبلغ نحو 850 ألف دولار أميركي، وعليه، يبلغ مجموع العقارات الأربعة، التي يملكها بو صعب، والتي تحوي كل واحدة منها ثلاث غرف نوم، نحو 3.5 مليون دولار أميركي.

أمّا أسعار الشقق التي تتضمّن أربع غرف نوم فتبلغ نحو 1.5 مليون دولار أميركي، ما يعني أن مجموع الشقتين اللتين يملكهما بو صعب، يبلغ نحو 3 مليون دولار أميركي.

إذا جمعنا أسعار العقارات الستة، التي يملكها بو صعب في برج نورة،  نحصل على مجموع نحو 6.5 مليون دولار أميركي.

مميزات برج نورة:

برج نورة هو جزء من “مشروع مجموعة المساكن في منطقة الخليج التجاري، الذي يضم برجين سكنيين آخرين هما: برج آمنة المكوّن من 73 طابقاً، وبرج ميرا المؤلف من 52 طابقاً”.

بحسب موقع بيوت الإماراتي للإعلانات العقارية المبوبة في الإمارات العربية المتحدة “يقع برج نورة  في مدينة الحبتور التي تم إنشاؤها في منطقة الخليج التجاري في إمارة دبي، ويتكون من 73 طابقاً بطول يصل إلى 1007 أقدام، ويشتمل على شقق مؤلفة من: غرفة وصالة، غرفتين وصالة، ثلاث غرف وصالة، وأربع غرف وصالة، بالإضافة إلى وحدات بنتهاوس تتكون من خمس وست وسبع غرف”.

يطل برج نورة على برج خليفة وقناة دبي المائية، وتتميز وحداته السكنية بتصاميم عصرية، انتهت الأعمال الإنشائية فيه عام 2019.

يضع بو صعب على تطبيق “واتساب” التابع لرقمه الإماراتي، صورة برج خليفة والأبنية المجاورة، ومن المحتمل أن تكون هذه الصورة، هي إطلالة من وحداته/ عقاراته في برج نورة على برج خليفة؛ البرج الأعلى في العالم  بطول 828 متر.

يحوي البرج منصة ترفيهية، تضم مقهى ومسرحاً وبرك سباحة وحدائق، بالإضافة إلى مرافق الخدمات التالية: متجر بقالة – عيادة طبية – حضانة – نادي لياقة بدنية – مساحات مخصصة للشواء – مواقف سيارات، وتعتبر الأكبر من نوعها على مستوى الإمارة.

إذاً، ربما هذه الاستثمارات في دبي، حالت دون أن يقلق بو صعب من خطوة فصله من التيار، وما قد يتبع ذلك من انتفاء حظوظه في الانتخابات النيابية المقبلة.

 لكن ما خلفية خلاف بو صعب وباسيل؟    

برز الخلاف الأساسي بين باسيل وبو صعب في الانتخابات النيابية الأخيرة في أيار/ مايو 2022، أي منذ سنتين، وتحديداً في دائرة المتن الشمالي، حيث تقدم بو صعب للانتخابات “كمرشّح توافقي مدعوم من التيار الوطني الحر”، وليس كمرشّح للتيار، في مقابل تبنّي باسيل ترشيح إدي معلوف، فشكّلت “انتخابات المتن الشمالي [القشة] التي قصمت ظهر البعير، بين جبران باسيل وإلياس بو صعب”، بحسب المحلل السياسي اللبناني جوني منيّر، في مقابلة مع موقع “درج”. 

وتأزّمت العلاقة أكثر، بعد أن أصبح بو صعب نائباً لرئيس مجلس النواب، برغم أن “جبران باسيل لم يكن يريد  إلياس بو صعب في هذا المنصب، وطرح غسان عطالله مكانه، وبالتالي وصل بو صعب غصباً عنه، لأن نبيه بري أراد ذلك، وحصل التنسيق مع بري”، بحسب منيّر.

بعدها “أتت جلسة انتخاب رئيس الجمهورية الشهيرة في مجلس النواب، وامتنع نائبا التيار عن الالتزام بالقرار الحزبي، هما: إلياس بو صعب وآلان عون، في ظل وجود حركة اعتراض كبيرة، ويومها نزل ميشال عون على الجلسة وبدأ بالصراخ وفرض قراراً على الجميع”، رغم ذلك، لم يلتزم عون وبو صعب، ممّا “أعطى حجة لجبران باسيل للمساءلة تحت ذريعة التمرد على قرار حزبي” خصوصاً وأنّ في ذلك خرق لقرار ميشال عون نفسه، وليس فقط لقرار باسيل.

وعلى إثره، فُصل بو صعب من التيار، أمّا عون فتحول إلى لجنة التحكيم، وكان لديه جلسة يوم الاثنين في 13 أيار/ مايو 2023 ولم يحضرها.

فهل يكون عون الاسم التالي الذي سيُفصل من التيار، أم ستشفع له قرابته من ميشال عون؟

فيما تذكر جريدة المدن الاكترونية أنّ “قرار فصل النائب آلان عون من التيار الوطني الحرّ اتخذ، رغم عدم تبلغ نائب بعبدا به بعد”.

في هذا السياق، يرى منيّر أنّ “باسيل يريد أن يحسم الوضع الداخلي بالتفاهم والتنسيق مع ميشال عون، حتى يمسك زمام الأمور ومفاصل الحزب، على عين حياة ميشال عون، لأنه في حال غيابه ستصبح هذه المهمة أكثر تعقيداً، وسيصبح التمرّد أكبر على باسيل داخل التيار الوطني الحر”، ويقول: “الأحزاب في لبنان كذبة، ونحن في لبنان، لدينا أشخاص، وعقلية اللحاق بالشخص لا بالحزب”.

انشقاقات كبيرة في صفوف “التيار الوطني الحرّ”!

في السنوات الأخيرة، شهد التيار الوطني الحر في لبنان عدة حالات استقالة وفصل لأعضائه، فمثلًا سبق فصل بو صعب، استقالة منسق التيار في زحلة ابراهيم أحمراني في كانون الأول/ ديسمبر 2023، من هيئة التيار بعد مرور أقل من ثلاثة أشهر على تعيينه، وفي كانون الثاني/ يناير 2023، استقال 17 عضواً في التيار من بلدة العيشيّة – جزين، واستقال أكثر من 50 عضواً في التيار في قضاء عاليه، في نهاية عام 2022.

هذا بالإضافة إلى انشقاق أسماء لطالما عُرفت بولائها للتيار، مثل مدرب كرة السلة اللبناني الشهير غسان سركيس، المحلل السياسي والصحافي جوزف أبو فاضل، النائب ميشال الضاهر وغيرهم، هذا فضلاً عن الانقسام الذي قاده العميد المتقاعد شامل روكز، الصهر الآخر لميشال عون.

هذه الاستقالات تعكس التحديات الداخلية والانقسامات التي يواجهها التيار، وتطرح أسئلة حول كيفية خوضه الانتخابات النيابية المقبلة في 2026، مع غياب وجوه أساسية.

مخاطر الاستثمار في عقارات دبي

بالعودة إلى الاستثمارات في دبي، لا بدّ من الإشارة إلى أن امتلاك عقارات في دبي، هو أمر قانوني، لا بل هو استثمار مهم لكثير من رجال الأعمال، وقد يكون متوقعاً في حالة بو صعب، الذي يعمل في دبي منذ عقود، ولم يكسب أمواله حصراً من الحياة السياسية في لبنان.

إلا أن شراء العقارات في دبي يصبح إشكالياً، عندما يكون المستثمرون شخصيات مكشوفة سياسياً (PEPs)، وتجار مخدرات، ورجال أعمال فاسدون أو سياسيون فاسدون، وأشخاص خاضعون لعقوبات، وغيرهم من الخارجين عن القانون، خصوصاً في غياب عملية عناية واجبة due diligence مناسبة وفعّالة، تكشف و/أو تبلّغ عن عمليات مشبوهة في غسل أموال غير مشروعة.

في السنوات الأخيرة، قامت السلطات الإماراتية بتشديد التشريعات المتعلقة بمكافحة غسل الأموال، خاصة بعدما أضافت مجموعة العمل المالي (FATF)، “الهيئة الحكومية الدولية لمراقبة غسل الأموال”، الإمارات إلى قائمتها “الرمادية” في آذار/ مارس عام 2022، بسبب فشلها في مكافحة تدفقات الأموال غير المشروعة بفعالية، وبعد جهود مبذولة لإزالة اسمها من القائمة، حصلت السلطات الإماراتية على أخبار جيدة في فبراير/ شباط: أثنت FATF على الإمارات لـ “تقدمها الكبير” وأزالتها من التحقق الإضافي، بحسب تحقيق الـ OCCRP في سياق المشروع.

في هذا السياق، قالت السفارة الإماراتية في بريطانيا لـ The Times، الشركاء في المشروع،

“تولي الإمارات دورها في حماية نزاهة النظام المالي العالمي جدية بالغة، في شهر فبراير، أشادت مجموعة العمل المالي (FATF)، وهي الهيئة الدولية المعيارية لاتخاذ تدابير لمكافحة غسل الأموال، بالتقدم الكبير الذي أحرزته الإمارات، في مواصلتها ملاحقة المجرمين العالميين، وتعمل الإمارات بشكل وثيق مع الشركاء الدوليين لعرقلة وردع جميع أشكال التمويل غير المشروع، الإمارات ملتزمة بمواصلة هذه الجهود والإجراءات اليوم وفي المستقبل الطويل، بشكل أكبر من أي وقت مضى”.

لم يرد بو صعب على أسئلة فريق المشروع حتى لحظة النشر، أمّا في ما يتعلق بالحسابات السياسية، فسيتعين علينا الانتظار، حتى موعد الانتخابات النيابية في عام 2026، لنرى كيف ستتطور الأمور والتحالفات، خلال السباق الانتخابي، وكيف ستكون تداعيات خطوة فصل بو صعب من التيار، عليه وعلى التيار، وعلى من سبقه ومن سيلحقه من معارضي باسيل.

حقوق الجرافيك الخاصة بمشروع Dubai Unlocked: جيمس أوبراين

درج

————————

-5-

أمواج تتحرك في الصحراء.. أزلام الأسد يستثمرون الأموال السورية المسروقة/ خالد العزي

2024.05.25

لاشك بأن الشعب السوري قد خسر أمواله وممتلكاته واستثماراته عقب الثورة التي اندلعت في العام 2011، بعد المطالبة بالتغيير والحرية، ولكن في المقابل تزداد حاشية الأسد وأعوانه غنى وثراء فاحشا على حساب ملايين المهجرين والقتلى والمشردين الذين هجرهم النظام، وصادر أملاكهم وأموالهم، مستبيحا ثروات وخيرات البلاد التي احتكرها أناس معينون أصبح يطلق عليهم اسم “السوريون الجدد”.

أموال الشعب السوري تجول وتصول مع أعوان بشار الأسد في العالم بحرية وتتحرك في الإمارات العربية وروسيا، هذه الأموال التي تم تجميعها من قوت وتعب الشعب السوري باتت تستخدم لمصالح أشخاص مقربين من العائلة الحاكمة، بالرغم من العقوبات الغربية والأميركية على نظام الأسد، من خلال قانون قيصر وقانون الكبتاغون، لكن تلك الطغمة لا تهتم أبدًا بالعقوبات وتخترق القوانين التي تسمح لهم تحريك هذه الأموال كالأمواج المتحركة في الصحراء.

بعد الثورة، باتت أموال الدولة السورية تخرج نحو دول تتجول فيها بأمان وتتمكن من إعادة هيكلتها واستثمارها لمصالح خاصة على حساب الشعب المقهور، فكانت الوجهة بيروت وموسكو  ودبي ودول أوروبية وآسيوية كثيرة ضمن نظام مالي معقد تستخدم فيه شركات التهريب والشركات الوهمية “الإفشور  Offshore Company”.

لكن المفاجأة بأن آل الأسد وحاشيته يلجؤون إلى الإمارات مستغلين القانون الإماراتي الذي يسمح بالاستثمار الأجنبي فيها من دون البحث عن أصول الأموال التي تم إدخالها إلى مصارفها. ولاحقًا عمل هؤلاء على تبييض أموالهم من خلال استثمارات في قطاع العقارات والبناء تجنبًا  للعقوبات الأميركية والأوروبية، ولاعتبار أن التملك في العقار يبقى مضمونا ومحافظا على سعره، وغير مربوط بالعقوبات كما حال وضع الأموال في البنوك وهذا التوجه ساعد رجال مال وتجاراً مقربين من النظام لكي يتملكوا عقارات في أبو ظبي، وتوظيف  أموالهم المنقولة من سوريا بهذه التجارة المربحة وغير الخطرة.

والجدير ذكره أن رجال الأعمال السوريين باتوا يرون  في الإمارات المكان الآمن لأموالهم بعد العقوبات التي فرضت على موسكو، حيث سحبت الأموال من روسيا وتوجهت نحو الإمارات، وكذلك بعد خروج قانون قيصر للنور ومنع الشركات في لبنان من تقديم نفسها على أنها وسيط تجاري مع نظام الأسد بالإضافة إلى هجرة الأموال السورية من لبنان إبان العام 2019 أي فترة الانهيار الاقتصادي اللبناني وكذلك في العام 2020 بعد تفجير مرفأ بيروت.

وفي إطار تحقيق اقتصادي تمت تسميته مفاتيح دبي، يكشف التحقيق الذي أجرته مؤسسات إعلامية مرئية ومكتوبة وإلكترونية دولية استخدمت فيه 74 وسيلة إعلامية مختلفة من 58 دولة برعاية موقع الأخبار المالية النرويجي (occrp) للعمل على إخراج مشروع استقصائي دولي مهم جدًا وناجح كدليل مادي من خلال الأدلة والبيانات والوثائق لكشف تبييض الأموال بالإضافة إلى موقع سراج السوري ودرج اللبناني للوصول إلى نتائج وحقائق من خلال الوثائق التي عمل عليها الصحفيون الدوليون والعرب لمكافحة تبييض الأموال المهربة من سوريا حيث باتت الإمارات مركزها.

يتضمن المشروع مكافحة غسل الأموال الوثائق المسربة، وتكشف معلوماتٍ حول مئات الآلاف من العقارات في دبي وعن ملكيتها تحديدا في عامي”2020 -2022″وقد تم الحصول على مركز البيانات من مركز الدراسات المتقدمة (adsc4) وهي منظمة غير ربحية مقرها الولايات المتحدة في”واشنطن”، مهمة المركز البحث في الجرائم الدولية والنزاعات الدولية.

وبحسب الوثيقة المنشورة على موقع درج الإلكتروني اللبناني بتاريخ 15من مايو/أيار من العام 2024، بالتعاون مع منصات كثيرة ومنها منصة سراج السورية للبحث والاستقصاء المالي تشير البيانات المسربة من سلسلة بيانات وعدة أماكن تزيد على 100 مشروع معظمها من دائرة الأراضي في دبي. بالإضافة إلى الشركات العقارية التي تملكها الدولة الإماراتية وتشمل البيانات أسماء المالكين الحقيقيين كما هو مسجل في جوازات السفر والهوية ومعلومات الاتصال, وهي معلومات رئيسية وأساسية عن العقارات.

هذه الأملاك والعقارات تعود بالأصل إلى حاشية النظام وأعوانه، لكن الأموال لم تخرج خلال عامي 2020 ـ 2022 وإنما قد  تعود لقبل هذه الأعوام حتى قبل اندلاع الثورة، فتهريبها لم يتم بواسطة التحويلات البنكية والمصرفية وإنما عبر شبكات تهريب الأموال والتحويلات الخاصة أو عن طريق الشركات الوهمية مما ساعد هؤلاء على استخدامها سريعا.

هذه الحاشية تعرف جيدا التعاملات المالية ولها باع طويل وتجربة كبيرة في التعامل مع الأصول والتهريب. لذلك استغلت قوانين الإمارات التي ترحب بقدوم الأموال والاستثمارات ووجدت هامشا لأن القطاع العقاري لا يمر عبر المصارف الدولية مما ساعدهم بالوصول إلى هذه الاستثمارات التي بلغت مجموعها بما كشف نحو 50 مليون دولار في قطاع العقارات في الوقت الذي يعاني فيه النظام السوري من العقوبات ومن عدم استطاعة الآخرين إخراج العملة الصعبة من سوريا، حيث كان يعول الأسد على بقاء هذه الأموال تحت تصرفه.

وبظل العقوبات الأميركية والأوروبية يطرح السؤال المهم. كيف يتملك رجال الأسد في العالم وهنا لابد من الإشارة إلى أن هؤلاء:

-استغلوا هامشا في القانون الإماراتي يسمح لهم بذلك ولأن العقوبات غير ملزمة لأي دولة في الإمارات غير معنية بها لأنها عقوبات أممية.

-الإمارات تشجع دخول الأموال بغض النظر عن مكان قدومها ولا تتدخل في القطاع المصرفي إلا إذا بات يشكل خطرا على الأمن المالي للإمارات.

-الأموال تتحرك بمعرفة الأميركي والأوروبي ويسمحون أن تستثمر في الإمارات وتركيا على أن لا تذهب إلى الصين أو إيران.

فالإمارات ترى أن رأس المال السوري يحتل مرتبة مهمة في الاستثمارات والتجارة وتشكل التجارة السورية 14% من التبادل التجاري بين البلدين. الإمارات منذ بداية الثورة السورية كانت تحاول أن تبقي قناة الاتصال مفتوحة مع النظام، ظنًا منها أن الابتعاد عنه سيسمح له بالتوجه أكثر نحو إيران، لذلك فتحت أبوابها أمام السوريين بشكل عام من الناحية الإنسانية وقدمت مبادرات عديدة لعودة الأسد إلى الحاضنة العربية. لكنها أقفلت هذا الملف لعدم تجاوب الأسد مع الشروط العربية وعدم الوفاء بتعهداته.

يذكر التحقيق الاستقصائي بأن مدير مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية السورية يقول إن سبب التوجه السوري نحو الاستثمارات بالعقارات لأنه استثمار مضمون ومربح جدًا. وهو أفضل من الاستثمار بالأوراق المالية التي قد تتعرض لخطورة المراقبة الغربية والملاحقة وصولا حتى احتجاز الأصول.

ففي الفترة الأخيرة بدأت الإمارات تنظر بعين الريبة لهذه الاستثمارات التي باتت موضع شك لدى الدولة ولدى المراقبين الدوليين وخاصة لجهة الأسماء المستثمرة وطبيعة الأموال وتدفقها  إلى الإمارات. بالرغم من أن القانون الإماراتي لا يعتبر شراء أي عقار أو استثمار في مجال العقارات والتملك جريمة يلاحق عليها القانون وهذه هي الثغرة التي استطاعت حاشية الأسد من استخدامها، ويمكن الإشارة إلى 10 من كبار المالكين السوريين للعقارات والجدير ذكره هؤلاء موجودون على لوائح العقوبات الأميركية والغربية ولكنهم نقلوا أموالهم وثرواتهم إلى الإمارات حيث يحصي التقرير بحسب البيانات بأن هذه الشخصيات السورية تستحوذ على 25 عقارا يبلغ ثمنها بحسب المرصد الضريبي للإتحاد الأوروبي والمركز النرويجي للأبحاث  الضريبة 50 مليون دولار أميركي.

ويمكن اعتبار الأخوان فوز “سامر وعامر” من أصحاب الإمبراطورية الاقتصادية الموزعة ما بين لبنان والإمارات وروسيا وكذلك الأخوان مخلوف (رامي وإيهاب) أولاد خال بشار الأسد وأصحاب الثروة الضخمة التي كانت تدار بواسطة رامي شريك أسماء الأسد.

وظهرت عقارات بشبكات عائلية حيث بات يبرز اسم رانيا الدباس سيدة الأعمال  السورية زوجة رجل الأعمال محمد حمشو صديق ماهر الأسد، وكذلك بروز اسم أحمد صابر حمشو شقيق  محمد حمشو.

كذلك لا يمكن تجاهل الأخوين خوري مدلل وعماد وتجارتهم الواسعة بين سوريا ولبنان وسوريا وبريطانيا وعلاقتهما بملف نيترات الأمونيوم وفضح تخزينها في مرفأ بيروت.

ويمكن القول إن وزارة الخزينة الأميركية تعرف جيدا هؤلاء الموضوعين على لوائح عقوباتها وتحديد اهتماماتهم المختلفة بكل أنواع الاقتصاد السوري.

وهنا لابد من القول إن السلطات الإماراتية شددت التشريعات القانونية المتعلقة بغسيل الأموال وبخاصة بعد إضافة مجموعة العمل الدولية إلى قائمتها الرمادية بعد فشلها في العام 2022 في مكافحة تدفق الأموال غير المشروعة، حيث تقوم الإمارات بفعالية وجهد جبار شطب اسمها من القائمة الرمادية كي تبقى في قائمة الدول التي تعمل على جذب الأموال الشرعية وتأمين الحوافز اللازمة لها للعمل.

وعقب هذا العمل الاستقصائي الذي أنجزته مجموعة كبيرة من الإعلاميين لمكافحة تبييض الأموال، بات على الحقوقيين السوريين والعرب والعالميين السير لتشكيل قوة ضغط دولية تفضح هؤلاء المهربين في نظام الأسد وليكن التقرير دليلا دامغا من أجل رفعه إلى الهيئة العليا وتحقيق تضامن عالمي يساعد السوريين ويعاقب أزلام النظام كما فعلت المجموعة السورية في أميركا التي استصدرت قانون قيصر ولاحقا قانون الكبتاغون.

وليكن هذا الطريق بداية لإقفال كل الممرات غير القانونية التي يستخدمها أزلام النظام في الالتفاف على العقوبات كما حصل في المشاريع العقارية الإماراتية، ولتكن مكافحة فساد النظام وتبييض أمواله قضية مهمة أمام الحقوقيين والناشطين السوريين للوصول إلى إقرار قانون يجرم هؤلاء.

—————————-

-6-

مفاتيح دبي”: الإمارة نسخة مصغّرة عن إيران ومجرميها/ مهتاب ديوسالار

(زمانه ميديا)

يكشف تحقيق “مفاتيح دبي” الاستقصائي، كيف تحوّلت تجارة العقارات في الإمارة إلى مهرب لمجموعة كبيرة من المجرمين والمدانين الهاربين والسجناء الإيرانيين المرتبطين بقضايا فساد اقتصادي، بعضهم يسكن دبي وآخرون قابعون في السجون.

تشير الإحصاءات غير الرسمية، إلى أن قرابة نصف مليون إيراني يعيشون في دولة الإمارات العربية المتحدة، معظمهم في إمارة دبي. وعلى مدى السنوات الأخيرة، اشترى الكثير منهم عقارات وأراضيَ في دبي.

على الرغم من أن قرابة 7 آلاف مواطن إيراني مدرجون ضمن قائمة مالكي ما لا يقل عن 9400 عقار سكني في دبي، في البيانات المسربة عام 2022، يتوقع الأكاديميون الذين درسوا هذه البيانات ومصادر إضافية، في بداية عام 2022، أن يكون الرقم الفعلي لمالكي هذه الوحدات السكنية أكثر من 9 آلاف إيراني، وصرحوا أيضاً لمنصة (E24) الإعلامية النرويجية أن الشقق والفيلات المعنية، تقدر قيمتها بأكثر من 7 مليارات دولار أميركي.

في التقرير التالي، سنتناول أسماء مجموعة من الإيرانيين من أصحاب العقارات في دبي، الذين تثير أسماؤهم والمعلومات المستقاة عنهم اهتمام الجمهور.

حول المشروع

يستند مشروع “مفاتيح دبي” إلى بيانات مسربة تقدم نظرة عامة مفصلة، عن مئات الآلاف من العقارات في دبي، وتقدم معلومات حول ملكيتها أو استخدامها، في الغالب من عام 2020 إلى 2022.

في البداية، حصل مركز دراسات الدفاع المتقدمة (C4ADS) على هذه البيانات، وهو منظمة غير ربحية مقرها واشنطن، وتكرس أعمالها في التحليل القائم على البيانات، وتقارير الصراع والأمن القائمة على الأدلة، في جميع أنحاء العالم، جرى بعد ذلك مشاركة البيانات مع منصة (E24) الإعلامية النرويجية المتخصصة في الشؤون المالية و”مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد” (OCCRP)، اللذين ينسقان معاً مشروعاً استقصائياً، يضم العديد من وسائل الإعلام من جميع أنحاء العالم.

وتشمل البيانات، اسم المالك المُسجل لكل عقار، فضلاً عن معلومات أخرى لتحديد هويته، مثل: تاريخ الميلاد، ورقم جواز السفر، والجنسية. وفي بعض الحالات، تناولت البيانات أسماء المستأجرين بدلاً من المالكين.

استخدم الصحافيون البيانات كنقطة انطلاق لتقصي مشهد امتلاك الأجانب للعقارات في دبي، وقد أمضوا شهوراً في التحقق من هويات الأشخاص، الذين ظهروا في البيانات المسربة، فضلاً عن التأكد من حالة ملكيتهم، باستخدام السجلات الرسمية، والبحث في المصادر المفتوحة، ومجموعات البيانات المسربة الأخرى.

جنة للمجرمين الإيرانيين

من هم الإيرانيون الذين يملكون عقارات في دبي؟ ينتمي الإيرانيون الذين اشتروا منازل في دبي خلال السنوات الأخيرة إلى خلفيات متعددة، فمن أصحاب الثراء الفاحش والمشاهير، إلى المحتالين والمتهمين والمدانين في قضايا فساد مشهورة، ومرتكبي الجرائم الاقتصادية، والمطلوبين للعدالة، والمختلسين، والمتخلفين عن السداد، ومقدمي الرشاوى ومتلقيها، والمشتغلين بغسل الأموال، وأقارب المسؤولين، والأرستقراطيين، وأقارب كبار أعضاء النظام والحرس الثوري، كل هؤلاء الأشخاص لديهم على الأقل شيئاً واحداً مشتركاً: أنهم يملكون عقارات، من المكاتب الصغيرة إلى الفيلات الفخمة، في دبي؛ الإمارة الخليجية الصغيرة.

لكن ليس كل الأشخاص في هذه القائمة؛ على الرغم من امتلاكهم عقاراً واحداً أو أكثر في دبي، يعيش في دبي، بينما يعيش البعض في دبي، فإن البعض الآخر هاربون أو مجرمون مدانون يقضون عقوبات داخل السجون الإيرانية.

أطلقت وسائل الإعلام الإيرانية على بعض هؤلاء الأفراد لقب “السلطان”، مثل “سلطان الفولاذ” أو “سلطان تهريب الوقود”، والبعض الآخر غير مدانين ويُسمون “آغازاده” وتعني (أبناء الشخصيات المؤثرة داخل النخب السياسية أو الاقتصادية في إيران) وظهرت أسماؤهم في إطار قضايا الاختلاس والجرائم في بلادهم، ولم تظهر بعد في دبي، وهم يملكون أيضاً فيلات وشققاً في دبي.

اشترى بعض الإيرانيين الذين ظهرت أسماؤهم وممتلكاتهم في هذه الوثيقة المسربة أكثر من عقار واحد في دبي، وقد اشترى أحد المدانين بجرائم اقتصادية، الذي سنتعرف عليه أكثر في هذا التقرير، أكثر من 135 عقاراً، ويملك شخص آخر، كان اسمه مدرجاً كأحد أكبر المحتالين المصرفيين في إحدى شركاته قبل ظهوره في هذه القائمة، أكثر من 300 عقار في دبي.

القضايا الشهيرة

يضمّ عالم العقارات في دبي شريحة بارزة تتألف من مجموعة كبيرة من المجرمين، والمدانين الهاربين، والسجناء، وغيرهم ممن انتشرت أسماؤهم بشكل بارز في وسائل الإعلام، أو الوثائق القضائية المرتبطة بقضايا فساد اقتصادي معروفة.

مصنعو قطع غيار السيارات: قصة اثنين من المليارديرات

ظهرت في قائمة الإيرانيين الذين يملكون عقارات في دبي، أسماء اثنين من كبار مُصنّعي قطع غيار السيارات، وهما: عباس إيرواني، ومحمد علیپور فطرتي.

أُدين عباس إيرواني بقضية “مجموعة عظام”، وفي فبراير/شباط 2024، أصدرت السلطات القضائية الإيرانية حكمها في هذه القضية التي استمرت منذ عام 2019، حيث حُكم عليه بالسجن لمدة 65 عاماً، بتهمتين تتعلقان بصناعة قطع غيار السيارات، ووجهت له تهمة إحداث زعزعة كبيرة في النظام الاقتصادي للبلاد، سواء من خلال التهريب المنظم والمحترف لقطع غيار السيارات، أو من خلال تقويض النظام النقدي والعملة، بالإضافة إلى اتهامه بالحصول على مبالغ مالية ضخمة بشكل غير قانوني من الشبكة المصرفية.

في أوائل السبعينيات، عندما كان إيرواني يبلغ من العمر 17 عاماً، افتتح متجراً في سوق الأقفال والمفصلات، وعندما اندلعت الحرب العراقية الإيرانية في عام 1980، خدم لعدة أشهر في مقر الحرب غير النظامية، التي أسسها مصطفى شمران (أول وزير دفاع بعد الثورة) وفي عام 1986، بدأ إيرواني استيراد قطع غيار السيارات، وفي غضون أقل من 10 سنوات، امتلك مصنعين، بما في ذلك “مجموعة عظام” لقطع غيار السيارات، التي تشمل حالياً 14 مصنعاً.

تواجه “مجموعة عظام”، وهي واحدة من أكبر شركات تصنيع قطع غيار السيارات في إيران، اتهامات بارتكاب قائمة طويلة من الجرائم، من بينها دفع رشاوى لموظفي البنوك والجمارك والإدارات المحلية ومسؤولين في وزارة الصناعة والمعادن والتجارة، وتزوير الوثائق، واستيراد قطع غيار صينية إلى إيران وبيعها تحت علامات تجارية إيرانية، بالإضافة إلى ارتكاب عمليات احتيال في دفع الرسوم الجمركية.

وقد نفى إيرواني جميع الاتهامات الموجهة إليه، بل اتهم الحكومة الايرانية بالابتزاز، وفي المحكمة، تحدث بفخر، عن تجاوز العقوبات، وقال ذات مرة: “إذا كان لدي دولار واحد خارج البلاد، فلتقم الحكومة بمصادرة كل شيء وتعدمني، قلة من الناس عملوا بجد مثلي، وإذا كان موظفو شركتي ارتكبوا خطأً، فأنا لست مسؤولاً “.

حتى وقت قريب، كان إيرواني مالكاً لوحدة مكاتب في برج “آسبكت” في منطقة الخليج التجاري في دبي، بقيمة تزيد على 2.4 مليون درهم، أي ما يعادل 650 ألف دولار أميركي.

بيد أن إيرواني ليس المُصنّع الشهير الوحيد لقطع غيار السيارات، الذي اشترى عقارات في دبي، ثمة مُصنّع آخر، ومتهم في قضية مماثلة وشهيرة تُعرف باسم قضية “كروز”، وهو أحد مالكي العقارات في دبي.

واجه عليبور فطرتي، وهو أحد أعضاء مجلس إدارة شركة قطع غيار “كروز”، اتهامات بالمشاركة في زعزعة النظام الاقتصادي في إيران، من خلال قيادة مجموعة إجرامية في مجال التهريب المنظم والمحترف، لقطع غيار السيارات بين أعوام 2013 و2020، وبحسب القضية، دفع فطرتي رشاوى لموظفي الجمارك، وشارك في عرقلة توزيع الضروريات العامة، من خلال زيادة أسعار قطع غيار السيارات التي تباع لشركتي “سايبا” و “إيران خودرو” بين أعوام 2016 و2019.

وقد وجهت المحكمة إلى عليبور فطرتي، وكذلك حميد كشاورز (المتهم الأول في القضية) اتهامات بدفع رشوة لحسين فريدون (شقيق حسن روحاني، الرئيس الإيراني السابق).

وصفت السلطات القضائية عليبور فطرتي في قضية “كروز” بأنه “متهم هارب، وهو يحمل الجنسية الكندية، وفي فبراير/شباط 2023، بعد مرور ما يقرب من عامين من المحاكمة، أعلن المتحدث باسم السلطة القضائية أنهم “في مرحلة إصدار حكم”، ومع ذلك، لم يصدر حكم حتى الآن.

ورداً على  “مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظّمة والفساد” وشركائها من وسائل الإعلام، كتب محامي عليبور فطرتي:

“إن موكلي ليس أحد كبار أعضاء مجلس إدارة شركة كروز الإيرانية لقطع غيار السيارات، بالإضافة إلى ذلك، فإن أي ادعاءات بارتكاب مخالفات من قِبل موكلي، هي ادعاءات كاذبة تماماً، ولا أساس لها من الصحة، وهو لم يُدن أبداً بأية جرائم، وعلاوة على ذلك، فإن وسائل الإعلام الإيرانية لا تتمتع بالمصداقية”.

يملك عليبور فطرتي ما لا يقل عن 5 وحدات عقارية في دبي، في منطقة بيزنس باي في الخليج التجاري، وبرج خليفة، وجزيرة نخلة جميرا، تبلغ قيمتها حوالي 50 مليون درهم أو 14 مليون دولار أميركي، وما زال يملك 3 عقارات تبلغ قيمتها حوالي 10.5 مليون دولار أميركي.

الاحتيال المصرفي: على الشاطئ أم في الزنزانة؟

في السنوات الأخيرة، اشترى العديد من المختلسين من البنوك والأفراد المتورطين في قضايا فساد مصرفية؛ بعضهم تمت إدانته، عقارات في دبي، وقد ظهرت أسماء المتهمين، والمدانين، والمحتالين المصرفيين في قضية بنك سرمايه، كأصحاب عقارات في أحياء مختلفة في هذه الإمارة الصغيرة.

رفعت عدة قضايا تتعلق ببنك سرمايه، واتهم العديد من الأفراد، من الوزراء والمديرين الحكوميين وأقارب الوزراء وقادة الحرس الثوري، فضلاً عن رجال دين رفيعي المستوى، بارتكاب انتهاكات مالية وعمليات اختلاس.

تتعلق قضية الفساد في بنك سرمایه التي بلغت 14 تريليون تومان بممتلكات “صندوق احتياطي فرهنگيان”، وضع مديرو الصندوق، الذين كانوا يملكون نصف بنك سرمایه، ودائع الصندوق بشكل غير قانوني تحت تصرف عدة شركات، إلا أن عدداً من هذه الشركات، كان لديه عدة فروع يملكها أشخاص مشتركون.

أحد أشهر المدانين في هذه القضية، هو منتج المسلسل التلفزيوني الإيراني الشهير “شهرزاد” محمد إمامی، الذي حُكم عليه بالسجن لمدة 20 عاماً، بتهمة زعزعة النظام الاقتصادي في البلاد، من خلال الحصول على ثروة بطرق غير شرعية نتيجة لقضية بنك سرمایه.

اتُهم أكثر من 40 شخصاً في هذه القضية، بمن فيهم صديق وشريك محمد إمامی، أمیر رضا فرزان راد، الذي أدين هو أيضاً بالتورط المباشر في إحداث اضطراب كبير وجسيم بالنظام الاقتصادي للبلاد، من خلال الاستحواذ غير المشروع على الممتلكات، وحكم عليه بالسجن لمدة 20 عاماً.

وبحسب السلطات القضائية، يقضي إمامی حالياً فترة سجنه، ولم يحصل سوى على إجازة لمرة واحدة فقط، أما فرزان راد فهو هارب، وقد اشترى كلاهما عقارات في دبي.

يملك إمامی فيلا في حي المركاض السكني في دبي، تقدر قيمتها بنحو 20 مليون درهم، أي ما يعادل 5.5 مليون دولار أميركي، أما فرزان راد فيملك فيلا بالقرب منها، تُقدر قيمتها بنحو 44 مليون درهم، أي ما يعادل تقريباً 12 مليون دولار أميركي.

من البنك إلى الشاطئ: قضايا بنوك أخرى

لا يقتصر تاريخ الفساد المصرفي والاختلاس في إيران على بنك سرمایه، فقد اجتاحت عمليات الاختلاس والانتهاكات البنوك الإيرانية، بشكل لا يُصدّق، لدرجة أن التقديرات تشير إلى اختلاس ما بين 60 إلى 80 مليار دولار أميركي، من الاقتصاد الإيراني والنظام المصرفي في العقود الأخيرة.

لم تتناول الأخبار المنشورة في وسائل الإعلام والمحاكمات المتعلقة بالانتهاكات المصرفية، التي غالباً ما تُعقد خلف الأبواب المغلقة، سوى أمثلة قليلة على مشكلة أعمق بكثير، وتشير التقارير إلى أن قائمة مشتري العقارات في دبي، تضم ثمانية أشخاص على الأقل، تمت إدانتهم بتهم الاحتيال المصرفي والاختلاس.

ثمة على الأقل اثنان من القواسم المشتركة بين كل من: رسول دانيال زاده، وأسدالله سیفي، ومحمد وكيلي؛ فهم جميعاً من بين أبرز الشخصيات التي تمت إدانتها بتهم الانتهاكات المالية في إيران، وجميعهم يمتلكون عقارات في دبي.

المحتال المصرفي والمتورط في قضايا الرشوة في جزيرة نخلة جميرا

في مرحلة ما، كان دانيال زاده أحد أكبر المحتالين المصرفيين في إيران، ووفقاً للقضاء في عام 2020، كان عليه دين مستحق للبنك بقيمة 4 آلاف مليار تومان، وهو ما يعادل تقريباً 334 مليون دولار أميركي.

دانيال زاده، المعروف في بعض وسائل الإعلام باسم “سلطان الفولاذ”، هو مالك شركات “گيلان ستيل”، و”دانيال ستيل”، ومساهم في شركة “كاويان ستيل”.

علاوة إلى ذلك، أُدين دانيال زاده بتهمة دفع رشاوى إلى أكبر طبري (المدير العام السابق للشؤون المالية في السلطة القضائية الإيرانية) وحسين فريدون (شقيق حسن روحاني، الرئيس الإيراني السابق)

في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، صرح غلام حسين إسماعيلي، المتحدث باسم السلطة القضائية في إيران، قائلاً: “رسول دانيال زاده، الذي فر إلى الخارج، عاد إلى البلاد من خلال جهود حرس إمام الزمان المجهولين والحرس الثوري”.

وقد أوضحت السلطات القضائية الإيرانية، أن تعاون دانيال زاده أدى إلى الحكم عليه بعقوبة مخففة بالسجن لمدة 15 عاماً، بيد أنه لا يزال من غير الواضح، ما إذا كان دانيال زاده يقضي حالياً فترة عقوبته.

يمتلك دانيال زاده ما لا يقل عن 7 منازل في دبي، بما في ذلك 6 شقق في منطقة الثنية الخامسة، وفيلا واحدة في جزيرة نخلة جميرا، وتقدر القيمة الإجمالية لهذه الممتلكات بنحو 12.6 مليون دولار أميركي.

قصةٌ لا تنتهي: البنك المركزي

أسد الله سيفي هو أحد المتهمين في قضية رشوة البنك المركزي؛ حيث وُجّهت إليه تهمة دفع رشاوى لمديري البنوك، تتراوح ما بين اثنتين من سبائك الذهب زنة 100 جرام، إلى رشوة بقيمة 500 مليون تومان، لتغيير سعر الصرف في أحد عقود الوساطة.

تقدر قيمة شقتي سيفي في دبي، الواقعتين في الخليج التجاري والثنية الخامسة  بـ 1,800,000 درهم أي ما يعادل نصف مليون دولار أميركي.

وعلى غرار سيفي، كان محمد وكيلي وسيطاً سابقاً للبنك المركزي، وفي قضية مختلفة، حُكم على وكيلي بالسجن لمدة 20 عاماً بتهمة التهريب المنظّم للعملة، وزعزعة استقرار العملة والنظام النقدي، وبموجب أمر المحكمة نفسه، فإن وكيلي هارب ويقيم حالياً في دبي.

يملك وكيلي 133 وحدة سكنية في مجمع دبي للاستثمار، بالإضافة إلى فيلا في الثنية الخامسة.

أُدرج كلٌ من سيفي ووكيلي، اللذين تشاركا التهم في العديد من القضايا المصرفية، على قوائم العقوبات الأميركية، في ما يتعلق بغسل الأموال والتوسط في تيسير العلاقات المالية للجمهورية الإسلامية.

العقوبات والمستفيدون منها

عندما يتعلق الأمر بقائمة العقوبات الأميركية، فإن عشرة أسماء على الأقل من هذه القائمة يملكون عقارات في دبي.

من بين هذه الأسماء: بجمان كوثريان فرد، وكامبيز رستميان، وهوشنك فرسوده، ومحسن بارساجم، والمذكورين سابقاً: أسد الله سيفي ومحمد وكيلي.

يملك كامبيز رستميان، الذي فرضت عليه الحكومة الأميركية عقوبات في عام 2017 تتعلق ببرنامج الصواريخ الإيراني، شقة واحدة وفيلا واحدة في دبي، بقيمة إجمالية تبلغ نحو 4.8 مليون دولار أميركي.

أما محسن بارساجم، رئيس مجلس إدارة شركة “رايان رشد أفزا”، الذي فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات بسبب دعم شركته للحرس الثوري الإيراني، فيملك شقتين تبلغ قيمتهما نحو 500 ألف دولار أميركي.

ومن الأمثلة الأخرى هوشنك فرسوده، الذي عوقب بتهمة المساعدة في تجاوز العقوبات، فقد اشترى فيلا في دبي بقيمة 4.5 مليون دولار أميركي تقريباً.

البتروكيماويات من جديد: قضية الـ 6 مليار دولار والرجل الثالث

إحدى أكبر قضايا الاختلاس والانتهاكات المالية في إيران وأشهرها في السنوات الأخيرة، هي قضية شركة البتروكيماويات التجارية.

عشرات الأشخاص الذين ساعدوا في تجاوز العقوبات، وبيع المنتجات البتروكيماوية الخاضعة للعقوبات، التي تضمنت تحويل 6 مليارات و656 مليون يورو من بيع هذه المنتجات، استطاعوا جمع ثروات طائلة عبر هذه الصفقات، حوكم عددٌ من المتورطين في وقت لاحق، بتهمة تعطيل نظام الاقتصاد الكلي، والتربح غير المشروع، وهو ما أدى إلى إدانة 15 شخصاً.

من بين المدانين، الذين يقبع بعضهم في السجون الإيرانية، وبعضهم يعيش في الخارج، هناك اثنان على الأقل يملكان عقارات في دبي.

حُكم على علي أشرف رياحي، االمستشار الفني للشركة التجارية للبتروكيماويات، وصهر وزير الصناعة والتعدين والتجارة السابق محمد رضا نعمت زاده، بالسجن 5 سنوات، بتهمة تعطيل النظام الاقتصادي، والمساعدة في توزيع العملة الأجنبية من تصدير المنتجات البتروكيماوية، وبحسب الحكم المنشور، فقد أدى ذلك إلى حصول رياحي بشكل غير قانوني، على 29 مليار ريال.

اشترى رياحي شقة فندقية في برج خليفة بدبي، بقيمة لا تقل عن 1.6 مليون دولار أميركي، ثم باعها بعد ذلك.

وبالإضافة إلى رياحي، هناك مدان آخر في هذه القضية، ويملك عقاراً في دبي، فقد حُكم على سيد أمين قريشي سروستاني بالسجن 15 عاماً، و74 جلدة للتهمة نفسها، والمتمثلة بتخريب النظام الاقتصادي، من خلال توزيع العملة التي تحصّل عليها من تصدير المنتجات البتروكيماوية.

صدر الحكم على سروستاني، الذي يحمل جواز سفر دومينيكياً، غيابياً، وأعلنته المحكمة هارباً، ورغم أنه يُعتقد أنه باع بعض عقاراته، إلا أنه لا يزال يملك عدداً من عقاراته الخمسة في دبي، التي تبلغ قيمتها 3.5 مليون دولار أميركي.

ولكن يمكننا أن نرى اسماً ثالثاً في قضية البتروكيماويات والعقارات، لم تُوجّه له اتهامات رسمية قط، رغم ظهور اسمه في وثائق المحكمة في عشرات المناسبات؛ ألا وهو: جواد شير علي نجل محمد حسين شير علي.

محمد حسين شير علي، الذي كان موظفاً في وزارة الإعلام، هو أحد المدانين في قضية البتروكيماويات، وحكم عليه بالسجن خمس سنوات بالتهمة نفسها التي وجهت للمدانين الآخرين، وبحسب الحكم، فإن المبلغ الذي حصل عليه بطريقة غير شرعية هو 8 ملايين دولار أميركي، وبحسب اعترافاته في هذه القضية، فإن معظم التحويلات المالية وتلقي العمولات واستثمار الأرباح، تمت من قبل نجله جواد، وهو خارج إيران، باعتباره واحداً من عدد من الوسطاء، ويتلقى عمولات  أو فوائد من بيع المنتجات البتروكيماوية نيابة عن والده خارج إيران.

وبحسب البيانات المسربة، يملك جواد شير علي ما لا يقل عن 4 وحدات سكنية، من بينها فيلا، تقدر قيمتها الإجمالية بأكثر من 4 ملايين دولار أميركي.

قضية عائلية (ممتدة)

لم تخلُ قائمة أصحاب العقارات في دبي من أبناء الشخصيات الشهيرة وأفراد عائلات المسؤولين الحكوميين القريبين والبعيدين.

فمن عائلة أكبر هاشمي رفسنجاني، الرئيس الإيراني السابق، نجد في هذه القائمة أسماء اثنين من أبنائه على الأقل، وزوجة ابنه وحفيده.

وفي وقت كان محسن هاشمي بهرماني، الابن الأكبر للعائلة، والرئيس السابق لمجلس مدينة طهران، يملك وحدتين سكنيتين؛ لا يزال يملك إحداهما، وتبلغ قيمتها حوالي 380 ألف دولار أميركي.

ويملك ياسر هاشمي بهرماني، الابن الأصغر لعائلة رفسنجاني، شقة في برج خليفة في دبي، تقدر قيمتها بنحو 750 ألف دولار أميركي، أما زوجته مريم سالاري، فتملك شقة في المبنى نفسه، الذي يعيش فيه زوجها، وتقدر قيمتها بنحو 700 ألف دولار أميركي.

إحسان هاشمي بهرماني نجل محسن هاشمي، وحفيد الرئيس رفسنجاني، يملك شقة صغيرة بقيمة 100 ألف دولار أميركي في دبي.

حالات غريبة وجنسيات مزدوجة وأسماء أخرى

هناك حالات قليلة غريبة بين عشرات الآلاف من الإيرانيين، الذين يملكون عقارات في دبي المشمسة، تشمل عدداً من الإيرانيين الذين اشتروا عقارات بجوازات سفر غير إيرانية.

مهدي شمس، مواطن إيراني/ بريطاني، والمدير العام السابق لقسم التجارة والمبيعات في شركة الشحن التابعة لجمهورية إيران الإسلامية، الذي خُفّفت عقوبته من الإعدام في قضية باباك زنجاني (صاحب أكبر ملف فساد في تاريخ قطاع النفط الإيراني ونال عفو المرشد لاحقاً) إلى السجن 20 عاماً، على الأرجح لا يزال شمس يقضي عقوبته في إيران، ولا يزال يملك عقارات  في دبي، من بينها فيلا بقيمة 20 مليون دولار في نخلة جميرا.

ثمة مواطن إيراني/ بريطاني آخر يملك عقاراً في دبي، حسب البيانات الموجودة، هو جواد مرندي، مرندي هو مليونير معروف بتقديمه الدعم المالي لحزب المحافظين البريطاني، ورد اسمه سابقاً في قضية غسل أموال، ولكن لم تتم إدانته مطلقاً.

علاوة على ذلك، نجد مهرب وقود، يطلق عليه اسم “سلطان تهريب الوقود”، وصاحب منجم ذهب في إيران، ومسؤول غسل الأموال لرجل دين إيراني بارز؛ جميعهم اشتروا عقارات في دبي بجواز سفر كندي.

وفي إسبانيا، اعتاد مسعود زندي گوهريزي على التسكع مع السياسيين والأغنياء، وممارسة الضغط ولعب دور “المُصلح”، وبعد تسريب “وثائق بنما”، اتهمت إسبانيا گوهريزي بالاحتيال الضريبي بقيمة 126 مليون يورو خلال 3 سنوات فقط، وكان گوهريزي، وهو الآن هارب، قد اشترى عقاراً في دبي عام 2009 بقيمة لا تقل عن 1.96 مليون يورو، ولا يزال يملكه حتى الآن.

لكن إحدى أغرب الحالات في هذه القائمة تعود لرجل يدعى منصور فروزمند، لدى فروزمند قضية احتيال في إيران لم تتحدث عنها وسائل الإعلام مطلقاً، كما قُبض عليه مرة واحدة في دبي، ومنذ ذلك الحين يقضي عطله في نيس في جنوب فرنسا.

وبحسب تقرير لصحيفة “لا مارسييز” أمام محكمة فرنسية، فإن الجمهورية الإسلامية اتهمت فروزمند بأخذ 200 مليون دولار أميركي من عملة الدولة للاستيراد، ثم باعها في السوق السوداء، وعلى الرغم من طلب المحكمة تسليمه، استطاع محاميه إنقاذه وإطلاق سراحه من خلال  الإشارة إلى الأهوال والظروف اللا إنسانية في السجون الإيرانية، وخطر تعرضه لعقوبة الإعدام في إيران بسبب التهم الاقتصادية.

يملك فروزمند ما لا يقل عن 5 عقارات في دبي، من بينها فيلا وشقة ومكتب في منطقة الخليج التجاري والثنية الخامسة وبرج خليفة، والتي تتجاوز قيمتها الإجمالية 10 ملايين دولار.

ورداً على رسالة البريد الإلكتروني، التي أرسلها “مشروع الابلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد” وشركاؤه الإعلاميون في هذا التحقيق، وصف فروزمند هؤلاء الإعلاميين بـ “المبتزين”، وذكر أيضاً أن “جميع القضايا المزعومة قد أغلقتها السلطات بالفعل، بسبب غياب أي دليل ملموس وجوهري”.

كما قال: “إن العقارات التي ذكرتها مرهونة وممولة حسب الأصول المعمول بها في البنوك الإماراتية، لمدة تتراوح بين 20 إلى 25 عاماً”، وأوضح أن “هذه القروض العقارية والتمويل تمت الموافقة عليهما حسب الأصول، من البنوك الإماراتية، بعد تحقيق الامتثال وتجاوز التدقيقات التنظيمية”.

يحمل  فروزمند جواز سفر دولة سانت كيتس ونيفيس.

يمتلك شخص إيراني غامض آخر في دبي 258 عقاراً في برج كريستال.

محمد هادي ذو الأنواري، هو رجل أعمال واجه اتهامات بغسل الأموال والاختلاس في إيران، تتعلق بقرض مصرفي ضخم حصلت عليه إحدى شركاته بما ينتهك اللوائح المالية، أُسقطت عنه تهم غسل الأموال بسبب نقص الأدلة، وأُغلقت القضية المرفوعة ضده في عام 2023 بإصدار حكم، لكن لم ينشر مطلقاً، مما يجعل من غير الواضح هل أُدين بتهم أخرى أم لا.

إن دبي ليست المدينة الوحيدة التي يعرف عنها أن المجرمين والمختلسين يغسلون أموالهم فيها، عن طريق شراء العقارات، بيد أن الخبراء يقولون إن دبي على وجه التحديد لديها سمات جذابة، خاصة لأولئك الفارين من تطبيق القانون الغربي أو العقوبات.

حتى وقت قريب، لم يكن لدى دولة الإمارات معاهدات تسليم المجرمين مع العديد من الدول، مما ساعد في تحويل دبي إلى منطقة جذب للهاربين من جميع أنحاء العالم، وعلى الرغم من أن السلطات الإماراتية عززت التعاون مع سلطات إنفاذ القانون الأجنبية في السنوات الأخيرة، لا تزال الحكومة معروفة باستجاباتها المتضاربة لطلبات التسليم.

وبحسب ما قالته رادها ستيرلينغ، وهي محامية وناشطة حقوقية والرئيسة التنفيذية لمنظمة “معتقلون في دبي” المتخصصة في تقديم المساعدات القانونية، فإن “السلطات الإماراتية تستغل كبار المتهمين الهاربين المعروفين عالمياً كـ “أوراق مساومة”، مضيفة “حتى لو زعموا أنهم اعتقلوا أشخاصاً أو جمدوا أصولهم، فقد يكون ذلك فقط لأغراض نشر البيانات الصحفية”.

كما اكتسب بعض وكلاء العقارات في دبي، سمعة طيبة في طرح الحد الأدنى من الأسئلة حول أصول أموال عملائهم، وحتى عام 2022، لم يكن وكلاء العقارات والوسطاء والمحامون ملزمين بالإبلاغ عن المعاملات النقدية الكبيرة، أو المعاملات بالعملات المشفرة إلى السلطات.

كما يعد سوق العقارات في الإمارة واحداً من أهم الأسواق في العالم، حيث يوفر مجموعة واسعة من الفرص الاستثمارية عبر أفقه سريع التغير، ومع ارتفاع قيمة العقارات، توفر الاستثمارات العقارية وسيلة ليس فقط لغسل الأموال غير المشروعة، بل لتحقيق أرباح إضافية.

وقال كولين باورز، وهو زميل بارز ورئيس تحرير برنامج “نوريا” للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي منظمة بحثية مستقلة غير ربحية: “إن سياسات الإمارة هي عاملٌ غير مباشر، يساهم في ضمان ارتفاع قيمة أصول جميع هذه الأطراف مع مرور الوقت

درج

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى