سياسة

مقالات تناولت أزمة اللاجئين السوريين في لبنان

تحديث 28 أيار 2024

————————–

موسم تهجير السوريين في لبنان إلى المجهول/ رياض معسعس

26 – مايو – 2024

لم يعد في جيب السلطات اللبنانية للتخلص من اللاجئين السوريين سوى دفعهم إلى نظام الأسد، مع رغبة حكومة نجيب ميقاتي، ومسؤولين لبنانيين في إعادتهم إلى سوريا، وفتح البحر أمامهم كما دعا أمين عام حزب الله حسن نصر الله إلى فتح البحر أمام النازحين الراغبين بالوصول إلى أوروبا، (برغبة منه في الضغط على الأوروبيين. وهنا نشير إلى أن حزب الله دفع معظم سكان وادي بردى إلى الهرب من القتل الذي كان يمارسه في المدن والقرى وفي مناطق القلمون)، وهما أمران أحلاهما مر ومجهول، ومحفوف بالمخاطر (خطر الغرق حيث فقد مئات السوريين حياتهم بركوب البحر، وخطر الاعتقال من قبل مخابرات النظام السوري لأنهم يعتبرون اللاجئين السوريين معارضين للنظام).

معاناة لا تنتهي

معاناة السوريين في لبنان لا تنتهي: معاناة من الأحوال الجوية في المخيمات (80 في المئة يعيشون في مخيمات معرضة للبرد الشديد في فصل الشتاء، مع الأمطار الغزيرة وفقدان التصريف الصحي، الباقي يقطنون في بيوت مؤجرة بأسعار ترهق ميزانياتهم وتؤثر على عيشهم)، نقص فادح في قبول أولاد السوريين في مؤسسات التعليم، معاناة شديدة من غلاء المعيشة، التضييق على السوريين في سوق العمل، تعرض بعضهم لعمليات تعذيب وضرب وسوء معاملة وتمييز عنصري، مداهمات متكررة للسلطات اللبنانية للمخيمات، تقنين المياه 11 ليتر يوميا للشخص. فرض ضريبة 10 دولارات على كل شخص يريد الاستفادة من توليد الكهرباء بالطاقة الشمسية، عدم السماح للاجئين السوريين المسجلين بمفوضية الأمم المتحدة بالعمل أو فتح مصلحة حسب قانون تم سنه مؤخرا. كل عائلة سورية تدفع إيجار الخيمة التي تقطنها، عدم وجود تمديدات صحية، اعتقالات عشوائية للاجئين وضربهم والاعتداء عليهم لانتزاع اعترافات والزج بهم في سجون مكتظة وإجبارهم على الاعتراف بجرائم خطيرة لا يد لهم فيها.

تفاقمت الأزمة بعد عملية اغتيال المسؤول في القوات اللبنانية باسكال سليمان التي اتهم فيها سوريون (لكن خيوط الجريمة لم تتوضح بعد). وقد وجهت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة رسالة إلى وزير الداخلية والبلديات في لبنان بسام مولوي تدين فيها ما وصفته بـ “الممارسات اللاإنسانية” بحق اللاجئين السوريين، ورفضت ترحيلهم، وامتنعت عن منح السلطات اللبنانية بيانات اللاجئين السوريين.

وهددت حكومة نجيب ميقاتي بإعادة النظر في العلاقة مع المفوضية وطالبتها بعدم التدخل في الشؤون السيادية للبنان، وأكدت أن اللجوء السوري لم يعد له ما يبرره مع استتباب الوضع في سوريا، لكن مفوضية اللاجئين والكثير من المنظمات الحقوقية تشكك في الأمر وتعتبران إعادة اللاجئين السوريين قد تعرضهم لخطر الاعتقال أو التعذيب. زادت تصريحات الطبقة السياسية اللبنانية في الآونة الأخيرة حدة بخصوص مواقفها من الملف السوري، فمن سمير جعجع الذي قال إن السوريين يشكلون تهديدا وجوديا للبنان، مؤيدا بذلك كلام البطريرك بشارة الراعي الذي لم ينفك من القول بأنهم خطر على التوازن الطائفي في لبنان، والخطر الأكبر أن يتم تجنيسهم على المدى الطويل.

رئيس حزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط أكد أن الحوار مع النظام السوري حول قضية عودة اللاجئين “قد أصبح في الآونة الأخيرة بعد مقتل باسكال سليمان أمرا لا مفر منه”، واستعرض مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال لقائه في باريس ملف اللاجئين السوريين ورؤيته للحوار مع النظام السوري.

رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري، قال: “لن نرغم اللاجئين السوريين على العودة لبلادهم”، لكنه دعا إلى المزيد من المساعدات الدولية للتعامل مع أزمة اللاجئين. حزب “الكتائب اللبنانية” من جانبه رفع مجموعة توصيات لمعالجة الوجود السوري ودعا إلى التوقف عن “اعتبار الشعب السوري بأكمله طالب لجوء في لبنان وتحديد الوضع القانوني لكل فرد سوري موجود على الأراضي اللبنانية وأوصى مجلس النواب اللبناني بـ”ترحيل” اللاجئين السوريين الذين وصلوا إلى البلاد بطريقة “غير شرعية، وحث المجلس، على تشكيل لجنة وزارية للتواصل مع الجهات المختلفة، لا سيما مع الدولة السورية لإعادة اللاجئين، وطلب المجلس من أجهزة الأمم المتحدة كافة لاسيما مفوضية اللاجئين والجهات الدولية والأوروبية المانحة “اعتماد دفع الحوافز والمساعدات المالية والإنسانية” للتشجيع على إعادة اللاجئين إلى بلادهم، من خلال الدولة اللبنانية، وشدد على “التزام الحكومة بالموقف الذي أعلنه الرئيس ميقاتي بأن لبنان لم يعد يحتمل عبء بقاء اللاجئين، وسبق ودعا رئيس مجلس النواب نبيه بري، إلى جلسة عامة لمناقشة “المواقف من الهبة الأوروبية والبالغة مليار يورو لمساعدة لبنان في ملف اللاجئين السوريين” بعد أن أثارت هذه الهبة جدلا سياسيا لدى الأحزاب السياسية التي اعتبرتها “رشوة أوروبية لتوطين اللاجئين السوريين ومنع تدفقهم إلى أوربا”

الابتزاز الأسدي

يعمل نظام الأسد على ابتزاز لبنان للقبول باستقبال السوريين العائدين إلى الوطن ورغم عدة زيارات قام بها مسؤولون لبنانيون للتباحث حول عودة اللاجئين لم يتم التوصل إلى أي اتفاق بسبب النظام السوري الذي يضع شروطا لعودتهم، منها رفع العقوبات الأمريكية المفروضة عليه بموجب “قانون قيصر”، كما يبرر عدم مقدرته لاستقبالهم قبل إعادة الإعمار (بسبب الدمار الذي قامت به قواته وميليشياته)، إضافة إلى مطالبته بانسحاب القوات الأجنبية من سوريا (ويقصد به القوات الأمريكية والتركية)، ويقف لبنان بين شروط الأسد، والرفض الأوروبي الأمريكي لرفع العقوبات وإعادة الإعمار ما لم يرضخ الأسد للقبول بحل سياسي على أساس القرار الدولي رقم 2254، وهذا ما يزيد من معاناة اللاجئين.

كاتب سوري

—————————-

في مسألة العودة إلى سوريا/ رشا عمران

2024.05.28

لنتفق أولا أن سوريا هي ملك لأهلها جميعا، وليست ملكية حصرية لا لفئة ولا لطبقة ولا لطائفة ولا لمذهب ولا لدين. ولنتفق أيضا، أن ما تم الإطلاق عليه اسم سوريا المفيدة، هي سوريا الخالية من معظم سكانها، سوريا التي تم تهجير النسبة الكبيرة من أكثريتها لتبقى نسب مكوناتها متساوية إلى حد ما، أسوة بالعراق ولبنان (هل كان التهجير مدروسا وممنهجا كي تتحقق سوريا المفيدة كما يرونها وكي لا تكون هناك أكثرية مذهبية أو دينية متفوقة العدد في بلاد الشام والعراق وفلسطين المحتلة؟).

ولنتفق أيضا أن السفر والهجرة والعودة والتنقل وحرية الحركة هي من حق من حقوق الانسان الذي تكفله كل القوانين البشرية؛ ولنتفق أيضا أن فكرة الاندماج والتأقلم والتعود على العيش في مجتمعات جديدة هي فكرة بقدر ماهي عملية بقدر ما هي مجازية، وأن ثمة درجات لها بحيث لا يمكن تطبيقها على جميع البشر، هناك بشر يمتلكون القدرة علي التخطي والتجاوز والتأقلم والعيش في أي مجتمع يتواجدون فيه متغلبين على كافة المصاعب والعقبات التي تواجههم وعلى رأسها اللغة والثقافة الجديدة؛ وهناك آخرون عاجزون عن ذلك، وفاشلون في خلق أدوات تمكنهم من الاندماج، وغير قادرين على إحداث قطيعة مع الماضي ومسقط الرأس ومكان الطفولة والنشأة واللغة الأم، وغير قادرين أصلا على اعتياد العيش مع مشاعر الحنين أو إخفائها أو التغلب عليها؛ هؤلاء عادة ما يصابون بأعراض اكتئاب حاد يؤدي إلى اضطرابات نفسية شديدة وعزلة وفشل في الإنجاز الاجتماعي أو المهني، وبعضهم قد يتجه نحو الإدمان والانتحار البطيء؛ ولقد سمعنا جميعا خلال السنوات السابقة عن حوادث موت مفاجئة وقعت للعديد من الشباب السوريين كان أغلبها الانتحار أو جرعة زائدة.

    المنطق الطبيعي يقول إننا علينا جميعا البحث عن آليات وضمانات دولية داعمة لعودتنا جميعا والبدء من جديد في النضال من أجل خلاص سوريا بمنظومات فكرية ونضالية جديدة.

“لا معنى لأية هوية تمتلكها في وطن ليس وطنك الحقيقي” هذه الجملة قد تعبر جيدا عن حال كثير من السوريين الذين يعيشون خارج سوريا حاليا، تكمن المشكلة أولا في الثقافة المجتمعية الجديدة التي وجد كثر من السوريين أنفسهم وسطها دون أن يكون لديهم أية فكرة حقيقية مسبقة عن ماهيتها، لديهم مسلمات مروية عن هذه الثقافات لكن الاحتكاك بها كشفها أمامهم وكشف عجزهم عن الانتماء إليها، ما يجعلهم يبحثون عن أي ملجأ ليحتموا به، عن هوية ينتمون إليها خارج وطنهم الأصلي، غالبا ما تكون تلك الهويات ناقصة ومشطورة وسوف تزيد في مكابدات أصحابها مع الاندماج؛ وسوف تزيد من مساحة القلق وفقدان الأمان والضياع في دواخلهم، ما الحل إذا للنجاة وسط كل هذا؟ قد يكون التفكير في العودة إلى سوريا، الوطن الأم، هو الخيار الوحيد أمام من ضاقت به سبل العيش في البلدان الجديدة، وهنا يمكننا الحديث أيضا عمن يعيش بفاقة وشعور بالذل نتيجة حصوله على مساعدات مالية لا تكفيه للعيش بالكفاف، مع عجزه عن التأقلم والاندماج في اللغة وسوق العمل.

أو من يعيش وحيدا في قرية نائية في دولة أوروبية باردة وبدأ شعور العزلة والوحشة ينهش روحه، وأيضا عن أولئك الذين يعيشون في مخيمات مذلة ويتعرضون لخطاب عنصري كاره ومنفر شعبي ورسمية كل هؤلاء قد يشعرون أن العودة إلى سوريا قد تحمل لهم بعض السلام مهما كانت الأوضاع سيئة. علينا هنا أيضا أن نتذكر أن ليس جميع هؤلاء قد خرجوا من سوريا هربا من النظام وخوفا من الاعتقال. كثر لم تكن لهم أية علاقة بالثورة سوى أن القصف طالهم والمعارك طالت حياتهم فهربوا من الموت والحصار، هؤلاء لا يشعرون أن لديهم مشكلة شخصية مع النظام، لذلك قد يرون أن العودة ربما تكون أكثر رأفة بهم مما هم فيه.

ذات يوم قالت لي صديقة مناضلة ومعتقلة عدة مرات ولا يمكن لأي أحد الشك في انتمائها للثورة وما قدمته لها: ( أظن أنني سوف أموت قريبا من الوحشة والاكتئاب ولولا خوفي من التعرض للهجوم والشتائم من قبل الثوار لعدت إلى بيت أهلي في دمشق القديمة على الأقل سأشعر بين جدرانه ببعض الألفة)، سألتها ألا تخاف من عقاب النظام لها، أجابتني بأنها قد تعرضت أكثر مرة للاعتقال وتحملت، وإن كانت عقوبتها الآن الموت فهي تكاد تموت حرفيا من الوحدة؛ صديقتي هذه تعيش في قرية بعيدة جدا عن المدن الرئيسية في السويد وعاجزة عن التأقلم والحياة وحدها وهي في هذه السن. لكم أن تتخيلوا وضع هذه الصديقة التي تخشى من تنمر السوريين (الثوار) عليها لو أعلنت أنها تريد العودة إلى سوريا أكثر من خشيتها من بطش النظام! فهي تعرف جيدا أثر الحملات التي يشنها من يسمون أنفسهم ثوارا، ويعيشون في المجتمعات الأوروبية على من يكتبون على صفحاتهم عن حنينهم وشوقهم للبلد، فما بالكم بمن يفكر بالعودة جديا إليها؟ مع أن المنطق الطبيعي يقول إننا علينا جميعا البحث عن آليات وضمانات دولية داعمة لعودتنا جميعا والبدء من جديد في النضال من أجل خلاص سوريا بمنظومات فكرية ونضالية جديدة، إذ يفترض أن ما يقرب من خمسة عشر عاما قد غيرت فينا الكثير وكشفت أمامنا أخطاءنا وأخطاء الثورة التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه وعليه.

    ترعبني فكرة تخوين كل من يفكر بالعودة إلى سوريا وأكرر لمن ليس من الشخصيات العامة المؤثرة ممن سوف يضطر لدفع ثمن عودته بموافقة من رأس النظام أو باعتذار عن المواقف السابقة.

حسنٌ، دعوني أقول عن نفسي شيئا، أنا شخصيا أرفض العودة إلى سوريا طالما هذا النظام، من رأسه حتى أصغر مسؤول أمني فيه، ما يزال في حكم سوريا، الأمر عندي مسألة مبدأ أولا، ومسألة أنني قادرة على العيش حيث أنا وليس لدي شعور حارق بالحنين تجاه سوريا وأعتبر العودة المجانية لأية شخصية من الشخصيات السورية العامة والمعروفة (شخصيات سياسية وثقافية وفكرية وفنية) هي قبول بشروط النظام وخيانة لكل الشهداء وموافقة على الخراب الذي تسبب به النظام السوري، فأمثالنا لن يعودوا سوى بموافقة شخصية من رأس النظام، شخصيا أرفض أن أضع اسمي ليمنحه قاتل مغفرة وسماحا؛ لكن في حال كانت هناك ضمانات دولية لعودة الجميع دون التعرض للأذى ودون تقديم تنازلات، ومترافقة مع حل سياسي ولو مبدأي أو مؤقت

فيجب علينا جميعا التفكير في ذلك والبدء بالثورة من جديد، لطالما كنت أفكر هكذا ولطالما طلبت سابقا من الأصدقاء في الهيئات السياسية المعارضة قبل سنوات طويلة السعي مع المجتمع الدولي لضمان مثل هذه العودة. وهذا ما لم يحصل أبدا للأسف.

لفتني مؤخرا ما تعرض له الشاب الذي يدعى (الشامي) من شتائم وتهكم بسبب عودته إلى سوريا من قبل سوريي الخارج أو من يسمون أنفسهم ثوارا، والحقيقة لم أفهم سبب الحملة ضده، شاب في مقتبل عمره خرج من سوريا طفلا تقريبا، ليس لديه أي وعي سياسي، استطاع عبر استخدام وسائل الاتصال أن يكون لنفسه جمهورا لصوت أراه متواضعا جدا لكنه يتناسب مع حالة المديوكر السائدة حاليا في عالمنا العربي، وليست لديه أية ميزة أخرى غير الاجتهاد ليصبح نجما، هو لا يفكر لا بثورة ولا بمستقبل جماعي تغييري لسوريا، ماذا سوف تقدم عودته أو تأخر بالنسبة لسورية وثورتها ومستقبلها؟

ترعبني فكرة تخوين كل من يفكر بالعودة إلى سوريا وأكرر لمن ليس من الشخصيات العامة المؤثرة ممن سوف يضطر لدفع ثمن عودته بموافقة من رأس النظام أو باعتذار عن المواقف السابقة.

ترعبني الفكرة لأن فيها حسا سلطويا عقابيا لا يختلف عن آلية تفكير النظام؛ وفيها أيضا تسليم كامل بأن سوريا هي لآل الأسد وأتباعهم وليست لشعبها كله، فيها بيع سوريا لفكرة النظام عنها ولما اشتغل خلال السنوات الماضية ليصل إليه في رؤيته عنها؛ فيها تخلٍّ كما تم التخلي عن الثورة، وفيها استعلاء مبني على الفراغ وتفاخر بثورية لم يعد لها أية مقومات، وفيها تطهرية مواربة وبطريركية تمنح بركاتها لمن ترضى عنه وتمنعها عمن يخالفها. فهل هذا ما أردناه حقا لسوريتنا ولثورتنا معا؟!

تلفزيون سوريا

—————————

تقرير دولي يدعو قادة العالم لحماية السوريين في لبنان

27/05/2024

دعت “منظمة العفو الدولية” (أمنستي) قادة العالم، خاصة دول الاتحاد الأوروبي، إلى حماية اللاجئين السوريين في لبنان، وضمان عدم ترحيلهم قسرياً.

وقالت المنظمة في تقرير لها، اليوم الاثنين، إن الحكومات المانحة في مؤتمر “بروكسل 8” يجب أن تضمن ألا تساهم أي أموال يتم التعهد بها لدعم اللاجئين السوريين في لبنان في انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك الترحيل القسري إلى سورية.

وأضافت: “هناك حاجة ماسة إلى آليات ومراقبة قوية لضمان أن يكون أي تمويل للسلطات اللبنانية لصالح المجتمعات المحتاجة، ولا يساهم في انتهاكات حقوق الإنسان”.

وكانت المفوضية الأوروبية أعلنت في 2 مايو/ أيار الجاري عن حزمة مساعدات بقيمة مليار يورو للبنان، مخصصة جزئياً لدعم الأجهزة الأمنية اللبنانية حتى تتمكن من الحد من الهجرة “غير الشرعية” عبر البحر المتوسط من لبنان إلى أوروبا.

وبعدها بأيام أعلن الأمن العام اللبناني عن إجراءات جديدة شاملة ضد اللاجئين السوريين، بما في ذلك تقييد قدرتهم على الحصول على تصاريح الإقامة والعمل في البلاد، وكثف المداهمات وعمليات الإخلاء الجماعي والاعتقالات والترحيل.

وقالت آية مجذوب، نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، إن الدعم المالي الأوروبي للبنان “شجع السلطات اللبنانية على تكثيف حملتها القاسية التي تستهدف اللاجئين بخطاب الكراهية، والترحيل القسري، والتدابير الخانقة المتعلقة بالإقامة والعمل”.

ودعت مجذوب الدول المشاركة في “بروكسل 8” إلى الضغط على السلطات اللبنانية من أجل الوقف الفوري لحملتها “القمعية غير المسبوقة” ضد اللاجئين السوريين، ورفع الإجراءات التعسفية التي تهدف إلى الضغط عليهم لمغادرة البلاد.

وبدلاً من الترحيل، اقترحت المنظمة زيادة عدد عمليات إعادة التوطين للاجئين السوريين المقيمين في لبنان في الدول الأوروبية.

وبحسب المنظمة، فإن ما لا يقل عن 83% من اللاجئين السوريين لا يحصلون على وضع الإقامة، مما يعني أنهم معرضون لخطر الاعتقال والترحيل.

وجاء في تقريرها أن التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمات حقوق الإنسان، خلصت إلى أن سورية “لا تزال غير آمنة للعودة، وأن اللاجئين معرضون لخطر انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك التعذيب والاضطهاد”.

وبدأ لبنان، قبل أسبوع، بترحيل أول قافلة تضم لاجئين سوريين وعددهم أكثر من 300 شخص، تجمعوا عند معبر نقطة وادي حميد في عرسال على الحدود السورية.

وأثار ذلك ردود فعل منددة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وطالب ناشطون بوقف ترحيل السوريين لما يترتب على ذلك من مخاطر أمنية قد تواجههم عند العودة.

—————————–

==================

تحديث 25 أيار 2024

—————————

سوريون بين اللاحرب واللاسلم/ سميرة المسالمة

20 مايو 2024

مع تصاعد اللهجة الأوروبية ضد اللاجئين، ارتفعت بورصة أسعار مهرّبي البشر، فيما لم تنخفض أسباب الرغبة الجامحة لسوريين كثيرين في البحث عن موطئ قدم خارج الأراضي السورية، بمختلف مرجعياتها وتسمياتها الحاكمة، من أجهزة أمن نظام بشّار الأسد، إلى جهاز الأمن العام لإمارة أبي محمد الجولاني، وصولاً إلى أجهزة الأمن في مناطق قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والمكاتب الأمنية التابعة لمناطق سيطرة “المعارضة المسلحة”. ما يعني أن استمرار حركة اللجوء في مختلف المناطق السورية هو تعبير عن رفض واقع قائم، لم يخفّف من أسبابها حالة “اللاحرب”، التي لا تعني إنهاء الصراع القائم بين الأطراف المتنازعة عسكرياً، كذلك فإنها لم تسحب ذرائع عدوان النظام السوري على مناطق المعارضة، التي أفضت إلى نزوح وتهجير ما يقرب من نصف سكان سورية، منذ بداية الثورة في مارس/ آذار 2011، في “تغريبة” جماعية شكلت واحدةً من أكبر موجات التشرّد في القرن الحديث.

 كذلك إنّ حالة “اللاسلم”، التي يعمل النظام السوري على تأكيدها بين حين وآخر بقصفه المناطق الخارجة عن سلطته، إضافة إلى عودة نموّ قوة تنظيم داعش الإرهابية، وفتحه معارك مع قوات النظام من جهة، والفصائل المحسوبة على المعارضة من جهة مقابلة، في مناطق في وسط سورية، هي ما تجعل من سورية كتلة واحدة ومتفرّقة تحت خطر الحرب مجهولة التوقيت، ومتنوّعة الخصوم والغايات.

ينفي ما تقدّم عن أي مساحة داخل سورية صفة “المنطقة الآمنة”، خصوصاً أن هذا “الأمان” لا يتعلق فقط بالقوى الخارجية التي تلعب الدور الأساسي اليوم في تحديد مصير الصراع السوري، ولكن أيضاً بسبب سلطات الأمن “المحلية” المختلفة في مناطق سورية الأربع، واستمرار نهجها في الاستقواء على المواطنين السوريين، والتغول على حرّياتهم وكرامتهم وملكياتهم الخاصة.

تحديد وزير داخلية النمسا (غيرهارد كارنر النائب عن حزب الشعب الحاكم) مدينة اللاذقية، دون غيرها، “منطقة آمنة يمكن إعادة اللاجئين إليها”، التي يبدو أنه على غرارها بنى ثمانية وزراء دول أوروبية أعضاء في الاتحاد الأوربي دعوتهم إلى “إعادة تقييم الوضع في سورية للسماح بالعودة “الطوعية” للاجئين السوريين إلى وطنهم، حيث إن الوضع، برأيهم، تطور بشكل كبير”، من دون أن يعني ذلك إقرارهم بأنه تحقّق الاستقرار السياسي الكامل.

توجد أسباب عديدة وراء خطأ اعتقاد بعض الدول أن خفوت المعارك في بعض المناطق يعني استعادة النظام السوري نفوذه فيها، فإن كان ذلك صحيحاً في اللاذقية، لجهة شريحة مؤيدي الأسد، فإنه لا يعني، بالضرورة، أنها صارت آمنة للسوريين المعارضين للنظام، كغيرها من المناطق، فعدم الأمان للسوريين ليس محصوراً بوجود الصراع المسلح فقط، وإنما لأسباب داخلية تتعلق بممارسات النظام السوري، وتغوّل أجهزته الأمنية على السوريين وحرّياتهم وأملاكهم، بكل انتماءاتهم الطائفية من دون تمييز، في كل المدن السورية، واللاذقية منها.

أيضاً، يجب ألا ننسى أن عوامل خارجية تتحكّم في الصراع في هذه المنطقة، منها تغيّر الدور التركي في الصراع، والحديث عن عقد تسوية مع النظام السوري، وهو ما تعمل عليه الوساطة الروسية، ما يعني أن المنطقة حالياً تعيش حالة جمود الصراع فقط، وإذا لم تتمدّد بين الجانبين، أو تتطوّر، باتجاه تطبيع العلاقات، فإن أي هدوء بين الفصائل المعارضة في الساحل، وقوات النظام، هو هدوء نسبي، وقابل للتغيير. ولا يمنع ذلك كله من القول إن اضطراب الموقف التركي إزاء قضية اللاجئين السوريين، واستخدام حكومتها ومعارضتها، اللاجئين ورقة انتخابية حيناً، وورقة لابتزاز أوروبا في أحايين أخرى، هو ما مهّد الطريق لدول وساسة آخرين وأحزاب سياسية، ومسلحة، منهم لبنانيون، في استخدام الأساليب نفسها لابتزاز أوروبا من جهة، والضغط على خصومهم السياسيين من جهة مقابلة، أو لترويج نظام الأسد بغرض التطبيع معه من جهة ثالثة. 

كما أن تصعيد قضية اللاجئين السوريين وإعادتهم إلى سورية، والتهديد بهذا الحلّ التعسفي، من بعض الدول، مبني على الرهانات أو الفرضيات الخاطئة، وأولها الرهان على تغير الموقف الأميركي من الصراع في سورية، والتفاته إلى الحرب الروسية على أوكرانيا، والرهان على عدم قدرة الدول الأوروبية على تحمّل ثقل اللاجئين بعد تدفق اللاجئين الأوكرانيين عليها، ما يجعل من “طبخة” المقايضة التي ترجوها بعض الدول بموضوع اللاجئين مقابل قبول التطبيع مع النظام السوري مجرّد “طبخة بحص”، لأن لقضية اللاجئين أبعاداً سياسية وأمنية واجتماعية، وما لم يتوافر الحل لها جميعها، ستبقى قائمة، وتزداد مع تزايد انهيار الدولة السورية بمفهومها ومهماتها الدستورية.

أما بخصوص تلك الأبعاد، فهي، أولاً، في البعد السياسي، ما زالت الأسباب السياسية لولادة قضية اللاجئين السوريين على حالها، والعودة بهذا المعنى غير ممكنة، وهي مجرّد غطاء لتعويم نظام الأسد وتبييض صفحته، وهو ممكن، لكنه مشروط بقرار مجلس الأمن 2254. ولم يحدُث أن استبعدته أيٌّ من الدول العربية، وهو ما أكّده البيان الختامي للقمّة العربية في المنامة، وبيان قبرص للدول الثماني الأوروبية، وهو القرار الذي تبني عليه الولايات المتحدة رؤيتها للحل في سورية.

ثانياً، البعد الأمني، فسورية اليوم تقع تحت هيمنة قوى “مليشياوية لا دولتية”، في المناطق التي تقع شكلياً تحت هيمنة النظام، أو خارجها، فضلاً عن وجود جيوش لدول أخرى، مثل تركيا وإيران وروسيا والولايات المتحدة وإسرائيل (الجولان)، أي إن شرط الاستقرار الأمني غير متوافر إطلاقاً، فسورية ما زالت بمثابة ساحة للصراع والاقتتال والنزاع على السلطة.

ثالثاً، البعد الاجتماعي، إذ إن الانهيار الاقتصادي في البلد وانتشار الفقر والتضخم الهائل لا تسمح بتمكين اللاجئين الذين فقدوا كل شيء، منازلهم وأعمالهم وحتى مدنهم، من العودة والاستقرار.

وفي المحصلة، تحتاج عودة اللاجئين السوريين موقفاً أو إجماعاً دولياً في هذا الشأن، ضمانة لهم، وشرطاً للتطبيع السياسي، وهو أمر لم يحسم في أي اتجاه، بدلالة الشروط الأميركية التي لم تتغيّر، وهي بحسبها يفترض أن تأتي “بقرار مستنير لهم، وبشكل آمن وطوعي، وبنحو يحفظ كرامتهم”.

العربي الجديد

—————————–

صعيد أزمة اللاجئين السوريين في لبنان: الدوافع والمآلات

2024.05.18

مركز حرمون للدراسات المعاصرة

يعاني اللاجئون السوريون في لبنان، منذ سنوات، تداعيات حملة تحريض واسعة النطاق، تصاعدت حدّتها بعد الأزمة الاقتصادية التي يعانيها لبنان منذ عام 2019، إذ انخرطت فيها قوًى سياسية طالما باعدت بينها الخلافات الداخلية، حيث تلاقَت تلك القوى عند دائرة التحريض ضدّ وجود السوريين في لبنان، وأجمعت على تحميل اللاجئين السوريين المسؤوليةَ عن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة التي يعانيها لبنان، وقد ضخّمت خطَر وجود اللاجئين السوريين في الأراضي اللبنانية، حتى إنها عدّته خطرًا وجوديًا يُهدد التوازن القلق للتركيبة الطائفية للبنان ومستقبله. وأدّت عمليات التحريض إلى فرض إجراءات قاسية وعمليات تضييق على السوريين في مختلف قطاعات الحياة، بغية إجبارهم على الخروج من لبنان.

من جانب آخر، لا يمكن إنكار أن حجم اللجوء السوري الكبير في لبنان، قياسًا بعدد سكانه، أرخى بثقله على كاهل بلدٍ متهالك منهَك بأزماته، غير أن الدوافع التي تحرّك القوى اللبنانية حيال اللجوء السوري وتضخّم خطره هي دوافع سياسية بالدرجة الأولى، وينبغي للدولة اللبنانية أن تعالج هذه المشكلة في ضوء القوانين والمعاهدات الدولية، حيث إن لجوء السوريين إلى لبنان لم يكن ترفًا، إنما كان فِرارًا من الموت الذي نشرته حرب النظام على الشعب السوري، بعدما سلكَ سبيل الحلّ العسكري لمواجهة التظاهرات والمدن الثائرة، واستجلب من أجل إتمام ذلك ميليشياتٍ خارجية مقاتلة، منها “حزب الله” اللبناني.

ومما يساعد في استمرار أزمة اللجوء السوري تعثّرُ خطى الحلّ السياسي الذي رسمته القرارات الأممية ذات الصلة، وأهمّها القرار 2254 لعام 2015، وذلك بسبب غياب التوافق بين الدول المتدخلة في الصراع السوري، ورفض النظام السوري الدخول في أيَّ طريق يُفضي إلى حلّ. ومن ثم فإن غياب الحل السياسي، يجعل عودة اللاجئين السوريين غير آمنة ومليئة بالمخاطر، ويشهد على ذلك مصير الأعداد القليلة التي عادت أو أُعيدت قسرًا، بين عامَي 2017-2022، وأعدادهم لم تتجاوز المئات، حيث إن بعضهم تعرّض للاعتقال والإخفاء والتعذيب[1]

التحديات التي يواجهها اللاجئون السوريون في لبنان

يعيش السوريون في لبنان تحديات عدة، من أهمّها:

     الوضع القانوني: هناك أزمة بتوصيف الوضع القانوني للسوريين، حيث تسميهم السلطات اللبنانية “نازحين” أو “نازحين اقتصاديين” أحيانًا، وفي المقابل تصفهم بـ “اللاجئين” عند التفاوض مع الدول والمؤسسات الدولية. لذلك، هي تعتبر السوريين نازحين لا لاجئين، وأن عليهم العودة إلى ما تسميها “مناطق آمنة”، ويُقدر عدد المخيمات بنحو 3100 مخيم عشوائي في البقاع والشمال، فيما يقدّر عدد مجمل السوريين في لبنان بنحو مليونين، 800 ألف شخص منهم هم لاجئون رسميًا[2]

، وهذه أعلى نسبة لعدد اللاجئين مقارنة بعدد سكان الدولة المضيفة، ويفتقر قسم منهم إلى التصاريح القانونية للإقامة، ما يعرضهم للترحيل وللعمل بشكل غير رسمي، إضافة إلى الصعوبة في تسجيل أبنائهم في المدارس[3]، وترافق ذلك مع إغلاق أكثر من 500 مؤسسة للسوريين، إضافة إلى اعتقال المئات في 12 أيار/ مايو 2024[4]

، وهناك عدد من السوريين يقدر بـ 600-800 ألف كان يقيم بلبنان من قبل عام 2011.

العنصرية والتهديدات الأمنية: حيث تشهد مخيمات السوريين في لبنان هجمات متكررة، وقد أُحرقت عشرات من خيام اللاجئين في مناطق عدة من لبنان، منها ما حصل الشهر الماضي في منطقة البقاع، حيث أحرقت 50 خيمة للاجئين، بعد أيام من دخول الأمن اللبناني إليها وإبلاغ قاطنيها بإخلائها[5]

، هذا بالإضافة إلى العنصرية بالتعامل مع السوريين في أغلب المناطق اللبنانية، فضلًا عن تصريحات وممارسات الحكومة اللبنانية التي تسنّ قوانين للحد من دخول السوريين إلى لبنان[6]

.

الترحيل القسري: تستند السلطات اللبنانية إلى قرار صدر عام 2019 لترحيل السوريين الذين لا يملكون أوراق إقامة شرعية، وتزايدت حملات الترحيل والاعتقال بعد ذلك، ففي عام 2023، تم توثيق 1080 حالة اعتقال تعسفي، و763 حالة ترحيل قسري إلى سورية[7]

. وكانت عمليات الترحيل تتم بالتنسيق مع النظام السوري [8]، وبدأ الحديث عن خطة لتفكيك مخيمات السوريين[9]

.

التحدي الاقتصادي: حيث يعاني لبنان عمومًا أزمة اقتصادية خانقة انعكست سلبًا على حياة اللبنانيين والسوريين أيضًا، إذ انخفضت الأجور وقلّت فرص العمل. وإضافة إلى ذلك، أصدر وزير العدل اللبناني قرارًا يقضي بتحديد مجموعة من المهن (الأعمال الإدارية والمصرفية والتأمينية والتربوية على اختلاف أنواعها) وحصرها باللبنانيين، ما يعني منعها عن السوريين، لكنه سمح لهم بالعمل في قطاعات الزراعة والنظافة والبناء[10]

.

الاستغلال السياسي: وذلك من خلال تصريحات من أحزاب وشخصيات سياسية، بعضها معارض للنظام السوري، مثل رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، الذي رأى في وجود السوريين خطرًا وجوديًا[11]

، وقال إن 40% من اللاجئين السوريين هم لاجئون غير شرعيين[12]. والمواقف الحكومية الرسمية لا تقل سلبية عن تصريحات ومواقف الساسة اللبنانيين، بدءًا ببعض البلديات التي تقيد استئجار البيوت من قبل سوريين[13] أو تفرض عليهم حظر التجول[14] وغيرها من الإجراءات التضييقية. وقد حذّر وزير الصناعة في حكومة تصريف الأعمال، جورج بوشكيان، من توظيف السوريين غير المسجلين[15]، وكذلك صرّح وزير الداخلية إذ دعا إلى الحدّ من الوجود السوري[16]، وقال رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، في سياق كشفه عن مساعدة مالية من الاتحاد الأوروبي قدرها مليار يورو، موزعة على أربع سنوات للمساهمة في دعم استقرار لبنان والحدّ من الهجرة غير الشرعية من لبنان: “إنّ الاتحاد الأوروبي أقر قوانين جديدة تتعلق بالنازحين السوريين، وستقوم الدولة اللبنانية بترحيل أي سوري يقيم بطريقة غير شرعية، وستطبق القوانين اللبنانية على أراضيها، وقد طلبنا من الاتحاد الأوروبي أن يقرّ بأن هناك مناطق آمنة في سورية”[17]

    . ويضاف إلى ذلك تضارب الأرقام التي يعلنها المسؤولون اللبنانيون بأنهم أنفقوها على السوريين.

كل تلك التحديات التي يعيشها السوريون أدت إلى ازدياد التوتر بين السوريين وارتفاع حالات الانتحار بينهم، حيث سجلت في الفترة الأخيرة أكثر من 6 حالات انتحار[18]

، وكذلك يزداد عدد السوريين الذين يستخدمون مراكب الموت للهجرة من لبنان إلى أوروبا، إذ قدّر عددهم بنحو 3 آلاف سوري، في كانون الثاني/ يناير الماضي وحده، بينما قدر العدد في العام الماضي كله بنحو 4500 سوري[19]

    التصعيد الأخير تجاه السوريين:

تصاعدت تدريجيًا الحملة المعادية للاجئين السوريين، منذ أن بدأ الانهيار الاقتصادي المتسارع في لبنان عام 2019، لكن الحدث الأبرز الذي فاقم الأمور ووسّع من الحملة ضدهم، وأدخل قضية اللاجئين السوريين بازار المزايدة السياسية بين القوى اللبنانية، هو حادثة مقتل باسكال سليمان، منسق حزب القوات اللبنانية في بنت جبيل بالجنوب اللبناني، على يد اثنين من السوريين، قتلاه وحاولا نقل جثته إلى الأراضي السورية، كما زعمت الرواية الرسمية، وقد ضبطهما الجيش اللبناني على الحدود السورية اللبنانية في 8 نيسان/ أبريل 2024. ومع الترجيح بأن السيد سمير جعجع لا تفوته التفاصيل الحقيقية لهذا الحدث، ولا الدوافع لمقتل شخص في منطقة يسيطر عليها “حزب الله”، فقد فضّل على ما يبدو الانخراط بقوة في حملة التحريض على السوريين، تجنبًا للصدام مع حزب الله في هذه المرحلة، ولكي يتناغم مع المناخ المسيحي الماروني، ومع البطرك بشارة الراعي، الذي بات يقلقه الخوف من انقلاب الموازين الديموغرافية في التركيبة اللبنانية[20]

، فانبرى في خطابٍ أمام جمهوره للهجوم على اللاجئين في لغةٍ لم تكن متوقعة منه، وهو المعارض الأشرس للنظام السوري، فاتهم اللاجئين بقابلية الارتزاق[21]

، داعيًا إلى ترحيل غير المسجلين باعتبار ذلك قرارًا سياديًا، وعارضًا استعداد حزبه لمساعدة البلديات التي لا تملك عددًا كافيًا من الشرطة، لتنفيذ إجراءاتها التضييقية بحق السوريين.

من ناحية أخرى، استثمر حسن نصر الله، وهو أحد المتسببين في أزمة اللجوء السوري، هذه القضية ليطالب برفع العقوبات عن النظام السوري وإلغاء قانون قيصر[22]

، فهو يريد إلغاء العقوبات على النظام السوري وإعادة تأهيله ودعمه حتى يعيد اللاجئين.

وفي قراءة توقيت التصعيد الأخير في ملف اللاجئين السوريين، نستطيع أن نربطه مع حالة الترقب لمؤتمر بروكسل الثامن الذي سيُعقد بعد أيام، تحت عنوان دعم مستقبل سورية ودول المنطقة، وبطبيعة الحال، تستفيد الدول المجاورة لسورية التي تستضيف لاجئين سوريين، من تعهدات هذا المؤتمر، وقد حصل لبنان من قبل على مساهمات من تعهدات مؤتمرات بروكسل السابقة، وكانت تقدر بنحو 1.5 مليار دولار لكل عام تقريبًا، غير أنها انخفضت في العام الأخير لتصل إلى 800 مليون دولار فقط[23]

. ويمكن قراءة هذا التصعيد أيضًا عبر ربطه بمحاولات النظام وعدد من الدول العربية، ومنها لبنان، إعادة تعويمه دوليًا وتسهيل التطبيع معه، بذرائع عدة منها ملف اللاجئين، فقد قام رئيس وزراء لبنان نجيب ميقاتي بزيارة إلى فرنسا في نيسان/ أبريل الماضي، كان الملفّ اللاجئين السوريين حاضرًا فيها بشكل لافت، حيث اقترح على فرنسا إعلان مناطق آمنة في سورية لإعادة اللاجئين إليها[24]

استأنف لبنان حملة الإعادة القسرية للسوريين خلال الأيام الماضية، حيث عبرت دفعة من 330 من السوريين عبر معبري الزمراني بريف دمشق، وجوسيه بريف حمص. وتدّعي السلطات اللبنانية أن هؤلاء سجلوا أسماءهم لدى مراكز الأمن العام لتأمين عودتهم لوطنهم، وأن هذه الحملة ستكون بداية لحملة مستمرة لإعادة السوريين المقيمين في لبنان بصورة شرعية وغير شرعية لبلدهم.

وتقوم السلطات اللبنانية بهذا على الرغم من كل التحذيرات التي أطلقتها العديد من المنظمات الحقوقية ومنها لجنة التحقيق الدولية المستقلة التي أشارت إلى أن سورية ما تزال غير آمنة للعودة، وأنها وثّقت العديد من حالات التعذيب والإخفاء والاعتقال وغيرها لمن عادوا قبل ذلك، وأن هذه الإعادة تعرّض حياتهم للخطر، وخاصة أنهم يُرحّلون قسرًا بعد سلسلة من إجراءات التضييق عليهم، فقرار العودة ناجم عن الضغوط الكبيرة على السوريين، وإن كان بعضهم اتخذه فعليًا.

وفي جلسة مجلس النواب اللبناني، يوم 15 أيار/ مايو 2024، التي كانت مخصصة لمناقشة ملف اللاجئين السوريين والمساعدات الأوروبية (مليار يورو) المخصصة للبنان على مدى أربع سنوات لمساعدة لبنان على ضبط الحدود، أقرّ المجلس تشكيل لجنة وزارية برئاسة رئيس الحكومة والوزراء المختصين وقيادة الجيش والأمن العام والأمن الداخلي وأمن الدولة، مهمتها التواصل والمتابعة مع الجهات الدولية والإقليمية، وحكومة النظام السوري، لوضع برنامج زمني لإعادة النازحين الذين وصلوا إلى البلاد بطريقة غير شرعية، باستثناء الحالات التي تحددها اللجنة، وشدّد المجلس على ضرورة ضبط الحدود، وحصر الدخول بالمعابر الشرعية. وتكمن الخطورة في هذا القرار في أنه يعطي صلاحيات تحديد الحالات التي لا يتم ترحيلها للجنةٍ وزاريةٍ بها قوى حليفة للنظام السوري، بدلًا من منظمة دولية، كمفوضية شؤون اللاجئين والأمم المتحدة.

    موقف الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة والدول المانحة

تلعب الأمم المتحدة من خلال المفوضية السامية لشؤون اللاجئين دورًا مهمًا في مساعدة المجتمعات المضيفة في لبنان على مواجهة الأعباء التي يتركها حجم اللجوء السوري، من خلال تقديم خطط استجابة، منها على سبيل المثال خطة منظمة العمل الدولية للاستجابة للأعوام 2017-2020، التي أقرت دعم اللاجئين والمجتمعات المحلية المضيفة، وقد حذرت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وشركاؤها، في خطة استجابة عام 2024، من خذلان اللاجئين نتيجة انخفاض نسبة تمويل خطة الاستجابة الإقليمية من 60% بين عامي 2015 – 2018، إلى 40% بين عامي 2020 – 2022، ثم إلى 30% عام 2023 [25]

. وحتى 31 آذار/ مارس 2024، انخفضت نسبة التمويل إلى 15% فقط، وأوقف إعطاء المساعدات النقدية والغذائية المقدمة من المفوضية وبرنامج الأغذية العالمي، عن 88 ألف عائلة لاجئة في لبنان، أي بنسبة 32% من عدد العائلات المستفيدة، مقارنة بالعام 2023[26]

، وسيُوقف مزيد من المساعدات ابتداءً من أيار/ مايو 2024.

ومن جانب آخر، تعمل الأمم المتحدة مع الحكومة اللبنانية على تبادل بيانات اللاجئين السوريين[27]

، وهذا ما يشكل مخاوف لديهم، بسبب احتمال استخدام النظام السوري هذه البيانات ضدهم، وتسهم كذلك بإعادة توطينهم، حيث إن هناك 9 آلاف طلب سنويًا لسوريين لتوطينهم في بلد ثالث[28]

، وتقدر نسبة الذين أعيد توطينهم بـ 10-15% من المسجلين كلاجئين في لبنان.

أما الاتحاد الأوربي، وهو أكبر الشركاء والداعمين الدوليين، الذي يقلقه وضع لبنان غير المستقر، فيبدو أن القلق الأكبر الذي يشغله هو خطر تدفق اللاجئين السوريين عبر البحر المتوسط إلى أوروبا، إما هربًا من التضييق الذي يعانونه، أو نتيجة عملية ابتزاز تمارسها أطراف لبنانية، لاستجلاب مزيد من المساعدات عبر التهديد بإغراق أوروبا بقوارب اللجوء السوري من لبنان، كما هدد حسن نصرالله[29]

، وربما يضمر ذلك سواه من الساسة اللبنانيين، لذلك يضطر إلى تقديم المزيد، وقد تعهد بعد التصعيد الأخير بتقديم 1 مليار يورو لمساعدة لبنان، وبحسب تصريحات رئيسة المفوضية الأوروبية، دير لاين، فإن هذه المساعدات من أجل دعم استقرار لبنان، ومكافحة عمليات تهريب اللاجئين عبر السواحل نحو أوروبا، أكثر من كونها مساعدة للاجئين أنفسهم أو مساعدة المجتمعات المضيفة لهم[30]

.

    مستقبل اللاجئين السوريين في لبنان

نتيجة تفاقم معاناة اللاجئين السوريين في لبنان وانتشار خطاب الكراهية، في ظلّ انعدام الحلّ السياسي ورفض النظام التجاوب مع الدعوات الدولية للدخول في حلّ سياسي وتوفير بيئةٍ تضمن عودة آمنة للّاجئين إلى مناطقهم الأصلية؛ يبدو أن أزمة اللاجئين في لبنان ستزداد تفاقمًا، لأن أساس المشكلة هو النظام السوري، ولا يمكن حلّها بوجوده. فقد تقوم الحكومة اللبنانية بملاحقة من لا يملكون إقامات رسمية لترحيلهم، بدعوى وجودهم غير الشرعي، غير أن عجز الحكومة عن ضبط حدودها، وعمليات التهريب التي يستفيد منها “حزب الله”، سيجعل هذا الإجراء بغير جدوى.

وفي الوقت نفسه، تقوم الحكومة اللبنانية باستثمار قضية اللاجئين السوريين على أكثر من صعيد، فمن جهة تستخدمهم مادة إعلامية لتعلّق عليها فشلها الاقتصادي والإداري، ومن جهة أخرى، تحاول استخدامهم للحصول على مزيد من الدعم الأوروبي للبنان، وللوصول إلى أهداف سياسية تتمثل في محاولات إقناع الدول الأوروبية بضرورة الاعتراف بالنظام السوري والتطبيع معه، بذريعة هجرة السوريين غير الشرعية إلى أوروبا. فالحكومة اللبنانية، ولكل القوى السياسية فيها علاقة جيدة مع النظام السوري، تريد أن يبقى ملف السوريين مفتوحًا، من خلال عدم تنظيمه، والتمييز بين اللاجئين والمقيمين والنازحين بدون أوراق، واللاجئين السياسيين، والنازحين لأسباب اقتصادية، وستظلّ تُلقي على السوريين مسؤولية الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها لبنان، لكن من المتوقع أن الإجراءات التي ستقوم بها الحكومة اللبنانية ستبقى محدودة للحفاظ على علاقتها مع مفوضية اللاجئين، فاللاجئون مصدر رزق للحكومة اللبنانية، لذلك لن تصعد بهذا الملف لدرجة تقطع به المساعدات التي يحصل عليها لبنان.

في ظل استعصاء الحل في سورية، وتنامي التحريض على اللاجئين، هناك خشية حقيقية من تحول إجراءات بعض البلديات ودعوات الأمن الذاتي، التي تبث على وسائل التواصل الاجتماعي، وبعض وسائل الإعلام اللبناني، إلى انزلاق لبنان نحو الفوضى والفلتان الأمني الذي سيكون السوريون أول ضحاياه، والأخطر أن يُستجروا كلًا أو جزءًا للانخراط في مثل هذا السيناريو بدعوى الدفاع عن النفس. وإن جهود دعم مكافحة هجرة السوريين غير الشرعية نحو أوروبا لا تكون بتشديد الإجراءات وما يرافقها من الاعتقالات التعسفية والترحيل، فذلك لن يقدّم إلا مزيدًا من الفوضى والمشكلات الاجتماعية، إنما تكون عبر معالجة أسبابها الرئيسية أو دعم اللاجئين والمجتمعات المضيفة حتى تحقيق حلّ سياسي يتوافق مع رغبات السوريين والقرارات الأممية ذات الصلة.

من جانب آخر، يريد النظام السوري استخدام هذه الورقة سياسيًا أيضًا، لأن الضغط على اللاجئين في لبنان ودول اللجوء الأخرى سيدفع بعضهم للعودة إلى النظام، وسيُجبر الدول على التواصل وتطبيع العلاقات معه. وفي الوقت نفسه، هناك تقصير من مؤسسات المعارضة السورية الرسمية في التعامل مع هذا الملف، وتكتفي بالتصريحات فقط، دون بذل أي جهد من الممكن أن ينعكس إيجابًا على السوريين في لبنان. وهناك مسؤولية على المؤسسات الدولية، ولا سيما على مفوضية اللاجئين في رعاية اللاجئين السوريين في لبنان، في متابعة أوضاع المعتقلين منهم في سجن رومية، وتمييز اللاجئين السياسيين أو المعرّضين للخطر في حال عودتهم، وتسهيل إعادة توطينهم في بلد ثالث، وأن يعودوا إلى مناطقهم الأصلية بإشراف دولي، في حال اضطرارهم إلى ذلك.

[1]

 تقرير حقوقي: النظام السوري اعتقل في 2023 مئات العائدين إلى مناطقهم، الجزيرة نت، 2 كانون الثاني/ يناير 2024، شوهد في 13 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/ugfBlwzT

[2]

 الاستجابة الإقليمية للاجئين السوريين، بوابة البيانات التشغيلية، شوهد في 14 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/NkLi4rKD

[3]

 تحت مجهر الإنسانية تحديات السوريين في لبنان وقبرص وأوروبا، ونداء للعدالة والإنسانية، الرابطة السورية لكرامة المواطن، شوهد في 14 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/qVEnrZgz

[4]

 الأمن اللبناني يغلق أكثر من 500 مؤسسة للسوريين ويرحّل المئات، تلفزيون سوريا، 12 أيار/ مايو 2024، شوهد في 13 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/wycvyT0n

[5]

 بعد الإبلاغ بإخلائها.. حريق يلتهم 50 خيمة للاجئين السوريين في لبنان | فيديو، تلفزيون سوريا، 22 نيسان/ إبريل 2024، شوهد في 13 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/cgehcBCy

[6]

 تنظيم دخول وإقامة السوريين، المديرية العامة للأمن العام اللبناني، شوهد في 13 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/igKdXx8d

[7]

 ماذا بعد ترحيل اللاجئين قسرًا من لبنان؟ مركز وصول لحقوق الإنسان (ACHR)، 29 كانون الثاني/ يناير 2024، شوهد في 14 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/95KD84yD

 ؛ لبنان: تصاعد القمع ضد السوريين الترحيل غير القانوني والاحتجاز وسوء المعاملة، هيومن رايتس ووتش، 25 نيسان/ أبريل 2024، شوهد في 13 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/NCiB22kE

[8]

 الحكومة اللبنانية تعلن استئناف خطة إعادة اللاجئين السوريين بالتنسيق مع النظام، تلفزيون سوريا، 13 أيار/ مايو 2024، شوهد في 13 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/qac5ATrg

[9]

 “الحكومة اللبنانية تبحث إمكانية تفكيك مخيمات النازحين تمهيدًا لترحيلهم إلى سوريا”، 06 نيوز، 12 تشرين الثاني/ نوفمبر2023، شوهد في 13 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/MprlYYDI

[10]

 وزير العمل يصدر قرارًا بالمهن المحصورة باللبنانيين، 16 كانون الأول/ ديسمبر 2014، شوهد في 13 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/rN36ufx6

[11]

 سمير جعجع: علاقتنا مع النظام السوري كانت وما تزال سيئة ومسألة اللجوء خطر وجودي، تلفزيون سوريا، 19 نيسان/ أبريل 2024، شوهد في 13 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/YqOglb0k

[12]

 جعجع: 40% من السوريين في لبنان “لاجئون غير شرعيين”، موقع عنب بلدي، 19 نيسان/ أبريل 2024، شوهد في 13 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/Mf3Iu6Oo

[13]

 السوريون في لبنان يواجهون موجة جديدة من العداء: اعتداءات ومطالبات بالرحيل، موقع العربي، 12 أيار/ مايو 2024، شوهد في 13 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/G5PObeqB

[14]

 “ممنوع تجول السوريين ليلًا”.. قرار بلدية لبنانية يثير اتهامات بالعنصرية، تلفزيون العربي، 2 حزيران/ يونيو 2023، شوهد في 13 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/AcMpRBww

[15]

لبنان يحذر من توظيف سوريين في المصانع دون أوراق قانونية، موقع عنب بلدي، 19 أيلول/ سبتمبر 2023، شوهد في 14 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/eO9ysx2o

[16]

 وزير الداخلية اللبناني يدعو للحد من وجود السوريين، موقع عنب بلدي، 9 أيار/ مايو 2024، شوهد في 13 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/ngwFJW6c

[17]

 النهار: “رشوة” أوروبية أم مقاربة جديدة للنازحين، الوكالة الوطنية للإعلام، 3 أيار/ مايو 2024، شوهد في 7 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/Deu18RV4

[18]

 سوري يحاول إنهاء حياته بمبيد حشري بعد ساعات من انتحار آخر في لبنان، تلفزيون سوريا، 12 أيار/ مايو 2024، شوهد في 13/ أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/jf8kLlEv

[19]

 عدد السوريين المغادرين لبنان بارتفاع.. منظمة الهجرة تحذر، موقع العربية، 1 أيار/ مايو 2024، شوهد في 13 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/rZ6r7XQ7

[20]

 المطارنة الموارنة يرفضون «الرغبة الدولية» بإبقاء اللاجئين السوريين في لبنان، صحيفة الشرق الأوسط، 1 أيار/ مايو 2024، شوهد في 7 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/LKElK2cy

[21]

 عمر قدور، الى السيد سمير جعجع: قبل ان تصبح لاجئًا، موقع المدن، 23 نيسان/ أبريل 2024، شوهد في 7 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/eKcOh2KF

[22]

 نصر الله: يجب إلغاء “قيصر” حتى يبقى لبنان.. تحذيرات بشأن النازحين السوريين، عربي 21، 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، شوهد في 7 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/x8YXTco7

[23]

 التتبع المالي بعد مؤتمر بروكسل – التقرير الرابع عشر (مايو 2023)، موقع الخدمة الدبلوماسية للاتحاد الأوروبي، 16 حزيران/ يونيو 2023، شوهد في 13 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/Y051YUet

[24]

 نجيب ميقاتي يقترح على فرنسا إعلان “مناطق آمنة” في سوريا لتسهيل إعادة اللاجئين، تلفزيون سوريا، 20 نيسان/ أبريل 2024، شوهد في 13 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/MP9JXr1L

[25]

 أحدث خطة للاستجابة الإقليمية تحذر من تزايد احتياجات اللاجئين السوريين والمجتمعات المضيفة مع انخفاض الموارد، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 6 آذار/ مارس 2024، شوهد في 13 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/cTFKLhh4

[26]

 ممثل المفوضية ل المدن: عودة اللاجئين السوريين صعبة وطويلة الأمد، موقع المدن، 14 أيار/ مايو 2024، شوهد بتاريخ 16 أيار/ مايو 2024 في الرابط: https://bit.ly/4alOdU0

[27]

 بيان بشأن اتفاقية تبادل البيانات، المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان، 8 آب/ أغسطس 2023، شوهد في 13 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/Nctv8gh6

[28]

 ممثل المفوضية ل المدن: عودة اللاجئين السوريين صعبة وطويلة الأمد، موقع المدن، 14 أيار/ مايو 2024، شوهد بتاريخ 16 أيار/ مايو 2024 في الرابط: https://bit.ly/4alOdU0

[29]

 انتقادات لتهديد “حزب الله” بإغراق أوروبا باللاجئين السوريين، عربي إندبندنت، 4 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، شوهد في 13 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/81sADOV6

[30]

 مليار يورو من الاتحاد الأوروبي لاحتواء قوارب اللاجئين من لبنان… دون حل أزمتهم، صحيفة الشرق الأوسط، 1 أيار/ مايو 2024، شوهد في 13 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/D4GAzPSK

مركو حرمون

———————————-

من سيرة الموت السوري/ رشا عمران

17 مايو 2024

لا يكاد يمرّ يومٌ من دون أن أسمع خبرَ موتِ صديقٍ أو شخصٍ أعرفه، أو أعرفُ أحداً من معارفه أو أسرته، وكأنّ الموت لا يريد أن يتوقّف، ولو لبرهة قصيرة، ليستريح ويريح قلوب السوريين من هذه المكابدات الطويلة، واللافتُ أنّ نسبةً كبيرةً من الراحلين هم من الشباب ومتوسّطي السنّ، أي من لم يصلوا إلى السبعين من أعمارهم، وهي سنٌّ لم يعد أصحابها يُعتبَرون مسنين كما كان سابقاً، إذ تغيّرت مفاهيم المراحل العمرية في عصرنا هذا، بسبب ارتفاع متوسّط الأعمار عالمياً، نتيجة تغيّر الوعي الصحي في المستوييْن الفردي والعام. ورغم ذلك، فإنّ أكثر من تخسرهم سورية حالياً هم من هذه الفئات العمرية المُمتدّة المتوسّطة، وهو ما ينطبق على سوريي الداخل والخارج معاً، لا سيما الذكور، فنسبة الذكور الذين يغادرون عالمنا تتفوّق على نسبة الإناث، وهذا بدأ مع الثورة السورية، والحرب التي تلتها، شأن كلّ الحروب في العالم، حيث تكون النسبة الأكبر من ضحاياها من الرجال.

ثمّة سببان رئيسيان للموت السوري، إذا استثنينا من يموت بسبب القصف أو الحرب، أو التعذيب في المعتقلات أو في جرائم القتل، هما: أمراض القلب والأمراض العضال كالسرطان، والمرضان رغم أنّهما عضويان لكن للعامل النفسي دوراً كبيراً في تشكّلهما لدى المصابين بهما. والعامل النفسي ليس التوتّر فقط، بل هو الحزن أيضاً، واليأس وفقدان الأمل، والخوف من المُقبل، وعدم القدرة على التأقلم مع الظرف الراهن، سواء المادي أو الاجتماعي، والعجز أمام التحدّيات الكبيرة في الحياة اليومية، العامّة والخاصّة، والعجز عن تلبية الاحتياجات الشخصية والعائلية، والشعور المرير بالفاقة، الذي يخلّف شعوراً مريراً بالذلّ.

والحال، أنّ لا فرقَ في هذا بين سوريي الداخل والخارج، ففي الداخل، تشتدّ الأزمات المعيشية، وتزداد يوماً بعد يوم، حتّى ليقال إنّ سورية قد وصل فيها خطّ الفقر إلى مستويات بالغة الخطورة، وتنذر بكارثةٍ مجتمعيةٍ كبيرة، يتحدّث بعضهم عن أنّها، أي الكارثة، قد حلّت على السوريين منذ وقت ليس بقريب، وتظهر في التسوّل ومظاهر الجوع وعمالة الأطفال والتسرب من التعليم، وتجارة الرقيق والدعارة، والفارق الطبقي المهول بين أثرياء الحرب وباقي أفراد الشعب، ممن دفعوا الأثمان الباهظة في حرب النظام السافلة ضدّهم، وتظهر أيضاً في إدمان كلّ أنواع المُخدّرات لدى غالبية فئات الشعب، وفي فسادٍ يأكل الأخضر واليابس، تضاف إلى هذا كلّه القبضة الأمنية المروّعة للنظام، والاعتقالات المتواصلة لأيّ معترض على أي شيء؛ ما يجعل من مواجهة هذا كلّه، واحتماله، أمراً عسيراً وشاقّاً يسبب اضطرابات نفسية شديدة تظهر على شكل أمراض فيزيولوجية خطيرة، كأمراض القلب وأزماته المفاجئة، والسرطانات بكلّ أنواعها.

لا يختلف وضع سوريي الخارج كثيراً، ففي المخيمات، في الدول المجاورة، يعاني السوريون معاناة من هم في الداخل نفسها تماماً، تضاف إليها المعاناة من العُنصرية، ويستبدل بالاعتقال الترحيل أو الترهيب بالترحيل القسري إلى مناطق النظام أو إدلب، حيث قد يكون الاعتقال أو الموت في استقبال المُرحّلين قسراً إلى “الوطن” العزيز والغالي. أمّا السوريون في بلدان العالم الأخرى (العالم المُتقدّم)، فمعظمهم يعيشون على مساعدات مراكز العمل الاجتماعية أو يعملون في أعمال لا تتناسب مع خبراتهم أو تحصيلهم العلمي، ويعجزون عن الاندماج في مجتمعاتٍ ذاتِ ثقافةٍ مُختلفة، ويعجزون عن تعلّم لغة المجتمع الجديد، ورغم أنّهم ينعمون بأمان كامل لا يملكه أبداً السوريون الذين يعيشون في بلدان العالم العربي، إلا أنّهم يعانون من اكتئابات طويلة بسبب شعورهم بالعجز عن الاندماج في المجتمع الجديد، وعيش معظمهم في وحدة شديدةٍ، وعزلةٍ سبّبتها، أولاً، سياسة توزيع اللاجئين في المدن والقرى الأوروبية، وثانياً، حاجز اللغة، بوصفه أوّل صدمات المنفى واللجوء، وثالثاً، الظروف الشخصية وتجارب اللجوء المريعة، التي مرّ بها كُثر من اللاجئين، وتركت شروخاً كبيرةً في نفوسهم، تحوّلت عللاً وأمراضاً قاتلة.

تصيبنا أخبار الموت اليومي بالرعب، إذ تجعلنا جميعاً رهن الخوف من مصير مشابه، لأنّ معظمنا يعيش في ظلّ الظروف نفسها، والرعب ليس من الموت في حدّ ذاته، بل مما قبله؛ من المرض والألم، خصوصاً أنّ أكثرنا يعيش وحيداً لا يجد حوله من يعينه في حال احتياجه لذلك، فهل أصبح هذا، أيضاً، قدر السوري في هذا الزمن اللئيم؟

العربي الجديد

————————

“أحبوا أعداءكم، إلا السوريين”… عن شادن التي لم تهادن أحد !

 المفارقة في الحملة ضد شادن هي اتحاد أصوات كانت متفرقة سياسياً، إذ “ناصر” الحملة ضد شادن بعض اللاجئين السوريين، الذين دفعهم الانتماء الديني مع المحرضين، في حين دافع بعض اللبنانيين عن شادن بسبب الانتماء الديني، الانتماء الذين لم يحترموه هم يوماً عندما تعلق الأمر بقضية اللجوء.

اشتدت حملة التحريض ضد الكوميدية اللبنانية شادن، بعد تسريب فيديو من أحد عروضها تسخر فيه من رموز دينية إسلامية، وهذا النوع من الحملات الغوغائية غير غريب عن المنطقة عموماً، جميعنا نذكر ما الذي حصل مع الكوميديان (نور حجار) لسبب مشابه، لكن السؤال دائماً عن سبب توقيت هذه الحملات، التي تأتي كرد فعل لتسريبات لعروض تعود إلى سنة أو أكثر.

 الملفت أن فئة كبيرة من “الجمهور” تبنت موقف اللامبالاة تجاه هذا التحريض و”التكفير”، كنوع من الشراكة في الإدانة الصامتة، أو على الأقل انتظار الثمن الذي قد تدفعه شادن بسبب نكتة!.

تمثلت الحملة على الأرض ببعض المظاهرات قليلة العدد ورفع كتاب إلى الجهات القضائية لأجل معاقبة شادن، وهنالك معركة أخرى على السوشال ميديا تضاعف فيها عدد المشاركين، حتى لو كان معظمهم لا يعرف شيئاً عن شادن أو ما حصل.

 المفارقة في هذه الحملات اتحاد أصوات كانت متفرقة سياسياً، إذ “ناصر” الحملة ضد شادن بعض اللاجئين السوريين، الذين دفعهم الانتماء الديني مع المحرضين، في حين دافع البعض عن شادن بسبب لانتماء الديني، الانتماء الذين لم يحترموه هم يوماً عندما تعلق الأمر بقضية اللجوء.

 المحزن أن هؤلاء الداعمين للحملة، ومن يتظاهرون على الأرض يختزلون شادن بتعريف مبسّط: فتاة لبنانية تنتمي لمجتمع الميم، وتسخر من المقدسات الدينية لأجل الإضحاك!!.

لا يمكن اختصار تجربة شادن بهذا التعريف البسيط، لكن ضمن قواعد اللعب في الدول المنهارة التي تراهن على هويات ما قبل الدولة، يبقى المهمشون في مواقعهم، وتبقى السلطة في موقعها، ويصبح تكريس الصور عبر السوشال ميديا والإعلام الوسيلة الأكثر نجاعة لوأد أي محاولة خلق وعي لأجل التصالح بين فئات المجتمع.

بالتأكيد تتجاوز شادن الصورة النمطية عنها، إنها تحمل تجربة إنسانية معقدة وغنية داخل المجتمع اللبناني، وتتبنى مواقف أخلاقية وسياسية على المستوى الإنساني لم يجرؤ الكثيرون على تبنيها، ناهيك بأن الشكل الفني الذي تقدمه يتجاوز فكرة الإضحاك فقط، أو تخريب الهالة عن المقدسات، نحو إعادة النظر في العلاقة بين الأفراد وبين الأفراد والسلطة.

“أحبوا أعداءكم، إلا السوريين”

في صيف عام 2023 ذهبت أنا ومجموعة من الأصدقاء السوريين واللبنانيين، إلى عرض شادن الذي أقيم في مسرح “بلاي” في منطقة ضبية ذات الأكثر المسيحية.

 ربما كنت أنا وصديقتي السوريين الوحيدين في تلك الأمسية، التي افتتحت بعدة عروض لكوميديين هواة، أطلقوا نكاتهم حول العلاقات العاطفية وروتين الحياة في بيروت والسمنة، أشياء لا مشكلة بالحديث عنها.

بدأ عرض شادن الذي افتتحته بالحديث عن رحلتها إلى دبي، ومنذ البداية يظهر الفارق والأثر الذي تحدثه شادن وعتبات المعنى الذي تحمله النكتة، بالتأكيد هنالك خرق للخطاب الجنسي في عرضها، لكن يضاف له أداء يسعى لتهميش صور نمطية ومسلمات.

 لعبت شادن على صورة دبي في مخيلتنا، تلك المدينة التي تتصدر موكب المعاصرة والذكاء الاصطناعي، أيقونة المجتمع الرأسمالي والتكنولوجي. وللمفارقة تلك المدينة اليوتوبية تمتلئ بفيضان من البلاهة والحماقة، يتضح في أسلوب تعامل السلطات مع أي محتوى فني على أراضيها، بل أي محتوى يهدد صورة دبيّ نفسها، كون “لؤلؤة الخليج” تمنع أي صانع محتوى من نشر ما “يشوه صورة دبي”.

انتقلت شادن بعدها للعب في مساحة المجتمع الطائفي في لبنان، لم تهادن أحد، وانتقدت الجميع، وفي نقدها للمجتمع المسيحي قالت بأن المسيح طلب من أتباعه أن يحبوا أعداءهم -صمتت قليلاً- وأضافت: إلا السوريين.

تبدو هذه النكتة شديدة الحنكة قادرة على إيقاظ المستمع على المفارقة التي يمارسها في حياته، ولكن خرج أحد هم من الجمهور قائلاً إن اللاجئين سيحتلون لبنان، وسيتكرر ما حدث مع الوجود الفلسطيني في لبنان.

شادن في هذه اللحظة، كفنانة وإنسانة، في هذه وضعية حرجة، ومع هكذا مقاطعة قادرة على خلق جو في منتهى الحساسية، هناك خياران اثنان؛ الأول أن تأخذ هذه المقاطعة كمزحة، وتبني عليها نكتة، وبذلك تحافظ على متانة العرض، أو أن تتجاهلها وتكمل الأداء الكوميدي، وهذه الخيارات تهدف إلى عدم تدمير أو تخريب العرض.

تجاوزت شادن دورها كمؤدية عرض ستاند أب كوميدي إثر التعليق السابق، أوقفت العرض، وتوجهت بالكلام خارج السياق كوميدي إلى “المعترض”، لتقول له أن السوريين والفلسطينيين ليسوا سعداء على أرض لبنان، إلا أنهم طردوا من أرضهم، موقف شادن كان واضحاً وذا نبرة تحدٍ، خرج إثرها الشاب من القاعة وسط صمت من حوله ثم تصفيقهم.

الجدل الذي حدث لم يكن على طاولة عشاء، أو في ندوة تلفزيونية، بل هو داخل عرض أدائي فني. والكل يعلم أن عروض الستاند أب كوميدي ليست فقرات، بل محاولة من المؤدي لبناء سردية طويلة يصل بها مع الجمهور إلى اتفاقية حول سخرية محددة، هي عملية متواصلة غير قابلة للإيقاف الكليّ، إلا أن شادن قامت بـ”تخريب” العرض، خربت تسلسلاً كانت تعمل لأجله لأكثر من نصف ساعة، بل وخاطرت بتخريب الأمسية بالكامل، لأجل موقف أخلاقي وإنساني لن تستفيد منه بشيء، وتبنته داخل مساحة حساسة جدا لهذه القضية، وأقصد منطقة ضبية.

ضرورة الصفّ الواحد

يقدم اليوم الكثير من الفنانين تنازلات هائلة، ويمارسون أدواراً مزيفة، ويتبنون لغة فرضت عليهم لأجل إرضاء جهات منتجة ودول معينة، والحجة أنهم بحاجة العمل، لكن شادن خاطرت، ومارست دورها الأخلاقي كفنانة داخل حقل ألغام حقيقي يهدد عروضها.

تتجاوز شادن السخرية من الأوضاع السياسية والمعيشية والاجتماعية لتقدم خطاب يدعم المهمشين، وذلك متسق تماما مع تجربة شادن نفسها المنتمية للهامش.

و”المنطق السليم” في هذه الحالة أن يتحالف المهمشون مع بعضهم ضد من يحتكر الرأي والحكم، أي أن تتحالف كافة الفئات المهمشة، الأقليات والمستضعفين ومجتمع الميم والنسويات واللاجئين، وعبر هذا التحالف بالإمكان نزع الخطاب العنصري، وخلق موقف قادر على قلب الموازين، لكن هل يمكن مقارنة ما يحصل في لبنان (أو حتى المنطقة العربيّة) بالتجارب الأمريكيّة والأوروبيّة؟.

بعيداً عن السلاح المنفلت، في منطقتنا تكمن المشكلة في نظرة المهمشين لبعضهم وموقفهم من قضايا بعضهم، ومحاولة السلطة تكريس صور نمطية عن هذه الفئات بهدف تغييب أي خطاب ثوري أو أخلاقي أو إنساني يمكن أن يقدم.

 الكثير من اللاجئين مثلاً لا يعلمون لحد الآن شيئاً عن دور مجتمع الميم في دعم قضيتهم سواء في لبنان أو أوروبا، وبأن هذه الفئات هي الجدار الرئيسي بوجه الحركات اليمينية التي تنوي محاصرة اللاجئين أو ترحيلهم.

وفي لبنان الوضع لا يختلف ولا أحد يتكلم عن أن مجتمع الميم والنسويات ومناصري حقوق الإنسان هم تقريبا الوحيدين الذين يدعمون اللاجئ السوري دون دافع ديني أو شروط مناطقيّة، هم إن صح التعبير، اليسار الجديد، وريث الحركات اليسارية في الماضي التي دعمت حقوق الفلسطينيين وحركات التحرر العالمي، ذات اليسار يعيد الآن النظر بمواقفه في أوروبا إثر حرب الإبادة التي تتعرض لها غزة، ويكتشف عيوبه الداخليّة.

لا بد أن يدرك المستضعفون، على اختلاف دينهم وموقفهم من الكوميديا، أنهم على ذات الضفة مع الكوريين واليساريين الجدد والنسويات، والمدافعون عن حقوق الإنسان ومنتقدي الميليشيات المسلحة، هؤلاء المنبوذين من قبل السلطات والمهددين في الكثير من الوقت، لا يعلمون أن السلطة تساند الحملة ضد شادن ليس لأنها تسعى للدفاع عن المقدسات الدينية.

السبب الحقيقي من الحملة هو تحييد الرأي العام عن القضايا الرئيسية والمأساة الحقيقية على المستوى الاقتصادي والسياسي، ووسيلتها الوحيدة هي مناصرة النعرات الطائفية والعنصرية لأجل كسب ولاء المتطرفين، أولئك الذين أغضبتهم نكتة، ولم يغضبهم مثلاً أن غياب الكهرباء والاستخدام المفرط لمولدات الكهرباء زاد من معدلات سرطان الرئة في لبنان بنسب قياسيّة، لكن لا الأسهل تجاهل السبب الرئيسي لغياب الكهرباء في لبنان وتصديق الادعاء العنصري بأن اللاجئين السوريين هم سبب تزايد معدلات السرطان.

درج

—————————–

الطروحات اللبنانية لملف اللاجئين.. ابتزاز للمجتمع الدولي وتعويم للأسد/ بتول يزبك

2024.05.19

في هذه السّاعة المتأخرة من تاريخ العالم، وبعد كل النكبات والمجازر الّتي لا تزال عالقة بالضمير والوعي الإنسانيّ، وحده التفكير بإعادة النظر في حقوق الإنسان البديهيّة وضمناً حقّ كل إنسان بالتماس السّلامة والأمان عند خطر الاضطهاد والقتل، قد يبدو سورياليّاً لدرجة السّخرية. لكنه في لبنان، بات وكأنّه معبر إلزاميّ سلكته السّلطات اللّبنانيّة، للتنصّل من مسؤوليّة ضمان هذا الحقّ على الأقلّ، وللتستّر على فشلها المتراكم على مدار 13 عاماً، في إدارة وحوكمة ما تُطلق عليه الآن بأزمة “النازحين السّوريّين”، متناسية أنها هي الّتي نهبت مقدرات ومساعدات من تدّعي أنهم سبب الأزمة الاقتصاديّة، وأنها هي من تركت حدودها سائبة أمام اقتصاد التهريب المشترك، وأنها هي الّتي تورطت وبجزء وازنٍ منها في المقتلة السّوريّة.

بعد إعلان الاتحاد الأوروبيّ عن حزمة مساعدات بقيمة مليار يورو (ما يُعادل 1.06 مليار دولار أميركيّ) للبنان، تأججت التجاذبات السّياسيّة الداخليّة، ومعها المزايدات الشعبويّة، بين الأصوات الّتي علت واتهمت الحكومة بالتخاذل وقبول “الرشوة” الأوروبيّة لشراء صمت لبنان وإبعاد “شبح” المهاجرين غير الشرعيين عن دول الاتحاد (بصعود اليمين المتطرف)، والأصوات الّتي طالبت بمزيد من العطاءات الماليّة والمساعدات الإنسانيّة والتعاون الدبلوماسيّ العربيّ والدوليّ لإطلاق مسارٍ لحلٍّ على المدى القصير والمتوسط، وغيرها من المواقف الفجّة والمارقة الّتي طالبت الحكومة بالضغط على الولايات المتحدة الأميركيّة لرفع العقوبات ومفاعيل قانون قيصر عن النظام السوري –كما فعل الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله حليف الأسد– منذ أيام.

وتحول بذلك ملف اللاجئين وعلى حين غرّة، من نزاعٍ سياسيّ وتعبئة عنصريّة واستعراضات أمنيّة، إلى نقاشٍ جهدت السّلطات التشريعيّة والتنفيذيّة لطرحه في جلساتها واجتماعاتها الرسميّة، وكأنه المعضلة اللّبنانيّة الأكبر وحلّ هذه المعضلة كما اقترح الفرقاء السّياسيون، جهاراً أو توريةً، منوط باستجلاب مزيدٍ من الأموال للبنان، وترسيخ فكرة أن التطبيع الدوليّ مع النظام السوري وتعويم النظام في دمشق بات ضرورةً مُلحّة لمعالجة هذا الملف الذي وصلت تبعاته إلى قلب أوروبا.

والمزاج السّياسيّ العام، انعكس طرداً على الطروحات اللّبنانيّة الرسميّة في مسار “المعالجة”، وجاءت على صعيدين: على الصعيد الحكوميّ، وعلى الصعيد البرلمانيّ.

الطروحات الحكوميّة

لم تكتف الحكومة اللّبنانيّة بحملات الترحيل والمداهمات والاعتقالات التعسفيّة وإغلاق محال ومتاجر السّوريّين، الّتي تقودها الأجهزة الأمنيّة بإشراف من وزارة الداخليّة والأخرى الّتي قامت بها قوات الجيش اللّبنانيّ على مدار السنتين الأخيرتين، فالخطة حاليّاً تتمثل في إعطاء الشرعيّة لهذه الحملات وخصوصاً بعدما عبّر الاتحاد الأوروبيّ نفسه والمنظمات الأمميّة والحقوقيّة عن مخاوفهم من تزايد وتيرة العنف السّلطويّ، ذلك من خلال وضعها كجزءٍ من الحلّ المُقترح الذي سوف تتقدم به الحكومة في مؤتمر بروكسل الثامن.

إذ وبحسب ما صرّحت المصادر الحكوميّة سابقاً، فإن الركن الأساسيّ للخطة مبنيّ على التمسّك بالمواقف السّابقة ومنها: إعادة تقييم الوضع في سوريا، وتصنيف المناطق بين الآمنة وغير الآمنة، وبالتالي، تحديد من تنطبق عليه صفة اللجوء، والمهاجر الاقتصاديّ والمقيم غير الشرعيّ وترحيلهم إلى هذه المناطق (كما جرى مؤخرًا بتسييرها لقافلة “عودة طوعية”..)،  وذلك بالاستحصال على بيانات إضافيّة من المفوضيّة السّامية بشأن مواعيد دخول اللاجئين السّوريين ومناطقهم الأصليّة وأوضاعهم السّياسيّة والأمنيّة على مبدأ الـ (OBIA classification). وتحويل أموال المساعدات مروراً بها إلى السّوريّين المُرحّلين في بلادهم (متجاهلةً أن النظام السوري مُحاصر بالعقوبات). وكذلك الطلب من الاتحاد الأوروبيّ تفهّم أيّ قرار لبنانيّ بترحيل اللاجئين الذين لا يملكون أوراق إقامة سارية المفعول في لبنان. في وقتٍ يُذكر، أن مثل هذه الطروحات دائماً ما تواكبها نفس الحملات الشعبيّة والسّياسيّة، قُبيل مؤتمر بروكسل، بحيث تتخذ صبغة مواربة، يسعى فيها لبنان للضغط على المانحين الدوليين واستنهاض مشاعر التعاطف الإنسانيّ لدى هذه الأطراف المُنهكة بعد 13 عاماً على الحرب، والمشغولة بالتداعيات الإنسانيّة للنزاعات المستجدّة، كأوكرانيا وغزّة.

وبصرف النظر عن كون الاتحاد الأوروبيّ لم يبدِ حتّى اللحظة أي استعداد لإعادة فتح باب النقاش مع النظام السوري أو إقامة علاقة دبلوماسيّة في الوقت الراهن، ما دام مصرّاً على تعطيل الانتقال السّياسيّ المنصوص عليه في قرار مجلس الأمن الدوليّ رقم 2254، -وهذا ما أكدّه ممثلو بعثة الاتحاد الأوروبيّ في لبنان لـ”تلفزيون سوريا”– وبالتالي فإن الطرح الحكوميّ اللّبنانيّ مرفوض وساقط حتّى قبل بثّه في فعاليات المؤتمر، بيد أن الحكومة اعتمدت التهديد والتصعيد في طروحاتها. أما المذهل في مقاربة الحكومة في خطتها فهو أنها مبنيّة على افتراضات، أخطرها هو اعتبار أن ظروف عودة اللاجئين إلى بلادهم أصبحت مؤاتية في الوقت الراهن، وخصوصاً المعارضين الذين دعتْهم للعودة إلى الشمال السّوريّ، وفي ذلك إما تبسيط لحجم القضيّة السّوريّة وإما جهل بخريطة السّيطرة العسكريّة الّتي تُثبت أن إمكانيّة عودة المعارضين في حال رغبتهم إلى الشمال، مستحيلة، بالنظر لانتشار قوات النظام على امتداد الحدود والمعابر للوصول إلى الشمال، ناهيك عن تمركز “حزب الله” في 117 نقطة وموقعاً، بحسب دراسة أعدّها “مركز جسور للدراسات”.

وللتعليق على الطرح الحكوميّ، تقول المحامية اللّبنانيّة والخبيرة في القانون الدوليّ، ديالا شحادة: “جميع الطروحات المتداولة حاليّاً  تلتف حول المشكلة الأساسيّة، ألا وهي أن النظام السّوريّ بممارساته وأفعاله لا يرغب في إعادة اللاجئين السّوريين، فما قام بالتأسيس لمرحلة انتقاليّة لمعالجة المرحلة السّابقة، ولا وضعَ حجر الأساس لإعادة إعمار المناطق المدمرة والتّي لا تزال تحتلها الميليشيات، ويأتي منها 80 في المئة من اللاجئين السّوريين في لبنان، ولا حتّى عالجَ مسألة تنظيم وجود المقيمين الذين لا يتمتعون بإقامة صالحة، بل يعتمدون في تجوالهم بين سوريا ولبنان على عصابات التهريب الحائزة على نفوذٍ سياسيّ وأمنيّ لبنانيّ – سوريّ مشترك”.

أما فيما يتعلق بمطلب إعادة تقييم الوضع في سوريا، فتؤكد شحادة:” طبعاً سوريا ليست آمنة، وذلك لأن النظام السّوريّ، لم يُعد النظر حتّى اللحظة بسياساته الانتهاكيّة بحقّ شعبه ومستمر في التجنيد الإلزاميّ للذكور وإقحامهم في نزاعاته المسلّحة المستمرة”، مستطردةً:” هذا عدا كون حملات الترحيل غير مُجدية، لأنها بكل بساطة، فتحت المجال أمام القادر ماليّاً من المُرحّلين للعودة عن طريق التهريب عبر الحدود البريّة المشتركة المتفلتة بحكم الأمر الواقع، بل وهي تزيد من حدّة الأزمة، فالداخل خلسةً لا يُسمح له بتسويّة أوضاعه وإنما يصبّ هذا الترحيل في مصلحة شبكات التهريب”.

تصعيد أزمة اللاجئين السوريين في لبنان: الدوافع والمآلات

الطروحات البرلمانيّة

وعلى هذا الوضوح، افتتحت الحكومة موسم الطروحات الرسميّة والحزبيّة، الّتي لا ترقى أن تكون سوى صورٍ متناظرة الانعكاس لكلّ الطروحات التبسيطيّة والسّطحيّة السّابقة، في أحسن الأحوال. وتحديداً بدخول المجلس النيابيّ على خطّ الجدال العام، إذ إن الجلسة الّتي عُقدت للتباحث في هبة المليار يورو ومناقشة ملف اللاجئين والّتي اعتبرها رئيس المجلس نبيه برّي بأنها جلسة لتقرير مصير لبنان، خلصت إلى قبول الهبة مع استئناف الإجراءات الّتي تراها الحكومة مناسبة في هذا الصدّد، الأمر الذي اعتبره مراقبون أن المجلس وافق ضمناً على انتهاكات الحكومة لالتزاماتها الدوليّة والحقوقيّة وتطبيعها المنهجيّ مع حكومة النظام السوري تحت هذه الذريعة، في حين وصفها آخرون بحفلة للمزايدات وبأنها اجتماع لبنانيّ نادر على اقتلاع اللاجئين كيفما اتفق.

إلا أن اللافت، أن اقتراحات القوانين بصفة المُعجّل المكرّر (أي يتمّ إقرارها فوراً) والّتي تقدّمت بها مختلف الكتل النيابيّة إما تفاعلًا مع الهبة الأوروبيّة أو بمناسبة الحدث اللّبنانيّ، لم تُمنح حتّى اللحظة الانتباه اللازم، وغالباً ما يتمّ تجاهلها، لكون البرلمان في حالة انعقاد دائمة لانتخاب رئيس للجمهوريّة ودستورياً لا يملك الحقّ في إقرارها، ذلك حتّى قامت كتلة “لبنان القويّ” ممثلة التيار الوطنيّ الحرّ، بتقديم اقتراح القانون الرامي إلى “ترحيل النازحين السّوريّين غير الشرعيين المقيمين على الأراضي اللّبنانيّة ووقف نزوحهم” بدرجة العادي لجهة العجلة (أي يتمّ تمريره على اللجان النيابية) في الثامن من أيار الجاري. هذا الطرح الذي يُعد الأخطر في حال تمّ تمريره، بحكم مضامينه الّتي جاءت لتفرض ترحيل السّوريين في عددٍ من الحالات، وبعضها حتّى وإن كانوا حائزين على إقامة قانونيّة، وخلال مهلٍ قصيرة جدًا. ويمنع حقّ اللجوء وعدم الترحيل القسريّ عن اللاجئين.

في حين استند مقدّمو اقتراح الأسباب الموجبة  إلى ما يترتب على وجود اللاجئين السّوريّين في لبنان من “مخاطر حثيثة وجدّيّة على الديمغرافيا والاقتصاد والبيئة والأوضاع الاجتماعيّة والماليّة والتربويّة والأمنيّة وما يتّصل بسوق العمل وبطالة اللبنانيّين وهجرتهم..” (نصّ القانون) والقانون المُقترح يُصدر رؤية استجدت على السّاحة الدبلوماسيّة اللّبنانيّة، مفادها الرجوع ولو ضمنيّاً إلى معاهدة “الأخوّة والتعاون والتنسيق” الموقّعة بين لبنان وسوريا عام 1991 والّتي أعطت حينذاك الشرعيّة للاحتلال العسكريّ السّوريّ في لبنان، كما هي سائر المقترحات الّتي تقدّمت بها جهات مختلفة سابقاً وأهمّها النائب “التغييريّ” إلياس جرادة، والدالّة مباشرةً على ضرورة إعادة التنسيق الأمنيّ والدبوماسيّ والإداريّ مع النظام.

وفي هذا السّياق، يشرح النائب في البرلمان اللّبنانيّ إبراهيم منيمنة، طبيعة السّجال البرلمانيّ الحاصل، متطرّقاََ إلى تعليقاته على الطروحات، قائلاً:” الأولويّة اليوم تقع في مداراة الصراحة والشفافيّة عند التعاطي مع هذا الملفّ وطرحه أمام الشعب اللّبنانيّ، فالمؤكد أن هناك جزءاً يُمكن للدولة اللّبنانيّة أن تتحمّل مسؤوليّته، والآخر الخارج عن إطار قدرتنا، المرتبط بالبعد الخارجيّ وطرديّاً بالنظام السوري، الذي لا يبدي حتّى اللحظة أيّ رغبة في إعادة اللاجئين، والذي يستغلهم في صفقات المقايضة مع المجتمع الدوليّ”.

ويتابع منيمنة:” وهناك جزئيّة أخرى، تُشكّل المحوريّة في مسار الحلّ، وهي أن يقبل حزب الله بالخروج من المناطق الّتي يتمركز فيها، للمساعدة في عودة هذه المناطق. وما نستطيع فعله نحن، هو تنظيم الوجود السّوريّ في لبنان، أكان للمقيمين في لبنان واللاجئين السّياسيين والأمنيين، وغيرها، وهي فئات يجب توافر استراتيجيّة معيّنة، وضمن إطار زمنيّ مُحدّد، من دون اللجوء إلى التعبئة والمزايدات والطروحات الشعبويّة أو الحلول غير الإنسانيّة، والشعبان هما ضحايا سلطاتهما في نهاية المطاف. مع التأكيد أننا لن نقوم بالمدافعة عن أي نظام كما فعلَ عدد من الفرقاء السّياسيّين”.

خياران للاجئين السوريين

وفي الخلاصة، وبينما يتدافع المعنيّون، للمضيّ في نفس المعبر المُختصر الذي يُفضي بنظرهم إلى “حلٍّ” لملفّ اللجوء السّوريّ، بطروحاتٍ تبسيطيّة لا تأخذ بعين الاعتبار العثرات في القرارات والإجراءات المأخوذة سابقاً، ولا تتوخّى التنظيم والعمليّة، فضلاً عن البُعد الإنسانيّ للقضيّة، يستفحل وضع اللاجئين في لبنان، الذين وجدوا أنفسهم في موضعٍ مُلتبس، ولا خيارات مطروحة أمامهم، سوى الفرار مجدّداً بحثاً عن بلادٍ تستقبلهم، أو الموت لدى هذه المحاولة.

تلفزيون سوريا

————————

الشعبوية واللاجئون السوريون في لبنان/ باسل. ف. صالح

18 مايو 2024

وصل تعامل الجهات الرسمية والسياسية والحزبية اللبنانية مع ملفّ اللاجئين والنازحين السوريين إلى دركٍ لم يصل إليه من قبل. فهو بالإضافة إلى الطريقة العشوائية، التي لطالما اعتمدتها السلطات اللبنانية في التعامل مع الملفّ من دون مراعاة أيّ حساسية في معالجة ملفّ حسّاس كهذا، وصلت الطروحات الشعبوية، أخيراً، إلى نقطةٍ لم يعد معها ضرر عشوائيتها وقصورها يطاول الملفّ والقضية فحسب، بل أصبح يطاول، حتّى أيّ إمكانية جديّة للمعالجة في المُقبل من الأيام، فالتفكير القاصر أوصلنا، اليوم، إلى نقمة شعبية مُتدحرجة بين اللبنانيين والسوريين، نقمة تكثّفت إمكانيات غليانها منذ أيام، حين دعا الأمينُ العام لحزب الله، حسن نصر الله، الحكومةَ اللبنانية إلى تسهيل أمر هجرة اللاجئين في البحر تجاه أوروبا.

لعلّه من المُجدي، في هذا المكان بالتحديد، التذكير بالقضية الأساس، وهي أنّ نصر الله وحزبه، ومن خلفهما إيران وحلفائها، يحتلّون أراضي ممتدّة في الداخل السوري، أي أراضي أولئك اللاجئين أنفسهم. وهو تذكير يريح القول، إذ يمكن اختصار القضية بأكملها في شروطها الأولى، التي تقول إنّ انسحاب قوات الحزب وإيران وحلفائهما من سورية يفسح المجال المنطقي، ويبدأ بتعبيد الطريق العملاني أمام دعوة السوريين إلى العودة إلى بلادهم، لا أن يتخطّى نصر الله ذلك، في التفافٍ واضحٍ ترجمه بدعوة الحكومة اللبنانية للسمسرة على ظهور اللاجئين، والإمعان في ابتزاز أوروبا بملفٍّ يحتاج حلولاً تقنية وعلمية، تتمتّع بحسّ عالٍ من المسؤولية الإنسانية والسياسية، والأخلاقية قبل كلّ شيء.

وفي المقلب الآخر، لطالما عملت السلطات اللبنانية على التغطية على هذا النوع من القضايا الشائكة والحسّاسة، بالعمل على حرف الأنظار عن النقطة الأساس، وتتمثّل، في هذا الملفّ، بانسحاب الحزب من سورية، لتعود وترمي الأمر في غرفة العناية الشعبية عرضة للمقاربات والمزايدات اليمينية والفوقية العنصرية والشوفينية كافّةً، التي تزيد المشكلة تأزّماً، بينما تعمل هي في الخفاء على استثمار الأزمة، وليس معالجتها، سيّما أنّ تاريخ الأحداث والصراع السائد، اليوم في المنطقة، قد تخطّى ذلك، إذ تحوّلت حلول البارحة أزماتٍ اليوم، فضلاً عن أنّ كمّية التأزيم الإقليمي تحتاج، أولاً وأخيراً، إلى المساهمة الجدّية في وقف التأزيم الداخلي، في هذا الملفّ وفي غيره، بطرق علمية وعقلانية أيضاً، وأيضاً. ولذلك، البحث الممكن والمجدي، اليوم، في ظلّ هذا الانسداد التامّ أمام كل الملفات، بسبب تأزم الوضعيْن الداخلي والدولي، يُلزم نصر الله، قبل غيره من القيادات اللبنانية، سحب الفتيل التفجيري واستبعاد الحلول الشعبوية المطروحة على الطاولة، خصوصاً التي لم تعد تأتي بثمارها، تلك التي يسارع الجميع إلى التكلّم عنها على عجل، من دون التفكير في تداعياتها التي ستزيد الكارثة، في دولةٍ لا تمتلك القرارات المصيرية بيدها، وفق كلام رئيس الحكومة نفسه، وفي ظلّ حكومةٍ لا تتمتّع بأدنى مقوّمات الشرعية الدستورية.

اليوم، وبعد كلام نصر الله، ومطالبته برمي السوريين في البحر، والاستثمار على ظهرهم، ولو بلغة وتعابير مخفّفة، والصمت المُدوّي إزاء تصريحٍ كهذا، سيحمّل الحكومة تبعات كلّ محاولة هجرة غير شرعية عبر البحر، إن كانت تعلم بها، وإن كانت لا تعلم. إذ سينظر المجتمع الدولي إلى أيّ قارب هجرة بحريّة بمثابة قرار تتحمّل السلطات اللبنانية مسؤوليّته، وقد جرى بمعرفتها وبموافقتها وبتسهيلٍ منها، فهل هذا ما تريده الحكومة حقاً، في وقت يحاول رئيس الحكومة استدرار العطف الدولي والعربي لمساعدة لبنان؟… كما أنّ كلام نصر الله يفاقم، في مجال آخر، النقمة بين السوريين واللبنانيين، إذ ستصل إلى مجالاتٍ احتقانية لم تصل إليها من قبل، ويمكن أن تُترجمَ بمواجهاتٍ داخلية لا تُحمد عقباها، لانسداد أيّ إمكانية لمعالجة هذا الملفّ على نحو علمي وانساني وسياسي. نقمة من دون أيّ صرافة تساهم جدّياً في حلّ هذه القضية التي تحتاج إلى حلّ. أو هي، بتوصيف لبناني آخر، “نقمة ببلاش، ومن دون أيّ مردود عملي”.

 الكلام الارتجالي سيضع لبنان أمام مشكلات جديدة من نوعها أمام المجتمع الدولي، وأمام الاتحاد الأوروبي، وأمام الشرعية الدولية، إذ لن تقف تداعياتها على الداخل اللبناني فحسب، بل يمكن أن تمتدّ لتطاول المهاجرين اللبنانيين، كما أنّ من الممكن أن تزيد القبضة الأمنية والتضييق الدولي على أيّ من المهاجرين اللبنانيين في القادم من الأيام. هذا كلّه، يظهر أنّ الخناق يضيق على لبنان أكثر فأكثر، بأيدي اللبنانيين أنفسهم، وليس بمؤامرة دولية عليهم. وأولئك الذين كانوا يريدون الخلاص من هذا الملفّ بكلّ الأشكال الشعبوية والتلفيقية العشوائية المُتسرّعة الممكنة، سيضعهم سير الأحداث وتداعياتها أمام التسريع في حلول لا يريدونها، لأنّ قصر النظر يساهم في تحقيقها، خصوصاً في غياب عقل استراتيجي يدير الواقع السياسي اللبناني، بل تُرانا نعود مرّة جديدة إلى البداية، إلى عقل يفتقد أبسط شروط التعقّل والمعقولية والعلمية في طرح القضايا، والملفّات السياسية والإنسانية الحسّاسة. عقل يريد أن يقولب القضايا على قياسه، لأنّه يريد التهرّب من معالجتها. عقل يفسح الطريق أمام عالم العشوائية المطلقة، التي لن تكون نتائجها إلا وبالاً لن يدفع ثمنه هؤلاء الذين يتمتّعون برؤوس حامية فحسب، بل أولئك الذين لا علاقة لهم بالرؤوس الحامية، لا من قريب ولا من بعيد.

 العربي الجديد

 ———————

أسقُف لبنانية آيلة للسقوط على اللاجئين السوريين: انهيار مبنى الريشاني نموذجاً لهشاشة السكن والمُعاش/ ولاء صالح

        عاد محمد عزّو إلى عائلته الكبيرة في سوريا مُحمَّلاً في تابوت. عارَضت والدته دفنَهُ في لبنان وطلبت إرسال جثمانه لدفنه في مسقط رأسه إدلب، فيما دُفنَ ابنه عزّو (8 أشهر) وزوجته شام العلي، بالإضافة إلى أخيها أحمد، في مقبرة تقع في بلدة شحيم التابعة لقضاء الشوف في جبل لبنان.

        يوم الإثنين، 19 شباط (فبراير) 2024، حلّت كارثةٌ بسبعة عشر لاجئاً سورياً إثر انهيار مبنىً يقيمون فيه في منطقة الشويفات. انتشلَ عناصر الدفاع المدني، بالتعاون مع الصليب الأحمر، جثامين لأربع ضحايا، وأنقذوا آخرين كانوا عالقين تحت الركام. المتوفّون الأربعة هم من عائلة واحدة: شام وزوجها وطفلها الرضيع وشقيقها. فيما نجا والد شام ووالدتها، اللذان رقدا لأسابيع في مشفى كمال جنبلاط متأثرين بإصابات خطيرة وخاضعين لعمليات جراحية متعددة، سيّما الوالدة التي تعرّضت لتهشّم في الجمجمة. أُصيب آخرون من سكّان البناء إصابات متنوعة، في حين شُرِّدت بقية العائلات.

        يقول نزار العلي: «كنت نايم بالبيت وعيالي جنبي، حسيت بآخر لحظة لما كانت الحيطان عم توقع».

        أبنية غير مُطابقة للمواصفات

        يقع بناء الريشاني، الذي انهار فوق رؤوس سكّانه السوريين، في منطقة العين في الشويفات. وتُشير تقارير أولية إلى أنّ الانهيار حدثَ بفعل تَفتُّت جبل محاذٍ له، في حين تُشير معطيات أخرى إلى أسباب إضافية على الحدث الجيولوجي. يُخبرنا سمير (فضّل استخدام اسم مستعار حفاظاً على سلامته)، وهو أحد سكان المبنى الناجين من المأساة المروّعة، أن انهيارات ترابية حدثت في الجبل المُتاخم للمبنى قبل خمس سنوات، وتداعى سور الدعم الذي كان يحمي المبنى بنتيجتها. غادر السكّانُ البناءَ لفترة قصيرة، ورمّمت البلدية السياجَ، ثم عاد السُكّان.

        أنقاض مبنى الريشاني في الشويفات (Marta Maroto-aljumhuriya.net)

        ليست هذه الحادثة الأولى من هذا النوع، إذ انهار مبنى أمهز في منطقة صحراء الشويفات. نجا السكان لأنهم استطاعوا الإخلاء فور شعورهم بالانهيار، ليتكشَّفَ بعد ذلك عدم وجود رخصة بناء بالإضافة إلى خلل في تركيبة الباطون المستخدمة. يوجد في لبنان ما لا يقلُّ عن 18 ألف مبنىً آيل للسقوط بحسب الهيئة اللبنانية للعقارات، وقد تضرّرت هذه المباني جرّاء الضربات الإسرائيلية، فضلاً عن تأثُّرها بالزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا العام الماضي.

        يتألف بناء الريشاني من ثلاثة طوابق، وتعود ملكية العقار إلى شقيقين من عائلة الريشاني، ويمتلكان مبنيَين آخرين ضمن المنطقة ذاتها. وبعد الحادثة، سارعت محطات التلفزيون والجرائد الرسمية لتغطية الحدث، وسارع مسؤولون لبنانيون، مثل طلال أرسلان رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني، للتواجد في مكان الحادثة. ثم لاحت أصواتٌ تُصرّ على القول إن سكان المبنى قد تلقَّوا إنذاراً بالإخلاء لكنهم رفضوا الالتزام به، في محاولة لإلقاء كامل المسؤولية على العائلات المنكوبة.

        نفى جميع من قابلتهم في سياق إعداد هذا التقرير من السكّان الناجين هذه الادّعاءات، مؤكدين أنهم لم يتلقَّوا أي معلومة تفيد بضرورة الإخلاء، بل على العكس، قام صاحب العقار برفع قيمة الإيجار قبل شهرين من الحادثة. وبحسب رواية أحد السكان؛ عندما بدأت الانجرافات الترابية للجبل شعرَ الضحية محمد عزّو بالخطر وخشيَ على زوجته وابنه وبدأ فعلاً بالبحث عن مسكن بديل، لكنّ أجره الضئيل الذي كان يتقاضاه كعامل مياومة في أحد الأفران ربما لم يكن كافياً لتأمين مأوىً في الوقت المناسب.

        يروي هشام (اسم مستعار) عن حدوث انهيارات ترابية للجبل قبل أيام من الحادثة، وعن أن صاحب العقار قد أُعلِم بذلك ووَعد بالإصلاحات وتنظيف الدمار الذي تسببت به الانهيارات، لكنه لم يتحدّث عن أي شيء له علاقة بالإخلاء أو الإنذار: «ما خطر ببالنا في خطورة بهي الصورة وبهاد الحجم. لو عرفانين هيك كنا نمنا بالشوارع أحسن ما هيك يصير فينا، أحسن من يلي صار ومن يلي شفناه»؛ يقول هشام.

        في مقابلة أجريناها معها، قالت المهندسة المدنية والباحثة في استديو أشغال عامة، ريان علاء الدين، إن الحديث عن إبلاغ السكان بالإخلاء غير دقيق، وأضافت أنّ البلدية كشفت بالفعل على المبنى منذ خمس سنوات، وأوصت بتدعيم حائط الدعم المحيط بالجبل فقط، لكنها لم تتّخذ أي إجراءات أخرى.

        تقول ريان علاء الدين: «أول مشكلة تواجه هذا المبنى تتعلّق بتصنيف الأرض المُقام عليها، فهي أرض سكنية دون تحديد المخاطر. أُنشئ المبنى عام 1995، لكنه لم يحصل بعد الانتهاء من بنائه على رخصة إشغال/إسكان، وبالتالي هو غير صالح للسكن قانونياً».

        وبحسب ريان علاء الدين، عادةً ما يكون لكل منطقة تصميمٌ توجيهي يصدرُ عن المديرية العامة للتنظيم المدني بالتعاون مع البلديات. وتكمُن أهمية هذا التصميم في تصنيف الأراضي وحدود وإمكانيات استخدامها، كما أنه يَأخذُ بعين الاعتبار جميع المخاطر الطبيعية المحتملة. غير أن تصنيف المنطقة التي يقع فيها المبنى المنهار لم يَذكر أياً من المخاطر المحيطة بالموقع، ما يُظهِرُ تقصيراً وإهمالاً في تطبيق معايير السلامة من قبل التنظيم المدني.

        «منازل» دون الشروط الإنسانية للعيش فيها

        يُشكّلُ انهيار مبنى الريشاني، وغيره من الحوادث المؤلمة، نموذجاً واضحاً لهشاشة أحوال اللاجئين السوريين في لبنان، باضطرارهم للعيش في مساكن غير آمنة أو غير صحية، غير أنّه يشكُّل في الوقت ذاته كارثةً واحدة فقط بين عشرات من المآسي والكوارث الأخرى المتشعّبة، فبحسب تقرير تقييم هشاشة اللاجئين السوريين لعام 2023 الذي أعدته مفوضية شؤون اللاجئين، يعيش 52 بالمئة من اللاجئين السوريين في منازل خطيرة ومكتظة؛ و86 بالمئة منهم يعيشون في أماكن مُصنّفة على أنها غير سكنية ودون الشروط الإنسانية. وفي محافظة جبل لبنان تحديداً، يعيش 40 بالمئة من السوريين في أماكن غير سكنية تم تصنيفها على أنها خطيرة.

        أنقاض مبنى الريشاني في الشويفات (Marta Maroto-aljumhuriya.net)

        ومن جهة أخرى، ارتفعت نسبة العائلات التي اضطرّت إلى تغيير منازلها أو مكان إقامتها لأسباب متعددة خلال الأشهر الإثني عشر الماضية. تشرحُ لنا إحصائيات ذُكرت في التقرير ذاته أن السبب الأساسي هو ارتفاع القيمة التأجيرية، حيث أفادت 99.6 من العائلات السورية أن المُلّاك قد رفعوا القيمة التأجيرية للسكن، كما أن 78 بالمئة من العائلات السورية تدفع إيجارها بالدولار الأميركي. والسبب الثاني هو الإنذار بالإخلاء أو الإخلاء التعسفي، وأخيراً ظروف المأوى والمياه والصرف الصحي غير المقبولة.

        وقد تحدّثَ تقريرٌ نشرته مجلة The new humanitarian عن تفضيل آلاف الشباب السوريين في وادي البقاع الشرقي النومَ في العراء عوضاً عن النوم داخل مخيماتهم، خوفاً من مداهمة الجيش والاعتقال ثمّ الترحيل إلى سوريا.

        انتهاكات للمعاهدات الدولية المُتعلّقة بالحق في السكن اللائق

        وثّقَ مشروع مرصد السكن في استديو أشغال عامة مدى انتهاك الحق بالسكن اللائق للاجئين السوريين، وذلك بالاستناد إلى المعايير والخصائص التي وضعتها لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والتي انضمّ لبنان إليها عام 1972. تقول المهندسة ريان علاء الدين: «النسبة الأكبر من البلاغات التي تصل إلى المرصد يومياً تأتي من قبل سوريين، وجميع النماذج التي نراها يومياً تشيرُ إلى أن الأزمة في حالة تفاقم، وهذا ما يدفع اللاجئين للانتقال للعيش في مناطق هامشية أو في مخيمات على أراضٍ زراعيّة».

        بين تموز (يوليو) 2022 وتشرين الأول (أكتوبر) 2023، رصد استديو أشغال عامة نحو 70 قراراً رسمياً بين مراسيم أو تعاميم صادرة عن بلديات أو عن أجهزة الدولة، تحثُّ فيها على عزل اللاجئين واللاجئات وتوسيع الفجوة الاجتماعية بينهم وبين بقية السكان. كذلك، تلقّى سوريون نحو 973 بلاغاً بالإخلاء التعسّفي.

        ويتحدّث التقرير السنوي الذي أعدّته مفوضية شؤون اللاجئين عن نسبة كبيرة من العائلات التي يُتوَقّع منها الإخلاء في غضون شهر واحد فقط، حتى وصلت إلى 76 بالمئة، كما أن 93 بالمئة من إنذارات الإخلاء يتم إصدارها من قبل المالك.

        في العام 1948 نصَّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على الحق في السكن، وأكَّدَ لبنان الالتزام به. وفي العام 1972 انضمّ لبنان إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة. وفي العام 1985 أُنشئت اللجنة المعنيّة بالحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة، وهي الهيئة المُخوَّلة مراقبة التزام الدول الأطراف به.

        وفي تعليقها العام على «الحق في السكن الملائم»، تؤكد اللجنة على «أهمية الاحترام التام» لهذا الحق، وأنه «يجب أن ينطبق على جميع الناس»، وأنه يشمل «الإجراءات القانونية الرامية إلى دفع التعويضات بعد إخلاء المساكن بصورة غير مشروعة؛ والشكاوى ضد الإجراءات غير المشروعة التي يقوم بها أو يدعمها أصحاب المساكن (العامة أو الخاصة) فيما يتعلق بمستويات الإيجار وصيانة المساكن والتمييز العنصري أو غيره من أشكال التمييز؛ بالإضافة إلى المزاعم المتعلقة بأي شكل من أشكال التمييز في تخصيص وتوفير المساكن؛ تعتبِرُ اللجنة أن حالات إخلاء المساكن بالإكراه تتعارض للوهلة الأولى مع مقتضيات العهد ولا يمكن أن تكون مبررة إلا في بعض الظروف الاستثنائية، ووفقاً لمبادئ القانون الدولي ذات الصلة».

        وقد رفضت الهيئة العليا للإغاثة مساعدة الناجين السوريين بناءً على تمييز حسب جنسية الضحايا. ويطرح هذا الرفضَ تساؤلات ليست أخلاقية أو إنسانية فحسب، بل قانونية أيضاً، إذ أن مهام الهيئة ومسؤولياتها المذكورة في مرسوم إنشائها غير محدّدة حسب جنسية المتضررين الواجب إغاثتهم.

        ما بعد الكارثة في الريشاني وفي لبنان

        في مقطع نشرته قناة MTV اللبنانية، تحدّث شاب سوري من السكان الناجين أمام الكاميرا مؤكداً على أنهم لم يتلقّوا إنذاراً بالإخلاء، لتُقاطعه أصوات من بين الجموع تنفي ما قال. وقد أفاد أحد الناجين عن تعرّضه لتهديدات تصل إلى القتل في حال تفوّه بأي شيء يتعلق بحقيقة ما حدث.

        وعن المساعدات المتلقاة، أجمعَ السكّان الناجون أنّ جمعية كاريتاس قد قدّمت لكل عائلة مبلغ 90 دولاراً فقط، وبعض البطانيات. لكن ما يحتاجونه هو أكثر من هذا بكثير بعد أن فقدوا كل شيء: «أطفالي مازالوا يرتدون الثياب ذاتها التي خرجوا فيها من تحت الأنقاض»، يقول هشام.

        بعد مضي قرابة ثلاثة أشهر على الحادثة، أخبرنا أحد سكان المبنى أنه يُقيم برفقة 15 شخصاً آخر في منزل واحد بعدما عجزوا عن إيجاد مكان بديل. أما نزار العلي فلا يرغب في التحدث مع أحد بعد الفاجعة التي حلّت بعائلته وتدهور وضع زوجته الصحي والنفسي، فيما أطلعني شقيقه على الرحلة المُضنية التي تكبّدها لتأمين تكلُفة الاستشفاء لأخيه نزار وزوجته في مستشفى كمال جنبلاط، إذ ساهمت مفوضية شؤون اللاجئين بنسبة كبيرة، وبقي مبلغ استطاع تأمينه بشقّ الأنفس.

        أنقاض مبنى الريشاني في الشويفات (Marta Maroto-aljumhuriya.net)

        وقد أخبرنا شقيق نزار كذلك عن إلحاح أخيه، ضمن وضعه الصحي الصعب، على ضرورة محاولة إخراج أوراقه الثبوتية من تحت الركام، لأنها الشيء الوحيد الذي تَبقَّى له.

        واليوم، يعيش اللاجئون السوريون في لبنان، ومن ضمنهم ناجو مبنى الريشاني، أوضاعاً مأساوية إثر مقتل المسؤول في حزب القوات اللبنانية باسكال سليمان، إذ يتم الاعتداء على كل اللاجئين السوريين في الشوارع، ويُداهم أفراد تابعون لأحزاب سياسية أماكن إقامتهم لإجبارهم على الإخلاء الفوري، فيما عُمِّمَت قرارات من قبل البلديات بوجوب المغادرة في العديد من المناطق اللبنانية مثل سن الفل في بيروت وجبيل وغيرهما، وصولاً إلى ترحيلٍ قسري إلى سوريا تحت مسمّى العودة الطوعيّة لاختبار جحيمٍ الجانب الآخر من الحدود. وفي ظل هذه الأوضاع لم تَعُد تبدو هذه الفاجعة التي حلّت بالعائلات المنكوبة في مبنى الريشاني نادرة، ولا حتى مستغربة، على الرغم من فجاجتها ومأساويتها، لكنها واضحة في قدرتها على شرح الوقائع وترجمتها.

        تُخبرنا حادثة انهيار المبنى، وما قبلها من استضعاف وما بعدها من تجاهل وتمييز وتعنيف، عن تحطيمٍ معمّق ومتعدد الأوجه للاجئين السوريين في لبنان جرى في السنوات الأخيرة، سياسياً واقتصادياً وقانونياً ومعنوياً، أوصل هشاشتهم إلى أكثر درجاتها وضوحاً؛ جريمة وضحايا وتخويف وتمييز في تطبيق القوانين، ورعبٌ يلاحق الناجين وذوي الضحايا يمنعهم حتى من التفكير في اللجوء إلى القضاء للمطالبة بحقهم استناداً إلى القانون اللبناني.

        «الغالي راح… سلّمنا أمرنا لله… ما رح يطلع منها شي، الله بياخد حقنا» يُنهي نزار العلي.

موقع الجمهورية          

———————————

=====================

تحديث 18 أيار 2024

———————

تصعيد أزمة اللاجئين السوريين في لبنان: الدوافع والمآلات

مركز حرمون للدراسات المعاصرة

17 أيار/مايو ,2024

مقدمة

 يعاني اللاجئون السوريون في لبنان، منذ سنوات، تداعيات حملة تحريض واسعة النطاق، تصاعدت حدّتها بعد الأزمة الاقتصادية التي يعانيها لبنان منذ عام 2019، إذ انخرطت فيها قوًى سياسية طالما باعدت بينها الخلافات الداخلية، حيث تلاقَت تلك القوى عند دائرة التحريض ضدّ وجود السوريين في لبنان، وأجمعت على تحميل اللاجئين السوريين المسؤوليةَ عن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة التي يعانيها لبنان، وقد ضخّمت خطَر وجود اللاجئين السوريين في الأراضي اللبنانية، حتى إنها عدّته خطرًا وجوديًا يُهدد التوازن القلق للتركيبة الطائفية للبنان ومستقبله. وأدّت عمليات التحريض إلى فرض إجراءات قاسية وعمليات تضييق على السوريين في مختلف قطاعات الحياة، بغية إجبارهم على الخروج من لبنان.

من جانب آخر، لا يمكن إنكار أن حجم اللجوء السوري الكبير في لبنان، قياسًا بعدد سكانه، أرخى بثقله على كاهل بلدٍ متهالك منهَك بأزماته، غير أن الدوافع التي تحرّك القوى اللبنانية حيال اللجوء السوري وتضخّم خطره هي دوافع سياسية بالدرجة الأولى، وينبغي للدولة اللبنانية أن تعالج هذه المشكلة في ضوء القوانين والمعاهدات الدولية، حيث إن لجوء السوريين إلى لبنان لم يكن ترفًا، إنما كان فِرارًا من الموت الذي نشرته حرب النظام على الشعب السوري، بعدما سلكَ سبيل الحلّ العسكري لمواجهة التظاهرات والمدن الثائرة، واستجلب من أجل إتمام ذلك ميليشياتٍ خارجية مقاتلة، منها “حزب الله” اللبناني.

ومما يساعد في استمرار أزمة اللجوء السوري تعثّرُ خطى الحلّ السياسي الذي رسمته القرارات الأممية ذات الصلة، وأهمّها القرار 2254 لعام 2015، وذلك بسبب غياب التوافق بين الدول المتدخلة في الصراع السوري، ورفض النظام السوري الدخول في أيَّ طريق يُفضي إلى حلّ. ومن ثم فإن غياب الحل السياسي، يجعل عودة اللاجئين السوريين غير آمنة ومليئة بالمخاطر، ويشهد على ذلك مصير الأعداد القليلة التي عادت أو أُعيدت قسرًا، بين عامَي 2017-2022، وأعدادهم لم تتجاوز المئات، حيث إن بعضهم تعرّض للاعتقال والإخفاء والتعذيب[1].

التحديات التي يواجهها اللاجئون السوريون في لبنان

يعيش السوريون في لبنان تحديات عدة، من أهمّها:

     الوضع القانوني: هناك أزمة بتوصيف الوضع القانوني للسوريين، حيث تسميهم السلطات اللبنانية “نازحين” أو “نازحين اقتصاديين” أحيانًا، وفي المقابل تصفهم بـ “اللاجئين” عند التفاوض مع الدول والمؤسسات الدولية. لذلك، هي تعتبر السوريين نازحين لا لاجئين، وأن عليهم العودة إلى ما تسميها “مناطق آمنة”، ويُقدر عدد المخيمات بنحو 3100 مخيم عشوائي في البقاع والشمال، فيما يقدّر عدد مجمل السوريين في لبنان بنحو مليونين، 800 ألف شخص منهم هم لاجئون رسميًا[2]، وهذه أعلى نسبة لعدد اللاجئين مقارنة بعدد سكان الدولة المضيفة، ويفتقر قسم منهم إلى التصاريح القانونية للإقامة، ما يعرضهم للترحيل وللعمل بشكل غير رسمي، إضافة إلى الصعوبة في تسجيل أبنائهم في المدارس[3]، وترافق ذلك مع إغلاق أكثر من 500 مؤسسة للسوريين، إضافة إلى اعتقال المئات في 12 أيار/ مايو 2024[4]، وهناك عدد من السوريين يقدر بـ 600-800 ألف كان يقيم بلبنان من قبل عام 2011.

    العنصرية والتهديدات الأمنية: حيث تشهد مخيمات السوريين في لبنان هجمات متكررة، وقد أُحرقت عشرات من خيام اللاجئين في مناطق عدة من لبنان، منها ما حصل الشهر الماضي في منطقة البقاع، حيث أحرقت 50 خيمة للاجئين، بعد أيام من دخول الأمن اللبناني إليها وإبلاغ قاطنيها بإخلائها[5]، هذا بالإضافة إلى العنصرية بالتعامل مع السوريين في أغلب المناطق اللبنانية، فضلًا عن تصريحات وممارسات الحكومة اللبنانية التي تسنّ قوانين للحد من دخول السوريين إلى لبنان[6].

    الترحيل القسري: تستند السلطات اللبنانية إلى قرار صدر عام 2019 لترحيل السوريين الذين لا يملكون أوراق إقامة شرعية، وتزايدت حملات الترحيل والاعتقال بعد ذلك، ففي عام 2023، تم توثيق 1080 حالة اعتقال تعسفي، و763 حالة ترحيل قسري إلى سورية[7]. وكانت عمليات الترحيل تتم بالتنسيق مع النظام السوري [8]، وبدأ الحديث عن خطة لتفكيك مخيمات السوريين[9].

    التحدي الاقتصادي: حيث يعاني لبنان عمومًا أزمة اقتصادية خانقة انعكست سلبًا على حياة اللبنانيين والسوريين أيضًا، إذ انخفضت الأجور وقلّت فرص العمل. وإضافة إلى ذلك، أصدر وزير العدل اللبناني قرارًا يقضي بتحديد مجموعة من المهن (الأعمال الإدارية والمصرفية والتأمينية والتربوية على اختلاف أنواعها) وحصرها باللبنانيين، ما يعني منعها عن السوريين، لكنه سمح لهم بالعمل في قطاعات الزراعة والنظافة والبناء[10].

    الاستغلال السياسي: وذلك من خلال تصريحات من أحزاب وشخصيات سياسية، بعضها معارض للنظام السوري، مثل رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، الذي رأى في وجود السوريين خطرًا وجوديًا[11]، وقال إن 40% من اللاجئين السوريين هم لاجئون غير شرعيين[12]. والمواقف الحكومية الرسمية لا تقل سلبية عن تصريحات ومواقف الساسة اللبنانيين، بدءًا ببعض البلديات التي تقيد استئجار البيوت من قبل سوريين[13] أو تفرض عليهم حظر التجول[14] وغيرها من الإجراءات التضييقية. وقد حذّر وزير الصناعة في حكومة تصريف الأعمال، جورج بوشكيان، من توظيف السوريين غير المسجلين[15]، وكذلك صرّح وزير الداخلية إذ دعا إلى الحدّ من الوجود السوري[16]، وقال رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، في سياق كشفه عن مساعدة مالية من الاتحاد الأوروبي قدرها مليار يورو، موزعة على أربع سنوات للمساهمة في دعم استقرار لبنان والحدّ من الهجرة غير الشرعية من لبنان: “إنّ الاتحاد الأوروبي أقر قوانين جديدة تتعلق بالنازحين السوريين، وستقوم الدولة اللبنانية بترحيل أي سوري يقيم بطريقة غير شرعية، وستطبق القوانين اللبنانية على أراضيها، وقد طلبنا من الاتحاد الأوروبي أن يقرّ بأن هناك مناطق آمنة في سورية”[17]. ويضاف إلى ذلك تضارب الأرقام التي يعلنها المسؤولون اللبنانيون بأنهم أنفقوها على السوريين.

كل تلك التحديات التي يعيشها السوريون أدت إلى ازدياد التوتر بين السوريين وارتفاع حالات الانتحار بينهم، حيث سجلت في الفترة الأخيرة أكثر من 6 حالات انتحار[18]، وكذلك يزداد عدد السوريين الذين يستخدمون مراكب الموت للهجرة من لبنان إلى أوروبا، إذ قدّر عددهم بنحو 3 آلاف سوري، في كانون الثاني/ يناير الماضي وحده، بينما قدر العدد في العام الماضي كله بنحو 4500 سوري[19].

    التصعيد الأخير تجاه السوريين:

تصاعدت تدريجيًا الحملة المعادية للاجئين السوريين، منذ أن بدأ الانهيار الاقتصادي المتسارع في لبنان عام 2019، لكن الحدث الأبرز الذي فاقم الأمور ووسّع من الحملة ضدهم، وأدخل قضية اللاجئين السوريين بازار المزايدة السياسية بين القوى اللبنانية، هو حادثة مقتل باسكال سليمان، منسق حزب القوات اللبنانية في بنت جبيل بالجنوب اللبناني، على يد اثنين من السوريين، قتلاه وحاولا نقل جثته إلى الأراضي السورية، كما زعمت الرواية الرسمية، وقد ضبطهما الجيش اللبناني على الحدود السورية اللبنانية في 8 نيسان/ أبريل 2024. ومع الترجيح بأن السيد سمير جعجع لا تفوته التفاصيل الحقيقية لهذا الحدث، ولا الدوافع لمقتل شخص في منطقة يسيطر عليها “حزب الله”، فقد فضّل على ما يبدو الانخراط بقوة في حملة التحريض على السوريين، تجنبًا للصدام مع حزب الله في هذه المرحلة، ولكي يتناغم مع المناخ المسيحي الماروني، ومع البطرك بشارة الراعي، الذي بات يقلقه الخوف من انقلاب الموازين الديموغرافية في التركيبة اللبنانية[20]، فانبرى في خطابٍ أمام جمهوره للهجوم على اللاجئين في لغةٍ لم تكن متوقعة منه، وهو المعارض الأشرس للنظام السوري، فاتهم اللاجئين بقابلية الارتزاق[21]، داعيًا إلى ترحيل غير المسجلين باعتبار ذلك قرارًا سياديًا، وعارضًا استعداد حزبه لمساعدة البلديات التي لا تملك عددًا كافيًا من الشرطة، لتنفيذ إجراءاتها التضييقية بحق السوريين.

من ناحية أخرى، استثمر حسن نصر الله، وهو أحد المتسببين في أزمة اللجوء السوري، هذه القضية ليطالب برفع العقوبات عن النظام السوري وإلغاء قانون قيصر[22]، فهو يريد إلغاء العقوبات على النظام السوري وإعادة تأهيله ودعمه حتى يعيد اللاجئين.

وفي قراءة توقيت التصعيد الأخير في ملف اللاجئين السوريين، نستطيع أن نربطه مع حالة الترقب لمؤتمر بروكسل الثامن الذي سيُعقد بعد أيام، تحت عنوان دعم مستقبل سورية ودول المنطقة، وبطبيعة الحال، تستفيد الدول المجاورة لسورية التي تستضيف لاجئين سوريين، من تعهدات هذا المؤتمر، وقد حصل لبنان من قبل على مساهمات من تعهدات مؤتمرات بروكسل السابقة، وكانت تقدر بنحو 1.5 مليار دولار لكل عام تقريبًا، غير أنها انخفضت في العام الأخير لتصل إلى 800 مليون دولار فقط[23]. ويمكن قراءة هذا التصعيد أيضًا عبر ربطه بمحاولات النظام وعدد من الدول العربية، ومنها لبنان، إعادة تعويمه دوليًا وتسهيل التطبيع معه، بذرائع عدة منها ملف اللاجئين، فقد قام رئيس وزراء لبنان نجيب ميقاتي بزيارة إلى فرنسا في نيسان/ أبريل الماضي، كان الملفّ اللاجئين السوريين حاضرًا فيها بشكل لافت، حيث اقترح على فرنسا إعلان مناطق آمنة في سورية لإعادة اللاجئين إليها[24].

استأنف لبنان حملة الإعادة القسرية للسوريين خلال الأيام الماضية، حيث عبرت دفعة من 330 من السوريين عبر معبري الزمراني بريف دمشق، وجوسيه بريف حمص. وتدّعي السلطات اللبنانية أن هؤلاء سجلوا أسماءهم لدى مراكز الأمن العام لتأمين عودتهم لوطنهم، وأن هذه الحملة ستكون بداية لحملة مستمرة لإعادة السوريين المقيمين في لبنان بصورة شرعية وغير شرعية لبلدهم.

وتقوم السلطات اللبنانية بهذا على الرغم من كل التحذيرات التي أطلقتها العديد من المنظمات الحقوقية ومنها لجنة التحقيق الدولية المستقلة التي أشارت إلى أن سورية ما تزال غير آمنة للعودة، وأنها وثّقت العديد من حالات التعذيب والإخفاء والاعتقال وغيرها لمن عادوا قبل ذلك، وأن هذه الإعادة تعرّض حياتهم للخطر، وخاصة أنهم يُرحّلون قسرًا بعد سلسلة من إجراءات التضييق عليهم، فقرار العودة ناجم عن الضغوط الكبيرة على السوريين، وإن كان بعضهم اتخذه فعليًا.

وفي جلسة مجلس النواب اللبناني، يوم 15 أيار/ مايو 2024، التي كانت مخصصة لمناقشة ملف اللاجئين السوريين والمساعدات الأوروبية (مليار يورو) المخصصة للبنان على مدى أربع سنوات لمساعدة لبنان على ضبط الحدود، أقرّ المجلس تشكيل لجنة وزارية برئاسة رئيس الحكومة والوزراء المختصين وقيادة الجيش والأمن العام والأمن الداخلي وأمن الدولة، مهمتها التواصل والمتابعة مع الجهات الدولية والإقليمية، وحكومة النظام السوري، لوضع برنامج زمني لإعادة النازحين الذين وصلوا إلى البلاد بطريقة غير شرعية، باستثناء الحالات التي تحددها اللجنة، وشدّد المجلس على ضرورة ضبط الحدود، وحصر الدخول بالمعابر الشرعية. وتكمن الخطورة في هذا القرار في أنه يعطي صلاحيات تحديد الحالات التي لا يتم ترحيلها للجنةٍ وزاريةٍ بها قوى حليفة للنظام السوري، بدلًا من منظمة دولية، كمفوضية شؤون اللاجئين والأمم المتحدة.

    موقف الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة والدول المانحة

تلعب الأمم المتحدة من خلال المفوضية السامية لشؤون اللاجئين دورًا مهمًا في مساعدة المجتمعات المضيفة في لبنان على مواجهة الأعباء التي يتركها حجم اللجوء السوري، من خلال تقديم خطط استجابة، منها على سبيل المثال خطة منظمة العمل الدولية للاستجابة للأعوام 2017-2020، التي أقرت دعم اللاجئين والمجتمعات المحلية المضيفة، وقد حذرت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وشركاؤها، في خطة استجابة عام 2024، من خذلان اللاجئين نتيجة انخفاض نسبة تمويل خطة الاستجابة الإقليمية من 60% بين عامي 2015 – 2018، إلى 40% بين عامي 2020 – 2022، ثم إلى 30% عام 2023 [25]. وحتى 31 آذار/ مارس 2024، انخفضت نسبة التمويل إلى 15% فقط، وأوقف إعطاء المساعدات النقدية والغذائية المقدمة من المفوضية وبرنامج الأغذية العالمي، عن 88 ألف عائلة لاجئة في لبنان، أي بنسبة 32% من عدد العائلات المستفيدة، مقارنة بالعام 2023[26]، وسيُوقف مزيد من المساعدات ابتداءً من أيار/ مايو 2024.

ومن جانب آخر، تعمل الأمم المتحدة مع الحكومة اللبنانية على تبادل بيانات اللاجئين السوريين[27]، وهذا ما يشكل مخاوف لديهم، بسبب احتمال استخدام النظام السوري هذه البيانات ضدهم، وتسهم كذلك بإعادة توطينهم، حيث إن هناك 9 آلاف طلب سنويًا لسوريين لتوطينهم في بلد ثالث[28]، وتقدر نسبة الذين أعيد توطينهم بـ 10-15% من المسجلين كلاجئين في لبنان.

أما الاتحاد الأوربي، وهو أكبر الشركاء والداعمين الدوليين، الذي يقلقه وضع لبنان غير المستقر، فيبدو أن القلق الأكبر الذي يشغله هو خطر تدفق اللاجئين السوريين عبر البحر المتوسط إلى أوروبا، إما هربًا من التضييق الذي يعانونه، أو نتيجة عملية ابتزاز تمارسها أطراف لبنانية، لاستجلاب مزيد من المساعدات عبر التهديد بإغراق أوروبا بقوارب اللجوء السوري من لبنان، كما هدد حسن نصرالله[29]، وربما يضمر ذلك سواه من الساسة اللبنانيين، لذلك يضطر إلى تقديم المزيد، وقد تعهد بعد التصعيد الأخير بتقديم 1 مليار يورو لمساعدة لبنان، وبحسب تصريحات رئيسة المفوضية الأوروبية، دير لاين، فإن هذه المساعدات من أجل دعم استقرار لبنان، ومكافحة عمليات تهريب اللاجئين عبر السواحل نحو أوروبا، أكثر من كونها مساعدة للاجئين أنفسهم أو مساعدة المجتمعات المضيفة لهم[30].

    مستقبل اللاجئين السوريين في لبنان

نتيجة تفاقم معاناة اللاجئين السوريين في لبنان وانتشار خطاب الكراهية، في ظلّ انعدام الحلّ السياسي ورفض النظام التجاوب مع الدعوات الدولية للدخول في حلّ سياسي وتوفير بيئةٍ تضمن عودة آمنة للّاجئين إلى مناطقهم الأصلية؛ يبدو أن أزمة اللاجئين في لبنان ستزداد تفاقمًا، لأن أساس المشكلة هو النظام السوري، ولا يمكن حلّها بوجوده. فقد تقوم الحكومة اللبنانية بملاحقة من لا يملكون إقامات رسمية لترحيلهم، بدعوى وجودهم غير الشرعي، غير أن عجز الحكومة عن ضبط حدودها، وعمليات التهريب التي يستفيد منها “حزب الله”، سيجعل هذا الإجراء بغير جدوى.

وفي الوقت نفسه، تقوم الحكومة اللبنانية باستثمار قضية اللاجئين السوريين على أكثر من صعيد، فمن جهة تستخدمهم مادة إعلامية لتعلّق عليها فشلها الاقتصادي والإداري، ومن جهة أخرى، تحاول استخدامهم للحصول على مزيد من الدعم الأوروبي للبنان، وللوصول إلى أهداف سياسية تتمثل في محاولات إقناع الدول الأوروبية بضرورة الاعتراف بالنظام السوري والتطبيع معه، بذريعة هجرة السوريين غير الشرعية إلى أوروبا. فالحكومة اللبنانية، ولكل القوى السياسية فيها علاقة جيدة مع النظام السوري، تريد أن يبقى ملف السوريين مفتوحًا، من خلال عدم تنظيمه، والتمييز بين اللاجئين والمقيمين والنازحين بدون أوراق، واللاجئين السياسيين، والنازحين لأسباب اقتصادية، وستظلّ تُلقي على السوريين مسؤولية الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها لبنان، لكن من المتوقع أن الإجراءات التي ستقوم بها الحكومة اللبنانية ستبقى محدودة للحفاظ على علاقتها مع مفوضية اللاجئين، فاللاجئون مصدر رزق للحكومة اللبنانية، لذلك لن تصعد بهذا الملف لدرجة تقطع به المساعدات التي يحصل عليها لبنان.

في ظل استعصاء الحل في سورية، وتنامي التحريض على اللاجئين، هناك خشية حقيقية من تحول إجراءات بعض البلديات ودعوات الأمن الذاتي، التي تبث على وسائل التواصل الاجتماعي، وبعض وسائل الإعلام اللبناني، إلى انزلاق لبنان نحو الفوضى والفلتان الأمني الذي سيكون السوريون أول ضحاياه، والأخطر أن يُستجروا كلًا أو جزءًا للانخراط في مثل هذا السيناريو بدعوى الدفاع عن النفس. وإن جهود دعم مكافحة هجرة السوريين غير الشرعية نحو أوروبا لا تكون بتشديد الإجراءات وما يرافقها من الاعتقالات التعسفية والترحيل، فذلك لن يقدّم إلا مزيدًا من الفوضى والمشكلات الاجتماعية، إنما تكون عبر معالجة أسبابها الرئيسية أو دعم اللاجئين والمجتمعات المضيفة حتى تحقيق حلّ سياسي يتوافق مع رغبات السوريين والقرارات الأممية ذات الصلة.

من جانب آخر، يريد النظام السوري استخدام هذه الورقة سياسيًا أيضًا، لأن الضغط على اللاجئين في لبنان ودول اللجوء الأخرى سيدفع بعضهم للعودة إلى النظام، وسيُجبر الدول على التواصل وتطبيع العلاقات معه. وفي الوقت نفسه، هناك تقصير من مؤسسات المعارضة السورية الرسمية في التعامل مع هذا الملف، وتكتفي بالتصريحات فقط، دون بذل أي جهد من الممكن أن ينعكس إيجابًا على السوريين في لبنان. وهناك مسؤولية على المؤسسات الدولية، ولا سيما على مفوضية اللاجئين في رعاية اللاجئين السوريين في لبنان، في متابعة أوضاع المعتقلين منهم في سجن رومية، وتمييز اللاجئين السياسيين أو المعرّضين للخطر في حال عودتهم، وتسهيل إعادة توطينهم في بلد ثالث، وأن يعودوا إلى مناطقهم الأصلية بإشراف دولي، في حال اضطرارهم إلى ذلك.

[1] تقرير حقوقي: النظام السوري اعتقل في 2023 مئات العائدين إلى مناطقهم، الجزيرة نت، 2 كانون الثاني/ يناير 2024، شوهد في 13 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/ugfBlwzT

[2] الاستجابة الإقليمية للاجئين السوريين، بوابة البيانات التشغيلية، شوهد في 14 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/NkLi4rKD

[3] تحت مجهر الإنسانية تحديات السوريين في لبنان وقبرص وأوروبا، ونداء للعدالة والإنسانية، الرابطة السورية لكرامة المواطن، شوهد في 14 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/qVEnrZgz

[4] الأمن اللبناني يغلق أكثر من 500 مؤسسة للسوريين ويرحّل المئات، تلفزيون سوريا، 12 أيار/ مايو 2024، شوهد في 13 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/wycvyT0n

[5] بعد الإبلاغ بإخلائها.. حريق يلتهم 50 خيمة للاجئين السوريين في لبنان | فيديو، تلفزيون سوريا، 22 نيسان/ إبريل 2024، شوهد في 13 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/cgehcBCy

[6] تنظيم دخول وإقامة السوريين، المديرية العامة للأمن العام اللبناني، شوهد في 13 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/igKdXx8d

[7] ماذا بعد ترحيل اللاجئين قسرًا من لبنان؟ مركز وصول لحقوق الإنسان (ACHR)، 29 كانون الثاني/ يناير 2024، شوهد في 14 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/95KD84yD ؛ لبنان: تصاعد القمع ضد السوريين الترحيل غير القانوني والاحتجاز وسوء المعاملة، هيومن رايتس ووتش، 25 نيسان/ أبريل 2024، شوهد في 13 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/NCiB22kE

[8] الحكومة اللبنانية تعلن استئناف خطة إعادة اللاجئين السوريين بالتنسيق مع النظام، تلفزيون سوريا، 13 أيار/ مايو 2024، شوهد في 13 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/qac5ATrg

[9] “الحكومة اللبنانية تبحث إمكانية تفكيك مخيمات النازحين تمهيدًا لترحيلهم إلى سوريا”، 06 نيوز، 12 تشرين الثاني/ نوفمبر2023، شوهد في 13 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/MprlYYDI

[10] وزير العمل يصدر قرارًا بالمهن المحصورة باللبنانيين، 16 كانون الأول/ ديسمبر 2014، شوهد في 13 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/rN36ufx6

[11] سمير جعجع: علاقتنا مع النظام السوري كانت وما تزال سيئة ومسألة اللجوء خطر وجودي، تلفزيون سوريا، 19 نيسان/ أبريل 2024، شوهد في 13 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/YqOglb0k

[12] جعجع: 40% من السوريين في لبنان “لاجئون غير شرعيين”، موقع عنب بلدي، 19 نيسان/ أبريل 2024، شوهد في 13 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/Mf3Iu6Oo

[13] السوريون في لبنان يواجهون موجة جديدة من العداء: اعتداءات ومطالبات بالرحيل، موقع العربي، 12 أيار/ مايو 2024، شوهد في 13 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/G5PObeqB

[14] “ممنوع تجول السوريين ليلًا”.. قرار بلدية لبنانية يثير اتهامات بالعنصرية، تلفزيون العربي، 2 حزيران/ يونيو 2023، شوهد في 13 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/AcMpRBww

[15]لبنان يحذر من توظيف سوريين في المصانع دون أوراق قانونية، موقع عنب بلدي، 19 أيلول/ سبتمبر 2023، شوهد في 14 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/eO9ysx2o

[16] وزير الداخلية اللبناني يدعو للحد من وجود السوريين، موقع عنب بلدي، 9 أيار/ مايو 2024، شوهد في 13 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/ngwFJW6c

[17] النهار: “رشوة” أوروبية أم مقاربة جديدة للنازحين، الوكالة الوطنية للإعلام، 3 أيار/ مايو 2024، شوهد في 7 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/Deu18RV4

[18] سوري يحاول إنهاء حياته بمبيد حشري بعد ساعات من انتحار آخر في لبنان، تلفزيون سوريا، 12 أيار/ مايو 2024، شوهد في 13/ أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/jf8kLlEv

[19] عدد السوريين المغادرين لبنان بارتفاع.. منظمة الهجرة تحذر، موقع العربية، 1 أيار/ مايو 2024، شوهد في 13 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/rZ6r7XQ7

[20] المطارنة الموارنة يرفضون «الرغبة الدولية» بإبقاء اللاجئين السوريين في لبنان، صحيفة الشرق الأوسط، 1 أيار/ مايو 2024، شوهد في 7 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/LKElK2cy

[21] عمر قدور، الى السيد سمير جعجع: قبل ان تصبح لاجئًا، موقع المدن، 23 نيسان/ أبريل 2024، شوهد في 7 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/eKcOh2KF

[22] نصر الله: يجب إلغاء “قيصر” حتى يبقى لبنان.. تحذيرات بشأن النازحين السوريين، عربي 21، 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، شوهد في 7 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/x8YXTco7

[23] التتبع المالي بعد مؤتمر بروكسل – التقرير الرابع عشر (مايو 2023)، موقع الخدمة الدبلوماسية للاتحاد الأوروبي، 16 حزيران/ يونيو 2023، شوهد في 13 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/Y051YUet

[24] نجيب ميقاتي يقترح على فرنسا إعلان “مناطق آمنة” في سوريا لتسهيل إعادة اللاجئين، تلفزيون سوريا، 20 نيسان/ أبريل 2024، شوهد في 13 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/MP9JXr1L

[25] أحدث خطة للاستجابة الإقليمية تحذر من تزايد احتياجات اللاجئين السوريين والمجتمعات المضيفة مع انخفاض الموارد، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، 6 آذار/ مارس 2024، شوهد في 13 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/cTFKLhh4

[26] ممثل المفوضية ل المدن: عودة اللاجئين السوريين صعبة وطويلة الأمد، موقع المدن، 14 أيار/ مايو 2024، شوهد بتاريخ 16 أيار/ مايو 2024 في الرابط: https://bit.ly/4alOdU0

[27] بيان بشأن اتفاقية تبادل البيانات، المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان، 8 آب/ أغسطس 2023، شوهد في 13 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/Nctv8gh6

[28] ممثل المفوضية ل المدن: عودة اللاجئين السوريين صعبة وطويلة الأمد، موقع المدن، 14 أيار/ مايو 2024، شوهد بتاريخ 16 أيار/ مايو 2024 في الرابط: https://bit.ly/4alOdU0

[29] انتقادات لتهديد “حزب الله” بإغراق أوروبا باللاجئين السوريين، عربي إندبندنت، 4 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، شوهد في 13 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/81sADOV6

[30] مليار يورو من الاتحاد الأوروبي لاحتواء قوارب اللاجئين من لبنان… دون حل أزمتهم، صحيفة الشرق الأوسط، 1 أيار/ مايو 2024، شوهد في 13 أيار/ مايو 2024، الرابط: https://2u.pw/D4GAzPSK

تحميل الموضوع

مركز حرمون

——————————

لبنان الرسمي يشيطن اللاجئين السوريين/ حسام المحمود | خالد الجرعتلي | حسن إبراهيم

ورقة ابتزاز و”مكسر عصا” لصراعات بينية وإقليمية

12 مايو 2024

فتح مقتل المنسق في حزب “القوات اللبنانية، باسكال سليمان، في 8 من نيسان الماضي، الباب أمام معاناة لم تكن غائبة عن السوريين كليًا، لكنها تفاقمت بشدة بعد جريمة القتل التي اتهمت السلطات اللبنانية سوريين بالتورط بها.

الرواية القائمة على بيان للجيش اللبناني اتهم سوريين بالمشاركة في عملية الخطف بحجة سرقة سيارة باسكال سليمان، شكك بها لبنانيون، مشيرين إلى أطراف أخرى مؤثرة على الأرض، على صلة مباشرة بالقضية.

هذه القضية أعادت الوجود السوري في لبنان إلى الواجهة مجددًا، مع اختلاف في سياق الاستعمال هذه المرة، فإذا كان وجود السوريين في لبنان قضية متاحة يمكن استعادتها وتحويلها إلى شماعة أمام مشكلات داخلية عالقة متى دعت الحاجة، فالاستعمال هذه المرة جاء بوتيرة أعنف، وعلى أكثر من مستوى، مهددًا استقرار اللاجئين وبقاءهم في منازلهم، رافعًا أصواتًا تطالب بترحيلهم وإعادتهم من حيث جاؤوا.

تناقش عنب بلدي في هذا الملف وضع اللاجئين السوريين وشيطنتهم من قبل المؤسسات الرسمية والدوائر السياسية في لبنان، تارة بتحميلهم مسؤولية الجرائم، وأخرى بالمسؤولية عن تردي الظروف الاقتصادية، بينما يبدو لبنان أساسًا غارقًا في صراعات بينية وإقليمية لا دخل ولا قِبل بها للاجئين.

ويناقش الملف الظروف المستجدة التي تحيط بأوضاع السوريين، والخيارات المتاحة، في ظل عدم وجود جهة مسؤولة تولي أهمية معقولة لحاجات وهواجس الهاربين من الموت في بلادهم.

السوري محاصر

كما يجد السوري في لبنان نفسه محاصرًا بتسمية “نازح” التي يطلقها لبنان، و”لاجئ” التي يطلقها العالم والقانون على الهارب خارج حدود وطنه، فهو محاصر أيضًا بخطاب سياسي محرّض، وحوادث كراهية وعنصرية على الأرض تهدد وجوده.

ملامح هذا الحصار والتصعيد غير المسبوق على مستوى الكثافة، تجلت بدعوة وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، بسام مولوي، إلى الحد من الوجود السوري في لبنان، مؤكدًا ضرورة التشدد في تطبيق القوانين اللبنانية على اللاجئين السوريين.

تصريحات مولوي لم تقف عند هذا الحد، وسلكت مسارًا تصعيديًا أكبر، فخلال اجتماع استثنائي لمجلس الأمن المركزي اللبناني، قال مولوي، إن نسبة الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية بلغت 35% تقريبًا، وفق ما نقلته وسائل إعلام لبنانية، منها قناة “MTV“.

وأكد أن موضوع الوجود السوري بهذه الطريقة “غير مقبول” ولا يتحمله لبنان، وينبغي الحد منه بطريقة واضحة، وأن لبنان لن يقبل ببقاء السوريين على أراضيه مقابل مكاسب مالية.

وكان وزير المهجرين اللبناني، عصام شرف الدين، أدلى بتصريحات تحدث فيها عن وجود 20 ألف مسلح داخل مخيمات السوريين، ليرد وزير الداخلية بالقول، “لا أعلم إذا قام بعدّهم (في إشارة إلى شرف الدين)، ولدى القوى الأمنية جميع المعلومات فيما يخص المخيمات”.

وسبقت هذه التصريحات وترافقت معها وتبعتها حوادث عنصرية وكراهية ضد اللاجئين في لبنان، إذ تداول ناشطون عبر وسائل التواصل الاجتماعي تسجيلًا مصورًا لمجموعة مواطنين لبنانيين يطالبون اللاجئين السوريين بإخلاء إحدى المناطق التي يقيمون بها في لبنان.

ويظهر في التسجيل لبنانيون يستقلون دراجات نارية طالبوا عبر مكبرات الصوت اللاجئين السوريين في منطقة برج حمود بإخلاء المحال التجارية والمنازل خلال أيام، كما جرى تداول منشورات ورقية ملصقة على الجدران، تدعو كل سوري في منطقة الأشرفية، في بيروت، والرميل والصيفي، لمغادرة المنطقة، وعدم العودة نهائيًا، “تفاديًا لما ستؤول إليه الأمور من غضب وعنف وتفلّت أمني، في ظل غياب الدولة التام، وعدم ممارسة الأجهزة الأمنية والبلديات مهامها وواجباتها بحماية المواطنين اللبنانيين”.

في الوقت نفسه، جرى تداول تسجيلات مصورة تظهر حالات اعتداء على لاجئين سوريين في لبنان، منها ضرب عامل سوري في منطقة طبرجا.

أصابع اتهام للنظام

رئيس المركز اللبناني لحقوق الإنسان، وديع الأسمر، أوضح لعنب بلدي أن خطاب السلطات اللبنانية يعرّض اللاجئ السوري للعنف والاعتداء لأنه يمنح بعض المواطنين شعورًا بأنهم خارج دائرة المحاسبة، وبإمكانهم الاعتداء على لاجئين سوريين أو سوريين مقيمين في لبنان، أو من يظنون أنهم سوريون ربما لملامحهم، وهذا يحصل في الواقع، فالدول لا تلاحق في كثير من الأحيان من يرتكب جرائم كراهية وعنصرية بحق السوريين.

الأسمر اتهم المخابرات السورية بتحريك الحملة المعادية للسوريين من خلف الحدود أو عبر العملاء في لبنان، والدليل تناغم ذلك مع محاولة ضغط النظام السوري على المجتمع الدولي لتحصيل أموال ولإدخال عملة صعبة إلى سوريا، وتحديدًا الدولار الأمريكي.

ومنذ أكثر من عام تقريبًا، يضغط النظام على حلفائه في لبنان للدفع باتجاه إعادة السوريين إلى سوريا لتقدم الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المساعدات لهم في لبنان، ما يجعل هذه الحملة موجهة لخدمة النظام السوري، في الوقت الذي تتناغم معها أطياف سياسية تعارضه وفق المعلن، كحزب “القوات اللبنانية”.

وبرأيه، فرغم وجود أدوات لدى مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، يمكنها استخدامها للضغط على الدولة اللبنانية، لكنها لا تستعملها، فيما يوحي بوجود أجندة مختلفة لدى المنظمة الأممية عن حماية اللاجئين.

وردًا على سؤال حول الجهات المنوط بها حماية اللاجئ السوري، قال وديع الأسمر، “بالمبدأ، القضاء، لكن القضاء يتقاعس في هذه النقطة”، مشيرًا إلى ضرورة قيام السوريين في أوروبا بحملة واسعة للضغط على الحكومة اللبنانية لتأمين الحماية الجدية ومحاسبة الأمم المتحدة والمفوضية بسبب تهاونهما بحماية اللاجئين السوريين في لبنان.

نفي التحريض بالتحريض

التصعيد السياسي، والتصعيد عبر حوادث الكراهية، تبعته مرة أخرى تصريحات لوزير الداخلية اللبناني، بسام مولوي، نفى فيها تحريض الحكومة على السوريين، معتبرًا أن “اللبناني أبعد ما يكون عن العنصرية”، لكنه ربط حماية اللاجئين بوجودهم بشكل غير شرعي في بلاده.

وأضاف مولوي في حديثه إلى قناة “الحدث“، أن السلطات اللبنانية تدعو إلى تطبيق القانون، وأنه يوجد في لبنان نحو مليوني سوري، ولبنان عدد مواطنيه نحو أربعة ملايين فقط، كما أشار إلى أن أكثرية السوريين في لبنان إقاماتهم غير شرعية، ولا يملكون إقامات صادرة عن الأمن العام، وعملهم متفلت عن القوانين التي تسمح لهم بالعمل بمهن معينة في لبنان.

مولوي دعا أيضًا لتطبيق القوانين اللبنانية على جميع المقيمين في لبنان، دون اعتبار ذلك تحريضًا أو إثارة للفتن، معتبرًا أن اللبنانيين يريدون تطبيق القانون على الأرض اللبنانية، ولا يريدون الاعتداء على المواطنين السوريين، فلبنان ملتزم بحقوق الإنسان، والسلطات اللبنانية تحمي كل الموجودين على الأراضي اللبنانية بطريقة شرعية، موضحًا أن الحماية تنطلق من شرعية الإقامة على الأراضي اللبنانية، داعيًا كل اللبنانيين إلى التهدئة الجدية وعدم الانجرار خلف الفتن.

وبعد أيام، بقي الوجود السوري في لبنان متصدرًا الخطاب السياسي، إذ قال رئيس حزب “القوات اللبنانية”، سمير جعجع، إن 40% من السوريين في لبنان “لاجئون غير شرعيين”، وبيّن أن العلاقة مع الشعب السوري لطالما كانت جدية، لكن العلاقة مع النظام السوري كانت ولا تزال سيئة، مشددًا على التضامن مع ثورة الشعب السوري الذي يعتبر من أكثر الشعوب التي عانت في القرن الـ21.

وافترض جعجع استمرار “الأزمة السورية” 13 سنة إضافية، ووصول عدد السوريين في لبنان إلى أربعة ملايين، أي ما يوازي عدد المواطنين اللبنانيين، معتبرًا أن مسألة لجوء السوريين في لبنان “خطر وجودي فعلي يهدد لبنان”.

وأوضح أن لبنان بحسب القانون الدولي بلد عبور وليس بلد لجوء، وأن لبنان صرف 70 أو 80 مليار دولار جراء النزوح السوري، وسبب ذلك الفساد الدائر في الدولة، إذ يرى جعجع أن جميع السوريين في لبنان حاليًا وجودهم “غير شرعي”، باستثناء 300 ألف سوري لديهم إقامة.

وبرأيه، فإن الترحيل بحاجة إلى تحرك الدولة، مشيرًا إلى أن قانون الأمن العام ينص على ترحيل من لا يحمل إقامة، وهذا القرار الصحيح لا يحتاج إلى قرار قضائي، وأن الحل لبناني، وليس في الاتحاد الأوروبي، وفق تعبيره.

كما حمّل الأمن العام اللبناني، وقوى الأمن الداخلي، والجيش اللبناني، المسؤولية الأولى المركزية في مسألة اللجوء السوري، ورئيس الحكومة ووزيري الداخلية والدفاع، من الناحية السياسية، داعيًا وزير الداخلية لتطبيق التعاميم التي أصدرها.

أبدى جعجع الاستعداد لتقديم متطوعين لمعالجة مشكلة اللاجئين والعمل على هذا الملف، مشددًا على أنه إذا كان الاتحاد الأوروبي يعتبر ملف اللاجئين في لبنان مسألة إنسانية فليوزعهم على جميع الدول الأوروبية.

وفي 27 من نيسان الماضي، دعا “القوات اللبنانية” إلى “لقاء وطني” جرى بمشاركة أحزاب وكتل ونواب وشخصيات مستقلة وقادة رأي لبنانيين، وتضمن بيانه الختامي مجموعة “ثوابت”، منها تعزيز الرقابة على كامل الحدود مع سوريا، والعمل على ضبط المعابر غير الشرعية، وإقفال جميع المعابر غير الشرعية، التي يستمر عبرها تهريب السلاح والأشخاص والأموال والبضائع والمجرمين.

كما شدد البيان على ضرورة تنفيذ خطة مستعجلة وحاسمة لإعادة السوريين المقيمين في لبنان بطريقة “غير شرعية” إلى ديارهم، إنفاذًا للاتفاقية الموقعة في 2003 بين لبنان ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والتي لا تعتبر لبنان بلد لجوء، معتبرًا أن بقاء السوريين في لبنان بطريقة “غير شرعية” ينسف أسس الكيان ويشكل قنبلة موقوتة باتت على شفير الانفجار.

وخلال مقابلة أجراها مع وكالة “أسوشيتد برس“، قال سمير جعجع، إن مليونًا و700 ألف سوري يعيشون في لبنان بشكل “غير شرعي”، وفي القانون الدولي لا يعد لبنان بلد لجوء بل مرور.

وأضاف جعجع خلال المقابلة، أنه ما من دولة في العالم بلغت نسبة اللاجئين فيها نحو 50% من نسبة مواطنيها، كما دعا إلى تصحيح هذا “الوضع الشاذ” من خلال إعادة “المؤيدين للنظام” إلى المناطق التي يحكمها، وإعادة المعارضين إلى مناطق المعارضة.

لاجئون سوريون يستعدون لمغادرة مخيمهم في لبنان باتجاه سوريا- 26 تشرين الأول 2022 (فرانس برس)

لاجئون سوريون يستعدون لمغادرة مخيمهم في لبنان باتجاه سوريا- 26 تشرين الأول 2022 (فرانس برس)

أوروبا تستميل لبنان

حالة التوتر وغياب الاستقرار في لبنان بالمجمل، إلى جانب الخطاب المعادي للاجئين، انعكست على شكل تصاعد في تدفق اللاجئين من لبنان إلى قبرص، بعد استقبالها منذ بداية العام 3000 سوري، مقابل 4500 سوري في 2023.

على خلفية ذلك، زار الرئيس القبرصي ورئيسة المفوضية الأوروبية لبنان، في 2 من أيار الحالي، والتقيا رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، الذي طالب بإقرار أوروبي ودولي بأن أغلبية المناطق السورية باتت آمنة، ما يسهل عملية إعادة “النازحين”.

وتستهدف الخطة اللبنانية الرسمية لإعادة اللاجئين، في أولى مراحلها، السوريين الذين دخلوا إلى لبنان لأسباب اقتصادية بحتة، ولا تنطبق عليهم صفة النزوح، وفق ما نقلته الوكالة اللبنانية “الوطنية للإعلام“.

وقبل الزيارة، صعّد مسؤولون لبنانيون حدة خطابهم ضد الاتحاد الأوروبي، فهناك من طالبه بتوزيع اللاجئين على دوله، ومن لوّح بنقل السوريين بالسفن إلى أوروبا.

خلال زيارة الرئيس القبرصي ورئيسة المفوضية الأوروبية إلى لبنان، خصص الاتحاد الأوروبي مبلغ مليار دولار أمريكي للبنان، ضمن حزمة مالية تشمل:

    تعزيز الخدمات الأساسية والاستثمارات في مجالات مثل التعليم والحماية الاجتماعية والصحة لشعب لبنان.

    إصلاحات اقتصادية ومالية ومصرفية، إذ تعتبر هذه الإصلاحات أساسية لتحسين الوضع الاقتصادي العام للبلاد على المدى الطويل. وهذا من شأنه أن يسمح لبيئة الأعمال والقطاع المصرفي باستعادة ثقة المجتمع الدولي وبالتالي تمكين القطاع الخاص من الاستثمار. يحتاج لبنان ويستحق زخمًا اقتصاديًا إيجابيًا لإعطاء الفرص لأعماله ومواطنيه.

    دعم القوات المسلحة اللبنانية وقوى الأمن العام والداخلي، ويركز ذلك بشكل أساسي على توفير المعدات والتدريب والبنية التحتية اللازمة لإدارة الحدود. وبالإضافة إلى ذلك، سيكون من المفيد جدًا للبنان أن يبرم ترتيبات عمل مع وكالة “فرونتكس”، وخاصة فيما يتعلق بتبادل المعلومات والوعي بالوضع.

الحديث عن مليار يورو للبنان لم يكبح الخطاب الرسمي اللبناني، إذ طالب رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، خلال اللقاء نفسه، بإقرار أوروبي ودولي بأن أغلبية المناطق السورية باتت آمنة، ما يسهل عملية إعادة “النازحين”.

من جانبه، تساءل رئيس “التيار الوطني الحر”، جبران باسيل، في 3 من نيسان الماضي، خلال مؤتمر صحفي، حول آلية توزيع الأموال، وما إذا كانت ستوزع على سوريين وفلسطينيين قادمين من سوريا لاحقًا.

رئيس حزب “القوات اللبنانية”، سمير جعجع، قال في سلسلة منشورات عبر “إكس“، إن موقفه “ثابت ومبدئي وسيادي ولا يتبدل مع مليار يورو، أو عشرات المليارات”، وأضاف، “نحن مستمرون في كل ما نقوم به حتى إخراج آخر مهاجر غير شرعي من لبنان”.

لا حلول في الأفق

لطالما شكلت المنابر السياسية في لبنان الدافع الرئيس للخطاب العنصري الموجه ضد اللاجئين السوريين في البلاد، إذ ارتبطت هذه التصريحات بحملات عنصرية، وصلت إلى ذروتها في نيسان الماضي، وانعكست على حياة اللاجئين حتى في الشوارع.

قال مركز “وصول” لحقوق الإنسان، في 26 من نيسان، إن بلديات لبنانية شهدت، في 19 من الشهر نفسه، حملة لتشديد الإجراءات ضد اللاجئين السوريين، إذ أصدرت بلديات في محافظات جبل لبنان والشمال والبقاع قرارات تمييزية وإنذارات، وصولًا إلى طرد اللاجئين وإغلاق محالهم التجارية، تنفيذًا لتوجيهات وزير الداخلية، كما شهدت مخيمات اللاجئين خلال الفترة ذاتها تهديدات بالهدم.

وبحسب شهادات من لاجئات سوريات في لبنان، لعنب بلدي، تعرض، في 17 من نيسان، مخيما “سعد نايل” (عرب عيسى) و”هلالة” للمداهمة، مع تعليمات للاجئين بعدم استقبال أي شخص من مخيم “رجب” في بر إلياس والمرج، ما دفع ببعض اللاجئين لمحاولة نقل أمتعتهم إلى مكان آخر.

كما طالت بلاغات الإخلاء مخيمات في بر إلياس، ومخيمي “رجب المرج” و”دير زنون”، بذريعة وجود متورطين بجرائم في هذه المخيمات، كما جرى إيقاف قرار هدم مخيم في المرج بعد تدخل وجهاء ورجال دين، بينما أزيل مخيم كامل في بر إلياس، وفق ما نقلته وسائل إعلام لبنانية.

أكثر من لجوء.. أكثر من خطة

ترجع جذور مشكلة اللاجئين السوريين في لبنان إلى سنوات سابقة، قبل اتخاذها شكلها الحالي على وقع تصريحات المسؤولين اللبنانيين، رغم طرح خطط حكومية لحل المشكلة، دون تطبيقها، وصولًا إلى التسليم بعدم إمكانية الترحيل.

في تشرين الأول 2023، قال وزير الخارجية اللبناني، عبد الله بوحبيب، إن القرار الدولي تلخص بأن “لا عودة للنازحين”، إذ يبقى “النازح” حيث هو، ولن تدفع لهم الدول في حال عادوا، كما أن الأمم المتحدة ما زالت تعتبر سوريا دولة غير آمنة.

وأوضح الوزير أن رئيس النظام السوري، بشار الأسد، أبلغ الجانب اللبناني في وقت سابق باستعداده لاستقبال النازحين.

لكن الأسد أشار خلال لقائه وفدًا لبنانيًا، في شباط الماضي، إلى صعوبة عودتهم في ظل حصولهم على مساعدات خارجية، كما أن قراهم مدمرة ولا يمكن إعادة إعمارها دون توفر دعم عربي ودولي، وفق ما نقله بوحبيب.

قاد إلى هذه النتيجة موجة لجوء جديدة من سوريا نحو لبنان، بدأت منذ آب 2023، في ظل استمرار الظروف الطاردة للسوريين من بلدهم.

ووفق تصنيفات دولية، وأممية، وأخرى صادرة عن منظمات حقوقية دولية، لا تعتبر سوريا بلدًا آمنًا لإعادة اللاجئين إليها، والوضع الاقتصادي والمعيشي يضع منذ سنوات أكثر من 90% من السوريين تحت خط الفقر.

السياسي والنائب السابق في البرلمان اللبناني مصطفى علوش، قال لعنب بلدي، إن مبدأ طول مدة البقاء في لبنان وانسداد أفق العودة وتراجع الوضع الاقتصادي لعب دورًا بتنامي العنصرية ضد اللاجئين، رغم تعاطف الكثير من اللبنانيين مع السوريين ضد الظلم.

وأضاف أن بعض “الجرائم الفردية” بمختلف أنواعها والمرتبطة منها بسوريين، لا تحتاج إلى استخدام سياسي لتظهر، لكن الاستخدام السياسي لملف اللاجئين حاضر أيضًا، وتشكل العوامل السابقة جميعها سببًا رئيسًا لتنامي هذا الخطاب.

يعتبر عجز القوى السياسية في لبنان عن حل المشكلات الأساسية في ملف اللجوء والاستخدام السياسي للملف سببًا رئيسًا في تصاعد حدة الأحداث، وأعمال العنف ضد اللاجئين.

لفت علوش إلى أن استغلال ملف اللاجئين السوريين لم يحصل فقط في لبنان، إنما حصل في تركيا أيضًا، ودفع نحو بعض الإجراءات التي ضيّقت على اللاجئين أيضًا هناك.

الباحث المتخصص بشؤون لبنان في منظمة “هيومن رايتس ووتش” رمزي قيس، قال لعنب بلدي، إن خطاب الكراهية الموجه من قبل مسؤولين لبنانيين نحو اللاجئين، تُرجم على الأرض من خلال اعتداءات وقرارات اتخذت مؤخرًا بحق السوريين، والخطاب لم يتحول لاعتداءات من قبل أفراد عاديين في الشوارع، إنما اتخذ شكل قوانين، إذ أقرت بعض البلديات منع اللاجئين السوريين من التحرك خلال أوقات محددة، أو إخلاء منازلهم وأماكن عملهم في بعض المناطق.

كما اعتقل الجيش اللبناني لاجئين سوريين، ثم رحّلهم إلى سوريا دون حتى النظر إلى المخاطر المحيطة بعملية الترحيل على اللاجئين أنفسهم، ومنهم منشقون عن جيش النظام، وآخرون معارضون للنظام.

وبحسب قيس، يفرض المسؤولون اللبنانيون منذ سنوات ممارسات تمييزية ضد السوريين كوسيلة لإجبارهم على العودة إلى سوريا، التي لا تزال غير آمنة.

وفي حزيران 2023، طفت على السطح مسألة دفع فواتير الكهرباء للاجئين السوريين والفلسطينيين في لبنان.

وقال وزير الطاقة اللبناني، وليد فياض، إنه يجب دفع ثمن الكهرباء لأن لها تكلفة إنتاج وتوزيع وصيانة ورواتب، ويجب تغطيتها من خلال تعرفة الكهرباء.

وأضاف أنه ليس مطلوبًا من اللبنانيين أن يغطوا تكلفة استهلاك السوريين والفلسطينيين، وعلى كل طرف أن يغطي تكلفة استهلاكه، وفق ما نقلته الوكالة “اللبنانية” الوطنية للإعلام.

وجرى الاتفاق حينها على تشكيل لجنتين فنيتين، تعنى الأولى بالمخيمات السورية، لدفع المستحقات المتوجبة عليها، والثانية باللاجئين الفلسطينيين، وأول اجتماع سيحصل في مؤسسة كهرباء لبنان سيخصص لموضوع المخيمات الفلسطينية والثاني للمخيمات السورية.

في 30 من أيار 2023، فرضت بلدية بنت جبيل، في محافظة النبطية اللبنانية، حظر تجول على اللاجئين السوريين، يوميًا من الساعة الثامنة مساء وحتى الخامسة صباحًا.

المفوضية غائبة.. النظام متفرج

كان الخوف يخيم على لاجئين سوريين يقيمون في لبنان، تواصلت معهم عنب بلدي للاطلاع على قصصهم، إذ رفض معظمهم الحديث، خوفًا من التعرض للاعتداء أو الترحيل.

أحد الناشطين السوريين المقيمين في لبنان، فضل عدم ذكر اسمه لمخاوفه الأمنية، قال لعنب بلدي، إنه وثق حالات اعتداء على لاجئين سوريين في لبنان، وتمكن من معرفة هوية الأفراد المعتدين، لكنه عاجز عن إيصال هذه المعلومات إلى منافذ قانونية، كونه يعلم يقينًا أن خطوة من هذا النوع ستنعكس عليه سلبًا لا على المعتدين.

وأضاف أن مفوضية اللاجئين غائبة عن هذه الأحداث، خصوصًا أنها لا تملك “خطة طوارئ” لمثل هذا النوع من الأحداث.

الناشط الحقوقي صهيب عبدو (يقيم في لبنان)، قال لعنب بلدي، إنه وثق خلال عمله مؤخرًا قصصًا لشباب سوريين تعرضوا لاعتداءات في الشوارع، ووجد أن أفرادًا لبنانيين تكررت أسماؤهم في حوادث متفرقة من هذا النوع.

وأضاف أن الشبان الذين تعرضوا للاعتداء يرفضون باستمرار التوجه لمؤسسات إنفاذ القانون لاسترداد حقوقهم.

وأشار عبدو إلى أن من بين المعتدى عليهم شابًا سوريًا مسجلًا لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، يرفض أيضًا إبلاغ المفوضية بتعرضه لاعتداء، نظرًا لوجود انطباع لديه أن بعض العاملين لدى المفوضية يدينون بالولاء لأحزاب لبنانية، ما قد ينعكس على اللاجئ سلبًا في حال أبلغ عن حالته، موضحًا أن حالة عدم الثقة بموظفي المفوضية مبررة جزئيًا، لكن لا يمكن تعميم هذا الوصف على جميع العاملين فيها.

ولم تجب المفوضية السامية لحقوق اللاجئين عن أسئلة طرحتها عنب بلدي حول التصعيد الحاصل في لبنان تجاه اللاجئين.

أحدث ما نشره الموقع الرسمي للمفوضية في لبنان حول أعمال العنف ضد اللاجئين كان في 11 من نيسان الماضي، إذ قالت إنها نبهت اللاجئين عبر تطبيق “واتساب” لضرورة البقاء متيقظين خلال المظاهرات، وإغلاق الطرقات، أو أي تدابير تقييدية أخرى في مناطق إقامتهم، وتجنّب التجمعات الكبيرة.

وأضافت أن اللاجئين أنفسهم هم “الأنسب في اتخاذ القرار” حول سلامتهم الشخصية ومحيطهم، مشيرة إلى أن خدماتها تبقى متاحة خلال ساعات العمل الرسمية، ما لم يُعلن خلاف ذلك.

أين النظام من التصعيد

تجاهل النظام السوري ما يحدث من انتهاكات ضد السوريين في لبنان، كالعادة، واكتفى بتعليق من السفارة السورية في بيروت، أدانت عبره مقتل باسكال سليمان وبعض ردود الفعل التي أدت إلى اعتداءات طالت بعض السوريين.

وذكرت، في 12 من نيسان، أنها تتابع أمور السوريين في لبنان بالتنسيق مع الجهات اللبنانية المختصة بما يصون “العلاقة الأخوية بين الشعبين”، دون أن يخلو منشور السفارة من الرسائل، بأن الحكومة السورية كانت ولا تزال مع عودة السوريين إلى بلادهم، لكن ما يعوق العودة تسييس الملف من الدول المانحة وبعض المنظمات الدولية المعنية بالملف، والإجراءات القسرية الأحادية المفروضة على الشعب السوري، حسب قولها.

كما غاب الحديث حول الانتهاكات بحق اللاجئين السوريين في لبنان عن وسائل الإعلام السورية الرسمية والمقربة من النظام، فكانت تغطية الوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا) عن لبنان منحصرة بالتصعيد الإسرائيلي المتبادل مع “حزب الله”.

صحيفة “الوطن” المحلية واكبت تصريحات مسؤولين وشخصيات ورجال دين لبنانيين بما يتماشى مع رواية النظام السوري، حول العمل على عودة السوريين إلى بلدهم عودة “كريمة”، كما نقلت في تصريح خاص عن وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، عصام شرف الدين، قوله إن الحراك اللبناني الحاصل حاليًا يركز على الخارج على اعتبار أن المعرقل الأساسي لعودة النازحين هم أمريكا والغرب، لأنهم يستثمرون في هذا الملف.

المحلل السياسي سامر خليوي قال لعنب بلدي، إن النظام السوري لا يعترض على ما تقوم به الحكومة اللبنانية ضد اللاجئين السوريين على الحكومة اللبنانية ضد اللاجئين السوريين أراضيها، لأن اللاجئين يرفضون العودة إلى سوريا رغم ظروفهم الصعبة في لبنان، لذلك فالنظام وعلى رأسه بشار الأسد مرتاح لتلك الملاحقات.

وذكر خليوي أن موقف النظام لم يتغير تجاه ما يحدث مع السوريين في لبنان، كونه مطمئنًا بأن من يحكم لبنان هو “حزب الله” ومن يواليه، وهناك تواصل وتنسيق وتقاطع مصالح بين الأطراف، لافتًا إلى أن ما يهم بشار الأسد في لبنان هو أنه دولة عبور وتجارة للمخدرات التي يتشاركها مع “حزب الله”، والالتفاف على العقوبات المفروضة عليه.

ويرى خليوي أن السبب الرئيس لصمت النظام هو أن بشار الأسد لا يكترث بالمطلق بحال السوريين سواء داخل سوريا أو خارجها، وهذا أدى إلى تساؤل بعض مؤيديه عن عدم قيامه بأي إجراءات للاعتداءات العنصرية في لبنان، والتي لا تميز عادة ما بين مؤيد ومعارض للأسد.

يعد أبسط مبرر لوجود أي دولة أو حكومة في أي بقعة جغرافية هو تأمين الحماية لمواطنيها، وبموجب القوانين والمعاهدات الدولية، تتحمل الدولة مسؤولية حماية مواطنيها في الخارج وضمان سلامتهم وحقوقهم، كما يحدد مسؤوليتها في ذلك القانون والدستور.

وتعد وزارة الخارجية والمغتربين السورية مسؤولة عن حماية حقوق السوريين في الخارج، بحسب مهامها وبناء على أحكام الدستور، وتشمل العناية بشؤون السوريين في الخارج ورعايتهم والعمل على توثيق الروابط بينهم وبين الوطن الأم، وإبداء الرأي في التشريعات والأنظمة المتعلقة بالمغتربين.

ومن مهامها رعاية السوريين في علاقاتهم بالدول الأخرى وحماية مصالحهم الاقتصادية والثقافية وغيرها، والتدخل عند الاقتضاء من أجل هذه الغاية لدى السفارات والممثليات أو لدى الجهات الرسمية في الدول المعنية، وممارسة جميع الاختصاصات القنصلية، ورعاية أحوال السوريين المدنية والشخصية في الخارج.

الباحث في مركز “عمران للدراسات” نادر الخليل، قال لعنب بلدي، إن النظام لا يريد عودة اللاجئين لعدة أسباب، في مقدمتها عدم قدرته على الوفاء بالأعباء والمتطلبات الاقتصادية والخدمية الأساسية التي لا يستطيع تقديمها للموجودين أساسًا في مناطق سيطرته.

ورغم ذلك، لا يفوت النظام أي فرصة لاستغلال وجود اللاجئين في دول الجوار وما يترتب على ذلك من مشكلات، عبر مناورات ومحاولات ابتزاز لتحقيق مكاسب له، وفق الباحث.

ويعتقد الخليل أن للنظام مصلحة في تعقيد أوضاع السوريين في لبنان، بغية التسبب بضغط على المجتمع الدولي، والدول الغربية تحديدًا، لإيجاد حلول باتجاه إعادتهم إلى سوريا، ما يعني التفاوض مع النظام، لخلق بيئة آمنة لعودتهم، وتمويل عمليات إعادة الإعمار، تحت عنوان “التعافي المبكر”، بهدف خلق بيئة تسمح بعودة نسبة كبيرة من اللاجئين، بما يخدم مصالح النظام باستجلاب أموال دولية لتمويل إعادة تأهيله اقتصاديًا وسياسيًا.

عنب بلدي

——————————

السوري العاري.. السوري مجازاً/ عمر قدور

2024/05/18

قبل يومين من جلسة نيابية مخصصة لملف اللاجئين السوريين في لبنان، اقترح زعيم حزب الله حسن نصرالله فتح البحر أمام السوريين كي يغادروا إلى البر الأوروبي، وهو واثق من أن الأوروبيين سيهرعون لتقديم رشوة كبيرة للبنان كي يمنع انطلاق قوارب الهجرة من شطآنه. وكان سمير جعجع قد طالب بترحيل اللاجئين إلى سوريا، وفي الأيام الأخيرة أقدم الأمن اللبناني على ترحيل المئات من دون اعتراض أو اكتراث لبناني بمصائرهم.

قلائل جداً جداً من اللبنانيين هم الذين عبّروا عن تعاطف مع اللاجئين في وسائل الإعلام أو على وسائل التواصل الاجتماعي، ويمكن بسهولة ملاحظة عدم اكتراث أشخاص كانوا تقليدياً في موقع التعاطف. وإذ يمكن ردّ جزء من الاستنكاف عن التعاطف إلى الأحوال المتفجرة في الجنوب اللبناني، والتوجّس من المستقبل ككل، فإن هذا يبرر فقط نسبة ضئيلة جداً منه، لأن هؤلاء المتعاطفين المتقاعدين يتفاعلون على وسائل التواصل الاجتماعي مع أحداث أدنى شأناً وأثراً على الصعيد الإنساني.

إلا أن تراتبية التوصيف الأخير هي ما نفترضه نحن، أو يفترضه عموم السوريين لجهة منح أنفسهم مكانة إنسانية، وهو ما لا يتفق مع أحوالهم والنظرة السائدة إليهم من قبل آخرين، ولا يتفق حتى مع استنكاف الفئة المُشار إليها. ففي الواقع لم يعد يُنظر إلى السوري بوصفه إنساناً، إذا كان الوصف يتضمن كالمعتاد قيَماً في رأسها كرامة الإنسان التي تميّزه في المجتمع عن باقي الكائنات الحية. هذه الكرامة تقتضي، في الحد الأدنى مثلاً، عدم زجّ اللاجئين في الشاحنات كأنهم كائنات غير إنسانية ورميهم إلى المجهول.

السوري اليوم هو السوري العاري من كل ما يسند إنسانيته، ذلك في الوقت نفسه الذي صار فيه “قضية إنسانية”. فتعبير “قضية إنسانية” هو بالأحرى ملطّف عن اللاقضية وعن الشرط اللاإنساني الذي يقبع فيه الضحايا. أيضاً تعبير الضحايا يحيل هنا إلى العنف الذي أوصلهم إلى هذا الدرك، بمعنى أنه لا ينطوي على صلاحية مستمرة أو مطلقة.

وبخلاف الظن الشائع، لا تنال القضايا الإنسانية سوى تعاطف شرائح محدودة في العالم ككل. ومن الشائع جداً أن نيل التضامن والدعم مقترن بقضية ما ذات أفق سياسي، وأن تحوّلها إلى “قضية إنسانية” يؤذن بانحسار التضامن الواسع مع أبنائها، بل يُنذر ببدء التململ من أعبائهم على المجتمعات المتأثرة بمأساتهم. في حالات قصوى، خاصة في غياب القوانين أو تطبيقها، قد يتعرّض الضحايا إلى تعنيف إضافي “لفظي أو فعلي” من قبل المجتمعات المضيفة، لأنهم صاروا عملياً في أدنى السلم الاجتماعي، ولطالما دفعت الفئات الدنيا اجتماعياً ثمن موقعها رغم كونها نظرياً خارج أي صراع وأضعف من خوضه أصلاً.

السوري، موضوع الحديث، هو سوري مجازاً. ففي الواقع الراهن ليس هناك سوريا؛ ما هو موجود عبارة عن سلطات أمر واقع في جغرافيا ممزقة كانت تحمل هذا الاسم، ولا تتصرف أية سلطة منها بوصفها سلطة وطنية تسعى لتمثيل السوريين، بما فيها سلطة الأسد التي تشغل في الأمم المتحدة والهيئات الدولية مقعد الجغرافيا التي كان اسمها سوريا. أي أن السلطة الأخيرة، إذا صرفنا النظر عن كل جرائمها، ليست وطنية لأنها لا تدّعي ذلك ولا تتصرف على أساسه، وإلا لما وضعت “على سبيل المثال” شروطاً لعودة أبناء البلد، هي بمثابة ابتزاز للعالم بهؤلاء الذين سبق لها تهجيرهم.

لا يوجد اليوم سلطة ومعارضة سوريتين، إذ ليس هناك أي مشروع لدى الأولى، وفي المقابل منها ليس هناك مشروع سياسي معارض. النازحون وغير النازحين ينتمون بموجب إقامتهم إلى سيطرة واحدة من سلطات الأمر الواقع، أما اللاجئون في الخارج فمعظمهم ينتمي مجازاً إلى سوريا التي لم يعد لها وجود، بينما لا ينتمي واقعياً إلى أي كيان يمثّل الماضي أو يتطلع إلى مستقبل سوري.

هذا الانحلال السياسي شبه المطلق ساهم في تحويل السوريين جميعاً إلى “قضية إنسانية”، وبمؤازرة لا تُنكر من المعارضة التي لم يبقَ لديها ما تقوله بعد الظنّ أن التعاطف مع المأساة الإنسانية سوف يُترجم بتدخل دولي لإنصاف الضحايا. وإذا أعدنا الشريط إلى الوراء: هناك سوريون ثاروا من أجل مستقبل أكثر كرامة لهم، أي أنهم قاموا بفعل سياسي شجاع جداً ضمن ظروف القمع. خلال ثلاثة عشر عاماً تم تحويل السوري من كائن سياسي إلى كائن بيولوجي يتسوّل فرصة العيش الآمن هنا أو هناك، وضمن شروط لاإنسانية.

اليوم عندما يُحكى عن ملايين اللاجئين فالحديث هو عن ملايين المحتاجين إلى غذاء ورعاية طبية، والأطفال الذين لا يجوز في هذا العصر أن يكبروا بلا مدارس وتعليم، أي أن الاهتمام بمعظمه منصرف إلى حاجات بيولوجية، وهي حاجات لا تعطي السوريين أية ميزة عن ملايين المحتاجين في العالم. حتى القول أنهم وصلوا إلى هذا الدرك لأسباب سياسية، وهو صحيح، يفقد فعاليته خارج استخدامه في التوصيف طالما أن السوريين المعنيين لا ينظرون إلى أنفسهم أبعد من كونهم قضية إنسانية.

يجوز القول أنّ في أساس السلوك الغرائزي للسلطات المتوحشة تحويل البشر، متى طالبوا بحقوقهم ككائنات سياسية، إلى كائنات بيولوجية يعزّ عليها تأمين الحد الأدنى من العيش. بهذه الطريقة تتقوض المفاضلة بين ما كانوا عليه وما سعوا من أجله، لتكون المفاضلة بين ما كانوا عليه قبل ذلك السعي وما أوصِلوا إليه بسبب تجرؤهم. هذه أمثولة لا تخص السوريين وحدهم، ويُراد منها دائماً استخلاص النتيجة المعدّة سلفاً وهي الخنوع والاستسلام. ربما ما تتميز به الحالة السورية هو أن الاستسلام، بعد الثورة، لم يكن مأمون العواقب أيضاً.

يتحمّل السوريين على الأقل جزءاً من مسؤولية تحولهم إلى قضية إنسانية، فهُم لم ينتظموا على نحو يضطر الآخرين إلى النظر إليهم ككائنات فوق بيولوجية. لم ينتظم السوريون ذاتياً لا على المستوى الكلي ولا على مستويات أدنى، فهياكل المعارضة فقدت الرصيد المتواضع بدل زيادته، ولم تنشأ حتى هياكل وظيفية في بلدان اللجوء، فليس هناك مثلاً لجان عليا لتمثيل اللاجئين في الأردن أو لبنان أو تركيا. ليس هناك على الإطلاق ما يمكن تسميته باجتماع سياسي سوري، ولو كان اجتماعاً يعبّر عن انقساماتهم.

ثمة فكرة شائعة مفادها أننا في عالم لا يقيم وزناً للضعفاء، ولا شكّ في أنها تزداد وجاهة عندما يكونون ميؤوساً منهم، فكيف إذا كانوا هم مستسلمين ويائسين بالمطلق من أنفسهم؟

المدن

———————————–

الشعبوية واللاجئون السوريون في لبنان/ باسل. ف. صالح

18 مايو 2024

وصل تعامل الجهات الرسمية والسياسية والحزبية اللبنانية مع ملفّ اللاجئين والنازحين السوريين إلى دركٍ لم يصل إليه من قبل. فهو بالإضافة إلى الطريقة العشوائية، التي لطالما اعتمدتها السلطات اللبنانية في التعامل مع الملفّ من دون مراعاة أيّ حساسية في معالجة ملفّ حسّاس كهذا، وصلت الطروحات الشعبوية، أخيراً، إلى نقطةٍ لم يعد معها ضرر عشوائيتها وقصورها يطاول الملفّ والقضية فحسب، بل أصبح يطاول، حتّى أيّ إمكانية جديّة للمعالجة في المُقبل من الأيام، فالتفكير القاصر أوصلنا، اليوم، إلى نقمة شعبية مُتدحرجة بين اللبنانيين والسوريين، نقمة تكثّفت إمكانيات غليانها منذ أيام، حين دعا الأمينُ العام لحزب الله، حسن نصر الله، الحكومةَ اللبنانية إلى تسهيل أمر هجرة اللاجئين في البحر تجاه أوروبا.

لعلّه من المُجدي، في هذا المكان بالتحديد، التذكير بالقضية الأساس، وهي أنّ نصر الله وحزبه، ومن خلفهما إيران وحلفائها، يحتلّون أراضي ممتدّة في الداخل السوري، أي أراضي أولئك اللاجئين أنفسهم. وهو تذكير يريح القول، إذ يمكن اختصار القضية بأكملها في شروطها الأولى، التي تقول إنّ انسحاب قوات الحزب وإيران وحلفائهما من سورية يفسح المجال المنطقي، ويبدأ بتعبيد الطريق العملاني أمام دعوة السوريين إلى العودة إلى بلادهم، لا أن يتخطّى نصر الله ذلك، في التفافٍ واضحٍ ترجمه بدعوة الحكومة اللبنانية للسمسرة على ظهور اللاجئين، والإمعان في ابتزاز أوروبا بملفٍّ يحتاج حلولاً تقنية وعلمية، تتمتّع بحسّ عالٍ من المسؤولية الإنسانية والسياسية، والأخلاقية قبل كلّ شيء.

وفي المقلب الآخر، لطالما عملت السلطات اللبنانية على التغطية على هذا النوع من القضايا الشائكة والحسّاسة، بالعمل على حرف الأنظار عن النقطة الأساس، وتتمثّل، في هذا الملفّ، بانسحاب الحزب من سورية، لتعود وترمي الأمر في غرفة العناية الشعبية عرضة للمقاربات والمزايدات اليمينية والفوقية العنصرية والشوفينية كافّةً، التي تزيد المشكلة تأزّماً، بينما تعمل هي في الخفاء على استثمار الأزمة، وليس معالجتها، سيّما أنّ تاريخ الأحداث والصراع السائد، اليوم في المنطقة، قد تخطّى ذلك، إذ تحوّلت حلول البارحة أزماتٍ اليوم، فضلاً عن أنّ كمّية التأزيم الإقليمي تحتاج، أولاً وأخيراً، إلى المساهمة الجدّية في وقف التأزيم الداخلي، في هذا الملفّ وفي غيره، بطرق علمية وعقلانية أيضاً، وأيضاً. ولذلك، البحث الممكن والمجدي، اليوم، في ظلّ هذا الانسداد التامّ أمام كل الملفات، بسبب تأزم الوضعيْن الداخلي والدولي، يُلزم نصر الله، قبل غيره من القيادات اللبنانية، سحب الفتيل التفجيري واستبعاد الحلول الشعبوية المطروحة على الطاولة، خصوصاً التي لم تعد تأتي بثمارها، تلك التي يسارع الجميع إلى التكلّم عنها على عجل، من دون التفكير في تداعياتها التي ستزيد الكارثة، في دولةٍ لا تمتلك القرارات المصيرية بيدها، وفق كلام رئيس الحكومة نفسه، وفي ظلّ حكومةٍ لا تتمتّع بأدنى مقوّمات الشرعية الدستورية.

اليوم، وبعد كلام نصر الله، ومطالبته برمي السوريين في البحر، والاستثمار على ظهرهم، ولو بلغة وتعابير مخفّفة، والصمت المُدوّي إزاء تصريحٍ كهذا، سيحمّل الحكومة تبعات كلّ محاولة هجرة غير شرعية عبر البحر، إن كانت تعلم بها، وإن كانت لا تعلم. إذ سينظر المجتمع الدولي إلى أيّ قارب هجرة بحريّة بمثابة قرار تتحمّل السلطات اللبنانية مسؤوليّته، وقد جرى بمعرفتها وبموافقتها وبتسهيلٍ منها، فهل هذا ما تريده الحكومة حقاً، في وقت يحاول رئيس الحكومة استدرار العطف الدولي والعربي لمساعدة لبنان؟… كما أنّ كلام نصر الله يفاقم، في مجال آخر، النقمة بين السوريين واللبنانيين، إذ ستصل إلى مجالاتٍ احتقانية لم تصل إليها من قبل، ويمكن أن تُترجمَ بمواجهاتٍ داخلية لا تُحمد عقباها، لانسداد أيّ إمكانية لمعالجة هذا الملفّ على نحو علمي وانساني وسياسي. نقمة من دون أيّ صرافة تساهم جدّياً في حلّ هذه القضية التي تحتاج إلى حلّ. أو هي، بتوصيف لبناني آخر، “نقمة ببلاش، ومن دون أيّ مردود عملي”.

 الكلام الارتجالي سيضع لبنان أمام مشكلات جديدة من نوعها أمام المجتمع الدولي، وأمام الاتحاد الأوروبي، وأمام الشرعية الدولية، إذ لن تقف تداعياتها على الداخل اللبناني فحسب، بل يمكن أن تمتدّ لتطاول المهاجرين اللبنانيين، كما أنّ من الممكن أن تزيد القبضة الأمنية والتضييق الدولي على أيّ من المهاجرين اللبنانيين في القادم من الأيام. هذا كلّه، يظهر أنّ الخناق يضيق على لبنان أكثر فأكثر، بأيدي اللبنانيين أنفسهم، وليس بمؤامرة دولية عليهم. وأولئك الذين كانوا يريدون الخلاص من هذا الملفّ بكلّ الأشكال الشعبوية والتلفيقية العشوائية المُتسرّعة الممكنة، سيضعهم سير الأحداث وتداعياتها أمام التسريع في حلول لا يريدونها، لأنّ قصر النظر يساهم في تحقيقها، خصوصاً في غياب عقل استراتيجي يدير الواقع السياسي اللبناني، بل تُرانا نعود مرّة جديدة إلى البداية، إلى عقل يفتقد أبسط شروط التعقّل والمعقولية والعلمية في طرح القضايا، والملفّات السياسية والإنسانية الحسّاسة. عقل يريد أن يقولب القضايا على قياسه، لأنّه يريد التهرّب من معالجتها. عقل يفسح الطريق أمام عالم العشوائية المطلقة، التي لن تكون نتائجها إلا وبالاً لن يدفع ثمنه هؤلاء الذين يتمتّعون برؤوس حامية فحسب، بل أولئك الذين لا علاقة لهم بالرؤوس الحامية، لا من قريب ولا من بعيد.

 العربي الجديد

 —————————

اللجوء السوري في لبنان على مائدة الجميع من جديد/ محمد فواز

2024.05.18

عقد مجلس النواب اللبناني جلسة نيابية مستعجلة مخصصة لملف اللجوء السوري في لبنان. فقد تفاعل هذا الملف بشكل حاد في الأيام الأخيرة بأحداث أعادته إلى دائرة الضوء الرئيسة، على الرغم من أنه لم يغب عنها يوماً منذ عقد أو أكثر.

إن لبنان الذي يعيش فيه نحو أربعة ملايين لبناني، لجأ إليه أكثر من مليوني لاجئ سوري يتوزعون على مختلف المحافظات اللبنانية، وتختلف ظروف كل منهم.

منذ نحو شهر، وبعد خطف وقتل مسؤول القوات اللبنانية في جبيل، باسكال سليمان، بعد اقتياده إلى سوريا، تأججت المشاعر اللبنانية على إثره واستخدم الحدث للتحريض على اللاجئين، ما أدى إلى خروج موجات شعبية متطرفة تضرب وتطرد السوريين أينما وجدوا.

استغلت مختلف الأحزاب اللبنانية الظرف لطرح وجهة نظرها بموضوع اللجوء السوري، وبدأت الأجهزة الأمنية اللبنانية بوضع خطط لترحيل اللاجئين. بعدها بأيام، أعلن الاتحاد الأوروبي عن حزمة مساعدات مالية بقيمة مليار يورو للبنان حتى العام 2027 بهدف دعم “الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، ودعم الجيش والقوى الأمنية”.

ثارت ثائرة غالبية القوى اللبنانية لاعتبار هذه المساعدات رشوة وتثبيتاً لواقع اللجوء الحالي حتى عام 2027 على أقل تقدير. وتسارعت المشاورات بين الأحزاب التي خلصت إلى ما أُقر في جلسة المجلس النيابي الأخيرة.

الإجراءات الحالية

يشعر كل السوريين في لبنان بالخوف من الخروج من الخيام أو المنازل أو أماكن العمل، ويشعرون بالخوف حتى في البقاء فيها، فالتعديات الشعبوية تحصل اليوم على “قبة باط” رسمية، إضافة إلى إجراءات رسمية مشددة على رأسها خطة الأمن العام التي تم الإعلان عنها.

ركزت خطة الأمن العام على “الطلب من السوريين المخالفين لنظام الدخول والإقامة، التوجه مباشرة إلى الدوائر والمراكز الحدودية لمنحهم التسهيلات اللازمة”، و”التشديد على المواطنين اللبنانيين بعدم تشغيل أو إيواء أو تأمين سكن لسوريين مقيمين بطريقة غير شرعية”، و”عدم السماح للسوريين المسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بممارسة أي عمل مأجور خارج قطاعات العمل المحددة لهم”، و”استئناف تنظيم عمليات العودة”، وغيرها من إجراءات التشديد في عملية الحصول على إقامة.

أما المجلس النيابي، فقد ذهب في نفس اتجاه الأمن العام والحالة اللبنانية المحتقنة عامةً بإجراءات تهدف إلى التضييق على السوريين والضغط على المجتمع الدولي لإيجاد حل للمسألة.

بالإضافة إلى ذلك، عقد اجتماع “شبه رئاسي” في بكركي بقيادة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، وضم قادة الأجهزة الأمنية ووزراء وخبراء، حيث تناقشوا في واقع اللجوء السوري وكيفية معالجته. اعتُبر هذا الاجتماع مقدمةً لجلسة مجلس النواب والصائغ الأول لأبرز بنوده وتوجهاته.

مواقف المعنيين بالقضية.. سببها ومستقبلها

لا شك أن اللبناني اليوم يعاني من مشاكل كبرى مركبة: اقتصادية، اجتماعية، بيئية، سياسية، أمنية، وغيرها. ووجود عدد كبير من اللاجئين على أراضيه يزيد الضغط على لبنان واللبنانيين، إلا أن هذا لا يعني مشروعية الاعتداء على اللاجئ الذي يعاني مثله وربما للأسباب والمسببات نفسها.

يدرك الجميع اليوم أن مشكلة اللاجئين سياسية وليست تقنية. فكل فئة لبنانية وغير لبنانية تنظر إلى المسألة من منظورها الخاص. بالنسبة للقوى المسيحية، المنظور الديمغرافي والطائفي والسياسي يؤرقهم. بذكريات الحرب الأهلية، تعتبر هذه الفئة أنها تتراجع عددياً في لبنان مقابل باقي الفئات، فكيف إذا أضيف إليهم لاجئون “مسلمون” يمكن أن يكون لهم دور سياسي أو اجتماعي يوماً ما في لبنان كحال الفلسطينيين إبان الحرب. إضافة إلى ذلك، يعتبرونه موضوعاً يجمعهم ويفيدهم شعبياً في ظل شغور الموقع المسيحي الأول في البلد وفي ظل سيطرة حزب الله على قرارات الدولة الرئيسة. بالنفث في هذا الملف، يتوحدون، يكسبون شعبية، ويدفعون لاستعادة شيء من الدور، إضافة إلى اعتقادهم الصادق بالمدافعة عن لبنان. إلا أن الكلام في الملف بنفس طائفي يضر الأحزاب المسيحية نفسها لأنها تخسر التعاطف الوطني وتدفع الطوائف الأخرى إلى ردود أفعال عكسية وإن اتفقوا معهم من حيث المبدأ.

أما الثنائي الشيعي، فقد عبّر أمين عام حزب الله، السيد حسن نصر الله، عن موقفه وموقف النظام السوري من عودة اللاجئين وأكد بشكل غير مباشر أن النظام هو المانع الأول لعودة اللاجئين، وأن لديه مطالب رئيسية لإعادتهم، على رأسها إزالة العقوبات عن الأسد، والتواصل معه بشكل رسمي، والحصول على المال والدعم السياسي اللازم لإعادة تأهيله والضغط على الغرب للوصول لذلك عبر فتح البحر. أما ما لم يقله نصر الله فقد عبّر عنه النظام السوري عملياً بإخفاء بعض العائدين إلى سوريا وإعادة آخرين إلى لبنان بعد بضعة أيام من ترحيلهم إلى سوريا.

أما الغرب، فهو مستعد لتقديم المعونة المادية اللازمة للبنان لضبط حدوده البحرية كي يمنع اللاجئين من الانتقال إلى أي بلد أوروبي، خاصة بعد وصول بعض الزوارق من لبنان إلى قبرص. إضافة إلى توفير فتات الدعم للدولة اللبنانية المحتاجة، الأهم ألا يقترب اللاجئون من أوروبا!

أما الدولة اللبنانية، فهي توليفة من الأحزاب اللبنانية التي تريد كل شيء في الوقت نفسه. تريد إرضاء الشارع والأسد والثنائي الشيعي والاتحاد الأوروبي، فتخرج بإجراءات فلكلورية لا سياسات مدروسة.

المشكلة الحقيقية في لبنان تكمن في الدولة بكل مكوناتها، التي لم تقدم ملف اللجوء منذ البداية للدراسة المتأنية الجادة التي تحفظ حقوق اللبنانيين وكرامة الأشقاء السوريين، وتقدم للأوروبيين مشروعاً مدروساً. لذلك، فُتح الباب على مصراعيه لكل حزب ومجموعة لتتصرف كما تريد، فتفاقمت الأزمة يوماً بعد يوم لتصل في كل فترة إلى مراحل من الانفجار بانتظار الانفراج الذي من غير المتوقع أن يحدث قريباً.

تلفزيون سوريا

————————

ملف اللاجئين السوريين في لبنان وأخطاره المشتركة/ يقظان التقي

17 مايو 2024

ما زال إعلان رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، في زيارتها أخيراً لبنان برفقة الرئيس القبرصي، نيكوس خريستودوليدس، عن استعداد الاتحاد الأوروبي لتقديم حزمة مالية بقيمة مليار يورو من أجل الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وتخفيف أعباء اللجوء السوري، ما زال يثير عاصفة من السجالات والردود بشأن “الهبّة الوهمية” أو “الرشوة”، في خيط فاصل رفيع يربط بين القبول بالمساعدة أو رفضها. ولا يبدو أنّ الحكومة اللبنانية تملك خطّة واقعية وعلمية لإدارة الملفّ، ولا القدرة على تنظيمه أو تبديد الأجواء المشحونة، التي تثيرها أطرافٌ في السلطة لأسباب شعبوية، وأخرى في عملية ابتزاز لزيادة الدعم المالي في مؤتمر بروكسل المُقبل، المقرر عقده في 27 من الشهر الجاري (مايو/ أيار). وتعتزم حكومة تصريف الأعمال تغيير مسار الأزمة، بدعم من قبرص وفرنسا، من خلال ورقة عمل (مدعومة بتوصية برلمانية)، بحثاً عن ظروف “آمنة” لعودة اللاجئين. وقد يتناقض هذا مع استنتاجات الأمم المتّحدة، ووكالة اللجوء التابعة للاتحاد الأوروبي، بشأن “الأمن غير المضمون”، في ظلّ تسجيل حالاتٍ من التعذيب والاعتقال التعسّفي، والقتل، واختفاء العائدين في مناطق سيطرة النظام، الذي يحاكم بتهم ارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية، وانتهاكات حقوق الإنسان، والمُتّهم بتحويل المساعدات الإنسانية لتعزيز سيطرته على الأرض.

إنّها لحظة الحقيقة في لبنان، التي تجمع كلّ نقاط ضعفه وعوالمه السفلية، وتخلط بين كلّ الأمور، في انقسامات سياسية واجتماعية وطائفية وثقافية، بين الأولوية للأفضلية الوطنية، والمجتمع الإنساني المفتوح على حقوق الإنسان، في أوضاع تتحكّم بها سياساتٌ منفصّلة عمّا يحدُث على أرض الواقع، من انهيارات بنيوية ومؤسّساتية، ومخالفات للدساتير والقوانين، تهدّد أكثر وأكثر بهدم “أعمدة المنزل”، فيعود لبنان قبلياً (كما العالم)، أمام مخيّمات نزوح قاريّة، وهو ليس وحيداً في مواجهتها.

توصّلت أوروبا، بعد سنوات طويلة من المداولات والمفاوضات بشأن قوانين الهجرة، إلى اتفاق تاريخي لإصلاح القوانين، واتخاذ إجراءاتٍ مُتعدّدة من خلال تشديد مراقبة الحدود، وزيادة ترحيل أصحاب الطلبات المرفوضة. والهجرة إلى أوروبا وأميركا على وشك التقييد باتفاقيات جديدة، مقدّمةً لإجراء انتخابات البرلمان الأوروبي، في سياقات عالقة انعزالية على نحو متزايد، في وقتٍ يعيش العالم نزف الغزو الروسي لأوكرانيا، والحرب المتوحّشة الإسرائيلية على غزّة، وحرب التحوّل البيئي. لبنان من ضمن القائمة الطويلة لدولٍ تعاني من أزمة الهجرة، والانتقال غير الشرعي. لكنّه يواجه خطراً وجودياً ديمغرافياً وهواجس أمنية، تضغط على تطبيق القوانين، بالتزامن مع تردّي أوضاع العالم في ظلّ الاضطرابات الجيوسياسية. وهو مطالب بـ”التعاون الجيّد” في مكافحة الهجرة إلى أوروبا، وسط مخاوف محلّية كبيرة بشأن مصير اللاجئين (يناهز عددهم مليوني لاجئ)، ولضعف الموارد والإمكانات، مع الاعتراف بمدى معاناتهم الإنسانية العميقة. فيما العالم لا يهتمّ بجذر المشكلة مع نظام فاقم من حالة الدمار الإنساني والمادي، ويمعن في ازدراء قرار مجلس الأمن 2363، وغير معنيّ بمشكلات ناسه، وإعادتهم بكرامة إلى بلادهم وممتلكاتهم. تشمل حزمة التمويل الأوروبية 736 مليون يورو مساعداتٍ للتعليم والحماية الاجتماعية والصحّية للاجئين السوريين، والأشخاص “المُستضعَفين” في لبنان، بالإضافة إلى تخصيص 264 مليون يورو لدعم قوى الأمن اللبنانية لإدارة التدفّق. وربط المجتمع الدولي أيَّ دعم مباشر للدولة اللبنانية بتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والمالية. منذ عام 2011، خصّص الاتحاد الأوروبي أكثر من ثلاثة مليارات يورو للبنان لتنفيذ هذه البرامج. والظنّ، أنّ المبلغ المرصود يتعلّق بمنع تدفق اللاجئين السوريين إلى قبرص واليونان وإيطاليا، رغم محاولات رئيس الحكومة، نجيب ميقاتي، التأكيد أنّ الدعم “غير مشروط ببقاء اللاجئين في لبنان، وبتشجيع الهجرة اللبنانية الموسمية”. وهو كان قد حثّ الاتحاد الأوروبي على مساعدة اللاجئين في سورية لـ”تشجيعهم على العودة طوعاً”، ووعد بأنّه “سيستكشف كيفية العمل على حلّ هذه المشكلة في نهج تنظيمي آخر للعودة الطوعية بالتعاون الوثيق مع مفوّضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومن خلال دعم دولي للمشاريع الإنسانية، ومشاريع الإنعاش المُبكّر في سورية”.

مارس الرئيس القبرصي، نيكوس خريستودوليدس، ضغوطاً مكثّفة على الاتحاد الأوروبي للحصول على تمويل للبنان، وبلاده على مقربة من الساحل اللبناني، وسجّلت الجزيرة تدفّقاً للاجئين السوريين مع بداية الحرب على غزّة. وحاول أكثر من 3000 شخص عبور البحر من لبنان إلى الجزيرة، بين يناير/ كانون الثاني ومنتصف إبريل/ نيسان الماضي، مقارنة بأعداد منخفضة جدّاً، 54 شخصاً خلال الفترة نفسها من عام 2023. منذ فترة، ترفض بيروت استعادة اللاجئين السورين غير الشرعيين الذين لجأوا إلى قبرص، رغم الاتفاق المُوقّع مع نيقوسيا، ورداً على ذلك، علّقت السلطات القبرصية تسجيل طلبات اللجوء المُقدّمة من السوريين. فيما تتّهم المنظمة الأورو- متوسطية للحقوق (غير حكومية) خفر السواحل القبرصي بإعادة القوارب بالقوّة إلى الشواطئ اللبنانية. هذا، وندّدت ثماني منظمّات حقوقية بأنّ “هذه الاتفاقية، وتلك التي وُقّعت مع تونس ومصر، تعرّض الأفراد للمخاطر، وتقوّض نظام الحماية الدولية ككل”.

يُعتقد على نطاق واسع، داخلي وخارجي، أنّ لبنان لم يعد قادراً على تحمّل أعباء لجوء يوازي ثلث عدد سكانه (سُجّل نحو 805 آلاف فقط لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، التي علّقت عملياتها عام 2015). لا يبدو أنّ الحكومة اللبنانية تملك أرقاماً دقيقة للسوريين. لدى كلّ مسؤول في لبنان رقمه الخاص، يستخدمه للإثارة السياسية والتنافسية (إعلان وزير المهجّرين عصام شرف الدين “وجود 20 ألف مسلّح في المخيمات السورية”، ما يسهم في تعبئة الخطاب العنصري والكراهية)، كأنّ مشاكل لبنان جاءت من موجات الهجرة السورية ومن أوروبا، فقط. تفاقمت المشاعر المعادية للسوريين بسبب الأزمة الاقتصادية 2019، التي أغرقت اللبنانيين والسوريين في حالة من الفقر وعدم الاستقرار. وهناك تقارير أمنية لمنظمة هيومن رايتس ووتش، تتّهم السلطات اللبنانية “باعتقال سوريين تعسّفاً وتعذيبهم وإعادتهم قسراً إلى وطنهم في الأشهر الأخيرة”. كذلك يُشار إلى رفض الأوروبيين القيام بدورهم في الترحيب باللاجئين (في عام 2023 أعيد توجيه 2800 سوري فقط من لبنان إلى الاتحاد الأوروبي، أي 1% من السوريين الذين يعيشون في البلاد)، في وقت تتشدّد أوروبا في قوانين الهجرة (فرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا والنمسا والدنمارك)، نحو سحب الجنسية، وفرض شروط على لمّ الشمل العائلي، واللغة، والإقامة الجبرية، ووضع العمال من دون أوراق ثبوتية، والحصول على المعونات الاجتماعية أو المادية لدعم تكاليف العيش، ما يُؤثّر في أنماط عيش مجتمعاتها، وفي حياة المُهاجرين ومستقبل الهجرة. وتواصل الدول المُتقدّمة، تلك، منح الأولوية لإقامة المُخيّمات والأسلاك الشائكة، فتحدث ضرراً بمكانتها، ومصداقية القيم والمبادئ الإنسانية التي تدافع عنها.

يتناسى لبنان، في مواجهة المجتمع الدولي، محورية النظام السوري، الذي لم يفِ بالتزاماته العربية لتسهيل عودة اللاجئين. وهو الذي تسببّ بنزوح الملايين، ممّن يعيشون في الخارج والداخل أهوال الدنيا. ثمّ قلةٌ تأتي، أيضاً، على ذكر حزب الله، ودوره في تهجير السورين وقتلهم، ما يُصعّب مُهمّةَ إعادة تصنيف المناطق الآمنة في سورية. فالتصدّي للفاعلين، ومحاسبة مُرتكبي الجرائم، بدل معاقبة ضحاياها، ينقلان سورية بالكامل إلى مصاف الدولة الطبيعية، ويوقف الفوضى والأخطار على السوريين واللبنانيين معاً.

العربي الجديد

————————–

نكبتا فلسطين وسوريا ومأساة لبنان/ يوسف بزي

2024/05/16

بعد أيار 1948، نشأت مخيمات للاجئين الفلسطينيين في لبنان. انقضى 76 عاماً، من دون أن تتحقق حتى الآن العودة المأمولة إلى فلسطين. في الأثناء، مرّ تاريخ عصيب ودموي مليء بالحروب الإسرائيلية والأهلية على حد سواء. وظل البؤس هو العنوان الأول لحقائق ذاك التاريخ.

تغيّر “اللاجئون” من جموع مشردة إلى شعب وقضية وثورة وكفاح مسلح. شعب صنع هويته بكثير من الدم، بكثير من الصواب والأخطاء والتجارب المريرة والصعبة.

تغير لبنان معهم مرات ومرات، ودفع معهم أثماناً هائلة ولا يزال. ويبدو أنه من المستحيل على لبنان أن يصير ما يربو إليه وما يحلم أن يكونه قبل أن يتحقق للفلسطينيين المصير الذي يريدونه. قدر لا مفر منه رغم كل محاولات الفصل والنأي. هذا ما تؤكده مجدداً “التوأمة” بين غزة وجنوب لبنان راهناً. وربما بات من العبث السعي المتكرر لمعاكسة هذا القدر.

قبل أيام شاهدت وثائقياً بريطانياً أُنتج عام 1969، كان عنوانه صادماً ونبؤياً: “الطريق إلى الحرب الأهلية” (قبل ست سنوات من اندلاعها). يصوّر الاشتباكات الأولى بين الجيش اللبناني والفدائيين في منطقة راشيا والعرقوب، جنوب لبنان. الفدائيون الفلسطينيون يريدون حرية الحركة والسيطرة على معابر لبنان-سوريا، وخطوط الإمداد بين المخيمات والجبهة الجنوبية، وفتح الحدود مع فلسطين المحتلة لتنفيذ العمليات العسكرية ضد إسرائيل. والجيش اللبناني يريد بسط سلطته وسيادته وحماية الحدود.

في هذا الوثائقي، مقابلات مع صائب سلام وريمون إدة وليلى خالد، تقول بتكثيف واختصار السجال الانقسامي الذي لم ينته بين اللبنانيين أنفسهم، كما الخطاب الفلسطيني الذي حلم بتكرار سيناريو سايغون-هانوي والحرب الشعبية الطويلة الأمد.

والخلاصة هي نفسها آنذاك واليوم.

***

راهناً، وبعد مرور نحو 13 عاماً على “النكبة” السورية، نشأت في لبنان أيضاً مخيمات اللاجئين السوريين. نحو مليون تدفقوا عبر الحدود هرباً من المجازر وسادية النظام الأسدي. وأضيف إليهم على امتداد السنوات مئات الآلاف المتسللين بحثاً عن عمل أو هجرة، هرباً من الجوع وقسوة “الخدمة العسكرية”.

أيضاً، ما كان وعداً بعودة قريبة ما إن يرحل الأسد، تحول إلى انتظار مديد ربما سيطول إلى مستقبل مجهول. وتحول اللجوء المؤقت إلى “إقامة”، وُلد في أثنائها جيلان على الأقل. سوريون جدد لا يعرفون سوريا سوى عبر حكايات الأهل.

تغير اللاجئون السوريون في لبنان. وتغير لبنان أكثر.

ومن المرجح أنهم لن يظلوا هكذا مجرد لاجئين، صامتين ينصتون وحسب للسجالات اللبنانية والإقليمية والدولية حول مصيرهم. لن يبقوا هكذا مستسلمين لقدر الاغتراب عن بلادهم، مسلوبي الحقوق.

ولن يستطيع لبنان أن يستقر أو “يتخلص من عبء اللاجئين” من دون أن تستقر سوريا نفسها. لن يتحرر لبنان من مخيمات اللاجئين إن لم تتحرر سوريا من آلة التهجير.

مأساة لبنان أن مصيره أصبح مرتبطاً بمصير سوريا، رغم كل المحاولات المستميتة للفصل والنأي. قدر لا فكاك منه، وإن كرهناه.

بقي فقط أن نعرف إن كانت وحدة المصير الفلسطيني السوري اللبناني ستجد خاتمة أم أن التاريخ الذي انقضى سيظل مستأنفاً نفسه بلا خلاص.

—————————-

بين توصية السيد وتوصية النواب/ عارف العبد

2024/05/17

تثبت التطورات السياسية والوقائع العملية، المتدحرجة كل يوم، أن لبنان الدولة والمجتمع والقادة، ماض من تدهور إلى آخر، من دون توقف أو استراحة للتفكر والتفكير أو التأمل. وكلما ازداد الصراخ والعويل وعلت الأناشيد والصرخات الحماسية للمطالبة بالإنقاذ، تبين أن الذي جرى هو مزيد من التدهور والتراجع.

فمنذ جريمة قتل المسؤول في القوات اللبنانية، باسكال سليمان، تحول الاهتمام السياسي والإعلامي في البلاد وبدفع أساسي من القوات اللبنانية والأحزاب الملتفة حولها، أي الكتائب والأحرار، نحو مسألة ومعضلة النزوح السوري وضرورة الخلاص منه ومعالجته، بأي طريقة وبشكل فوري.

فيما معضلة تعطّل الدولة “المأكول رأسها” والنظام المتهالك لا تزال ماثلة ومستعصية ومتفاقمة.

والحقيقة، إن مشكلة النزوح السوري ليست قضية عابرة، أو بسيطة بل هي مسألة مصيرية، لا يمكن تجاوزها أو السكوت عنها. وهي مسألة تطال جميع اللبنانيين بأبعادها كافة. وقد وصلت درجة الاهتمام بهذه المعضلة، إلى تناسي كل المشكلات في البلاد والتركيز على هذه المشكلة حصراً من دون غيرها.

إذ أن المتابع لوسائل الإعلام ونشرات الأخبار، التي تمون عليها هذه الأحزاب والقوى السياسية، يكاد يتصور أو يتخيل أن النازحين السوريين يطرقون الأبواب لاحتلال منازل اللبنانيين.

وصل أمر الانغماس في الانصراف إلى مسألة النازحين السوريين، أن الطرفين اللدودين، القوات والتيار الوطني الحر، قد تركا كل اهتماماتهما وخلافاتهما للاجتماع لمواجهة قضية النزوح السوري، عبر مؤتمر مشترك للبلديات في البترون. فما فرقته الخلافات السياسية الماضية، وهي كثيرة ومتعددة، جمعته زيادة أعداد النازحين وتفاقم مشكلاتهم.

لكن في الوقت عينه، تُركت بقية المشكلات على حالها. وقد تناست هذه القوى السياسية أن المعضلة الأساسية التي عطلت النظام السياسي اللبناني، ومنعت مؤسساته من التصدي لهذه المشكلة بوضوح وقوة من البداية، هي نفسها التي تعطل الآن الحلول لأزمة النزوح السوري.

فمع اندلاع الأزمة في سوريا وبدء تهجير قسم من السوريين نحو لبنان ودول الجوار، وفي عهد حكومة الرئيس ميقاتي، تكاتفت القوى المساندة والقريبة من النظام السوري لتجاهل المشكلة وعدم التصدي لها من قبل مؤسسات الدولة.

ولا يمكن نسيان المواقف المتعددة التي كانت تقول وتعلن بصراحة وترفض الاعتراف أن في سوريا مجرد مشكلة ولو صغيرة أو ثورة وليدة، فكان الجواب الذي يتصدر النقاشات والطروحات لإيجاد حلول بالقول: لا مشكلة في سوريا وكل الأمور طبيعية، وهناك مصلحة للمتآمرين في تضخيم أزمة غير موجودة. وكثر يتذكرون أحاديث سياسيين كانوا يتبارون في إظهار أن لا مشكلة أو أزمة في سوريا، بل الإصرار على الانكار، وأن الأوضاع طبيعية ولا حاجة لاتخاذ إجراءات لمواجهة أعباء النزوح ومشكلاته.

وقد مُنعت الدولة اللبنانية بفعل الترهيب السياسي والإعلامي الحليف للنظام السوري، من إقامة مخيمات إيواء منظمة أو اتخاذ أي إجراءات سليمة وطبيعية وضرورية مطلوبة في مثل هذه الحال.

عملياً، نجح حلفاء سوريا في منع الدولة اللبنانية في أن تتخذ أي إجراء لتنظيم ومواجهة النزوح السوري إلى لبنان. وذلك بهدف حجب أي اثارة لموضوع النزوح، تحت يافطة أن الأوضاع في سوريا طبيعية والنظام قوي ومتماسك ومسيطر على الأوضاع، ولا مشكلة فعلية فيها، وكل ما كان يقال عن انتفاضات وثورات تواجه النظام هو افتعال إعلامي وسياسي غربي لا أساس حقيقياً له!

الرئيس نجيب ميقاتي الذي تلقى الآن كل التهجمات والانتقادات بخصوص الهبة الأوروبية، وسبل التعاطي مع أزمة النزوح، تلقى يومها كل الضغوط لمنع حكومته من تنفيذ أية خطوة لمواجهة أعباء ومشكلات النزوح المتدحرج آنذاك. والذي كان يكبر ويكبر في لبنان. ولهذه الخلفيات والأسباب، تقاعست أجهزة الدولة وتراجعت حتى عن تسجيل قيود دخول النازحين إلى لبنان.

بمعنى اخر، إن القوى السياسية التي عطلت النظام السياسي ومؤسساته في لبنان عبر منع تطبيق الدستور وسيادة منطق القوانين والمؤسسات من العمل سابقاً، لمواجهة النزوح وموجاته، هي نفسها بطريقة أو بأخرى تعطل الآن إمكانية اتخاذ إجراءات جدية تجاه مشكلة النزوح المتفاقمة.

قبل انعقاد جلسة مجلس النواب لمناقشة مشكلة النزوح والأزمة المتفاقمة، وإقرار توصيات لمعالجة هذه الكارثة الوطنية، تحدث أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله مطولاً، مقترحاً بشكل صريح أن تقدم الدولة اللبنانية على الدفع بالنازحين السوريين نحو أوروبا عبر البحار، تماماً كما اقترح جبران باسيل تشبهاً بأفعال الدولة التركية، التي سبق أن فتحت حدودها البرية أمام النازحين لناحية أوروبا من بوابة اليونان.

عملياً، إن اقتراح نصرالله ومن بعده باسيل، يعتبر بمثابة تحول كبير باتجاه تبديل دور لبنان من تصدير الحرف والثقافة والترفيه إلى تطوير التجربة الصومالية واليمنية في السيطرة على البحار وإشغالها وإغراقها بالفوضى والتخبط.

بل إن ما كشف عنه السيد نصرالله في خطابه الأخير، يدفع باتجاه تبديل دور لبنان الطامح إلى لعب دور سويسرا الشرق والتحول نحو العمل لمصلحة سوريا واستخدامه لرفع سيف العقوبات عنها.

يقول هذا المنطق أو هذا التوجه المستجد، كما أوضحه السيد نصرالله في خطابه الأخير، كاشفاً بالقول: “إنني ذهبت إلى الرئيس السوري بشار الأسد وشجعت عودة النازحين إلى القُصير لكن الجمعيات الممولة من الأوروبيين كانت تمنعهم”.

لافتاً إلى أنه “يجب مساعدة سوريا لتهيئة الوضع أمام عودة النازحين، وأولها إزالة العقوبات عنها، ويجب التواصل مع الحكومة السورية بشكل رسمي من قبل الحكومة اللبنانية لفتح الأبواب أمام عودة النازحين”.

الأمر لم يقتصر على دعوة السيد نصرالله للعمل على رفع العقوبات عن سوريا فقط، بل سرعان ما ظهر أن هناك توجهاً عاماً لتنفيذ هذه المهمة. وهذا ما تبناه وطالب به وكرره أيضاً النائب طوني فرنجية، الذي تحدث بدوره عن ضرورة رفع العقوبات عن سوريا، وقال: “من مصلحة لبنان أن يساهم أو يتوسط إن تمكّن لرفع العقوبات عن سوريا، فرفع هذه العقوبات يعود بالخير على لبنان على أكثر من صعيد”.

ورأى أن “الحل السياسي لملف النزوح يكون في التعاطي مع الحكومة السورية والحل الدولي يكون برفع العقوبات”، مضيفاً “الحياة وقفة عز. لذلك نقول إن كانت الهبات تهدف إلى إبقاء النازحين في لبنان فنحن نرفضها ولا نريدها”!

إذاً، كلمة السر والمهمة المطلوبة والمقبلة من لبنان من الآن وصاعداً يا سادة، بحسب نصرالله وفرنجية، هي العمل لرفع العقوبات عن سوريا، لكي تتمكن من تلقي المساعدات الممنوعة. وهذا ما يسهل عودة النازحين إلى بلادهم بدل البقاء في لبنان!

ترى أية توصية سيتم اعتمادها وتنفيذها؟ ما صدر عن النواب أم ما يصدر عن السيد ومن معه؟

المدن

——————-

قادة المجتمعات السورية اللاجئة والمضيفة، كيف يعززون العلاقات بين السوريين؟/ محمد صخر بعث

2024.05.16

أصبحت قضايا الهجرة واللجوء والنزوح من أكثر القضايا الإنسانية صعوبةً وتعقيداً، قضية عالمية عُظمى لا يمكن تجاهلها أو عدم التفاعل معها، فالملايين من الناس في مختلف أنحاء العالم باتوا يعيشون الآن في دول أو مناطق وبيئات أخرى مختلفة عن أماكنهم ومواطنهم الأصلية، بسبب الحروب والنزاعات أو الاضطرابات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

في نيسان 2023 أصدر “مركز جسور للدراسات” خريطة لتوزّع السوريين داخل سوريا وخارجها، خلص فيها إلى أنّ العدد الإجمالي للسوريين حتّى نهاية الربع الأوّل من هذا العام (2023) بلغ نحو 26.700.000، منهم أكثر من 16.000.000 سوري ما زالوا داخل “سوريا”، وأكثر من 9.000.000 خارجها، مع نحو 900.000 من المفقودين والمغيّبين قسراً، وقال التقرير إنّ أعداد السوريين في الداخل قد توزّعت بين مناطق المعارضة 4.300.000، وبين المناطق التي تسيطر عليها “قسد” 2.600.000، ومناطق سيطرة النظام 19.600.000.

بحكم الحاجة الماسّة لتحقيق التفاهم وبناء جسور الانسجام والعلاقات الجيّدة بين أطراف هذه “المجتمعات السورية”، وبحكم القدرات التي يمتلكها الكثير من الأشخاص من خلال تأثيرهم على تغيير أو تطوير الرؤى والسلوكيات والمواقف بسبب مواقعهم أو مكاناتهم الاجتماعية أو الدينية أو السياسية أو الاقتصادية أو العلمية، يبدو أنّ الحاجة ماسّة أيضاً للتركيز على الأدوار التي يقوم بها هؤلاء الأشخاص في سبيل تعزيز التواصل بين ثقافات متعدّدة أو بيئات -إلى حدّ أو قدر ما- مختلفة، سعياً لتحويل تحدّيات النزوح ومشكلاته وصعوباته إلى فرص حقيقية للتعلّم المتبادل وتعزيز التلاحم الوطني وتجاوز الانقسامات الثقافية أو الاجتماعية أو الدينية وتقوية ودعم الروابط والقيم المشتركة، ولتعزيز الثقة والاستقرار من خلال تكريس القانون وتطبيق العدالة والمساواة في الفرص، وللحدّ من التوتّر والعنف بتشجيع الحلول السلمية للنزاعات من أجل الحفاظ على السلم الأهلي، وكذلك بالعمل على تعزيز التنمية المستدامة للجميع في العمل والتعليم والرعاية الصحّية للتقليل من الفقر والبطالة وأيّة عوامل أخرى قد تؤدّي إلى تنافس سلبي أو إلى صراعات.

من هم القادة المجتمعيون؟

هم مجموعة من الأشخاص الذين يعتبرهم الناس ممثّلين عنهم في المجتمع الذي يعيشون فيه، لأنّهم مؤثّرون وفاعلون ويعملون بسعي من أجل تحقيق مصالح الناس وحلّ مشكلاتهم، ويثيرون القضايا المهمّة التي تعني المجتمع، ويسلّطون الضوء على ضرورة التغيير نحو الأفضل، كما ويركّزون على إبقاء أفراد المجتمع مهتمّين معاً للعمل على تحقيق أهداف مشتركة في مجتمعهم.

إنّ دور “قادة المجتمع” أو القادة المجتمعيين ينبغي أن يمتدّ حتّى إلى تشكيل وجهات النظر والسلوكيات المجتمعية، من خلال القدرة على إحداث التغيير بتوجيه التفكير والعمل نحو بناء الثقة وتوحيد الجهود لتعزيز العلاقات بين النازحين والمجتمعات المضيفة، ولفهم هذا الدور لا بدّ من تحليل دقيق لسمات ومزايا هذه الفئة من المجتمع وطرائق وأساليب تعاملهم مع كلّ التحدّيات الموجودة أو المحتملة، ليكونوا جسور تواصل وتفاهم بين الجميع من خلال خبراتهم وتجاربهم الشخصية والعملية.

أهمّية التعاون بين المجتمع النازح والمجتمع المُضيف

لم يعد النزوح السوري في أغلب حالاته مسألةً مؤقّتةً انقضت خلال فترات قليلة أو مشكلةً يبدو أنّها ستنقضي قريباً، بل لقد مرّت أكثر من ثلاث عشرة سنة على بداية نزوح السوريين إلى المخيّمات على أشكالها أو إلى المدن والبلدات والقرى السورية في كلّ مكان من “سوريا” تقريباً، وهذا يعني أنّ مجتمعات سوريةً مختلطةً قد تشكّلت في أمكنة كثيرة، وصارت تتعايش معاً في هذه الأمكنة وتتشارك في المرافق والخدمات وفي العمل والتعليم والرعاية الصحّية كما وفي السكن والمواصلات، وليتشكّل التعايش والتشارك بين المجتمعات ويتّجه إلى تعزيز الاستقرار لا بدّ من التعاون بينها من خلال الحوار وتبادل المعارف والخبرات والسعي لبناء الثقة، ما يساهم في بناء مجتمع أكثر انسجاماً يتضامن أفراده معاً لتطوير الاقتصاد وتحسين البُنى التحتية والتنمية المُستدامة، ولاحترام وحماية حقوق الإنسان، وإنّ تحقيق التنمية في المجتمعات المضيفة مرتبط بحماية اللاجئين أو النازحين.

التواصل والحوار وتحقيق المصالح المُشتركة

غالباً ما تُطلق مبادرات الحوار بين طرفين أو عدّة أطراف في المجتمعات في بيئات معقّدة أو ظروف غير مستقرّة، وقد لا يمكن التنبّؤ جيّداً بالنتائج، فقد تتعرّض عملية الحوار في مكان ما لمخاطر التضليل الإعلامي أو التلاعب، فيكون مصيرها الإخفاق، ولذا ينبغي ومنذ البداية العمل على تصميم مبادرات أو عمليات الحوار بشكل يراعي الواقع والظروف وأن تكون على درجة كبيرة من المرونة والحياد، وعلى الرغم من وجود اختلاف نظري بين “الحوار” و”الوساطة” لكنّ الجهود التي تُبذل داخل المجتمعات التي تعاني من نتائج النزاعات والنزوح الداخلي من أكثرها شدّة وأعظمها أثراً، ينبغي أن تركّز على دور “الوسطاء الداخليين” وهم الأشخاص الذين يحظون بثقة مجتمعاتهم.

تعزيز الأمن والسلامة والعدالة

لتعزيز التفاهم وبناء الثقة بين أفراد مجتمع واحد لا بدّ من شعور الجميع باستتباب الأمن وسيادة القانون، وستزداد الحاجة إلى تحقيق ذلك كلّما ضعف المجتمع، وفي حالة النزوح فإنّ المشكلة تتفاقم بسبب حالة عدم الاستقرار، ولذلك فإن التركيز على تحقيق الأمن للمجتمعات النازحة والمضيفة أمر أساسي في تعزيز التماسك المجتمعي بينها وفي تحقيق السلم الأهلي، وكذلك التركيز على تقوية مفاهيم حقوق الإنسان لديها والاهتمام بتحقيق العدالة والحماية القانونية لكلّ الأفراد دون تمييز بينهم على أيّ أساس مطلقاً، فالحوار مع هذه الأطراف المختلفة في المجتمع من شأنه زيادة الثقة.

لا شكّ أنّ المجتمع السوري عانى الكثير من المشاكل الاجتماعية جعلته يعيش حالةً من الفوضى في ظلّ غياب القوى الضبطية للدولة والقانون والقضاء، وهذا ما جعل القيادات المجتمعية تمسك زمام شؤون المجتمع بكلّ جوانبه، ما أكّد على مكانتها الاجتماعية والسياسية ودورها قي حلّ وفضّ النزاعات التي تحدث بين أفراد المجتمع.

الدور الأساسي للمرأة في القيادة المجتمعية

في الوقت الذي عانت فيه النساء السوريات ويلات النزوح والتهجير من بيوتهنّ ومجتمعاتهنّ إلى مناطق ومجتمعات أخرى، ودفعن بسبب ذلك أبهظ الأثمان بما فقدنه من آباء وإخوة وأزواج وأطفال، وبما تعرّضن له من عنف وتهميش وتمييز في حالات كثيرة، ما خلّف آثاراً نفسية واجتماعية واقتصادية حادّة وخطيرة، إلّا أنّ النساء السوريات استطعن بعد الحرب السورية وفي أقسى ظروفها وظروفهنّ تقديم وتحقيق الكثير من الإنجازات على كلّ الأصعدة وفي كلّ المجالات، في التعليم ورعاية الطفولة، في الطبابة والرعاية الصحّية، في العمل المهني والإداري، في الصحافة والإعلام، في الإغاثة والمساعدة الإنسانية، في الدعم النفسي والحماية الاجتماعية، وفي المشاركة المدنية والسياسية، وفي الوساطة المحلّية أيضاً، وأسهمت مشاركة النساء في التخفيف من تداعيات الحرب.

القادة المجتمعيون الجُدد

إنّ أغلب القادة المجتمعيين بعد الثورات أو الانعطافات الحادّة التي عصفت وتعصف في الكثير من دول العالم هم من الشباب، لأنّهم الأكثر تأثّراً بالتغيّرات التي تطرأ عليهم وعلى مجتمعاتهم، وفي الوقت الذي خلّفت فيه الحرب السورية أجيالاً من الشباب الذين أرغمتهم الظروف على الابتعاد عن التعليم والرعاية المجتمعية، إلّا أنّها في ذات الوقت أفرزت مجموعات من الشباب المتعلّمين أو المؤهّلين اجتماعياً وأخلاقياً لتبوّء أمكنة مجتمعية رائدة وللمساهمة بشكل مباشر في تشكيل وعي وتحفيز لدى الجمهور المحيط في الأسرة والمجتمع، ولقد وقع الكثير وبشكل مباشر كضحايا للعنف والاعتقال والتهجير، وما زالوا يحتاجون للأدوات والقدرات التي تمكّنهم من الاندماج، خاصّةً وهم في سنّ الشباب.

تلفزيون سوريا

———————

اللاجئون السوريون ورقة تجرفها رياح المصالح/ علي سفر

2024.05.15

بشكل عام، لا يمكن للحديث في السياسة أن يمشي على الألسن وفي العقول، دون فكرة تبادل المصالح، إنها مركز كل اتفاق، كما أن تعارضها هو أساس كل خلاف! وقضية المصالح هنا ليست مجرد نقاش أو جولة جدل، بل هي انعكاس لما هو مفيد لفئات مجتمعية أو للمجتمع عموماً أو ما هو ضار بالاثنين، في سياق العلاقة مع جماعات أخرى محلياً، أو الآخرين خارج الحدود، إن كنا نحكي عن العلاقات بين الدول.

استدعاء التفكير بالمصالح وتقاطعها وتنافرها، أمر ضروري عند نقاش كل القضايا التي تخص السوريين، ومنها الأزمات المتكاثفة التي تحيق بهم في كل البلاد التي وصلوها بوصفهم لاجئين.

لا سيما وأن النقاش حول تكاليف وجودهم، وتأثيره على المجتمعات المستضيفة، لم يعد مجرد انعكاس لنزعات فئات عنصرية، تنشط في كل زمان ومكان، وضد أي غرباء، بل صار شأناً حاضراً على المستوى السياسي الداخلي، ومادة صراع بين الفئات المتنافسة.

وجود القوى العاملة السورية، وكذلك فئات رجال الأعمال، وأصحاب رؤوس الأموال، في كافة البيئات، انعكس بشكل إيجابي على اقتصاديات الدول التي استقروا فيها، وبمعنى ما، يمكن اعتبار هذا النشاط غير المؤذي للاقتصادات المحلية، إضافة مهمة أتت بفوائد كثيرة، حصلت عليها هذه المجتمعات، دون أن تبذل في سبيلها جهداً يذكر.

طبعاً لا يمكن مقارنة النتائج الحاصلة في ألمانيا كمثال، مع النتائج التي تخرج في الأردن كمثال أيضاً، فلكل بقعة اعتباراتها المحلية، لكن يمكن الجزم أنه وحتى في أسوأ البقاع التي يعيش فيها السوريون كلاجئين، ثمة جانب مضيء، يجب عدم تجاهله.

وإذا كنا نقصد لبنان على وجه الدقة، حيث تستعر الحملات المعادية لهم حالياً، فإن الأرقام التي يقدمها لبنانيون منصفون، عما جاءت به استضافة اللاجئين ودورهم في القطاعات الاقتصادية كالزراعة وقطاع البناء، تكفي للرد على الكارهين ممن يستغلون أحداثاً جنائية، للتحريض على مئات الآلاف من الباحثين عن الملاذ الآمن، بقرب مدنهم وقراهم التي هجروا منها على يد ميليشيات لبنانية، قاتلت لدعم بقاء النظام الأسدي.

التفاصيل هذه، تؤكد أن ثمة مصلحة للحكومات في وجود اللاجئين، ويكمن الجزم بأن الاستفادة من الأزمة، هو مبدأ تم تطبيقه، من قبل كل الدول المحيطة بسوريا، لكنها في الوقت نفسه، سمحت ولأسباب سياسية أن يتم استخدام السوريين كمادة مستخدمة في الصراعات الداخلية. وكعادة القوى السياسية في البحث عن مشاجب تعلق عليها نجاحها أو فشلها، فإن اللاجئين تحولوا مع مرور الوقت إلى مكسر عصا، بعد تجاهل مستمر لمصالحهم كجماعات بشرية، لها حقوق موصوفة بحسب القوانين والشرائع الدولية.

إذا قيض لنا ألا نبالغ في وقائع الأزمات التي يعيشها اللاجئون في تركيا ولبنان، وبنسب أقل في بلدان أخرى، وأن نرى في المقابل وجود قبول لأولئك الذين استقروا، وصارت حيواتهم مرتبطة بالمكان الجديد، الذي نشأ فيه أطفالهم ودرسوا، فإن الحملات السياسية الموسمية المرتبطة بالانتخابات في البلد الأول، أو تلك المتعلقة بالصراعات البينية الداخلية في البلد الثاني، لا تبنى على أزمة كبيرة مستدامة، بقدر اندلاعها بناء على أسباب مؤقتة. ما يعني أن ترسيخاً للمصالح قد حصل طوال السنوات الماضية.

الاستنتاجات المتداولة وفق ما سبق، تؤكد بأن توسع الحملات التي تهدف إلى إعادة اللاجئين إلى بلدهم، يبدو مرتبطاً بأسباب لا علاقة لها بالبلدان المستضيفة لهم فقط، بل يتصل بنهج غير معلن، لكنه حقيقي، يهدف إلى إنهاء الأزمة السورية على الأرض، من خلال إجبار اللاجئين على العودة والقبول بما قسمته لهم تسويات، تعقد في الخفاء بين الدول المساهمة في الصراع.

فعلياً لا يريد نظام الأسد أن يعود اللاجئون إلى وطنهم الآن، حتى وإن قبلوا بالشروط اللا إنسانية التي يعيشها من يرضخون لسلطته في مناطق سيطرته، بل يريد عوضاً عن ذلك الإبقاء على هذه الورقة فوق طاولة مفاوضاته مع القوى الدولية، ولاسيما لناحية المقايضة بينهم وبين العقوبات المفروضة عليه، وجعل عودتهم مشروطة بدوران عجلة إعادة الإعمار بناء على شروطه، فمصلحته في الوقت الحالي تبنى على استغلال كل الأزمات الناتجة عن حربه ضد السوريين الثائرين، في سياق إعادة إنتاج سيطرته، وبما يضمن استمرار النظام وحكم العائلة.

لكن هل الأسد هو الوحيد في الحلبة الذي يجعل من اللاجئين أداة تستخدم في الصراع؟ بالتأكيد لا، فهذا الأسلوب يتم اتباعه منذ عشرات السنين، وخاصة حين تحدث الحروب فيهرب البشر المتضررون منها إلى البقاع الآمنة، وتقوم دول بتسهيل موجات اللجوء، وتستفيد منها لفرض شروط على الدول التي تشعر بالتهديد منها.

لكن هنا تبدو الحالة معكوسة، فالقوى الدولية تريد من اللاجئين أن يعودوا، رغم رفعها شعار “ضرورة العودة الآمنة”، دون أن تجبر الأسد على تغيير الواقع، الذي أدى ومازال يؤدي، إلى هروب السوريين من بلدهم.

إنها تريد أن تلزمه بأزمتهم، لكنه لا يريد بدوره من القصة سوى مصلحته في البقاء، وبناء على هذه اللوحة من تناقض المصالح، يجد اللاجئون أنهم معلقون في الهواء، بلا أفق وبلا أمل، فالعالم الذي انشغل بمشكلتهم لوقت طويل، لم يعد مهتماً بها بقدر اهتمامه بأزمات مستجدة، أقرب إليه في تأثيرها ونتائجها.

تلفزيون سوريا

————————-

سوريون في بحر حسن نصر الله/ أرنست خوري

15 مايو 2024

لا يبالغ معارضو حزب الله حين يصفون أمينه العام حسن نصر الله بأنه المرشد الأعلى للجمهورية اللبنانية، لا بل يسرّ الوصف المذكور مشايعيه، ويرسم ابتسامة اعتزاز على ثغورهم ويجعلهم يفركون أيديهم في انتظار تحوّل المنصب المجازي ذاك إلى موقع رسمي ينص عليه الدستور يوماً طال انتظاره. وإن كان “المرشد الأعلى” الأصلي يمارس صلاحياته المطلقة في إيران منذ 46 عاماً، فإنه في لبنان يشق طريقه ببطء المتأني منذ عقدين ونيّف، لكي يصل إلى هدف إقامة دولة إسلامية في هذا البلد، جاهر نصر الله نفسه برغبته في إنشائها، وذلك في مقابلة شهيرة أجراها معه السياسي والصحافي المغتال جبران تويني من ضمن برنامج “رئاسيات” على شاشة تلفزيون “أل بي سي” المحلي في سبتمبر/ أيلول 1995. لكن بما أن إقامة دولة إسلامية في لبنان قصة شديدة التعقيد ونجاحها غير مضمون، يصبح إحكام القبضة على كل مفاصل البلد مهمة لا تقل أهمية عن تلك الرغبة السامية. والسيطرة على كل شيء تقريباً، بالسلاح والترهيب والتهديد والغلبة والحروب وغسل الأدمغة، تحقق نجاحات بالمفرّق للحزب ولمشروعه ولرعاته، وإخفاقات بالجملة للبلد ولرفاهيته ولاستقراره ولاقتصاده ولتنوّعه ولنموذج ثقافي منفتح على العالم لطالما انتمى إليه، ولحرياته ولانتظام علاقات جماعاته الأهلية. والحال أن منع أغاني فيروز في كليات الجامعة اللبنانية (الحكومية الوحيدة) التي يسيطر عليها حزب الله وحظر تدريس أصناف من الفن التشكيلي في كليات الفنون الجميلة، لا يقل خطورة عن باقي أشكال فرض الحزب غلبته، توريطاً للبلد في حروب مع إسرائيل، ومشاركة في قتل السوريين إلى جانب نظام الأسد وحكّام طهران، وجعل لبنان في موقع المعزول إقليمياً ودولياً. بلدٌ علاقات جماعاته وطوائفه في اشتباك دائم، لا بسبب سلاح حزب الله فحسب، لكن لذلك السبب في الدرجة الأولى وقبل أي سببٍ آخر.

منذ سبعة أشهر أعفانا حسن نصر الله ومساعدوه من الخطابات الخارجة عن سياق الحرب التي فتحها الحزب مع إسرائيل في الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، “إسناداً لغزّة” كما يقولون ويريدوننا أن نردد معهم بببغائية لتبرير توريط البلد في حرب مدمرة لن تخفف الأذى عن الفلسطينيين، ولن تحقق إلا سرقة الاهتمام العالمي من الإبادة الحاصلة هناك. لكن فترة السماح انتهت، فاستعاد نصر الله، في خطابه أول من أمس الاثنين (13 مايو/ أيار)، موهبة إصدار “أمر اليوم”. والأمر هذه المرّة يتعلق بإنجاز مهمة بدأت قبل 12 عاماً، في سورية، حيث شارك الحزب بفعالية في قتل المنتفضين ضد نظامهم الدموي. وصل إلى لبنان مئات آلاف الهاربين من الجحيم الأسدي، يتسابق لبنانيون من جميع الطوائف والمناطق من دون استثناء على مطاردتهم واحتقارهم واستعراض عنصريّتهم المقرفة (ككل العنصريات) ضدهم وقد أصبحوا الفئة الأضعف من المقيمين في هذا البلد، حتى أضحوا يتمنون لو كانوا لاجئين فلسطينيين هناك. ومن انتظر كلاماً من نصر الله يوظّف فيه نفوذه وسطوته لوقف مسلسل اضطهاد السوريين في لبنان، لم يسمع منه إلا دعوة لفتح البحر وأعماقه لهم، لكن “بإرادتهم وبغطاء وطني”. ومع أن قراءة نص الخطاب لا تعبّر عن فداحة مضمونه، إلا أنه وجب اقتباس بعضٍ من حرفيته: “الجمعيات المموّلة من الأوروبيين والأميركيين تمنع النازحين السوريين من العودة إلى بلدهم (…). يجب أن نحصل على إجماع لبناني لفتح البحر أمام النازحين السوريين بإرادتهم بدلاً من تعريضهم للخطر عبر الرحيل عبر طرق غير شرعية وهذا يحتاج لغطاء وطني (…). عندما يُتّخذ قرار كهذا، كل الغرب والأوروبيون سيأتون إلى لبنان ويدفعون بدل المليار 20 ملياراً”.

حكمة المرشد الأعلى إنسانية للغاية: نحتل سورية وندمّرها. نصوّر ناسها الراغبين بالعيش أحراراً دواعشَ لا يليق بهم إلا القتل. يعلق بعض الناجين منهم في لبنان. نيأس من حثهم على فضيلة الانتحار من خلال العودة إلى سورية. نفتح لهم أبواب البحر، يغرقون في أعماقه لكن “بغطاء وطني”، ثم نقول للعالم: هذا ما جنته أوروبا وأميركا علينا.

العربي الجديد

———————–

التهجير «الطوعي» للفلسطينيين… والسوريين!

15 – مايو – 2024

شارك آلاف من الإسرائليين، بينهم وزيران في حكومة بنيامين نتنياهو، أمس الثلاثاء، في مسيرة جرت في مدينة سديروت بالقرب من حدود غزة، دعوا فيها إلى استيطان القطاع وإجبار سكانه على مغادرته. ايتمار بن غفير، وزير «الأمن القومي» قال للمتظاهرين بأن هذا هو «الحل الحقيقي. يجب أن نشجع الهجرة الطوعية لسكان غزة. إنه أمر أخلاقي»!

يمثل الحدث الآنف جزءا من سلسلة تصريحات أطلقها كبار المسؤولين في الدولة العبرية، بمن فيهم نتنياهو نفسه، وسموتريتش، وزير المالية، ونواب في الكنيست، وتجيء هذه التصريحات، التي تعبّر عن معنى الدولة الإسرائيلية في استئصال الفلسطينيين، على ما يظهر، كبدائل ممكنة لما كشفت عنه وثيقة سرية للمخابرات الإسرائيلية مع بداية الحرب على غزة تتضمن خطة لنقل سكان القطاع إلى سيناء بعد انتهاء الحرب.

من المؤسف أن تعليقات وخطط المسؤولين الإسرائيليين تزامنت، مع تصريحات مماثلة، وحملة وإجراءات تهجير تتشارك فيها، للمرة الأولى، مجمل أطراف السياسة في لبنان، وكان آخر تفاصيلها إخراج 330 شخصا قال الإعلام اللبناني إنهم «سجلوا أسماء لدى مراكز الأمن العام لتأمين عودتهم إلى بلدهم».

حصل ذلك بعد أن اعتمدت الحكومة اللبنانية سلسلة من السياسات التقييدية على الإقامة والعمل والتنقل، رافقتها زيادة غير مسبوقة في أشكال التضييق والمطاردة والاستهداف ضد السوريين وهو ما اعتبره مسؤولون ونواب لبنانيون يدخل في سياق «الحل الجذري لمشكلة النزوح السوري» ورافقتها تحذيرات أطلقتها منظمات حقوق إنسان دولية، بينها «هيومن رايتس ووتش» ومنظمة «العفو الدولية» استندت إلى توثيقها ما يواجهه اللاجئون السوريون من تعذيب وعنف جنسي واختفاء قسري واعتقال تعسفي حال عودتهم.

من اللافت للنظر، أولا، أن تجري الحملة ضد السوريين في الوقت نفسه الذي تخوض فيه المقاومة اللبنانية معركة لدعم الفلسطينيين في غزة ضد خطط الإبادة والتطهير العرقي والتهجير القسري، وثانيا، أن تنضم إليها أطراف كانت قد اتخذت مواقف داعمة للشعب السوري ومناهضة للنظام مع بدء الثورة الشعبية ضده عام 2011، لكنها قررت اليوم أن تنقلب على مواقفها السابقة وتشارك في الحملات العنصرية ضد الضحايا مما يصبّ، عمليا، في صالح النظام (تحدثت «القوات اللبنانية» مؤخرا على «إجماع اللبنانيين على ترحيل اللاجئين») وثالثا، أن يقترح زعيم «حزب الله» السيد حسن نصر الله، فتح البحر إلى أوروبا أمام السوريين لحل «أزمة النازحين في لبنان» بدل مطالبة حلفائه في النظام السوري بتغيير سياساتهم القمعية ضد اللاجئين وبضمان أمن النازحين وسلامتهم وعودتهم إلى الأماكن التي هجّروا منها، والتي يملك الحزب وجودا فيها، كما في الزبداني والقصير وحمص وغيرها.

إن ترافق التصريحات الإسرائيلية عن «هجرة طوعية» للفلسطينيين، مع عمليات الإبادة الجارية، يظهر كم في كلمة «طوعية» من مفارقة هائلة لواقع الحال، أما تناظر ذلك مع استخدام المداهمات وهدم المخيمات والحرمان من الإقامة والضغوط القانونية والسياسية ضد اللاجئين السوريين، من دون ظهير يدافع عنهم سوى منظمات حقوق الإنسان الدولية، فيظهر عطبا سياسيا لبنانيا وعربيا شاملا، يمكن أن يفسّر، بأكثر من طريقة، التجريف الإسرائيلي الهائل لمقومات فلسطين.

القدس العربي

—————————

الأوروبي يؤيد عودة السوريين طوعاً من لبنان.. وحزب الله يبتزه/ جوان سوز

14 مايو ,2024

بعد توقّف لنحو عام ونصف العام، استأنف لبنان عملية إعادة نازحين سوريين إلى بلدهم، عشية مناقشة البرلمان مساعدات بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي، أجج الاعلان عنها مخاوف جهات سياسية ودينية تطالب بحل جذري للملف.

وبات ملف السوريين الذين تقدّر السلطات عددهم بأكثر من مليوني نازح، حديث الساعة في البلاد مع إعلان الاتحاد الأوروبي عن الحزمة المالية، وتسيير الأمن العام اللبناني اليوم الثلاثاء لقافلة تضم 330 نازحاً نحو سوريا، وذلك بعد ساعاتٍ من دعوة زعيم حزب الله حسن نصرالله أمس الاثنين السلطات في بلاده إلى فتح البحر أمام النازحين الراغبين بالوصول إلى أوروبا.

فهل يمكن أن يتمّ إعادة النازحين طوعاً؟

تعليقاً على ذلك عبّر مسؤول أوروبي عن عدم اعتراض الاتحاد الأوروبي على مسألة “العودة الطوعية” التي كانت قد توقفت منذ شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي قبل أن تستأنف عبر التنسيق بين مفوضية شؤون اللاجئين والأمن العام اللبناني والحكومة السورية التي سمحت بدخول العائدين إلى أراضيها من معبرين حدوديين اثنين.

وقال لويس ميغل بوينو الناطق الرسمي باسم الاتحاد الأوروبي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لـ “العربية.نت/الحدث.نت”: “نحن مطمئنون إلى أن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تشارك في عملية العودة الطوعية مع الأمن العام في لبنان”.

كما أضاف أن “الاتحاد لا يعارض العودة الطوعية، لكن نريد التأكد من اتباع الإجراءات القانونية الواجبة”، على حدّ تعبّيره.

موضع جدل

وتحوّل ملف اللاجئين السوريين في لبنان في الآونة الأخيرة إلى موضع جدلٍ كبير في البلاد مع رغبة الحكومة التي يترأسها نجيب ميقاتي في إعادتهم إلى بلدهم بعد نحو 13 عاماً من الحرب السورية التي تلت احتجاجاتٍ شعبية كانت قد اندلعت في منتصف مارس/آذار من العام 2011.

كما تفاقمت أزمة النازحين في الآونة الأخيرة، مع وقوع جرائم اُتهِمت “عصابات” سورية بالوقوف خلفها، كمقتل المسؤول في القوات اللبنانية باسكال سليمان مطلع شهر نيسان/ابريل الماضي، الذي أدى إلى أعمال عنف ضد لاجئين سوريين في مناطق لبنانية متعددة.

كما أثار هذا الملف الذي تُرِك دون حلول منذ سنوات جدلاً أيضا بين قوى لبنانية مختلفة، فزعيم حزب الله دعا السلطات في بلاده أمس إلى فتح الحدود البحرية أمام اللاجئين للعبور نحو أوروبا، في الوقت الذي قال فيه رئيس حكومة تصريف الأعمال إن “استمرار الحملات” على حكومته بشأن ملف “النازحين “، هو نهج بات واضحاً أنه “يقصد منه التعمية على الحقيقة لأهداف شعبوية، وإلى شل عمل الحكومة وإلهائها بالمناكفات والسجالات التي لا طائل منها”، على حدّ قوله.

محاولة ابتزاز

وتعليقاً على ذلك، أكد المحلل العسكري سعيد قزح أن “دعوة الأمين العام لحزب الله مخالفة لكافة القوانين الدولية”، معتبراً أن “نصرالله يحاول ابتزاز الاتحاد الأوروبي على غرار ما فعله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل سنوات عندما ابتّز بروكسل عبر فتح الحدود مع اليونان أمام اللاجئين”.

كما أضاف في تصريحات لـ “العربية.نت” أن “هناك معارضة لرغبة حزب الله في استخدام ورقة اللاجئين كابتزاز للاتحاد الأوروبي لاسيما أن الجيش اللبناني يواصل مهمته في محاربة الهجرة غير الشرعية، رغم أن الوجود السوري في لبنان بات مؤلماً وموجعاً ومؤذياً للدولة وللشعب اللبناني أيضاً”.

ورأى أنه “طالما حزب الله مهتم بحل مشكلة النازحين، فلماذا لا يفاوض الحكومة السورية هو حليفها على هذا الأمر”.

علاوة على ذلك، لفت قزح إلى أن “حزب الله متواجد في مناطق القصير والزبداني وريف دمشق وهي مناطق هجّر منها النازحون وعليه بالتالي الخروج منها لإعادتهم بدل ابتزاز الأوروبيين”.

يشار إلى أن مئات آلاف اللاجئين السوريين كانوا قد دخلوا الأراضي اللبنانية عقب اندلاع الحرب السورية، عام 2011

وبينما تقدر السلطات اللبنانية عددهم بنحو مليوني لاجئ، تقول مفوضية اللاجئين إن العدد المسجّل لديها بلغ 850 ألفاً فقط.

————————–

خارطة طريق لترحيل السوريين من لبنان/ لمى قنوت

12 مايو ,2024

في دولة مثقلة بالأزمات الحادة، ينقسم اللبنانيون فيما بينهم حول كل شيء تقريبًا، باستثناء الموقف العنصري من لجوء السوريين في لبنان، وقد نجح الساسة والإعلام في جعل لجوئهم سببًا لكل أزمات لبنان، متجاهلين أن حزبًا مسلحًا مشاركًا في الحكومة، كان وما زال جزءًا من تهجيرهم القسري وقتلهم وهدم منازلهم.

تنفذ الحكومة اللبنانية خارطة طريق على عدة مستويات، دبلوماسية وأمنية– سياسية ومالية وقانونية. دبلوماسيًا، تعمل الحكومة اللبنانية مع الحكومة القبرصية على أن يتبنى الاتحاد الأوروبي فكرة “إنشاء مناطق آمنة” في سوريا ليتم ترحيل السوريين والسوريات إليها، أو أن يعتبر الاتحاد معظم المناطق السورية مناطق آمنة لتسهيل إعادة اللاجئين واللاجئات من عدة دول.

أمنيًا وسياسيًا، تم تفويض البلديات في معالجة الإقامات والعمل، ومُنحت غطاء سياسيًا للحد من الحريات مثل حرية التنقل تحت ذريعة “الحفاظ على الأمن”، وطلبت وزارة الداخلية منها رفع تقارير دورية كل 15 يومًا لرصد ما فعلته إزاء الوجود السوري، تحت طائلة محاسبة المقصرين منهم.

ماليًا، نجح لبنان في الحصول على هبة من الاتحاد الأوروبي بقيمة مليار يورو، تُصرف خلال أربع سنوات بدءًا من هذا العام وحتى 2027، وصفها رئيس الوزراء ميقاتي بأنها غير مشروطة، وحددت مجالات صرفها رئيسة المفوضية، أورسولا فون دير لاين، في محاربة “الهجرة غير الشرعية” ومساعدة اللاجئين والمجتمعات المضيفة، وإصلاحات اقتصادية ومالية ومصرفية.

أما قانونيًا فقد تم تعديل قانون الإقامة بعيدًا عن الصخب الإعلامي، وقرر مجلس الوزراء تعديل قانون إقامة ودخول الأجانب بلبنان في 28 من شباط الماضي، ودخل حيز التنفيذ في 26 من آذار الماضي كخطوة حاسمة من أجل ترحيل غالبية السوريين والسوريات، ومن ضمنهم من كانت إقامته قانونية حتى وقت قريب، ودخلوا إليه بشكل نظامي من المعابر الرسمية، فقد ألغيت الإقامة بموجب كفيل لبناني شخصي وسمح فقط للشركات المُسجلة بتقديم الكفالة، وأُوقف العمل بالإقامة بناء على عقار مستأجر للسكن العائلي، واستثنى القانون المعدل السوريين والسوريات من الحصول على إقامة بموجب عمل تطوعي.

كما أُوقفت الإقامة الدائمة والسنوية بناء على حساب بنكي، للذين نهبت المصارف أموالهم وحرمتهم من التحكم بها، وبالتالي من سيتم ترحيله لن يستطيع سحب المبلغ الضئيل الذي سمحت به المصارف، ولن يتمكن من تحويله إلى خارج لبنان بسبب انهيار القطاع المصرفي والقيود التي فرضها. أما المبالغ التي أُودعت بعد 2019 والتي أطلقت عليها المصارف “Fresh Money” فلا يمكن للسوريين والسوريات تحويلها إلى خارج لبنان بسبب العقوبات على سوريا، وتواطؤ البنك المركزي في لبنان بتضييق الخناق أكثر عليهم.

أما إقامة العمل بالنسبة للسوريين والسوريات في القطاعات الثلاثة المسموح بها، وهي البناء أو الزراعة أو النظافة، فتنقسم إلى أربع فئات بناء على قيمة الراتب، وحُصر جندر المستوى الرابع بالنساء العاملات في الخدمة المنزلية تحديدًا. واستعيض عما ألغي من أنواع الإقامات السابق ذكرها أعلاه، بإقامة سنوية دائمة عبر كفالة نقدية تودع في صندوق الخزينة اللبنانية نقدًا أو بموجب شيك مصرفي نقدي لدى وزارة المالية بقيمة مليار وخمسمئة مليون ليرة لبنانية (أي ما يعادل 16760 دولارًا أمريكيًا)، كما يحق لمن يريد الإقامة بموجب عقد إيجار سكن أو ملكية عقار أن يتعهد بعدم العمل في لبنان، ويبرز إيصالات بنكية تفيد بأنه تلقى مبلغًا شهريًا من خارج لبنان بقيمة  2000دولار لمدة 6 أشهر تسبق تاريخ التقديم على الإقامة، وهي شروط تعجيزية وطبقية بامتياز.

وفي 8 من أيار الحالي، وبعد أن أصبح، وسيصبح، وجود غالبية السوريين والسوريات مخالفًا للقانون بسبب تعديل قانون الإقامة، صدر بيان عن المديرية العامة للأمن العام يطلب من “السوريين المخالفين لنظام الدخول والإقامة، التوجه مباشرة إلى الدوائر والمراكز الحدودية لمنحهم التسهيلات اللازمة لتسوية أوضاعهم ومغادرة الأراضي اللبنانية، تحت طائلة اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة بحق غير المغادرين”، وهي الحبس من شهر إلى ستة أشهر (حسب المادة 34) من قانون تنظيم الدخول إلى لبنان والإقامة فيه والخروج منه الصادر في 10 من تموز 1962، و”التشديد على المواطنين اللبنانيين عدم تشغيل أو إيواء أو تأمين سكن لسوريين مقيمين بطريقة غير شرعية في لبنان، تحت طائلة تنظيم محاضر ضبط إدارية وعدلية بحق المخالفين”، و”إقفال جميع المؤسسات والمحال المخالفة التي يديرها أو يستثمرها سوريون، واتخاذ الإجراءات المناسبة بحق كل من يستخدم عمالًا أجانب خلافًا لنظام الإقامة وقانون العمل”. وبالطبع الاستمرار بالترحيل القسري دون التنسيق مع مفوضية اللاجئين لدراسة ملفات الأفراد، رجالًا ونساء بتنوعاتهن، والخطورة التي تسببها إعادتهم بهذه الطريقة والتي ستنعكس على حيواتهم وحريتهم وأمنهم دون موافقتهم الطوعية.

انعكست حملات العنف الجماعية المكثفة والفاشية التي طالت عموم السوريين والسوريات مؤخرًا، وتعديل قوانين الإقامة بزيادة الطلب على جوازات السفر، فخلال بداية الأسبوع الثاني من هذا الشهر، وصل دور حجز موعد بالسفارة السورية في لبنان للحصول على جواز سفر أو تجديده إلى بداية شهر أيلول المقبل، رغم أنه يصنف كأضعف جواز سفر في العالم، لضيق خيارات التنقل المتاحة أمام حامليه.

عمليًا، تحت وطأة الممارسات اللاإنسانية والعقاب الجماعي وحملات الفاشية وخطاب الكراهية ضد السوريين والسوريات، ثمة مصير مجهول ينتظرهم، وخسائر مادية ومعنوية ونفسية لا يتصورها إلا من يقبع تحت هذا الضغط الشديد، وقضية لجوء يراد حلها بالوسائل الأمنية بينما هي قضية حقوقية وإنسانية وسياسية.

عنب بلدي

——————-

كأنّ السوريين في لبنان للنزهة حتّى يُرحّلوا/ شفان إبراهيم

لم يكن ينقص السوريون في لبنان، في ظلّ الهشّاشة الأمنية والفراغ الرئاسي منذ سنة وخمسة أشهر، والضعف الأمني في الداخل وعبر الحدود، ومخاوف امتداد الصراع في غزّة إلى لبنان، والفقر والفاقة التي يعيشها غالبية اللاجئين السوريين إلى لبنان، سوى جريمة قتل منسّق حزب القوات اللبنانية، باسكال سليمان، في منطقة جبيل في جبل لبنان، لتكتمل فصول معاناتهم وخوفهم، وهو ما أثّر بعمق في التفاعلات السياسية والشعبية، وردات الأفعال تجاه السوريين عامة، عدا نذير شؤم لصراعٍ طائفي جديد في لبنان، في ظلّ احتقان سياسي وإعلامي تتصاعد وتيرتُه، مع مخاوف حقيقية من وصولها مرحلة لا يمكن معها السيطرة عليها، خاصّة مع مخاوف كبيرة حيال انعكاسات أي ردٍّ انتقامي على استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق خلال إبريل/ نيسان الجاري، ووصول تأثيرات ذلك الرد إلى لبنان، مع تباين المواقف والمقاربات للفاعلين السياسيين والعسكريين اللبنانيين للحرب على غزّة وتأثيرها في البلاد.

وأمام كُل ذلك البلاء، يتحمّل اللاجئون السوريون تبعات وتداعيات ذلك الاغتيال، خاصّة أنّ تراشق الاتهامات بين الأطراف اللبنانية، يوقظ شياطين ردات الفعل العام على الجميع، فحزب القوات قال إنها “اغتيالٌ سياسي” للقيادي حتى إثبات عكس ذلك. في حين، تحدّث مناصرو الحزب وأعضاؤه، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عن ضلوع حزب الله في العملية، ويَتَّهِمُ الأخير الكتائب بالسعي إلى “الحرب الأهلية”. لكنّ الممارسة الفعلية الحقيقية هي تصاعد الانتهاكات ضد اللاجئين السوريين، وتعرّض عدد منهم للاعتداء المباشر، أو الدعوة إلى ترحيلهم، أو إخراجهم من بيوتهم ومحلاتهم وطردهم من المنطقة، أو التحريض الحكومي، وإرسال تهديدات لإخلاء بعض المناطق، كما حصل في منطقة برج حمّود، ومنطقة زوق مكايل في كسروان، حيث أُلقيت منشوراتٌ ورقية في الساحات والطرقات تطالب بخروج اللاجئين، اشتعلت بعدها حرب البيانات والتصريحات، تُرسّخ في مُجملها التنمّر وخطاب الكراهية والدعوة المبطّنة والصريحة للعنف ضد اللاجئين، وصلت إلى مستويات رسمية، كما في حالة وزير الداخلية اللبناني، بسّام مولوي، الذي طالب بكثير من التشديد في تطبيق القوانين على اللاجئين للحد من الوجود السوري في لبنان بشكل عملي وواضح. والأكثر فداحة وصلافة تمثّل في زعم وزير المهجّرين، عصام شرف الدين، وجود “20 ألف مسلح وخلايا إرهابية نائمة داخل مخيّمات اللاجئين ينتظرون ساعة الصفر والإشارة من واشنطن لتقويض الأمن في سورية، لمآرب سياسية تخدم الدول الغربية”. كما لم تخرج دعوة حزب القوات لخروج السوريين من لبنان عن ذلك الإطار وعن الدعوة إلى عودة اللاجئين إلى ديارهم، متحجّجين باستتباب الأمن في مناطق سيطرة النظام أو مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري، مع رفض بيانه الحقد والهمجية ضد السوريين، وكأنّ الوضع الأمني والمعيشي والسياسي في سورية مستقر ومُستقطب للعمالة الأجنبية والسيّاح، ويُعتَبَر رمزاً للعدالة الاجتماعية والديمقراطية حتى يحفّز الفارين من جحيم الحرب والموت على العودة إليها. اللاجئون السوريون في لبنان، وفي بيان لهم، دانوا جريمة القتل، وأعلنوا براءتهم من كل ما يتسبّب بأذيّة الشعب اللبناني، أو مخالفة القوانين اللبنانية، وأنّ وجودهم مؤقت، وسينتهي مع توفّر ظروف العودة الآمنة.

الواضح أنّ القواعد الاجتماعية في لبنان منقسمة حيال الوجود السوري منذ البداية، وتوالت الحوادث التي عمّقت بشدّة ذلك الانقسام، لكن حادثة القتل هذه لعبت دوراً بارزاً في جذب مزيد من اهتمام القوى الأمنية والسياسية لوجودهم، تحوّل لاحقاً إلى هوس لدى قطاعاتٍ شعبية تحاول اتهام جميع السوريين الموجودين في لبنان، لترتبط الاعتداءات عليهم مع نتائج التسعير العنصري الذي استلمت ناصيته قوى سياسية تعارض الوجود السوري في لبنان عبر حسابات انتخابية وطائفية. ومع اشتداد الخطاب والتحريض، فإنّ أي فعل صغير مخالف لقانون يُتهم به النازحون السوريون سيُترجم انفلاتاً سلوكياً على الأرض ضدّ السوريين، وهو بدوره يُساهم في حصار جميع المنافذ المتبقية للتعددية والتنوع الثقافي والسياسي والإنساني. بالتأكيد، تسبّب ملفّ النزوح بضغط اجتماعي كبير، لكنّ السوريين في عموم دول اللجوء الإقليمي، خاصّة من لم تتوفّر لهم ظروف معيشة جيدة، وظلّوا بلا عمل أو دراسة، أو لم يحصلوا على تأشيرات للهجرة النهائية، ربما لن يدّخروا وقتاً وجهداً للهجرة العكسية لو سنحت لهم فرصة العودة، لكنها عودة مرتبطة بتبني خطط واضحة للانتعاش الاقتصادي المبكّر، وإعادة الإعمار، والتسوية السياسية، وضمانات صُلبة بعدم الملاحقات الأمنية، وإعادة تأهيل البنية التحتية، وتوفير فرص العمل، وكل ذلك مرتبط بدعم عربي حازم، وتدخّل المجتمع الدولي والمنظّمات الدولية، وكلّ ذلك مفقود أو ضعيف إلى الآن، فكيف يُطلب منهم العودة بخطابات عنصرية ومواجهات مباشرة؟ وإذا كان السوريون في الداخل هم أنفسهم يبحثون عن مخرج للهروب والهجرة، وإنقاذ ما تبقى من أعمارهم والأعوام المهدورة من حياة أبنائهم، فكيف يُطلب من مجتمع النزوح العودة إلى حيث المجاعة والكارثة المعيشية؟

ما يزيد من فظاعة المشهد هو الصمت المدوّي من قسم من الناشطين والصحافيين والمجتمع اللبناني بشكل عام، وإن على عكس قسم من أصوات إنسانية وعادلة تدعو إلى الفصل بين أنسنة اللجوء، ووجود جماعات مسيئة تتحرّك وفق أجندات معيّنة لتسريع وتيرة الصراعات الأهلية والمذهبية. لكنّ الموقف الرسمي للسلطة في لبنان تجاه دعوات القصاص الجماعي، قد لا تقلّ فظاعة عن جريمة القتل نفسها، وربما تفوق فظاعة العنصرية وحملات الترهيب والكراهية ضد اللاجئين السوريين في لبنان، خاصّة، أنّها تكتفي بالمشاهدة أو بالخطابات الشعبوية، وتقدّم سردية لا تُؤَمّن الحماية للنازحين، وهم أضعف حلقة في المعادلة كلها. فهل البطولات الكلامية ستجلب الحلّ الأمثل للبنان أم المزيد من المعاناة والاحتقان؟ وإذا كانت الحكومة في لبنان جادّة وصادقة في فرض الأمن واستتبابه، فإنّ التضامن العميق والحقيقي هو مع الشرائح التي تخشى على حياتها حتّى وهي مختبئة في منازلها.

وفي تفكيك رواية أسباب القتل بالجريمة السياسية أو بدافع السرقة، يُمكن القول إنّ العقل البسيط سيبحث في أسباب نقل الجثّة إلى سورية، ثم كشفها، وهل هو لزرع إسفين العنصرية والتفرقة بين السوريين النازحين والمجتمع اللبناني الذي انجرّت إليه قطاعات غير قليلة أصرّت على ترحيل السوريين، في ظلّ الأزمة الاقتصادية المميتة التي يعيشها اللبنانيون، وإشغال الرأي العام عن مواضيع أخرى ترتبط بغزّة وغيرها؟ المؤسف أنّ ما حصل نجح، وإن نسبياً، في إعادة فتح باب دعوات ترحيل السوريين، ونقل ملفّ النزوح من الإنساني إلى السياسي والأمني، ما هو جيد في الموضوع أنّه لا تعميم في مطلب الترحيل، واللبنانيون المُدركون لحجم الفتنة يعرفون جيداً ما يحدث.

العربي الجديد

————————

“رشوة النازحين السوريين” شغلت لبنان.. الاتحاد الأوروبي يوضح/ جوني فخري

11 مايو ,2024

بعد الزوبعة التي أثارها إعلان الاتحاد الأوروبي عن حزمة مساعدات مالية بقيمة مليار يورو للبنان واعتبار جهات سياسية عدة بأنها “رشوة” تهدف إلى إبقاء النازحين السوريين في البلاد ومنع تدفقهم بطرق غير شرعية إلى أوروبا، أوضحت سفيرة الاتحاد اللغط.

وأكدت السفيرة الأوروبية في لبنان، ساندرا دو وال، “أن هذه الحزمة ليست لدعم هجرة اللبنانيين من بلدهم كما يتم التسويق إعلامياً، وإنما هي استمرار لدعم الاتحاد في مختلف القطاعات الحيوية”.

وخلال لقاء صحافي في سفارة الاتحاد ببيروت شاركت فيه “العربية.نت/والحدث.نت، قالت السفيرة “هذه المساعدات ستُصرف لدعم القطاعات الرئيسية في لبنان مثل الحماية الاجتماعية والصحة والمياه والتعليم، ودعم الحكومة في توفير الخدمات الأساسية للفئات الأكثر ضعفاً في البلاد”.

لا يشمل فقط السوريين

كما أشارت إلى “أن هذا الدعم لا يشمل فقط النازحين، بل أيضاً العديد من اللبنانيين الذين يستفيدون من برامج المساعدة الاجتماعية المموّلة من الاتحاد الأوروبي، وخدمات الرعاية الصحية الأوّلية بتكلفة معقولة، كما الحصول على المياه النظيفة ودعم المدارس الرسمية التي أُعيد تأهيلها حديثاً من ضمنها دفع رواتب أساتذة التلاميذ السوريين”.

وحرصت على التأكيد على أن “الجزء الأكبر من هذا الدعم يستفيد منه اللبنانيون مباشرة”، معتبرة “أن هناك سوء فهم لمسألة دعمنا للاجئين”.

“نفهم مخاوف اللبنانيين”

إلى ذلك، أردفت دو وال قائلة “نحن لسنا صمّاً، بل إنّنا نسمع ونفهم بوضوح المخاوف التي يثيرها اللبنانيون بشأن وجود هذا العدد الكبير من السوريين، ونقرُّ بالعبء الثقيل الناجم عن هذا الوضع، ولاحظنا أن عدد اللبنانيين الذين يقصدون مراكز الرعاية الصحية التي أنشأناها في مناطق مختلفة، ارتفع نتيجة للأزمة الاقتصادية المتفاقمة”.

كذلك أكدت “أن الدعم الأوروبي للبنان سيستمرّ وسيكون عبر الجهات المانحة والمنظمات غير الحكومية”.

وشددت على “ضرورة أن يسلك لبنان مسار الحوكمة الرشيدة وإقرار الإصلاحات المطلوبة وأن يعمل على مكافحة الإرهاب ومكافحة تجارة البشر”.

ضبط التهريب

وهنا، لفتت سفيرة الاتحاد إلى “أهمية إدارة الحدود Border Management بين لبنان وسوريا لضبط عمليات تهريب الأشخاص والاتجار بهم”. وشددت على “أهمية تأهيل مبنى خاص للتدريب على إدارة الحدود البرية وذلك لمكافحة التهريب على أنواعه”.

كما أضافت “بالتوازي مع معالجة مسألة الحدود البحرية للبنان، يجب أن ندعم أيضاً عملية ضبط وإدارة الحدود البرية بين لبنان وسوريا، وتعزيز قدرات الأجهزة الأمنية، لاسيما لجهة عمليات الرصد وتوقيف المهرّبين ومعاقبتهم على الجرم الذي اقترفوه وليس الاكتفاء بتغريمهم”.

العودة الآمنة للسوريين

أما في شأن عودة السوريين، فحرصت على التأكيد على “أن مستقبل السوريين هو في سوريا لكن تبقى عودتهم الآمنة هي الهدف النهائي”. وأضافت “لهذا السبب، سنواصل إعادة توطين اللاجئين من لبنان إلى أوروبا للمساعدة في تخفيف العبء”.

كما أوضحت أنه خلال الأشهر المقبلة، سيعمل الاتحاد أيضاً مع مفوضية اللاجئين لتطوير نهج أكثر تنظيماً للعودة الطوعية إلى سوريا”. وشددت على “ضرورة أن يُساهم النظام السوري بتسهيل عودة اللاجئين”.

مساعدات حتى 2027

وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أعلنت الأسبوع الماضي عن حزمة المساعدات خلال زيارتها والرئيس القبرصي، نيكوس خريستودوليدس، إلى لبنان، حيث ستكون هذه الحزمة متاحة، كما قالت “بدءاً من هذا العام الحالي حتى 2027” من أجل المساهمة في “الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، ودعم الجيش والقوى الأمنية”.

ما فجر سجالا واسعا بين السياسيين من جهة ووسط العديد من اللبنانيين على مواقع التواصل، ممن رأوا في تلك الأموال الملغومة، كما وصفت، خطة لإبقاء النازحين السوريين في البلاد.

———————————-

لبنان إذ ينتهك “السيادة” السورية!/ حازم الأمين

07.05.2024

اللاجىء السوري محاصر بالمثلث المذهبي اللبناني القاتل، فضلعه الشيعي (حزب الله) يقاتل في سوريا، وضلعه السني (نجيب ميقاتي) يلهث وراء هبات تعوض السرقات، وضلعه المسيحي غارق بأوهام الوجود، واستعاض عن “السيادة” المنتهكة بالسلاح، بمخاوف التوطين!

 بغض النظر عن رأي المرء بـ”الائتلاف الوطني السوري” المعارض، فقد نطق رئيس هذا الائتلاف هادي البحرة بعد صمت مديد، متناولاً ما أصاب اللاجئين السوريين في لبنان من ضيم وتمييز وكراهية لامست العنصرية، فطالب الدولة اللبنانية بأن تسحب قواتها من سوريا تمهيداً لعودة اللاجئين.

ما قاله البحرة لا ينطوي على مبالغة وتهويل، ذاك أن قوات لبنانية الهوية- وهي شبه نظامية، وتشير إليها البيانات الوزارية بوصفها أداة “دفاع عن لبنان”، وممثلة في الحكومة اللبنانية عبر وزراء حزب الله- تقاتل في سوريا، وتنتشر على طول الخريطة السورية وعرضها، وهي جزء من الحرب الأهلية في ذلك البلد، ومسؤولة إلى جانب قوات النظام السوري عن تهجير ملايين السوريين من بلادهم.

هذه الحقيقة الجليّة يُشاح النظر عنها خلال تناول السلطة اللبنانية بأحزابها وطوائفها وإعلامها، قضية اللاجئين السوريين في لبنان. فاللاجئ السوري في الخطاب اللبنانوي المستجد جاء لينقض على “الثروة” في بلادنا. الثروة التي سرقها من يتولى اليوم خطاب الكراهية بحق اللاجئين السوريين.

جريمة فرد لا تعني تورط “الجميع”

الجريمة التي يرتكبها سوري في لبنان هي “جريمة وطنية”. لا بأس! لكن ماذا عن قتال آلاف اللبنانيين في سوريا؟ أليس ما يرتكبونه هناك انتهاكاً للسيادة؟ أليس الغطاء السياسي اللبناني الواسع لمشاركة حزب الله في الحرب السورية جزءاً من قصة اللجوء؟ خطاب الكراهية إذ يشيح بأنظاره عن هذه الحقيقة، يخصب الكراهية بشحنات خبث، لطالما حفلت بها خطب أقوياء حيال ضعفاء. وأي أقوياء؟! إنهم لبنانيون ممن لم يستشرهم الحزب عندما توجّه لـ”حماية الأضرحة” في سوريا، واليوم أيضاً لم يستشرهم عندما قرر فتح الجبهة الجنوبية مع إسرائيل.

الجريمة التي ارتكبها مواطن سوري أخيراً في منطقة الروشة بقتله شابة، فظيعة وبشعة، ومعاقبة مرتكبها واجب ملحّ وضروري. لكن سرعة توظيفها في خطاب الكراهية فظيع أيضاً.

الجريمة التي يرتكبها سوري في لبنان هي “جريمة وطنية”. لا بأس! لكن ماذا عن قتال آلاف اللبنانيين في سوريا؟

والأفظع، هو تمترس وسائل إعلام وأحزاب وهيئات لم يسبق أن أبدت حساسية حيال الضحية، واستيقاظها على هول جريمة لتوظفيها في غير سياقها الجنائي.

نعم هبة المليار يورو التي قدمها الاتحاد الأوروبي أخيراً للدولة اللبنانية تعكس مستوى نذالة المنظومة اللبنانية الحاكمة، لكن النذالة لا تتمثل بما سيعقب الهبة من تخفيض لمنسوب خطاب الكراهية الرسمي حيال اللاجئ السوري، إنما في كشف وظيفة هذا الخطاب، بوصفه وسيلة لابتزاز العالم، وتحصيل الهبات بعدما سُرقت خزائن الدولة والمصارف، وحُوِّلت إلى الخارج.

خطاب العداء يطاول الدور الأوروبي

اللافت، أن خطاب العداء للاجئين يشمل هذه المرة استهدافاً للدور الأوروبي، فبتنا نسمع خطباً للبطريرك الماروني بشارة الراعي يدعو فيها الى “عدم الانجرار وراء النوايا الأوروبية بتوطين اللاجئين السوريين”.

وهنا تحضر أسئلة عن حال المسيحيين في لبنان بعدما فقدوا بوصلة العلاقة مع الغرب ومع قيمه ومصالحه. هذا الصدام هو أحد مؤشرات تصدّع موقع المسيحيين في لبنان، وهو صورة الاختلال الكبير في قيادتهم.     

كل من يعيش في لبنان ضعيف، وحقوقه منتهكة وإنسانيته مداسة، باستثناء نخبة الفساد وأحزابها وميليشياتها المسلّحة! لكن أكثرنا ضعفاً وعرضة للانتهاك، هو اللاجئ السوري الذي قذفه سوء طالعه – وبعض هذا الطالع السيئ صناعة لبنانية- إلى لبنان. يعمل في أصعب المهن، ويقيم في أكثر الأماكن هشاشة ورثاثة، وهو عرضة لنزق عنصري، وينتظره في بلده نظام إبادي.

الانحياز الى هذا اللاجئ شأن أخلاقي، لا بل هو ما تبقى لنا من فرص قليلة لاختبار إنسانيتنا ومشاعرنا حيال ضعفاء هذا العالم. ألسنا اليوم في سياق الانحياز إلى قضية الضعيف الفلسطيني في غزة؟ لكن ماذا عن الضعيف السوري؟

الخلاصة أن اللاجىء السوري محاصر بالمثلث المذهبي اللبناني القاتل، فضلعه الشيعي (حزب الله) يقاتل في سوريا، وضلعه السني (نجيب ميقاتي) يلهث وراء هبات تعوض السرقات، وضلعه المسيحي غارق بأوهام الوجود، واستعاض عن “السيادة” المنتهكة بالسلاح، بمخاوف التوطين!

درج

———————————-

أنا سوريّة… ولست سبب “كلّ” مشاكل لبنان!/ بترا محمد

08.05.2024

يجب أن يعترف العالم بكامله أنّ السوريّ اختبر كلّ أنواع الموت، من القتل بالرصاص أو بقذائف الهاون أو غرقاً في البحار أو برداً في الغابات على حدود دولةٍ ما وهو يحاول العبور، أو على باب مستشفى لم تستقبله لأنه لا يملك المال، أو سحلاً بالشوارع في جريمة كراهية.

يُقتل مسؤول في حزبٍ في لبنان (باسكال سليمان)، الأجهزة الأمنيّة “تكتشف” أن المتورطين سوريون، وتنهال على رؤوس الأبرياء الشتائم والتهديد والضرب. تحصل جريمة في منطقة أُخرى، تكتشف الأجهزة الأمنيّة أن المتورطين سوريون، فتُصدر البلديّات تعميماً إلى السوريين بإخلاء منازلهم!

بعد كُل حادثة أو جريمة تكشف فيها الحكومة اللبنانية عن أن المتورطين سوريون، نقرأ قصّة غير منطقية عن ملابسات الجريمة، قصة لا يُصدقّها العقل، وهنا لا أقول إنه لا يوجد سوريون يمتهنون الإجرام والسّرقة، ففي كُل أنحاء العالم ومن كل الجنسيّات يوجد السيئ و الجيد، لكن تفاصيل هذه القصص، وخصوصاً قصة باسكال سليمان على عيوبها، لا تخفي تدخل أيد لبنانية.

ما يحصل منذ وصولي إلى لبنان عام 2016، تحريض واضح ومباشر على حاملي الجنسيّة السوريّة من ممثلي السلطة. ولكنني لا أعتقد أنّ هناك سورياً يتجرّأ على حمل سلاح في لُبنان، إلّا إذا كان مدعوماً من حزب، أو من شخص يمتلك سُلطة ما في لبنان، أقول هذا تعليقاً على “دعاء” سمير جعجع الذي كتب: “ربنا ستر” لبنان أنّه لم يُقدم أي فريق إقليمي على تسليح السوريين من 13 سنة حتى الآن”.

“السرطان سببه النازحون السوريون”

لا أعتقد أنّه من المُنصف (والطبيعيّ)، لأيّ شخص يمتلك نوعاً من تأثير في السياسة، أن يظهر في كُلّ فرصةٍ تسنح له، بخطاب مُعادٍ لوجود السوريين. ففي كُل أزمة تعصف بلبنان، يخرج علينا “السياسيون” ويقولون إن السبب هو السوريون، ولا أزال أذكرُ إلى الآن تصريحاً لأحد الأطباء مفاده أن “السرطان سببه النازحون السوريون”.

غالباً ما يغفل أولئك “السياسيون” ذكر أمر مهم في خطاباتهم، وهنا أقتبس ما نشرته مفوّضية شؤون اللاجئين، فـ”منذ عام 2015، تلقى لبنان أكثر من 8.2 مليار دولار أميركي لدعم النازحين السوريين واللبنانيين المستضعفين واللاجئين الفلسطينيين في إطار خطة لبنان للاستجابة للأزمة”.

نقرأ أيضاً أنه عام 2022، أطلقت الأمم المتحدة خطة للاستجابة للأزمة في لبنان عام 2022  لتقديم “مساعدة حاسمة لأكثر من ثلاثة ملايين شخص مستضعف، ودعم البنية التحتية العامة والخدمات والاقتصاد المحلي”، قيمة “المساعدة” بلغت 3.2 مليار دولار، لكن في لبنان، حيث الفساد مهنة السلطة، أُجّل تقديم المساعدات المالية لأصحابها بالدولار، لماذا؟

يجيب وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني هكتور حجار، عن هذا السؤال قائلاً: “الشعب اللبناني رافض هذا النزوح، وهو يقارن بين المساعدات التي يحصل عليها النازحون والمساعدات البسيطة التي يحصلون عليها كلبنانيين”. ولم يشر حجار أبداً إلى النظام المصرفي في لبنان، الذي أقل ما يمكن وصفه به بأنه نظام لصوصية وغسيل أموال.

وأعلنت رئيسة المفوضيّة الأوروبيّة، أورسولا فون دير لاين، أخيراً في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبناني نجيب ميقاتي، والرئيس القبرصي، عن تقديم حزمة مالية بمقدار مليار يورو لـ”إدارة الهجرة”، وهي تشبه ما حصلت عليه تونس للحدّ من تدفق اللاجئين نحو البحر المتوسط، لكن كيف سيتم تطبيق ذلك؟

أصبح واضحاً أن كل حملة عنصرية ضد السوريين تتزامن مع منحة مالية للبنان، ما يجعلنا نشكّك في مصداقيّة جميع القصص التي يرويها ممثلو السّلطة، كونها لُعبة للحصول على تمويلات لا تذهب أبداً إلى حلّ أي مشكلة تخص اللاجئين أو تنظيم وجودهم.

أطرحُ سؤالاً اليوم، كيف يُعتبر وجود اللاجئين عبئاً على لُبنان، وقد تم تقديم المليارات من التمويلات له؟ أليست الإجابة واضحة؟ يُستخدم اللاجئون كعذر لأزمات لُبنان جميعها، ويتمّ باسمهم الحصول على أموال طائلة “لمُساعدتهم”، فيما لا يصل منها شيء إلى من يحتاجها. ثمّ تكرّر الشكوى مجدداً، بعدها تُعطى الأموال لحكومة أثبتت فشلها وفسادها سابقاً. إنها دوّامة كبيرة من الفساد لا تنتهي.

 لا بد أن يعرف “الجميع”، أن معظم اللاجئين الذين يسكنون الخيم في لبنان، يدفعون إبجاراً لخيمتهم التي تحمل شعار الأمم المتحدة، وأنّهم يتقاضون مبلغاً ضئيلاً يقارب الـ90 دولاراً كمُساعدات للعائلة الواحدة، ثمّ يخرجُ السياسيون والإعلاميّون ليقولوا إن السوريين باقون في لُبنان لأنّهم يحصّلون أموالاً بالدولار كمُساعدات!

في لبنان، هناك الكثير ممن يُتاجر بنزوح السورييّن ويأخذ منهم أموالاً طائلة ليصلوا إلى لبنان، بدءاً بمن “يطلبون” التمويل الدولي، مروراً بالقائمين على طرق التهريب البرية من سوريا، انتهاء بالمهربين على شطآن طرابلس عبر “قوارب الموت”، التي تترك السوريين (واللبنانيين في بعض الأحيان)، في مواجهة الغرق وحملات الكراهية الأوروبيّة.

شخصياً، مللتُ من ترسيخ وضعي كضحيّة، واستخدامي بكلّ الأشكال ولصالح مُختلف الجهات، واعتباري رقماً على الهامش، يُمحى عند اللزوم.

الصمت خوفاً على الآخرين

في السنوات الأخيرة، أصبح الحصول على إقامة نظامية في لبنان من المعجزات، ما جعل كثراً من العالقين بين استحالة العودة إلى سوريا أو المُتابعة إلى بلد آخر، مضطرين للبقاء في لبنان والتجوّل من دون إقامة.

يُستغلّ السوري في جميع مجالات الحياة، ففي العمل يعطونه راتباً شهرياً متدنياً لعدم امتلاكه خياراً آخر، ويأخذون منه بدل إيجار المنزل مبالغ عالية، فقط لكونه سوري الجنسية.

لا يُوجد أحد من الذين أعرفُهم يتجرّأ حتى على الصراخ في وجه شخص لُبنانيّ، لأنّنا لا نخاف فقط على أنفسنا، بل نعلم جيداً بأنّ أي حادثة ستتحوّل إلى ذريعة لنشر الكراهية ضد السوريين. فقد تعرضت وجميع من أعرفهم إلى العنصريّة لمرة واحدة على الأقل، وفي كُلّ أزمة يمرّ بها السوريون في لبنان يأتي من يحاول أن يستغلّها ضدهم، ويلومهم على كونهم ضحايا!

ابتزاز وعنف عشوائيّ

لي صديق يعمل في المجال الفنّي، يملك إقامة صالحة، لكن بعد الحوادث العنصرية المتنقلة وإصدار التعميمات من البلديّات، أرسل له كفيله رسائل فحواها أن الضابط الذي أصدر له إقامته سيقوم بإلغائها، وأنّه بمبلغ 200 دولار يستطيع أن يقنعه بألا يسحب الإقامة منه.

 لم يقع صديقي في فخ الابتزاز، إذ سأل ضابطاً آخر في الأمن العام عن الموضوع، ليجيبه بصريح العبارة أن كفيله يحاول استغلاله.

لي صديق آخر كان يمشي وهو يتحدّث عبر هاتفه في منطقة فرن الشباك، فسمعه شخص لبناني وقال له “بدكن تضلكن هون؟ عبيتو هالبلد!”، ثمّ هاجمه بعدها وتبادلا اللكمات.

بعد وقوع الحادثة، حاول شخص يملك دكّاناً قريباً من المكان، أن يبتزّ صديقي، فقال له “بحلّ الخبرية إذا بتعطيني مصاري، بخليهن ما يتشكّوا عليك”، لكن صديقي رفض ذلك ولم ينصاع للخوف.

أما آن الأوان أن ينتهي تجريدنا من إنسانيّتنا ومن أبسط حقوقنا الأساسيّة فقط لأننا سوريّون؟ أما آن الأوان للاعتراف بأنّ العالم أجمع خذلنا وأغلق حدوده في وجهنا، ووضع شروطاً لدخولنا إلى أراضيه.

يجب أن يعترف العالم بكامله أنّ السوريّ اختبر كلّ أنواع الموت، من القتل بالرصاص أو بقذائف الهاون أو غرقاً في البحار أو برداً في الغابات على حدود دولةٍ ما وهو يحاول العبور، أو على باب مستشفى لم تستقبله لأنه لا يملك المال، أو سحلاً بالشوارع في جريمة كراهية.

نموت كل يوم موتاً بطيئاً، تُطاردنا الذكريات والكوابيس، نُعاني من الاكتئاب واضطرابات ما بعد الصدمة، وكلّ ما نبحث عنه في وسط هذا كله هو فقط حب وسعادة وحريّة مثل أي شخص آخر، وأكبر أحلامنا هو الأمان! الأمان الذي يُسلب منا في لحظة واحدة عندما يرتكب أي شخص في أي منطقة فعلاً سيئاً، فيبدأ العقاب الجماعي والتحقير والذلّ والتهديد.

كثر منّا عاشوا صدماتٍ ليس من السهل احتمالها. كثر منّا، إنّ لم يكُن جميعنا، دُمّرت أحلامهم ومُستقبلهم واستقرارهم، وأصبحت مهمّتنا أن ننجو  بحياتنا من يومٍ إلى يوم. من سيُصلح ما انكسر داخلنا في السنوات الأخيرة، من سيأتي ويمحي من ذاكرتنا كلّ الأسى الذي اختبرناه ونختبره؟

من سيعترف بحقّنا في الحياة والاستقرار والانتماء؟ ألم يحن الوقت أن تتوقّف مهزلة طوابير السفارات والمُساعدات والسماسرة؟ ألم يأتِ الوقت الذي يتوقّف فيه العالم عن إبقائنا كضحايا، وجعلنا عامّة شعب تحمل أوزار الحكومات والألعاب السياسيّة.

نحن بشر، ويحقّ لنا بالمُعاملة بالمثل، يحقُّ لنا بالاستقرار والعيش حياة لائقة. وشخصياً، مللتُ من ترسيخ وضعي كضحيّة، واستخدامي بكلّ الأشكال ولصالح مُختلف الجهات، واعتباري رقماً على الهامش، يُمحى عند اللزوم.

– كاتبة سوريّة

درج

——————————

السوريون في لبنان… الأرقام وجهة نظر/ عالية منصور

لا يبدو أن الحكومة اللبنانية تملك حتى اللحظة ارقاما دقيقة أو شبه دقيقة للسوريين على أرضها

06 مايو 2024

تتصاعد بين الحين والآخر الأصوات والحملات ضد اللاجئين السوريين في لبنان، وفي كل مرة تكون الحكومة اللبنانية أو بعض منها جزءا من هذه الحملات. وبات البعض يرى، كلما طرحت مشكلة اللجوء والنزوح السوري في لبنان، أنها عملية ابتزاز للمجتمع الدولي لزيادة الدعم المالي المقدم إلى البنان.

وصور بعض اللبنانيين زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين للبنان للمرة الأولى واعلانها تقديم مبلغ مليار يورو بدءا من الآن الى العام 2027 على أنها “رشوة” للحكومة اللبنانية مقابل السكوت عن الملف، ولمنع المزيد من اللاجئين من التوجه الى قبرص ومن ثم الى اوروبا عبر البحر، على الرغم من محاولات رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبناني نجيب ميقاتي التأكيد أن المليار يورو “ليست رشوة كما يزعم البعض وليس هناك اشتراط أن تكون مساعدة المليار كشرط لبقاء النازحين في لبنان”.

مما لا شك فيه أن لبنان يتحمل العبء الأكبر في موضوع اللجوء السوري، لكن هذا الملف هو واحد من ملفات كثيرة فشلت الحكومة في ادارتها. فبعد 13 عاما على بدء أزمة لجوء السوريين الى لبنان، لا يبدو أن الحكومة اللبنانية تملك حتى اللحظة ارقاما دقيقة أو شبه دقيقة للسوريين على أرضها، ولا أي خطة واقعية وعملية لتخفيف أعباء هذا اللجوء.

فرئيس الحكومة يتحدث عن رقم يقارب المليونين، بينما يتحدث وزير المهجرين عصام شرف الدين عن ثلاثة ملايين لاجئ، فيما يبلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين لدى المفوضية حسب الناطقة الرسمية باسم المفوضية السامية لحقوق اللاجئين في لبنان، دلال حرب، 795,322 لاجئا (الرقم لا يشمل المقيمين من غير اللاجئين). ولكل وزير ومسؤول رقم يستخدمه عند الحاجة، ولكل مسؤول خطة، لكن المشترك بين الجميع هو غياب الخطة وغياب اي حس بالمسؤولية حيال ما يمكن أن يفضي اليه التحريض المستمر.

قبل عام من الآن، وضع وزير المهجرين عصام شرف الدين خطة لإعادة 15 ألف سوري شهريا الى سوريا، بعدما زار دمشق وعاد منها مؤكدا تعاون السلطات السورية، التي اعتبرت أن رقم 15 الفا قليل، وفي الامكان زيادته. حينذاك كان تعداد السوريين وفقا للوزير “يفوق المليون ونصف المليون”. أما اليوم فالوزير نفسه يقول إن تعدادهم يفوق الثلاثة ملايين، وإن خطته تتضمن ترحيل خمسة آلاف سوري شهريا في قوارب شرعية الى كندا وأميركا.

شرف الدين ليس استثناء، بل هو نموذج لتعاطي المسؤولين اللامسؤول مع ملف ضاغط وحساس كملف اللاجئين السوريين في لبنان. فهو الذي صرح ايضا قبل ايام ان هناك 20 الف مسلح سوري في المخيمات، وقد مر تصريحه مرور الكرام، ما عدا في بعض الاعلام الذي “احتفى” به.

أليس من واجب السلطات والأجهزة الأمنية اعتبار هذا التصريح بمثابة اخبار رسمي للتحرك على الفور وإجراء اللازم؟ هذا لم يحصل بالطبع، لأن الجميع يدرك ان “الحكي ليس عليه جمرك”، حتى لو كان يصدر عن وزير مسؤول ويمس موضوعا امنيا خطيرا كالذي طرحه.

في ذكرى انسحاب الجيش السوري من لبنان (26 أبريل/نيسان 2005)، غرد النائب زياد حواط، عضو كتلة “القوات اللبنانية”: “كما حررنا لبنان وحققنا الانسحاب العسكري السوري قبل 19 سنة، نعمل اليوم لتحرير الوطن من وجود النازحين السوريين غير الشرعيين وخطرهم على الوجود. وسننجح”.

والتصريح هذا، إذا دلّ على شيء، فعلى أنه نموذج آخر صارخ من التعاطي الذي يفتقر الى المسؤولية. فما الذي يعنيه هذين السؤالين: هل اللاجئ عدو أم محتل؟ وهل لبنان بمعركة مع هذا “العدو”؟ أم ان حملات التحريض والشعبوية تقتضي من السياسيين هذا النوع من الخطابات لشد العصب كما يقولون؟ اللافت ان اشد خصوم “حزب الله” لم يعودوا يأتون على ذكر دور “حزب الله” في تهجير السوريين وقتلهم، فـ”المعركة” أسهل مع الحلقة الأضعف، اي مع اللاجئين.

لقد بات ملف اللجوء السوري ضاغطا، وبات من الملح والضروري البدء بوضع خطة عملية لإدارته وتنظيمه وتخفيف الأعباء المترتبة عليه، بما لا يتعارض مع القانون الدولي وحقوق الانسان والاتفاقات الموقعة، وهو ما يبدو حتى اللحظة بعيد المنال. فالحكومات المتعاقبة التي رفضت تنظيم الملف منذ بداية النزوح، تستفيد اليوم من الفوضى غير الخلاقة، ومن رفض اقامة مخيمات شرعية بإدارة الدولة اللبنانية. فـ”التيار الوطني الحر” برئاسة جبران باسيل، بات اليوم يجاهر بأنه اول من تصدى للاجئين، بينما هو يتحمل المسؤولية المباشرة عن فوضى هذا الملف بعد حليفه الذي هجرهم، اي “حزب الله”.

في لبنان، يوجد لاجئ سوري وطالب سوري ومقيم ومستثمر ورجل اعمال وابن او زوج او زوجة لبناني، ويوجد عامل سوري، فلطالما كان لبنان في حاجة الى اليد العاملة السورية منذ عشرات السنين، ولكن في لبنان ايضا حكومة تخلط بين تعداد هؤلاء جميعا لتستعمل الأرقام المبالغ فيها للتحريض والابتزاز.

يخبرنا المسؤولون اللبنانيون عن اعداد السوريين الذين يزورون سوريا دوريا، ويطالبون بإسقاط صفة اللجوء عنهم، علما ان هؤلاء المسؤولين انفسهم يعرفون ان هؤلاء ليسوا لاجئين وانما عمال يخرجون ويعودون بموافقة الحكومة اللبنانية والسلطات الشرعية، علما ان لا المفوضية ولا المنظمات غير الحكومية موجودة على المعابر بين البلدين.

يخبرنا ايضا المسؤولون عن تكلفة اللجوء، ولكن لكل مسؤول وسياسي رقم، والارقام تتراوح بين 40 مليار دولار و80 مليارا، وهذا ان دل على شيء فهو يدل على ان الأرقام ايضا وجهة نظر تتبدل حسب الحاجة.

وطالما بقي التعاطي مع ملف اللجوء بهذا الشكل، فلا حل في المدى القريب. أما ترحيل عشرات السوريين بشكل عشوائي الى سوريا ليلقى بعضهم حتفه او ليعتقل، كما تدل ارقام الشبكة السورية لحقوق الانسان، فلن ينتج حلا، بل سيزيد التوتر والفوضى، والاعباء والأخطار على المواطن اللبناني واللاجئ السوري في الآن نفسه.

المجلة

—————————-

العنصرية اللبنانية ضد السوريين.. حرب داخلية لاستيعاب الحرب الإسرائيلية/ شادي علاء الدين

2024.05.02

يخبرني صديقي الرسام السوري المعروف الذي يعيش في بيروت منذ سنين بإقامة شرعية أنه لم يشهد في حياته نظرات تطفح بالعنصرية كما لاحظها في الفترة الأخيرة من أبناء الحي الذي يقيم فيه. يروي سيرة إحساس فظيع وغريب لازمه إثر نجاته من حملات اعتداءات طالت السوريين في الشارع بسبب ملامحه التي لا تحيل إلى الأوصاف العامة للسوريين كما تم رسمها واختلاقها.

يقول بمرارة “نجوت لأنهم اعتقدوا أنني لست سوريا، تبا لمثل هذه النجاة”.

صديق سوري آخر يدرس في واحدة من أرقى الجامعات اللبنانية يستدعيه راعيه العليم ببواطن الأمور ويفرض عليه إقامة جبرية في حيز عائد لأحد السفارات الغربية بغية حمايته.

هذا ما اصطدمت به في محيطي القريب والمباشر، ولكن أخبار سحل السوريين وتهجيرهم وقتلهم صارت خبرا يوميا يسيطر على الأخبار المتلاحقة بكثافة عالية، ويحتل بقوة التجاهل والتواطؤ والإصرار على إعلاء الجريمة والحقد مرتبة الوطنية العمومية، ويرتدي سمات الطبيعي والمألوف.

حملات تحريض منظمة ومبرمجة ومكلفة تقودها محطة الـ”أم تي في” التي تصنف نفسها على رأس هرم “الرايتينغ” في لبنان ولكنها لا تبالي بالتحقق من أبسط المعلومات حول واقع اللجوء.

تنشر صورا مزيفة وتقود حملات تشويه منظمة بكل ما للكلمة من معنى، ولعل أبرزها اتهام السوريين بالانتماء إلى قاتلهم الأسدي وأنهم ليسوا سوى بعض بضاعة النظام السوري قلبا وقالبا وهوية ودورا ووظيفة.

اللاجئ السوري في خيمته الغارقة بالوحول والأمطار شتاء والقيظ صيفا والمعزولة عن شروط العيش البشري المعاصر يصر وفق خطاب المحطة على الانتساب إلى الهوية الأسدية التي فر بسببها من بلاده. لا يكف عن إنجاب الأطفال ليؤكد البعد الرمزي المنتمي إلى سوريا الأسد حيث سيسمي طفله بشار وطفلته أسماء تيمنا بالثنائي المرجعي الذي بات عنوانا للمجزرة السورية.

يعلم القاصي والداني أن لا شيء يتحرك في مستنقع الخراب الآسن الذي يدعى لبنان إلا استجابة لهدف ما يتلاءم مع مصالح القوى المتغلبة على ناسه وأهله. العنصرية ضد السوريين لطالما كانت قائمة ولكنها لم تتمنهج وتتبلور وتصل إلى هذا الحد حيث تظهر تطبيقات تدعو إلى التبليغ عن السوريين وتطلب من كل لبناني أن يتحول إلى مخبر وقاض وجلاد في الوقت نفسه.

تعميم الفاشية يتيح التماهي المطلق والنهائي مع حزب الله كونه يشكل مصدره ومرجعيته، وبذلك ليس غريبا أن تحتل صورة حسن نصر الله ملامح كل زعماء الاعتراض ما ينذر بأن النظام اللبناني كما صاغه حزب الله ونمت على ضفافه الانسجامات والمعارضات مهدد بالتلاشي.

لم تصل الأمور إلى هذه الهوة تحت ضغط اللجوء السوري قطعا ولكن لأن القرار الإسرائيلي بتصفية قوة حزب الله قد اتخذ، ولأن إيران التي تسارع في الانسحاب من الميدان السوري بعد تلقيها سلاسل إنذارات بالدم عبر اغتيالات طالت نخبة رفيعة من قياداتها فهمت أن وجودها في سوريا قد بات ممنوعا وأن حلفا واضحا حول هذا العنوان يتشكل ويضم روسيا وإسرائيل إضافة إلى الحليف الأسدي اللدود الذي تنمو عوامل الطلاق بينه وبين إيران وتكتمل.

كان يسود قبل هذه اللحظة اعتقاد مفاده أن البلد يخوض صراعا بين قوى متسلطة ومتوحشة وبين قوى عاقلة، ولكن توحد المواقف حول موضوع اللجوء وخروج موجات التحريض من كل حدب وصوب يشي بأن كل القوى السياسية الفاعلة قد أعلنت اصطفافها خلف حزب الله في مشروعه.

بدا واضحا أنها تحيا تحت ظلاله، وتاليا فإن التمايزات في هذا المقام قد انعدمت. أول مؤشر لا يمكن إنكاره لدعم وجهة النظر هذه يكمن في أن لا صوت جديا يمثل تيارا سياسيا فاعلا يقول بشكل رسمي إن حزب الله مسؤول مباشرة عن مأساة اللجوء السوري وإنه يجب تحميله كل أوزارها أخلاقيا وإنسانيا وسياسيا.

يتم التعامل مع اللجوء وكأنه حدث بلا فاعلين وأنه وجد من الفراغ، وكأن السوري بغض النظر عن انتمائه وميوله كان يشتهي العيش في الفردوس اللبناني، وكأنه لم يطرد من بلاده بقوة النار والبارود والبراميل المتفجرة .

يستفيد حزب الله من العنصريات اللبنانية تجاه السوريين ويديرها بغية التغطية على حرب المساندة غير الشعبية والتي وضعته في مواجهة مع جمهوره وبيئته الحاضنة التي تنظر إليها بوصفها حربا بلا عنوان واضح، وخصوصا أن الاستهدافات الإسرائيلية لا تطول كوادر الحزب وقياداته وحسب بل تستهدف أماكن النشاط الاقتصادي للبيئة الحاضنة عن عمد، وتدمر أبواب الرزق والمؤسسات.

عدد كبير من الغارات الإسرائيلية التي بدت غير مفهومة عسكريا وميدانيا اتضح لاحقا أنها استهدفت التماسك الاقتصادي للبيئة الحاضنة في لحظة لا يوجد فيها من يعوض لا في الداخل ولا في الخارج.

عمليات طرد السوريين من مناطق النفوذ الشيعي والمسيحي تلعب دورا قد لا يبدو مرئيا بشكل مباشر ولكنه يقع في صلب أزمة تفريغ مناطق الحدود وعدم القدرة على إيجاد مساكن بديلة وموجات الاستغلال الفاجرة للأزمة من قبل أبناء البيئة التي كان يفترض أنها حاضنة فباتت مع غياب المال الإلهي النظيف والقذر تجد في معارك المساندة فرصة لتحقيق ثروات على غرار الثروات التي حققها المهربون وتجار الكبتاغون.

يُهجّر السوريون ويدفعون إلى المناطق السنية التي هي على عكس ما يشاع، لا تكن لهم الود ولا ترحب بهم، فهم ليسوا سنة بل مجرد سوريين، والسوري لم يعد انتماء وهوية بل حالة يمكنها أن تكون مسرحا لكل التوصيفات.

وبذلك فإن العنوان المزدوج للأزمة المصنعة إلهيا والمدعومة مسيحيا وحزبيا يقضي بالاستفادة من تهجير السوريين لإيجاد مساكن لإيواء الفارين من مناطق الاشتباك المتوسعة من جهة ولخلق توتر سني سني ومسيحي سني في لحظة يحاول

فيها أن يمنح حربه غير الشعبية شيعيا عنوانا إسلاميا عبر الدفع بخطاب الجماعات السنية المتطرفة إلى الواجهة تحت عنوان المواجهة في ظل التشرذم السني الواضح وغياب القيادة .يتم توظيف اللجوء السوري كأزمة وفرصة لتمكين نفوذ الجماعات المتطرفة.

ومع ارتفاع حدة التصعيد الذي ينذر بتوسيع دائرة الحرب يجتهد الحزب في صناعة ظروف تصبح بموجبها حرب نتنياهو القادمة على لبنان واحدة من حروب كثيرة تجري في الوقت نفسه.

تلك الحرب التي استجرها وفقد القدرة في التحكم بدرجتها وحدودها ومجالها الجغرافي وأهدافها تطرح بشكل مباشر موضوع القضاء على قدراته الصاروخية وتقزيم حضوره، يستقبلها بتوليف حرب داخلية عنصرية يحاول من خلالها تقديم نفسه كمدافع عن الكيان اللبناني ضد ما اصطلح على تسميته بالغزو السوري في الوقت الذي يُترك فيه البلد مشرعا لكل أنواع الاستباحات وأولها وأخطرها تلك التي ينتجها زمانه وأفكاره وقيمه ومشاريعه التي لا تعترف بالأوطان في الأساس.

—————————-

السوريون في لبنان: عن الخوف وقدرتنا على إنتاج ضحيّة جيدة!/ مكسيم عثمان

30.04.2024

لا يهدف هذا النص وحججه الى إبراز صورة مجتمعية رائعة وسليمة وآمنة للمجتمع اللبناني، لكنه يحاول التقاط مظاهر الألفة والمودة بوصفهما قابلين للقياس، ضمن ظاهرة النزوح السوري وتطوّر أبعادها وامتدادها الزمني.

تستطيع أن تعرف السوري في لبنان بسهولة، من قال إن الوجوه لا تُعبّر عن كل شيء أحياناً؟ هل يحتاج النازحون والهاربون من النظام السوري، إلى بطاقة هوية لكي تعرفونهم؟

لا، بسهولة يُعرفُ السوري الذي خرج من داره ووصل إلى لبنان. إذ لا يملك إلا خوفه ووجهه، لا داعي لرؤية الهوية التي يحملها أو الاستماع  إلى لهجته. هو يميل بوجهه الى الأسفل دوماً، ويَشعر دوماً بالانكسار، ويُحاول أن يكون نظيفاً على رغم رثاثة ثيابه، مقارنة بلباس سكان الأحياء التي يعمل فيها.

 تلتقي بالسوري الخائف على أبواب الأبنية الكُبرى، حيث يعمل كغيره “ناطوراً” للبناء، ويسكن غرفة صغيرة ملحقة. ويمكن أن تعرف السوري أحياناً  كونه أقل جرأة على إمساك الموبايل حين يقود دراجته الناريّة، تلك التي ينظّم الأمن العام اللبناني حواجز خاصة لـ”مصادرتها”.

حين يلتقي سوريان في لبنان أمامكم، تأملوا كيف يلقيان السلام على بعضهما، وكأنهما بعيدان عن الوطن آلاف الكيلومترات، وكأن سوريا بعيدة إلى الحد الذي يشكل فيه لقاء سوريين اثنين حدثاً، على رغم أن الحدود السوريّة لا يتجاوز بُعدها عن بيروت ساعتين في السيارة.

يمتلك السوري مظاهر سلوكية مختلفة، تراه في الأماكن الضيّقة داخل مطابخ المطاعم أو المحال الغذائية والمولات الكُبرى، يقف قرب برادات الأكشاك، هناك نقص في الأماكن التي يمكن أن تحتوي على “جسد السوري”.

غياب المكان هذا لا يعني أن السوري مُستعبد، هو يعمل باذلاً جهداً هائلاً، ويبدو على ملامحه انكسار خاص ونوعي، لكنه يعمل في لبنان.

يفرح السوريّ في لُبنان لأنه يستطيع بمقدار أجره أن يأكل ويشرب، يستطيع أن ينظر حوله من دون ظلمة، فجهده الجسدي يخوّله الحصول على قوت يومه، وأن يُشكل ذاكرة رُهابية تختزن قلقاً هائلاً نتيجة بعده عن بلاده.

أين ذهب التعاطف؟

الوصول السوري إلى لبنان بدا عاطفياً في البداية، “كل” اللبنانيين تعاطفوا مع النازح السوري، وهم يشاهدون على التلفاز آلاف البراميل التي تُرمى على الأحياء المدنيّة، واقتحامَ الجيش السوري وحلفاءه المدن والمحافظات الثائرة.

شكّل النظام السوري وسلوكه التاريخي مع الشعب اللبناني قيمة عاطفية وتذكيرية لكل لبناني، يشاهد في أعين النازحين آلامهم وآلامه نفسها، تلك التي اختبرها سابقاً مع النظام السوري.

تشكّلت حميمية هائلة لا يُمكن نكرانها، ولا يُمكن إضفاؤها على الفعل السياسي فقط. استُقبل السوريون بداية على أكمل وجه، آلاف الشبان عَملوا ودفعوا بدل خدمتهم للجيش في لبنان، وآخرون عملوا وكان لبنان محطة سفرهم، لكن الوقت يفتّت أي قيمة عاطفية وألفة بين الناس، وسيكون لـ”الآخر” بُعد جديد لطالما هو “آخر”.

لا تكفي العاطفة والحميمية ليبقى السوري محط التعاطف، إذ لم يسقط النظام السوريّ، وانخلع “العالم” عن القضية السورية، وعن جوع النازحين وكوارث العالم كلّها التي تتكاثر. وطوال السنوات، لم ولن يكون لبنان ناجياً مما يحصل، فإفلاس البنوك وانفجار المرفأ والكورونا، ذلك كله جعل اللبنانيين وحيدين أيضاً في مواجهة النزوح والهروب السوري الذي لا يتوقف، وعاد السوري الى موضع “الآخر” الغريب، المُتّهم بالمسؤولية عن “كل” مصائب لبنان.

هل لبنان ملاذ أفضل من سوريا؟

مر وقت طويل منذ عام 2011، وتحوّل النزوح السوريّ إلى هرب من بلادٍ توقفت فيها الحرب، لكن الحياة فيها مستحيلة، بلاد يبلغ الحد الأعلى للأجور فيها سنوياً 200 دولار.

الشرط السابق جعل لبنان باباً للتحرر من العبودية لعصر لا يملك السوري فيه إلا جوعه وبحثه عن ملاذ أفضل.

المفارقة، أنك تستطيع اختراق الحدود كلها إن عرفت شبيحاً واحداً، إذ يدلك على الطريق مع من يسمون في سوريا “شبيحة الحزب”، أي حزب الله، ذاك الذي  تفتّتت سردية المقاومة التي يتبناها في سوريا لتصبح سردية مُهربين، وإدارة لتجارة الكبتاغون وتهريب الدخان والقطع الأجنبي، وما المشكلة أن يكون البشر “قطعاً” للتهريب!

500 دولار أو ألف وأحياناً 300 دولار توصلك لبنان، لا حاجة بعد اليوم الى أمم متحدة، ولا الى أي منظمة أخرى، وصلنا إلى لبنان لننجو ونتنفّس. نراهن على فائض من كرامة اللبناني في أن يجعل الواحد منا يتمتع بالكهرباء والإنارة، بدل أن يفقدها كُلياً في سوريا.

 يتشارك اللبنانيون والسوريون تواصلاً يشعر فيه اللبناني بدهشة هائلة، يسأل اللبناني كيف يحتمل السوري أن تصله الكهرباء لساعتين خلال 24 ساعة؟ الإجابة دوماً تذهلهم كما تذهلهم إمكانية أولئك الهاربين في تدبّر أمورهم.

اندفع السوريون في لبنان الى العمل، ففي سوريا المجاعة لا يمكن الخلاص منها بالعمل، فمهما بذل الفرد جهداً، لن يتجاوز دخله اليومي الدولارين، هذا إن عمل على مدار 20 ساعة، ما قد يجعلنا أمام مفارقة لا تنتهي، مفادها: لبنان ملاذ أفضل للسوري من بلده!

مر وقت طويل منذ عام 2011، وتحوّل النزوح السوريّ إلى هرب من بلادٍ توقفت فيها الحرب، لكن الحياة فيها مستحيلة، بلاد يبلغ الحد الأعلى للأجور فيها سنوياً 200 دولار.

الخوف من العضلات المريبة!

يخاف السوري من الأبدان ذات العضلات المفتولة بريبةٍ، فـ”الشخصية الجسمانية”، منذ وصول البعث إلى السلطة في سوريا، مُرعبة، خصوصاً  إن كان يرتدي صاحبها قميصاً أسود ويدفع لحيته لتحيط بوجهه.

ليس موضوعنا هنا تاريخ الشبيحة وغيرهم، لكن مع مقتل القيادي في حزب “القوات اللبنانية” باسكال سليمان، انتهت مرحلة التعبيرات الكارهة للوجود السوري، لتتحول إلى”تعبيرات جسمانيّة”، أجساد مفتولة العضلات، تهدد وتندد وتستعرض القوّة، هي أبدان توحي بالنشاط والحركة، وبأن “حل المشكلة” السوريّة يكمن في الجسد والتهديد.

مشاهد الرعب التي نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعيّ، أفرغت الأوكسجين من صدور السوريين، الذين لا يحتاجون أصلاً الى أي صدمة رعب جديدة تذكّرهم بما مروا فيه وما يعرفوه عن وطنهم الأم.

تغيّر سلوك السوريين، الألفة التي صنعها اللبناني لهم لا تُنسى، لكن كثيراً ما يتم التحريض عبر الخطاب الإعلامي واتهام السوريين بأنهم “تنظيم مُضمر”، يُستعاد في هذا الوجود الفلسطيني، بمقارنة لا يتم تركيبها ضمن معيار منطقي.

السوري “أضحيّة” لخراب لبنان

“الأنا اللبنانية” التي تحتاج وحدتها من الصعب أن تتفهم هذا الوجود السوري كله، لكن هل درس اللبنانيون تصرّف السوريين عموماً، مخاوفهم وانكسارهم وذلهم والرعب الذي أضافوه لهم جراء رعب الفيديوهات التي انتشرت؟

لم تتكاثر مقاطع العنف، لكن أحد المقاطع التي انتشرت لشابين يضربان سورياً في الطريق شكّل صدمة لنا نحن السوريين. استسلام السوري ورعبه بدا درساً، إذ لم يجتمع أي سوري مع سوري آخر، لصدّ الضاربين أو حتى التكاثر عليهم لإيقافهم.

 كان السوري تحت الركل والضرب ينظر إليهما لتنتهي موجة العنف، يحدّق بشابين أصغر منه سناً، يحاولان تفتيت جسده بضربات سريعة. كان يمد جسده فوراً كطفل، يحاول ألا يرتعد أو أن يقاوم، ألا يُشعر ضاربيه أبداً بأنهم ظُلاّم، استحوذ نفسه كـ”خاطئ” وأنه يتلقى “عقاباً مناسباً”.

أجساد الذين تعرضوا للعنف شكّلت “ضحية” جيدة لتفريغ الوهم بالخطر القائم، ضحايا الضرب السريع والعنيف، استطاعوا استحواذ دور الأضحية ولو جزئياً، وتفريغ العنف الذي يختزنه الكثيرون في جسد السوري.

ألفة جديدة!

ما يُسمى “أنا الجماعة الأعلى” لن يظهر أبداً في لبنان على المستوى السوري، إذ لن ينتظم النازحون في حزب أو أي جماعة للتأسيس لـ”دافعية دفاعية”، ولن يؤثروا على أي أحد عنفياً أو جماعياً  على رغم الحجم الكبير لأعدادهم.

 وفي الوقت ذاته، نأى عقل الجماعة اللبناني بنفسه عن العنف، أو حتى على الانخراط في دعاية طرد السوري، الحادثة شكلت ألفة ومودة جديدة، تقود الى فترات عصيبة في التفكير الجماعي، فالاستهجان اللبناني لضرب الناس في الشوارع يُشكل قيمة مضافة لسياق وعي الجماعات.

الصيد في الماء العكر كان مُريباً، فالشماتة بمن استقبلوا اللاجئين رخيصة، الأصوات التي تلت الدعوات لطرد السوريين بالشماتة بمستقبليهم إشارة خطيرة، ليس نحو السوريين، بل نحو الألفة والمودة وظاهرة الاجتماع الفطرية لدى اللبنانيين في احتواء السوريين، واستقبالهم وحمايتهم من عنف النظام ولو من دون أن يعوا ذلك.

البحث عن صور الإلفة والودّ

لا يهدف هذا النص وحججه الى إبراز صورة مجتمعية رائعة وسليمة وآمنة للمجتمع اللبناني، لكنه يحاول التقاط مظاهر الألفة والمودة بوصفهما قابلين للقياس، ضمن ظاهرة النزوح السوري وتطوّر أبعادها وامتدادها الزمني.

 من الجيد أن يُصب الجهد السياسي نحو تخليص السوريين من ظاهرة نزوحهم عبر تفعيل آليات سياسية داخلية لضبط الحدود، ثم تذكير العالم بمصير السوريين المفتوح على الدمار مع بقاء النظام من دون أي رقيب أو ضغط.

لكن المُضحك أن نحاول أن نكون بأجسادنا أكثر تحفظاً، نخاف العتمة والشوارع التي قد يكرهنا فيها أحدٌ ما، أن نبادر لأن نعتذر ممن قد يضربنا لأننا هنا، أن نحاول أن نكون أضحية جيدة لنحمي بجسدنا آخرين، أن نضع صلباناً على رقابنا إن كنا مسيحيين، أو أن نُسلم حياتنا للقدر فقط حينما لا نملك رمزاً يخفف على اللبناني خوفه مِنا.

أخيراً ،كل ما يُكتب لا يعني أن السوريين ملائكة، الكثير منهم خرجوا من مواقع اجتماعية واقتصادية سلبية، فيها من القهر والفقر والتعب ما يجعلهم أقرب الى الجاهزية السلبية، السرقة وعمليات مُريبة جُرمية.

 لكننا في غالبيتنا، لا نملك أنا عليا نوجهها ونشترك فيها مع أي أحد ليضر هذه البلاد الكريمة في مُطلقها، أوهام الكراهية تحتاج الى دراسة طويلة ومفصلة، نحن السوريين نخاف هنا، وفي الوقت ذاته لخوفنا صورة واحدة، استسلامنا الهائل أمام مُعنّفينا هنا أو في بلادنا التي خرجنا منها.

 درج

 ——————————–

اللاجئون السوريون أعداء والكبتاغون طليق/ عبد القادر المنلا

2024.04.29

ربما هي المرة الأولى في التاريخ التي يتم فيها معاملة الضحية كعدو للحكومات وللشعوب أيضاً بينما يعلن الجلاد صديقاً مبجلاً في مكان ومقدساً في مكان آخر.

هاهم السوريون الباحثون عن ملاذ آمن يتعرضون لكل أنواع الاضطهاد ولا سيما من أبناء جلدتهم في البلدان العربية، -وبشكل خاص في لبنان، البلد الأقرب للسوريين جغرافياً ونفسياً- ويُعاملون وكأنهم سبب أزمات تلك البلدان ومصدر القلق الأساسي فيما يتعلق بأمنها واستقرارها واقتصادها.

وفي الواقع فإن السبب الرئيسي لاضطهاد الضحايا والهاربين من بطش الأسد ونظامه يكمن في تراخي المجتمع الدولي واختفائه من على شاشات رادارات العدالة، وقبوله بإعادة تعويم المجرمين وفرض التعامل معهم كقادة بشكل مباشر أو غير مباشر.

لم تكن القوى العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية متسامحة وودودة مع مجرم حرب كما فعلت -وما تزال- مع بشار الأسد، ويعود هذا التسامح إلى يوم تتويج الوريث حيث دعمت الولايات المتحدة عبر وزيرة خارجيتها حينذاك مادلين أولبرايت أول وأكبر عملية احتيال وتزوير فيما يتعلق بتداول السلطة الذي حدث بعد وفاة حافظ الأسد، فأغمضت عينيها عن الاختراق الذي حدث للدستور السوري الذي لا يقف فقط عند تغيير المادة الخاصة بعمر الرئيس، بل بجعل السلطة بالوراثة، وهو ما لا يمكن أن يتوافق مع أي دستور جمهوري، لكن ذلك كله لم يستوقف الإدارة الأمريكية حينها ولم يدفعها للتردد في دعم عملية التوريث.

أول جريمة كبيرة فعلها بشار الأسد تمثلت في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، عام 2005، بالاشتراك مع حزب الله، أي بعد سنوات قليلة من استلام بشار للسلطة، وبعد سنوات طويلة من احتلال النظام للبنان، وحينها اجتمع اللبنانيون لأول مرة وتوحدوا على موقف الخلاص مما سموه الاحتلال السوري، وأصروا على كشف الحقيقة وهم يحمّلون النظام السوري مسؤولية الجريمة تماماً كما يفعلون اليوم في تحميل اللاجئ السوري مسؤولية أزماتهم، وشتان ما بين الأمس واليوم.

ورغم الضجة الكبيرة التي أحدثتها تلك الجريمة، ورغم الأدلة القاطعة التي كانت تشير إلى دور الأسد الأساسي فيها، فقد طويت صفحتها ومرّت من دون أي إجراء حقيقي أو عقاب أو ملاحقة، وبات ملف الحريري وراء ظهر الأسد رغم أنه لم يغلق نهائياً حتى الآن، وكانت العقوبة الوحيدة حينها هي إجبار الأسد على الانسحاب من لبنان، وحدث ذلك شكلياً حيث بقيت سيطرة الأسد على البلد الجار مستمرة ولكن بطريقة مختلفة، ما يعني أن تلك العقوبة لم تحقق أياً من أهدافها.

بعد مقتل الحريري تتابعت الجرائم التي استهدفت خصوم الأسد وحزب الله في لبنان، وتم اغتيال شخصيات وطنية كبيرة، وكانت أميركا في كل مرة تحدث ضجة واسعة وتوجه أصبع الاتهام للأسد ثم لا تفعل شيئاً يؤثر عليه بشكل حقيقي.

بعد اشتعال المظاهرات في سوريا، لم تتوقف الإدارة الأميركية عن إدانة الأسد وجرائمه ضد الشعب السوري، وخصوصاً المجازر الجماعية التي ارتكبها في الحولة وبانياس وغيرهما من المناطق السورية، ثم إدانته لاستخدامه البراميل المتفجرة وصولاً إلى الكيماوي الذي اعتبره الرئيس الأميركي حينها باراك أوباماً خطاً أحمر.

واخترق الأسد ذلك الخط وافتعلت أميركا/أوباما حينها ضجة أكبر من سابقاتها وحركت أساطيلها لمعاقبة الأسد، ووضعت العالم برمته في حالة ترقب يقينية، انشغل العالم حينها بتوقيت الضربة الأميركية على سوريا وبحجمها وطبيعتها، ولم ينشغل باحتمالية تراجع الولايات المتحدة عنها، لكن أميركا فعلتها وتراجعت، وربما فعلت ذلك لأول مرة في تاريخها، وأسفر ذلك التراجع عن صفقة تقتضي تسليم السلاح الكيماوي مقابل إلغاء العقوبة، أي إن الولايات المتحدة كررت نمط العقوبة الذي اتبعته بعد مقتل الحريري، هناك في لبنان خرج الأسد شكلياً، وفي حالة الكيماوي سلمه شكلياً أيضاً.

وقبل سنوات أثارت صور قيصر عن المعتقلين الذين ماتوا تحت التعذيب في سجون الأسد ضجيجاً أكبر، وكانت تلك الجريمة بحد ذاتها كافية لعقوبة حازمة بحق الأسد ليست أقل من إسقاطه وسوقه إلى محكمة العدل الدولية، هكذا اعتقد السوريون، غير أن ما أسفر عنه جهد الولايات المتحدة هو صدور قانون قيصر مع مجموعة عقوبات لم تؤثر على الأسد، بل أسهمت في زيادة معاناة الشعب السوري.

بعدها بات ملف الكيماوي بدوره خلف ظهر الأسد، وكذلك ملف قيصر، قبل أن يفجّر الإعلام ملف حفرة التضامن الذي شغل الرأي العام العالمي، وتصدرت الولايات المتحدة المشهد لإدانة تلك الجريمة البشعة والتأكيد على محاسبة الأسد، ثم ما لبث ذلك الملف أن هدأ وتراجع وكأن شيئاً لم يكن، كانت العقوبة التي ارتأتها الإدارة الأميركية حينها هي مجموعة من التصريحات التي تتحدث عن اختراق القانون الدولي ومجموعة من الإدانات اللفظية، قبل طي الملف الجديد بدوره ووضعه في ثلاجة المواقف السياسية.

بعد كل ذلك بدأت الحكومات العربية في تطبيع علاقاتها مع الأسد تحت سمع وبصر الولايات المتحدة، التي استهجنت واستنكرت وصرحت وأعلنت، لكنها لم تفعل شيئاً يعيق عملية التطبيع تلك بخلاف إعلانها عن عدم رضاها، واقتصر ذلك على التظاهر فقط، فكثير من الدول المطبعة لم تكن لتجرؤ على ذلك لو لمست جدية في الموقف الأميركي تجاه الأسد، وما قانون مقاطعة التطبيع الذي تنشغل به الولايات المتحدة وتشغل السوريين به اليوم سوى نسخة مكررة عن عقوباتها الأخرى التي لم تعق الأسد ولم تحد من إجرامه وتماديه في إذلال الشعب السوري.

إن سلسلة الجرائم وجرائم الحرب المتعددة التي ارتكبها الأسد في لبنان وسوريا والمتنوعة في شكلها ومضمونها ووسائلها وأدواتها، والتي تكفي كل واحدة منها لوضعه كهدف للعدالة الدولية، لم تسفر فعلياً عن أية عقوبة حقيقية، ربما باعتبارها جرائم سياسية، أو أنها جرائم ضد السوريين واللبنانيين فقط ولا تهدد شعوب العالم.

غير أن الامتحان الأهم لموقف أميركا من الأسد سيتمثل في قضية الكبتاغون، أي في الجريمة الجنائية هذه المرة، وهي جريمة عابرة للحدود ولا يمكن للقوى الكبرى السكوت عنها ولا سيما بعد كل الإحداثيات التي أثبتت تورط الأسد ونظامه وحلفائه في تصنيع وإنتاج وتهريب تلك المواد المخدرة، وبعد الاتهامات المباشرة واليقينية التي وجهتها أميركا بالذات للأسد، لكنها مع ذلك لم تفعل شيئاً سوى التفكير في قانون مكافحة الكبتاغون وليس مكافحة صانعيه وتجاره.

إن الكبتاغون بحد ذاته، مثله مثل السلاح الكيماوي، ومثل البراميل المتفجرة، مادة حيادية لا يمكن معاقبتها، فمن يستحق العقاب هو مستخدمها، تلك بدهية لا تستحق الإشارة أو التعليق أو التذكير، فبماذا سنعاقب المسدس إن ارتُكبت به جريمة قتل؟ وهل ستخاف المسدسات الأخرى وتأخذ العبرة وتتمرد على مستخدميها لو فعلنا ذلك؟

هذا ما فعلته أميركا حتى الآن مع الأسد، فقد سعت في كل الجرائم إلى استصدار قوانين لمكافحة نوع الجريمة وليس لمعاقبة الفاعل، ويبدو أنها اعتمدت على نتائج صفقة الكيماوي حيث أسست عرفاً في مفهوم العدالة يقضي بتسليم السلاح مقابل العفو عن مستخدمه، إدانة الجريمة والعفو عن المجرم، وكأن المجرم هو السلاح نفسه وليس من استخدمه.

وها هي اليوم تفعل الشيء ذاته فيما يتعلق بقضية الكبتاغون، ولكن الكبتاغون ما يزال حراً طليقاً يسافر إلى كل بقاع الدنيا بلا جواز سفر مدعوماً بالقوة العسكرية والسياسية والدبلوماسية لمحور الممانعة/ المتاجرة، وفيما تكثر التصريحات تنتشر تلك التجارة القاتلة باستمرار وعلى نطاق أوسع ولربما تدور في الخفاء صفقة تقضي بتسليم الكبتاجون مقابل العفو عن تجّاره.

إذا كان الشرق الأوسط برمته لا يهم القوة العالمية الأكبر على مستوى الجرائم السياسية، فإن تجارة الكبتاغون ليست شأناً شرق أوسطي، وهي امتحان للقوى العظمى عن مدى رضاها عن التطبيع مع الجريمة الجنائية بعد أن مضت قدماً في التطبيع مع الجريمة السياسية ومجرمي الحرب، وإن استمر ذلك فستتحوّل الجريمة إلى فعل اعتيادي لا يلفت النظر ولا يستحق الوقوف عنده، وهو أخطر العواقب التي تنتظر البشرية إن استمر غياب العدالة بتلك الطريقة المتسامحة والودودة التي يتم من خلالها التعامل مع الجريمة.

إنه لمن المفارقة بمكان أن تقف حكومة لبنان وقسم كبير من الشعب اللبناني ذلك الموقف المتشدد من ضحايا بشار الأسد ويتناسون أنهم بدورهم ضحاياه سواء من خلال احتلاله لبلدهم أو من خلال الجرائم التي ارتكبها في لبنان، فضلاً عن أن العدو الأساسي للبنانيين اليوم هو حزب الله الذي يحتل بلدهم علناً ويعلن ولاءه بوضوح لدولة أجنبية، ومع ذلك فإن الحكومة اللبنانية وجزءاً كبيراً من الشعب اللبناني يعاملون السوري الضحية كعدو في أغرب مفارقة يشهدها العصر.

عندما بدأت الثورة في سوريا اتخذ لبنان الرسمي موقف الحياد، ولكن عندما تضخمت مشكلة اللاجئين انحاز لبنان الرسمي إلى جانب الجلاد وراح يشاركه في الانتقام من ضحاياه.

سيبقى الكبتاغون حراً طليقاً، وسيبقى المجرمون أحراراً وسيبقى العدو هو الضحية البريئة، طالما بقيت الشعوب فاقدة لبوصلتها وطالما بقيت القوى العظمى محافظة على تسامحها مع مفهوم الجريمة.

——————————

السوريون في لبنان.. حينما يخلق النظام أزمة ويستثمر فيها/ إياد الجعفري

2024.04.27

إن أردنا أن نعدّ قائمة بمكاسب النظام من جراء تأزّم أوضاع السوريين في لبنان، فلن نحصل على قائمة قصيرة. لذا يبدو مثيراً للاستغراب، ذاك التساؤل الذي طرحته بعض التقارير الإعلامية، حول سبب عدم قيام النظام بـ “واجبه” تجاه “مواطنيه” في لبنان، في ضوء تفاقم الاعتداءات والتضييق عليهم.

حتى ذاك البيان الباهت الصادر عن سفارته في بيروت، والذي استنكر الاعتداءات التي طالت سوريين، لم يخلُ من ابتزاز سياسي. ففيما كان النظام يتحدث عن “تسييس ملف النزوح” من جانب الدول المانحة وبعض المنظمات الدولية المعنية، لم يضيّع الفرصة للتصويب على العقوبات الغربية، تحت مسمى “الإجراءات القسرية الأحادية المفروضة على الشعب السوري”، والتي تشمل آثارها السلبية، حسب وصفه، “المواطن السوري واللبناني”.

هل يعني ذلك أن جريمة قتل المسؤول في حزب القوات اللبنانية، باسكال سليمان، والتي أدت لتصاعد خطاب الكراهية والعنصرية والاعتداءات على السوريين، تحمل بصمات النظام، كما رأت المعارضة السورية؟ لا نعرف. ولا نستطيع الجزم –جنائياً- بالمسؤول الفعلي عن هذه الجريمة. لكن ما يمكن الجزم به، هو مسؤولية النظام المباشرة عن إغراق لبنان، بالفارين من مناطق سيطرته، من خلال معابر غير شرعية، تخضع من الجانب السوري، لسيطرته شبه الكاملة. كما ويتحمّل النظام المسؤولية عن تحوّل تلك المعابر إلى قنوات لعبور كل شيء، حتى المتورطين بأفعال جُرمية، وبالاتجاهين، إن تم دفع “المعلوم” لحواجز الفرقة الرابعة، حسبما بات معلوماً ومؤكداً، بموجب عشرات الشهادات من مصادر أهلية محلية، من الضفتين، السورية واللبنانية.

فرار السوريين إلى لبنان، أو إلى أي مكانٍ آخر يُتاح لهم، بات استثماراً للنظام وميليشياته. أحد وجوهه، اقتصاد التهريب والجريمة المنظّمة على ضفَتي الحدود السورية – اللبنانية، الذي يشكّل مصدر تمويل للمقاتلين الموالين له –خاصة الفرقة الرابعة-. لكن لهذا “الاستثمار”، وجوه وأهداف أخرى.

وفيما يتفاقم خطاب الكراهية حيال السوريين في الشارع اللبناني، وسط تساهل السلطات تجاه الاعتداءات عليهم، ودعوات العقاب الجماعي لهم، وصولاً إلى اضطرارهم للاختباء في منازلهم، في بعض المدن والقرى، يعدُّ النظام أرباحه. وأحدها، تكويع قوى لبنانية مناوئة له، نحو خطابٍ ستكون خواتيمه، طرق أبواب النظام بدمشق. وتلك على الأرجح، هي المقدمات التي يمثّلها ذاك الخطاب الشعبوي العنصري، الذي طغى على لسان سمير جعجع، رئيس حزب القوات اللبنانية، في تصريحاته الصادرة قبل أسبوع.

أما أحد أبرز أهداف ومكاسب النظام، فيتمثّل في ابتزاز الغرب، عبر تحويل لبنان إلى قناة مرور للسوريين إلى أوروبا المذعورة من تدفق المهاجرين إليها. وفي هذا السياق، نذكر تصريحاً لوزير البيئة اللبناني، الدكتور ناصر ياسين، خصّ به “تلفزيون سوريا”، قبل نحو أسبوعين، إذ قال إن “الوقت بات مناسباً لحل أزمة اللجوء السوري عبر الضغط على المجتمع الدولي بدعم عملية النهوض المبكر في المناطق والمدن السورية، مصحوباً قبيل ذلك بضمانات من النظام السوري لعودة آمنة، مما يحفّز على العودة ويعجّلها”. وهو عينُ ما يريده النظام. أن يتفاوض الغرب معه للحصول على ضمانات لعودة اللاجئين، يقابلها إعادة إعمار تحت عنوان “التعافي المبكّر”.

والنظام لم يخفِ ذلك يوماً. فمعادلة “الإعمار مقابل عودة اللاجئين”، كانت معلنة في خطاب مسؤوليه، -وصولاً إلى رأس الهرم، بشار الأسد، شخصياً-، خلال تصريحاتهم الكثيرة، خاصةً مع إطلاق المبادرة العربية المشروطة للتطبيع مع النظام، قبل نحو عام. نذكر في هذا السياق، تصريح الأسد في المقابلة الشهيرة له، مع قناة “سكاي نيوز عربية”، في آب/أغسطس الفائت، حينما تساءل: “كيف يمكن للاجئ أن يعود من دون ماء ولا كهرباء ولا مدارس لأبنائه ولا صحة للعلاج؟ هذه أساسيات الحياة”. ليقولها بصراحة، أنه يفاوض المنظمة الأممية بهذا الخصوص: “بدأنا نناقش معهم بشكل عملي مشاريع العودة، وكيفية التمويل، وما هي متطلباتها بالتفاصيل”.

ومع تعثّر مسار “التطبيع” العربي معه، والفيتو الأميركي ضد الانفتاح عليه دون مقابل، أصبح فرار السوريين من مناطق سيطرة النظام، “استثماراً” أكثر إلحاحاً بالنسبة له. وهو ما بدأ يُؤتِي أُكُلَه، جزئياً، متمثّلاً، بمبادرة بعض دول الاتحاد الأوروبي، للاتصال بالنظام، والدعوة لإعادة تقييم بعض المناطق في سوريا، كـ “مناطق آمنة”، تمهيداً لإعادة لاجئين سوريين إليها. وفي هذا السياق، تندرج زيارة رئيس المخابرات الرومانية إلى دمشق، حيث التقى الأسد ومدير مخابراته العامة –حسام لوقا-، وبجعبته رسالة مشتركة من رومانيا وقبرص واليونان وإيطاليا، تشير إلى حرص هذه الدول على إعادة الاتصال مع النظام، من جراء قلقها من تفاقم موجات اللاجئين، وفق ما كشف “تلفزيون سوريا”، قبل أيام.

وإن لم يفلح “استثمار” فرار السوريين من مناطق سيطرة النظام، في تحقيق الأهداف الكبرى لهذا الأخير، يكفي –بالنسبة له- أنها تدعم “اقتصاد الحوالات”، الذي بات ركيزة حياة هذا البلد. وهو ما يفسّر تبسيط إجراءات السفر واستصدار الجوازات من جانب النظام، في الآونة الأخيرة.

وهكذا يُبدع النظام في خلق الأزمات وإدارتها. وهو مولع بهذه الاستراتيجية، منذ نشأته. إذ يوفّر الظروف لخلق أزمة ما، في الداخل، أو في إحدى دول الجوار، ومن ثم يعمل على الاستثمار فيها، بأفضل ما يستطيع. لتصبح حياة السوريين في ظله، سلسلة لا تنتهي من الأزمات.

————————–

إيران والنازح السوري في لبنان/ جيرار ديب

20 ابريل 2024

في مطلع قصيدته الشهيرة “ترصيع بالذهب على سيف دمشقي”، يتساءل الدمشقي نزار قبّاني، بقلق، ما إذا كانت مرايا دمشق ستعرفه من جديد أم “غيّرته السنون”؟ لامَ ابن عائلة القبّاني العريقة في قصيدته نفسَه على هذا التغيّر، ولكن ما لم يخطر بباله، ولو عَرضاً، أنّ دمشق التي أتاها فوجدها كما هي بأنهرها السبعة “بعد فرقة دهر”، يمكن أن تتغيّر. لن يصدّق نزار أنّه إن جاء اليوم، بعد ربع قرن على دفنه في قلب مدينته كما أوصى، ليستحضر زماناً في حي الصالحية سمحا، وذكريات ذاك الفتى الذي لعب في زواريب دمشق، لوجدها تغيّرت ولم تعُد كما حين غادرها. فدمشق اليوم، كما أغلبية محافظات سورية، غريبة عن حضارتها، ولا تشبه “الهوى الأموي”. فالمشهدية كلها تغيّرت، وبات يسكنها أغلبية كانوا بالأمس القريب يمرّون عليها زوّاراً، وسيّاحا دينيين. إذ تقول المصادر إنّ شراء الإيرانيين البيوت والعقارات في قلب دمشق تزايد، أخيرا، مع تأسيس المراكز التعليمية الشيعية والحوزات والحسينيات، هذا ما يؤكّد لكثيرين أنّ التغيير في الهوى والهوية مشروع يكتمل تجهيزه. الأخطر في الحرب على سورية، ليس فقط أنّها دفعت أغلبية ساكنيها كي يكونوا نازحين في مختلف الدول، وتهجيرهم وتشتيتهم في أقاصي المعمورة، بل تكمن الخطورة في القوّة الناعمة التي اعتمدتها السياسة الإيرانية لبلاد الشام، عبر السعي إلى تغيير هوية هذا البلد، الذي كان يعتبر “قلب العروبة النابض”. أما اليوم، فلم يبق من العروبة إلا الشعار، حيث رُبطت البلاد بمحور أطلقت عليه إيران محور الممانعة، بينما كثرت فيها الجنسيات ذات الأغلبية من طائفة تدعمها إيران، مع تصدير ثورتها بعد عام 1979.

لا الثقافة اليوم هي ثقافة سورية، ولا المظاهر تشبه التي عرفها نزار قبّاني، يوم كان فتى يسير في حارات دمشق، فكلّها تبدّلت. وبحسب بعض المصادر، عمل النظام بالتنسيق مع القيادة الإيرانية  على اعتماد سياسة “ترانسفير” من خلال الحرب العبثية، لتهجير السكان الأصليين واستبدالهم بأجانب. فسياسة ربط سورية بالمحور الإيراني تتطلّب التغيير، وتهدف إلى العبث في هوية هذا البلد، وإلا فهناك دائماً تساؤلات يطرحها المتابعون “لِمَ لمْ يُقدم النظام عل طرح مبادرات أو خطط عملانية لعودة النازحين السوريين إلى مناطقهم؟”. تنظر بعض المصادر على أنّ عملية “التشييع” هذه هي الوجه الآخر الناعم للقوّة الإيرانية، بجوانبها الثقافية والدينية والتعليمية. هذا ما تقبضه على ما يبدو طهران، اليوم، ثمنا لما استثمرته في قوّتها الخشنة، سياسيا وعسكريا واقتصاديا، لانتشال النظام السوري من السقوط.

لا يعاني النازح السوري من مطرقة القوة الناعمة الإيرانية فحسب، بل في لبنان، وبعد مقتل المواطن باسكال سليمان، في منطقة جبيل، 7 إبريل/ نيسان الحالي، تصاعدت موجة التحريض بحقّ النازحين السوريين الداعية إلى طردهم من لبنان. وبدأت شوارع في العاصمة، كما مناطق لبنانية، تشهد اعتداءات على النازحين من شبّان لبنانيين بطريقة عشوائية، لمجرّد أنّهم من سورية، ونُظّمت الحملات وعُلّقت مناشير على الجدران تطالبهم بالمغادرة فورا.

دانت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بشدّة مقتل باسكال سليمان، وأعربت عن حزنها العميق إزاء هذه الجريمة داعية إلى حماية السوريين. وأوضحت المتحدثة باسمها في لبنان، لـ”العربي الجديد”، أنّها تلقتن عقب الإعلان عن الوفاة، تقارير أفادت بهجمات استهدفت نازحين سوريين، في مناطق مختلفة في لبنان. وأن تقارير أفادت بإقدام سكان محلّيين في مدن لبنانية مختلفة على رفع منسوب التهديد إلى حالة الطرد الجماعي”.

يقع النازح السوري اليوم في لبنان، بين الرواية الأمنية الهزيلة، والفرضيات المنطقية، وسيناريو الاغتيال السياسي، والأحكام الطائشة التي استعجل أهل السياسة ومناصروهم، وكذلك الإعلام، الخروج بها لتأجيج الخصومة، وما تبعها من ردّات فعل عاطفية. لهذا بتنا نسمع يومياً عن اعتداءات بحقّ النازح، والدعوات إلى مغادرته الأراضي اللبنانية، ما ينذر بأنّ الوضع قد يخرج عن السيطرة، ويعيد إلى الذاكرة اللبنانية مشهدية الحرب.

لا يختلف اثنان في لبنان على أنّ ملف النزوح بات يشكّل عبئاً على كاهل وطن جريح يئنّ سياسياً واقتصادياً، وزاد من أنينه إصرار حزب الله على فتح الساحة لاحتمالية حرب واسعة مع العدو الإسرائيلي. غير أنّ الواقع لا يشبه التمنّيات، فالنازح اليوم هو من يسارع بالعودة إلى وطنه، ولكن السؤال: متى عاد، هل سيجد ما تركه لم يزل على حاله؟ هل سيعرفه المكان الذي هرب منه خوفاً من الموت، أم حتى المكانية تغيّرت في سورية مع الزمانية التي مرّت؟

العربي الجديد

—————————

اللاجئون السوريون في لبنان بين المتاجرة والتشبيح/ عدنان علي

2024.04.16

يكفي أي حادث يخص أيَّ سوري في لبنان، ليتحول إلى موجة اعتداءات وهستيريا جماعية ضد كل اللاجئين السوريين في هذا البلد، أو في بعض المناطق على الأقل.

وتأتي ردود الفعل من قبل بعضهم في لبنان على حادثة مقتل القيادي في حزب “القوات اللبنانية” باسكال سليمان بظروف غامضة، في سياق هذا الاستعداد المسبق والدائم لاتهام اللاجئين والاعتداء عليهم والمطالبة بترحيلهم، من دون أن نشهدَ في المقابل مواقفَ جديَّةً من جانب الحكومة اللبنانية لحماية هؤلاء اللاجئين، وفق ما يترتب عليها بموجب القوانين الدولية، ناهيك عن القانون اللبناني، واعتبارات الأخوّة والجيرة.

والواقع أن خطاب الكراهية ضد اللاجئين السوريين، بدأ يتنامى في لبنان خلال السنوات الثلاث أو الأربع الماضية، بالتوازي مع تفاقم الأزمة الاقتصادية التي يمرّ بها هذا البلد، ومع تفاقم التجاذبات السياسية الداخلية المرتبطة غالباً بمتغيرات إقليمية، وغذّت هذا الخطاب حملات إعلامية صريحة، حظيت أحياناً بغطاء من جانب بعض القوى السياسية المحلية.

لقد أخفقت الحكومة اللبنانية منذ البداية في التعامل مع قضية اللاجئين السوريين، فلم تُنظّم وجودهم على أساس قانوني، ضمن القوانين الدولية التي تحدد كيفية التعامل معهم، برغم تلقيها مساعدات مالية دولية لمساعدتها على مواجهة هذه المسألة. فخضع وجودهم تارة للمبادرات الأهلية والمجتمع المدني، وتارة للتجاذبات السياسية والطائفية المستوطنة في لبنان منذ عقود، وهو ما جعل قضية اللاجئين مكسرَ عصا للتوترات الداخلية، على نحو مشابه لما حصل في تركيا التي استقبلت اللاجئين في السنوات الأولى في إطار عاطفي (المهاجرين والأنصار) ثم جرى تحميلهم من جانب بعض القوى الداخلية مسؤولية الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.

ولا يخفى أن السوريين في لبنان يندرجون ضمن فئات عدة، وليسوا كلُّهم هاربين من الاضطهاد السياسي والملاحقات الأمنية لنظام الأسد. فبعضهم عمال عاديون موجودون في لبنان قبل عام 2011، وآخرون توجهوا إليه بعد هذا التاريخ، لكن لدوافع اقتصادية معيشية هربا من انعدام مقومات الحياة في سوريا، مثلما توجه آخرون إلى بلدان أخرى للأسباب نفسها، ومن بينهم ولا شكَّ موالون للنظام، ولا يستحقون صفة اللاجئ.

ويدفع اللاجئون الحقيقيون ثمن هذا التقصير من جانب الجهات المعنيّة في لبنان، وسرعان ما يتحولون، وعموم السوريين في لبنان، إلى مادة للتجاذب الداخلي، والتشبيح عليهم، باعتبارهم الحلقة الأضعف، في غياب المؤسسات والقوانين التي تحميهم، وهي حماية تفتقد إليها حتى الفئات الضعيفة من اللبنانيين أنفسهم، أي تلك غير المتحزبة، أو التي لا تنتمي إلى عائلات معروفة.

والواقع أن حملات التحريض الأخيرة ضد السوريين سبقت حادثة مقتل باسكال سليمان بعدة أسابيع، حيث اجتاحت شوارع لبنان لوحات إعلانية لحملة تحمل شعار “تراجعوا عن الضرر قبل فوات الأوان”، استهدفت هؤلاء اللاجئين، بزعم أن نسبتهم زادت على 40 في المئة من السكان، وبات وجودهم يهدد الأوضاع الاقتصادية والديمغرافية في لبنان.

وطبعًا التلاعب بأرقام اللاجئين يأتي في سياق التوظيف السياسي والطائفي، حيث تشير المفوضية السامية لحقوق اللاجئين في لبنان إلى أن عدد اللاجئين السوريين المسجلين لديها هو أقل من 800 ألف شخص، في حين أن عدد سكان لبنان يزيد على 5 ملايين نسمة، ما يعني أن نسبة اللاجئين السوريين لا تتعدى 15 في المئة من سكان لبنان.

والمحاولات المتكررة لتحميل اللاجئين السوريين مسؤولية الأزمات التي يمر بها لبنان هو مجرد تضليل وتلاعب بالحقائق، حيث المسؤولية الحقيقية تكمن في الفساد الاقتصادي والسياسي المتراكم منذ عقود تحت قيادة الأحزاب الطائفية التي حكمت البلاد منذ بدء الحرب الأهلية اللبنانية منتصف سبعينيات القرن الماضي. ويدرك اللبنانيون أن التردي الاقتصادي لم يبدأ مع اللجوء السوري بعد عام 2011، بل ربما أسهمت هذه الأزمة في تدفق الأموال الدولية إلى لبنان ووفرت تالياً فرصَ عملٍ ونشطت الأسواق، وخاصة سوق العقارات.

وتشير ردود الفعل المباشرة ضد السوريين، قبل استكمال التحقيقات في حادثة باسكال سليمان إلى أنها تأتي في سياق استعداد مسبق لتجييش الشارع ضد السوريين الذين تعرضوا لاعتداءات في الشوارع، واضطروا لترك أعمالهم وإغلاق محالّهم التجارية، في حين بادرت بعض البلديات إلى إصدار تعاميم بمنع تجوالهم وضرورة التزام بيوتهم.

ومن الواضح أن هناك تناقضاً في مواقف بعض القوى السياسية التي تعتبر أن ما حصل جريمة سياسية، وبالتالي لا ذنب للاجئين السوريين فيها، ما يعني أن هناك من يريد افتعال مواجهة مع اللاجئين بغية خلط الأوراق واللعب على الوتر الطائفي، هرَباً من استحقاقات داخلية لا علاقة للاجئين فيها.

ومن الواقعي القول إن ما يسهم في حلّ جزئيّ على الأقل لقضية اللاجئين انسحاب حزب الله من المناطق التي يحتلها في الداخل السوري، خاصة تلك المحاذية للحدود اللبنانية في ريفي دمشق وحمص، الأمر الذي سوف يساعد في عودة عشرات آلاف اللاجئين إلى هذه المناطق، فضلا عن تمحيص الموالين للنظام وإعادتهم إلى أحضانه، كونهم لا يستحقون صفة اللاجئ، إضافة إلى تنظيم وضع العمالة السورية في لبنان، وفصلها عن قضية اللجوء.

——————————–

اللاجئون السوريون في لبنان ضحايا فشل التوصل لتسويات إقليمية ودولية/ خالد العزي

2024.04.14

من الواضح جدًا بأن عملية اغتيال باسكال سليمان منسق حزب القوات اللبنانية على يد عصابات التهريب والسرقة هي عملية سياسية هادفة إلى إثارة الفتنة الداخلية اللبنانية (السنية ـ المسيحية) من ناحية، ومن ناحية أخرى هي رد على مواقف حزب القوات اللبنانية المتصاعدة ضد حزب الله وعلى كلام البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس الراعي لجهة إيقاف الحركة السياسية اللبنانية وأخذ البلد نحو الحرب المفتعلة خدمة لمصالح أجندات خارجية وثمن الارتداد نحو الداخل.

لم تكن عملية اختطاف المسؤول القواتي في منطقة جبيل حادثة طبيعية  بالنظر لما يمثله الراحل والتي جعلت الإعلام يجتهد في  تفسيره وإبعاد الموضوع عن طبيعته وعدم  إعطاء تفسير قانوني منطقي للجريمة، مما دفع الناس للخروج إلى الشارع في ردة فعل طبيعية بعد تعرض أي شخصية سياسية للاعتداء أو الخطف أو القتل.

سليمان ينتمي لفصيل سياسي تعرض لاعتداءات سابقة، مثل قتل منسق الجنوب إلياس الحصروني، ومناوشات عين الرمانة التي لا تزال قضية مفتوحة تم احتجاز طرف واحد فيها، وزاد الطين بلة ما حصل في  قرية الرميش الجنوبية الحدودية من قصف وتهجير.

لذلك كانت عملية الاعتراض عفوية  وسريعة من الأهالي، حيث حاول حزب القوات السيطرة على الموقف وعدم السماح بالفوضى من خلال بيانات وتصريحات مسؤوليه ومناصريه  والعلاقة مع الجيش اللبناني من خلال مخابرات الجيش، التي تولت البحث والكشف عن الجريمة التي باتت خيوطها  تتكشف سريعا عبر المراقبة  والمتابعة  والعمل على ملاحقة العصابة التي تبين أنها سورية مختصة بسرقة السيارات ونقلها إلى سوريا.

هذا  ما أعطى دافعا للعديد من المشاركين بعمليات الاعتراض من ممارسة ردود فعل عشوائية  كإغلاق الطرقات في مدينة جبيل والتعرض للسوريين المارين والمقيمين في جبيل.

الدافع الثاني سياسي حيث بدأ الاتهام ينطلق من فرضيات أساسية بأن سحب المتهم إلى منطقة القصير السورية التي تعتبر خاضعة لحزب الله، أعطى دليلا للناس بأن هذه العصابات التي تجول وتصول في لبنان هي محمية من الحزب وتمارس عملها دون حسيب أو رقيب.

ومن هنا طُرحت الأسئلة حول الجريمة إذا كان المطلوب السرقة فلماذا تم قتله  ولماذا سحب من جبيل إلى الشمال ومن ثم إلى ضواحي حمص مكان وجود العصابة؟. وبالتالي التسجيلات الصوتية أشارت سريعا إلى أن عملية القتل تمت في وقتها عندما طلب المغدور عدم التعرض له وقتله لأن لديه أطفالا.

إذاً الجريمة سياسية بغض النظر عن الطريقة التي تم فيها تنفيذها والتي تتطلب متابعة دقيقة في التحقيق للوصول إلى كشف الملابسات القانونية كي تطوي أي اتهام سياسي.

ولكن قبل كشف الجريمة وفي خطاب للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله سارع لاتهام القوات والكتائب والمسيحيين والمستقلين بأنهم يسعون للحرب الأهلية ووصفهم بأنهم من أتباع الفتنة وذات السوابق الماضية طالما أن الجيش كشف عن الجريمة والمغدور في عدد من الأجهزة الأمنية، تسرع في  إطلاق التصريح قبل الوصول إلى النهاية الأليمة للمغدور مما وضع  الجمهور المسيحي والقادة المسيحين في ردة فعل على التصريح حيث بات الإعلام الوسيلة في تبادل الاتهامات من قبل الطرفين.

من هنا ينطلق  المنطق في التحليل بأن اللاجئ السوري المقيم في لبنان هو أعجز  من ان يتجول بين الحواجز الليلية، وبالتالي  كل الأصابع تشير إلى مجموعة من شبيحة النظام السوري المحمية بالتجول والتحرك في لبنان بسهولة وتمارس أعمالا بشعة ويديرون شبكات التهريب  على الحدود  والقتل والخطف والسرقات بحماية الحزب والنظام السوري ليقع ضحيتها السوريون الأبرياء، والعزل من أجل تحقيق أهداف  خاصة بهذه الأطراف.

تدخل حزب القوات اللبنانية هدأ الشارع قليلا، لكن في المقابل الطابور الخامس كان جاهزا ويعمل بنشاط سريع لتعبئة الناس وتصعيد ردود الفعل غير المبررة  حيث شاهدنا على وسائل التواصل الاجتماعي عبر بيانات ومناشير موجهة للسوريين القاطنين في المناطق التي كانت تسمى بيروت الشرقية، تدعو السوريين للخروج من المنطقة وإقفال محالهم وترك بيوتهم والخروج في مدة أقصاها آخر أيام العيد. مما لفت نظر الخبراء والمتابعين إلى طريقة صياغة البيانات التي تشير إلى أن إعدادها لم يتم في المطبخ اللبناني، مثلا في أحد المناشير التي تطالب بخروج من “عين الرمانة”، تقول البيانات عبر فيس بوك إن (أهالي عين رماني) وهذا يدل على أن الكاتب ليس لبنانيا لأن اللبنانيين جميعهم يلفظون الكلمة (عين الرمانة). بالإضافة إلى ذلك انتشرت فيديوهات عبر منصات التواصل يقول أصحابها عبر مكبرات الصوت إن الاعتداء على السوريين هو اعتداء على أهل السنة والجماعة إضافة للتحذير من التعرض للعمال واللاجئين السوريين بوصفهم من أهل السنة والجماعة، وأنه على المسيحيين الهدوء وعدم التعرض  لهؤلاء وإلا فإنهم سيواجهون مصيرا مشابها لمصير مسيحييّ العراق وسوريا.

يسعى البعض لجعل السوريين في لبنان يدفعون ثمن تراخي الدولة اللبنانية للوصول إلى تسويات إقليمية ودولية، السوريون اليوم هم ضحية كما كانوا خلال فترات وقعت فيها تطورات أمنية في الداخل، وليس هناك من يحميهم أو يقف إلى جانبهم لأنهم الحلقة الأضعف بسبب رفضهم الخضوع لنظام بشار الأسد. وبالمقابل لا يوجد أيضا من يحمي اللبنانيين من خطاب الكراهية الذي يهدد السلم الأهلي.

هذا يعني تحويل المشكلة إلى خلاف (سوري ـ مسيحي) أي خلاف (سني ـ مسيحي) فإذا على ما يبدو أن العلاقة بين السنة في لبنان والمسحيين تزعج وتقلق حزب الله والنظام السوري وخاصة بعد اغتيال الشهيد رفيق الحريري عام 2005، واندلاع الثورة السورية عام 2011 الرافضة للحرب والقتل، حيث تجسد التلاقي السوري السني مع اللبناني السني والمسيحي اللبناني.

أما من الناحية الثانية فكان بيان الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي اتهم سريعا حزب القوات بحرق مركزه في البقاع محاولا نفي أي دور وطني ومقاوم للقوات اللبنانية أمام العدو الصهيوني.

وكأنها عملية تطويق للحزب من الناحية القومية والناحية المذهبية، والمقصود هو الضغط على حزب القوات لخفض صوته وكأن هذه الأعمال المشبوهة تهدف لخلق صراع والتخلص من اللجوء السوري وخلق سفينة نجاة ثانية بواسطة النظام السوري وحزب الله.

إذاً هذه الخطوة تكمن في عملية الاتهام لضرب هذه اللحمة من خلال الانقضاض على الوجود السوري في لبنان ودفعه للخروج والهروب بواسطة المسيحيين ودفع السنة للمواجهة في إطار الدفاع عن حقوق اهل السنة والجماعة بعد أن فشل حزب الله وإيران في دفع الطائفة السنية  إلى مساندتها في حرب غزة وزجها في الحرب المفتوحة، حيث استطاعت جر مجموعة صغيرة من الجماعات الإسلامية في لبنان.

السوريون كبش محرقة لتفاهمات إقليمية، حيث تسعى هذه الحركات المشبوهة التي تمارس ضد السوريين لإدخال لبنان في حرب أهلية تعيده إلى أيام الحرب الأهلية عام 1975 حيث أدت الأحداث إلى تدميره وضرب القوى الحزبية اللبنانية اليمينية واليسارية ما مهد الطريق أمام المذاهب والطوائف لحكم لبنان. هذه المرحلة ستكون التمهيد ـ بحال نجاحهاـ للسيطرة الكاملة على لبنان وضرب العنصر المسيحي وإحياء ملف الصراع مع إسرائيل للسيطرة على لبنان من قبل محور “الممانعة”.

بعد الحادثة تزايد نشر البيانات على مواقع التواصل الاجتماعي الهادفة لتوسعة الهوة بين  السوريين والمسيحيين، وهنا نطرح أسئلة ننتظر الإجابات عليها لوضع  صورة نهائية لما حدث  فعليا: ما الهدف من القتل وترك آثار للجريمة في طرابلس والقصير ولماذا تسارعت البيانات الهادفة لإخراج السوريين من لبنان؟

إذاً هل نحن  نقترب من فتنة يتم تنظيمها وتعميمها لإنتاج حرب داخلية تخرج لبنان من المأزق الذي يعيشه على حساب اللاجئين السوريين؟ لأن عملية الاغتيال باتت توضح بأن الفتنة المطلوبة مسيحية ـ سورية وتحديدا سنية ـ مسيحية.

————————–

إجماع لبناني في ملف اللجوء السوري.. خطة للتنسيق مع دمشق

قال وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، عصام شرف الدين، إن هناك إجماعًا بين مجلسي النواب والوزراء، لأول مرة، في ملف “النزوح” السوري.

ونقلت صحيفة “الديار” اللبنانية، عن شرف الدين أن هناك توصيات لتشكيل لجنة ستحاسب كل ثلاثة أشهر وتقدم تقريرًا كل ثلاثة أشهر، في هذا الإطار.

ومن المفترض بحث الزيارات الرسمية إلى سوريا، لمناقشة الوجود السوري في لبنان، خلال اجتماع مجلس الوزراء المقبل، مع تأكيد الوزير اللبناني ضرورة بدء هذه الزيارات، واستعداده للمشاركة بها.

وفيما يتعلق بخطة “العودة الطوعية” التي يتجه لبنان لتطبيقها بعد إرسال أول قافلة من السوريين قبل أيام، أشار شرف الدين إلى تقديم لوائح إلى الأمن العام اللبناني، سيرفعها بدوره إلى الأمن الوطني السوري، للموافقة عليها، قبل أن تنطلق الدفعة الثانية من “العائدين”.

تأتي هذه الخطوة في وقت يضع به المسؤلون اللبنانيون، سياسيين ونوابًا، مسألة وجود السوريين في صدارة أولوياتهم، إذ قال النائب أشرف ريفي، في 13 من أيار، إن قضية “النزوح السوري” (في إشارة إلى اللجوء الذي يسميه لبنان نزوحًا) قضية وطنية كبرى وخطرة جدًا إذا لم تعالج، وهذه الظاهرة أكبر من أن تعالج بالمسكنات وغياب الإرادة.

كما دعا الحكومة اللبنانية لرفض تمويل بقاء السوريين في لبنان وتمويل عودتهم إلى سوريا “عودة آمنة كريمة” حرصًا على ما اعتبره “عدم تغيير ديموغرافية لبنان”.

مدير الأمن العام اللبناني السابق، اللواء عباس إبراهيم، اعتبر أن ملف “النزوح السوري” بحاجة إلى جرأة وقرار شجاع، موضحًا أن الحل هو التوجه إلى سوريا والتنسيق مع حكومتها (حكومة النظام)، لوضع خطط التنسيق لإعادة “النازحين”، وفق ما نقلته الوكالة اللبنانية “الوطنية للإعلام“.

ملف يشغل لبنان

وخلال مشاركته في القمة العربية في المنامة، في 16 من أيار، قال رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، نجيب ميقاتي، إن من الملفات التي تشغل لبنان، تزايد أعداد “النازحين” السوريين، ما يشكل ضغطًا إضافيًا على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة والموارد المحدودة للبنان.

وأضاف، “لبنان يعول على ما تم تحقيقه من تطور في الموقف العربي الجامع مع عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية في قمة جدة العام الماضي”.

كما أعرب عن أمله بتفعيل عمل لجنة الاتصال العربية بشأن سوريا بما يساعد في تحقيق رؤية عربية مشتركة متفق عليها، وبلورة آلية تمويلية لتأمين الموارد اللازمة لتسهيل وتسريع عودة “النازحين” السوريين إلى بلدهم.

وأشار ميقاتي إلى ضرورة التوقف عن استخدام هذه القضية التي باتت تهدد أمن واستقرار لبنان والدول المضيفة والمانحة على حد سواء، مبديًا استعداد استعداد لبنان الكامل للتعاون، وخصوصًا مع دول الجوار العربية والأوروبية، من أجل معالجة هذه الأزمة ووضع حد لها، عبر تأمين عودة السوريين إلى بلدانهم “التي أصبحت آمنة” وتقديم المساعدات اللازمة والمجدية لهم في بلدهم، وتأمين مقومات الحياة الأساسية لسكان القرى والبلدات المتضررة، على حد قوله.

وفي 14 من أيار، عادت دفعة من اللاجئين السوريين في لبنان إلى سوريا، في إطار خطة “العودة الطوعية”، وضمت نحو 300 سوريًا عاودا عبر معبرين بريين شرعيين، في القلمون بريف دمشق، وحمص.

في اليوم نفسه، جددت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة في سوريا، التأكيد على أن سوريا لا تزال غير آمنة للعودة، ولا يزال المدنيون يتأثرون بغياب سيادة القانون وانعدام الأمن.

—————————–

“العفو الدولية” قلقة من إعادة لبنان للسوريين.. نصر الله: البحر أمامكم

أعربت منظمة “العفو الدولية”، عن قلقها إزاء قرار لبنان استئناف “العودة الطوعية” للاجئين السوريين الموجودين على الأراضي اللبنانية، إلى سوريا، في ضوء الظروف الصعبة التي يعيشها اللاجئون، ويواجهونها عند عودتهم.

واستنكرت المنظمة، عبر منشورات في منصة “إكس“، في 13 من أيار، سلسلة الإجراءات التي قالت إن لبنان يضغط من خلالها على اللاجئين للعودة إلى بلادهم، سواء عبر القيود التي يفرضها على إقامتهم وعملهم وتنقلاتهم، أو حتى من خلال حملة التحريض السياسي والإعلامي التي يواجهونها.

وقالت منظمة “العفو الدولية” إن مثل هذه الإجراءات تثير المخاوف بشأن قدرة اللاجئين السوريين على “الموافقة بحرية” على عودتهم إلى سوريا، التي تعاني الكثير من الأزمات المركبة والمعقدة بسبب الحرب.

وجددت المنظمة تأكيدها أن سوريا لا تزال بلدًا غير آمن لعودة اللاجئين إليها، وأن اللاجئين المحتجزين في سوريا تعرضوا “للتعذيب وسوء المعاملة، بما في ذلك الضرب والعنف الجنسي، أو الاعتقال التعسفي، والتغييب القسري”.

كما ذكرت لبنان بوجوب احترام التزاماته الدولية، ولائحة حقوق الإنسان، وإيقاف العودة الجماعية للاجئين السوريين.

ويحظر القانون الدولي الإعادة القسرية “البنّاءة”، والتي تحدث عندما تستخدم الدول وسائل غير مباشرة لإجبار الأفراد على العودة إلى مكان يكونون فيه عرضة لخطر حقيقي بالتعرّض لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، الأمر الذي وثقه أفراد عادوا إلى سوريا، بأنفسهم، أو من خلال ذويهم، وكذلك ما ذكرته تقارير منظمات حقوقية وإنسانية محلية ودولية.

وتعليقًا على تصريحات المنظمة، أصدر جهاز العلاقات الخارجية في حزب “القوات اللبنانية” بيانًا بخصوص إعادة اللاجئين السوريين في لبنان إلى سوريا، اتهم فيه منظمة العفو بالتضليل، وتزوير الحقائق والوقائع بهدف إبقاء السوريين في لبنان، رغم إجماع اللبنانيين على ضرورة هذه العودة، أو الترحيل إلى بلدان أخرى، والإجماع على خطورة هذا الوجود للسوريين على وجود لبنان، وهويته، ومصلحته الوطنية العليا، وفق بيان الحزب.

من جهته دعا الأمين العام “لميليشيا حزب الله اللبناني” حسن نصر الله، إلى فتح البحر إلى أوروبا، أمام اللاجئين السوريين لحل “أزمة النازحين في لبنان” وفق رؤية الحزب.

وأكد أنه عند تهديد الأوروبيين بسماح لبنان للاجئين السوريين بالوصول إليها عبر البحر، يشكل لبنان بذلك ضغطًا يدفع دول الغرب، وخص بالذكر الدول التي تعارض هذه الإعادة للسوريين إلى سوريا، للتحرك لإيجاد حل يرضي لبنان، وكذلك للتنسيق الفعلي مع حكومة النظام السوري.

واستغل الفرصة مجددًا لدعوة الولايات المتحدة والدول الأوروبية لرفع العقوبات المفروضة على حكومة النظام السوري، داعيًا الجميع للتنسيق مع النظام لحل هذه الأزمة.

يتزامن ذلك مع استئناف عودة اللاجئين السوريين من لبنان إلى سوريا، مع تنظيم المديرية العامة للأمن العام اللبناني رحلتين اليوم، الثلاثاء 14 أيار، شملتا إعادة لـ300 نازح، إلى القلمون في ريف دمشق، وحمص.

وكان وزير المهجرين اللبناني، عصام شرف الدين، اقترح أيضًا فتح المنافذ البحرية على مصراعيها، وتجهيز السفن التي تحمل اللاجئين السوريين إلى أوروبا.

واعتبر، في 27 من نيسان، أن الرحلات البحرية ترتكز على مستند دولي وأخلاقي، وعلى الأوروبيين تحمل تبعات اللجوء ومسؤولية المساهمة في إعادة إعمار سوريا، على حد قوله.

——————————

حزب جعجع يضغط لـ”إعادة السوريين” باعتصام في بروكسل

دعا حزب “القوات اللبنانية” الذي يتزعمه سمير جعجع إلى تنظيم اعتصام في بروكسل، في محاولة للضغط على الأوروبيين من أجل “إعادة اللاجئين السوريين”.

وذكرت “الوكالة اللبنانية للإعلام“، اليوم السبت، أن الاعتصام من المقرر تنظيمه يوم الاثنين المقبل، تحت عنوان “مخاطر النزوح السوري في لبنان: لتحرك عاجل”.

وقالت إن الحزب الذي يتزعمه جعجع دعا إلى “المشاركة الكثيفة” أمام قصر العدل في بروكسل.

وأضافت أن خطوته تهدف إلى التعبير عن “رفض موقف الاتحاد الأوروبي، والدعوة إلى تنفيد التدابير الملائمة لإعادة النازحين إلى المناطق الآمنة في سورية”.

وتصاعدت دعوات التحريض والعنف ضد السوريين في لبنان، خلال الأيام الماضية، وخاصة المتواجدين في مناطق جبيل وبرج حمود والأشرفية.

وكان جعجع قد أطلق عدة تصريحات في الأيام الماضية، صبّت في مجملها بالتحريض ضد اللاجئين السوريين في لبنان.

وحتى أنه اعتبر في إحدى اللقاءات أن وجود السوريين في لبنان يشكل “خطراً وجودياً“.

وجاء موقفه متناغماً مع بقية السياسيين اللبنانيين المقربين من نظام الأسد، والمؤيدين لسياساته في المنطقة.

وكان لبنان أعلن “عودة دفعة من السوريين إلى سورية بشكل طوعي”، واعتبرت منظمات حقوق إنسان دولية أن الإجراء يصب في خانة “العودة القسرية”.

وجاء ذلك بعدما شهد ملف السوريين في لبنان تحريضاً غير مسبوق، وقاده سياسيون كثر، من بينهم جعجع.

ووصفت منظمة “العفو الدولية” استئناف مديرية الأمن العام اللبناني العودة الطوعية للّاجئين السوريين بأنها “مثيرة للقلق نظراً للضغوط القاسية التي يواجهونها في لبنان”.

وقالت المنظمة إن سورية “لا تزال غير آمنة”، مؤكدة أنها وثقت سابقاً “ما واجهه اللاجئون السوريون من تعذيب وعنف جنسي واختفاء قسري واعتقال تعسفي بعودتهم”.

كما أكدت المنظمة أن “لبنان اعتمد سلسلة من السياسات التقييدية المصممة للضغط على اللاجئين للعودة إلى سورية، بما فيها القيود على الإقامة والعمل والتنقل”.

واعتبرت أن مثل هذه القيود تثير مخاوف بشأن قدرة اللاجئين على تقديم موافقتهم الحرة والمستنيرة.

وشددت على أن القانون الدولي يحظر الإعادة القسرية “البنّاءة”، التي تحدث عندما “تستخدم الدول وسائل غير مباشرة لإجبار الأفراد على العودة إلى مكان يكونون فيه عرضة لخطر حقيقي بالتعرّض لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان”.

——————————

تفاصيل خطة أيدتها 8 دول أوروبية بشأن “العودة الطوعية للسوريين

أيدت حكومات ثماني دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي خطة تتعلق بـ”العودة الطوعية للاجئين السوريين”.

وتقوم على إعادة تقييم الأوضاع في سورية، تمهيداً للسماح بعمليات “العودة طوعاً”، كما جاء في بيان مشترك للدول.

والدول هي النمسا والتشيك وقبرص والدنمارك واليونان وإيطاليا ومالطا وبولندا.

وجاء في البيان حسبما نقلته صحيفة “واشنطن بوست“، اليوم السبت، أنهم اتفقوا على إعادة تقييم من شأنها أن تؤدي إلى “طرق أكثر فعالية للتعامل” مع اللاجئين السوريين، الذين يحاولون الوصول إلى بلدان الاتحاد الأوروبي.

وأضافت الدول التي أجرت محادثات خلال اجتماع قمة في العاصمة القبرصية أن الوضع في سورية “تطور بشكل كبير”، على الرغم من عدم تحقيق الاستقرار السياسي الكامل.

وشهدت قبرص في الأشهر الأخيرة ارتفاعاً في عدد اللاجئين السوريين، الذين وصلوا إلى الدولة الجزيرة بشكل أساسي من لبنان على متن قوارب متهالكة.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، أعلن الاتحاد الأوروبي عن حزمة مساعدات بقيمة مليار يورو (1.06 مليار دولار) للبنان.

وقال إنها تهدف إلى تعزيز الرقابة على الحدود، لوقف تدفق طالبي اللجوء والمهاجرين إلى قبرص وإيطاليا.

وقالت الدول الثماني إنه يتعين على الاتحاد الأوروبي زيادة دعمه للبنان “لتخفيف مخاطر تدفقات أكبر من لبنان إلى الاتحاد الأوروبي”.

وجاء في البيان المشترك أن “القرارات المتعلقة بمن يحق له عبور حدود الدولة العضو يجب أن تتخذها حكومة الدولة العضو المعنية، وليس الشبكات الإجرامية المتورطة في تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر”.

وتأتي هذه الدعوة بعد يوم من دعوة 15 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي علناً للكتلة لتعزيز الشراكات مع الدول الواقعة على طول طرق الهجرة، على أمل تجنب محاولات الوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي.

وقالت الدول إنها رغم “تبنيها الكامل” للحاجة إلى دعم اللاجئين السوريين بما يتماشى مع القانون الدولي، فإنها تأمل أن تفتح محادثاتها نقاشاً أوسع داخل الكتلة المكونة من 27 عضواً حول عملية منح المهاجرين الحماية الدولية.

وأضاف وزير الهجرة اليوناني ديميتريس كيريديس أن “ما يريده المواطنون الأوروبيون منا… هو حلول عملية وواقعية قابلة للتنفيذ”.

وقال وزير الداخلية القبرصي، كونستانتينوس يوانو إن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين “أقامت بالفعل خطوط اتصال” مع النظام السوري فيما يتعلق بالعودة الطوعية المحتملة، بما يتماشى مع القانون الدولي.

وأضاف الوزير القبرص أن “العودة ستكون في البداية على أساس طوعي، لكن ذلك قد يتطور إلى عودة قسرية في مرحلة لاحقة”.

وتابع أن “هناك الكثير الذي يتعين القيام به لتحقيق ذلك، لأن حكومة الرئيس السوري بشار الأسد غير معترف بها من قبل الاتحاد الأوروبي”.

————————–

باعتبارها “آمنة”.. وزير الداخلية النمساوي يقترح ترحيل السوريين إلى اللاذقية

اقترح وزير داخلية النمسا، جيرهارد كارنر، ترحيل السوريين إلى اللاذقية في الساحل السوري باعتبارها “منطقة آمنة”.

وقال كارنر في مقابلة مع صحيفة “دي فيلت” الألمانية، اليوم الجمعة، إن الاتحاد الأوروبي يناقش إعادة المهاجرين من أفغانستان وسورية إلى بلادهم الأصلية.

وأضاف أن منطقة اللاذقية تعتبر “آمنة إلى حد ما”، متسائلاً “لماذا لا نعيد السوريين إلى هناك في المستقبل؟ لا يمكن أن يكون هناك محرمات كاذبة”.

وأكد كارنر انخفاض عدد طلبات اللجوء في النمسا، خلال العام الحالي، حيث بلغ عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين ألقي القبض عليهم على الحدود مع المجر 190 شخصاً فقط.

وأرجع انخفاض العدد إلى تجنب المهربين الآن النمسا بسبب الرقابة الشديدة على المعابر الحدودية والمناطق الحدودية، ونشر ضباط الشرطة النمساوية على الأراضي المجرية.

وأشار إلى أن المشكلة الأساسية الآن تكمن في العدد الكبير من طلبات لم شمل الأسرة، حيث 53% من المتقدمين بطلبات اللجوء مطلع العام الماضي، لا تزيد أعمارهم عن 18 عاماً.

وكان الوزير النمساوي تحدث، قبل أسابيع، عن مساعي لإعادة تفعيل ترحيل اللاجئين إلى سورية، وإعلان دمشق والمناطق المحيطة بها “آمنة”.

وقال كارنر “نحن نمارس ضغوطاً، بالتعاون مع الدنمارك، لتفعيل عمليات الترحيل إلى سورية مرة أخرى، لأن المنطقة المحيطة بدمشق تبدو آمنة”.

وأشار كارنر إلى أنه لا توجد حالياً عمليات ترحيل “قسري” إلى سورية وأفغانستان، لافتاً إلى أن العودة “طوعية” فقط، أو عبر ترحيل الأشخاص من هذين البلدين إلى دولة ثالثة.

ويبلغ عدد اللاجئين السوريين في النمسا حوالي 58 ألفاً، ويشكلون العدد الأكبر من اللاجئين فيها والذين يصل عددهم إلى 146 ألفاً، وفق إحصائيات مفوضية اللاجئين.

وارتفعت مؤخراً وتيرة الدعوات في بعض الدول الأوروبية لإعلان مناطق “آمنة” في سورية، من أجل ترحيل اللاجئين السوريين إليها.

وكانت الدنمارك أولى الدول التي اتخذت خطوات ملموسة بهذا الصدد، إذ أعلنت عام 2019 أن مدينة دمشق وريفها “مناطق آمنة”، وأصدرت قرارات بإلغاء الحماية المؤقتة للاجئين السوريين المنحدرين منها.

ثم أعلنت في مارس/ آذار 2023 أن محافظتي طرطوس واللاذقية “آمنتين”، وأقرت تحسن الوضع الأمني فيهما، ما يعني إدراجهما ضمن “المناطق الآمنة” في سورية.

————————–

لبنان يعيد تفعيل ملف العودة ويمهد لـ”زيارة رسمية” و”لوائح جديدة

لا تزال قضية ترحيل أول قافلة من السوريين في لبنان إلى بلدهم، تتفاعل عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وسط الحديث عن “قرار سياسي” بهذا الخصوص.

وفي أحدث تصريحاته حول هذا الملف، قال وزير المهجرين اللبناني، عصام شرف الدين، اليوم الأربعاء، إن إعادة أول دفعة من السوريين إلى بلدهم تعكس إعادة تفعيل ملف العودة.

لافتاً في حديثه لصحيفة “الوطن” المقربة من النظام السوري، اليوم الأربعاء، إلى أن الحكومة اللبنانية اتخذت قراراً سياسياً حول ذلك.

وتحدث شرف الدين عن التحضير للوائح جديدة يجري الإعداد لها، وتضم أسماء اللاجئين السوريين “الراغبين بالعودة” إلى سورية، وفق قوله.

مشيراً إلى أن اللوائح الجديدة تضم نحو 2500 لاجئ سوري، وقُدمت للأمن العام اللبناني على أن يتم إرسالها لاحقاً للأمن السوري.

وقال: “الأمن العام اللبناني ملتزم ويدرس اللوائح الخاصة بالراغبين بالعودة، كذلك الأمر بالنسبة للأمن الوطني في سورية الذي يتعاون بشكل تام، وبالتالي سنكون بانتظار قوافل أخرى عائدة”.

إلى جانب ذلك، تحدث شرف الدين عن زيارة رسمية إلى دمشق، لبحث ملف عودة السوريين في لبنان مع مسؤولي النظام السوري.

وأضاف للصحيفة أن استكمال ملف عودة اللاجئين يبقى بانتظار القيام بزيارة رسمية لدمشق، للبحث في قضايا مرتبطة بالملف، ومنها مسائل متعلقة بمكتومي القيد وخدمة العلم وتبادل المساجين وضبط الحدود وغيرها من الأمور.

وكشف المسؤول اللبناني عن اتصال هاتفي سبق ترحيل أول قافلة من السوريين، بين رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، ورئيس وزراء النظام حسين عرنوس.

واعتبر أن “الاتصال المباشر مع الحكومة السورية ضروري لحل المسائل المرتبطة بملف النزوح”.

وبدأ لبنان، أمس الثلاثاء، بترحيل أول قافلة تضم لاجئين سوريين وعددهم أكثر من 300 شخص، تجمعوا عند معبر نقطة وادي حميد في عرسال على الحدود السورية.

ودخل العائدون عبر معبري الزمراني في القلمون الغربي، وجوسيه في ريف حمص.

وأثار ذلك ردود فعل منددة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وطالب ناشطون بوقف ترحيل السوريين لما يترتب على ذلك من مخاطر أمنية قد تواجههم عند العودة.

ووصفت منظمة “العفو الدولية” استئناف مديرية الأمن العام اللبناني العودة الطوعية للّاجئين السوريين بأنها “مثيرة للقلق نظراً للضغوط القاسية التي يواجهونها في لبنان”.

وقالت المنظمة إن سورية “لا تزال غير آمنة”، مؤكدة أنها وثقت سابقاً “ما واجهه اللاجئون السوريون من تعذيب وعنف جنسي واختفاء قسري واعتقال تعسفي بعودتهم”.

————————————-

اللاجئون السوريون: الأسد لا يريدهم ونصرالله يطلب قذفهم في البحر/ رامز الحمصي 

الثلاثاء, 14 مايو 2024

في خضمّ الأزمة السورية المُستمرة، يجد اللاجئون السوريون أنفسهم مُحاصرين بين مطرقة الرئيس السوري بشار الأسد وسندان لبنان والأمين العام لـ”حزب الله” اللبناني، حسن نصرالله.

فمن جهة، يعلن الأسد رفضه لعودة اللاجئين إلى سوريا دون أية مبررات سوى عدم قدرة نظامه استقبالهم في ظل الأوضاع الاقتصادية وعدم قدرته على رعايتهم، مسلّطا أسهم أهدافه نحو مليارات مشروع التعافي المبكر الذي أقرّته الأمم المتحدة.

ومن جهة أخرى، يطالب نصرالله بفتح البحر أمام اللاجئين، مُهدّدا بقذفهم فيه إن لم تقدّم الدول الغربية المزيد من المساعدات للبنان ورفع العقوبات عن دمشق. فما هي أهداف هذه التصريحات المتضاربة؟ وهل يحاول الأسد التخلّص من عبء اللاجئين، أم أنّ لديه خططا سياسيةً أخرى؟ وما هي مصائر اللاجئين السوريّين في ظلّ هذه الصراعات السياسية؟

للتخلص منهم والضغط على الغرب

في خطوة مثيرة للجدلِ، دعا حسن نصرالله، أمين عامّ ميليشيات “حزب الله” اللبناني، أمس الاثنين، السلطات اللبنانية إلى اتّخاذ قرار سياسيّ يُتيح فتح البحر أمامَ السوريّين الراغبين في الهجرة إلى أوروبا.

ويزعمُ نصرالله أنّ هذا القرار سيساهم في الضغط على المجتمعِ الدوليّ لرفع الحصار عن الحكومة السوريّة، مُتّهما الولايات المتحدة وأوروبا بعرقلة عودة اللاجئين من لبنان.

    يأتي هذا الاقتراح قبل يومين من انعقاد جلسة برلمانية لمناقشة ملفّ حزمة المساعداتِ الأوروبية للبنان، والبالغة قيمتها مليار و700 مليون دولار تُصرف على 4 سنوات “لتعزيز استقرار لبنان”.

وتعتزم بعض الكتل النيابية مساءلة الحكومة حول دورها في إعادة النازحين السوريّين، الذين يفوق عددهم المليونين، حسب الأرقام الحكومية.

نصرالله قال في خطاب متلفز: “لنكون أمام قرار وطنيّ يقول فتحنا البحر، أيها النازحون السوريون، أيها الإخوة كل من يريد أن يغادر إلى أوروبا، إلى قبرص هذا البحر أمامكم. اتخذوه سفناً واركبوه”.

وأوضح نصرالله أنّه لا يُطالب بإجبار اللاجئين السوريّين على ركوب السفنِ، بل بإعطائهم هامشا من الحرّية للتنقّل، مُشيراً إلى أنّهم ممنوعون حاليا من الهجرة بشكلٍ قانونيّ، ممّا يضطرّهم إلى اللجوء إلى الهجرة غير الشرعية عبرَ قوارب مطاطية، ممّا يعرّضهم للغرق في البحر.

“الموت أرحم من العودة”.. لاجئون سوريون في لبنان يخشون خطر “الترحيل”

ويؤكّد نصرالله على أنّ الجيش اللبنانيّ ينفّذ قرارا سياسيا بمنع الهجرة، ممّا يجبر اللاجئين على اتّخاذ هذه الخيارات الخطيرة. لذا اعتبر نصرالله أن توفّر “إجماع وطني” على فتح البحر أمام اللاجئين كفيل بدفع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى المساعدة في إيجاد حلّ.

ودعا البرلمان إلى الضغط على الاتحاد الأوروبي وواشنطن لرفع العقوبات على سوريا والتي تعيق إعادة الإعمار. وقال “إذا لم ترفع العقوبات عن سوريا، فلا يمكن إعادة اللاجئين إليها”.

الأسد لا يريد عودة السوريين

كشف وزير لبنانيّ النقاب عن أنّ حكومة الرئيس السوري، بشار الأسد، تضع شروطا تعجيزية مقابل عودة “النازحين” السوريّين إلى لبنان.

وأوضح الوزير، الذي لم تذكر اسمه صحيفة “الشرق الأوسط” التي نقلت عنه هذه المعلومات، أنّ الزيارات الأخيرة التي أجراها مسؤولون لبنانيون إلى دمشقَ لم تسفر عن أيّة نتائج.

وأشار الوزير إلى أنّ “بعض الوزراء لا يتحمسون لزيارة دمشقِ، لتقديرهم أنّ لا جدوى منها”. وبيّن أنّ الحكومة السوريّة تطلب من لبنان “ما لا قدرة للحكومة اللبنانية على تلبيته”، مُشيرا إلى أنّ دمشق تشترط لإعادة النازحين إعادة إعمار سوريا.

    كما تشترط دمشق رفع العقوبات المفروضةِ عليها بموجب “قانون قيصر”. وأيضا تشمل شروط السلطات السوريّة انسحاب القوات الأجنبية من سوريا، وتحديدا تلك التي لم تدخل بناء على طلبه.

بالإضافة إلى ذلك، تشترط قوى دمشق السياسية أيضا “دعوتهم إلى حضور المؤتمرات الدولية المخصّصة للبحث في النزوح السوري”.

هذه الشروط التعجيزية تثير قلق المجتمعِ الدوليّ من أنّ الحكومة السوريّة لا تريد عودة اللاجئين السوريّين إلى بلادهم، وتحاول استغلال قضية النزوح لتحقيق مكاسب سياسية.

العودة صعبة وطويلة

وفقا للسياسيين اللبنانيين، فإن الشروط السورية تصطدم برفض أميركي – أوروبي، انطلاقاً من إصرارهما على مقاطعة الأسد وعدم الدخول معه في تطبيعٍ للعلاقة، ولذا فإن لا خيار أمام الحكومة اللبنانية سوى اعتماد الحلول المتوافرة لديها لعودة النازحين، ما دام أن سوريا لا تبدي التجاوب المطلوب.

وبالتالي، ترى لبنان أن العودة تبقى تحت سقف إعادة المحكومين، والعدد الأكبر من الوافدين إلى لبنان تسللا عبر المعابر غير الشرعية. وقد تشمل الإعادة أيضا ممن لا يحملون الأوراق المطلوبة التي تجيز لهم الإقامة في لبنان.

من جهته، أقر ممثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، إيفو فرايسن، بصعوبة عودة اللاجئين السوريين، واصفا إياها بأزمة طويلة الأمد.

السوريون في لبنان باعتبارهم قتلة افتراضيين أو كيف شُبه لهم؟

منظمة “العفو” الدولية، صرحت أمس الاثنين، أن إعلان السلطات اللبنانية استئناف عمليات “العودة الطوعية” للاجئين السوريين إلى بلدهم يثير القلق؛ نظراً إلى الظروف القهرية التي يواجهها هؤلاء في لبنان.

وعدّت المنظمة أن سوريا لا تزال غير آمنة لعودة اللاجئين، مشيرة إلى أنها وثقت عمليات تعذيب وعنف جنسي واختفاء قسري واعتقال تعسفي، للاجئين عادوا إلى سوريا.

وتشير التقديرات إلى أن لبنان يستضيف حوالي 1.5 مليون لاجئ سوري، منهم حوالي 805000 مسجل رسمياً لدى “مفوضية اللاجئين”.

—————————

نقاط على هامش الوجود السوري في لبنان/ فايز سارة

16 أبريل 2024

يتخيل بعض متابعي الحملة على السوريين في لبنان، أن اللبنانيين والسوريين أعداء، وأن بين الشعبين والبلدين ما صنع الحداد. وللحق فإن هذا التقدير خاطئ؛ لأن أصحابه لا يعرفون حقيقة الوقائع الجارية في علاقات الشعبين والبلدين الممتدة من الماضي، ولا يقدرون ضرورة العلاقات بينهم في المستقبل، والأهم أن أصحاب هكذا تقدير، لا يأخذون في الاعتبار الظروف والحيثيات المرافقة، والتي تجعل منها حملة سياسية مغرضة منظمة ومقصودة، اعتادت بعض الأوساط اللبنانية في السنوات الأخيرة على القيام بها، كلما واجه لبنان أو أطراف متحكمة فيه مأزقاً أو تحدياً كبيراً، فيتم إطلاق حملة لحرف اهتمامات اللبنانيين عن التطورات الخطيرة المحيطة بهم، وإشغالهم بموضوع السوريين في لبنان بعد دعمه ببعض المحرضات الشعبوية.

الحملة الحالية انطلقت على خلفية حادثة مقتل منسق حزب «القوات اللّبنانيّة» في جبيل الراحل باسكال سليمان، التي قال مسؤولون لبنانيون إنها سوف تخضع للتحقيق، وأضافوا أن مرتكبي الجريمة عصابة لسرقة السيارات، وأنهم من الجنسية السورية، وكانت الإشارة الأخيرة مقدمة انطلاق الحملة. ورغم أن الإشارة لا تحمّل السوريين وبخاصة اللاجئون منهم أي مسؤولية عن الجريمة، فإنها صارت الباب الذي انطلق منه تهديد وتحريض واعتداءات جسدية وتخريب ممتلكات تخص سوريين، وقد يتوسع الأمر أكثر ما لم يبادر أصحاب المسؤولية والضمير من اللبنانيين لتدخل فعال يوقف الحملة.

وقبل الدخول في تفاصيل الحملة، يستحق الأمر تمرير بعض ملاحظات ذات صلة، بدايتها أن سوريا ولبنان كانا قبل مائة عام في إطار كيان واحد، كانت دمشق حاضرته الرئيسية، ونخبته كانت واحدة، ومن صفوف وحدتها جاء الرجال الذين صنعوا استقلال البلدين عن الانتداب الفرنسي، وكان انتقال العائلات والأشخاص شائعاً بين البلدين، وهناك مئات العائلات ذات الأصول السورية في النخبة اللبنانية، والنسبة أقل من العائلات اللبنانية في سوريا نتيجة التمايز في العدد، وبين من لمع من الأصول اللبنانية في سوريا السياسي ورجل الدولة فارس الخوري، واللواء شوكت شقير، واللواء عفيف البزري، اللذان شغلا منصب رئيس أركان الجيش السوري في خمسينات القرن العشرين.

وطوال القرن الماضي احتفظ البلدان بعلاقات خاصة، كان بين تعبيراتها إقامات سهلة وحركة حرة للأشخاص بين البلدين، وتأثر كل منهما بصورة مباشرة بما يحدث في البلد الآخر.

وجود السوريين في لبنان ليس أمراً طارئاً؛ إذ يعود إلى عقود، اعتاد سوريون الذهاب إلى لبنان لأشياء مختلفة وبخاصة للعمل، ومن المعروف أن قطاعي الزراعة والبناء اللبنانيين، قاما في جزء أساسي منهما على قوة العمل السورية، والتي كان حضورها ملموساً في قطاع الخدمات والسياحة أيضاً، وعندما حصل الاحتدام في العلاقات السورية – اللبنانية بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وقادة لبنانيين آخرين عام 2005، قُدر عدد العمال السوريين في لبنان بنحو 750 ألفاً باستثناء المقيمين الذين لم تكن إقامتهم تتطلب إجراءات صعبة.

ورغم التوترات التي شابت علاقات البلدين في العقدين الأخيرين، استمر مجيء السوريين إلى لبنان، وذهاب اللبنانيين إلى سوريا، ووسط ارتفاع وتيرة الصراع السوري ومجيء ميليشيات «حزب الله» و«قوات الزوبعة» وغيرهما إلى سوريا للقتال إلى جانب النظام، تزايد عدد الذاهبين السوريين إلى لبنان، وأغلبهم من سكان مناطق اجتاحتها ميليشيات «حزب الله»، وثمة أسباب أخرى لتزايد السوريين هناك بينها القرب وسهولة السفر وعلاقات السكان على جانبي الحدود، والتشابهات الاجتماعية والثقافية، إضافة إلى أن سوريا كانت في الخمسين عاماً الماضية ملاذاً وممراً لبنانياً نتيجة الصراعات الداخلية وبسبب حروب إسرائيل على لبنان.

بالعودة إلى موضوع الحملة، فإنها مكررة، وارتبط تكرارها غالباً بوجود أحداث سياسية واقتصادية ذات تأثير كبير على لبنان، منها ما يحدث في لبنان حالياً، وارتبطت في بعض الأحيان بمحاولات ابتزاز المجتمع الدولي للحصول على مزيد من التقديمات والدعم لمواجهة أزمات السلطة في لبنان، وكانت أحياناً بوابة من أجل تسليم مطلوبين سوريين للنظام السوري، وكلها حالات تؤكد الاستخدام السياسي للحملة من دون أن يكون لها ارتباط حقيقي بالمبررات والادعاءات التي ترافقها، وهو ما أكدته تقارير وتحليلات لبنانية ودولية كثيرة بين خلاصاتها الأبرز، أن اللاجئين السوريين «يدفعون ثمن فشل السياسة الداخلية في لبنان».

ولم يكن لهذه الحملات أن تتم وتتفاعل من دون إحاطتها بأجواء الإثارة، التي تشمل تضخيم أرقام السوريين في لبنان، بفتح الباب لتقديرات بالملايين بدل اللجوء إلى الأرقام الرسمية، وجعل الكلام والتصرف فيها متاحاً للجميع وصولاً إلى أشخاص لا صفة لهم من دون مسؤولية أو محاسبة، مما أدى إلى اتهامات، بما فيها اتهامات جنائية من دون أي مستندات، وشن حملات تحريض عنصرية خلاصتها شيطنة السوريين، وارتكاب جرائم لا حصر لها، وكله مثبت في وثائق لبنانية ودولية.

ورغم أن الحملات تتضمن في جانب منها موقفاً من النظام السوري وأفعاله في لبنان طوال فترة وجوده هناك 1976-2005 وما بعدها، فإنها بالواقع تنصب بشكل أساسي ضد خصومه والهاربين منه، وبعض هؤلاء أو أقاربهم كانوا في عداد من عارض دخول القوات السورية إلى لبنان عام 1976، ودعموا ثورة الأرز 2005، وساندوا مطالب انسحاب الجيش السوري ومخابراته من لبنان، وشاركوا في صياغة وإصدار إعلان بيروت – دمشق عام 2006 الذي وقعه مئات من مثقفين وكتّاب وقادة رأي سوريين ولبنانيين من أجل تصحيح وقوننة العلاقات السورية – اللبنانية بدل سياسة الهيمنة والتبعية السائدة.

تتعلق هذه الملاحظات بالسوريين في لبنان بذات القدر الذي تتعلق فيه باللبنانيين الذين هم اليوم مثل السوريين ضحايا لمنظومة سيطرة سياسية عسكرية إقليمية، يديرها نظام «الملالي» في إيران، ويشكل النظامان الحاكمان في سوريا ولبنان الحيز الأهم فيها، مما يفرض ضرورة الانتباه إلى ألا يكون الضحايا ضد الضحايا، كما يبدو في الحملة ضد السوريين، بل أن يتوجه اللبنانيون نحو من عطّل الدولة وهمّشها، ومن دفعهم إلى الأزمة الاقتصادية والمعاشية المدمرة التي صاروا فيها، ومن عطّل القضاء عن متابعة جرائم بحجم دمار مرفأ بيروت ومسلسل الاغتيالات المأخوذ اليوم إلى تضليل مؤكد في حلقة باسكال سليمان، وضد من يستفرد بمصير لبنان واللعب فيه تحت ضرورات إيرانية، تعجز إيران عن القيام بها.

الطبيعي ألا يترك اللبنانيون معالجة ما سبق، ويغرقون في حملة ضد السوريين ليست سوى أداة تعمية وتضليل في رؤية الواقع اللبناني وسط حقيقة أن السوريين واللبنانيين باقون، والكوابيس الحالية في البلدين وإن طالت، فإنها لن تبقى إلى الأبد.

الشرق الأوسط

—————————–

====================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى