سياسة

تطبيع النظام التركي مع النظام السوري، الآثار، النتائج، ردود الأفعال

=================

تحديث 25 تموز 2024

———————-

هل يملك نظام الأسد ما يقدمه لأحد؟/ بكر صدقي

25 تموز 2024

يبدو وكأن الحماس التركي لتطبيع العلاقات مع نظام بشار الأسد قد فتر بعض الشيء، فلم تصدر تصريحات جديدة من أردوغان بشأن دعوة «نظيره» السوري إلى أنقرة. بدلاً من ذلك صدر نفي رسمي من وزارة الخارجية التركية لخبر أسندته صحيفة «تركيا» المقربة من الحكومة إلى مصادر لم تحددها، فحواه أن اللقاء المرتقب بين أردوغان والأسد سيتم في موسكو، في شهر آب المقبل، بمشاركة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

نظام الأسد غير المتحمس أصلاً لهذا اللقاء «المرتقب» واصل «إصلاحاته» من خلال إجرائه لانتخابات «مجلس الشعب» في موعدها المقرر، بمعدل مشاركة منخفض من الناخبين لم تصل، وفقاً للأرقام الرسمية، إلى 40٪، ولا نعرف هل تم احتساب هذه النسبة بالقياس إلى عدد من يحق لهم الانتخاب في مناطق سيطرة النظام فقط أم بالقياس إلى العدد الكلي الذي يتوزع اليوم بين مناطق قوى الأمر الواقع داخل الحدود الدولية المعترف بها لسوريا وخارجها في دول الشتات في القارات الخمس. علماً بأن محافظة السويداء قد قاطعت تلك الانتخابات بنسبة عالية جداً، وكذلك محافظة درعا المجاورة إلى حد كبير، ومنعت قوات سوريا الديمقراطية إجراء الانتخابات في مناطق سيطرتها، في حين لم توضع صناديق اقتراع أصلاً في مناطق سيطرة القوات التركية ومناطق سيطرة هيئة تحرير الشام.

وقال رأس النظام، بعد إدلائه بصوته في أحد مراكز الاقتراع، إن مرحلة تعديل الدستور قد «أصبحت وراءنا» في إشارة صريحة إلى رفض أي تغيير سياسي وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254.

في حين أن الدول العربية التي عملت على تطبيع العلاقات مع النظام، وكذا تركيا المستعجلة على هذا التطبيع، تربط في تصريحاتها وبياناتها دائماً عملية التطبيع هذه بالإشارة إلى وجوب «التقدم في العملية السياسية على أساس قرار مجلس الأمن» المشار إليه. هذا من نوع تدوير الزوايا الذي تحاول تلك الدول القيام به لإنقاذ النظام من نفسه، فهي متفقة معه ضمناً على بقائه في السلطة لكنها تطالبه ببعض الإجراءات التي من شأنها منحه بعض الشرعية التي لا بد منها لتبرير اعترافها بشرعيته وبتطبيع العلاقة معه. من ذلك أن يتوقف عن تصدير المخدرات إلى البلدان المجاورة، بعدما تحولت هذه «التجارة» إلى مشكلة أمن قومي لبعض تلك البلدان. في حين تطالبه تركيا بالتعاون في القضاء على احتمال ترسيخ «الإدارة الذاتية» في مناطق سيطرة قوات سوريا الديموقراطية، معتبرة ذلك أيضاً مشكلة أمن قومي لتركيا. مطلبان لا يستطيع نظام الأسد التجاوب معهما ولا يريد أيضاً حتى لو استطاع. فالتجاوب بشأن كلا المطلبين يفقده ورقتي ضغط في أي مفاوضات مع الجانبين العربي والتركي على التوالي.

ما الذي يريده النظام إذن؟

يريد إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل اندلاع الثورة الشعبية في سوريا في العام 2011! هذا ما قاله بشار في تعليقه على موضوع التطبيع مع تركيا. إنه كمن يريد للبيضة أن تعود نيئة بعد سلقها. لسان حاله: «كان كل شيء على ما يرام قبل ذلك التاريخ، تآمرت عليّ دول عربية وإقليمية ودولية فدمرت كل شيء، وصنعت الإرهاب ووفرت له كل الإمكانات. تريدون الآن أن تعيدوا العلاقات الطبيعية مع سوريا؟ عليكم إذن أن تقضوا على الإرهاب الذي صنعتموه، وأن تعيدوا بناء ما دمرتموه، وتمولوا إعادة سيطرتي على الوضع وإطلاق عجلة الاقتصاد..». إلخ. وقد طالب النظام الدول العربية التي أعادت نظامه إلى جامعة الدول العربية بالتدخل لدى الولايات المتحدة والدول الأوروبية لرفع العقوبات المفروضة عليه وفك عزلته الدولية. أما مطالبة الدول العربية له بفك ارتباطه مع إيران وإخراج الميليشيات التابعة لطهران من سوريا، فمن المحتمل أنه رد عليهم قائلاً: «سددوا ما أدين به لإيران من ديون باهظة (50 مليار دولار) قبل مطالبتي بذلك!» خلاصة القول هي أن طموحات الأسد لا تتوقف على طي صفحة الثورة وكأنها لم تكن، أي إعادة البيضة المسلوقة إلى حالتها النيئة، بل تتجاوز ذلك إلى مطالبة الدول العربية وغير العربية بمكافأته على القضاء على الثورة والبقاء في السلطة، بتأمين استمراره فيها لبقية عمره مع تذليل جميع العقبات أمام هذا الاستمرار. فبخلاف الدول التي تريد التطبيع معه، لا يملك الأسد ترف تدوير الزوايا مثلها، بل هو متمسك بالزوايا الناتئة الفظة التي يتشكل منها نظامه المتحجر الذي تفكك ونخرته الأزمات لكنه لم يزل بعد. مشكلته الكبرى أنه لم يبق لديه ما يقدمه لأحد مقابل هذه الطلبات الطموحة، لا للسوريين الذين لا يحسب لهم أي حساب أصلاً، ولا للدول التي تريد إنقاذه من نفسه. ربما يملك فقط شيئاً ثميناً واحداً يمكنه تقديمه لإسرائيل، كإحداثيات مواقع القوات الموالية لإيران أو مستشاري دولة الفقيه. وهذا خيار محفوف بالمخاطر.

كاتب سوري

القدس العربي

——————————

هل يتخلى أردوغان عن المعارضة السورية؟/ طه خالد منصور

25 تموز 2024

خلال قمة الناتو في واشنطن الأسبوع الماضي، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن دعوته للرئيس السوري بشار الأسد للاجتماع إما في تركيا أو في دولة ثالثة. وأكد أن وزير الخارجية التركي سيتابع هذه القضية. وبعد أن كان قد وصف الأسد في السابق بأنه «قاسٍ وإرهابي» ودعا إلى محاكمته في لاهاي، يشير إليه الآن بلقب «السيد». والسؤال المهم هو، ماذا يعني ذلك بالنسبة للمعارضة السورية؟ هل يعني ذلك أن الأسد انتصر؟

يتميز أردوغان بأنه براغماتي، حيث يغير مواقفه وفقاً لمصلحته الشخصية. وينتظر الإيرانيون نتيجة اللقاء التركي السوري المقترح، إلا أن الأسد لم يقبل الدعوة حتى الآن. وعلى الرغم من إشارة تركيا إلى استعدادها للتوصل إلى اتفاق مع الأسد، إلا أنها لا تعرض التطبيع غير المشروط، ولا تظهر استعدادها لتقديم أي تنازلات.

ستتم مناقشة أربع قضايا خلال اللقاء المحتمل.. القضية الأولى تتعلق بشرعنة وجود القوات التركية في شمال سوريا، حيث بدأ التدخل التركي في هذه المنطقة في التسعينيات. في أكتوبر/تشرين الأول 1998، وقعت سوريا اتفاقية أضنة مع تركيا، التي تمنع سوريا من القيام بأي أعمال عدائية ضد تركيا، وقد تم التوصل إلى هذا الاتفاق بعد أن تخلى الرئيس حافظ الأسد عن عبد الله أوجلان مؤسس حزب العمال الكردستاني، الذي كان يستخدمه الأسد للتأثير على تركيا وابتزازها. وفي عام 1997، عندما قامت الولايات المتحدة بتصنيف حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية أجنبية، أصبح أوجلان تحت ضغط كبير، وبالإضافة إلى التصنيف الإرهابي، بدأت تركيا بالتهديد باتخاذ إجراء عسكري ضد المنظمة، وللتخلص من هذا الضغط، وافق حافظ الأسد في اتفاقية أضنة على السماح للجيش التركي بمطاردة مقاتلي حزب العمال الكردستاني لمسافة تصل إلى 5 كيلومترات داخل الأراضي السورية. وبناءً على هذا الاتفاق، يحق لتركيا بشكل عام الدخول إلى الأراضي السورية لحماية حدودها من الهجمات الإرهابية. الهدف من اللقاء المقبل مع بشار الأسد هو تعزيز وتوسيع اتفاق أضنة، وربما سيشمل ذلك مساحة أكبر من الأرض. ومن ناحية أخرى، كلما زادت سيطرة أنقرة على شمال سوريا، زادت المساحة المتاحة لنقل اللاجئين من تركيا إلى سوريا. ومن الناحية الثانية، على الرغم من أن تركيا لا تريد التخلي عن أي من الأراضي الخاضعة لسيطرتها، إلا أنها تريد أن يتمتع نظام الأسد بمزيد من السيطرة على المناطق الكردية. وقد شعرت أنقرة بالتهديد بسبب إعلان الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا مؤخراً، أنها ستجري انتخابات بلدية، وتم التخطيط للانتخابات وفق تشكيل إداري جديد مختلف عن الذي رسمته الدولة السورية. ومن ثم، فهذه مقدمة للحكم الذاتي. والحكم الذاتي معدٍ، وآخر شيء تريد أنقرة رؤيته هو سعي الأكراد إلى المطالبة بالحكم الذاتي. وتعتبر القضية الكردية تهديدا وجوديا بالنسبة لتركيا. أما الهدف الثالث فهو الحصول على الموافقة لفصل حزب العمال الكردستاني عن حزب الاتحاد الديمقراطي، وقد بدأت تركيا عملية في محافظة دهوك في كردستان العراق لهذا الغرض. ومن أجل إنشاء منطقة عازلة بين العراق وسوريا، لمنع حركة حزب العمال الكردستاني، تحتاج أنقرة إلى موافقة كل من سوريا والعراق، وهي حاليا في مرحلة المفاوضات مع العراق. الهدف الرابع هو تعزيز العملية السياسية، ولذلك تصر تركيا على الإشارة إلى قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254. والعملية السياسية هي مسألة يتجنبها الأسد بشكل كبير. إن دعوة تركيا المفتوحة للأسد، ليست إشارة إلى تخليها عن المعارضة بأي حال من الأحوال، بل على العكس، فإن تفتح أنقرة على التفاوض مع الأسد يجعلها أكثر حرصاً على حماية المعارضة، فالمعارضة هي النفوذ الذي يمكن لتركيا استخدامه في التفاوض مع الأسد.

أما بالنسبة للأسد، فإن استعراض قوته الوحيد المفترض هو وضع بعض الشروط على تركيا. واشتراط إجراء مفاوضات بانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، وإذا تنازل عن ذلك فماذا بقي له ليطالب بأي نوع من الشرعية؟ لا شيء. لديه بالفعل جيش ضعيف. إنه يعيش على شريان الحياة الذي يمده به الإيرانيون والروس، فإذا قبل بالوجود العسكري التركي، لم يبق له شيء. وأكد الرئيس الأسد في مقابلة مع فضائية «روسيا اليوم» أنه لا بد من تخلي تركيا عن دعمها للإرهاب، واحترام سيادة سوريا من أجل إعادة العلاقات السورية التركية إلى ما كانت عليه قبل عام 2011. وعلى الرغم من أنه من غير المتوقع أن تنسحب تركيا من سوريا، إلا أن الوجود العسكري التركي في سوريا يعتبر ضرورة أمنية وطنية في ظل وجود دولة ضعيفة وانفصاليين أكراد متمكنين.

تركيا لن تنسحب من سوريا، وستبقى هناك لضمان حماية أراضيها، ولن تنسحب من الشمال الغربي أيضاً. ومن المؤكد أن جماعات المعارضة في إدلب لن تتصالح مع النظام، ولذلك لن تسمح تركيا بحدوث مذبحة هناك. ولا يمكن الاعتماد على الأسد كجار جيد. أنقرة لا تثق بالأسد بشكل كبير. وحاولت موسكو، وهي الداعم الرئيسي للأسد، ولها علاقات واسعة مع تركيا، الجمع بين الطرفين من قبل. وفي ديسمبر/كانون الأول 2022، التقى وزراء الدفاع التركي والسوري والروسي في موسكو. وعقد الكرملين اجتماعا آخر بين مسؤولين من البلدين في العام التالي، ومع ذلك، لم يتم إحراز أي تقدم حقيقي. يرغب الأسد في الحصول على تنازل من تركيا يعزز شرعيته، ولكن الحكومة في أنقرة ليست مستعدة للالتزام. وبالتالي، على الرغم من الحديث عن التطبيع، لا يُتوقع حدوث أي تقدم، ومن غير المرجح أن تتخلى تركيا عن دعم المعارضة السورية. الأسد يتردد في لقاء أردوغان، إذ يعتقد أن مثل هذا اللقاء سيكون خاسرا بالنسبة له، ورابحا بالنسبة لأردوغان. وسيكون اللقاء بمثابة اعتراف ضمني بالتدخل التركي في سوريا. ومن غير المحتمل أن يؤدي أي تقارب بين تركيا والأسد إلى اتفاق كبير يسهل العلاقات بينهما، حيث توجد خلافات كبيرة بين الجانبين. الأسد لن يشارك في أي عملية سياسية مع المعارضة، لإنهاء الصراع الحالي، وتركيا لن تنسحب من المناطق الشمالية وتعرض نفسها للخطر، ولن تتخلى عن دعم المعارضة.

كاتب فلسطيني

القدس العربي

————————

عندما تلعب تركيا خارج الملعب/ علي العبدالله

24 يوليو 2024

تواترت تصريحات المسؤولين الأتراك بشأن عمق علاقة الحكم في بلدهم بالمُعارَضة السورية وتمسّكه بمطالبها، في محاولة منهم لامتصاص الغضبة الشعبية العارمة التي استثارها توجّه النظام التركي إلى التطبيع مع النظام السوري، وإعلاناته المُتكرّرة عن استعداده للعودة إلى العلاقة القويّة معه، كما كانت في فترة شهر العسل بينهما قبل العام 2011 وانطلاق ثورة الحرّية والكرامة. كما تعدّدت لقاءات المسؤولين الأتراك بوجهاء ومُعارِضين وقادة فصائل مُسلّحة سوريين لشرح موقف نظامهم، وتطمينهم على وضعهم ومستقبلهم. وكان لافتاً أنّ أجوبة المسؤولين الأتراك عن أسئلة الحواضن الشعبية الصريحة والمباشرة جاءت عامّةً وغيرَ مُحدَّدة.

لم تكن إعلانات أنقرة بشأن التوجّه إلى التطبيع مع النظام السوري سوى القشّة التي قصمت ظهر البعير، فقد تراكمت التوتّرات والاحتقانات بين السوريين، اللاجئين منهم خاصة، على خلفية الضغوط النفسية والاقتصادية والاجتماعية التي عانَوْها بسبب حملات التحريض العنصرية، وتعرّض سوريين للقتل بأيدي مواطنين أتراك، جديدها أخيراً هجمات قيصري (وسط تركيا) وغازي عنتاب (جنوب)، ونشر أسماء اللاجئين وأرقام بطاقات هُويّاتهم وسكنهم لتسهيل تحرّك العنصريين ضدّهم، وصمت السلطة عن التجاوزات، والانتقال من رفضها إعلامياً إلى تطبيقها عملياً عبر حملات ضدّ اللاجئين من غير حاملي بطاقات الحماية المُؤقّتة، وتمدّدها لاحقاً لتشمل حتّى حامليها، والبدء بترحيلهم قسرياً بعد احتجازهم وتعذيبهم وإجبارهم على التوقيع على إقراراتٍ بأنّهم عادوا بمحض إرادتهم طوعاً، مروراً بملاحقة نشاطات السوريين التجارية والصناعية، بدءاً بإزالة الكتابة العربية عن المحلّات إلى إغلاق محلّات الصرافة والتحويل، مع أنّها مرخّصة، وصولاً إلى دور تركيا في خسارة المُعارَضة المُسلّحة مواقعها في حلب.

سُلِّمت حلب، التي كانت تربطها بتركيا علاقات اقتصادية قويّة ومتينة، إلى النظام السوري بعد نقل معظم آلات المعامل والورش الصناعية إلى الأراضي التركية، وانخرطت أنقرة في لعبة مناطق خفض التصعيد، وفي الدخول في مساومات على هذه المناطق مع النظام الروسي، وحصولها على ضوء أخضر لعمليتها العسكرية “غصن الزيتون” ضدّ قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في عفرين، وشرعنة نقاطها العسكرية في ريفَي حلب وإدلب. وكانت ثالثة الأثافي تدمير البعد الأخلاقي للثورة السورية، وتشويه صورتها ثورةً من أجل الحرّية والكرامة، بتحويل مقاتلين منها إلى مرتزقة في ليبيا وأذربيجان والنيجر خدمةً لتحرّكه الجيوسياسي، ولسعي تركيا إلى توسيع نفوذها في تلك الدول. لقد ترتّب على هذه الممارسات نشوء حالة انعدام ثقة بالحكم في تركيا لدى السوريين، وارتيابهم في أقواله وخطواته كلّها، وجعل وعوده الجديدة بعدم التخلّي عن المعارضة، وبعدم إجبارها على قبول حلول ضدّ مصالحها، محلَّ شكٍّ كبير، إذ يُنظَر إليها باعتبارها مُخدّراً لوقف التظاهرات والاعتصامات، لأنّ استمرارها يُفقده فرصة استخدام ورقة المُعارَضة للحصول على تنازلاتٍ من النظام السوري خلال مفاوضات التطبيع وتحوّلها في غير صالحه، إذ سيُوظّفها النظام السوري للضغط على تركيا لقبول مبدأ الانسحاب من الأراضي السورية، بذريعة رفض هذا الوجود، حتّى من المُعارَضة وحواضنها، التي دعمها سنوات.

تنبع خطورة تطبيع النظام التركي مع النظام السوري من فحواه، لأنّه ينطوي على إقرار بشرعية الأخير وحقّه في بسط سيطرته على الأرض السورية كلّها، وحسم الصراع لمصلحته، وسحب الشرعية عن المطالب الشعبية السورية في الحرّية والكرامة. وسيثير هذا احتمال حصول ضغط من تركيا على المُعارَضة السورية، السياسية والعسكرية، للقبول بالتصوّر الروسي التركي للحلّ في شمال غربي سورية، وعودة النظام السوري إلى المنطقة بصيغ مُوارِبة، مصحوباً بهجمات عسكرية مُنسّقة ضدّ المدنيين والعسكريين لوضعهم بين المطرقة (ضربات النظام وقوات الاحتلال الروسي) والسندان (الضغط التركي)، لتقليص قدرتهم على المناورة والحدّ من خياراتهم. يمكن اللجوء إلى تصدير بعض فصائل المعارضة المُسلّحة الموالية له للقيام بالمهمَّة، كما حصل في محادثات أستانة. ولم يلقَ اندفاع النظام التركي حماسة لدى النظام السوري في ضوء وجود مصالح وحسابات مُركَّبة على خلفية تعدّد الحلفاء، وضرورة مراعاة حساسياتهم ومصالحهم، واللعب على تبايناتهم، لتحاشي تقديم تنازلات سياسية تنهي سرديته عن انتصاره في الصراع، ما قد يقود إلى تأجيج الخلافات ضمن نواته الصلبة وتأليب حاضنته الشعبية ضدّه، خاصّة أنّ النظام التركي ما زال يربط التطبيع بوضع دستور جديد، وانتخابات، وحكومة شرعية تعتمد هذا الدستور.

جاء اندفاع أنقرة إلى التطبيع مع النظام السوري استجابةً لعوامل عديدة، داخلية وخارجية، في مُقدّمتها تطويق تحرّك “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” في سعيها إلى إجراء انتخابات بلدية، لما لهذه الانتخابات من تأثير إيجابي في شرعية “الإدارة” السياسية محلّياً ودولياً، والعمل على قطع الطريق عليها بالاتفاق مع النظام، بما في ذلك التحرّك عسكرياً ضدّها بعد دفع المُعارَضة السورية إلى القبول بالتفاهم والاتفاق مع النظام السوري، وخوض معركة مُشتركة ضدّ “قسد”. وتعاطى حكم حزب العدالة والتنمية مع القضية الكردية (يفوق عدد الأكراد في تركيا 20 مليوناً)، التي شكّلت ولا تزال عقدة السياسة التركية، بمرونة، فبدأ بالسعي إلى التخفيف من حدّتها عبر منح الكُرد بعض مطالبهم؛ تدريس اللغة الكردية في مناطقهم، وقناةً تلفزيونية تبثّ باللغة الكُردية، مع حلّ بعض المشكلات الخدمية والعمل على تحسين ظروف المعيشة في جنوب شرقي تركيا، حيث الكثافة الكردية، وفَتَحَ حواراً مع حزب العمّال الكردستاني وقائده عبد الله أوجلان، المُعتقَل في سجن في جزيرة إمرالي في بحر مرمرة، واتفق معه على بعض الخطوات العملية؛ خطّة خريطة طريق تبدأ بوقف إطلاق النار وانسحاب قوّات الحزب إلى جبال قنديل في كردستان العراق، لتتم تسوية أوضاعهم وإدماجهم في الدولة والمجتمع التركيَّين لاحقاً، وتبادل الأسرى. وعند تنفيذ هذه الخطوات، تقوم الحكومة بتعديل قوانين مكافحة الإرهاب، وتُحوِّلها إلى المجلس النيابي لإقرارها، وتبدأ المباحثات الرسمية بين الحكومة التركية وقيادة الحزب في جبال قنديل، يتلوها تعديل دستور 1980 وتضمينه الإقرار بالحقوق الكُردية. لكنّ العملية لم تستمرّ بسبب وجود جناح مُتشدّد داخل حزب العمّال الكردستاني له تحفّظات على خيار المصالحة، التي وافق عليها عبد الله أوجلان، وقيامه بعمليات عسكرية استفزازية لاستدراج ردٍّ من الجيش التركي يخلط الأوراق وينهي المفاوضات، وانفجار الثورة السورية، وإقامة حزب الاتحاد الديمقراطي (جناح حزب العمّال الكردستاني في سورية) إدارةً ذاتيةً في ثلاث مقاطعات عند الحدود التركية السورية، واحتدام الصراع الداخلي في تركيا على شكل النظام السياسي التركي، على خلفية سعي الرئيس رجب طيّب أردوغان إلى تحويل النظام النيابي نظاماً رئاسيّاً، ما دفعه إلى اللجوء إلى مغازلة القوميين الأتراك لتأييد مسعاه السياسي، فوظّف الورقة الكردية في كسب تأييدهم عبر التصعيد ضدّ التعبيرات السياسية الكردية، واعتقال نوّاب حزب الشعوب الديمقراطي، وإحالتهم على القضاء بتهم مُفبرَكة، والتخلّي عن مبادرة حلّ القضية الكردية سلمياً، والعودة إلى الخيار العسكري ضدّهم.

لم يستطع أردوغان الموازنة بين منطلقات حزبه السياسية، التي ربطت التنمية بالعدالة، خصوصاً بعد خسارته الرهان على نجاح الإسلاميين في تحقيق مكاسب راسخة في ثورات الربيع العربي، فعاد إلى تبنّي النزعة القومية التركية كما صاغها مُؤسّس تركيا الحديثة مصطفى كمال، المُلقّب بـ “أتاتورك” (أبو الأتراك)، القائمة على التمييز بين مكوّنات الشعب التركي على أساسٍ قومي/ عرقي، والعودة إلى الخيار العسكري في مواجهة الحراك الكُردي، ليس في الأراضي التركية فقط، بل في دول الجوار؛ سورية والعراق، حيث للكُرد نِسَبٌ سكّانية وازنة، فهاجم مواقع لحزب العمّال الكردستاني في إقليم كردستان العراق وأقام هناك قاعدة بعشيقة، وعمل على إقامة منطقة آمنة في طول الحدود السورية التركية (نحو 900 كيلومتر بعرض 30 كيلومتراً)، ونفّذ لأجل ذلك ثلاث عمليات عسكرية كبيرة: درع الفرات (ريف حلب)، وغصن الزيتون (عفرين)، ونبع السلام (رأس العين وتلّ أبيض)، احتل عبرها مساحات واسعة من الأرض السورية (نحو 10%) بذريعة أنّ الإدارة الذاتية تهديد وجودي للأمن القومي التركي. لقد أخطأ أردوغان عندما قلّل من أهمّية حلّ القضية الكردية، وتجاهله الانقسام الداخلي العميق بشأن خطوط قومية ومذهبية واجتماعية، ما كان يستدعي العمل على تعميق الاندماج الوطني، وترسيخ توافق سياسي واجتماعي، بإزالة أسباب الانقسام، فالمنطقة الآمنة، حتّى لو نُفِّذَت بشروط تركية، لا تحلّ القضية الكردية، لأنّها لا تقدّم للكُرد حلّاً لمعاناتهم القومية والاجتماعية والاقتصادية، بل تزيد من شعورهم بالاضطهاد والقهر، لأنّها ستضيف إلى مظلوميتهم فصلاً جديداً يُعمّقها ويزيدها مرارة. فالتخوّف من الكُرد في سورية والعراق وإيران حلّه بإنصاف الكُرد في تركيا ذاتها.

لقد فشل أردوغان في التعاطي مع الوضع السياسي التركي بواقعية، فاعتمد سياسة الهروب إلى الأمام بملاحقة تجسيدات القضية الكردية في دول الجوار بتجاهلٍ تامٍّ لدرس الصراع مع الكُرد، إذ فشلت محاولة تذويبهم وتحويلهم أتراكاً خلال قرن وأكثر. وعجز الجيش التركي عن حسم المواجهة عسكرياً معهم، وانقسم المجتمع التركي بشأن حلّ قضيتهم. فاعتماد الحلّ العسكري لن يُغلق الملفّ، لا في تركيا ولا في الدول الأخرى، بل سيُبقيه جُرحاً نازفاً يستنزف جهود دول المنطقة وشعوبها وإمكاناتها، يُفقدها استقرارها وفرص ازدهارها.

تكمن مشكلة النظام التركي في طموح قائده أردوغان، الذي يحاول تحقيق إنجاز استقلال تركي كامل عن الغرب، ولعب دور إقليمي ودولي كبير، فيغطّي على إنجاز أتاتورك في إقامة الجمهورية، ويمسح صورتَه، ويحلّ في محلّه في الوعي السياسي التركي. لقد وضع الخيار الأتاتوركي العرقي الجمهورية التركية في تصادم مع عامل موضوعي هو التعدّد القومي، وجعله بنداً ثابتاً في جدول أعمال الحكومات التركية المُتعاقبة، لا تستطيع تجاهله ولا تستطيع حسمه، لذا هي في صدامٍ معه منذ قيامها عام 1923، وستبقى على ذلك الحال، ما دامت لم تواجهه وتنهِه بإيجابية، فسياسة الهروب إلى الأمام بخوض الحروب، داخل البلاد وخارجها، غير مُجديةٍ في التعاطي مع قضايا بنيوية. لذا، غدا الجلوس إلى طاولة التفاوض والتفاهم مع القادة الكُرد وبقيّة القوميات والإثنيات في تركيا للوصول إلى حلّ توافقي خياراً حتمياً للخروج من المستنقع. وهذا إن حصل وعُدّل الدستور ليلبي مطالب الشعوب والأديان والمذاهب، فسينقل تركيا من دولة عرقية منغلقة إلى دولة تعدّدية منفتحة، ويفتح طريق الأمن والاستقرار وفرص الازدهار أمامها واسعاً. سيمنحها هذا وزناً كبيراً ودوراً مميّزاً في الإقليم والعالم.

العربي الجديد

———————

اللاجئون السوريون في تركيا: مشاهد من “العيش الصامت”/ نسمة حديد

24 تموز 2024

يتخلى  اللاجئون عن حقهم في الكلام بلغتهم، يتحاشون الأماكن العامة كي لا يكونوا سبب الاكتظاظ ، يتحاشون فرص الاختلاط والتعامل مع الأتراك لكي لا ينشب خلاف، يتحرجون من التعريف بأصولهم، ويحملون جنسيتهم كندبة يحاولون إخفاءها و الاختفاء معها.

تابعت كغيري من السوريين على وسائل التواصل الاجتماعي موجة أعمال العنف ضد السوريين في تركيا. بدأت الأحداث في مدينة قيصري لتمتد إلى عينتاب، إسطنبول، أنطاليا، وقونيا. مشاهد شباب يافعين وعوائل يهجمون بشكل جماعي، على عشرات البيوت التي يقطنها السوريون وعلى محالهم لتكسيرها وسياراتهم لإحراقها.

لم تقتصر الاعتداءات على الممتلكات فحسب، إذ بدأت تظهر تسجيلات فيديو لاعتداءات على السوريين أنفسهم داخل منازلهم وفي الشوارع. شارك المئات هذا المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي في محاولة لإيصال الصورة ونشر القصة، قصة حياة وموت السوريين الصامتة.

العنف الذي يطعن الذاكرة

أدركت خلال السنوات الطويلة التي مضت، التأثير النفسي لصور العنف عليّ، إذ تنطبع المشاهد بكل ألوانها وتفاصيلها طويلاً في مخيلتي. لهذه المشاهد القدرة على معاودة الظهور بالدقة والألوان نفسها في رأسي لفترة طويلة بعد التعرض لها، تبقى الصور في ذاكرتي طازجة لحد يسمح بإعادة شحني بمشاعر الصدمة.

أيقنت تأثير مشاهد العنف وعرفت بأن عليّ اعتزالها، الاعتزال يُفهم على أنه قلة حساسية تجاه القضايا ربما، لكن على السوشال ميديا أنت مطالب بالتعرض لهذا المحتوى.

أن ترى صورة العنف و الاعتداء تنطبع عميقاً في الذاكرة، يعني أيضاً أن تغيب في المقابل الصور المضادة ، الصورة التي تحمل الشعور بالكرامة والعدالة، فتعيد الى النفوس الخائفة بعضاً من التوازن والطمأنينة.

غياب الصور المضادة

قد يكون من الرومانسية لنا نحن اللاجئين أن نحلم بمكان يخلو من العنصرية والتمييز، فنجد أنفسنا نفاوض على قبول مستويات خفيفة إلى متوسطة منها، قبول درجات معينة من التمييز في مجتمعاتنا الجديدة والتأقلم معها، والحديث عنها ربما في محاولة لتغييرها في بلاد نفترض أنها أفضل من بلدنا الأم، الذي خبرنا فيه تماماً معنى العيش الصامت.

وفي تركيا، تظهر حوادث عنف ضد الأجانب واللاجئين بين الحين والآخر، ويساهم المناخ السياسي بالتطبيع معها. وقد وصل الحد إلى استخدامها في الحملات الانتخابية لتكون إحدى مانشيتات حزب الشعب والحزب الجيد بشكل صريح خلال الانتخابات الأخيرة، “سيرحل السوريون”. وهكذا مرت صور الدعوات بترحيل السوريين من دون صور مقابلة.

غياب الصور المضادة لصور العنف، أثر نعيش في ظله نحن السوريين والأتراك بشكل يومي، ينعكس في وجدان السوري الشعور بالخوف لغياب العدالة والمحاسبة، ويدفع بالسوريين الى مزيد من الصمت مع ارتفاع صوت العنصرية إلى درجة تصل إلى تهديد الحياة. ويُترك اللاجئون أمام خياريين: العيش بصمت أو الرحيل بصمت.

غياب الصور المقابلة لصور العنف يولد لدى بعض المواطنين شعوراً بالتمكين من حيوات الناس الأضعف، وينمي شعورهم بالقدرة على الاستباحة،  سلاح جديد يستخدمونه في التعبير عن الغضب والخذلان.

هذا الشعور بالاستقواء وصل الى حد سمح لمجموعة شبان يافعين تشكيل مجموعة مغلقة على وسائل التواصل الاجتماعي سربت  بيانات أكثر من مليوني سوري تمهيداً للنيل من وجودهم.

أظهرت الحكومة التركية شكلاً من أشكال المحاسبة، إذ أعلنت عن توقيف 470 شاباً شاركوا في أعمال التخريب،  وأوقفت الشخص/ الطفل ذا الـ14 عاماً المسؤول عن الصفحة التي نشرت البيانات. 

وعلق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أيضاً على أحداث العنف، واصفاً أياها بـ”المرفوضة”، وحمّل المعارضة مسؤولية خطاب الكراهية السائد. هذه التحركات جاءت على شكل أخبار ومواقف فقط، وبقيت الصورة غائبة، صورة العدالة واستعادة الكرامة.

أن ترى صورة العنف و الاعتداء تنطبع عميقاً في الذاكرة، يعني أيضاً أن تغيب في المقابل الصور المضادة ، الصورة التي تحمل الشعور بالكرامة والعدالة، فتعيد الى النفوس الخائفة بعضاً من التوازن والطمأنينة.

“العيش الصامت” والرغبة في الاختفاء

بعيداً عن السوشال ميديا، أعيش كغيري من السوريين والسوريات في تركيا مستويات القلق المعمم في حياتنا اليومية، إذ يكاد يكون السؤال المتكرر في مختلف المجالس السورية، إلى أين نذهب؟ وما هي الخطط البديلة؟ جلسات من العصف الذهني لمناقشة احتمالات نجاة أخرى.

بالأمس، قالت صديقتي التي تملك سيارة خاصة تحمل حرف M، وهو شكل من أشكال التمييز في قانون السير، إذ تعطى السيارات التي يمتلكها غير الأتراك نمرة سيارة تبدأ بحرف M وتعني (مسافر) غير تركي، إنها تشعر بالخوف أثناء التجول بالسيارة ليلاً، وتفكر في بيع السيارة ودفع النقود ثمناً لمهرب يساعدها في الوصول إلى أوروبا.

في حين يحاول صديقي الحاصل على الجنسية التركية تدبّر الأمر بالحصول على فرصة عمل في الخليج، ويضيف أن ابنه لا يرغب في الذهاب إلى المدرسة، وهو يخشى عليه من أن يكون هدفاً لأي أعمال عنف قد تحصل في المدرسة مع الشبان الأتراك.

تقول صديقة أخرى، أم لطفل في الثالثة من العمر ، إنها تشعر بالإحراج عندما يبدأ طفلها بالتحدث إليها بالعربية في المترو، وتقول “إنني أتجاهل كلامه و أنظر إليه بصمت لأدفعه الى السكوت”.

وعن الوجود في المواصلات العامة، يقول صديق آخر: “لا أشعر بالراحة بأن أظهر أي شيء بالعربية في المتروبوس، كنت أحب تمضية الوقت في المواصلات في قراءة الكتب،لكنني اليوم أخاف فتح كتاب باللغة العربية منعاً لأي تعليق قد يصدر ويتحول إلى مشاحنة لا أقوى على الدفاع فيها عن نفسي”.

يقول لي أحد الأقارب إن صاحب المنزل الذي يسكن فيه طلب رفع إيجار البيت بنسبة 100 في المئة، وأضاف أن هذه الزيادة غير محقة حسب النسبة الرسمية التي حددتها الدولة، لكنه لا يستطيع الاعتراض ولا يمكنه سوى القبول بصمت، مبدياً ميلاً الى فكرة العودة إلى سوريا

“من دون صوت”

انطلقت حملة افتراضية بين الناشطين السوريين بعنوان ses yok (من دون صوت)، وهي عبارة انتشرت على أثر الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في شباط/ فبراير 2023، كتبت حينها هذه العبارة على المباني المدمرة  كإشارة الى عدم وجود حياة تحت ركام المباني المدمرة، وإعادة استخدام هذه العبارة ربما تحمل اشارة الى اختناق أصواتهم في خضم ما يجري اليوم من اعتداءات عليهم.

يتخلى اللاجئون السوريون عن مساحاتهم في الحياة،  يتخلون عن مواقف سياراتهم، عن مقاعدهم في المواصلات والحدائق، عن أدوارهم في السوبر ماركت.

يتخلى  اللاجئون عن حقهم في الكلام بلغتهم، يتحاشون الأماكن العامة كي لا يكونوا سبب الاكتظاظ ، يتحاشون فرص الاختلاط والتعامل مع الأتراك لكي لا ينشب خلاف، يتحرجون من التعريف بأصولهم، ويحملون جنسيتهم كندبة يحاولون إخفاءها و الاختفاء معها.

الخوف والعقاب الجماعيان

يتحدث علم النفس عن شكل من أشكال الصدمة الجماعية التي تنتج من أحداث مؤلمة وكارثية تؤثر على مجتمع كامل أو مجموعة كبيرة من الناس كالحروب والكوارث الطبيعية.

يضاف إلى ذلك تعرض السوريين لعقاب جماعي ممنهج استخدمه نظام بشار الأسد كوسيلة لردع السوريين عن التعبير، والإجبار على حالة العيش الصامت.

 ما سبق قد يبرر حالات الهلع الجماعي التي تعيد إلى آلاف اللاجئين السوريين شعور الصدمة الأول، يربطون بها أي أذى فردي قد يصيب أحدهم على أنه تهديد وجودي لهم جميعاً، وتعيد مشاهد إذلالهم والاعتداء عليهم مشاعر الصدمة الجمعية ومشاهد التعذيب والإذلال في وطنهم الأصلي.

تدق الأحداث الأخيرة ضد السوريين في تركيا ناقوس خطر، وما لا شك فيه أنها قد تدفع بكثر من السوريين الى الخروج من البلاد لتكوين موجات نزوح جديدة إلى أوروبا، أو بالعودة إلى سوريا، في حين سيستمر من قرر البقاء فيها بقبول مساحات أضيق للعيش “إلى حين… أن تهدأ الأوضاع”.

درج

———————-

تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا/ رياض معسعس

22 – يوليو – 2024

ما بين انطلاق الثورة السورية واليوم جرت مياه كثيرة تحت الجسور كما يقول المثل الفرنسي. إذ ارتكب النظام السوري جرائم تفوق أعداد ضحاياها تلك التي وقعت في هيروشيما وناغازاكي، وكان لافتا الموقف التركي المناهض لنظام الأسد (على عكس الموقفين الروسي والإيراني الداعمين للنظام، والولايات المتحدة ومعظم الدول الأوروبية المهادنة ضمنا المستنكرة علنا) إذ جاء على لسان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان يوم مجزرة الغوطة بالسلاح الكيماوي التي راح ضحيتها مئات الأطفال: «يا أسد القاتل كيف ستتخلص من آهات هؤلاء؟» ووصفه «بالمجرم» و«الإرهابي».

وقال اردوغان بعد أن لجأ ملايين السوريين إلى تركيا إنه «لا يمكن ترك مصير اللاجئين السوريين بأيدي الأسد المجرم الذي يمارس إرهاب الدولة» ودعا بشار الأسد إلى التنحي من الحكم قائلا له «أن تحارب حتى الموت ضد رغبة شعبك ليس عملا بطوليا» وأضاف: «أنه لا يمكن أبداً مواصلة الطريق مع بشار الأسد في سوريا لأنه لا يمكن المُضي مع شخص قتل قرابة مليون مواطن من شعبه» وأعلنت تركيا وقوفها في صف المعارضة السورية الساعية للإطاحة بالأسد، وما زالت تحتفظ بقوات في شمال غرب البلاد الخاضع لسيطرة المعارضة وهي تدعم فصائل الجيش السوري الحر واستخدمتهم في عدة معارك ضد قوات سورية الديمقراطية الكردية «قسد».

الأسد من جانبه كال لاردوغان الصاع صاعين فوصفه بالكاذب حين قال: «اردوغان لم يقل كلمة صدق واحدة منذ بدأت الأزمة في سوريا، ونعته بـ«الإخونجي»؟ وأن اردوغان استخدم الانقلاب (حادثة محاولة الانقلاب الفاشلة على نظام الحكم في تركيا في 2016) من أجل تنفيذ أجندته المتطرفة وهي أجندة الأخوان المسلمين داخل تركيا.

وازدادت العلاقات البينية سوءا بعد تدخل الجيش التركي في الأراضي السوري بداية، ثم تمركز وحدات عسكرية في محافظة إدلب وانطلاقة الهجمات التركية (بمساعدة وحدات من الجيش السوري الحر ضد قوات سوريا الديمقراطية الكردية) ومع تكرار مطالبات النظام بجلاء الجيش التركي عن سوريا، رفضت تركيا مطالب النظام. هذا هو المشهد تقريبا حتى اليوم، ولكن ماذا حصل بعد أن جرت المياه الكثيرة تحت الجسور؟

تركيا المنضوية لحلف شمال الأطلسي لم تكن ذات علاقات جيدة مع الاتحاد لأن دورها في الحلف كان مراقبة تحركات الاتحاد السوفييتي، وكانت تلعب دور الجدار الواقي لتمدد الشيوعية إلى الشرق الأوسط، وقد بنى الحلف قاعدة «أنجرليك» التي تضم قوات نووية في تركيا تحسبا لأي نزاع نووي مع الاتحاد السوفييتي، وحتى بعد سقوط الاتحاد السوفييتي في بداية تسعينيات القرن الماضي لم تتحسن العلاقات الروسية التركية بشكل ملحوظ، بل تدهورت سريعا بعد حادثة إسقاط طائرة سوخوي 25 روسية فوق قاعدة حميميم السورية في العام 2015 من قبل طائرة أف 16 تركية (كانت روسيا قد أدخلت قواتها بطلب من بشار الأسد لمساعدته في القضاء على الثورة السورية وتم بناء قاعدة حميميم خصيصا للقوات الروسية، بالإضافة إلى القاعدة البحرية في طرطوس) لكن اردوغان «البراغماتي» الذي شعر بأن ضرب علاقات أنقرة بموسكو سوف لن تكون بصالح تركيا عاجل بزيارة روسيا ولقاء الرئيس فلاديمير بوتين لطي صفحة طائرة السوخوي، وبناء علاقات جديدة متينة، وأصبحت تركيا عضوا في القمة الثلاثية (إيران وروسيا وتركيا) الخاصة بسوريا تحضر اجتماعات سوتشي. وآستانا. العلاقات التركية الروسية انعكست على العلاقات التركية السورية، إذ حاول الرئيس الروسي فلاديمر بوتين الضغط على الرئيس رجب طيب اردوغان لتطبيع علاقاته من رئيس النظام السوري بشار الأسد. ففي كانون الثاني/ ديسمبر 2022 تم لقاء ثلاثي بين وزراء الدفاع التركي والسوري والروسي في موسكو، في أول اجتماع وزاري بين تركيا وسوريا منذ عام 2011. لكن هذه المحادثات باءت بالفشل، إذ واصل النظام السوري انتقاده للوجود التركي في سوريا.

واعتبر الأسد أن الهدف من تطبيع العلاقات هو «إضفاء الشرعية على الاحتلال التركي في سوريا» حسب وصفه. ولكن هذا لم يقف عائقا من تواصل اللقاءات السرية بين الطرفين التي أفضت إلى تصريح اردوغان برغبته لقاء بشار الأسد الذي لا يزال يصر على لاءاته: الانسحاب من الأراضي السورية (وهنا يبحث عن إعادة سيادة نظامه على المناطق الخارجة عن سيطرته في محافظة إدلب وشمال حلب، والقضاء على انتفاضة جبل العرب في الجنوب السوري، وشمال شرق سوريا التي تسيطر عليها قسد، فهو اليوم يبسط سيادته على 60 بالمئة من مساحة سوريا) وقف دعم الفصائل «الإرهابية»(قوات المعارضة). والبدء بإعادة الإعمار.

محاولة تركيا التقارب مع نظام دمشق ليس حبا به، (وحتى لو كان صادقا فهو حب من طرف واحد). القرار التركي جاء بناء على مجموعة من العوامل الأمنية، والسياسية، والاجتماعية، والعامل الأول يتمثل بوجود حوالي 3 ملايين لاجئ سوري على الأراضي التركية الذين أصبحوا رأس حربة المعارضة السياسية في تركيا التي لا تفوت فرصة لاستخدامها ضد حزب العدالة والتنمية والحكومة التركية، ورغم أن المعارضة لم تنجح باستخدامها ورقة اللاجئين في الوصول إلى السلطة، فإن اللاجئين السوريين يواجهون إجراءات تعسفية من جهة، والاعتداءات المتكررة عليهم، وعلى ممتلكاتهم من قبل متطرفين أتراك كما حصل مؤخرا في القيصري، وغازي عنتاب من جهة أخرى. فاتفاق مع النظام السوري يمكن تركيا من إعادة ملايين السوريين إلى وطنهم بضمان النظام سلامتهم مع أن معظم اللاجئين لا يريدون العودة إلى حضن النظام. العامل الثاني والهام وهو رفض أنقرة بشكل قاطع وجود كيان كردي مستقل على حدودها، والمقصود هنا هي «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من قبل الولايات المتحدة (حليفة تركيا وهنا يبدو التناقض الكبير في سياسة أمريكا المناقضة للمصالح الأمنية التركية) فهي أعلنت أكثر من مرة نيتها في اعتماد الحل العسكري ضد «قسد» وفي كل مرة يتم تأجيل الهجوم لأكثر من سبب منها وجود قوات أمريكية في الأراضي التي تسيطر عليها «قسد» فتطبيع العلاقات مع النظام السوري سيحتم تغييرات كثيرة على مستويات عدة، أولا في المناطق المحررة التي تسيطر عليها فصائل المعارضة المسلحة بجميع أطيافها، ولا ترى بعين الرضا هذا التقارب الذي تعتبره أنه موجه ضدها طالما أن النظام السوري يعتبرها منظمات إرهابية ويريد أستعادة السيطرة عليها، أما القوات الكردية التي بنت استقلالا ذاتيا في شرق الفرات كي يكون نواة دولة انفصالية ترى بأن حلمها سيكون كابوسا يحتم عليها مواجهة مسلحة مع القوات التركية في حال انسحاب القوات الأمريكية، وفي حال لم تنسحب فذلك سيؤدي إلى صدام آخر بين واشنطن وأنقرة خاصة وأن واشنطن تفرض عقوبات على نظام دمشق وتطلب عدم تعويم نظام الأسد. هذا الوضع المعقد ليس من شأنه أن يسهل تطبيع علاقات الطرفين، ولن يكون المشوار سهلا. ويبدو أنه يأخذ شكل إكراه سياسي تفرضه المصالح أكثر من أي شيء آخر.

كاتب سوري

القدس العربي

————————–

دمشق – أنقرة: عودة الحديث عن «أضنة»/ نظام مارديني

الإثنين 22 تموز 2024

تتسارع وتيرة تصريحات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان ودعوته إلى إعادة العلاقات الطبيعية بين أنقرة ودمشق وإعلان استعداده للقاء الرئيس السوري بشار الأسد. وقد ردّ الأخير على هذه الدعوات بالقول «نحن إيجابيون تجاه أي مبادرة لتحسين العلاقة وهذا شيء طبيعي، لا أحد يفكر أن يخلق مشاكل مع جيرانه، ولكن هذا لا يعني أن نذهب من دون قواعد. اللقاء هو وسيلة، والوسيلة بحاجة إلى قواعد ومرجعيات عمل لكي تُنتج. وإذا لم تُنتج فقد تصبح العلاقات أسوأ». وكانت الخارجية السورية قد سبقت تصريحات الرئيس الأسد ببيانٍ شدّد على أهمية «انسحاب القوات الموجودة بشكل غير شرعي من الأراضي السورية، ومكافحة المجموعات الإرهابية التي لا تهدّد أمن سوريا فقط، بل أمن تركيا أيضاً».ولكن بعيداً عن الضجيج والتكهنات التي تواكب الحديث بشأن إمكانية حصول تقارب سوري – تركي، مع إعلان بغداد أنها تهيّئ لاحتضان حوار لمسؤولين من البلدين (تصريح وزير خارجية العراق فؤاد حسين من واشنطن في 13 تموز 2024) وبدعم روسي إيراني، فإن قرار الحوار راهناً سيشكّل تحدّياً جديداً لدمشق التي كانت أنقرة رأس حربة في العدوان عليها. كما سيشكّل الحوار تحدّياً لأنقرة التي، بدورها، وضعت كل ثقلها في دعم التنظيمات التكفيرية والإرهابية التي استجلبت من كل دول العالم وبطلب أميركي وتمويل من الدوحة، وهو ما أكده رئيس الوزراء، وزير خارجية قطر السابق، حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، بالقول: «أيّ دعم يذهب إلى سوريا كان يتوجّه إلى تركيا بتنسيق مع القوات الأميركية» (راجع تصريحه للتلفزيون القطري 25 تشرين الأول 2017).

ولرصد التغيير المحتمل، لا بد من العودة إلى الأساس، أي إلى العلاقات القائمة منذ اندلاع الأزمة في سوريا حتى اليوم:

1- إن تركيا عضو في حلف «الناتو»، أي في اصطفاف سياسي وعسكري يتناقض مع اصطفاف كل من سوريا وروسيا وإيران، علماً أن إيران وروسيا هما من مهّدتا لعقد اللقاءات التي تستكمل في بغداد.

2ـ إنّ تركيا من موقعها هذا مارست عدواناً ضد سوريا، وكان موقف أنقرة يستهدف الوصول إلى إسقاط الدولة السورية وتقسيم أراضيها.

3ـ ارتباطاً بذلك، دخلت أنقرة الحرب ضد سوريا بأشكال مختلفة سياسياً ودعم لا محدود لفصائل إرهابية شمل التدريب والإعداد والتسليح وتسهيل إدخالهم إلى الأراضي السورية، وبتمويل خليجي، وخاصة قطري، وترتيب أوضاعهم، وتبع ذلك التدخل العسكري المباشر واحتلال أراض سورية لحماية الفصائل الإرهابية، وبالتنسيق مع إسرائيل التي استقبلت بدورها جرحى هذه المجموعات الإرهابية في مستشفياتها.

في ضوء هذه الوقائع، بدأ التداول من جديد عن إمكانية إعادة اتفاق أضنة الأمني السرّي؛ الذي وقّعته تركيا وسوريا في 20 تشرين الأول 1998، إلى الواجهة، وإمكانية تعديله. ويتيح الاتفاق، في الملحق الرابع منه، للقوات التركية التدخل بعمق 5 كيلومترات على طول الحدود السورية التركية، في حال لم تستطع الدولة السورية ضبط الحدود، في إشارة إلى ضبط نشاط حزب «العمال الكردستاني». ورغم أن الأزمة السورية أوقفت اتفاقية أضنة، إلا أن الاتفاق من وجهة النظر الروسية لا يزال ساري المفعول من الناحية الفنية. ووفقاً لوجهة النظر الروسية، فإن اتفاقية أضنة هي الأساس القانوني لأيّ عمليات تركية داخل الحدود السورية، ولكن بالتنسيق مع دمشق.

وكان المسار السوري – التركي لإعادة العلاقات الطبيعية قد انطلق في ربيع عام 2022 بعدما خشي الكرملين من حصول مقايضة تركية – أميركية تؤدي إلى توسيع سيطرة أنقرة في شمال سوريا على حساب «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد)، مقابل موافقة الأتراك على انضمام فنلندا والسويد إلى «الناتو». لذلك، عارضت روسيا وإيران أيّ هجوم تركي لوّحت به أنقرة أواخر شهر أيار 2022، وتوسّطت موسكو للحيلولة دون الهجوم، وساهمت في ولادة مسار أمني عسكري سوري – تركي جديد اعتباراً من زيارة رئيس الاستخبارات التركية السابق هاكان فيدان لدمشق في أيلول 2022. سعت روسيا إلى رعاية مسار «تطبيع» بين أنقرة ودمشق يُمكّنها من ضبط التحركات التركية، وإغراء أنقرة بالبقاء قريبة من روسيا، خوفاً من سير تركيا بعيداً في الخطط الأميركية لحرب أوكرانيا. كما أن الروس أرادوا من إطلاق مسار تفاوضي بين دمشق وأنقرة إبقاء الملف السوري من اهتمامهم، وعلى الأخص بعد تراجع دورهم العسكري في سوريا لانشغال الكرملين في الحرب في أوكرانيا.

وتوّجت التحركات الروسية في سلسلة من المشاورات العسكرية والأمنية باجتماع وزراء الدفاع: التركي والسوري والروسي في موسكو، أواخر عام 2022. لاحقاً، تمكّنت إيران من فرض نفسها على المسار، وبذلك نشأت «الرباعية». استضافت موسكو اجتماعات الرباعية على مستوى نواب وزراء الخارجية مطلع نيسان 2023، ثم وزراء الدفاع في 25 نيسان، ثم وزراء الخارجية في 10 أيار. كان يمكن لهذه الاجتماعات أن تحقق خرقاً يمهّد للقاء رؤساء دول الرباعية، والذي كان إردوغان يُعوِّل عليه، كي يدعم حظوظه في انتخابات الرئاسة التركية (التي جرت في 14 أيار 2023).

منذ وصول إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى السلطة مطلع عام 2021، أخذ التغيير في السياسة الخارجية التركية منحىً أكثر شمولاً وعمقاً في إطار مقاربة ذات أبعاد سياسية وأمنية واقتصادية مع تزايد مخاوف أنقرة من تنامي الدعم الأميركي لـ«قسد» في شمال شرق سوريا.

وقد دفعت هذه التحدّيات السياسية والاقتصادية والأمنية الرئيس إردوغان إلى إجراء تغييرات واسعة في سياسته الخارجية، شملت تحسين العلاقات مع السعودية، والإمارات، ومصر، وإيران، وغيرها، كأننا إزاء عودة إلى تفعيل سياسة «صفر مشاكل» التي تبنَّتها تركيا مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في تشرين الثاني 2002. وإذا كانت عوامل مختلفة قد دفعت أنقرة إلى تغيير كامل لمقاربتها الإقليمية، فقد كان للعلاقة مع سوريا خصوصية إضافية واضحة ممثلة بصراع مرير مع الدولة السورية نتج منه وجود نحو 3.7 ملايين لاجئ سوري في تركيا.

ما تريده تركيا من إعادة العلاقات الطبيعية مع دمشق يتلخص في السعي إلى توفير مناخ آمن لبدء عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، ونزع ورقة اللاجئين بالتالي من المعارضة التركية. وتستهدف تركيا من إعادة العلاقات مع دمشق أيضاً الاتفاق على آلية مشتركة للتعامل مع التنظيمات الكردية السورية، ليس لحماية الأمن التركي المباشر وحسب، ولكن أيضاً لمنع قيام «كيان كردي» ما على الجانب السوري من الحدود. ولأن الوجود العسكري الأميركي في سوريا وثيق الصلة بوجود الفصائل الكردية، يعتقد الأتراك أن تعاونا تركياً – سورياً لإعادة الدولة السورية إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة «قسد» سيُفضي في النهاية إلى خروج الأميركيين من سوريا.

ليس ثمّة شك في أن دمشق تشاطر الأتراك هدف احتواء التنظيمات الكردية والتخلص من الوجود الأميركي. ولكنْ لدمشق أهداف أخرى من عملية تطبيع العلاقات مع أنقرة. فكما أن خروج أميركا من سوريا يجعل من السهل بسط نفوذ نظام دمشق على الحدود من شمال شرق البلاد وشرقها، فإن موافقة تركيا على الانسحاب من الشريط الشمالي غربيّ الفرات يعني عملياً نهاية الجماعات الإرهابية واستعادة الدولة قطاعاً كبيراً من الأرض السورية. ولأن الاقتصاد السوري وصل فعلياً إلى حدّ الانهيار، فإن المصالحة مع تركيا قد تساعد على عودة الآلاف من الأيدي العاملة السورية، وعلى عودة جزء ملموس من رأس المال السوري الذي هجر البلاد إلى تركيا.

* صحافي

الأخبار

———————

عن مستقبل إدلب بعد تطبيع تركي مع الأسد/ أحمد مظهر سعدو

تطلّ أسئلة كثيرة مشروعة في الشارع السوري، خصوصاً في محافظة إدلب، وفي الشمال السوري، بشأن المصير المُتوقّع والمُحتَمَل لأوضاع أكثر من ثلاثة ملايين سوري باتوا يعيشون في محافظة إدلب وما حولها، بعد التهجير القسري السابق، الذي طاول بنتائجه الكارثية مئات آلاف السوريين الذين التجأوا في مناطق خارج سيطرة النظام خوفاً من القمع والاعتقال، والرعب المنتشر في كلّ مكان توجد فيه قوات النظام أو مليشياته، أو مليشيا إيران وحزب الله، وتوابعهما ضمن أماكن تموضع وانتشار أدوات نظام بشّار الأسد ومليشياته.

يعيش أهالي محافظة إدلب وقاطنيها حالة من الخوف والتخوّف جرّاء سماعهم أخبار التقارب أو التطبيع المُتوقّع بين الدولة التركية ونظام الأسد، وهم في ذلك إنّما يُعبّرون دائماً عن تخوّفهم من المجهول، الذي أصبح قريباً في نتائجه، فيما لو تمّ الحوار بين الطرفَين، ونتجت عنه تفاهمات جديدة، وتوافقات قد لا تأخذ بالاعتبار حيوات السوريين، بل تذهب إلى إنفاذ مصالح الدولة التركية، وأيضاً مصالح نظام بشّار الأسد، وهو الذي ما انفكّ ونظامه يومياً يهدّد أهالي إدلب، وحاضنة المُعارّضة السورية، بأنّه ما زال يعتبرهم أعداء سياساته ونظامه، وسوف يقتصّ من الذين عارضوه أو وقفوا ضدّه كلّهم منذ أواسط شهر مارس/ آذار 2011، وبدء ثورة الحرّية والكرامة، وهو لم يألُ جهداً في محاولاته المستمرّة لقضم بعض الجغرافيا من أراضي إدلب كلّما سمحت له الظروف العسكرية والسياسية، بعد أن تمكّن سابقاً من السيطرة على مدن خان شيخون، ومعرّة النعمان، وسراقب، عام 2020، وكثير من الريف الحموي والريف الحلبي، قبل أن يُعلَن التفاهم التركي الروسي في 5 مارس 2020، الذي وقّع بموجبه اتفاق إدلب المعروف (في موسكو، اتفق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيّب أردوغان على وقفٍ لإطلاق النار في إدلب، وعلى إقامة ممرّ أمني وتسيير دوريات مشتركة).

تهديدات النظام السوري المستمرّة لأهالي محافظة إدلب تستند إلى دعم إيراني مليشياتي، وروسي أيضاً، عبر الاستمرار في شيطنة كلّ من يسكن أو يقطن محافظة إدلب والشمال السوري، واعتباره إرهابياً، حسب الرؤية الأسدية، ولا بدَّ من قطع دابر الإرهاب في الشمال، حسب وصفهم. وتبقى المشكلة في عدم قدرة المُعارَضة السورية، بكلّ ألوان طيفها، على طمأنة السوريين في إدلب والشمال السوري، وهي (المُعارَضة) التي اكتفت بإصدار البيانات الضبابية، بل المتهرّبة والمتملّصة من الإجابة عن “أسئلة المصير”، علاوة على عدم قدرتها على التواصل والاطمئنان مع وإلى الصديق والحليف التركي، وهي التي عجزت عن حماية السوريين في تركيا من ممارسات عنصرية فجّة ومقيتة، باتت شبحاً مخيفاً ما زال يحدّ من حركة السوريين داخل الأراضي التركية. أمام هذا الواقع المرّ، كيف للمُعارَضة السورية الرسمية الإمساك بناصية الحقّ والحقيقة، والإسراع إلى شعبها وطمأنته على مصيره المقبل إذا ما حصل التطبيع، وانبثقت التفاهمات الجديدة، وهو ما بات على الأبواب كما هو واضحٌ رغم التعثّر؟

أمّا الحكومة التركية، وضمن سياساتها الجديدة المتسارعة وصولاً إلى إنجاز التفاهم والتطبيع مع نظام بشّار الأسد، ما زالت هي الأخرى حائرةً بين قوّة ضغط مصالحها الوطنية بعودة اللاجئين السوريين إلى أراضيهم، والذين جاوز عديدهم لديها عتبة الثلاثة ملايين ونيّف، وبين إنجاز متطلّبات الأمن القومي التركي المُهدّد ممّن هم في شمال شرقي سورية، بوجود تنظيم حزب العمّال الكردستاني، والدعم الأميركي الذي لم يتوقّف لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وكذلك الوضع الاقتصادي الصعب في تركيا، واستمرار ارتفاع مُؤشّر التضخّم، وانخفاض الليرة التركية المتواصل. ما زال ذلك كلّه يدفعها، وبسرعة، إلى تحقيق أيّ تفاهم مع بشّار الأسد، عبر ضغوط روسية متواصلة لا يبدو أنّها قد يئست من الاستمرار في تفاهماتٍ جديدة بين تركيا ونظام بشّار الأسد، مهما أصاب العملية التفاوضية المزمعة من تعثّر وعثار كبيرَين، إذ تساهم في هذا العثار والإعاقة دولة إيران الملالي، التي ترى أنّ التطبيع بين الطرفَين لم يعطها أيّ ضمانة في الحفاظ على مصالحها دولةً مهيمنةً ومُحتلّةً لأجزاء كبيرة من الجغرافيا السورية.

من هنا، يزداد واقع السوريين في إدلب اضطراداً في ماهيّة الخوف والتخوّف من التطبيع، إذ لا أمل ولا ثقة بنظام الأسد، ولن يكون مُتاحاً للسوريين الارتهان لأيّ سيطرة للنظام السوري الاستبدادي في إدلب من دون حدوث عمليات تنكيل خطيرة وكبيرة، من الممكن أن تحدث حتّى لو جرت اتفاقات جديدة ما بين النظام السوري وتركيا، إذ إنّ هذا النظام كان وما يزال يكذب في كلّ شيء، وهو غير صادق في توافقاته أو وعوده كلّها. وبالتالي، فإنّ مصير حيوات الناس في محافظة إدلب باتت على المحكّ، ولا أمل مُطلقاً في دخول النظام السوري ضمن أيّ عملية سياسية جديدة اتكاءً على القرارات الأممية ذات الصلة، وهو الذي مازال يسوّف في مسائل وجولات اللجنة الدستورية، التي توقّفت قبل أن تنجز أيّ صياغة، لأيّ مادة دستورية، بعد أكثر من ثماني جولات متتابعة لللجنة الدستورية.

لا مناص أمام السوريين من الالتفاف بعضهم حول بعض، وإدراك أنّ للأتراك مصالحهم وللسوريين أيضاً، وهذه مسألة لا بدّ من أن يدركها جميع السوريين، ليكونوا صفّاً واحداً وسدّاً منيعاً في هذا المجال، أمام أيّ تنازلات قد تقدمها بعض فصائل المُعارَضة السورية العسكرية، التي وضعت البيض كلّه في سلّة الخارج، أو في منصّات المُعارَضة الرسمية السورية، التي ما زالت تائهةً في ملكوت مصالحها ومحاصصاتها، ومن ثمّ توخي إرضاء الصديق وعدم عرقلة مساعيه، لكنّها لا يجب أن تنسى تضحيات شعبها السوري الأصيل، الذي ضحّى بأكثر من مليون شهيد على مذبح الحرّية والكرامة، وما زال يتابع التضحية شهيداً إثر شهيد. هذا الشعب السوري الذي ما برح يبحث عن مصائر مُعتقَليه في سجون الطاغية، وما زال يحلم بدولة المواطنة وسيادة القانون وبناء العقد الاجتماعي السوري الجامع، إذ قام بثورته من أجل ذلك كلّه، ولم يتحقّق منها شيء وسط أجواء عالمية مفتوحة أصبحت منشغلة في أمور ومشاكل أخرى، متخلّيةً عن مصائر السوريين، وتاركة إيّاهم بين أيدي الجلّاد المُستبدّ من دون أن تُؤتي أيّ أُكلٍ يُرجى.

———————

مصالح روسيا تحت عين تركيا/ عمر الشيخ

بعد أن نقل ألكسندر لافرنتييف، مبعوث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، رسالة تطلب من بشّار الأسد العمل بجديّة من أجل إعادة علاقات نظامه مع تركيا بشكل واضح، جاءت تصريحات الأسد، على الفور، بالترحيب والانفتاح على تركيا.

وليس هذا التقارب طارئاً، كانت بذور التطبيع التركي مع نظام الأسد تنضج تدريجياً، منذ عامين تقريباً، حيث زار دمشق، رئيس جهاز المخابرات التركية السابق (وزير الخارجية الحالي)، هاكان فيدان، بهدف التنسيق الأمني مع مخابرات الأسد، بتوجيه روسي، ومن خلفه جملة مخاوف على مصالح الروس في سورية، وذلك بعد أن أدخل بوتين بلاده حرباً طويلة مع أوكرانيا.

لم تكن نيّة النظام السوري المحرّك الأساسي في تدوير عجلة العلاقات بين الأسد وتركيا، ولو كان ذلك من باب تبادل التطمينات الأمنيّة طوال العامين الفائتين، أو ربّما قبل ذلك بسنوات قليلة، إنّما هو البحث المستمرّ من أجل حفظ ماء وجه القوى الدولية المُتصارعة في المنطقة؛ والتي في جميع الأحوال سهّل وجودها اختراقات جويّة مستمرّة سمحت لإسرائيل باستهداف العدو الخفيّ لروسيا في سورية، إيران، والتي هي هنا بيت القصيد! النيّة في التطبيع، حتّى العربي، مع الأسد، هي حركة نابعة من مصالح روسيا ورغبتها بالحفاظ على نظام الأسد، وحمايته من أعدائه وحلفائه، حتّى من الوجود الإيرانيّ الذي بات مكشوفاً يوماً بعد آخر.

ثمّة استهداف لا حدود له تقوم به إسرائيل لكلّ ما يخص إيران في سورية، وقد وصل ذلك إلى قصف مراكز الرعاية الاجتماعية والتعليمية الإيرانية التي نادراً ما يتمركز فيها عسكريون إيرانيون. بالتالي، لا يمكن الاعتماد على إيران للتحالف من أجل حماية مصالح روسية الاستراتيجيّة في سورية.

والإيرانيون منذ بداية الصراع في سورية، كان همّهم التغيير الديمغرافيّ للبلاد، نشر التشييع وفرض سرديّات طائفيّة في المنطقة؛ في نوع من تعزيز الوجود الثقافيّ على المدى البعيد، وذلك السلوك الإيرانيّ، هو على ما يبدو ما تُعيبه روسيا حالياً على المستويين السياسيّ والعسكريّ، وتظنّ أنّ شراسة الوجود الإيرانيّ، المذعور، لا يمكنها حماية أصحابه، فعلياً، على الأراضي السورية، ولعلّ استهداف مكتب للسفارة الإيرانيّة في دمشق، في مايو/ أيار الماضي، كان خير دليل إقليميّ لفهم مدى الضعف الأمنيّ الذي تعانيه إيران في سورية.

وبما أنّ الوجود التركيّ شمال سورية يهيمن استراتيجياً وسياسياً على الأجسام العسكريّة المسلّحة التابعة للمعارضة السورية بمختلف فصائلها وتوجهاتها، وحتى تضمن روسيا حليفاً متوازناً ويمتلك قوة سورية هي المعارضة المسلحة التي قد تهدّد جيش الأسد، بمقدار محدود، وكذلك القواعد الروسية في سورية، فيما لو رغبت تركيا بالتلويح بأوراق ميدانية لتعزيز هيمنتها شمالاً، مثل ملف “قسد” أو ملف المعابر الحدودية، إضافة إلى التضييق على اللاجئين السوريين في أراضيها. وردّاً على المبادرة الروسية باقتراح اجتماع مشترك لممثلين عن نظام الأسد وعن تركيا، كانت الأخيرة ترى أن يلتقوا في بغداد من دون إعلام ومن دون وجود طرف ثالث.

ويمكن لنا فهم ما حدث، أخيراً، في الشارع التركيّ من سلوكيات تعكس أفعال القبول ضد معارضي الأسد في مدن تركيا الحدودية مع سورية، إذ رأينا كيف اشتعلت في بعض المناطق أحداث دامية رافقها تحطيم ممتلكات للاجئين سوريين في تركيا، وتسويق كبير لكراهية مباشرة عبر منصات إعلامية غير رسمية أدّت مهمتها على أكمل وجه، حسب ما رأينا، وذلك ما دفع الفصائل العسكرية المعارضة والمدعومة من تركيا، شمال سورية، لأن تسجل موقفاً عبر تمزيق الأعلام ومهاجمة هيئات تركية في المناطق السورية الواقعة تحت يدها.

لقد تركت الحكومة التركية كلّ ذلك التحريض ضد اللاجئين السوريين، يأخذ طريقه ويتسع، وبعد قرابة يومين بدأت تتحرّك، وراحت تُصدر بيانات رسمية تدين الأتراك الذين حطّموا مصالح اللاجئين، اعتقلت معظمهم، بحسب قولها. لقد دانتهم في إعلامها الرسمي، لكن من دون أن نعلم حقاً ما هي الإمكانية الفعلية المتاحة لأن تضبط (الحكومة) مجتمعاً انتشرت فيه سمعة معيبة، قصص مرعبة، مفتعلة أو واقعية تداعت بعد زعم يدور عن لاجئ سوري قيل إنه “تحرّش بقاصر تركية” في منطقة قيصري، التركية، وكيف يمكن لذلك كله أن يهدأ؟ لن يكن هناك من حلّ قريب، ربّما، سوى ترحيل كلّ من لم يعد يشعر بالأمان في تركيا من اللاجئين السوريين أو أن يكون يداً بيد مع مصالح تركيا مهما كانت، بما فيها التطبيع مع الأسد وروسيا وقبول الجلوس للتفاوض من أجل فتح أقنية تبادل المصالح، ولتذهب حقوق اللاجئين أدراج الرياح. التهم جاهزة لهم، ولن يعاني منها الأفراد بصفتهم لاجئين، إنما ستأتي آثارها على كل الجالية السورية في تركيا والتي يشكل جلّها اللاجئون.

هناك تقليل متوقّع من امتيازات حلفاء تركيا في الجانب السوري من معارضة مسلحة ولاجئين، وربّما يُمارس ضغط إعلامي على قرارهم وتحركهم إلى حدّ يجعل نظام الأسد يستوعب مدى تأثير هذا الحليف الروسي على الأرض، وأن مسألة فتح المعابر الحدودية وتعزيز اقتصاد حلفاء النظام أمر بيد تركيا، وليست هيئة تحرير الشام سوى شريك مقاولٍ في إدلب، وسوف تضمن تركيا الضربات المتفق عليها لمواقع جيش الأسد من دون إلحاق الضرر بمصالح روسيا أو عمليات التنقيب المستمرّة عن النفط والغاز في البرّ والبحر. وفي المقابل، ما هي الأشياء المتوقعة التي قد تطلبها تركيا من روسيا بخصوص مصالحها على الأرض؟

بالرغم من نوعية العمليات العسكرية التي قامت بها تركيا في سورية خلال السنوات الماضية، وكان مبرّرها الحدّ من نشاط الأكراد شمالاً، إلا أنها، وبصورة جازمة، تسعى باستمرار إلى ابتلاع مزيد من المناطق شمال سورية لسببين أساسيين: أبرزهما مراقبة العمليات الأميركية قرب حقول النفط ومعسكرات اعتقال “داعش”، وثانيهما إضعاف أيّة قوة عسكرية كرديّة معادية لها على الحدود الطويلة نسبياً مع سورية. وهكذا يصبح بالإمكان وضع اللاجئين السوريين بثقل أكبر في المناطق التي تهيمن عليها تركيا شمالاً، وبموافقة وضمان روسيين حتى لا تتسرّب أي أفكار معارضة ثورية إلى الداخل السوريّ، وليتمكّن إعلام الأسد من وصم هؤلاء بأقذع الألقاب بعد أن تحولت أحلامهم إلى ورقة تفاوض عليها الدول اللاعبة بمصير سورية، دول لن تتوقّف لحظةً عن التفكير بمستقبل السوري وحريته وأمنه، وسيبقون على أرض سورية تحت وصاية أجنبية على منوال شمال قبرص.

———————-

مخاطر اندلاع حرب «تموز» جديدة على الملف السوري/ محسن المصطفى

19 – يوليو – 2024

تعود الذكرى الثامنة عشرة لحرب تموز/يوليو 2006 للأذهان ولكن بطريقة مختلفة عن السنوات السابقة، فالمنطقة مُشتعلة أساساً منذ أكثر من عقد بعد موجات الربيع العربي، وأعادت أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 الوضع للاشتعال مجدداً على مستوى إقليمي في الشرق الأوسط، وما تلاه من أحداث وتطورات بعد الهجوم الإسرائيلي على غزة، بالإضافة لدخول «حزب الله » بشكل خجول – على خط المواجهة مع إسرائيل، وبغض النظر عن فعالية المواجهة ومدى عمقها، إلا أن إسرائيل تهدد بشكل مباشر بشن عملية عسكرية في جنوب لبنان لإبعاد الحزب إلى حدود نهر الليطاني وهو الهدف العسكري الذي حاولت إسرائيل الوصول إليه في تموز/يوليو 2006.

لا تتشابه أوضاع المنطقة مع ما كانت عليه سابقاً، فلبنان يعاني من أزمة سياسية ومالية خانقة ومعقدة، ناهيك عن عدم وجود استقرار في المنطقة عموماً على خلفية ما جرى في سوريا منذ عام 2011 وما تلاه من أحداث، وحتى الوجود الإيراني في سوريا يبدو أنه لن يستطيع تقديم الكثير في أي حرب مقبلة، وسبق أن تم اختباره كثيراً من خلال الاستهداف الإسرائيلي المتكرر لمواقعه. من المؤكد أن إسرائيل لن تتوانى عن استخدام آلتها الحربية لتدمير البنية التحتية في لبنان وبالأخص في مناطق سيطرة الحزب أسوة ما قامت به في غزة وفي حروبها السابقة، وهو ما سينعكس على البيئة الحاضنة لحزب الله بشكل مباشر وستكون له تبعات أخرى في الساحة السورية.

سيناقش هذا المقال، الأخطار المحتملة للحرب في حال وقوعها وانعكاس ذلك على الوضع في سورية من خلال نزوح مئات الآلاف من البيئة الحاضنة لحزب الله إلى مناطق في سوريا، ووضع اللاجئين السوريين في لبنان، واستغلال نظام الأسد للوضع الجديد لابتزاز المجتمع الدولي ومنظماته.

تغيير ديموغرافي

نزح إلى سوريا في حرب تموز/يوليو 2006 أكثر من 200 ألف شخص توزّعوا، بين دمشق وريفها، وريف حمص واللاذقية وحلب، بالإضافة لآلاف آخرين دخلوا سوريا دون أي عملية تسجيل على الحدود سواء مع أوراق ثبوتية أو من دونها، كما فتح السوريون منازلهم وبيوتهم للنازحين اللبنانيين بالإضافة لتقديم دعم غير محدود لهم، بالإضافة لتسهيلات جمّة قدمتها سوريا على مختلف المستويات من أعلاها إلى أدناها، حتى انتهاء الحرب وعودة النازحين اللبنانيين إلى بلدهم.

يكمن الخطر الحقيقي اليوم في حال اندلاع الحرب، بنزوح مئات آلاف اللبنانيين من البيئة الحاضنة للحزب إلى مناطق سيطرة النظام والمناطق التي تملك إيران وحزب الله نفوذاً واسعاً فيها، صحيح أن هناك آلاف المنازل المدمرة بفعل النظام وإيران والحزب، إلا أن هناك مناطق أخرى تم تهجير السوريين منها ويمكن العيش فيها، ومع قلة الخدمات والبنية التحتية الضعيفة أصلاً، إلا أنها تبقى أفضل من العيش تحت القصف الإسرائيلي المدمر، حيث توحي الحرب في غزة أن إسرائيل ستدمر أضعاف ما دمرته 2006، خصوصاً في الضاحية الجنوبية في بيروت والتي تعد معقلاً للحزب بعدد سكان يتجاوز المليون نسمة.

تعتبر مناطق القلمون الغربي وبالأخص الزبداني ومضايا بالإضافة لريف حمص الغربي وكذلك مناطق ريف حلب الجنوبي ومدينة حلب ودير الزور المناطق الأكثر عرضة لنزوح شيعة لبنان إليها، كون حزب الله يملك سيطرة أو سطوة في هذه المناطق على خلفية مشاركته في الحرب في سوريا، ومع طول أمد الحرب وكمية التدمير الواسعة في مناطقهم الأصلية سيبحث هؤلاء عن مقومات الاستمرار والعيش في المناطق التي نزحوا إليها خصوصاً أن الراتب المدفوع للمقاتل من الحزب يمكن له أن يُعيل عائلته في سوريا أكثر بكثير مما يُعيلها في لبنان، بالإضافة لتكثيف المنظمات الإنسانية المدعومة من إيران وحزب الله أنشطتها داخل سوريا، بالتزامن مع أي تسهيلات مقدمة من نظام الأسد لهم والتي لا يشترط أن تكون تسهيلات مكلفة مادياً بقدر ما تكون تسهيلات قانونية ولوجستية باستطاعته تقديمها بما يخدم مصالحه.

لا شكّ أن نتائج الحرب ستكون كارثية على لبنان، فالوضع المالي لإيران وحزب الله ليس جيداً بما فيه الكفاية للإسهام بإعادة إعمار سريعة للمناطق المدمرة، خصوصاً أن لا أموال خليجية آتية للإعمار بشكل مشابه لما حدث بعد 2006، علماً أن تدمير حزب الله وتشكيل ضغط على إيران مصلحة سعودية ستقدمها إسرائيل كعربون “محبة” في سبيل التطبيع معها، وهذا يعني أن مُكوث النازحين اللبنانيين في سوريا سيكون طويلاً ومتناسباً مع جهود الإعمار في لبنان، ولكن الأكيد أيضاً أن نتائج الحرب ستكون غير سارة للبيئة السورية المعارضة من هذه الناحية، وذلك بعيداً عن الموقف المضاد من حزب الله أساساً، وحتى البيئة الموالية للنظام قد تشعر بالتهديد نوعاً ما، سواء نتيجة المزاحمة على الخدمات الأساسية أو حتى أبعد من ذلك على المستوى العقدي حفاظاً على الكينونة العلوية في سوريا.

يتبع نظام الأسد خطاً واضحاً في محاولات السيطرة على أملاك السوريين الذين قتلهم أو هجّرهم، وسبق له أن شرّع عدة نصوص قانونية أو إجرائية تُسهم في نزع الملكيات وإن لم يكن بشكل سريع، ولكنها تشكل خطراً مستمراً ومستداماً على مستقبل عودة اللاجئين السوريين إلى مناطقهم الأصلية، ومع وجود بديل شيعي موال عوضاً عن السُنة المعارضين، ولا يُستبعد أن يقوم النظام بتسريع عمليات نزع الملكية والاستيلاء على ممتلكات المهجرين في سبيل تحويلها لأملاك دولة ثم منحها لموالي الحزب بعد منحهم الجنسية السورية، ضمن إطار المجتمع المتجانس الذي سبق وأن تحدث عنه الأسد.

اللاجئون السوريون

يعيش في لبنان أكثر من 800 ألف لاجئ سوري مسجّلين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بينما تُقدّر الحكومة اللبنانية عددهم بأكثر من ذلك بكثير، وأقرت الحكومات المتعاقبة السنوات الأخيرة خططاً متواصلة لإعادتهم إلى سوريا، حيث شهدت الأشهر الأخيرة زخماً كبيراً في سبيل إعادتهم من خلال التضييق المباشر عليهم وإعادة بعضهم قسراً، حيث فقد بعضهم حياته في معتقلات النظام.

وفي حال توسع رقعة الحرب، سيعاني اللاجئون السوريون بشكل أكبر نتيجة توسع دائرة الأشخاص ممن هم بحاجة للمساعدة وهو ما سيشكل ضغطاً على المنظمات الدولية والإنسانية العاملة في لبنان، وسيكون أمامهم عدة سيناريوهات مريرة، سواء المخاطرة والعودة إلى سوريا وهذا ينطبق بشكل أكبر على اللاجئين ممن لا يملكون توجهاً سياسياً معيناً وإنما كان نزوحهم نتيجة العمليات العسكرية والخوف من عمليات الانتقام، أما المعارضون والمطلوبون أمنياً قد يحاولون الهروب عبر البحر إلى أوروبا، وهو ما يشكل خطراً مباشراً على حياتهم كما حدث في عمليات تهريب سابقة، وآخرون سيفضلون البقاء في لبنان على الرغم من كافة الأوضاع السيئة المرافقة للحرب، ولا يستبعد أن يقوم حزب الله بتجنيد بعضهم وبالأخص الموالين لنظام الأسد.

يضاف إلى ذلك، قد تجبر الحرب بعض اللاجئين ممن لا يستطيع العودة لسوريا أو الهرب عبر البحر على النزوح مرة أخرى داخل لبنان بحثاً عن مناطق أكثر أمناً، مما يزيد الضغط على المجتمعات اللبنانية التي تعاني من نقص الموارد وتردي الخدمات. ومع تضرر البنية التحتية نتيجة الحرب سيزداد الضغط بشكل أكبر على تلك المجتمعات، مما يشكل تهديداً على المستوى المجتمعي ويفتح أبواباً جديدة للصراع والعنصرية والكراهية نتيجة المنافسة على المساعدات الإنسانية والخدمات الأساسية.

على الرغم من إعلان الاتحاد الأوروبي عن تقديم حزمة مساعدات للدولة اللبنانية بقيمة مليار يورو، كان الهدف الأساسي منها هو الحد من الهجرة غير الشرعية للاجئين السوريين إلى قبرص، التي وصل إليها منذ بداية 2024 ما يقارب 3،500 شخص على متن قوارب الهجرة، وفي حال اندلاع الحرب ستتضاعف هذه الأعداد بشكل مخيف، وسيكون المجتمع الدولي أمام أزمة كبرى إضافية بالتوازي مع ما يحدث في غزة وسابقاً في سوريا.

الحرب فرصة لنظام الأسد

تشكل أي أزمة إقليمية فرصة لنظام الأسد من أجل الاستفادة منها، وسبق لعدة تقارير تحدثت عن وجود طلبات له بعدم التدخل فيما يحدث في غزة على أن تتم مكافأته بالمقابل، وسيحاول النظام جاهداً ضبط الميليشيات المتفلتة في المنطقة الجنوبية قدر الإمكان، وذلك في سبيل تحقيق المزيد من المكاسب ولن يفوت أي فرصة تمنحه موقعاً أفضل للتفاوض مع المجتمع الدولي والمنظمات الأممية والإنسانية الأخرى، في سبيل طلب المزيد من الدعم الإنساني والمادي وتوجيه المزيد من الأموال لمشاريع التعافي المبكر، بالإضافة لذلك الضغط أكثر على الدول الغربية وخصوصاً دول الاتحاد الأوروبي لرفع العقوبات أو على الأقل تخفيفها إلى أقل حد ممكن، والاستفادة من الاستثناءات الممنوحة له من قبل الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة على خلفية زلزال شباط/فبراير 2023.

تكمن كلمة السر بدعم مشاريع التعافي المبكر بالتزامن مع طرح مبادرة أممية لإحداث صندوق للتعافي المبكر في سوريا، والتي يمكن أن تشكل جهوداً لإعادة الإعمار بطريقة مقنعة تحت ذريعة الجهود الإنسانية لتخفيف آثار الحرب سواء الناجمة عما حدث في سوريا بعد 2011 أو الناجمة عما قد يحدث في لبنان، مما يشكل خرقاً للعقوبات الغربية ويشرع باباً عريضاً للدعم، والذي قد لا يتوجه لدعم المحتاجين فعلاً بقدر ما يتم توجيهه والاستفادة منه من قبل نظام الأسد ورجالات حكمه.

ستخلق الحرب مساحة إضافية لزيادة انخراط نظام الأسد في المجتمع الدولي باعتباره أحد أهم اللاعبين في هذا الملف سابقاً، وبالتالي احتمالية عودته كلاعب من جديد، ولكن بإمكانيات أقل مما كان عليه سابقاً، بالإضافة لتعزيز مسار التطبيع العربي معه، وربما تسريع عملية التطبيع التركي معه، نظراً للموقف التركي المعادي حالياً لإسرائيل في المنطقة، كما سيؤدي إلى فتح مسارات إضافية للتطبيع الدولي وبالأخص الأوروبي، للوصول لاحقاً إلى كسر سلسلة “لا” (للتطبيع – لرفع العقوبات – لإعادة الإعمار)، وهو ما سيؤثر بشكل مباشر على مستقبل العملية السياسية وفق القرار الأممي 2254، علماً أن مستقبلها غير مبشر حتى من دون وجود الحرب أو انعكاساتها.

يمني السوريون ممن ساهم حزب الله في تهجيرهم أنفسهم برؤية الحزب ومقاتليه يقتلون ويعانون، بغض النظر عن موقفهم من طرفي النزاع، وإن الفائدة المتأتية من حرب إسرائيلية على حزب الله لن تنعكس بشكل كبير على الواقع العسكري بين النظام والمعارضة، ولن تغير ميزان القوى على الأرض حتى ولو قام حزب الله بسحب بعض مقاتليه من سوريا فهو ببساطة لن يتخلى عن المكاسب العسكرية والسياسية التي حصل عليها بعد تدخله في سوريا، هذا فضلاً عن تجميد الملف السوري عموماً والعلميات العسكرية خصوصاً بعد اتفاق وقف إطلاق النار الروسي – التركي القائم منذ 2020، وما تبعه أخيراً بوجود مسار التطبيع التركي مع نظام الأسد. وهذه الحرب بالرغم من بعض إيجابياتها إلا أنها قد تحمل معها عدة أضرار نتيجة التغيير الديموغرافي المحتمل ووضع اللاجئين السوريين ومنح نظام الأسد ورقة مفاوضات مع المجتمع الدولي.

إن أخطر تأثير للحرب على الملف السوري هو التغيير الديمغرافي والذي لا تملك المعارضة أي أدوات فعّالة للتأثير فيه، وهذا ينطبق أيضاً على ملف اللاجئين السوريين في لبنان، أما فيما يتعلق بالمجتمع الدولي والمنظمات ما زالت اللوبيات المحسوبة على المعارضة تملك مساحة مقبولة نوعاً ما للتأثير من خلال العقوبات الغربية، ولكن حتى هذه الأخيرة يمكن كسرها من بوابة المساعدات الإنسانية أو من خلال بعض القصور في آليات العقوبات ذاتها.

لا تتوقف المخاطر عند تلك الجوانب خصوصاً في حال توسع رقعة الحرب لتشمل الجبهة السورية، نتيجة دفع إيران لميليشياتها لفتح جبهة الجولان وعدم قدرة النظام على ضبط تلك الميليشيات، إلا أن احتمال حدوث ذلك يبقى ضعيفاً نتيجة الموقف الروسي الذي يحاول ضمان استقرار نظام الأسد واستثمار نجاحه العسكري سياسياً، وهو ما دفعه أساساً لنشر نقاط مراقبة عسكرية قريباً من الحدود في الجنوب.

يبقى احتمال نشوب الحرب قائماً وبالتالي الأخطار المتأتية عنها، طالما لم يتم التوصل لاتفاق يُعيد الأوضاع على الساحة اللبنانية إلى ما كانت عليه قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، أو الوصول لاتفاق جديد مطور عن القرار الأممي 1701، حيث تملك إسرائيل الضوء الأخضر من قبل الولايات المتحدة وأغلب دول الاتحاد الأوروبي لتنفيذ أي عملية عسكرية من شأنها ضمان “أمنها الإقليمي”، ولكن هذا الضوء قد يتحول لأزمات إنسانية جديدة في المنطقة، وبالتأكيد لن تدفع ثمنها المجتمعات المحلية فحسب بل المجتمعات والدول الغربية أيضاً والتي ما زالت على الرغم مما يحدث في الشرق الأوسط منشغلة أيضاً بما يحدث في قلب أوروبا منذ سنوات.

باحث سوري

القدس العربي

—————————

 إعلام روسي: بوتين لم يطلب من الأسد لقاءَ أردوغان

الخميس 2024/07/25

كشفت وسائل إعلام روسية أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يطلب من رئيس النظام السوري بشار الأسد، اللقاء مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وأعلن الكرملين صباح الخميس، عن زيارة غير معلنة قام بها الأسد إلى موسكو الأربعاء، اجتمع خلالها مع بوتين، وبحثا التسوية السياسية والوضع في المنطقة المحيطة بسوريا.

ونقلت قناة “روسيا اليوم” عن مصادر قريبة من اللقاء بين الزعيمين، أن الاجتماع “لم يبحث” اللقاء المحتمل بين الأسد وأردوغان، كما “لم يطلب بوتين من الأسد اللقاء بأردوغان”.

وأوضحت أن بوتين على “اطلاع تام مسبق” من مبعوثه الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف، على موقف الأسد من العلاقة من تركيا، “والتي يجب أن تنطلق من أسس ومرجعيات حول الانسحاب التركي من الأراضي السورية، وكذلك مكافحة جميع التنظيمات الإرهابية في الشمال السوري”.

وتحدثت المصادر عن “توجهات متطورة للعلاقات الاقتصادية بين سوريا وروسيا يرغب بها الرئيس بوتين”، حيث “يريدها أن ترقى إلى مستوى العلاقات السياسية والعسكرية”.

وخلال مؤتمر صحافي، قال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن بوتين والأسد ركّزا في محادثاتهما على الوضع في سوريا وما حولها، مؤكداً أن “موضوع التسوية السياسية والوضع في المنطقة المحيطة بسوريا، كان هو الموضوع الرئيسي في الاجتماع”، وفق ما نقلت وكالة “تاس” الروسية.

ورداً على سؤال حول ما إذا تطرق اللقاء إلى مساعدة محتملة روسية لضمان أمن سوريا في وجه التهديدات الإسرائيلية، قال بيسكوف: “بشكل عام، كان هناك تبادل واسع إلى حد ما لوجهات النظر حول جميع المواضيع المتعلقة بالوضع في المنطقة، وحول سوريا بالطبع. كما تم التطرق إلى العديد من المواضيع التي ذكرتها بطريقة أو بأخرى، هذا كل ما يمكنني قوله”.

وذكر الناطق باسم الكرملين أن بوتين والأسد، لم يوقّعا على أي وثائق عقب مفاوضات الأمس في الكرملين.

ويُعتبر غياب الحديث عن لقاء الأسد وأردوغان، لافتاً لجهة أن الرئيس التركي أشار في أكثر من تصريح صحافي، إلى أن التطبيع بين أنقرة ودمشق واللقاء مع رئيس النظام السوري يسير بموافقة ودعم روسيين.

وفي وقت سابق، أكد الأسد للصحافيين، خلال الادلاء بصوته بالانتخابات التشريعية، أن لقاءه مع اردوغان يجب أن يقوم على أسس هي الانسحاب التركي من شمال سوريا، ووقف دعم “الإرهاب”، حسب وصفه.

—————————

 قصّة العلاقات السورية – التركية/ كمال خلف الطويل

الجزء الأول

كان قرار مجلس الأمن القومي التركي، برئاسة رئيسه رجب إردوغان، في أواخر نوفمبر 2011، بالتدخّل الميداني ضدّ سوريا ونظامها الحاكم، عبر تسليح وتدريب عشرات الألوف من: مهاجرين سوريين (منهم من شجّعتهم تركيا على الهجرة ونصبت لهم مسبقاً معسكرات خيام منذ نيسان 2011، أم فضّلوا الخروج سعياً إلى فرص حياة أفضل بعيداً عن بؤر التوتر المتّسعة في الداخل)، ومهجّرين سوريين، سواء إلى تركيا أم إلى مناطق نفوذها الشمالية (مَن فرّوا بأنفسهم من سعير القتال المحتدم في مناطقهم، ومَن أوذي بنيران الجيش وميليشياته، أو مَن آذاه سلوك «محرّريه»؛ فآثر السلامة بنفسه في الأناضول عنها حولهم)، كما ومن غير سوريين وفدوا من شتّى القارات، بتيسير سافر، وبأعداد كبيرة، ليؤذّنوا على «الجهاد» في سوريا. كان ذلك القرار نذير حرب سورية طاحنة بامتياز. وقتها، قدّرتُ أن أوارها لن يخمد قبل انقضاء عقد، وأن توقّعي المكتوب، في آب من ذات العام، عن فاتورة مليون ضحية، بين قتيل ومعطوب، قد تثبّت يقيناً بذلك القرار.

ما الذي دفع إردوغان إلى ارتكاب فعلةٍ، لا بدّ أن ندم عليها مع الوقت؟ لازمةٌ هنا العودة إلى عقود 1918-1957 كي نربط خيوط الماضي بالحاضر، لا سيما أن النقلة إلى المستقبل مُشارفة.

بدءاً، كلا الكيانين التركي والسوري إفرازٌ وليدٌ من رحم سقوط الإمبراطورية العثمانية، وليسا من طبيعة ضاربة في التاريخ. مصطفى كمال وصحبه تكيّفوا مع المستجدّ بأن صارت أسمى أمانيهم النجاة بالأناضول من قبضة الاحتلالات الغربية العدة (اليوناني والإيطالي والفرنسي، بل والبريطاني)، ثم توسعته كي يشمل كيليكيا وإسكندرون، اللتين ضمّتهما الأقاليم الشامية في الإمبراطورية، وذلك بمقايضة فرنسا أن تسحب قواتها من الأولى لقاء توقّف كمال عن مساندة التمرّد السوري المسلّح في الشمال والساحل، أوائل العشرينيات، ثم مقايضتها، بتيسير استيلائه على الثانية لقاء حياده في الحرب العالمية الثانية، عشيّتها (ما نال سوريا الجغرافية من تركيا فاض عمّا أصاب العراق منها؛ فقد اقتصر الأمر معه على مطالبةٍ لفظية بولاية الموصل، منذ معاهدة لوزان في 1923، دون محاولة إنفاذها مادّياً).

تبنّى مصطفى كمال، ومن بعده عصمت اينونو، في المدة ما بين 1923 و 1950، نهجاً حثّياً مفاده أن تركيا هي الأناضول الموسّع وحسب، وأن الطورانية عبءٌ وجب إنكاره، والعثمانية تخلّف حسُن نكرانه، والأوربة موئلٌ تحتّم ركونه. وعليه، فمن بعد وضع اليد على إسكندرون، في 1939، سلِمت سوريا من أيّ تدخّل تركي حتى عام 1954.

ما الذي غيّر النهج حينها ولحين؟ انزياح تركيا في أعقاب الحرب العالمية الثانية نحو الغرب الجماعي كلّياً، في وجه خصمها التاريخي روسيا، رغم دعم الأخيرة لاستقلالها في العشرينيات.

كانت حماسة الجناح اليميني من الأتاتوركية، والذي انشطر عن حزب أتاتورك الواحد: الشعب الجمهوري، عشيّة الخمسينات، تحت عنوان: الحزب الديموقراطي، بزعامة عدنان مندريس؛ كانت بالغةً، سواء لانضمام قوّات تركية إلى القوّات الأميركية المحاربة في كوريا، أم لعضوية حلف «الناتو». لم يكتفِ مندريس بذلك بل راح، منذ أوائل 1954، ينسج حلفاً غربي الولاء، عابراً للبطن الرخو للاتحاد السوفياتي، بدأه مع باكستان، وبعزمِ ضمّ إيران (كانت مسألة وقت حتى يستوي أمر بهلوي، العائد من منفاه على الحراب الأنغلو-أميركية) والعراق، ثمّ «الشام»، بسرعة قياسية.

كان أوّل الغيث عنده لهفة نوري السعيد، المفتون بالإنكليز، على الانضمام للحلف الجديد، الأمر الذي تمّ مطلع عام 1955، وسرعان ما أتت في إثْره دعوة المحيط للانضمام إليه، سلماً أم بالقوّة.

لكن ما وضع العصي في دواليب الحليفين، وخلفهما الراعيَين الأميركي والبريطاني، كان بزوغ قيادة استقلالية معادية للاستعمار في القاهرة، رأت في حلفٍ تابع للغرب طامّة كبرى على مصر والعرب، وارتأت في بديل عربي مشترك عنه غبّ الطلب لها ولهم.

ما بين مطلعي عامي 55 و58، دار على «الشام» صراع صفري بين حلف «بغداد» ورعاته الغربيين، وبين عبد الناصر وحليفه الشارع «الشامي»، بل والعراقي معه. وقف الجيش السوري مع شارعه، مع ما كلّفه ذلك من صدام عنيف مع الحزب السوري القومي الاجتماعي، والذي خلطت قيادته ما بين هدف الاتحاد السوري-العراقي –وكان خير مرام– وبين حلف «بغداد» الغربي التبعية، بل وذهبت إلى حدّ اغتيال خصمها الألدّ، العقيد عدنان المالكي، فكان أن واجهت وكادرها، العسكري والحزبي، مآلاً امتدّت آثاره لعقدين ويزيد.

أحرق الصراع أيضاً شرائح واسعة من رموز اليمين السوري، سيما من الحزب الوطني (كانت مفارقة أن حزب الشعب، الداعي التاريخيّ للاتحاد السوري – العراقي، قد نجا من التلوّث بالخلط بين دعوته ومسعاه، قبل عام 54، وبين الانضمام للحلف بعده، فيما غطس «الوطني» في مستنقع الحلف بين صريح قاده ميخائيل اليان، ومستتر تزعّمه صبري العسلي). كانت أولى ضحايا منع انضمام سوريا إلى الحلف فارس الخوري وحكومته، والذي فضّل اعتزال السياسة بالمطلق عن أن تُسحب الثقة البرلمانية بحكومته لتأييدها الخجول للحلف. ثم اكتملت هزيمة مشايعيه، من نخب سورية، بتطهير اليمين العسكري من صفوف الجيش، صيف عام 57.

إبّان تلك الفترة، اضطر الملك حسين إلى النأي عن الحلف، بل وطرد الضباط البريطانيين من جيشه، وواجه كميل شمعون معارضة كاسحة منعته من ضمّ لبنان إليه. وقفت السعودية مع عبد الناصر ضد الحلف لعامين، لكن خشيتها المستجدّة منه، بعد انتصاره السياسي في «السويس»، دفعتها إلى تناءٍ متدرّج عنه، وتقارب محسوب مع خصومها الهاشميين ضدّه، وإن لم يكن شاملاً لكلّ كبار الأسرة المالكة. عزّز المجهود العربي ضدّ الحلف دعم الاتحاد السوفياتي الكامل له.

ما الذي فعلته تركيا نحو سوريا في 1957؟ كان قرار حلفي «الناتو» و«بغداد»، أي المتبوع والتابع، منذ مطلعه: عزل السعودية عن مصر، وإبعاد مصر عن «الشام»، وبكلّ السبل. تحيّر المتبوع بين غزو سوريا بالجيش العراقي أم بالجيش التركي، وتردّد في المفاضلة حتى بتّ الأمر، أوائل خريفه، باعتماد التركي غازياً.

مَن وما الذي منع مندريس، وخلفه أيزنهاور، عن المضيّ بخطّة الغزو المنتواة، في أكتوبر 57؟ هما عبد الناصر وخروتشيف.

بعد هزيمة مقاصد السياسة التركية حينها، انكفأت أنقرة عن التدخّل في الشأن الداخلي السوري، باستثناء طيرها فرحاً بالانفصال السوري، ومسارعتها للاعتراف بسلطته في مساء اليوم الأوّل لانقلابه. لكنها مكثت بعده لابدةً لقرابة عقدين، عادت بعدهما، ومنذ انقلاب كنعان ايفرين العسكري صيف 1980، سيرتها الأولى وفقاً لتكليف ناتوي بدعم التمرّد الأصولي المسلّح في سوريا لوجستياً.

ردّ حافظ الأسد، رفقة جورج حبش ونايف حواتمة، ومنذ 1984، بدعم تمرّد كردستاني مسلّح شرق الأناضول، خاضه حزب العمّال الكردستاني الماركسي العقيدة، لأكثر من دزّينة أعوام. كان موقف الأسد ذاك أوسع من مجرّد معاملةٍ بالمثل؛ لقد هدف إلى أمرين: الأوّل، أنه وباعتبار سوريا على حدود «الناتو»، فقد اقتضى ذلك مشاغلة عضوه الجار كي لا يعيد كرّة فعلته عام 80. والثاني، إرساء تبادلية وقف دعمه المتمرّدين الكرد لقاء التزام تركيا بمنسوبٍ مواتٍ من مياه نهر الفرات، يزيل ضيم السدود التركية المبنيّة على أعاليه. تمرجحت التبادلية، ما بين عامي 84 و98، مدّاً وجزراً دون رسوٍ على سويّة مستقرّة فضّت النزاع.

لحَظ الأسد كذلك بانتباه شديد تصريحات الرئيس التركي، تورغوت أوزال، خلال أزمة الكويت 90/91، المُطالبة بضمّ «ولاية» الموصل (محافظات نينوى وكركوك ودهوك وأربيل والسليمانية) إلى تركيا، رابطاً إياها بخلفية لابثة في الذهن الجمعي التركي مفادها أنّ الشام (تحديداً سوريا الداخلية، وبالأخصّ شمالها) امتداد طبيعي لتركيا في كلّ الميادين.

زاد الطين بِلّة اندفاع العسكريتاريا الحاكمة في تركيا إلى توقيع اتفاق تعاون عسكري وجوّي مع إسرائيل، في شباط 96، فهِمه الأسد نيّة عدوان مشترك على بلاده.

رطّب الأجواء نسبياً، ويا للمفارقة، وصول الزعيم الإخواني، نجم الدين أربكان، إلى رئاسة الحكومة، في حزيران من ذات العام، سيّما أنه قد سارع إلى محاولة إغلاق ملفّ الصدام البعثي-الإخواني في سوريا. لكن الوقت لم يسعفه إذ داهمته العسكريتاريا بانقلاب هادئ، ولمّا مضى بعدُ عامٌ على حكومته.

على خلفية ذلك كلّه، حفلت فترة صيف 97 – خريف 98 بمتلازمة اشتداد وتيرة عمليات الكردستانيين المسلّحة ضدّ الجيش التركي مع تقتير تركيا في تمرير مياه الفرات لسوريا. بلغ الأمر حدّه حين وقف رئيس الحكومة التركية، وصنيعة العسكريتاريا، مسعود يلماظ، في برلمان بلاده لينذر الأسد بالمليان أنْ أوقف دعمك لعبد الله أوجلان، زعيم التمرّد الكردستاني، واطرده من لدنك (سوريا ولبنان) من توّك، وإلّا فالجيش التركي آتٍ إلى دمشق غازياً؛ لا بل وأضاف إلى التهديد ألفاظاً سوقيّة بحقّ مَن هاجم.

قلّب الأسد الأمر على كل وجوهه فأدرك أنّ التهديد جدّي هذه المرّة، سيما أن الولايات المتحدة منشغلة بالتحضير لحملة «ثعلب الصحراء» ضد العراق، وروسيا في حالة احتضار، فما كان من سبيل سوى الإنصات إلى وساطتين، مصرية وإيرانية، تدرآن احتمال الحرب؛ وقد كان.

تمخّض عن فضّ الاشتباك توقيع اتّفاق أضنة، في أكتوبر 98، والذي نصّ على حق المطاردة الساخنة للقوّات التركية بعمق 5 أميال داخل الأراضي السورية، مع التزام دمشق بوقف تامّ وفوري لكلّ أشكال الدعم لأوجلان وطرده من البلاد.

وفعلاً، فقد شهدت الفترة الفاصلة ما بين «أضنة» ورحيل الأسد طيّ صفحة الحرب بالواسطة بين البلدين، وإرساء هدوء تامّ على طرفي الحدود؛ بل وتوّج حضور الرئيس التركي، نجدت قيصر، جنازة الأسد، مناخ تطبيع جدّي لعلاقات البلدين، ولعقدٍ بعد.

———————————-

الجزء الثاني

قصّة العلاقات السورية – التركية [2]

صحيحٌ بروز دورَي الرئيس التركي نجدت قيصر، ووزير خارجيته إسماعيل شيم، في إصلاح ذات الشأن بين البلدين منذ التوصّل إلى صيغة «أضنة» التوافقية، لكنه كان برضى، بل وباسم، المؤسسة العسكرية – الأمنية المتنفّذة. ولعامين ونصف عام بعد رحيل الأسد، رست تلك العلاقة على مرسىً آمن، لم يؤثّر به سلباً فوز حزب «العدالة والتنمية» في انتخابات نوفمبر 2002 البرلمانية، رغم شبه إسلاميته. مبعث ذلك جملة دواعٍ: أن العسكريتاريا شريكة حكم ضامن، ثم إن إردوغان وصحبه سليلو نجم الدين أربكان، وهو مَن احتفظ له الأسد بوافر احترام، وبرغم عِلمه برضى واشنطن الحارّ بفوزهم. ثمّ ما لبثت العلاقة أن تعزّزت في ضوء موقف العسكريتاريا التركية المعارض لغزو العراق، والمانع لاستخدام أراضي وأجواء بلادها من قبل الغازي الأميركي، معزّزاً برفض نواب وقاعدة الحزب الحاكم المشاركة في الغزو. شعر الأسد (القصد هو الرئيس بشار منذ الآن) بأهمّية ذلك المشترك مع الحكم التركي، بجناحَيه؛ والعسكري بالأخصّ، سيّما وقد شاهد نائب وزير الدفاع الأميركي، بول وولفويتز، يتوعّد الجنرالات الترك بسوء العاقبة على فعلتهم، ومن على شاشة «سي ان ان تورك».

لم يطل الوقت حتى تمّ ترتيب زيارة رسمية للأسد إلى أنقرة، مطلع 2004. في أولها، جلسا بمفردهما، هو ورئيس الأركان التركي، الفريق حلمي أوزكوك، لساعات أربع متصلة، في مسعىً لتنسيق خطوات درء مفاسد الاحتلال الأميركي للعراق، وأخطرها رعايته نشوء كيان انفصالي كردستاني في شماله. في المقابل، كان للحديث مع إردوغان وصحبه طابع استشفاف كنهه والاطمئنان من جانبه، توطئةً لعلاقات صحيّة معه؛ وذلك ما حصل.

ردّ إردوغان الزيارة للأسد بعدها بعام، وفي وقت كان فيه الأخير قد دخل في طور صراع مع الغرب، وتحديداً الولايات المتحدة وفرنسا، إثر قمّتين متلاحقتين جمعتا رئيسيهما، جورج بوش وجاك شيراك، في حزيران ٢٠٠٤، واتّفقا فيهما على إخراج القوات السورية من لبنان، وفق قراءة شيراك التي ابتاعها بوش، بإفضاء ذلك بالضرورة إلى إسقاط النظام في دمشق على يد جيشه المنسحب قسراً. كان إسقاط النظام قد غدا، آنذاك، غبّ الطلب لديهما: الأميركي، لدوره في تغذية المقاومة المسلحة ضد احتلاله العراق؛ والفرنسي، لعظيم وقديم التياعه لاستعادة «الشام»، بدءاً بلبنانه.

وعليه، فقد بدا القصد من الزيارة شدّ عضد الأسد وهو يخوض مواجهة «1559» بقضّه وقضيضه. مذّاك، اعتبر الأسد أن تركيا الحكم المزدوج مشروع حليف استحقّ التعويل عليه شيئاً فشيئاً؛ فهو جار، وناتوي يؤمّن نافذة ولو صغيرة صوب الغرب ابتغاء، أقلّه، «فض الاشتباك»، وذو نزوع استقلالي؛ ثمّ إنه يوفّر ثقلاً سنّياً يمتصّ حساسيات مجتمعية من مدى العلاقة مع إيران الشيعية، وإنْ بعلم أن الصلة بالأخيرة ثابتٌ من نوع استراتيجي وأمني مميّز.

ورغم أن عام 2005 قد خلا من زيارات متبادلة، إلّا أن شدّ العضد لبث راسخاً خلاله، وقد امتدّ عبر عام 2006. بتحديد أدقّ، لا أزمة اغتيال الحريري ولا حرب تموز فتّتتا من شدّ العضد ذاك، ما رفع منسوب ثقة الأسد بأن مشروع الحليف بات حليفاً، وبامتياز.

لكن الحليف لم يعد ثنائي الطابع، فقد خاض إردوغان، بعونٍ فارق من جماعة فتح الله غولن المتنفّذة في القضاء والشرطة، وعلى مدار عامَي 2007-2008، معركة متدرّجة ولكن مصممة على إخراج الجيش من السياسة، وكسبها.

تبلورت مذّاك رؤية إردوغانية لدور تركيا مزجت ما بين الناتوية والسعي للأوربة، من جهة، وخلطةٍ من عثمانوية وطورانية، من جهة أخرى. في سياق الأخيرة، كانت سوريا عنده مدخله إلى العالم العربي، وحيث لا يجوز تركها لحليف إيراني لها فحسب، ومَن يمدّه بزادٍ عربي في وجه أنظمة عربية تتوجّس من «إسلاميته».

في المقابل، فقد سكنت عقلَ الأسد، ومن تضاعيف تقاربه التركي معطوفاً على ثابت حلفه الإيراني، فكرةٌ شبه أموية دعت إلى تشبيك بحار خمسة ذات كثرة مسلمة بين متشاطئيها؛ هي المتوسط والأحمر والأسود وقزوين والخليج، بما عنته من مدّ أنابيب نفط وغاز وطرق وسكك وموانئ ومطارات، تتيح كلّها انسياباً دافقاً لحركة التبادل والمال والعمالة بين تلك الدول، وتجعل من سوريا واسطة عقد بينها. لكن معاركه السياسية، التي اتّصلت ما بين منتصف 2004 ومطلع 2009، تركت الفكرة في مكانها، مجرّد فكرة… لحينه.

شكّل لقاء الأسد وإردوغان الثالث في دمشق، نهاية 2006، مهماز علاقة مفتوحة بعيدة الأفق، كانت الحاجة سورياً إليها كبيرة كي توازن تدهور علاقاتها بالسعودية، سواء على خلفية اغتيال الحريري أو جرّاء رأي الأسد المعلن من موقفها السلبي من حرب تموز؛ وبالرغم من زيارات ثلاث قام بها لها، صيف 2005 وشتاءَي 2006 و2007، لم تفلح في رأب الصدع بين البلدين، لقوّة قبضة خصميه المريرين، سعود الفيصل وبندر بن سلطان، المطبِقة على عنق الموقف السعودي منه.

ثم سرعان ما انضاف بعدٌ جديدٌ على العلاقة، خلال زيارة لاحقة لإردوغان، ربيع 2007، حبّذ فيها منحه فرصة التوسّط طلباً لسلام سوري – إسرائيلي، في ضوء ما عرضه إيهود أولمرت، رئيس الحكومة الإسرائيلية، عليه من استعداد جدّي لتقديم تنازلات مطلوبة. عشيّتها، جرت عملية استكشاف أميركية لتطبيعٍ مع دمشق (وطهران)، وفق توصية لجنة بيكر – هاملتون في الكونغرس خريف 2006، وذلك بغية إيجاد مخرج للورطة الأميركية في العراق. فجاءت زيارة نانسي بيلوسي لدمشق، في وقت قريب من زيارة إردوغان آنذاك، وانتهت من دون مُخرَج ملموس. تريّث الأسد في الاستجابة لدعوة الأخير شهوراً، شنّ خلالها الطيران الإسرائيلي غارته الكبيرة على موقع الخُبر في الشرق السوري، عبر الأجواء التركية، وبدعوى وجود مفاعل نووي.

زار الأسد إردوغان، في الخريف عقب تلك الغارة، لمكاشفةٍ باتت ملحّة: ارتدادات الجهادية السلفية من العراق بدأت تضرب في الداخل السوري، القطيعة مع السعودية راحت تكتسي بفاعلية مهدِّدة، والملاحقة الأميركية الساخنة داخل الشرق السوري لأهداف «جهادية» تتواتر، فضلاً عن ملابسات الغارة. لحق بذلك كرنفال «أنابوليس» للسلام، أواخر العام، فيما بدا جزئياً كأنه منافسةٌ – ولو صورّية – للدور التركي في مساعي السلام.

جدّد إردوغان، في زيارة سورية له ربيع 2008، عرْض أولمرت توسيطه كي يكون عرّاب سلام سوري – إسرائيلي، عبر مفاوضات غير مباشرة في أنقرة. وافق الأسد لسببين: إكساب تركيا دوراً إقليمياً مهمّاً، وتحييد احتمال ضغطها عليه في التفاوض. وشكّل وفده المفاوض برئاسة رياض الداودي وعضوية سمير التقي وسمير سعيفان وسامي مبيّض (السميران انتقلا إلى المعارضة مع «الربيع»).

تكرّرت جولات تلك المفاوضات مرّات عدّة عبر ذلك العام ولكن بلا نتائج ملموسة، ما استدعى قمة رباعية في دمشق، في أيلول 2008، ضمّت إلى الأسد إردوغان وأمير قطر، حمد آل ثاني، والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي (على خلفية استضافة الأخير مضيفه قبلها بشهرين). سبق تلك القمّة إيفاد الوفد المفاوض إلى واشنطن، في تموز، بحجّة حضور ندوة في معهد بروكينغز، وفعلياً بغرض تطمينها عن حفظ دورها حين يجدّ الجد. كان كلّ ما وطّدته القمة كسر دمشق عزلتها الغربية، جزئياً، وبرغم ثبات النأي السعودي عنها.

جاءت الزيارة السورية الثالثة لإردوغان، ذلك العام، عند نهايته؛ وحملت وعود مخاضٍ سرعان ما بان أنه حمل كاذب. فقد ظنّ إردوغان أن بيده عرض سلام لا يُفوّت، وكلّ ما تبقّى لازماً هو اتّصال مباشر بين طرفَي التفاوض يضع اللمسات الأخيرة على مُنجَزه. لكن أولمرت كان في مدار آخر؛ مدار شنّ حملة عسكرية جذرية ومفاجئة على المقاومة الفلسطينية الحاكمة في قطاع غزة. وعليه؛ رفعت الأقلام وجفّت الصحف.

ولعلّ المرّة الأولى منذ لقائهما الأول، قبل أعوام خمسة، أتى فيها ذكر «الإخوان المسلمين» على هامش العلاقة كانت حين صدر قرار قيادتهم، بطلب تركي، في كانون الثاني 2009، تعليق معارضة «الإخوان» للنظام في ضوء عون سوريا لـ«حماس» وباقي الفصائل، وعلى خلفية معركة غزة. وبتأثير ذات الخلفية، تعافت العلاقات السعودية – السورية، في إطار مؤتمر القمة العربية بالكويت مطلع 2009، وبفضل تغلّب الملك عبد الله، وأخيه ومدير مخابراته مقرن، على سمّية دور ثنائي سعود – بندر المعادي لدمشق.

ثم عاود إردوغان كرّة وساطته بين سوريا وإسرائيل، في زيارته صيف 2009، فاستؤنفت المفاوضات غير المباشرة… ومرّة أخرى بلا ثمار. لم يكتف إردوغان بمسألة التفاوض تلك، بل أبدى رغبته بفتح الحدود بين البلدين دونما الحاجة إلى سمات دخول، وإرساء نظام تجارة حرّة بين البلدين. وتمّ له ذلك، رغم تسبّب الثاني بضيق أصحاب الصناعات الاستهلاكية والحرَفية من المنافسة التركية الطابشة. كما أطلع الأسد على نجاح مفاوضاته مع كرد تركيا في التوصّل إلى تسوية تاريخية لمشكلتهم المزمنة، لِما في ذلك من إطلالة على المشهد الكردي في سوريا ذاتها. ثمّ دعاه ليكون، في أيلول، ضيفه وضيف مؤتمر حزبه؛ وهكذا كان.

في المأدبة، أشار إردوغان إلى شخصٍ أن يأتي صوب المائدة. عرّفه للأسد باسم غزوان مصري: رجل أعمال تركي – سوري قريبٌ منه، وهو مَن أشار على علي البيانوني بتعليق المعارضة، ويودّ تجديد جوازه السوري المنتهي المفعول منذ أن غادر مدينته حلب شابّاً في 1983. مَن الرجل؟ من جذور إخوانية في حلب؛ تلقّى دراسته الجامعية في تركيا، وانخرط في أنشطة «الإخوان» السوريين فيها، من جهة، وفي دروب حزب «العدالة والتنمية»، من جهة أخرى، فوصل أن صار نائب رئيس مجموعة رجال الأعمال المرتبطة به (موسياد)، فضلاً عن كونه ضابط الاتصال الرئيسيّ بين «الإخوان» والحكم التركي. كان غرض إردوغان فتح طاقة تعامل مباشر بين «الإخوان» والنظام. أشار الأسد لأمنه بعدم تجديد جواز غزوان؛ فكانت تلك باكورة صدع.

في تلك الآونة، عاد الأسد ليطرق حديدة فكرة «البحار الخمسة»، وفي الخلفية رفضه تجديد اتّفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي لما اعتور مسوّدته من مسارب تدخّلية في رسم السياسات السورية. لكن برود العلاقة النسبي مع طهران – بحُكم الخلاف المستعر بين دمشق وبغداد لحدّ تلويح رئيس حكومة الأخيرة، في آب 2009، بتقديم شكوى إلى مجلس الأمن ضد الأولى، ومطالبته بمحكمة دولية تقاضي الرئيس السوري بتهمة دعم نشاط «القاعدة» في العراق، فرض تأجيل مقاربة جادّة للمسألة.

حين عاد إردوغان زائراً، في ختام 2009، حمل معه حنَقاً ثنائي الدوافع: ممانعة الأسد التامّة في أي تطبيع مع «إخوان» سوريا (لا تأثير لذلك على علاقات دمشق الحسنة مع «إخوان» باقي الأقطار العربية، جذره تجربة 73-82 المريرة مع السوريين منهم)، وجمود مسعى السلام مع إسرائيل (والذي لم يُفد في تحريكه حوار الأسد مع كلّ من السيناتورين جون كيري وجورج ميتشل، في النصف الأول من العام).

كان عام 2010، بحقّ، عام تأسيس زلزال 2011 وما تلاه، وفي أكثر من موقع. بدأ العام بحركتين متباينتين للأسد: في الأولى، عقد لقاء ثلاثياً في دمشق ضمّ إليه الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، أواخر شباط منه. وظهرت صورة اللقاء وأيديهم متشابكة لتضفي معنى الحلف الوثيق، ودليلاً على تصفية ذيول «شكوى المالكي». في المقابل، فقد توافق، في الثانية، مع نظرائه الترك والسعوديين والقطريين على دعم قائمة إياد علاوي في الانتخابات النيابية القادمة في العراق، في نيسان من العام، بما بدا كأنه عربون مودّة للرياض بالذات، زاوج استضافة سعد الحريري في دمشق.

لم تُسرّ طهران بهذه الشراكة واعتبرت موقف دمشق مخالفاً لروح «شباط»، وضغطت بما في وسعها كي تتملّص الأخيرة من التوافق إيّاه. ذهب الأسد إلى الدوحة، في أيار، ليستكشف مخرجاً من الأمر، فوجد مستقبِله، باسمه وباسم نظيرَيه التركي والسعودي، مصرّاً على خيار علاوي بعناد، بل وراح يبدي تذمّره من نبأ التوافق المبدئي بين دمشق وطهران حول الغاز. قاد التباين في الدوحة، في غضون أسابيع، إلى تجميد الاتفاقات الاقتصادية العديدة الموقّعة بين البلدين، مؤشّراً على جدّيته.

لكن المؤشّر الأهم على أن شيئاً غير صحّي قد طرأ على الطقس التركي – القطري نحو سوريا جاء مطلع آب، حين أعلن مجلس شورى «إخوان» سوريا تبديل قيادته «الحمائمية» بأخرى «صقورية»، ممثّلةً برياض الشقفة مراقباً عاماً، وفاروق طيفور وحاتم الطبشي نائبين له. بدت رسالة تركية/ قطرية بامتياز، وبعلم أن الثلاثة من فارّي قيادات «الإخوان» الميدانية، الحموية، إبّان صراع 79-82.

لبث موقف الأسد، لجهة علاوي، رجراجاً، فأتاه نجاد زائراً، في أيلول، بغرض ثنيه عن التزامه به، ولم يفز ببتّ. في المقابل، ومضت بينهما شرارة إيجابية تمثّلت بالعرض الإيراني مدّ خط غاز عبر العراق ووصولاً إلى سوريا ولبنان، ما رمَز للأسد كواحد من مداميك دعوته.

والحاصل أن تدافع جملة تطوّرات مؤثّرة خلال الربع الأخير من العام كان صاخباً.

كان أولها، دعوة المرشد الإيراني علي الخامنئي الأسد لزيارته، مطالع أكتوبر، وفيها أقنعه بالتخلّي عن خيار علاوي بعدما أطلعه على حصول توافق إيراني – أميركي حول نوري المالكي رئيساً للحكومة العراقية مجدّداً. كان لذلك فعل الصدمة في أنقرة والرياض والدوحة، سيما وقد عرفوا أيضاً بالاتفاق المبدئي بين طهران ودمشق حول خط الغاز (وضمانة إيرانية بانضواء العراق في مشروعه). عنى الخطّ للأطراف الثلاثة مزيداً من التمكين لإيران في الشمال العربي، على حساب مصالحهم فيه.

وثانيها، إبطال حزب الله، منذ أواخر الخريف، التزامه بسعد الحريري رئيساً للحكومة، بعد اكتشاف تمريره لـ«دير شبيغل» الألمانية نويّات قرائن اتّهمته باغتيال والده (كان قد أسقط الاتّهام عن الأسد، بطلب سعودي).

ثم أتى إردوغان زائراً، أواخر أكتوبر، وفي جعبته شكوى وطلب؛ أمّا الأولى فعن «خذلان» الأسد له في قضية علاوي، وأمّا الثاني فوجوب تسلّم دمشق السجناء السوريين الذين قاتلوا في صفوف حزب العمال الكردستاني، ما بين 1984 و2009؛ ذلك أن الاتفاق بين الحكومة والحزب نصّ على الإفراج عن سجنائه؛ ولمّا كان ألفٌ منهم سوريّين، فما لهم سوى العودة إلى بلدهم. رفض الأسد الطلب بوصفهم أصلاً تركاً. صارت الغصّة غصّتين الآن، لكن ثالثةً راحت تكتمل قواماً مع فقدان نصر الله ثقته بسعد بالمليان، وتلويحه بفرط حكومته.

دخل نيكولا ساركوزي في الزحام ودعا الأسد لزيارته، أوائل كانون الأول، في محاولة سافرة لتقطيع أوصال التحالف السوري – الإيراني، وأولاً في لبنان. وكان الفشل نصيبه.

قُرعت أجراس القلق على مداه في العواصم الثلاث: الرياض وأنقرة والدوحة. ناب وزيرا خارجية قطر وتركيا عنهم في جولات مكّوكية بين بيروت ودمشق، حوالي مفصل عامَي 2011/2010، سعياً لإقناع نصر الله بالامتناع عن التصعيد، ولم يقتنع. حاولا جذب الأسد ليتدخّل فكان جوابه الباتّ: منذ غادر الجيش السوري للبنان وحزب الله مَن يُمثّلنا فيه، ولا أتدخّل في قراراته، أمّا سورياً فلا مشكلة لدينا مع سعد. ترجم الحزب إصراره بإعلان استقالة الوزير الملَك فيما سعد كان مجتمعاً بالرئيس الأميركي باراك أوباما، أواسط كانون الثاني 2011، في مشهد إذلال ميلودرامي.

وبعد «نوبة صحَيان» دُقّت، على مدار عقد، في أرجاء العلاقات السورية بكلٍّ من تركيا وقطر، فإن 17 كانون الثاني 2011 هو يوم عزف «نوبة رجوع» بكلّ النحاسيات. فما إن خرج الحريري من البيت الأبيض ليسمع نبأ انفراط عقد حكومته حتى دُقّت أجراس الإنذار في العواصم الثلاث. طلب إردوغان وحمد لقاءً عاجلاً بالأسد، فتحدّد له ذلك اليوم موعداً في دمشق. وسرعان ما تبيّن أن للزيارة هدفين: تكتيكي وعاجل، فحواه طلبهما إعادة تكليف سعد الحريري بتشكيل الوزارة؛ واستراتيجي شبه عاجل خاطب الأسد بما يمكن تصوّره كالتالي: هذه فرصتك كي تتجنّب مصير زين العابدين (كانت قد مضت أيام ثلاثة على لجوء زين العابدين بن علي إلى السعودية، فارّاً من وجه انتفاضة شعبية لعب فيها الإسلاميون دوراً مؤثّراً)، وأنت لا تستحقّه. نحن نريدك، وشعبك يحبّك لكن ذلك لا يمتدّ إلى نظامك. لقد نصحناك لقرابة عام ونصف عام بأن أفضل السبل لمصالحة جادة بين نظامك وبين الناس هي في احتواء «الإخوان» ضمنه، فتلك فجوةٌ لا تُسدّ إلا بشراكة معهم. ثم أن مسايرتك لإيران، سواء في لبنان أو لجهة خط الغاز أو غيرها، فاقت احتمالنا، ومثْلنا السعودية، لها، ولذا فتخفّفُك منها بات ضرورةً لدينا.

في المقابل، يمكن تصوُّر ردّ الأسد على الشكل التالي: مسألة الحريري ليست عندي، كما سبق وأسلفت. أمّا إقرانكم حُسن علاقاتنا معكم بضرورة تقويضها مع إيران فغير مقبول. إن مصلحتنا تكمن في الاحتفاظ بها، وما ترونه من توثّق أكبر في علاقتنا بإيران فلأن لديّ جارة ليست جارة لكم هي إسرائيل، ولأنه ليس هناك من اتحاد سوفياتي ولا مصر ولا عراق؛ والاكتفاء بكم يظلمكم ويظلمني. أمّا عن «الإخوان»، فطالما لاينهم والدي لأبعد الحدود منذ تولّيه، فكان أن قابلوه، في شباط 73، بتظاهرات الدستور. عفا عن معظم قادتها في أقلّ من عامين، وإذا بهم قد غطّوا على عنف «الطليعة المقاتلة» لعامين. مع ذلك، أفرج عن قادة «الإخوان» المتبقّين في السجون، في نيسان 78، فما إن خرجوا حتى ذهبوا وضمّوا تنظيمهم إلى جانب «الطليعة» في الحرب المسلحة علينا. حاول الوالد فطمهم عن غيّهم بعربون مصالحة وذلك بالإفراج عن 500 من رؤوسهم، اختارهم الوسيط الإخواني، أمين يكن، بذاته، في آذار 80، فماذا كانت النتيجة؟ المزيد من الولوغ في العنف. لا بل ذهب الوالد بعدها إلى إرسال مَن فاوضهم مرّتين: في 84 و87، فكادوا أن يطلبوا منا تسليم الحكم لهم. كيف لي أن أثق بهؤلاء، سيما وهم لعبوا ويلعبون بالورقة المذهبية بخفّة لا تجوز؟ عُزفت «نوبة الرجوع» مرّات في ذلك اليوم الحاسم.

أختم بواقعتين:

الأولى، الخميس 20 كانون الثاني 2011، تناول الراحل أ. هيكل، في «الجزيرة»، الحدث التونسي، ثم عقّب بقوله: سيكون الردّ في لبنان. سارعتُ لمهاتفته حال انتهائه قائلاً له: أصبت، ولكن على مسافة 85 ميلاً شرقيّ بيروت… إنها دمشق. علّق بـ«سنرى».

الثانية، جرت في 8 شباط 2011 خلال مأدبة عشاء أقامها حمد بن جاسم لحضور مؤتمر الاتحاد البرلماني العربي في الدوحة. انتحى بأحد الحضور الثقال قائلاً له: حسني موشك على الاقتلاع، ومعمّر على الطريق بعده، والأسد سيأخذ منّا 6 أشهر بالكثير؛ لكنه زائل قبل عيد الفطر. ذُهل المستمع وتشكّك بالقدرة على إسقاط الأسد بالذات، فأجابه حمد: «الجزيرة» والمال كفيلان بتدبّر الأمر… وكان ما كان.

(يتبع)

الأخبار

————————-

=============================

تحديث 20 تموز 2024

————————————-

مأساة المهجّرين السوريين في تركيا/ بشير البكر

20 يوليو 2024

لا النظام السوري يقبل عودتهم، ولا تركيا قادرة على الاستمرار في تحمّل عبئهم. هذا لا يخصّ آلافاً من المُهجّرين السوريين من ديارهم، بل ملايين هربوا من جرّاء الحروب المتواصلة، منذ ثورة السوريين من أجل الحرّية والكرامة في عام 2011. لجأوا إلى تركيا على موجاتٍ من أنحاء سورية كافّة، ومع مرور الوقت، ازداد الوضع تعقيداً في البلد المُضيف، الذي شهد خلال آخر أعوام ثلاثة موجةً متناميةً من العنصرية، بسبب التوظيف السياسي للمسألة في أعقاب الانتخابات البلدية عام 2019، وخسارة حزب العدالة والتنمية (الحاكم) رئاستي بلديتي إسطنبول وأنقرة. ورغم أنّ حزب الشعب الجمهوري المعارض هو البادئ في إثارة القضية واستثمارها بقوّة، خضع “العدالة والتنمية” للمساومة والابتزاز السياسي الذي مارسه مُعارضوه، بدلاً من أن يتصدّى للظاهرة بحزم، ما جعلها تخرج من مسارها، وتتحوّل حالةَ كراهيةٍ عامّة للعرب، الأمر الذي أضرّ بسمعة تركيا وباقتصادها، وأدّى إلى عزوف عربي عن الاستثمار والسياحة في هذا البلد.

تتحمّل السلطات التركية قبل غيرها مسؤولية حماية أرواح (وممتلكات) السوريين، الذين يتعرّضون للاعتداءات، بوصفها دولة مُستضيفة، حسب القوانين والمواثيق الدولية، وكلما ارتفعت حدّة الأزمة، زادت الحاجة إلى التحرّك من أجل إيجاد حلول عقلانية لها، خاصّة أنّها باتت مثل كرة الثلج تتدحرج بسرعة لتهدّد بإلحاق أضرار كبيرة بالسوريين والأتراك في الوقت نفسه، ويمكنها أن تتحوّل حالةً من الكراهية بين الشعبين اللذين ما يجمع بينهما أكبر بكثير ممّا يُفرّقهما، وتُؤكّد الاعتداءات في الآونة الأخيرة على السوريين وممتلكاتهم في أكثر من مدينة في تركيا، وما رافقها من اضطرابات وردّات فعل ضدّ الوجود التركي في شمال غرب سورية، ضرورةَ التدخّل السريع، وعدم ترك المسألة تتفاعل أكثر من ذلك.

تقتضي الأمانة الاعتراف بأنّ تركيا تحمّلت كثيراً من أعباء الهجرة السورية إليها، والتي قاربت أربعة ملايين لاجئ، وشكّلت للسوريين أرض استقبال آمنة، في وقت كانوا يتعرّضون فيه للمجازر من قبل النظام السوري وحلفائه من الإيرانيين والروس، وفتحت لهم حدودها ليدخلوها من دون تأشيرة سفر، واستقبلتهم مدارسها وجامعاتها ومشافيها بلا تمييز عن مواطنيها. ومن التجنّي مطالبتها بأن تتحمّل فوق طاقتها، غير أنّها هي المطلوب منها أن تبادر للعمل من أجل معالجة هذا الملفّ، والخطوة الأولى أن تمارس الضغط الكافي على شريكَيها في مسار أستانة، روسيا وإيران، من أجل وضع آلية لعودة المُهجّرين إلى مدنهم وقراهم، وهذا يمكن أن يريحها من العبء الأكبر، لأنّه سيعيد نحو مليوني مُهجّر من جراء هجوم قوات النظام على ما يعرف بمناطق “خفض التصعيد”. ويمكن لها أن تحلّ مشكلة الأعداد الباقية من خلال توفير دعم عربي دولي لإعادة إعمار وتأهيل المناطق المدمّرة، وهناك تجربة تصلح للتعميم عربياً ودولياً، وهي المشاريع السكنية التي بدأتها تركيا بتمويل من دولة قطر في شمال غرب سورية، والتي تضمن العودة الطوعية لمليون مهجّر، حسب التصريحات التركية.

مسؤولية شقاء السوريين وتشرّدهم في شتّى أرجاء العالم، تقع من الناحية القانونية على النظام السوري، وهو الذي يجب أن تسلط عليه الضغوط من أجل إنهاء مأساتهم، ولكنّ تجارب الأعوام السابقة كشفت أنّه يريد مقايضة هذه الورقة كي يحصل على مقابل سياسي ومالي، وآخر اختبار مرّ به كان من القمّة العربية في دورتها التي انعقدت بجدّة في العام الماضي، وكان من بين شروط التطبيع العربية مع النظام السماح بعودة المُهجّرين، ولكنّه لم يُنفّذ ذلك، وتلعب موسكو وطهران دوراً مهمّاً في عرقلة تسوية هذه المسألة، التي تحوّلت من قضية سياسية ومأساة إنسانية إلى مادّة للمساومة.

العربي الجديد

———————————

عن مستقبل إدلب بعد تطبيع تركي مع الأسد/ أحمد مظهر سعدو

20 يوليو 2024

تطلّ أسئلة كثيرة مشروعة في الشارع السوري، خصوصاً في محافظة إدلب، وفي الشمال السوري، بشأن المصير المُتوقّع والمُحتَمَل لأوضاع أكثر من ثلاثة ملايين سوري باتوا يعيشون في محافظة إدلب وما حولها، بعد التهجير القسري السابق، الذي طاول بنتائجه الكارثية مئات آلاف السوريين الذين التجأوا في مناطق خارج سيطرة النظام خوفاً من القمع والاعتقال، والرعب المنتشر في كلّ مكان توجد فيه قوات النظام أو مليشياته، أو مليشيا إيران وحزب الله، وتوابعهما ضمن أماكن تموضع وانتشار أدوات نظام بشّار الأسد ومليشياته.

يعيش أهالي محافظة إدلب وقاطنيها حالة من الخوف والتخوّف جرّاء سماعهم أخبار التقارب أو التطبيع المُتوقّع بين الدولة التركية ونظام الأسد، وهم في ذلك إنّما يُعبّرون دائماً عن تخوّفهم من المجهول، الذي أصبح قريباً في نتائجه، فيما لو تمّ الحوار بين الطرفَين، ونتجت عنه تفاهمات جديدة، وتوافقات قد لا تأخذ بالاعتبار حيوات السوريين، بل تذهب إلى إنفاذ مصالح الدولة التركية، وأيضاً مصالح نظام بشّار الأسد، وهو الذي ما انفكّ ونظامه يومياً يهدّد أهالي إدلب، وحاضنة المُعارّضة السورية، بأنّه ما زال يعتبرهم أعداء سياساته ونظامه، وسوف يقتصّ من الذين عارضوه أو وقفوا ضدّه كلّهم منذ أواسط شهر مارس/ آذار 2011، وبدء ثورة الحرّية والكرامة، وهو لم يألُ جهداً في محاولاته المستمرّة لقضم بعض الجغرافيا من أراضي إدلب كلّما سمحت له الظروف العسكرية والسياسية، بعد أن تمكّن سابقاً من السيطرة على مدن خان شيخون، ومعرّة النعمان، وسراقب، عام 2020، وكثير من الريف الحموي والريف الحلبي، قبل أن يُعلَن التفاهم التركي الروسي في 5 مارس 2020، الذي وقّع بموجبه اتفاق إدلب المعروف (في موسكو، اتفق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيّب أردوغان على وقفٍ لإطلاق النار في إدلب، وعلى إقامة ممرّ أمني وتسيير دوريات مشتركة).

تهديدات النظام السوري المستمرّة لأهالي محافظة إدلب تستند إلى دعم إيراني مليشياتي، وروسي أيضاً، عبر الاستمرار في شيطنة كلّ من يسكن أو يقطن محافظة إدلب والشمال السوري، واعتباره إرهابياً، حسب الرؤية الأسدية، ولا بدَّ من قطع دابر الإرهاب في الشمال، حسب وصفهم. وتبقى المشكلة في عدم قدرة المُعارَضة السورية، بكلّ ألوان طيفها، على طمأنة السوريين في إدلب والشمال السوري، وهي (المُعارَضة) التي اكتفت بإصدار البيانات الضبابية، بل المتهرّبة والمتملّصة من الإجابة عن “أسئلة المصير”، علاوة على عدم قدرتها على التواصل والاطمئنان مع وإلى الصديق والحليف التركي، وهي التي عجزت عن حماية السوريين في تركيا من ممارسات عنصرية فجّة ومقيتة، باتت شبحاً مخيفاً ما زال يحدّ من حركة السوريين داخل الأراضي التركية. أمام هذا الواقع المرّ، كيف للمُعارَضة السورية الرسمية الإمساك بناصية الحقّ والحقيقة، والإسراع إلى شعبها وطمأنته على مصيره المقبل إذا ما حصل التطبيع، وانبثقت التفاهمات الجديدة، وهو ما بات على الأبواب كما هو واضحٌ رغم التعثّر؟

أمّا الحكومة التركية، وضمن سياساتها الجديدة المتسارعة وصولاً إلى إنجاز التفاهم والتطبيع مع نظام بشّار الأسد، ما زالت هي الأخرى حائرةً بين قوّة ضغط مصالحها الوطنية بعودة اللاجئين السوريين إلى أراضيهم، والذين جاوز عديدهم لديها عتبة الثلاثة ملايين ونيّف، وبين إنجاز متطلّبات الأمن القومي التركي المُهدّد ممّن هم في شمال شرقي سورية، بوجود تنظيم حزب العمّال الكردستاني، والدعم الأميركي الذي لم يتوقّف لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وكذلك الوضع الاقتصادي الصعب في تركيا، واستمرار ارتفاع مُؤشّر التضخّم، وانخفاض الليرة التركية المتواصل. ما زال ذلك كلّه يدفعها، وبسرعة، إلى تحقيق أيّ تفاهم مع بشّار الأسد، عبر ضغوط روسية متواصلة لا يبدو أنّها قد يئست من الاستمرار في تفاهماتٍ جديدة بين تركيا ونظام بشّار الأسد، مهما أصاب العملية التفاوضية المزمعة من تعثّر وعثار كبيرَين، إذ تساهم في هذا العثار والإعاقة دولة إيران الملالي، التي ترى أنّ التطبيع بين الطرفَين لم يعطها أيّ ضمانة في الحفاظ على مصالحها دولةً مهيمنةً ومُحتلّةً لأجزاء كبيرة من الجغرافيا السورية.

من هنا، يزداد واقع السوريين في إدلب اضطراداً في ماهيّة الخوف والتخوّف من التطبيع، إذ لا أمل ولا ثقة بنظام الأسد، ولن يكون مُتاحاً للسوريين الارتهان لأيّ سيطرة للنظام السوري الاستبدادي في إدلب من دون حدوث عمليات تنكيل خطيرة وكبيرة، من الممكن أن تحدث حتّى لو جرت اتفاقات جديدة ما بين النظام السوري وتركيا، إذ إنّ هذا النظام كان وما يزال يكذب في كلّ شيء، وهو غير صادق في توافقاته أو وعوده كلّها. وبالتالي، فإنّ مصير حيوات الناس في محافظة إدلب باتت على المحكّ، ولا أمل مُطلقاً في دخول النظام السوري ضمن أيّ عملية سياسية جديدة اتكاءً على القرارات الأممية ذات الصلة، وهو الذي مازال يسوّف في مسائل وجولات اللجنة الدستورية، التي توقّفت قبل أن تنجز أيّ صياغة، لأيّ مادة دستورية، بعد أكثر من ثماني جولات متتابعة لللجنة الدستورية.

لا مناص أمام السوريين من الالتفاف بعضهم حول بعض، وإدراك أنّ للأتراك مصالحهم وللسوريين أيضاً، وهذه مسألة لا بدّ من أن يدركها جميع السوريين، ليكونوا صفّاً واحداً وسدّاً منيعاً في هذا المجال، أمام أيّ تنازلات قد تقدمها بعض فصائل المُعارَضة السورية العسكرية، التي وضعت البيض كلّه في سلّة الخارج، أو في منصّات المُعارَضة الرسمية السورية، التي ما زالت تائهةً في ملكوت مصالحها ومحاصصاتها، ومن ثمّ توخي إرضاء الصديق وعدم عرقلة مساعيه، لكنّها لا يجب أن تنسى تضحيات شعبها السوري الأصيل، الذي ضحّى بأكثر من مليون شهيد على مذبح الحرّية والكرامة، وما زال يتابع التضحية شهيداً إثر شهيد. هذا الشعب السوري الذي ما برح يبحث عن مصائر مُعتقَليه في سجون الطاغية، وما زال يحلم بدولة المواطنة وسيادة القانون وبناء العقد الاجتماعي السوري الجامع، إذ قام بثورته من أجل ذلك كلّه، ولم يتحقّق منها شيء وسط أجواء عالمية مفتوحة أصبحت منشغلة في أمور ومشاكل أخرى، متخلّيةً عن مصائر السوريين، وتاركة إيّاهم بين أيدي الجلّاد المُستبدّ من دون أن تُؤتي أيّ أُكلٍ يُرجى.

العربي الجديد

————————

====================

تحديث 17 تموز 2024

————————-

الأسد في متاهته التركية/ أرنست خوري

17 يوليو 2024

كادت طلبات رجب طيب أردوغان مرّات ثلاث في غضون أسبوع واحد للقاء بشّار الأسد تصبح محرجة للرئيس التركي إلى أن بدأت تصريحات ساكن قصر المهاجرين وبيانات وزارة خارجيته تخفّف من الشروط المسبقة للاجتماع، وتوزّع تسريبات مفادها أن الشرطين الأسديين تحوّلا إلى “متطلّبين”، على ما شرح الأسد بإسهابٍ مملّ، الاثنين الماضي، من أمام “مركز اقتراع” في دمشق. حتى أن هذين “المتطلّبين” قابلان للتفاوض، ويمكن أن يصبح مجرّد التعهد بتنفيذهما، بدل تنفيذهما، مدخلاً إلى تطبيع العلاقات بحسب ما نشرت صحف ومواقع نقلاً عن مقرّبين من السلطة السورية. ومعروف أن ما كانا شرطيْن في الأمس، وأصبحا “متطلبيْن”، هما الانسحاب التركي من مناطق شمالي سورية، و”وقف دعم الإرهاب”، أي تخلي تركيا عن دعم فصائل سورية مسلحة معارضة، نفوذ أنقرة على قراراتها وولاءاتها وسلوكها لا ينافسه نفوذ آخر.

أغلب الظن أن ضغط الوسطاء، الروس والعراقيين، والإيرانيين ربما، ساهم جدّياً في التخفيف من حدّة الشروط الدمشقية. ولكن لا بد من تفهم التردّد السوري الحكومي في هذا الشأن، ذلك أن ما تعرضه تركيا على الأسد دونه مخاطر بوزن القضاء على ما تبقّى من قوات هذا النظام. فتركيا، المهووسة بـ”الخطر الكردي”، تعرض انخراطاً سورياً حكومياً في حربها ضد المسلحين الأكراد ممن يسيطرون على جزءٍ كبير من الحدود المشتركة، والتي تمتد على أكثر من 900 كيلومتر ويحكمون قبضتهم على نحو ربع الأراضي السورية، معظمها مناطق “مفيدة” اقتصادياً، زراعياً ونفطياً ومائياً، وفيها معابر حدودية قد تفتح أبواباً موصدة منذ سنوات في وجه النظام على العالم الخارجي. تستند فلسفة الانخراط السوري الحكومي المفترض، بالنسبة إلى الأتراك، إلى أن المنطقة العازلة أو الآمنة هي الوسيلة الأجدى، والمنطقة تلك لا تنجح إلا إن كانت من جهتي الحدود، وهذا يفرض حتماً دوراً سورياً حكومياً في المناطق الخارجة عن نفوذ المعارضة. في هذا العرض السخي، يمكن أن تصبح فصائل سورية معارضة عديدة كتائب تخضع عموماً لقيادة النظام، ومهمّتها حماية الحدود من “الخطر الكردي المشترك”. إذاً، في المعروض تركياً ما هو دسم ومغرٍ: مناطق زراعية ونفطية هي أكثر ما تحتاجه سلطات دمشق المفلسة، وسيطرة على سكان يمكن جني الضرائب منهم وتجنيد الآلاف، لكن أيضاً مناطق شاسعة لم يعد الجيش السوري الحكومي قادراً على ضبطها. ثم إن توريط قوات نظام الأسد في حربٍ مع الأكراد مقابل وعد مؤجّل بالجنّة الزراعية ــ المائية ــ النفطية، لا شكّ أن حكام دمشق يفقهون مخاطره جيداً، فقوات سوريا الديمقراطية (قسد) و”الاتحاد الديمقراطي” و”الإدارة الذاتية” حلفاء موثوق فيهم بالنسبة إلى أميركا ويحظون بدعمها سياسياً وعسكرياً وسيظلون يحظون به على الأقل إلى حين استعادة دونالد ترامب الرئاسة الأميركية، هو الداعي إلى ترك “كل طرفٍ لكي يقلع شوكه بنفسه”، هذا إن سمحت له المؤسّسات الأميركية العسكرية والأمنية والسياسية بالتمادي في سياسات انسحابية انتحارية بالنسبة إلى المصلحة الاستراتيجية الأميركية في المنطقة. وفي بال الأسد بالتأكيد أنّ حتى تركيا، بقوتها وأطلسيّتها، لم تتمكّن من الذهاب بعيداً في حربها الشاملة ضد المسلحين الأكراد برّياً، والحملات الثلاث (درع الفرات ونبع السلام وغصن الزيتون)، التي شنتها في الشمال السوري منذ عام 2016، انتهت إلى نتائج متواضعة، مقارنة مع ما كان مرسوماً لها، أي القضاء على الخطر الكردي بالكامل. والحال أن أي مغامرة أسدية لاستهداف حلفاء واشنطن في الشمال السوري قد تعرّض مرتكبها لضرباتٍ أميركيةٍ لا طاقة لسلطات الأسد على تحمّلها.

بعيداً عن اتهام النظام السوري بالذكاء، لا سمح الله، يسود شعور بأن غريزة البقاء عند بشّار الأسد تؤخّر استجابته للوساطة الروسية ــ العراقية للتصالح مع تركيا. وكأن إحدى شخصياته المتعدّدة تقول له: لا تفتح أبواباً مغلقة على نفسك، لا تخض علاقات سياسية تترتّب عليها قرارات والتزامات جدّية. انظر إلى النصف الممتلئ من كأس سنوات العزلة، أنت في قصرك وهناك من يناديك سيدي الرئيس. ألا يكفيك هذا في دويلة قصر المهاجرين التائهة بين أربع دول أخرى فوق الأرض السورية؟

العربي الجديد

—————————–

مشروع التطبيع التركي مع النظام السوري .. الدوافع والمآلات/ محمود علوش

2024.07.17

خطت تركيا خطوة جديدة نحو تعميق تحوّل سياستها في سوريا من خلال إعادة إظهار رغبتها بتطبيع العلاقات مع دمشق.

وعلى الرغم من أن مسار الحوار الثنائي انطلق قبل أكثر من عام ونصف برعاية روسية ولم يُحقق بعد نتائج واضحة باستثناء كسر الحاجز النفسي في التواصل بين الجانبين على مستويات مُتعددة، إلاّ أن الزخم الحالي في هذا المسار يستمد قوته من بعض التطورات المُهمة في هذا السياق.

فمن جهة، استعاض النظام عن شرط الجدول الزمني للانسحاب التركي بمطلب الالتزام بالانسحاب وبسيادة سوريا، وهو ما تلقّفته أنقرة بإعلان استعدادها لبحث الانسحاب بمُجرد مُعالجة هواجسها الأمنية وإعادة طوعية وآمنة للاجئين على أراضيها، وتحقيق تسوية سياسية للصراع.

ومن جهة أخرى، تُشير تعليقات الرئيس رجب طيب أردوغان حول عدم وجود نية لتركيا للتدخل في الشؤون الداخلية السورية وقبلها حديث وزير خارجيته هاكان فيدان عن الحاجة لمصالحة بين النظام والمعارضة إلى استعداد أنقرة لتحويل وظيفة علاقتها بالمعارضة من داعم لها إلى وسيط بينها وبين النظام لتحقيق المصالحة.

كذلك، تعمل عودة الرعاية الروسية لمسار الحوار بعد التفاعلات الجديدة الأخيرة بين أنقرة وموسكو، ودخول العراق على خط الوساطة كمُحفّز إضافي لإطلاق مشروع التطبيع.

وتستمد هذه التحولات زخماً من الديناميكيات المتحولة المؤثرة على مشروع التطبيع. فمن جانب، تبرز حاجة تركيا إلى التوصل إلى تعاون مع دمشق في تقويض مشروع “الحكم الذاتي” للوحدات الكردية بالتوازي مع محاولتها تطوير استراتيجيتها في مكافحة الحالة الانفصالية الكردية في شمالي سوريا والعراق من خلال إشراك حكومات البلدين فيها.

ومن جانب آخر، يتطلع الأسد إلى المزايا المتصورة للتطبيع مع أنقرة على غرار تعزيز كسر عزلته الإقليمية وتنويع شراكاته مع القوى الفاعلة في المنطقة والحصول على المنافع الاقتصادية في العلاقة الجديدة مع تركيا، فضلاً عن استخدام نفوذ تركيا على المعارضة لإجبارها على الانخراط في مصالحة معه.

علاوة على ذلك، يظهر التطبيع المحتمل بين أنقرة ودمشق مُربحاً للطرفين على صعيد التوصل إلى ترتيب مُسبق لإدارة أي فراغ ينجم عن انسحاب أميركي مُحتمل من سوريا في حال عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر تشرين الثاني المقبل.

إن العقبات التي تعترض مشروع التطبيع عديدة وليس أكثرها تعقيداً مستقبل الوجود العسكري التركي في سوريا، فضلاً عن صعوبة مواءمة مصالح الجهات الفاعلة المختلفة في هذه العملية كإيران والولايات المتحدة. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت المزايا المتصورة للتطبيع والديناميكيات المتحولة في الصراع ستتفوق في النهاية على هذه العقبات.

مع ذلك، فإن مثل هذا التطبيع سيكون له آثار كبيرة على الصراع وعلى الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط. لقد شهد الصراع منذ اندلاعه في عام 2011 العديد من التحوّلات الكبيرة التي أعادت تشكيله. ويُمكن النظر إلى التدخل العسكري الروسي منتصف العقد الماضي والذي عكس مسار الحرب لصالح دمشق، وقبله تشكيل الولايات المتحدة تحالفاً دولياً ضد تنظيم داعش في سوريا والعراق، وصولاً إلى الانخراط العسكري التركي المباشر في الصراع في عام 2016، ثم انخراط أنقرة في منصة أستانة إلى جانب روسيا وإيران لتهدئة الصراع على أنّها أبرز هذه التحولات.

مع ذلك، لم تؤدِ جميعها إلى وضع نهاية للحرب. ويرجع ذلك إلى مجموعة من الأسباب على رأسها أن التحالف القوي الذي أسسته تركيا مع فصائل المعارضة السورية ووجودها العسكري وسيطرتها الإدارية على مساحات واسعة من شمال غربي سوريا، حالت جميعها حتى اليوم دون استعادة النظام السيطرة على آخر معقل للمعارضة.

وعلى الرغم من أن معظم الدول، التي سعت في بدايات الحرب إلى الإطاحة بنظام الأسد من خلال تسليح المعارضة، أحدثت بعد ذلك تحوّلاً كبيراً في سياساتها إن على صعيد التخلي عن هذا الهدف وحصر دورها بمكافحة الإرهاب مثلما فعلت الولايات المتحدة أو على صعيد إعادة تطبيع علاقاتها مع دمشق كما فعلت بعض الدول العربية في السنوات الأخيرة، إلاّ أن التحول التركي في الصراع كان له التأثير الأكثر أهمية على مسار الحرب بعد التدخل العسكري الروسي. فقد كان للتعاون التركي الروسي في الصراع منذ عام 2016 دور حاسم في إحداث تغيير جذري عليه ونقله إلى مرحلة التهدئة بين النظام والمعارضة وصولاً إلى تكريس منطقة خفض التصعيد الرابعة.

وقد أوجد نجاح تجربة منصة أستانة في دفع الصراع نحو حقبة التهدئة آفاقاً أمام تركيا وروسيا لتعميق تعاونهما بشكل أكبر وصولاً إلى مشروع المصالحة بين أنقرة ودمشق.

حقيقة أن تركيا هي الدولة الوحيدة المتبقية التي تدعم المعارضة السورية ولديها وجود عسكري وإداري في شمالي سوريا تُشير إلى الآثار الكبيرة المتوقعة للتطبيع المحتمل على مسار الصراع.

وتُعطي التصريحات التركية في الآونة الأخيرة صورة أكثر وضوحاً عن هذه الآثار المُحتملة التي ستكون على ثلاثة مسارات. الأول يتعلق بالدور الجديد الذي ترسمه تركيا لنفسها كوسيط سلام لإنهاء الحرب.

والثاني يتعلق بالديناميكيات الجديدة التي سيوجدها التطبيع المحتمل في ملف الوحدات الكردية.

والثالث يتعلق بانعكاسات التطبيع على ملف اللاجئين السوريين في تركيا وفي دول الجوار أيضاً. إن مبادرة كل من أنقرة ودمشق إلى تحديد توقّعاتهما العريضة من التطبيع ورفع السقوف التفاوضية هي مُجرد بداية في مسار طويل وشاق ويتطلب تنازلات متبادلة والاستعداد لتحمل التكاليف وصولاً إلى النقطة التي تجعل التطبيع في متناول اليد.

تلفزيون سوريا

—————————-

التسابق التركي نحو التطبيع مع النظام السوري/ فراس رضوان أوغلو

2024.07.17

مع تزايد موجة التصريحات نحو التطبيع مع النظام السوري في الآونة الأخيرة من قبل المسؤولين الأتراك سواء من الحكومة أو المعارضة، لا يمكن وصفه إلا بالتسابق أو السباق الإعلامي على أقل تقدير بين الطرفين.

ولعله من المفهوم توجه المعارضة نحو ذلك التطبيع، فالأمر ليس وليد اليوم بل من سنوات عديدة كانت المعارضة قد اتخذت قرارها السياسي بفتح أبواب التواصل مع دمشق وأنها في حال فوزها بالانتخابات الرئاسية سوف ترحل السوريين إلى بلادهم، وكانت تستخدم هذه الورقة في الانتخابات.

بل إن خطابها السياسي نحو السوريين قد تطور بعد انتخاب رئيس جديد لحزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزال، الذي شرح تفاصيل رؤية حزبه بخصوص السوريين العائدين إلى وطنهم تشمل حزمة مغرية لهم كالسماح للأطفال السوريين الذين ولدوا في تركيا من دخول البلاد دون تأشيرة، وأولوية المقاعد الدراسية لهم وتوفير السكن والإعفاءات الضريبية للسوريين القادمين للسياحة، وأن هناك حزما مغرية سيُكشف عنها لاحقاً.

سواء كانت المعارضة صادقة بهذا الكلام أم لا، إلا أنها عرضت خريطة طريق أو رؤية لها تجاه السوريين على عكس الحكومة التركية التي تطلق تصريحات نارية على لسان قمة الهرم السياسي، الرئيس رجب طيب أردوغان، تتجلى بأن عودة العلاقات مع دمشق فيها مصلحة كبيرة لتركيا وأن ترتيبات وخريطة طريق يقوم بها وزير الخارجية هاكان فيدان من خلال محادثاته مع نظرائه من أجل ذلك.

ورغم أن هذه التصريحات رنانة وفيها تعمد الإظهار الإعلامي لحسابات داخلية وخارجية، إلا أنها تفتقر لتفاصيل أو رؤية واضحة للسوريين المقيمين أو اللاجئين في تركيا.

العودة لن تكون بهذه البساطة أو السهولة ما لم يتم تجاوز عقبات عديدة، أولها الرفض الأميركي لأن واشنطن تعتبر أن عودة العلاقات بين أنقرة ودمشق هو تجاوز للخطوط الحمراء لأعضاء الناتو، بل إنه تجاوز للعقوبات الأميركية المفروضة على النظام السوري وعلى من يتعاون معه.

إضافة إلى ذلك، إن هذا التقارب الهدف منه إنهاء قسد حليف الولايات المتحدة الأميركية في سوريا، وهذا ما لا تريده في الوقت الحالي.

أما العقبة الثانية فهي إيران التي تعتبر أي تقارب بين النظام السوري وتركيا تهديداً لنفوذها في سوريا، وحصل ذلك مسبقاً عندما كانت العلاقات التركية السورية في أوجها.

علاوة على ذلك، أن المستجدات والمتغيرات الحاصلة في منطقة الشرق الأوسط لا تسمح لإيران بالتنازل أو التراجع ولو خطوة واحدة للوراء، خاصة بعد الحرب الإسرائيلية ضد حماس في غزة، إضافة إلى عدم رغبتها في خسارة وجود الميليشيات الموالية لها على الأرض السورية تنفيذاً لاستراتيجية النفوذ المتسلسل من العراق حتى لبنان. وهذا ما صرح به الرئيس أردوغان علناً عندما قال أن على أميركا وإيران دعم هذا التقارب لا رفضه.

العقبة الثالثة هي كيفية إقناع السوريين في الخارج بالعودة لوطنهم بعد كل هذه السنين، فالكثير منهم بنى حياته على وضعه القائم في بلاد الخارج.

علاوة على الحالة الاقتصادية المتردية في سوريا، ولو أضفنا إلى ذلك جيلاً كاملاً من السوريين الذين ولدوا أو كبروا في الخارج، هؤلاء ستكون سوريا بالنسبة لهم هي البلد الغريب. والعقبة الأخيرة هي إقناع السوريين المعارضين للنظام الموجودين أو المرحلين إلى الشمال، فأعداد هؤلاء ليست بالقليلة.

دمشق (النظام) التي ترى كل هذه العقبات ليست في عجلة من أمرها، خاصة بعد أن رأت الهرولة الأخيرة من قبل المسؤولين الأتراك نحوها، فهي تعلم أن الهاجس الأول والأكبر لتركيا هو قضية اللاجئين السوريين لديها. أما النظام فهو غير مستعد لعودة كل هؤلاء اللاجئين الموجودين في تركيا وغيرها من الدول، فلا القدرات الاقتصادية تسمح ولا حتى الأمنية، وكما يُقال في المثل الشعبي “يا شايل الهم من قلب صاحبه”. لأنه في حال فُتح باب عودة اللاجئين السوريين من تركيا، فإنه سينعكس على كل البلاد الأخرى المطالبة بعودة اللاجئين. حتى الرد السوري على التصريحات التي أطلقها الرئيس أردوغان لم يأتِ من قبل مسؤولين سوريين في البداية، بل جاء عبر بيان أصدرته الخارجية السورية، وهذا يعطي دلالة واضحة على عدم الاستعجال من أجل رفع سقف المطالب قدر المستطاع عند لقاء المسؤولين.

وهذا ما أكده رئيس النظام السوري بتصريحه بأن اللقاء مع الرئيس أردوغان ممكن إذا كان يحقق نتائج مفيدة للبلدين، وهذا الكلام مرتبط بالشرطين الأساسيين اللذين وضعتهما دمشق قبلاً وهما الانسحاب من الأراضي السورية أو التعهد بذلك وتوقف تركيا عن دعم المعارضة السورية. فتشابك المصالح المتضاربة بين الدول المتداخلة على الأراضي السورية جعلت يد النظام هي العليا في الآونة الأخيرة وربما سياسة الصمت كانت أنجى من الكلام في الفترة الماضية، وهذه التصريحات ربما تؤكد ما تناولته بعض الوسائل الإعلامية من أن النظام السوري بدأت مصالحه تتضارب مع حلفائه نوعاً ما، خاصة بعد عودة العلاقات وتحسنها مع دول خليجية وعربية، مما تسبب في تضارب المصالح بين دمشق وطهران (حسب ما ذكرته بعض وسائل إعلامية). وهنا لا يمكن تغييب آثار الحرب الإسرائيلية في غزة على المشهد السوري لأن هناك من يعتقد أنه يجب إعادة تأهيل ودعم النظام السوري من أجل استقبال قيادات من الجيل الجديد لحماس وتهدئة المنطقة وإعادتها لما قبل عام 2011، حتى تتم المشاريع الاقتصادية التي كانت قد خططت لها واشنطن من قبل، وأن بقاء المنطقة هكذا دون استقرار أمني سيؤدي لمشكلات أمنية أخرى وما الساحة اللبنانية من هذا ببعيد.

تلفزيون سوريا

————————

لا عزاء للمتضرّرين من التقارب التركي السوري/ هوشنك أوسي

17 يوليو 2024

الدول مصالح، وليست جمعيّات خيريّة مفتوحة الأبواب تقدّم منحاً دائمة وشيكاً على بياض للمعارضات التي تستضيفها. القِرشُ الذي تصرفه دولة ما على معارضة لدولة أخرى تنتظر أن تقبض أضعاف أضعافه مستقبلاً. يفترض أن يعي هذه البديهية ويدركها كل من يعمل في السياسة القائمة على المصالح التي لا صداقات أبديّة أو عداوات أبديّة فيها. إذاً، والحال هذه، على المعارضة السوريّة المتعاونة مع تركيا منذ 2011 عدم الإصابة بالذعر والهلع نتيجة التقارب الحاصل بين النظامين في تركيا وسورية. ذلك أنّه مهما أبدت هذه المعارضة من الممانعة والتحفّظ والامتعاض والرفض والقلق والغضب المعلن وغير المعلن، لن تستطيع إخراج قطار العلاقات بين أنقرة ودمشق عن مساره. أصلاً، كان يفترض بالمعارضة السوريّة أن تدرك تمامًا أنّ “الدور جاي عليها”، عندما بدأت تركيا بتطبيع علاقاتها مع مصر، وطبيعي أنّ ذلك سيكون على حساب المعارضة المصريّة، وتحديداً جماعة الإخوان المسلمين.

مقصدي؛ أهزوجة تحالف “المهاجرين” السوريين و”الأنصار” الأتراك قاب قوسين أو أدنى من لفظ أنفاسها الأخيرة، وباتت الحال أشبه بالقول الشعبي السوري الدارج “راحت السكرة، وأجت الفكرة”. … الغريب واللافت أنّه إذا أجرينا بحثاً في ما أنتجته مراكز البحوث والدراسات التابعة للمعارضة السوريّة، طوال العقد المنصرم، ربّما لن نعثر على دراسة أو بحث استراتيجيّين موضوعيّين، يتناولان بالرصد والتحليل احتمالات عودة العلاقات السوريّة – التركيّة إلى سابق مجاريها وعهدها، والتحسّب والتحوّط لها، ووضع خطط وحلول لما قد يترتّب أو ينجم عن ذلك من نتائج، أو كوارث تلحق الضرر بمصالح اللاجئين السوريين.

البسطاء والسذَّج وحدهم يمكنهم لوم تركيا على إعادتها مياه العلاقة مع نظام الأسد إلى مجاريها. ذلك أنّه من الجنون والعبث أن تبقى أنقرة على عداوة مع نظام الأسد، في حين أن الدول العربيّة وجامعة الدول العربيّة والمجتمع الدولي يتعامل مع هذا النظام بوصفه النظام الشرعي. وإذا كانت تركيا محافظة على علاقاتها مع إسرائيل، أميركا، إيران، العراق…، فهل من المنطق والعقل ومقتضيات المصلحة الوطنيّة والسياسيّة والاقتصاديّة التركيّة العليا… أن تبقى على عداوة أبديّة مع نظام الأسد؟! وهل المعارضة السوريّة (الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية) والجماعات المسلّحة، قادرة على منح تركيا أضعاف ما سيمنحه نظام الأسد لأنقرة، حتّى تفكّر الأخيرة بالمحافظة على علاقاتها الوطيدة مع هذه المعارضة البائسة؟

الأكثر إلحاحاً على الاعتراف والإقرار به هو القول: من المؤسف أنّ المعارضة السوريّة فشلت في إقناع العرب، وفي إقناع المجتمع الدولي، وفي إقناع الداعم الرئيس تركيا، لتكون بديلاً ديمقراطيّاً مدنيّاً علمانيّاً ناجعاً عن النظام السوري، الطائفي الأمني، العسكريتاري، المليشياوي. لقد أثبتت المعارضة أنّها الوجه الآخر لنظام الأسد، لجهة الطائفيّة والفساد والإفساد، وبؤس الإدارة، وأثبت فشلها الذريع بامتياز، مع “مرتبة الشرف”! وعليه، منذ بداية إرهاصات التقارب التركي – المصري كان على المعارضة السوريّة أن تتدارك أوضاعها بسرعة، ومحاولة تقديم بديل مقنع للسوريين والعرب والأتراك والعالم. وهذا ما لم يحصل البتّة، ما وضع العالم بين خياري السيئ والأكثر سوءاً، فاختار نظام الأسد باعتباره الخيار الأوّل.

ذلك الذعر والهلع الذي نراه في أوساط المعارضة السوريّة، ومحاولات التطمين الكاذبة والوهميّة والتعويل على شعارات “المهاجرين والأنصار”، و”الثورة مستمرّة ولم تنتهِ”…، لحالة الذعر تلك ما يماثلها وربّما يتجاوزها في أوساط ما تُسمّى “الإدارة الذاتيّة الديمقراطيّة” الأوجلانيّة – القنديليّة الهوى والميل والتبعيّة. شيء يشبه الهستيريا السياسيّة موجود في إعلام حزب العمال الكردستاني وأفرعه وأذرعه في مناطق “روجافا” أو شرق الفرات. هؤلاء القوم البائسون هم الوجه الآخر للقوم البائسين في المعارضة السوريّة المذكورين آنفاً.

إدارة أو سلطة أو دكتاتوريّة حزب العمال الكردستاني التي تدير “الإدارة الذاتيّة” وقوات سوريا الديمقراطيّة (قسد) أيضاً فشلت فشلاً ذريعاً وقبيحاً في تقديم نموذج الحكم الرشيد والإدارة الجامعة التي يمكن البناء عليها، لتكون بديلاً عما كان نظام الأسد الأب والابن يقدمه لأبناء المنطقة. هذه الإدارة التي تحسب زوراً وبهتاناً أنّها كرديّة، وانفصاليّة، وذاتيّة، وديمقراطيّة، تعدديّة علمانيّة…، المواطنون الكرد والعرب والسريان الذين يعيشون تحت نير سلطتها صاروا يترحّمون على أيّام الأسد الأب والابن.

… الإدارة الأميركيّة، رغم أنّها تحمي إدارة “العمّال الكردستاني” في شرق الفرات لا تعترف بفشلها في فصل هذه الإدارة عن الحزب القنديلي وأذرعه. نعم، فشلت واشنطن في فصل “قسد” عن الحزب، بالرغم من أنّ “قسد” مشروع أميركي مدعوم من بعض دول الخليج ومصر، ليس حبّاً في الكرد، بل كرهاً في تركيا الأردوغانيّة. وها هي ذي الدول تسير بخطى حثيثة لتطبيع الأوضاع مع أنقرة، وفشلت “قسد” و”الإدارة الذاتيّة” في استثمار ذلك الدعم المهول لتثبيت حقوق الكرد في سورية، وتقديم أنموذج إداري معتدل منفتح مرن قابل للتطوّر والتعويل عليه، ويمكن الدفاع عنه.

كما نجح الحزب الأوجلاني التركي، عبر استفزازاته السياسيّة والعسكريّة والإعلاميّة، في تقديم كل المبرّرات العسكريّة والسياسيّة والإعلاميّة المشروعة لتركيا، كي تجتاح مناطق عفرين، رأس العين، تل أبيض، وتبقى تهدد المتبقّي من “روجافا”. وربّما لا يمكن معاتبة قيادة “الكردستاني” من كرد تركيا، المرتبطين، بشكل آو بآخر، بالدولة العميقة في تركيا، لكن العتب على العناصر والقيادات الكرديّة السوريّة داخل حزب العمال الكردستاني، الذين يعبدونه، ويطيعونه طاعة عمياء تتجاوز طاعة عناصر الجماعات الجهاديّة أمراءهم. هؤلاء الكرد السوريون البائسون لا يتحسّبون لتلك اللحظة التي ربّما يتوصّل فيها “الكردستاني” إلى حلّ نهائي مع تركيا، آنئذ ماذا سيكون مصير الكرد السوريين المنخرطين في الحزب الأوجلاني القنديلي؟ هل سيبقون في الجبال؟ ولماذا؟ ذلك أنّهم ليسوا مواطنين أتراك حتّى يسلّموا أنفسهم للسلطات التركيّة ويعودوا إلى بلادهم!

غالب الظنّ أنّنا على مقربة من عقد اتفاقية “أضنة 2″، بين تركيا وسورية. ومثلما تخلّى نظام حافظ الأسد في اتفاقيّة أضنة الأمنيّة في أكتوبر/ تشرين الأول 1998 عن لواء إسكندرون نهائيّاً لتركيا، كذلك في أيّ اتفاقيّة جديدة، سيتخلّى نظام الأسد عن مناطق عفرين ورأس العين وتل أبيض لتركيا ويبقى الأسد محافظاً على كرسيه وحماية نفسه وأركان نظامه من المحاكم الدوليّة. وفي حال حدوث ذلك، لا يمكن لأحد أن يلوم تركيا التي خرجت رابحة من كل الفشل الذي أنجزه نظام الأسد ومعارضته.

لقد جعل “العمّال الكردستاني” من الكرد السوريين مقاتلين تحت الطلب، للقتال بدلاً من الجيش الأميركي في الحرب على مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، من جهة، ولخدمة نظام الأسد، من جهة أخرى. كذلك جعلت تركيا من السوريين مقاتلين تحت الطلب للقتال في حروب بالوكالة عن تركيا، خارج حدودها. المعارضة السوريّة تتحكّم بها الدولة الرسميّة العلنيّة في تركيا. أمراء الحرب في المعارضة السوريّة (الائتلاف وفصائله المسلّحة) وفي “الإدارة الذاتيّة” و”قسد” لهؤلاء منافذ هروبهم وملاذاتهم الآمنة. سينجح هؤلاء في تهريب (وتأمين) أموالهم وأولادهم إلى تلك الملاذات. والخسارة الماديّة والمعنويّة الكبرى لاحقة لا محالة بأولئك السوريين المخدوعين بتلك الكيانات السياسيّة البائسة الفاشلة التي أتلفت المجتمع السوري، وألحقت به أفدح الأضرار والتمزّقات أفقيّاً وعموديّاً. وفي حال جرى إيجاد حل نهائي للمسألة السوريّة، بديهي أن أمراء الحرب في النظام والمعارضة سيتصدّرون المشهد مجدّداً، كما جرت العادة في لبنان والعراق وأماكن أخرى، وتعاود طاحونة شعارات المتاجرة بدماء السوريين دورانها.

العربي الجديد

——————————-

==================

تحديث 16 تموز 2024

————————

هل يكسر موقف الأسد إلحاح إردوغان على لقائه ويحطم دوافعه للتطبيع؟/ سعيد عبد الرازق

أكراد تركيا قلقون من تحالف محتمل بين أنقرة ودمشق وبغداد… وأربيل

16 يوليو 2024

أعادت دمشق الجهود المبذولة لكسر الجمود المستمر لأكثر من عام في مسار محادثات إعادة العلاقات الطبيعية مع أنقرة، التي قادتها روسيا على مدى أكثر من 3 سنوات، إلى المربع الأول بإعلان التمسك بمطلبها الأساسي؛ وهو انسحاب تركيا من شمال سوريا ووقف دعم «المجموعات الإرهابية»، وتقديم ضمانات واضحة بذلك.

وبعدما أصدرت وزارة الخارجية السورية بياناً، السبت الماضي، كسر صمت دمشق المثير للتساؤلات تجاه تصريحات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان المتكررة، عن توجيهه الدعوة إلى الرئيس بشار الأسد للقاء في تركيا أو في دولة ثالثة، خرج الأسد بنفسه ليؤكد استعداده للقاء «إذا كان ذلك يحقق مصلحة»، موضحاً أن المشكلة «ليست في اللقاء بحد ذاته؛ وإنما في مضمونه».

ورفض الأسد وصف متطلبات دمشق بـ«الشروط» في ما يتعلق بالانسحاب التركي ووقف دعم «المجموعات الإرهابية»، قائلاً إن «هناك متطلبات تنبع من القانون الدولي وليست طلبات أو شروطاً».

أهداف ودوافع متباينة

وبينما تتمسك دمشق بالانسحاب و«وقف دعم الإرهاب» بوصف ذلك مطلباً وحيداً من أجل البدء في جهود إعادة العلاقات مع تركيا إلى طبيعتها، يشدد المسؤولون الأتراك، وفي مقدمهم الرئيس إردوغان، على سببين رئيسيين يدفعان باتجاه الرغبة القوية في إعادة العلاقات الطبيعية مع دمشق، هما: منع جهود «حزب العمال الكردستاني» و«امتداده في سوريا»؛ أي «وحدات حماية الشعب» الكردية التي تقود «قوات سوريا الديمقراطية (قسد)»، لإنشاء «دويلة إرهابية» في شمال سوريا. والثاني حل مشكلة اللاجئين وضمان عودتهم الآمنة واسترداد ممتلكاتهم.

ويضيف بعض الخبراء والمحللين دوافع أخرى، مثل فتح طرق التجارة الدولية عبر سوريا أمام البضائع التركية بغية إنعاش الاقتصاد التركي الذي يواجه أزمة خانقة، دفعت بدورها إلى حالة من الغضب والممارسات العنصرية تجاه اللاجئين السوريين في تركيا.

ويبدو من سياق التطورات أن روسيا تريد دفع تركيا إلى انفتاح سريع على الأسد من دون الحديث عن ضمانات أو تنازلات، من خلال إيجاد صيغ أخرى ستتطور خلال المحادثات للقضاء على مخاوف تركيا من قيام «دولة كردية» على حدودها.

لكن الواضح أيضاً أن الجانب الإيراني، وهو الضلع الثالث في «مسار آستانة» للحل السياسي في سوريا مع كل من تركيا وروسيا، لا يرغب في الوجود العسكري التركي في شمال سوريا، وبالتالي يريد ضمانات للانسحاب.

وكانت محادثات إعادة العلاقات بين تركيا وسوريا قد أدرجت ضمن «مسار آستانة» بعد عامين من إجرائها على مستوى ثلاثي ضم روسيا وتركيا وسوريا.

نطاق ضيق

وأظهرت تركيا في الأشهر الأخيرة «مرونة طفيفة» في مناقشة مسألة الانسحاب التي كانت تعدّها من «الخطوط الحُمر» من قبل، وربطت الانسحاب بتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي بشأن سوريا «2254» الصادر عام 2015، والانتهاء من العملية السياسية، وإعداد الدستور، وإجراء انتخابات حرة بمشاركة جميع الأطياف السورية.

وإذا كانت أنقرة يمكن أن تقبل صيغاً معينة؛ منها الصيغة الروسية التي طرحت خلال جولات المحادثات السابقة بشأن تحديث «اتفاقية أضنة» لعام 1998 التي أعطت لتركيا الحق في إرسال قواتها لمسافة 5 كيلومترات في عمق الأراضي السورية لمطاردة مسلحي «العمال الكردستاني»، مع توسيع مداها إلى ما يتراوح بين 30 و40 كيلومتراً كما تطلب أنقرة، فإنها تؤكد أن الجيش السوري غير قادر في الظروف الراهنة على بسط سيطرته على الحدود ومنع تهديدات المسلحين الأكراد، فضلاً عن أن هناك تنسيقاً بين القوات السورية و«قسد»، التي تسيطر على نحو 30 في المائة من مساحة البلاد، في كثير من المناطق بشمال سوريا.

التمسك بالوجود العسكري

وفي ما عُدّ رداً رسمياً من جانب أنقرة على بيان «الخارجية السورية»، الذي أكد تمسك دمشق بالانسحاب التركي، قال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، الأحد غداة البيان السوري، إن «مساعي تركيا واضحة وصريحة، ورغبتها في تطبيع العلاقات مع سوريا طبيعية، وموقفها من تطبيع العلاقات سيصب في مصلحة جميع دول المنطقة».

واستدرك: «أما بالنسبة إلى الوجود العسكري لتركيا في شمال سوريا، فإنه يستهدف الإرهاب والتنظيمات الانفصالية». وأضاف أن «مساعينا المستمرة ضد التنظيمات الإرهابية داخل أو خارج حدودنا والقضاء على خلايا تنظيم (داعش)… وغيره من التنظيمات الإرهابية، لا سيما (حزب العمال الكردستاني) وامتداداته، إلى جانب قضية اللاجئين… كلها ستكون على طاولة المفاوضات».

وأكد أن دعوة تركيا إلى إحلال السلام وإعادة العلاقات مع سوريا «لا تنبع من موقف ضعف؛ بل ندعو الجانب السوري إلى التعاون معنا؛ لأن سوريا في أزمة كبيرة، ولذلك يجب أن نجلس إلى طاولة المفاوضات، التي من المعلوم أنها ستستغرق وقتاً طويلاً؛ لأن هناك أطرافاً كثيرة في سوريا، مثل روسيا وإيران والولايات المتحدة، ومناطق تحت سيطرة المعارضة، وأخرى تحت سيطرة تنظيمات إرهابية (وحدات حماية الشعب – الكردية)، مع ظهور لتنظيم (داعش) الإرهابي من فترة لأخرى».

وتطرق إلى مشكلة اللاجئين السوريين في تركيا، قائلاً: «إننا لم ولن نجبر أي لاجئ على العودة إلى بلاده قسراً، وسنواصل السياسة ذاتها. إرادتنا واضحة؛ هي إحلال السلام وإيجاد الحلول لجميع المشكلات في المنطقة، وننتظر من حليفتينا روسيا وإيران الدعم في هذا الأمر».

وبينما يشكل ملف اللاجئين هاجساً للجميع في تركيا؛ حكومة ومعارضة وعلى مستوى المجتمع بشكل عام، يعبر أكراد تركيا، عبر ممثلهم حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، وهو ثالث أكبر أحزاب البرلمان التركي بعد حزبي «العدالة والتنمية» الحاكم، و«الشعب الجمهوري» المعارض، عن مخاوف من إعادة العلاقات أو «التطبيع» مع سوريا، ومن احتمالات نشوء تحالف تركي – سوري – عراقي ضد الأكراد في المنطقة.

وتساءلت المتحدثة باسم الحزب، عائشة غل دوغان، تعليقاً على تصريحات وزير الخارجية، فيدان، عن رغبة تركيا في «إحلال السلام في سوريا»، وإشارته إلى أن الأمر سيحتاج إلى مفاوضات تستغرق وقتاً طويلاً، وأن الوضع في سوريا معقد، قائلة: «نحن نتحدث عن حالة حرب مستمرة لأكثر من 10 سنوات؛ ما الدور الذي لعبته تركيا في هذا الوضع المعقد في سوريا؟ وماذا ستفعل هذه المرة؟ إذا بدأ جنون التطبيع واستمر؛ فماذا سيحدث؟ ألا نرى في الأشهر الأخيرة أنه لا تطبيع بقول تطبيع؟».

وأضافت: «إذا كانت الحكومة تبحث عن التطبيع مع سوريا، وإذا كانت ستفعل ذلك بالفعل من خلال إعادة التفكير في الماضي، فلا بد من مشاركة ذلك مع الجمهور بطريقة مفتوحة وشفافة، وأن توضح ماذا ستفعل تركيا بشأن اللاجئين، وما نوع التخطيط الذي سيجري؛ بما في ذلك العودة الطوعية».

وتابعت: «الشعب الذي يعيش في سوريا يريد أن يعيش في سوريا موحدة وديمقراطية، هل تحترم أيضاً إرادة هذا الشعب؟ نحن قلقون للغاية بشأن ما يحدث في إقليم كردستان العراق (العمليات العسكرية التركية في شمال العراق). يتعين على الأكراد أن يناضلوا من أجل البقاء في جميع المناطق الجغرافية، أينما كانوا، ويستخدموا حقوقهم المشروعة تماماً ضد هذه الهجمات».

وعدّت أن «التحالف الذي سيقام بين أنقرة وبغداد ودمشق وأربيل ينبغي ألا يكون تحالف حرب وصراع، وإذا كان للتحالف أن يقام، فيجب أن يكون تحالفاً ضد الحرب والصراع ولحماية مكتسبات الشعب، على عكس ما جرى تأسيسه حتى الآن. كل الحسابات التي يجب إجراؤها في هذه الفترة يجب أن تكون من أجل مزيد من السلام والتعايش»

الشرق الأوسط

———————-

خلافات الفصائل السورية تتزايد قبل تفاهم الأسد وأردوغان

الاحتجاجات في مناطق سيطرة أنقرة سببها الرئيسي الاستياء من التقارب السوري – التركي.

الثلاثاء 2024/07/16

لندن- يستفز الزخم المتزايد المرتبط بإعادة إحياء العلاقات بين سوريا وتركيا بعض الفصائل السورية وسكان المناطق الخاضعة لسيطرة أنقرة، رغم أن تصريحات الرئيس السوري بشار الأسد الإثنين تشير إلى أن التفاهمات بين الطرفين مازالت بعيدة التحقق.

 وقال الأسد إنه لن يلتقي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلا إذا تمكن البلدان من التركيز على القضايا الجوهرية المتمثلة في كفّ أنقرة عن دعم “الإرهاب” وانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية.

ويرجح محللون ردّ فعل قويّا من السكان الذين يعيشون في المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا في حال تم تطبيع العلاقات، خاصة بعد الاحتجاجات التي اندلعت مؤخرا في مناطق سيطرة أنقرة ردا على الهجمات العنصرية ضد السوريين المقيمين في تركيا.

وبحسب هؤلاء المحللين كانت الهجمات العنصرية محفزا للاحتجاجات في شمال سوريا، لكنها ليست المتسبب الوحيد في نشوبها، مؤكدين أن السبب الرئيسي هو الاستياء العام المتزايد من المناقشات الأخيرة حول التطبيع المحتمل للعلاقات بين تركيا ونظام بشار الأسد.

وعلى الرغم من طابعها الشعبي كشفت الاحتجاجات عن الانقسامات بين مختلف فصائل المعارضة. وأظهر البعض دعما لدفع تركيا نحو التطبيع مع نظام الأسد، في حين تبنى آخرون مواقف معارضة ومستقلة رغم النفوذ التركي.

كما يثير الانقسام القائم بين الفصائل السورية المسلحة وتفاوت مستويات امتثالها لتوجيهات تركيا التساؤل عن مدى قدرة أنقرة على السيطرة على هذه الجماعات في المواجهات المستقبلية، وإعادة هيكلتها، واستبعاد الأعضاء والقادة المعارضين.

وبحسب تحليل منشور في معهد الشرق الأوسط تبرز خارطة النفوذ العسكري والأمني في الشمال السوري ستّة فصائل رئيسية في الجيش الوطني السوري في ريف حلب الشمالي، بينما لا تزال إدلب تحت سيطرة هيئة تحرير الشام السنية.

ورغم اشتراك فصائل الجيش الوطني السوري في الأيديولوجيا نفسها إلا أنها تختلف في هيكلها وأدوارها، وهو ما دفع كل فصيل منها إلى تبني موقف متميز خلال الاحتجاجات الأخيرة.

وكانت حركة التحرير والبناء، بقيادة أبوحاتم شقرا، من الفصائل البارزة. وتشمل مقاتلين نازحين من دير الزور في شرق سوريا وتسيطر على جرابلس وأجزاء من الباب. وهي أحد الفصائل التي شاركت في الاحتجاجات بنشاط.

واقتحم مقاتلوها المبنى الإداري لمعبر أبوالزندين ومنعوا الشاحنات التجارية من المرور قبل أيام من اندلاع الاحتجاجات الشعبية. كما انضم أعضاء حركة التحرير والبناء مباشرة إلى الاحتجاجات في الباب وجرابلس، وقادوا حملة من أعمال الشغب والعنف ضد المباني الحكومية، ومنعوا الموظفين الأتراك من أداء واجباتهم، واعتدوا على سائقي الشاحنات الأتراك، وأغلقوا معبر جرابلس الحدودي مع تركيا.

في المقابل أبدت جبهة فتح الشام، الناشطة في أعزاز، المزيد من ضبط النفس في دعمها للاحتجاجات. وبينما شجعت قاعدتها في أعزاز على الانضمام إلى المحتجين لم يشارك أعضاؤها المسلحون مباشرة. وركزوا بدلا من ذلك على حماية المباني الحكومية بإنشاء طوق أمني ومنع المتظاهرين من اختراقه. لكنهم لم يتمكنوا من السيطرة الكاملة على الحشود عند معبر باب السلامة، حيث اقتحم المتظاهرون المبنى، ما أدى إلى سقوط العديد من الضحايا. وتمكنت الجبهة في النهاية من استعادة الهدوء بعد أن ناشد السكان المحليون المتظاهرين الحد من التوترات وتجنب العنف.

وفي الوقت نفسه لا يزال موقف هيئة تحرير الشام، التي تسيطر على إدلب وتتمتع بنفوذ كبير على الأمن في عفرين، غامضا. وحظرت الاحتجاجات الكبيرة في إدلب ووصفت وسائل الإعلام التابعة لها الهجمات العنصرية ضد السوريين في تركيا بمحاولة أصحاب النوايا السيئة الحضّ على “الفتنة”. لكن الوضع في عفرين يروي قصة مختلفة. وتسلل مسلحون ملثمون، قد يكونون مرتبطين بهيئة تحرير الشام، إلى الاحتجاجات في عفرين وجنديرس، وهو ما صعّد الاضطرابات إلى مواجهة مسلحة مع القوات التركية قرب مبنى السراي في عفرين.

وفي مقابل أدوار الجماعات المذكورة سابقا حافظت فرقة السلطان مراد بقيادة فهيم عيسى، وفصيل الحمزة برئاسة سيف أبوبكر، وفصيل السلطان سليمان شاه بقيادة محمد الجاسم، على موقف محايد أثناء العمل على احتواء الاحتجاجات. ونشرت قوات لحماية المباني الحكومية داخل مناطق نفوذهم وشاركت في قمع المتظاهرين.

وليست الانقسامات بين الفصائل العسكرية ودرجات امتثالها للأوامر والتوجيهات التركية جديدة. كما لم تنشأ نتيجة للاحتجاجات الأخيرة فقط؛ فعلى سبيل المثال داهم مقاتلون أصلهم من دير الزور، وهم حاليا أعضاء في حركة التحرير والبناء، ناحية تادف التي تسيطر عليها قوات نظام الأسد في 2018، رغم اعتراض تركيا.

 كما رفضت حركة التحرير والبناء وفصائل جبهة الشام إرسال مقاتلين إلى دول مثل أذربيجان وليبيا والنيجر خلال السنوات الأخيرة. ولذلك حجبت تركيا الدعم عن هذه الجماعات خلال فترات معينة.

ومن جهتها أبدت فرقة السلطان مراد وفصيلا الحمزة والسلطان سليمان شاه حتى الآن استعدادا أكبر للامتثال لتوجيهات تركيا. وأرسلت على سبيل المثال مقاتلين إلى ليبيا وأذربيجان والنيجر بناء على طلب أنقرة. كما عارضت تركيا أكثر من مرة تغيير قادة هذه الجماعات أو محاولات تقليص نفوذهم.

ويمكن أن يرجع اختلاف مستويات الامتثال لتوجيهات تركيا وأشكاله إلى تاريخ كل فصيل وقيادته وخلفية أعضائه الاجتماعية ومدى الدعم الشعبي الذي يحظى به. وكانت تركيا وراء تأسيس فرقة السلطان مراد وفصيليْ الحمزة والسلطان سليمان شاه خلال العمليتين العسكريتين “درع الفرات” و”غصن الزيتون”.

 وكانت قبل ذلك بقايا صغيرة من كتائب داخل الجيش السوري الحر. ولم يكن لأنقرة في المقابل أي دور في إنشاء جبهة الشام وحركة التحرير والبناء. وهيمن خلفاء مجموعات أكبر، بما في ذلك لواء التوحيد ولواء الفتح و”أحرار الشام – القطاع الشرقي”، المعروفة محليا بأحرار عولان، وبعض فصائل الجيش السوري الحر التي تأسست عام 2012.

وتشمل العوامل الأخرى التي تسهم في الانقسام بين الجماعات خلفيات قادتها العرقية وتركيبة مقاتليها. ويُذكر أن فهيم عيسى وسيف أبوبكر من أصل تركي، لكن قادة جبهة الشام وحركة التحرير والبناء من أصل عربي.

—————————

الأسد لإردوغان: لتقارب طبيعي… «بلا بهلوانيات»/  علاء حلبي

 الثلاثاء 16 تموز 2024

في 8151 مركز اقتراع موزّعة على مناطق سيطرة الحكومة السورية، انتخب السوريون أعضاء «مجلس الشعب» الجدد، البالغ عددهم 250 عضواً من بين 1516 مرشحاً، ضمن الدور التشريعي الرابع (رابع انتخابات للمجلس بعد إقرار دستور جديد لسوريا عام 2012) وسط إقبال متفاوت بين منطقة وأخرى، وبعض المحاولات للتشويش على الانتخابات في بعض المناطق. والانتخابات التي شهدت بشكلها العام هدوءاً وحركة طبيعية في معظم المناطق، وأعلنت «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) منع إجرائها في مناطق سيطرتها شمال شرقي البلاد، تخللتها بعض الفوضى في السويداء، إثر تعرّض بعض مراكز الاقتراع لما وصفه مصدر محلي تحدّث إلى «الأخبار»، بـ«أعمال تخريبية تهدف إلى منع إجراء الانتخابات»، قبل أن يظهر عدد من وجهاء السويداء، وبينهم شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، يوسف جربوع، ويعلن مشاركته في الانتخابات، ويصفها بأنها «واجب وطني وخطوة أساسية في اتجاه التحديث والإصلاح».

لأسد: نحن إيجابيون تجاه أي مبادرة لتحسين العلاقة مع تركيا (أ ف ب)

وسبقت إجراء الانتخابات عمليات انتخاب داخلية في «حزب البعث» الحاكم في سوريا، جرى خلالها اختيار أسماء المرشحين وفق آلية جديدة عُرفت بمصطلح «الاستئناس» الحزبي، ليتم في وقت لاحق الإعلان عن لوائح تضم مرشحي «البعث» ومرشحين من أحزاب أخرى وبعض المستقلين. وبينما فتحت السلطات الأبواب للاقتراع في الساعة التاسعة صباحاً على أن تغلق الصناديق في الساعة السابعة، أعلنت «اللجنة القضائية العليا للانتخابات» تمديد التصويت حتى الساعة التاسعة مساء في جميع المراكز، باستثناء درعا التي أُغلقت فيها الصناديق في السابعة. وترافق عقد الانتخابات في سوريا مع سلسلة تصريحات غربية معتادة، شنّت هجوماً سياسياً لاذعاً على دمشق عبر مختلف المنصات. وبدا واضحاً توافق معظم التصريحات البريطانية والألمانية والفرنسية على استخدام المصطلحات نفسها التي تتحدّث عن عدم ملاءمة الظروف لإجراء الانتخابات في الوقت الحالي، و«تسبب إجرائها بمزيد من الانقسام».

وعلى هامش مشاركته في الانتخابات، أدلى الرئيس السوري، بشار الأسد، بتصريحات عديدة بعضها يتعلق بالانتخابات القائمة ودور مجلس الشعب، وبعضها الآخر مرتبط بالوساطة التي تجريها روسيا والعراق مع تركيا لفتح الأبواب المغلقة بين البلدين، في ظل حماسة الرئيس التركي المعلنة للقاء الأسد وإنهاء القطيعة القائمة. وتساءل الرئيس السوري، في تصريحاته التي رفض من خلالها استعمال مصطلح «تطبيع» كونه «قسرياً»، معتبراً أن العلاقات الطبيعية مع دول الجوار هي علاقات قائمة ومستمرة، عن سبب القطيعة المستمرة منذ 13 عاماً، في إشارة إلى الدور التركي في دعم الفصائل المسلحة وتمهيد عبور «الجهاديين» إلى سوريا.

وفي ردّه على إعلان تركيا المتواصل رغبتها في الانفتاح على دمشق، والمبادرات القائمة (الروسية والعراقية)، قال الأسد: «نحن إيجابيون تجاه أي مبادرة لتحسين العلاقة وهذا شيء طبيعي، لا أحد يفكر أن يخلق مشاكل مع جيرانه ولكن هذا لا يعني أن نذهب من دون قواعد، اللقاء هو وسيلة والوسيلة بحاجة إلى قواعد ومرجعيات عمل لكي تُنتج فإذا لم تُنتج فقد تصبح العلاقات أسوأ». وتابع أن «الحديث عن المبادرات جديد، ولكن بداية المبادرات كانت قبل خمس سنوات (…) دمشق كانت دوماً تكرر نفس المواقف، أزيلوا الأسباب تظهر النتائج». وأضاف: «أول سؤال يجب أن نسأله: لماذا خرجت العلاقات عن وضعها الطبيعي منذ ثلاثة عشر عاماً؟ لم نسمع أي مسؤول تركي يتحدث عن هذه النقطة بشكل صريح»، مشيراً إلى أنه «في الماضي كانت الأمور هادئة (…) سوريا دائماً متمسكة بما التزمت به منذ أكثر من ربع قرن، في موضوع الأمان على طرفي الحدود ومكافحة الإرهاب»، في إشارة إلى «اتفاقية أضنة» الموقّعة بين دمشق وأنقرة عام 1988، والتي تتضمن تشكيل غرفة عمليات مشتركة سورية – تركية لضبط الحدود.

وفي ردّه على سؤال حول لقاء الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، قال: «إذا كان اللقاء يؤدي إلى نتائج أو إذا كان العناق أو العتاب أو تبويس اللحى كما يقال باللغة العامية، يحقق مصلحة البلد فأنا سأقوم به»، مضيفاً أن «المشكلة لا تكمن في اللقاء وإنما في مضمونه». وتساءل: «ما هي مرجعية اللقاء؟ هل ستكون هذه المرجعية هي إنهاء أسباب المشكلة التي تتمثل في دعم الإرهاب والانسحاب من الأراضي السورية؟»، ليجيب: «هذا هو جوهر المشكلة ولا يوجد سبب آخر، فإذا لم يكن هناك نقاش حول هذا الجوهر فماذا يعني اللقاء؟»، نافياً ما قاله وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، أخيراً حول إجراء لقاءات سرية. وقال: «لا يوجد شيء سري. بالنسبة إلينا في سوريا كل شيء مُعلن. عندما يكون هناك لقاء سنعلن»، رافضاً، في الوقت ذاته، وصف موقف دمشق بأنه «مشروط»، مشيراً إلى أنه «من دون متطلبات لا تنجح العملية، فما نتحدث عنه هو المتطلبات التي تفرضها طبيعة العلاقات بين الدول، ويعبّر عن هذه المتطلبات القانون الدولي أيضاً».

وشدّد الرئيس السوري الذي نفى حصول دمشق على أي ضمانات، على أن دمشق تسير «بشكل إيجابي ولكن استناداً إلى مبادئ واضحة هي القانون الدولي والسيادة». وقال إن «الأمر لا يحتاج إلى تكتيكات وبهلوانيات سياسية ولا إعلامية، هذه العلاقة طبيعية وسنصل إليها، والأصدقاء يدعمون هذا الشيء (…) الأصدقاء الذين يبادرون من أجل حل المشاكل بيننا وبين تركيا ملتزمون بالقانون الدولي، ما يعني أن ما نطالب به هو حق لسوريا وهو قانون دولي ولا أحد يستطيع أن يكون عكسه، ربما يطالبون أحياناً ببعض الإجراءات وهذا قابل للحوار والنقاش، لكن الإجراءات شيء وتجاوز المبدأ شيء آخر، ولا يمكن تجاوز المبادئ التي نبني عليها مصالحنا الوطنية».

وجاءت تصريحات الرئيس السوري، المطوّلة والمفصّلة، بعد يومين من إصدار الخارجية السورية بياناً شكرت خلاله الدول التي تجري الوساطة مع تركيا، مجدّدة موقف دمشق الثابت حول خروج القوات التركية ووقف دعم الفصائل، الأمر الذي من شأنه أن يعيد العلاقات بشكلها الطبيعي إلى ما قبل اندلاع الحرب عام 2011، والتي تورطت فيها تركيا بشكل كبير، قبل أن تتحوّل مع استمرارها إلى عبء يرهق كاهل أنقرة، التي تحاول التخلص من ذلك عبر مساعي الانفتاح.

الاخبار

————————

هل توافق إيران تطبيع العلاقات بين سوريا وتركيا؟/ حسن الشاغل

16/7/2024

تسعى روسيا منذ مدة لدفع النظام السوري وتركيا لتطبيع العلاقات، مستغلة الواقع الذي فرضته بعد تدخلها العسكري في سوريا عام 2015؛ لإبقاء نظام بشار الأسد في الحكم، وتشجع على ضرورة العودة للتعامل مع نظامه كجزء من المنظومة الدولية، بعد سنوات من العزلة.

استضافت موسكو في 10 مايو/ أيار 2023، اجتماع وزراء خارجية كلٍّ من النظام السوري وإيران وروسيا وتركيا، والذي يصنف كأعلى مستوى من اللقاءات الرسمية بين النظام السوري وتركيا منذ قطع العلاقات عام 2012، وتوصّلت الأطراف المجتمعة إلى استمرار المحادثات على مستوى مساعدي وزراء الخارجية؛ لوضع خريطة طريق من شأنها أن تؤدي نهاية المطاف إلى تطبيع العلاقات بين البلدين.

وكان قد عُقدَ في ديسمبر/ كانون الأول 2022 بين كلٍ من روسيا وتركيا وسوريا اجتماعٌ على مستوى وزراء الدفاع في موسكو، وكان هذا الاجتماع بمثابة الخطوة الأولى من خطوات عملية التقارب بين البلدين.

صرّح الرئيس أردوغان في 12 يوليو/ تموز 2024 بعد اجتماع لقادة حلف الناتو في واشنطن عن وساطة روسيّة للقاء بشار الأسد في تركيا أو في دولة ثالثة، وأعرب عن ضرورة دعم كل من إيران والولايات المتحدة الأميركية تطبيع العلاقات بين تركيا والنظام السوري، ويدلّ هذا التصريح على وجود عراقيل تضعها إيران أمام تطبيع العلاقات بين الدولتين، ومن الواضح أن المبادرات المتكررة من روسيا لوضع خريطة طريق لتطبيع العلاقات التركية مع النظام السوري دائمًا تصطدم برفض إيراني.

التطبيع يعزز النفوذ الروسي في سوريا بدلًا من إيران

إنَّ انضمام الأتراك إلى جانب الروس والنظام السوري، للتعاون في الملفات الأمنية والعسكرية والاقتصادية؛ يخفض من الدور والنفوذ الإيراني لصالح الروس والأتراك في سوريا، انطلاقًا من أنّ أي تفاهمات بين نظام دمشق وأنقرة لا تضمن انسحاب القوات التركية من شمال البلاد، ستكون بمثابة إضعاف للنفوذ الإيراني في سوريا مستقبلًا، فتركيا ترفض بشكل قطعيّ انسحاب قواتها.

ومن الجدير بالذكر أنّ القوات التركية أسست قواعد عسكرية يقيم فيها آلاف الجنود في شمال العراق منذ عام 1998، لملاحقة القوات المسلحة التابعة لحزب العمال الكردستاني، وحتى تاريخ كتابة هذه السطور لم تسحب قواتها؛ أضف إلى ذلك أن الوضع الأمني والقوة العسكرية للعراق في تلك الفترة لا يقارنان بالوضع الأمني والعسكري في سوريا في الوقت الحالي.

وبدورها، ترى تركيا أن انسحاب قواتها من الممكن أن يخلق فجوة أمنية على حدودها الجنوبية. وانطلاقًا من ذلك، يمكننا القول إن أنقرة متمسكة ببقاء قواتها متمركزة في سوريا على المديين: المتوسط والطويل. وبالنتيجة فإنَّ تأسيس أي شكل من أشكال التعاون الأمني والعسكري بين تركيا والنظام السوري على أساس الوضع الراهن ببقاء القوات التركية، سيكون على حساب النفوذ الإيراني بلا شك؛ لأن روسيا وتركيا إلى جانب النظام سيديرون الملفات العالقة ضمن تكتّل واحد.

لذلك ترى طهران في الشكل الحالي للتطبيع بين تركيا والنظام السوري إنقاصًا من نفوذها على الأراضي السورية. ومن الناحية السياسية ستحقق موسكو نصرًا دبلوماسيًا لجهودها في تحقيق تقارب بين نظام دمشق وأنقرة، ومن ناحية أخرى تكون موسكو هي من قادت النظام نحو التطبيع على الرغم من المعارضة الإيرانية، وهو ما سيقلل من نفوذها على النظام من ناحية صناعة السياسة الخارجية.

تركيا ستلتهم السوق السورية على حساب المنتجات الإيرانية

تعد تركيا دولة منتجة لكافة السلع الاستهلاكية الغذائية والصناعية والتكنولوجية، واعتمدت عليها مناطق المعارضة في تأمين غالبية احتياجاتها، حيث بلغت قيمة وارداتها 2.2 مليار دولار بحسب هيئة الإحصاء التركية لعام 2022. وقد ترى تركيا في أسواق مناطق سيطرة النظام السوري مستوردًا ذا جدوى اقتصادية مرتفعة، أولًا لقربها الجغرافي، وثانيًا بسبب الحاجة الملحة في أسواق النظام للسلع الغذائية والصناعية، وثالثًا لأن تركيا ستكون الملجأ الأهم للنظام للالتفاف على العقوبات الدولية من خلال التعامل مع شركات تركية، أو فتح شركات في تركيا تصدر جميع الاحتياجات إلى مناطق سيطرته.

ووفقًا لهذه المعادلة تكون إيران قد خسرت جزءًا كبيرًا من تجارتها مع النظام السوري لصالح تركيا القريبة منه جغرافيًا، والتي تمتلك في الوقت ذاته منتجات ذات جودة أعلى من المنتجات الإيرانية، وقد تلقى رواجًا وقبولًا أكثر في السوق السورية.

استبعاد إيران من المحادثات الثنائية

تعتبر إيران إحدى الدول الضامنة لمسار أستانا إلى جانب كل من روسيا وتركيا، وهو مسار طرحته الدول الثلاث لخفض التصعيد ووقف إطلاق النار في بعض مناطق سوريا، وقد ترى إيران في الجهود الروسية لتشجيع تطبيع النظام وتركيا للعلاقات السياسية، والاتفاق على تطبيق بعض الإجراءات الأمنية والعسكرية في البلاد، والوصول إلى اتفاقات خارج مظلة أستانا إبعادًا لها عن أيّة مشاركة فعلية في حلّ الملف السوري.

وفي وقت سابق صرح الرئيس أردوغان معلقًا على المبادرة العراقية التي أعلن عنها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بتاريخ 6 يونيو/ حزيران 2024 للوساطة بين تركيا والنظام السوري، بإعلان عدم قبوله وجود طرف ثالث إلى جانب النظام السوري في أي تفاهمات بين البلدين، وهو ما قد يدل على عدم رغبة الأتراك بوجود الإيرانيين في أيّ تفاهمات مع النظام السوري.

هل يستطيع الأسد مقاومة الرغبات الإيرانية؟

من غير الواضح إلى متى سيستطيع النظام مقاومة الرغبات الإيرانية برفض تطبيعه للعلاقات مع تركيا، وفي الوقت ذاته بوجود ضغط روسي لقبول مسار التطبيع. وقد أعلن الرئيس أردوغان مرارًا أنه مستعد للقاء الرئيس بشار الأسد بحسب تعبيره، إلا أن وكالة سانا السورية الرسمية نشرت في 13 يوليو/ تموز 2024 رد النظام على دعوات أردوغان، بأن سوريا لن تطبع العلاقات مع تركيا حتى تعود الأمور لما قبل عام 2011، وهذا يعني انسحاب القوات التركية، وإنهاء دعم المعارضة عسكريًا وسياسيًا.

وإنَّ الرفض السوري لدعوات الرئيس أردوغان يحمل إحدى رسالتين: الأولى أن النظام السوري يريد أن يخرج أمام قاعدته الشعبية بمظهر المنتصر، وأن تركيا هي من تريد تطبيع العلاقات، والثانية استجابة الأسد للضغط الإيراني بعدم التطبيع مع تركيا على أساس الوضع الراهن، والذي يعني عدم انسحاب القوات التركية من شمال غرب سوريا.

النظام يحاول المناورة بين الضغط الروسي والمقاومة الإيرانية لشراء الوقت في الفترة الحالية، بإصراره على طلب انسحاب القوات التركية من الشمال السوري. ويأمل النظام السوري في حدوث تحولات على المستويين: الإقليمي والدولي لتنتشله من المأزق الذي هو فيه، كأنْ توقع إيران الاتفاق النووي مع الدول الغربية، أو أن تنسحب القوات الأميركية من شمال شرق سوريا، أو تحصل تغيرات إقليمية دولية تؤدي لانفراجة في الملف السوري، وهو أمر مستبعد في الوقت الحالي.

إيران الخاسر الأكبر بالرغم من نفوذها

قد لا تعارض إيران تعويم النظام السوري على المستويين: العربي والإقليمي، وعودة علاقاته السياسية الدبلوماسية مع كافة دول العالم، لكن ما ترفضه طهران هو وقوع أي شكل من أشكال التطبيع الذي يضرّ بمصالحها ونفوذها في سوريا.

والدليل على ذلك نجده عندما نتأمل سلاسة تطبيع كل من السعودية والإمارات مع النظام السوري، والذي شجعته إيران ورأت فيه مصلحة للنظام، ولكنه في الوقت ذاته لا يضر بمصالحها ونفوذها في البلاد؛ ثم نقارن ذلك بالتطبيع مع تركيا بالشروط التي تضعها الأخيرة، والتي تُخرج إيران كأول الخاسرين من هذه العملية، لدخولها في حسابات أمنية وعسكرية وسياسية واقتصادية ليست جزءًا منها.

الجزيرة نت

————————-

أردوغان استغل للتو الصراع السوري/ مانيش راي

16-07-2024

منذ بعض الوقت، تتصاعد التوترات في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية بشأن التحركات التركية نحو التقارب مع سوريا. كان العنف الأخير ضد السوريين في تركيا بمثابة حافز أثار أعمال شغب انتقامية في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في شمال غربي سوريا. حيث خرج مئات المتظاهرين السوريين، بعضهم مسلحون، إلى الشوارع احتجاجاً. ومزق البعض الأعلام التركية وألقوا الحجارة واستهدفوا شاحنات تجارية تركية.

في الأيام الأخيرة، تفاقم الغضب وظهرت المشاعر المعادية لتركيا بوضوح في الشوارع. ويطالب العديد من الأشخاص في المناطق التي تسيطر عليها تركيا في شمال سوريا بانسحاب القوات التركية، مما أدى إلى تفاقم الوضع المضطرب بالفعل.

 في بعض المناطق أطلقت قوات المعارضة السورية التي دربتها تركيا النار على المدرعات التركية، مما دفع تركيا إلى نشر قوات إضافية في المنطقة للحفاظ على سيطرتها. نتيجةً للاشتباكات، قُتل وجُرح العديد من الأشخاص في تبادل لإطلاق النار مع القوات التركية وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان. قال الرئيس التركي أردوغان مؤخرًا، إنه “لا يوجد سبب لعدم إقامة علاقات مع سوريا”.

كما أكد أثناء حديثه للصحفيين أن أنقرة ليس لديها خطط أو أهداف للتدخل في الشؤون الداخلية لسوريا. ما قاله يتعارض تماماً مع ما يفعله الأتراك في سوريا منذ بدء الصراع السوري في عام 2011.

يرى العديد من شخصيات المعارضة السورية البارزة الآن أن أنقرة تخلت عن الثورة السورية. كانت تركيا أحد الداعمين الرئيسيين لفصائل المعارضة السورية منذ بدء الصراع السوري ودعمت الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد. لكن في الواقع، استغل الأتراك دائمًا الصراع السوري المجاور لخدمة مصالحهم الخاصة فحسب.

باع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المعارضة السورية في مناسبات عديدة منذ عام 2016، مما سمح لنظام الأسد بإعادة احتلال العديد من المناطق التي تسيطر عليها الفصائل المدعومة من تركيا. كانت سياسة أنقرة الأولية في الحرب الأهلية السورية ظاهرياً لدعم المعارضة السورية المعتدلة. ومع ذلك، فتحت تركيا حدودها أمام المقاتلين الأجانب الذين سافروا إلى سوريا عبر تركيا في عامي 2012 و 2013 مقوية الجماعات المتطرفة، بما في ذلك داعش.

 قام ظهور داعش بإزعاج المجتمع الدولي، وبالتالي قللوا من الدعم للمتمردين المدعومين من تركيا وحولوا التركيز إلى مساعدة الجماعات التي تقاتل تنظيم الدولة الإسلامية، مثل وحدات حماية الشعب الكردية. ثم أعادت تركيا تعديل سياستها في سوريا ودفعت المتمردين السوريين ومعظمهم من العرب لمحاربة الكرد. طوال الصراع، كان الجيش السوري الحر فصيل المعارضة المسلحة الأكثر موالاةً واعتماداً على تركيا.

بعد عام 2015، عندما توجهت تركيا إلى استراتيجيتها لاحتواء حزب الاتحاد الديمقراطي/وحدات حماية الشعب بقيادة الكرد السوريين من خلال إنشاء مناطق عازلة في شمال سوريا. استخدمت تركيا فصائل الجيش السوري الحر كقوات غير نظامية في عملياتها العسكرية الهجينة: عملية درع الفرات في عام 2016 وعملية غصن الزيتون في عام 2018 وعملية نبع السلام في عام 2019.

أعيدت تسمية هذه الفصائل  تحت اسم الجيش الوطني السوري. تزود تركيا الجيش الوطني السوري بالتدريب والرواتب والأسلحة مقابل مشاركتها في العمليات العسكرية التركية. كانت هذه الجماعات مؤيدة أيضاً للتعاون مع تركيا ودعم العمليات التركية ضد القوات الكردية شرق نهر الفرات. و في المقابل كانوا يحصلون على دعم تركيا في تحصين والدفاع عن أجزاء من شمال غرب سوريا.

وليس هذا فحسب، فقد استخدم الأتراك أيضًا فصائل المعارضة السورية هذه في أماكن مثل ليبيا وناغورني كاراباخ كوقود حرب. لسوء الحظ، لم تدرك هذه المجموعات أنها لعبة في أيدي الأتراك و أنها مجرد مسألة وقت ستقوم أنقرة ببيعها أيضاً.

اتبعت تركيا سياسة فرق تسد في سوريا حيث وفقًا للمتطلبات، قاموا بدفع السوريين ضد بعضهم البعض. باختصار، تم تنفيذ رؤية تركيا لإحياء القضية “لثورية” في الحرب الأهلية السورية لمصلحتها الخاصة، بشكل فعال من خلال السيطرة المؤسسية على فصائل المعارضة السورية.

اليوم تركيا منفتحة على حقبة جديدة من العلاقات مع حكومة بشار الأسد السورية فقط لخدمة مصالحها الاستراتيجية الكبرى. في غضون ذلك، يبدو أن المعارضة السورية مجرد عرض جانبي لتركيا.

من غير المرجح أن تقبل المعارضة التسوية بين تركيا وسوريا دون التزامات واضحة ومحددة وغطاء سياسي إقليمي للقضايا المتعلقة بالتغيير السياسي والدستوري المحتمل في سوريا. لكن تركيا لن تسمح بأن يتم حكم مصالحها العليا من قبل فصائل عميلة مثل المعارضة السورية. ستحاول أنقرة احتواء فصائل المعارضة السورية المسلحة الرئيسية وربما القضاء على أولئك الذين تشتبه في معارضتهم لأجندتها الجديدة.

في هذا الوقت، إن الخيار الأنسب لفصائل المعارضة هو الانضمام إلى الكرد في شمال سوريا وتشكيل قيادة سياسية وعسكرية مشتركة. وهذا من شأنه أن يمنح فصائل المعارضة العربية والكردية السيطرة على ما يقرب من 35-40 في المائة من الأراضي السورية وجزء كبير من إجمالي السكان. على الرغم من العداوات التي نشأت بين العرب والكرد خلال سنوات الحرب السابقة، سيكون من المفيد للطرفين تشكيل مثل هذا التحالف إذا كان البديل هو زوالهم السياسي. ومن المرجح أن تفكر الولايات المتحدة أيضًا في دعم هذا التحالف، لا سيما بالنظر إلى جهودها في الماضي لتوحيد الكرد وإدماجهم في هيئة التفاوض السورية، فضلاً عن دعوتها إلى تنشيط التجارة بين الكرد والمناطق التي تسيطر عليها المعارضة.

نورث بوست

————————–

«المصالحة» بين شدّ وجذب: أنقرة ودمشق تتمسّكان برؤيتيهما/  الدكتور محمد نور الدين

يوليو 16, 2024

لم تمضِ أربع وعشرون ساعة على بيان وزارة الخارجية السورية حول جهود المصالحة بين أنقرة ودمشق، حتى كان وزير الخارجية التركي، حاقان فيدان، يردّ بتصريحات مضادة. وفي ظلّ المواقف المتكرّرة للرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، حول رغبته في المصالحة، وفي لقاء نظيره السوري بشار الأسد، جاء بيان الخارجية السورية ليذكّر بالمواقف الأساسية لدمشق، وفي مقدّمتها: انسحاب القوات الأجنبية غير الشرعية والعودة إلى الوضع الذي كان قائماً قبل عام 2011. ومع أن البيان لم يغلق الباب أمام التقدُّم في مسار التطبيع، لكنه كان أقرب إلى استبعاد أيّ لقاء على مستوى رئاسي قبل أن تبادر تركيا إلى خطوة ملموسة وعملية في ما يتعلّق بالانسحاب من سوريا.وفي اليوم التالي، استقبل فيدان في إسطنبول، نظيره السعودي، فيصل بن فرحان، وقال أمامه إن دعوة إردوغان إلى لقاء الأسد «ليست ضعفاً»، مؤكداً موقف بلاده الثابت في دعم المعارضة السورية، التي هي «في خندق واحد معها»، وأنه «ليس هناك أيّ تغيير» في سياستها تجاهها، و«لن نترك أخوتنا وحدهم في منتصف الطريق»، مضيفاً أن «اللاجئين لن يعودوا قسراً، بل طوعاً». وفي أعقاب هذا التصريح، وموقفَي فيدان الواضحَين، طُرحت تساؤلات من قبيل ما إذا كانا يضمران استبعاد لقاء قريب بين إردوغان والأسد، وسط احتمال لقاء وزيرَي خارجية البلدين، فيدان وفيصل المقداد، في مرحلة أولى في بغداد، بحسب ما تخطّط له السلطات العراقية.

وفي هذا الجانب، يرى الأستاذ الجامعي، غينجير أوزجان، في حوار مع صحيفة «غازيتيه دوار»، أنه «يجب فهم مطلب السوريين بانسحاب تركيا أو جدولة الانسحاب مسبقاً، لأن لسوريا تجربة مريرة مع إسرائيل التي لا تزال تحتلّ الجولان منذ عام 1967، وخصوصاً أنه قبل التدخّل الروسي عام 2015، كان مؤيّدو العدالة والتنمية يطالبون بإلحاق حلب بتركيا». ووفقاً لأوزجان، فإن خروج تركيا من المأزق السوري «يتطلّب العودة عن أخطائها هناك. فالنظام في دمشق لم يكن ضعيفاً والإخوان المسلمون لم يكونوا أقوياء بالقدْر الذي صوّرته سلطة العدالة والتنمية». أيضاً، «هناك الخلاف مع الولايات المتحدة في شأن الأكراد، والكلفة الاقتصادية لعمليات الجيش التركي»، بحسب ما يضيف، مشدداً على أن «أيّ عملية تقارب تتطلّب التصالح مع الحقائق أولاً، ولا سيما أنه لا يمكن التباحث في ظلّ وجود القوات التركية في شمال سوريا والذي يشبه وجود فيل في وسط الغرفة». ويستبعد أوزجان أن يأتي الأسد إلى بلد يحتلّ أرضه، إذ سيكون ذلك – في ما لو حصل – «مثيراً للدهشة، كما أن بوتين يريد أن يكون اللقاء في موسكو ليُظهر مكانة روسيا في العالم».

ومن جهته، يقول مراد يتكين إن «دعوة سوريا للعودة إلى ما قبل عام 2011، تعني أنه لا يجب أن يكون هناك وجود للقوات التركية، ولا وجود لدويلة كردية. فكلاهما لم يكونا قبل عام 2011، كما لم يكن هناك لاجئون».

شدّد فيدان على دعم تركيا الثابت للمعارضة السورية، التي هي «في خندق واحد معها»

ويضيف أن «إردوغان يأمل في اتفاق بين تركيا وروسيا وسوريا، وبأن يتخلّى الرئيس الأميركي المقبل عن دعمه لحزب العمال الكردستاني. لكن هناك مثل روسي يقول: الحديث عن الحلوى لا يجعل الفم حلواً». ويكتب فاتح تشيكيرغه، بدوره، في مقال في صحيفة «حرييات»، أن لقاء إردوغان – الأسد «تطوّر مهمّ لحلّ مشكلات تركيا في المنطقة، ولكنه غير كاف. وسيكون على تركيا أن تستعدّ للتعامل مع روسيا وإيران والأسد لمدة طويلة، إذ إن العمال الكردستاني لن يخرج من سوريا بسهولة وبين ليلة وضحاها، وهناك توازن قوى بين موسكو وطهران وواشنطن. مع ذلك، فإن البدء بعملية المصالحة سيكون ذا قيمة».

أما أحمد حاقان، الكاتب في صحيفة «حرييات»، فيخلص على ضوء مرافقته إردوغان إلى قمّة «حلف شمال الأطلسي» في واشنطن، إلى أن «تركيا تريد التطبيع مع سوريا لسبَبين رئيسيَّين: الأول، منع حزب العمال الكردستاني من إقامة دولة في شمال سوريا، وهو ما يتطلّب حماية وحدة الأراضي السورية. والثاني، وجود 4 ملايين لاجئ سوري في تركيا، ترغب الأخيرة في إعادة جزء مهمّ منهم الى بلادهم». وفي «جمهورييات»، تقول مياسي إيلكنور، من جانبها، إنه «بفضل سياسات إردوغان المهووسة في سوريا، أصبح لدينا عشرة ملايين لاجئ في الداخل من كل العالم، فضلاً عن ظهور ملامح الدولة الكردية. أمّا عودة اللاجئين فحلم فظّ. أين سيذهبون؟ لا منزل ولا وظيفة ولا بنية تحتية. وماذا لو قال الأسد لإردوغان: مَن هدم بيوتهم واستفزّهم ليفعل ذلك ويعيدهم؟». ومن هنا، ترى الكاتبة أن «لقاء إردوغان والأسد لن ينفع في شيء سوى مفاقمة المشكلات في تركيا».

وفي ظلّ النقاشات المستمرّة حول المصالحة بين البلدين، وُجّهت انتقادات إلى وزير الخارجية والحكومة السابق، أحمد داود أوغلو، حمّلته مسؤولية السياسات الخاطئة لتركيا في سوريا. ولكنه ردّ قائلاً: «لست وحدي المسؤول عن الأزمة السورية. فخلالها، عملت وزيراً للخارجية لثلاث سنوات ونصف سنة، ورئيساً للحكومة لسنة ونصف سنة». وحينها، يتابع، «كان مجلس الأمن القومي يعقد الاجتماعات برئاسة رئيس الجمهورية، عبد الله غول، ومن بعد ذلك كان الاسم الأكثر قوّة هو رئيس الجمهورية رجب طيب إردوغان. وكان هناك رئيس الأركان نجدت أوزيل، ووزير الدفاع عصمت يلماز، ورئيس الاستخبارات حاقان فيدان…». وعن لقاء إردوغان بالأسد، يقول: «يجب معرفة على أيّ قاعدة سيتم اللقاء. لقد وقّعت دول عدة اتفاقات لعودة اللاجئين السوريين، ولكن قسماً قليلاً منهم عاد بسبب عدم وجود مناخ آمن لهم في سوريا»، مشدّداً على أنه «لا يمكن عودة اللاجئين قبل توقيع اتفاق سلام مع سوريا. ولكن من دون ذلك، فمهما تحدّث السيد إردوغان عن صداقة عائلية مثل الماضي، فلن تقدم ضمانة لأحد. فالعلاقات بين الدول لا تقوم على أساس شخصي بل على إستراتيجية سليمة وتدابير ملموسة».

موقع الكاتب

—————————

بعد تصريحات الأسد.. هل يتم اللقاء بين الرئيس السوري وأردوغان؟

الثلاثاء، ١٦ يوليو / تموز ٢٠٢٤

أثارت تصريحات الرئيس السوري بشار الأسد، بشأن لقائه المحتمل مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، الذي أعلن مراراً خلال هذا الشهر عن رغبته بدعوة الأسد بعد قطيعة بين وسوريا وتركيا تستمر منذ نحو 12 عاماً، الكثير من الجدل لاسيما وأن الأسد أشار أمس الاثنين خلال مشاركته في انتخابات مجلس الشعب إلى أنه لا يعرف هدف الرئيس التركي من اللقاء معه. فهل هذا يعني أن اللقاء بينهما سيتأخر؟

وتعليقاً على ذلك، لفت محلل وخبير في الشؤون التركية إلى أن “تصريحات الأسد تُظهر أن مقترح التطبيع الذي يتحدّث عنه أردوغان غير موجود حقيقة لأنه لا يبدو أن المحادثات التي كانت مكوكية بين الطرفين السوري والتركي قد بلورت أي شيء”.

وأضاف المحلل السياسي غسان إبراهيم لـ”العربية.نت” و”الحدث.نت” أن “الطرف التركي يحاول القفز فوق لقاءات بروتوكولية لتحقيق بعض المكاسب من قبيل شرعنة وجوده العسكري في سوريا، لكن الأسد يطالب الجانب التركي بالانسحاب، ويبدو أن هناك خلاف كبير في هذا الصدد بين الجانبين”، لافتاً إلى أن “هناك خلاف آخر يضاف لهذا الأمر وهو خلاف روسيا وإيران بشأن الانفتاح التركي على الأسد”.

وتابع أن “الجانب الروسي يريد دفع الجانب التركي للانفتاح على الأسد من دون أي ضمانات أو تنازلات على عجل، والجانب الإيراني لا يريد الوجود العسكري التركي في شمال سوريا، وبالتالي يريد ضمان انسحاب أنقرة في حال حدث تطبيع بين سوريا وتركيا، وبهذا الشكل يصبح النفوذ داخل الأراضي السورية روسي ـ إيراني دون الوجود التركي”.

وأردف أن “هناك خلاف إقليمي دولي بشأن التطبيع التركي ـ السوري، وهذا يعني أن مساحة المناورة التي تحدّث عنها أردوغان بشأن لقاء الأسد ضيقة جداً ويمكنه الانتقال للقفز وحرق المراحل دون أن يقدم ضمانات”.

وكان الرئيس السوري قد أشار خلال إدلائه بصوته في انتخابات مجلس الشعب، أمس الاثنين، إلى أنه “إذا كان اللقاء مع أردوغان سيحقق مصلحة سوريا سأقوم به”. وتابع قائلاً: “يجب انسحاب تركيا من أراضينا، ووقف دعم مجموعات مسلحة”.

كما أوضح أن “تركيا دولة جارة ويجب أن تكون علاقاتنا معها طبيعية”، وشدد على أن “إزالة أسباب الخلافات ستعيد العلاقات الطبيعية مع تركيا”.

وأعلن أردوغان، الأسبوع الماضي، أنه قد يدعو نظيره السوري إلى تركيا “في أي وقت”، دون أي تفاصيل أخرى.

في حين أكد مسؤول تركي، الثلاثاء الماضي، أن موعد اللقاء الذي سيجمع الرئيسين “غير محدد”.

وكان الرئيس التركي قد جدد دعوته لنظيره السوري عند عودته من ألمانيا حيث شاهد مباراة تركيا وهولندا في إطار كأس أمم أوروبا لكرة القدم، حيث قال: “قد نوجه دعوة للأسد في أي وقت”.

وأوضح أردوغان للصحافيين أن زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المحتملة إلى تركيا قد تفتح فصلا جديدا في العلاقات التركية السورية.

يُذكر أنه مع بداية النزاع في سوريا عام 2011، قدمت أنقرة دعماً أساسياً للمعارضة السياسية والعسكرية، كما شنت منذ العام 2016 ثلاث عمليات عسكرية واسعة في سوريا، استهدفت بشكل أساسي المقاتلين الأكراد، وتمكنت قواتها بالتعاون مع فصائل سورية موالية لها من السيطرة على منطقة حدودية واسعة في شمال سوريا، تطالب دمشق تركيا بالانسحاب منها كشرطٍ لبدء المفاوضات لإعادة العلاقات بين الجانبين.

قناة العربية

———————

فرانكنشتاين التركي: خرافات السياسة والعنصرية ضدّ السوريين/ مراد بطل الشيشاني

16 يوليو 2024

بعض الملاحظات الأولية في الشكل والمضمون تبدو لازمة. أولاً، اسم العالِم الذي اختلق في مختبره مسخاً، في رواية “فرانكشتاين” لماري شيلي في الثلث الأول من القرن التاسع عشر، هو فرانكشتاين، وليس الأخير اسم للمسخ كما هو دارج خطأ. ثانياً، أنا مدين بفكرة عنوان المقال للصديق الكاتب محمد الربيعو حين استخدم عبارة “فرانكنشتاين التركي” في إدراج “فيسبوكي”، لوصف الهجمات العنصرية ضدّ السوريين اللاجئين في مدن تركية عدّة، وقد استأذنته باستخدام العنوان، وقد آليت استخدام الوصف بنعت فرانكنشتاين بالمسخ، لتسهيل مهمّتي أيضاً. يقصد بالمسخ هنا ذلك الخطاب الذي جاء استجابة لانقسامات سياسية داخلية، وأزمات مجتمعية، تراكمت في الدولة التركية، وجرى التعامل معها بخطاب أنتج هذا المسخ، متمثّلاً في العنصرية المتزايدة لدى بعضهم في المجتمع، لكنّها اتّخذت حالياً طابعاً عنيفاً ومرتبطاً بالأفعال، لا الأقوال.

ثالثا، وفي ما يرتبط بالموضوع، من الضروري التذكير بأنّ تركيا احتضنت مئات آلاف من اللاجئين السوريين منذ بدء أزمتهم بصدر رحب، وقد تكون أكثر الدول استقبالاً لهم من حيث العدد، لا بل، وطبعاً لمقتضيات ترتبط بمصلحتها، دعمت أطيافاً من المعارضة، وكان هذا مدخلاً لاتهامها بتسهيل دخول المتشدّدين والجهاديين للقتال في سورية، وهذا يوجب توخّي الحذر من الوقوع في التعميم. ولكن لن يكون سهلاً على لاجئ أو لاجئة سوريين يخافان مغادرة المنزل، خشية الاعتداءات العنصرية، تفهمّ الأمر. ويثير هذا بالفعل أسئلة عمّا سمعناه مراراً من الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، أنّ الهجمات العنصرية مرفوضة، ولا تتناسب مع قيم المجتمع التركي، ويَتَّهِم فيها، ومؤيّدوه، المعارضة وغيرها. فما مسؤولية الحكومة التركية التي يهيمن عليها حزب العدالة والتنمية وقائد البلاد الكاريزمي طوال السنوات الماضية؟

من جانبٍ، لا توجد هناك إجراءات حكومية كافية ترتبط بإنفاذ القانون، فمن غير المعقول أنّ اعتداءات واسعة، ومنظمة، لا تترافق واعتقالات ومحاكمات تتناسب وحجمها، ولا يمكن فهم عدم وجود تطميناتٍ حقيقية للناس، من قبيل الوجود الأمني، أو الحملات الإعلامية الرافضة مثل تلك السلوكيات… إلخ. كما ساهمت سرديات أردوغان السياسية، خلال السنوات الأخيرة، في إيجاد ذاك المسخ أو فرانكنشتاين العنصري، وإن لم يكن بشكل ومباشر، انعكست في تفسيرات بعض بيانات رسمية تركية أمنية الأحداث. مثلاً، تذكر إحداها أنّ التحريض لارتكاب الاعتداءات جرى في حسابات في وسائل التواصل الاجتماعي تابعة لـ”أنصار حزب العمال الكردستاني، وأنصار فتح الله غولن، وحزب الشعب الجمهوري، وأفراد يتبعون الولايات المتّحدة وألمانيا”. ويصعب تحديد كيف اجتمع هؤلاء كلّهم مرّة واحدة. لكن زاوية الرّهاب من الآخر المُترّبص، المتآمر على تركيا، واضحة. أمّا الإعلام شبه الرسمي فأشار إلى آخر أحداث في قيصري (وسط تركيا)، باتهام أوميت أوزداغ، اليميني العنصري، الذي عرف بتصريحاته في هذا السياق، لكنّ التوغل في نظريات المؤامرة، وإشعار الأتراك بالتوجّس من المؤامرة المحاكة ضدّهم، كان خطاباً تطوّر خلال السنوات الأخيرة، منذ تحالف أردوغان مع القوميين مُشكّلاً جبهة محافظة، إن جاز وصفها، وهذا انعكس في الإعلام والدراما، وفي حوارات الأتراك المولعين بقصص ذات بعد غرائبي أقرب إلى الخرافة السياسية بمفهومها العلمي.

خلال عملي على وثائقي عن استهداف المعارضين للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تركيا، منذ سنوات، كان من الصعب جدّاً أن تجد مُحلّلاً تركياً لا يقفز إلى نظريات المؤامرة تلك، التي تتحدّث عن أصابع خفيّة تتحكم في المشهد، حتّى إن لم يكن الموضوع تركياً. الأمثلة كثيرة على هذا الخطاب، الذي بدأ يتعزّز سنة تلو الأخرى، وبالتالي رهاب الأجنبي، والشعور بالاستهداف، عزّزا خطاب العنصريين داخل المجتمع (ومرّة أخرى هذا تأكيد على تصنيف هذه الفئة من دون تعميم)، وإن كان الخطاب المؤامراتي يُسهّل عمل العنصريين أو خطابهم.

بدأ بعضهم يشير إلى أنّ الهجمات ضدّ السوريين، أو المواقف العنصرية، نتاج عمل أمني لتمهيد التطبيع المتوقّع بين تركيا والنظام السوري، لكنّ هذا يحتاج إلى إثبات. اتّخذ إيجاد البيئة المناسبة لمثل هذا الخطاب طابعاً سيئاً تبريرياً لدى مُؤيّدي أردوغان، خاصّة عربياً، وبالتالي، غابت الأصوات التي تنتقد ما يحصل للسوريين، وتحاول أخرى إبعاد المسؤولية عن الحكومة، بشكلٍ لم يفعلوه حين برزت أزمة لاعب كرة القدم الألماني، من أصول تركية، مسعود أوزيل، حين نشر صورة له مع الرئيس التركي أثارت جدلاً في ألمانيا، واستُقبل بصيحات الاستهجان، وتعرّض لعنصريةٍ من بعض الجماهير الألمانية، في قلب الأزمة السياسية بين أنقرة وبرلين. لكنّ المُلفت كانت الحملات ضدّ ألمانيا بين العرب والإسلاميين المُؤيّدين لأردوغان، بترديد مُحكَم لدعاية “العدالة والتنمية” في هذا السياق، عن عنصرية ألمانيا، وكره حكومتها المسلمين، رغم أنها استقبلت أكثر من مليون لاجئ سوري. غابت هذه الأصوات تماماً في نقد ممارسات “بعض الأتراك” العنصرية و”تقصير الحكومة”.

هناك آلاف من السوريين الذين يسجلّون للعودة إلى بلادهم المنقسمة، وهناك حالة من الخوف، وبعضهم، كما أشرت، لا يغادرون منازلهم خشية الاعتداءات. والملفت أنّ الهجمات تجري في مناطق محافظة، لا بل في مناطق فيها غالبية من الأتراك من أصول عربية. ورغم غياب الأرقام الدقيقة عن هذه النزعة المتزايدة، إلّا أنّ تغذية الشعور بالمؤامرة ضدّ الأتراك، شعباً وحكومةً، وتركيز الخطاب السياسي – الاجتماعي على الخرافة السياسية، جزءاً من الصراع السياسي الداخلي، لمجتمع منقسم أفقياً بين ثنائيات المحافظ – العصري، الديني – العلماني، الأناضولي – اليوناني، الأوروبي – الآسيوي…، وغيرها، تعزّز الخوف من الآخر، وبه تُصفّى الحسابات السياسية، وتدفع الأطراف الأضعف الثمن الأفدح، وتبدو الأزمة ومساراتها، كأننا أمام أعضاء بشرية لموتى يجمعها العالِم فرانكنشتاين ليخلق إنساناً جديداً، فأوجد مسخاً يقتل ويعيث فساداً، حتى أنّه طارد صانعه، في الرواية الأصلية، ليتخلّص منه ومن تفوّقه عليه.

—————————

انعكاسات سياسة تركيا تجاه اللاجئين على الهجمات الأخيرة/ فايق بولوت

تطلب دمشق سحب أنقرة قواتها من مناطق الشمال كقاعدة رئيسة لانطلاق مفاوضات التطبيع

الاثنين 15 يوليو 2024

ملخص

بدا واضحاً جداً أن السوريين في تركيا مستهدفون سواء كانوا متمتعين بقانون الحماية الموقتة أو مهاجرين بصورة غير شرعية وجميع السوريين في تركيا يتابعون ما يجري من كثب ويهتمون بأدق التفاصيل ويعرفون أن الأمر ليس مجرد اعتداء مرة أو اثنتين وينتهي بهذه البساطة.

فجأة ومن دون سابق إنذار، في الأول من يوليو (تموز) الجاري، وقع حدث غير الأجندة التركية، ففي ولاية قيصري وسط البلاد، دمر عدد من أماكن العمل والمركبات المملوكة للسوريين خلال هذه التوترات. هذا الحدث وما تلاه بدا وكأنه انطلق بشكل عفوي عقب الادعاء بتعرض طفلة للتحرش من قبل شاب سوري، ثم أعطى انطباعاً بأنه كان مرتباً مسبقاً وجرى التحضير له.

حاولت الشرطة وسلطات إنفاذ القانون في تركيا إيقاف مئات المتظاهرين الذين رددوا شعارات “لا أريد لاجئين في بلدي”، تلا ذلك خروج مجموعات أخرى في ولاية غازي عينتاب في احتجاجات مصحوبة بـ”التكبير” ورفع الأعلام التركية، وحطموا محال وسيارات السوريين. وفي الوقت نفسه تعرض شاب سوري للطعن، قبل منع حدوث شجار وصراع جماعي محتمل من قبل جماعات مختلفة بالمدينة بين من يؤيد ويعارض وجود اللاجئين.

قيصري كانت البداية، ثم اندلعت التظاهرات في ولايات تركية عدة مثل إسطنبول وبورصة وهاتاي والريحانية وشانلي أورفا وغيرها.

ليست الحادثة الأولى

في عام 2019 حدثت اضطرابات مشابهة في منطقة ايكيتلي في إسطنبول، إذ جرى الاعتداء على ممتلكات ومحال السوريين، وإلحاق خسائر كبيرة بها. حينها اعتقلت السلطات التركية بعض المعتدين، وتعهدت الحكومة بتعويض المتضررين السوريين. واليوم بعد مرور خمس سنوات لم يحاسب أحد أو يعوض أحد.

في الواقع إن القضية لا تتعلق فقط بالاعتداء على ممتلكات السوريين، بل وصل الأمر إلى أن شباباً أثناء مرورهم في الحي رددوا، “هذا بيت سوريين” فيرشقونه بالحجارة وتكسير نوافذه، وهذا ليس له إلا اسم واحد وهو “الترهيب”.

قبل أسبوع ذهب وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا إلى ولاية غازي عينتاب، وهناك التقى منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، وأثار معها مسألة الهجرة تحت مسمى “مكافحة الهجرة غير الشرعية”، لكن في الحقيقة فإن وزارة الداخلية ومديرية الهجرة تحول المهاجرين النظاميين إلى غير نظاميين. يتعرض اللاجئون للضرر حتى لو كانوا يتمتعون بوضع “الحماية الموقتة”، بسبب تصرفات مديرية الهجرة ووسائل الإعلام التركية، فأصبحت تلك الشريحة السورية في نظر المواطنين الأتراك عبارة عن إرهابيين ومثيري مشكلات، والمسؤول الرئيس عن ذلك هو دائرة الهجرة.

بينما أنتم تحاربون المهاجرين غير الشرعيين، من سيدافع عن حقوق الأشخاص النظاميين الذين يحملون تصاريح إقامة؟ وهل من واجب وزارة الداخلية ومديرية الهجرة ترحيل المهاجرين أم الدفاع عن حقوق المسجلين؟

قتلى بسلاح العنصرية

ما نوع الشجاعة التي يحتاج إليها هذا الشخص عندما يدمر سيارة يملكها سوري أمام الشرطة؟ يبدو الأمر وكأنه رسالة من السلطات التركية نفسها، “اذهب وافعل كل ما تريد فعله بالسوريين وبعد ذلك سنتدخل”. كانت الشرطة تشاهد الأشخاص الذين اعتدوا على ممتلكات ومحلات ومنازل السوريين.

خلال السنوات الأربع الماضية، قتل 16 شخصاً في هجمات عنصرية، والحكومة هي المسؤول الوحيد عن ذلك، لكن من أكبر الأوبئة ما حصل في يوم صعب وحزين عندما خرج الرئيس رجب طيب أردوغان وقال “لقد أنفقنا 40 مليار دولار على السوريين”. تصريح أردوغان هذا أثار ضجة بالفعل، فبدت الحكومة وكأنها حقاً أنفقت هذه المبالغ على السوريين في حين الوضع المعيشي للأتراك في حالته التي هي عليها الآن.

لم يقف الأمر عند هذا الحل، فعندما فاز أردوغان بالانتخابات الرئاسية الماضية، خرج من الشرفة وألقى خطاب الفوز، ومما قال فيه “سيعود مليون سوري إلى بلادهم”، وهذا أيضاً أثار ردود فعل مناهضة للسوريين داخل المجتمع التركي تجاوزت كل الحدود. لم يعد المواطن السوري مقبولاً، فإلى أين سترسل تركيا هؤلاء الناس؟ ألا تدرك الأوضاع الحالية في سوريا؟

تناقض بين مؤسسات الدولة

مديرية الهجرة التركية بدورها تقول “لا تذهبوا إلى مناطق سيطرة نظام بشار الأسد، اذهبوا إلى الشمال السوري”، لكن وزير الدفاع التركي يشار غولر يقول “سيستمر جيشنا في البقاء في سوريا لأن حربنا ضد الإرهاب لا تزال مستمرة”. والسؤال هنا إذا كان الرئيس ووزير الدفاع يعتبران الشمال السوري منطقة عمليات عسكرية، فكيف ترى مديرية الهجرة أن تلك المنطقة آمنة؟ أليس هذا تناقضاً واضحاً؟

السوريون في تركيا واضح جداً أنهم مستهدفون، سواء كانوا متمتعين بقانون الحماية الموقتة أو مهاجرين بصورة غير شرعية، وجميعهم يتابعون ما يجري من كثب ويهتمون بأدق التفاصيل، الأمر ليس مجرد اعتداء مرة أو اثنتين وينتهي بهذه البساطة، هناك من يمكن أن تستفزهم الإشاعات الكاذبة ويخرجون إلى الشوارع بأعداد كبيرة وينفذون أعمالاً وحشية، وينهبون ويسرقون ويعتدون على المنازل والمحال التجارية، ولدينا أمثلة سابقة على ذلك:

في السادس والسابع من سبتمبر (أيلول) 1955، ونتيجة لكذبة انتشرت تقول إنه تم “قصف منزل أتاتورك في سالونيك”، نزل الغوغاء من الأتراك إلى شوارع إسطنبول حاملين الأعلام ويصيحون بالتكبيرات، ودمروا ونهبوا ممتلكات الأرمن وغيرهم من غير المسلمين، بخاصة اليونانيون، وأسفرت تلك الأحداث عن مقتل ما يقارب 15 شخصاً وإصابة 300 آخرين.

في الـ14 من فبراير (شباط) 1969 بعد صلاة الجمعة أقيمت مسيرة “احترام العلم” بقيادة جمعية مناهضة الشيوعية والاتحاد الوطني للطلبة الأتراك، الذي كان تحت سيطرة اليمين، وفي هذا التجمع أعلن عن أن الحرب بدأت ضد الشيوعيين، ودعي الجمهور إلى التجمع لتلقين الشيوعيين الدرس اللازم في مسيرة الأسطول السادس الاحتجاجية التي ستعقد بعد يومين من هذا التاريخ.

في الـ16 من فبراير 1969 اندلعت أحداث في ميدان تقسيم بإسطنبول عندما تجمعت 76 منظمة شبابية للاحتجاج على الأسطول السادس الأميركي. عرفت الأحداث التي قتل فيها طالبان وجرح المئات فيما بعد باسم “الأحد الدامي”، وفي إزمير وطرابزون أصيب 130 شخصاً، نتيجة الهجوم الذي شنته جماعات يمينية خلال الاحتجاجات ضد الأسطول السادس. ووصف الأكاديمي الهندي الأميركي فيروز أحمد هذه الحادثة بأنها “مثال على العنف الفاشي المنظم”.

في الثامن من يوليو 1969 تمت محاولة حرق 800 مثقف، بينهم أعضاء في نقابة المعلمين الأتراك، في سينما علمدار قيصري، لكنهم نجوا بأعجوبة.

في الفترة ما بين الـ19 والـ26 من ديسمبر (كانون الأول) 1978 انتشرت شائعة تقول إنه تم “تدمير مسجد في مدينة مرعش”، تسببت هذه الإشاعة بارتكاب مذبحة بحق العلويين الأكراد واليساريين، استمر القتل لسبعة أيام. وتقول الإحصاءات إنه قتل 111 شخصاً، واحترق 559 منزلاً، ودمر 290 محلاً تجارياً ومكان عمل.

في الثاني من يوليو 1993 ارتكبت “مذبحة سيواس”، التي بدأت بإحراق فندق ماديماك من قبل جماعة إسلامية متطرفة خلال مهرجان “بير سلطان العبد” الذي أقيم في الولاية، وأسفرت العملية عن 33 قتيلاً معظمهم من الكتاب والشعراء والمفكرين العلويين واثنين من موظفي الفندق، معظم القتلى سقطوا بالحرق أو الاختناق بالدخان، هذا الحدث يعد بقعة سوداء في تاريخنا الحديث.

في ما يتعلق بهذه المذبحة سبق أن قال ضابط شرطة كان موجوداً أثناء الحادثة، لأحد أعضاء البرلمان من حزب الشعب الجمهوري “لقد كنا على علم بالحادثة، ومع ذلك لم يكن هناك أي تدخل لمعرفة إلى أي مدى يمكن أن يصل هذا الأمر”.

ما يمكن فهمه من خلال الأمثلة المذكورة أعلاه هو أنه على رغم أن الأحداث التي جرت كانت إما نتيجة ترتيب القوى العميقة أو بدأت بصورة عفوية، فإنه من الواضح أنها كانت موجهة من قبل بعض التركيزات، والقضية في قيصري ليست من القضايا القضائية العادية مثل اغتصاب الأطفال. والسؤال هو: كيف تحرك الأشخاص الذين لم يعترضوا على عشرات الانتهاكات ضد الأطفال التي تحدث في المنظمات والمؤسسات الدينية لسنوات من أجل “حفظ الشرف”؟

بعيداً من كل هذا، من المعروف أن الفريق السياسي الأيديولوجي الذي يتحكم في الأحداث في الداخل والخارج هو نفسه من حرض على الحرب في سوريا، وحاول الحصول على أقصى استفادة سياسية من تدفق اللاجئين.

من جانب آخر سمح لمختلف العصابات والمسلحين وغير المسلحين الذين لا يتناسبون مع وضع ضحايا الحرب وهربوا من الجبال بعبور الحدود من دون إظهار هوياتهم، ولهذا اختلط “مسار الحصان بمسار الكلاب”، فتمكنت بعض الأيدي والجماعات المظلمة من استخدام الأشخاص من هذه الشريحة كقتلة محترفين أو تجار بشر أو مستفيدين من الحرب، وتمكن الإرهابيون والمرتزقة من جميع أنحاء العالم الذين توافدوا إلى البلاد من الاتجاه المعاكس من العمل كأمراء حدود مستقلين في مناطق حرة أو تتمتع بالحكم الذاتي على طول الحدود.

صراع قريب محتمل

بالعودة إلى وضع السوريين في تركيا، فعلى رغم أن الوضع قد هدأ حالياً، فإن الصراع بين اللاجئين والسكان الأصليين يعد إحدى قضايا الصراع المحتملة في تركيا، ومن الممكن أيضاً أن يؤثر هذا الصراع في مستويات مختلفة من الحكومة، كما أن الذين يعارضون هجوم المجموعة القومية المحافظة بخطاب الكراهية ضد الأجانب، بخاصة اللاجئون السوريون، هم بصورة عامة دوائر ديمقراطية وتقدمية ويسارية تعمل على أساس حقوق الإنسان، وأصبحت أوساط حزب الشعب الجمهوري والكمالية، “التي لا تعد ديمقراطية اشتراكية بل تسمى كذلك”، متوهمة في شأن هذه القضية وتتبنى موقفاً متفائلاً وأحياناً متردداً تجاه طرد الأجانب.

البعد الآخر لهذه القضية هي أنها تحركت إلى خارج حدود تركيا، فتزامناً مع أحداث قيصري خرجت احتجاجات وحصلت أعمال عنف في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش التركي، إذ خرجت تظاهرات واسعة في مناطق سيطرة المعارضة السورية في ريفي حلب وإدلب، تنديداً بما حصل للسوريين في تركيا، وتم الاعتداء على مصالح أنقرة هناك.

بعض المتابعين للشأن رأوا أن ما جرى هدفه في الحقيقة منع التقارب بين تركيا والنظام السوري. وقبل أحداث قيصري فإن ما يسمى “المجلس الإسلامي السوري” الذي أسس في إسطنبول 2014 ويعد بديلاً من وزارة الأوقاف السورية، رفض التقارب بين أنقرة ودمشق، وأصدر بياناً ورد فيه “أسباب ومبررات الثورة التي انطلقت ضد النظام لم تتغير، ولا يمكننا إضفاء الشرعية للنظام بناءً على مصالح الدول الأخرى”.

في الواقع إن بيان “المجلس الإسلامي السوري” يعبر أيضاً عن مخاوف ما يقارب 100 ألف عنصر من “الجيش الوطني” الذي تدعمه تركيا في الشمال السوري، إذ إن أردوغان نفسه يطلق على قوات المعارضة اسم “الجيش الوطني”، لكنه – أردوغان – في حال حصلت مصالحة بينه وبين بشار الأسد سيتخلى عن هؤلاء، على رغم أنهم قاتلوا معه في عمليات عسكرية عدة ضد حزب العمال الكردستاني في شمال وشمال شرقي سوريا.

الاستخبارات التركية هددت بـ”القيام باللازم”

بعد يوم من أحداث الشمال السوري، اجتمع بعض مسؤولي الاستخبارات العسكرية والمدنية التركية مع قادة الفصائل المحلية هناك وهددوهم بصورة جدية بـ”وقف مثل هذه الأحداث وإلا سيتم اتخاذ الإجراء اللازم”. كما حددوا هوية المعتدين على العلم التركي والمنشآت التركية وجرى اعتقالهم.

لكن هناك مسألة أخرى مهمة مثيرة للشكوك، عندما خرجت التظاهرات في الشمال السوري ضد تركيا أعلن ما يسمى “مجلس سوريا الديمقراطية” التابع لـ”قسد” دعمه لهذه التظاهرات وأطلق عليها اسم “الانتفاضة”، ودعا إلى التعاون مع هؤلاء في حال تخلت أنقرة عنهم وصالحت الأسد.

خلال لقائه الأخير مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قال أردوغان إن “أنقرة مستعدة للتعاون من أجل التوصل إلى حل في سوريا، وإن تركيا عازمة على عدم السماح بنشوء كيان إرهابي قرب حدودها”.

بعد هذا، وتحديداً في الثالث من يوليو الجاري، استخدم بشار الأسد لهجة دبلوماسية أكثر ليونة بدلاً من اتخاذ موقف صارم، فقال “نحن منفتحون على المحادثات السورية – التركية ما دامت أنقرة تعترف بسيادة الدولة السورية على كامل أراضيها”، فيما كانت صحيفة “الوطن” المقربة من النظام السوري أكثر وضوحاً حينما كتبت “على تركيا أن تتوقف عن دعم المعارضة المسلحة التي تحميها في إدلب والمناطق الحدودية”. وتابعت: “في إطار الاتفاق الذي قد يتم التوصل إليه، على تركيا سحب جنودها من المناطق التي تسيطر عليها في سوريا”.

مبادرة عراقية بعيدة

على الخط نفسه تزايد الحديث أخيراً عن مبادرة الحكومة العراقية، التي يبدو أن إيران تدعمها، تقوم على لقاء سوري – تركي في بغداد، لكن هذه المبادرة تترك انطباعاً بأنها تسير في اتجاه مختلف. على سبيل المثال، قالت الصحيفة السورية نفسها “يتوقع الجانب السوري من تركيا أن تتعهد علناً بسحب جنودها من الأراضي التي سيطرت عليها حتى الآن، وسحب دعمها الميليشيات التي تحت حمايتها”.

وعلى ما يبدو هذه ليست شروطاً مسبقة بل هي القاعدة الأساسية لأي محادثات، وأيضاً قالت الصحيفة ذاتها إن “الظروف لم تنضج بعد”، فيما لم يحدد موعد اللقاء بصورة نهائية، وهذا يعني أن الطريق متعرج وطويل، والعملية مرهونة بمتغيرات التطورات الجيوسياسية.

على سبيل الكوميديا السوداء، كان هناك سؤال على أحد مواقع التواصل الاجتماعي يقول “ماذا يفعل السوريون في تركيا؟”، ليجيب آخر عن هذا السؤال بالقول “ماذا تفعل تركيا في سوريا”، ربما يكمن جوهر الحل هنا.

اندبندنت عربية

———————————-

الأسد وأردوغان: هل يمكن تجاوز سنوات القطيعة؟L داليا حيدر

15 يوليو/ تموز 2024

سوريا وتركيا: دولتان طوتا عقوداً من الحرب الباردة بفتح الحدود، ورفعتا التعرفة الجمركية بينهما، وعقدتا شراكات سياسية واقتصادية وثقافية، وسيّرتا رحلات طيران يومية بين العاصمتين، وجمعت رأسي الدولة فيهما صداقة فريدة في العقد الأول من القرن الحالي. لكن سرعان ما تحولت الدولتان إلى عدوتين عصفت بهما شرارة التظاهرات المناوئة للحكومة السورية عام 2011، والتي دعمتها أنقرة في وجه دمشق، في ما بدا للرئيس السوري بشار الأسد كـ”طعنة في الظهر”.

تدفق اللاجئون السوريون عبر الحدود التي سرعان ما أعيد إغلاقها، تشتتت عائلات وانهارت مشاريع تجارية وأعمال مشتركة، وتجاوزت التصريحات السياسية بين ممثلي الدولتين كل الخطوط الحمراء والاعتبارات الدبلوماسية.

بعد 13 سنة من القطيعة، تكثف النشاط الدبلوماسي في الفترة الأخيرة لدعم خطوات الانفتاح وكسر الجليد بين البلدين برعاية روسية بالدرجة الأولى، كما لعب العراق دوراً في الوساطة. ومن المتوقع أن يستضيف لقاءً رباعياً على مستوى نواب وزراء الخارجية لسوريا و تركيا والعراق وإيران في الأيام القليلة القادمة، قد يليه اجتماع آخر على مستوى الوزراء، بحسب ما علمت “بي بي سي”.

كما أصدرت وزارة الخارجية والمغتربين السورية بياناً يوم السبت قالت فيه إن سوريا تؤكد على أن عودة العلاقة الطبيعية مع تركيا تقوم على عودة الوضع الذي كان سائداً قبل عام 2011، وأضاف البيان الذي نشرته وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أن أي مبادرة في هذا الصدد يجب “أن تبنى على أسسٍ واضحة،” وفي مقدمتها “انسحاب القوات الموجودة بشكل غير شرعي من الأراضي السورية، ومكافحة المجموعات الإرهابية التي لا تهدّد أمن سورية فقط، بل أمن تركيا أيضاً”.

ما المصالح التي يمكن أن تساعد الدولتين على تجاوز خلافاتهما، وما الذي يمكن أن يعيق تقاربهما؟

هاجس الكيان الكردي المستقل

من أكثر الأمور التي تشهد توافقاً بين البلدين ملف الأكراد، فكلاهما يصنف “وحدات حماية الشعب” الكردية كجهة إرهابية، ولا يعرب أي منهما عن ارتياحه لنشاطها العسكري المدعوم أمريكياً ولا لإمكانية قيام كيان مستقل لها على جانبي الحدود التي تفصل بينهما.

التعليق على الصورة، أحد الأكراد السوريين يحمل علم “وحدات حماية الشعب الكردية” بينما تمر مركبة عسكرية أمريكية على الطريق بعد انسحاب القوات الأمريكية من قاعدتها في بلدة تل تمر شمال سوريا، 2019

بحسب السفير التركي السابق في سوريا عمر أونهون، فإن “أنقرة لن تقبل بأي كيان تابع لقوات حماية الشعب على حدودها، كما أن “وحدات حماية الشعب المدعومة أمريكياً باتت لديها مؤسسات مدنية خاصة بها وتسيطر على نحو 25 في المئة من الأراضي السورية، بما في ذلك آبار النفط الذي تبيعه بسعر مخفض لتمويل نشاطاتها”.. بالتالي هم يعتقدون أنهم على الطريق لتحقيق “هدفهم بكيان مستقل دون استشارة الشعب السوري، بل بطريقتهم الخاصة، وتركيا لن تقبل بذلك”.

ويضيف أونهون الذي مثّل دولته خلال ما يوصف بالعصر الذهبي للعلاقات بين البلدين، وشهد انهيارها أن “دمشق ستكون سعيدة بهذا الموقف الذي يدافع عن سلامتها الإقليمية، ورغم أنها التزمت الصمت حول هذه القضية، لكن لا أعتقد أنهم مستاؤون من أن تركيا تتصبب عرقا بسببها”.

توسيع اتفاق أضنة

الإعلامي نضال قبلان، الذي كان آخر سفير لسوريا في تركيا قبل انقطاع العلاقات، يصف التعامل مع هذا الملف بأنه هناك دائما “عصا وجزرة،” مضيفاً أنه “من مصلحة الطرفين الحفاظ على الأمن وعودة الجيش التركي والسوري والقوى المختصة لضبط كامل الحدود” التي تمتد على طول أكثر من 900 كم.

لكن بحسب الباحث في جامعة ميلبورن توماس ماكجي، والمتخصص في ديناميات الصراع السوري، فإن الدافع الرئيسي لفتح العلاقات مع دمشق برأيه “سيكون البحث عن منطقة عازلة من نوع ما بين الأراضي التركية ومشروع الإدارة الذاتية الذي يقوده الأكراد في سوريا”.. ويضيف ماكجي أن الناس في تلك المناطق يشعرون بالقلق في حالة وجود نوع من الاتفاق بين سوريا وتركيا لإنشاء منطقة عازلة لـ”طرد الأكراد”.

من جانبه، يتوقع قبلان أن يُعاد إحياء اتفاقية أضنة التي وقعها الجانبان عام 1998 وصنفت “حزب العمال الكردستاني” منظمة إرهابية ومنعت كامل نشاطاته على الأراضي السورية، بحيث تشمل النسخة الجديدة للاتفاقية “كل الفصائل الإرهابية التي تهدد الأمن والسلم بين البلدين بشكل عام”.

وهذا ما قد يخلق نقطة خلاف جديدة بين الجانبين. فبحسب غالب دالاي، الزميل الاستشاري الأول في تشاتام هاوس، فإن مسألة مكافحة “الإرهاب” لن تكون واضحة بالنسبة لكلا الجانبين، وخاصة بالنسبة لتركيا، التي ينصب تركيزها الأساسي على وحدات حماية الشعب الكردي والاتحاد الديمقراطي الكردستاني. ولكن بالنسبة لسوريا، فمن المرجح أن ترغب في إضافة مجموعات أخرى إلى “المزيج، مثل هيئة تحرير الشام، وجبهة النصرة، وغيرهما”. ويستبعد دالاي تورط تركيا في القتال ضد الجماعات المسلحة التي دعمتها ضد الحكومة السورية.

مستقبل “قاتم” للمعارضة المسلحة

ليس من الواضح إن كان توسيع اتفاق أضنة، إن حدث، سيعد كافياً لتعاون البلدين في هذا الشأن الشائك والمعقد، خاصة مع تصاعد أصوات معارضة للتقارب السوري-التركي، إذ خرجت مظاهرات مطلع الشهر الحالي ضد توجهات الحكومة التركية في مناطق سيطرتها في درع الفرات ونبع السلام وغصن الزيتون داخل الأراضي السورية.

بحسب قبلان فإن إحدى الحلول المطروحة للتعامل مع هذا الملف هو ضم بعض الفصائل المسلحة تحت ما يسمى “الفيلق الخامس للجيش السوري وتصبح جزءاً من القوات السورية التي تدافع عن الحدود،” مضيفاً أنه “تمت مناقشة هذه الفكرة بين ممثلين عن قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وممثلي بعض الفصائل الكردية والأجهزة الأمنية والجيش السوري في دمشق”.

القوات العسكرية التركية حاضرة في سوريا منذ عام 2016 عندما أطلقت تركيا أول عملية عسكرية رسمية باسم “درع الفرات” قالت حينها إنها تهدف إلى طرد تنظيم الدولة الإسلامية من المناطق الحدودية وتأمين الحدود التركية من تهديدات وحدات حماية الشعب الكردية، وذلك بالقتال جنباً الى جنب مع فصائل الجيش السوري الحر المعارض.

أطفال يلعبون حول نصب تذكاري للتضامن بين تركيا وقوات المعارضة السورية

تصف دمشق ما حصل باحتلال لأراضيها، وعندما بدأت محاولات التقارب بين البلدين بعدها بسنوات عدة، كانت سوريا تشترط باستمرار الانسحاب الكامل للقوات التركية من أراضيها قبل البدء بأي محادثات، ما لم يحصل حتى الآن. إلا أن دمشق خففت في الفترة الأخيرة حدة نبرتها تجاه هذا الشرط، وأعرب الرئيس الأسد عن “انفتاحه على كل المبادرات، المرتبطة بالعلاقة بين سوريا وتركيا، والمستندة إلى سيادة الدولة السورية، على كامل أراضيها ومحاربة الإرهاب وتنظيماته”، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا).

وبحسب قبلان فإن “تليين المواقف يتعلق بعدم إصرار دمشق على الانسحاب التركي كاملا كشرط مسبق وإنما بالتزام تركي أمام روسيا بالدرجة الأولى، ثم إيران والعراق ودول أخرى بجدول زمني للانسحاب مع تقديم ضمانات للالتزام بهذا الجدول”.

وفيما تطرح على الطاولة هذه الخيارات المختلفة تتوالى أصوات عدة من ممثلي المعارضة السورية في تركيا والخارج يشوبها القلق والترقب حيال ما يمكن أن تنطوي عليه هذه التطورات بالنسبة لمستقبلها، واحتمال خروجها من الحضن التركي.

ويعلق الباحث في تشاتام هاوس دالاي أنه “بطبيعة الحال، يبدو المستقبل قاتمًا جدًا بالنسبة للمعارضة إذ ليست لديها قوة كبيرة، لأكون صريحًا، من دون دعم خارجي، وليس لديها أيضا دعم شعبي كبير داخل سوريا أيضًا”، ومضيفا أنه من المرجح أن يخلق هذا المزيد من “المسافة والسخط، بل وحتى المزيد من العداء”.

ما الذي تريده دمشق من تركيا؟

قد يساعد الانفتاح التركي في كسر طوق الحصار الاقتصادي الخانق الذي يلف دمشق منذ 2011، إذ أعيد بالفعل فتح معبر “أبو الزندين” الفاصل بين مناطق سيطرة الفصائل الموالية لتركيا في ريف حلب الشمالي ومناطق الحكومة السورية، رغم احتجاجات سكان بعض المدن الشمالية. كما توجد أنباء عن احتمال فتح معابر إضافية الأمر الذي سيوفر، مروراً سلساً للشاحنات والمسافرين من تركيا عبر الأردن إلى الخليج .

ويصف السفير التركي السابق أونهون تركيا بأنها “بوابة سوريا” مضيفاً أنه “قد نرى إعادة إعمار في سوريا” وأن تركيا ستلعب دوراً في مستقبل البلاد. وفيما ليس من الواضح إلى أي مدى يمكن لتركيا مواجهة الولايات المتحدة الرافضة للتطبيع والفارضة للعقوبات الاقتصادية، لكن يعتقد بأن العقوبات “لم تنفع، فالأشخاص الخاضعون للعقوبات لا يزالون الأغنى في سوريا، بينما يعاني باقي السوريين” مضيفاً أن تركيا “تريد التنسيق مع الولايات المتحدة ولاعبين آخرين لكنها ستقوم بما يناسبها إلى حد كبير”.

من جهته، يشير الباحث الأكاديمي ماكجي إلى أن تركيا “تسعى في الوقت نفسه إلى الاستفادة ماليا من مشاريع إعادة الإعمار المستقبلية في سوريا، خاصة بعد التحديات الاقتصادية التي شهدتها تركيا خلال السنوات الأخيرة”.

“تطمينات” لعودة اللاجئين

التحديات الاقتصادية لا تبدو مشكلة تركيا الوحيدة. يعيش اليوم في تركيا ما يزيد على ثلاثة ملايين لاجئ سوري، بحسب وزارة الداخلية التركية. بات هؤلاء عالقين في مرمى نيران الانقسامات السياسية الداخلية، وزادت حدة التوترات والأحداث الأخيرة التي شهدتها مدينة قيصري من أعمال عنف واعتداءات على لاجئين سوريين وممتلكاتهم، الأمر الذي قد يزيد الضغط على أردوغان للتعجيل بإيجاد حل لهذه القضية المعقدة.

التعليق على الصورة، يعود السوريون الذين فروا من الحرب الأهلية في بلادهم ولجأوا إلى تركيا، ويعيش معظمهم في شانلي أورفا، إلى سوريا بعد أن تحركوا عند بوابة أقجة قلعة الحدودية كجزء من مشروع “العودة الطوعية” – 2023.

بحسب إيما سنكلير- ويب، مديرة تركيا في “هيومان رايتس ووتش”، بالرغم من أن تركيا قامت بـ “الأمر الصحيح” باستضافة السوريين واستقبال المساعدات الإنسانية لكنها لم تكن “حازمة في كيفية إدارة دمج اللاجئين السوريين، كما أنها لم تقم بما يكفي لوقف استغلال هذه القضية، لا سيما من قبل المعارضة” – على حد تعبيرها.

وأثارت عمليات الترحيل غير النظامية للسوريين من تركيا انتقادات المنظمات الحقوقية وتقول سنكلير- ويب إن بعض هؤلاء الناس “أُجبروا على التوقيع على نماذج العودة الطوعية، وأن هناك أنواعا كثيرة من عمليات الاعتقال التعسفية في المدن ينتهي فيها الناس في مراكز الترحيل”، مضيفة أن العديد من الدول لاتزال تعتبر سوريا “غير آمنة” لعودة السوريين.

لكن السفير السوري السابق قبلان يشير لخطوات “تطمينية” من المرجح أن تتخذها دمشق تمهيداً لعودة مزيد من اللاجئين من خلال إصدار “عفو شامل في دمشق سيكون الأكبر في تاريخ سوريا الحديثة” – على حد تعبيره. وسيشمل العفو “الغالبية الساحقة من هؤلاء (اللاجئين) ليبدد أي مخاوف على أمنهم وسلامتهم”.. مستبعداً أن تكون هناك خلافات بين سوريا وتركيا حول هذه النقطة.

قد لايزال الطريق طويلاً أمام الدولتين لحل جميع القضايا العالقة بينهما بالرغم من تسارع الأحداث، لكن هل يمكن لرئيسي البلدين ترميم الأذى الذي عصف بصداقتهما الفريدة؟ فخلافاتهما لم تقتصر على القضايا السياسية والأمنية، بل تجاوزتها لشخصنة الانتقادات وإطلاق أوصاف تخطت إلى حد كبير حدود اللباقة الدبلوماسية.

“اذا أردنا أن ننكأ الجرح لن تكون هناك مصالحة”، يعلق قبلان علي هذه النقطة مضيفاً أنه “علينا أن ننظر الى المستقبل، علينا تجاوز ما حدث، والاستفادة منه، ووضع ضمانات لعدم تكراره وفتح صفحة جديدة”.

بدوره يقول أونهون “لا أعتقد ان القضية في السياسات الدولية هي أن يعودوا أصدقاء مجدداً، فالأمر لا يتعلق بالصداقة وإنما بمحاولة حل المشاكل التي جعلت الحياة صعبة لكليهما”، مضيفاً أن الرئيس التركي يريد اتخاذ خطوات “لإثارة إعجاب الناخبين الأتراك وإصلاح بعض الأذى الذي تسبب به”.

وتابع مقتبسا قولاً شهيراً للرئيس التركي الأسبق سليمان ديميرال “البارحة هو البارحة، واليوم هو اليوم،” مضيفاً أن أردوغان “ذهب إلى أقصى حد في تطبيقه لهذا القول”.

———————–

أين ستذهب فصائل سوريا في المعادلة الجديدة؟/ ماهر فرغلي

15 يوليو ,2024

تنقسم التنظيمات الموجودة فى سوريا إلى إخوانية أو سلفية جهادية أو أكثر تشدداً مثل «القاعدة» و«داعش»، وهذه التنوعات هى التى تسببت فى اندلاع مواجهات لم تكف فى أى يوم منذ وقت الأحداث فى سوريا وحتى الآن.

يمثّل الصنف الأول حركة «أحرار الشام»، التى يندمج فيها المكون السلفى والإخوانى، ويحدث دائماً صراع بينهما على القيادة والسياسة، ويعكس دائماً مجلس شورى الحركة الصراع بين تيارين؛ محافظ «سلفى جهادى» مقرّب من «القاعدة»، وجناح مقرّب من «الإخوان المسلمين»، وينعكس هذا على عناصر الحركة، التى تتحول دائماً من هنا لهناك والعكس، فعلى سبيل المثال تم تعيين على العمر «أبوعمار»، وهو مهندس، قائداً عاماً لـ«الأحرار»، وهو من عائلة «إخوانية» سورية هربت إلى العراق فى الثمانينات، ومن العراق انتقل إلى اليمن، حيث انضمّ إلى تنظيم «القاعدة»، وعاد إلى سوريا محسوباً على التيار «المعتدل» فى «أحرار الشام».

ويمثل الصنف الثانى حركة «لواء جند الأقصى» القريب من «القاعدة»، والذى وقف فى أوقات مع «فتح الشام» قبل أن تكون «هيئة تحرير الشام»، ومرة أخرى مع «أحرار الشام»، وفى مرات اقترب من «داعش»، وانشق عن «الجولانى» رفضاً لقتالها، وهو متهم بالتقارب مع «داعش» وضلوعه بعمليات اغتيال لقادة فصائل المعارضة السورية، وكان قد ترك نهاية العام 2015 «جيش الفتح» بسبب إعلان الأخير قتاله لها.

إلى جوار لواء «جند الأقصى» يقف تنظيم «حرّاس الدين» الذى يمثل القاعدة فى سوريا، وتنظيمات أخرى كثيرة مثل: «حركة نور الدين زنكى» و«أجناد الشام» و«لواء الحق» و«الحزب الإسلامى التركستانى» و«أنصار الدين»، فيما تقف هيئة تحرير الشام فى المنتصف كمظلة جامعة لتنظيمات قريبة منها فى المنهج، سلفية وإخوانية وعناصر من القاعدة، إما تم اغتيالها أو تدجينها، وهى دائماً مستمرة فى براجماتيتها، فى الحفاظ على التيارين معاً على يمينها ويسارها، على أن تلعب دور الموازن بينهما.

وتقف «داعش» كصنف ثالث ضد جميع الصنوف الأخرى، لكنه يعمل أحياناً من المناطق التى تسيطر عليها الفصائل الأخرى، خاصة فى المناطق الحدودية التى تسيطر عليها هيئة تحرير الشام، التى تواجه الآن معارضة قوية من إخوة المنهج ومرجعيات التيار السلفى الجهادى، ومن المواطنين الذين يتهمونها بالعمالة والفساد.

«تحرير الشام» (هتش) تشهد صراعاً بين تيارَين، الأول يضم كتل المنطقة الشرقية، وعلى رأسها الشرعى مظهر الويس، والتيار الثانى يضم قياديى الصف الأول، أبوأحمد حدود، ورئيس المجلس الشرعى عبدالرحيم عطون (أبوعبدالله الشامى)، وهى تعانى من اختراق داخلى، ما أدى إلى أن زعيمها قبض على معاونيه بتهمة إدارة شبكة تجسس تضم العشرات من القيادات والكوادر تعمل لصالح «دول خارجية»، إضافة إلى تهمة تتعلق بالسعى للإطاحة بالقيادة، ومنهم: مظهر الويس، عضو مجلس القضاء والمجلس الشرعى، وزيد العطار، مسئول المكتب السياسى، وأبومحجن الحسكاوى، مسئول منطقة إدلب، الشرعى السابق فى صفوف الهيئة، وطلحة الميسر المعروف بـ«أبوشعيب المصرى».

إذن نحن لسنا أمام مكون واحد فى سوريا، بل مكونات متعددة، الطلاق الداخلى بينها أكثر من التوافق، وأثبتت الوقائع عدم إمكانية إجراء «توافق» على تفاهم، حين يكون الإقصاء سلاحاً بينهم طوال الوقت.

وقد حاولت تركيا مع أطراف خارجية دولية أخرى إعادة إنتاج لهذه الفصائل السورية، وصنَّفتها ما بين صقور وحمائم، محافظين وإصلاحيين، متشددين ومعتدلين، لكنها حتى الآن فشلت بسبب المرجعيات الجهادية السلفية، والاندماجات، والاستقواء بقوى خارجية، والتنافس المحموم للسيطرة.ودائماً ما نفاجأ بأن بعض الدول تصنف هذه الفصائل ثم تعيد تصنيفها بشكل مضاد، مثل «جيش الإسلام» و«جيش المجاهدين» و«ثوار الشام» و«صقور الشام» و«تجمع فاستقم كما أمرت» و«نور الدين زنكى» و«أسود الشرقية» و«فيلق الرحمن» و«الجبهة الشامية» و«جيش إدلب الحر»، و«حركة أحرار الشام»، التى صنَّفتها روسيا وأمريكا كإرهابية، ثم أعادت تصنيفها من جديد أكثر من مرة هى وتركيا منذ مؤتمر أستانة وحتى الآن.

وتسعى الآن تركيا لإعادة العلاقات مع النظام السورى وفى قبضتها هيئة تحرير الشام، التى تحوى عشرات الفصائل، وكذلك تلوِّح بالرغبة فى تصفية «المتشددين»، وهو الاتجاه الذى تتخذه المقاربة الإقليمية المقبلة، لكن هل تنجح تلك المساعى؟ وهل تنجح جهود التخلص من المتشددين؟ وهل ستقبل تلك التنظيمات السياسة الإقليمية الجديدة؟ وأين سيذهب المعتدلون فى معادلة النظام السورى؟ وكيف سيتم إدماج كل هذه العناصر؟.. إنها أسئلة ستجيب عنها الأيام المقبلة.

نقلا عن الوطن المصرية

———————–

الأسد:المشكلة ليست في لقاء أردوغان..بل في مضمون اللقاء

الإثنين 2024/07/15

قال رئيس النظام السوري بشار الأسد الاثنين، إنه مستعد للقاء نظيره التركي رجب طيب أردوغان إذا كان ذلك يحقق مصلحة بلاده، لكنه اعتبر أن المشكلة ليست في اللقاء بحدّ ذاته إنما في “مضمونه”. وأكد أن لا حل وسطاً بعملية التطبيع بين دمشق وأنقرة.

وقال الأسد للصحافيين على هامش اقتراعه في الانتخابات التشريعية: “إذا كان اللقاء (مع إردوغان) يؤدي لنتائج أو إذا كان العناق أو العتاب (..) يحقق مصلحة البلد، فسأقوم به”، “لكن المشكلة لا تكمن هنا. وإنما في مضمون اللقاء”، متسائلاً عن معنى اي اجتماع لا يناقش “انسحاب” القوات التركية من شمال سوريا.

وأضاف الأسد “أول سؤال نسأله: لماذا خرجت العلاقات عن مسارها الطبيعي قبل 13 عاما؟ لم نسمع الجواب من أي مسؤول تركي”.

ورحب الأسد بمبادرة أردوغان قائلاً: “إيجابيون تجاه أي مبادرة تحسن العلاقة لكن هذا لا يعني الذهاب من دون قواعد. اللقاء وسيلة ونحن بحاجة لقواعد ومرجعيات عمل. هناك لقاء يترتب مع المستوى الأمني من بعض الوسطاء وكنا إيجابيين”.

وأضاف: “ما هي مرجعية اللقاء؟ هل إنهاء أسباب المشكلة التي تتمثل بدعم الإرهاب والانسحاب من سوريا؟”. وتابع: “هذا جوهر المشكلة. إذا لم يناقش اللقاء هذا الجوهر فماذا يعني لقاء؟.. لسنا ضد أي لقاء والمهم أن نصل لنتائج إيجابية تحقق مصلحة سوريا وتركيا بنفس الوقت”.

وأكد أن اللقاءات مع الأتراك “مستمرة ولن تنقطع”، كما كشف عن “لقاء يرتب على المستوى الأمني من قبل بعض الوسطاء وكنا إيجابيين”، لافتاً إلى أنه أصرّ على عقد اللقاءات بغض النظر عن مستواها، “لكننا لم نرَ نتائج إيجابية لأنه لم يكن هناك إرادة سياسية”. وشدد على عدم وجود أي لقاءات سرية بين الجانبين.

واعترض الأسد على وصف التقارب مع تركيا بالتطبيع، لأنه هذا المصطلح وفق قوله يكون مع “عدو شاذ مثل إسرائيل”، لا مع دولة جارة مثل تركيا تربطها بسوريا علاقات عمرها قرون طويلة.

وأكد أنه للوصول إلى علاقات طبيعية مع تركيا يجب عليها وقف دعم “الإرهاب” وإنهاء “احتلالها” للأراضي السورية. وكشف الأسد عن أن أول مبادرة للتطبيع مع تركيا حصلت قبل 5 سنوات، وقال إنه أكد حينها على الموقف نقسه من المبادرات الحديثة، مشيراً إلى أن “الأصدقاء واعون تماماً لما نتحدث به”.

وشدد على أن ما يطالب به للتطبيع مع تركيا لا يُعد شروطاً إنما متطلبات، معرباً عن استعداده للنقاش والحوار حول بعض الإجراءات من دون “تجاوز المبدأ”. وأكد أن الوسطاء لم يقدموا أي ضمانات، قائلاً:” لم تقدم لنا أي ضمانات، لذلك نحن نسير بشكل إيجابي ولكن استناداً إلى مبادئ واضحة، وليس فقط مبادئ، المبادئ هي القانون الدولي والسيادة هذا واضح”.

وشدد على أنه في حال عدم تحقيق نتائج إيجابية من التطبيع فستكون النتائج “أسوأ”، مؤكداً أنه في حالة تركيا، “لا حل وسطاً، ولا حالة رمادية، أما أن نربح أو نخسر”.

وقال الأسد: “عندما نؤكد على المبادئ والمتطلبات، فهذا انطلاقاً من حرصنا على نجاح العملية، وليس تشدداً ولا تردداً. لا يوجد لدينا تردد وليس غروراً كما هو حال البعض، لا يوجد لدينا غرور. نحن نسعى لمصلحتنا بالدرجة الأولى، ومبادئنا تنطلق من مصالحنا المرتبطة بها وليست منفصلة عنها”.

وكان أردوغان قد قال إنه سيوجه قريباً دعوة للاجتماع بالأسد للمرة الأولى منذ قطعت أنقرة ودمشق علاقاتهما الدبلوماسية عام 2011.

وليست هذه المرة الأولى التي تجرى فيها محاولات لتطبيع العلاقات بين البلدين، لكن المحاولات السابقة باءت بالفشل.

———————–

ما موقف أنقرة من شروط دمشق لتطبيع العلاقات؟/ زيد اسليم

15/7/2024

أنقرة– وجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وزير خارجيته هاكان فيدان ببدء اتصالات مع دمشق، في خضم تصريحاته المتصاعدة بشأن احتمالية الحوار مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، وإعلانه أنه قد يدعوه إلى تركيا “في أي وقت”، في وقت لم تحظ فيه دعواته بترحيب واضح في دمشق التي وضعت في المقابل شروطا لذلك.

التحرك التركي قوبل ببيان من وزارة الخارجية السورية، شددت فيه دمشق على أن انسحاب القوات التركية “الموجودة بشكل غير شرعي” من الأراضي السورية ومكافحة “المجموعات الإرهابية” التي تشمل الفصائل المعارضة هما الأساسان الرئيسان لأي مبادرة تهدف إلى “تصحيح” العلاقات بين البلدين.

وقالت الخارجية السورية إن “أي مبادرة في هذا الصدد يجب أن تبنى على أسس واضحة ضمانا للوصول إلى النتائج المرجوة والمتمثلة بعودة العلاقات بين البلدين إلى حالتها الطبيعية كما كانت قبل عام 2011”.

شروط مسبقة

يرى الباحث في مركز سيتا للأبحاث باقي لالي أوغلو -في حديثه للجزيرة نت- أن تصريحات نظام الأسد، التي قد تُفهم على أنها شروط مسبقة، هي في الواقع رسائل موجهة بالدرجة الأولى إلى الداخل السوري وحلفاء النظام، وخاصة روسيا وإيران وليس إلى تركيا، إذ إن الأسد يسعى من خلال هذه التصريحات إلى تعزيز مكاسبه من الوساطة الروسية.

وأكد أنه من غير المحتمل أن تستجيب تركيا لشروط النظام وتسحب  قواتها من المناطق التي تسيطر عليها في شمال سوريا في المدى القصير أو المتوسط، فقد نفذت تركيا عمليات عبر الحدود لمنع التهديدات الإرهابية، ومن المستبعد أن تتراجع عن هذا الموقف ما دامت هذه التهديدات مستمرة.

وشدد لالي أوغلو على أنه رغم التحديات الاقتصادية والعلاقات المتوترة مع روسيا والولايات المتحدة، فإن الأولويات الإستراتيجية لتركيا لم تتغير، ولا يمكن تحقيق تقدم في العلاقات الدبلوماسية إلا إذا ظلت هذه الأولويات محفوظة.

بدوره، انتقد المحلل السياسي تونج يلدرم -في حديثه للجزيرة نت- أي نقاش حول التعاون مع بشار الأسد في ظل الشروط التعجيزية وغير الواقعية التي وضعها، على حد وصفه.

ورأى أن الخطوة التي اتخذها الرئيس أردوغان لا تتناسب مع المرحلة الحالية، وشدد على أن المشكلة الأساسية التي تواجه تركيا هي غياب إستراتيجية واضحة ومتماسكة.

وأشار يلدرم إلى أن انسحاب الجيش التركي من الشمال السوري وترك الحدود تحت سيطرة الأسد والمنظمات الإرهابية سيؤدي إلى صراعات أمنية لا نهاية لها، وذلك يضر بمصلحة تركيا في المقام الأول.

وساطة عراقية

وكان وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين أعلن -السبت- عن اقتراب عقد اجتماع في بغداد يجمع مسؤولين سوريين وأتراكًا، ضمن مبادرة عراقية للتوسط بين البلدين.

وأوضح حسين أنه اجتمع مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، لترتيب لقاء ثلاثي في بغداد مع المسؤولين السوريين. وأضاف “العراق يعمل حاليا على تحديد موعد مناسب لهذا الاجتماع، دون الحاجة إلى موافقات خارجية، مع الحرص على التشاور مع الأصدقاء والحلفاء لضمان أمن المنطقة واستقرارها”.

وأعربت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا عن ترحيب موسكو بمسار التطبيع بين تركيا والنظام السوري، مشيرة إلى أن الجانب التركي اتخذ في الأيام الأخيرة “خطوات مهمة” في هذا المسار.

وكان الرئيس التركي أردوغان دعا كلا من الولايات المتحدة وإيران لدعم مسار التطبيع مع النظام السوري، معتبرا أنه الطريق لتحقيق “السلام العادل” في سوريا.

ورأى مراقبون أن تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان التي أدلى بها، أمس الأحد، في مؤتمر صحفي مع نظيره السعودي، جاءت كإجابة على شروط دمشق لبدء مرحلة التطبيع بين البلدين.

وقال فيدان في المؤتمر الصحفي “هناك مناطق في سوريا تخضع لسيطرة التنظيمات الإرهابية، وأخرى للمعارضة، وأخرى لسيطرة النظام”، مكررا استخدام مصطلح “النظام” مرات عدة خلال حديثه.

وأكد فيدان أن موقف الحكومة التركية والرئيس أردوغان لم يتغير تجاه اللاجئين السوريين داخل تركيا، قائلا “لن نعيد أحدا قسرا إلى بلاده ما لم يرغب هو نفسه في العودة طوعا”. كذلك شدد على موقف تركيا الثابت تجاه المعارضة السورية، مضيفا “حاربنا الإرهاب مع الجيش الوطني على مدى سنوات طويلة ولن نتخلى عنهم”.

لماذا يسعى الطرفان للتطبيع؟

يقول الباحث لالي أوغلو إن العملية الجديدة التي ترغب تركيا في إطلاقها مع نظام الأسد تتماشى تماما مع أهدافها الإستراتيجية، إذ تهدف إلى محاصرة التنظيمات الإرهابية كحزب العمال الكردستاني، ووحدات حماية الشعب، وحزب الاتحاد الديمقراطي في شمال سوريا.

وأضاف أن استعادة نظام الأسد السيطرة على المناطق التي تهيمن عليها هذه التنظيمات يعدّ الخيار المفضل لتركيا لكونه الأقل ضررا، كما تشمل الأهداف الإستراتيجية الأخرى إضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة وتهيئة الظروف المناسبة لعودة اللاجئين الطوعية.

ولفت لالي أوغلو إلى أن نظام الأسد بحاجة ماسة إلى هذه العملية المقترحة مع تركيا، إذ يمكنه من خلالها تحقيق مكاسب دبلوماسية لا يمكن الحصول عليها من أي دولة أخرى، ومن ذلك استعادة الشرعية داخليا وخارجيا، والسيطرة على شمال سوريا بدعم من تركيا، وهو أمر لا يمكن تحقيقه بمفرده أو بدعم من حلفائه كإيران وروسيا.

وأشار إلى أن دور تركيا كداعم ووسيط في تحقيق مصالحة مع الفصائل المعارضة السورية قد يكون الخيار الأفضل لنظام الأسد، ويسهم في إيجاد حل سياسي شامل للأزمة السورية.

المصدر : الجزيرة

————————

التقارب التركي السوري المحتمل يثير مخاوف سكان مناطق «المعارضة»

يوليو 15, 2024

بعد أسبوعين على بدء دعوات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان للتصالح مع نظيره السوري بشار الأسد، ما زال سكان مناطق شمال غربي سوريا، الخاضعة لسيطرة الفصائل «المعارضة»، يعبرون عن رفضهم الخطوة باحتجاجات واعتصامات يومية في مدن مركزية ضمن منطقتيْ إدلب وريف حلب الشمالي.

المحتجّون بدورهم نددوا بالتصريحات التركية التي عدّوها «مصادرة» لقرارهم وأكدوا رفضهم «المصالحة المحتملة»، إضافة إلى تعبيرهم عن غضبهم من تبعية المؤسسات السياسية والإدارية الممثلة للمعارضة السورية، لإرادة تركيا، وأعلنوا، يوم الجمعة الماضي، إغلاق مكتبَي «الائتلاف» و«الحكومة السورية المؤقتة» في ريف حلب الشمالي.

ورغم أن الخشية من «التعامل الأمني» السوري مع المعارضة حال استعادت دمشق سيطرتها على الشمال الغربي كانت المحرك الأول للاحتجاجات؛ فإن رفض التوجه التركي نحو المصالحة والتطبيع له تبعات اقتصادية جلية أخرى على سكان المنطقة المحاصَرة، والتي تُعد تركيا مَنفذها الوحيد للتبادل التجاري، ودخول المساعدات الإنسانية، والحصول على خدمات الكهرباء والاتصالات، ما يعني بقاء سكان المنطقة بين نارين لا قدرة لهم على مواجهتهما.

«المصادرة» التركية

وتجمَّع العشرات وسط حديقة «المشتل» في إدلب حاملين لافتات تحمل شعارات ضد المصالحة بين الأسد وإردوغان، وهم يرددون هتافات المعارضة ورفض «الوصاية والمصادرة» التركية لقرارهم بالبقاء خارج سيطرة سلطة دمشق.

ومنذ الأشهر الأولى للاحتجاجات المطالِبة بالإصلاح في سوريا عام 2011، سمحت تركيا للمعارضين بعقد اجتماعاتهم على أراضيها، وتشكيل هيئاتهم التي أصبحت تمثل المعارضة السياسية لدمشق، وما زالت مقرات أبرزها «الائتلاف السوري المعارض، والحكومة السورية المؤقتة» قائمة.

المظاهرات استمرت في إدلب طيلة الأسبوعين الماضيين رفضاً للتقارب التركي مع النظام (الشرق الأوسط)

ولم تقف مساندة تركيا للمعارضة عند استقبال اللاجئين، الذين وصلت أعدادهم إلى 3.6 مليون شخص، أو الدعم السياسي خلال جولات التفاوض المتكررة طيلة سنوات الحرب، لكنها تدير أيضاً مناطق ريف حلب الشمالي برفقة فصائل ما يُعرَف بـ«الجيش الوطني».

وقالت إحدى المشارِكات بالاحتجاجات؛ وتُدعى ليلي، لـ«الشرق الأوسط»، إن التقارب التركي السوري «غير مقبول مهما كانت النتائج»، مشيرة إلى إمكانية انقطاع الاتصالات والكهرباء والبضائع التركية عن منطقة الشمال الغربي التي اجتمع فيها المُهجّرون والنازحون جراء الحملات العسكرية لقوات الأسد مع حلفائه من روسيا وإيران على مختلف المحافظات السورية خلال السنوات الـ13 الماضية.

ولم تردَّ هيئات المعارضة السياسية الأساسية بالمنطقة على طلب تعليق من «الشرق الأوسط»، لكنها أصدرت بيانات ضد حادثة إغلاق مكاتب «الائتلاف» و«الحكومة المؤقتة» من قِبل المتظاهرين في ريف حلب الشمالي.

وجاء في بيان «الائتلاف السوري»، يوم السبت، تأكيد حق السوريين بالتظاهر والاعتصام السلميين وحرية التعبير، «في ظل التزامهم وحرصهم على الأمن العام وسلامة الأملاك العامة والخاصة».

وفيما يخص تركيا، أشار البيان إلى «حق الدول الصديقة (في) بناء سياساتها بما يحافظ على مصالحها وأمنها الوطني»، محذراً مما سمّاه «التسويق لصناعة الأعداء، عوضاً عن صناعة الأصدقاء لإضعاف الثورة وشق صفوفها».

أما «الحكومة السورية» المؤقتة فذكرت، في بيانها، الجمعة، أن «الإجراءات القانونية» ستُتخذ ضد من يقوم بتخريب المباني والمؤسسات الحكومية والمدنية والعسكرية التي وصفوها بـ«مكتسبات الثورة وإنجازاتها»، وتجنبت الابتعاد عن مناقشة مطالب المحتجّين ومخاوفهم.

التقارب بين صد ورد

التصريحات التي أدلى بها إردوغان، خلال الأسابيع الماضية، والتي تصاعدت مع قبول احتمالية الحوار مع الرئيس السوري بشار الأسد إلى الإيعاز لوزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، بالتواصل مع دمشق، قابلتها وزارة الخارجية السورية ببيان يؤكد أن سحب القوات «الموجودة بشكل غير شرعي» على الأراضي السورية، في إشارة للقوات التركية، و«مكافحة المجموعات الإرهابية» في إشارة للفصائل المعارضة، هي «الأسس» لبدء أي مبادرة «لتصحيح» العلاقات.

وشنَّت القوات التركية، برفقة ما يسمى «الجيش الوطني»، ثلاث حملات عسكرية في الأراضي السورية منذ عام 2016 مكّنتها من السيطرة على مناطق ريف حلب الشمالي وعفرين وتل أبيض في الرقة ضد القوات الكردية التي تداخل صراعها الممتد لعقود مع تركيا بالحرب السورية.

متظاهرون يحملون لافتات ضد المصالحة بين تركيا والنظام السوري (الشرق الأوسط)

وخلال السنوات الماضية، كان الحفاظ على وجود القوات التركية وإنشاء «منطقة آمنة» على طول الحدود بين سوريا وتركيا مطلباً للمسؤولين الأتراك للحفاظ على ما يرون أنه «الأمن القومي» لبلادهم، في حين تقاربت القوات الكردية مع القوات السورية الموالية لدمشق لصد التقدم التركي، دون تحالف كامل نتيجة رفض دمشق مطالب «الإدارة الذاتية» ذات القيادة الكردية بإنشاء حكم ذاتي في شمال شرقي سوريا، واصفة إياها بأنها مطالب «انفصالية».

وائل علوان، الباحث في مركز «جسور» للدراسات، قال، لـ«الشرق الأوسط»، إن «النظام السوري غير قادر على التنازل والدخول في التزامات تتعلق بأمن الحدود ومكافحة الإرهاب، ويعلم أن شرطه بانسحاب القوات التركية غير ممكن؛ لأن الوجود التركي العسكري المباشر هو الضمان الوحيد لتركيا لحماية أمنها القومي»، وفق تقييمه.

وأوضح علوان أن تركيا أيضاً غير قادرة على سحب قواتها، «خاصة مع ارتياب أنقرة من دعم الولايات المتحدة لقوات سوريا الديمقراطية ذات القيادة الكردية (قسد)، والعلاقة المستمرة بين النظام وإيران وحزب العمال الكردستاني (المصنف إرهابياً في تركيا، وترتبط به القوات الكردية في سوريا)».

برأي الباحث السياسي، فإن «آفاق المصالحة بين سوريا وتركيا لن تتعدى فتح الطرق والخطوط التجارية، وعودة العلاقات الدبلوماسية، وأما بالنسبة للسوريين في الشمال الغربي، فإن خشيتهم من النظام وآثار وتداعيات التصالح التركي معه تحمل بعضاً من (المبالغة)، خاصة أن الجانب التركي يدرك سلوك النظام بشكل جيد، وتكاد تكون الثقة بتغيره معدومة»، وفق علوان.

وعلى مستوى آخر لا يعتقد علوان أن السلطات في دمشق قادرة على استعادة الشمال الغربي، ويقول إن تعاملها مع درعا التي عادت إلى سيطرة دمشق منذ عام 2018 بالوجود الأمني والعسكري «لم يشمل المناطق كافة»، دون أن تتمكن دمشق من «تقديم أي خدمات حكومية أو إدارية حتى الآن».

بدوره، يصف الباحث في الاقتصاد السياسي، يحيى السيد عمر، تطور الأوضاع سياسياً بين دمشق وأنقرة بأنه «لا يزال مبهماً، لكن في حال استمرار الرفض الشعبي للمصالحة التركية مع النظام، من المتوقع أن تلجأ تركيا للضغط الاقتصادي، من خلال إغلاق المعابر، وهذا من شأنه التأثير السلبي على اقتصاد المنطقة، على اعتبار أن تركيا المتنفس الاقتصادي الوحيد لشمال وشمال غربي سوريا».

ويدعو عمر إلى «معرفة تفاصيل المبادرة التركية قبل الحكم عليها»، ويقول، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الحل السياسي في سوريا هو المسار الوحيد الذي يحقق مصالح جميع الأطراف ذات العلاقة بالقضية السورية».

الشرق الأوسط

———————

صحيفة: العنصرية في تركيا لا تقل خطورة عن محاولة الانقلاب

اعتقال المئات بسبب الاعتداء على السوريين في قيصري

15/7/2024

تقول صحيفة “فوكس بلس” التركية إن العنصرية في تركيا من أخطر الملفات التي تواجه الحكومة حاليا، ولا تقل خطرا عن محاولة انقلاب 15 يوليو/تموز 2016 في تشابه الغايات بزعزعة الاستقرار الداخلي للبلاد.

وفي هذا السياق، نشرت الصحيفة مقالا للكاتبة برن بيرسايغيلي موت، تحدثت فيه عن تجربة جيرانها السوريين، خاصة امرأة تُدعى مفيدة وابنها إبراهيم، اللذين خرجا خلال محاولة الانقلاب الفاشلة من منزلهما وشاركا في المسيرات لدعم الحكومة التركية.

وقالت الكاتبة إن إبراهيم (16عاما) كان يعاني من صعوبات في التعلّم، ويسير في الشوارع حاملا العلم التركي ويصرخ “تركيا”.

وتشرح مفيدة والدة الطفل كيف كان قلب ابنها يخفق بشدة تلك الليلة، وكيف شعرا بالخطر المحدق وأرادا أن يفعلا شيئا لمقاومته، فكانا يصرخان باسم تركيا، فلا شك أن الهزيمة كانت ستعني مستقبلا مظلما للجميع في تلك الليلة، بما في ذلك إبراهيم.

دعاء المظلومين

وتشير الكاتبة إلى أن أحد أهم أسباب النصر في ليلة 15 يوليو/تموز كان دعاء المظلومين، فقد اتصل بها صديق فلسطيني بعد الأحداث، وهو يبكي، ليخبرها بأن دعاء المظلومين هو الذي أنقذهم، فقد كان الأطفال وكبار السن، وحتى في مناسبات الإفطار الجماعية، يدعون لتركيا، وإن هذه الأدعية كانت السبب في إنقاذ تركيا من حافة الهاوية، فدعاء المسلمين في أماكن مثل فلسطين وسوريا والصومال وإثيوبيا والسودان، هو ما ساعدهم على استعادة وطنهم من أيدي الانقلابيين.

وسلطت برن بيرسايغيلي موت الضوء على محاولات تسييس القومية التركية، قائلة إن هذا يشبه استخدام الدين الإسلامي من قبل جماعة فتح الله غولن للتلاعب بالجماهير، حيث إن هناك جهودا لتكرار أجواء التوتر والخوف، مما يدفع المجتمع نحو حافة هاوية جديدة، مثل ما حدث في 15 يوليو/تموز.

وتنتقد الكاتبة بعض الشخصيات والتيارات السياسية التي تروج للكراهية ضد الأجانب تحت قناع القومية، وينشرون أخبارا كاذبة عن المهاجرين، خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي، وتقول إنه من المؤسف أن التصريحات الرسمية التي تثبت كذب هذه الأخبار لا تلقى الاهتمام الكافي، ومما لا شك فيه أن هذه الكراهية ضد الأجانب، خاصة ضد السوريين، تُدار من قِبل جهات خفية تهدف إلى خلق الفوضى والانقسامات في المجتمع.

وتشير الكاتبة التركية إلى الجهود الإنسانية والدبلوماسية التي تقوم بها تركيا من خلال مؤسساتها كمؤسستي “تيكا” و”المعارف”، و”معهد يونس إيمره”، موضحة أنها منحت تركيا مكانة متميزة في عيون دول العالم، حيث أبرزت أن لتركيا قلبا وروحا، وأنها نموذج لاحترام الإنسانية مقارنة بسياسات الاستعمار التي تتبعها الدول الغربية التي لا تقدّر الإنسان.

وتحذر برن بيرسايغيلي موت من أن التهديدات التي نراها اليوم ليست مجرد تهديد للمظلومين الذين لجؤوا إلى تركيا، بل تهدد سمعة تركيا الدولية أيضا، مشددة على ضرورة تدخل الحكومة فورا لمواجهة هذا النمط السائد من الانقسام الاجتماعي والاقتصادي والمخاوف الموجهة ضد اللاجئين، حيث إن عدم القيام بذلك قد يؤدي إلى تدمير كامل لصورة تركيا وسمعتها أمام العالم.

وفي الختام، أكدت الكاتبة أن مفهوم العداء للعرب تأسس في جوهره على العداء للإسلام، وأن هناك جهودا لجعل الجماهير في العالم الإسلامي تتصارع فيما بينها بهدف استعمارها واحدة تلو الأخرى من قبل الغرب، وشددت على أن كل شكل من أشكال القومية، عندما تسيطر عليه الدعايات السياسية الخبيثة أو الطابور الخامس في بلده، يتحول إلى حالة مرضية تعم فيه الكراهية للآخر، ويصبح بمثابة تهديد لجميع أفراد المجتمع، وتهديدا كبيرا لا يقل خطرا عن تهديد 15 يوليو/تموز، مشيرة إلى أن التاريخ القريب يثبت أن الحركات القومية هي التي مهدت لسقوط الإمبراطورية العثمانية.

المصدر : الصحافة التركية

————————–

هذه ليست تركيا/ غزوان قرنفل

عندما يضع مسؤول بناء في إحدى المدن الهولندية إعلانًا في لوحة إعلانات البناء السكني، يحث فيه القاطنين على إبلاغه بأي سلوك عنصري ضد أي أجنبي من القاطنين قد يصدر عن أحد جيرانه ليقوم هو باتخاذ ما يلزم من إجراءات تجاه هذا السلوك العنصري، ويختم إعلانه بعبارة “هذه ليست تركيا، هذه هولندا”، فهذا يعني أن الفضيحة والوصمة العنصرية التي وصم بعض الأتراك بلدهم فيها بسلوكهم العدائي تجاه الأجانب وخاصة السوريين منهم، قد بلغت مبلغًا كبيرًا وعمت آثارها وارتداداتها جوانب الأرض الأربعة، وصارت محلًا للتندر والسخرية، وهو، طبعًا، شيء ليس في مصلحة تركيا والأتراك.

هذه ليست تركيا، صحيح، فتركيا التي أتينا إليها قبل 12 عامًا غير تركيا الآن، فما نراه ونسمعه ونعايشه في تركيا الحالية يدفعك لهذا القول حقًا، حتى لا تكاد تصدق هل يعقل أن تركيا التي استقبل معظم شعبها السوريين، وبعضهم أثث لبعضهم بيوتًا يسكنونها، وتعامل معهم بكل تقدير لمحنتهم، هي نفسها تركيا اليوم التي قلب أكثر شعبها للسوريين ظهر المجن، وأخذ بعضهم يهاجم بعضهم ويعتدي عليهم ويحرق لهم ممتلكاتهم ومساكنهم ويتهمهم زورًا وبهتانًا ليرحّلهم إلى بلدهم، بحق وبغير حق!

هذه ليست تركيا، فلطالما كانت تركيا دولة ملجئة، ولطالما فتحت أبوابها وذراعيها للقادمين إليها هربًا من جحيم الظلم والقهر، فاستقبلت الوافدين إليها من القوقاز والقرم والبلقان والبوسنة والإيغور وكوسوفو وليبيا واليمن، وبطبيعة الحال العراقيين والسوريين، حتى صارت مسألة إيواء الفارين إليها جزءًا من الضمير الجمعي العام، فلماذا يتبدل المشهد وتنهار تلك القيمة المجتمعية الراقية؟

هذه ليست تركيا، التي ما سمعنا فيها كلامًا عنصريًا بحقنا حتى قبل بضع سنوات مضت فقط، بينما تنضح وتطفح اليوم وسائل التواصل فيها بجرعات زائدة من العنصرية الكريهة ضد السوريين وعموم العرب في الكثير من الأحيان.

ما الذي حصل وما الذي تغير حتى صار المشهد بهذه القتامة بالنسبة لكل سوري فيها، وهل من المفيد والمجدي إعادة تكرار وتفنيد القول بالأرقام إن السوريين ليسوا عبئًا اقتصاديًا على تركيا، وأن ما أنفقته الحكومة التركية على السوريين ليس من بينه دولار واحد من خزائن الدولة المضيفة. ولماذا تراخت الحكومة ابتداء عن لجم جماح ذلك الخطاب العنصري بحق السوريين، حتى وصلنا إلى أن يتجرأ هؤلاء الرعاع المتطرفون على قتل السوري، هكذا بلا سبب سوى أنه سوري، وحتى وصلنا إلى تلك المشاهد المرعبة التي عاشها السوريون في قيصري وأنطاليا وغازي عينتاب وهاتاي وقونية!

واقع الحال يشي بأن التعاطي الحكومي مع ملف اللاجئين السوريين تبدل تمامًا منذ منتصف العام 2019، وظهرت تبدياته في أولى حملات الترحيل العشوائية التي انطلقت في ولاية اسطنبول عقب خسارة حزب “العدالة والتنمية” لبلديتي اسطنبول وأنقرة بالانتخابات البلدية التي تمت آنذاك، والتي تخلل حملاتها الانتخابية إطلاق أول التصريحات العنصرية التي استخدمها بعض رموز الأحزاب المعارضة، والتي اتخذت بعد ذلك منحى تصاعديًا وصولًا للحظة التي وقعت فيها أحداث قيصري الأخيرة، دون أن يكون مستوى التعاطي الحكومي مع هذا الخطاب والاستجابة القانونية لمواجهته مكافئًا لوتيرته المتصاعدة ومؤشراته الخطيرة.

والحقيقة أن التعاطي الحكومي كان غير مبالٍ، على الرغم من التنبيهات والتحذيرات من مخاطر التهوين من هذا الخطاب وآثاره، وعلى الرغم من المكاشفات الصريحة جدًا التي طالما قلناها في الكثير من اللقاءات الفردية والاجتماعات الرسمية بهذا الشأن، وعلى الرغم من عشرات التقارير الحقوقية التي صدرت عن منظمات حقوقية دولية وتركية، لكن كل ذلك مع الأسف لم يلقَ أي آذان مصغية، بل على العكس، كان كل ذلك يقابل بالإنكار والتبرير المتهافت الحجة.

اليوم، لم يعد السوريون يشعرون بتلك الطمأنينة التي غمرتهم عندما لجؤوا إلى تركيا واستقروا فيها، وبعضهم فضّل البقاء فيها على الرغم من أنه كان متاحًا له اللجوء في دول أوروبية بكل يسر وسهولة. السوريون اليوم قلقون ومتوترون، ولا يملكون أي يقين بشأن حياتهم ومستقبلهم هنا، خصوصًا مع التحولات السياسية الجذرية التي اتخذتها الحكومة التركية والمتعلقة بالملف السوري عمومًا، وبعلاقتها مع النظام الحاكم في دمشق، خصوصًا أن أولى النقاط على برنامج تطبيع العلاقات هي تلك المتعلقة بملف اللاجئين وضرورة عودتهم “الآمنة” إلى بلدهم.

معظم السوريين اليوم يعرضون ممتلكاتهم للبيع، وصفحات وسائل التواصل الاجتماعي تضج بالكثير من المعروضات وتصفيات المحال التجارية بداعي السفر، فقد أدركوا، متأخرين كثيرًا مع الأسف، أن تركيا لن تكون مستقرًا لهم، وأن وجودهم هنا صار على المحك، رغم كل المؤشرات التي كانت متاحة لهم لاستشعار مؤشرات وأضواء الخطر والموجبات التي تحثهم على البحث عن مواطن بديلة لهم.

المؤلم في هذا الأمر أن كل دول الإقليم وكأنها أصيبت بجائحة طرد اللاجئين السوريين، وإعادتهم قسرًا إلى بلدهم، الذي لا أحد بطبيعة الحال يكره أن يعود إليه بالحالة الاعتيادية الطبيعية، ولكن الكل يسأل نفسه إلى أين أعود؟ إلى سلطة بطشت بالناس ودمرت وقتلت واعتقلت وأفنت وهجّرت؟ أم إلى سلطة ميليشيات لا تقل سوءًا ووضاعة وإجرامًا عن النظام الذي تزعم أنها تعارضه!

صحيح أن تركيا لم تعِد السوريين أن تكون موطنًا بديلًا دائمًا لهم، وصحيح أكثر أنها وضعتهم طوال عقد كامل في وضع قانوني شديد الهشاشة للدرجة التي يمكن بكل بساطة أن يحيل حياتهم فيها إلى شيء معلق في الهواء لا استقرار ولا طمأنينة فيه، لكن من حق أي سوري اليوم أن يقول “هذه ليست تركيا”، وأن يشعر بسخونة النصل الذي غُرس في جسده، عندما يراها تغلق كل البوابات في وجهه وتصر على إعادته إلى الجحيم!

عنب بلدي

—————-

أوزغور أوزال: إلى دمشق خذوني معكم!/ سمير صالحة

2024.07.14

ما إن أعلن برهان الدين بولوت، أحد كبار المسؤولين في “حزب الشعب الجمهوري” التركي المعارض، عن تلقيه ردا إيجابيا من قبل النظام في دمشق يفتح الطريق أمام زيارة رئيس الحزب أوزغور أوزال للقاء بشار الأسد، حتى جاء النفي السريع من قبل الأخير على لسان مصدر رفيع يقول إنه لم يتم التواصل مع أي حزب تركي بشأن زيارة دمشق ولقاء الأسد.

أعلن أكثر من قيادي وحزبي سياسي تركي معارض عن رغبته في التوجه إلى دمشق للقاء الأسد وتفعيل الحوار باتجاه الحلحلة في الملف السوري، ابتداء من “حزب الشعب الجمهوري” مع كمال كليتشدار أوغلو، وحزب “إيي” مع ميرال أكشنار، وحزب “وطن” مع دوغو برينشاك، ثم حزب “ظفر” مع أوميت أوزداغ، وفي النهاية حزب الرفاه من جديد مع فاتح أربكان. الرسالة الأهم بالنسبة لدمشق وسط كل هذه الاقتراحات جاءت من رئيس حزب الشعب الجديد أوزغور أوزال، الذي أعلن عن رغبته في القيام بزيارة من هذا النوع ولقاء الأسد لنقل الحوار بين أنقرة والنظام في دمشق إلى مرحلة انفتاحية جديدة.

كشف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أيام، وخلال حواره مع الإعلاميين في واشنطن، عن دعوته للأسد لعقد لقاء في تركيا أو في دولة ثالثة، وأنه كلف وزير خارجيته بمتابعة هذا الملف مع المعنيين هناك. “نريد أن نبدأ مسارًا جديدًا ينهي الغبن والزعل”. ما الذي يمكن أن يفعله أردوغان أكثر من ذلك من أجل إعادة بناء جسور التواصل مع بشار الأسد؟

هناك إجماع في صفوف المراقبين والمتابعين لسياسة تركيا تجاه سوريا على أن التحول في مواقفها حيال الملف سببه المتغيرات الإقليمية، والانسداد الحاصل في سياسة أنقرة بخصوص سوريا، وتغيير العديد من العواصم العربية لمواقفها حيال النظام في دمشق، وتمسك واشنطن بمجموعات “قسد” شريكها المحلي، ومحاولة إيران لعب أوراق محلية على خط شرقي سوريا وشمالي العراق لعرقلة التقارب التركي العراقي، وفرض نفسها على أي انفتاح تركي على النظام في دمشق.

وهناك أيضًا أكثر من احتمال حول من يقف خلف عرقلة زيارة أوزغور أوزال إلى دمشق للقاء بشار الأسد:

الأسد نفسه، الذي قرر التريث لمعرفة نتائج الرسائل الانفتاحية المتبادلة بين أنقرة ودمشق وموسكو حول اقتراب موعد القمة التركية السورية برعاية روسية.

ربما الضغوطات الروسية التي تعرضت لها دمشق باتجاه إرجاء موعد الزيارة وسط الأجواء الإيجابية التي تقودها موسكو على خط أردوغان – الأسد.

احتمال آخر وهو وجود طلب تركي غير مباشر بهذا الاتجاه تجنبًا لتجيير هذه الخطوة إلى اختراق سياسي لحزب الشعب الجمهوري في سياسته الخارجية وفي الملف السوري وسط التوازنات السياسية والحزبية الحساسة في تركيا.

يبدو أن النظام في دمشق يريد التريث قبل الرد على طلب “حزب الشعب الجمهوري” بانتظار وضوح الرؤية حول ما سيجري بينه وبين قيادات العدالة والتنمية. يريد إحالة طلب أوزال إلى الخارجية في دمشق لتخفيض مستوى اللقاء، تحت ذريعة أن دمشق لا تفاوض سوى القوى الرسمية في السلطة، لكن أوزغور أوزال متمسك بلقاء الأسد مباشرة ولن يقبل بأقل من ذلك. هدفه هو إثبات وجوده في الملفات الخارجية التركية وعلى رأسها الملف السوري الأهم بالنسبة لأنقرة اليوم سياسيًا وأمنيًا.

عرقلة زيارة أوزال أو تأخير موعدها سببه المواقف السياسية الجديدة الصادرة عن القيادات التركية في الحكم حول الملف السوري. لكن قمة تركية – تركية جديدة بين أردوغان وأوزال لبحث الملف السوري قبل توجه الأخير إلى دمشق تعني أن أردوغان على علم بكافة التفاصيل، وأنه هو الآخر أشعل الضوء الأخضر أمام تحرك رئيس حزب الشعب المعارض. عكس ذلك يعني أن الأسد يلعب ورقة أوزال بمفرده، وأنه لن يفرط بهذه الورقة خصوصًا بعد صعود الأخير شعبيًا في الانتخابات المحلية التركية التي جرت في أواخر آذار الماضي، وكذلك بسبب التباعد في المواقف بين بشار الأسد وبين حزب أردوغان الذي ما زال يرى أن الحل في سوريا يمر عبر المرحلة الانتقالية ومشاركة القوى السياسية المعارضة فيها في إطار قرارات مجلس الأمن وأهمها 2254.

هل يعني كل هذا الحراك والتطورات أن الأسد سيعرض الرسائل الانفتاحية التي وجهها الرئيس التركي نحوه للخطر ويستقبل زعيم “حزب الشعب الجمهوري” المعارض في دمشق، قاطعًا الطريق على فرصة الحوار قبل أن ينطلق؟ طهران قد تنصحه بذلك حتمًا، لكن موسكو قد تقول كلامًا مغايرًا وهي التي ستوجد أمام الطاولة الثلاثية كوسيط وضامن.

فرض الناخب التركي في مطلع نيسان الماضي، وبعد إعلان نتائج الانتخابات المحلية التي سهلت لحزب الشعب الجمهوري المعارض تسجيل اختراق شعبي وحزبي في مواجهة حزب العدالة الحاكم، معادلة سياسية داخلية جديدة يريد تحويلها إلى فرصة خارجية في التعامل مع الملفات الإقليمية التي تعني تركيا. عندها برزت مواقف وتصريحات أوزغور أوزال حول ضرورة تسريع عملية مراجعة أنقرة لسياستها حيال سوريا، مبديًا استعداده للتوجه إلى دمشق والدخول على خط الوساطة بين أردوغان والأسد.

يعلن أوزال أنه سيزور دمشق قبل نهاية الشهر الحالي، وتكشف مصادر سورية مقربة من النظام أن لا معلومات رسمية حول استعداد العاصمة السورية لزيارة من هذا النوع. لماذا يستقبل الأسد زعيم المعارضة السورية بعد هذه الساعة وهو يتابع رسائل أردوغان اليومية التي يوجهها له بشكل مباشر؟ ولماذا يقطع الغصن الذي سيجلس فوقه وهو يحاور أنقرة بوساطة روسية ويسهل للمعارضة التركية تسجيل تقدم سياسي داخلي وهو يستعد لمحاورة أردوغان أمام الطاولة الثلاثية؟ هل يسهل بشار الأسد مهمة أوزال باتجاه التقريب بينه وبين أردوغان أم هو سيحاول لعب هذه الورقة لانتزاع تنازلات ومكاسب سياسية خلال الجلوس أمام طاولة الحوار مع الرئيس التركي، مراهنا على سيناريو التغيير في تركيا ووصول المعارضة إلى الحكم وإبقاء قنوات الحوار مفتوحة معها؟

هل هناك مبالغة فكرية إذا ما أعدنا ترتيب وتقريب تصريحات الرئيس التركي للإعلام الغربي من بعضها البعض وهو يستعد لقمة دول حلف شمال الأطلسي في واشنطن، “من يعتقد أنه بإمكانه إقامة دولة إرهابية في منطقتنا، يعيش حلمًا بعيد المنال لن يتحقق أبدًا.. من الأفضل التعامل مع المشكلات في المنطقة والعالم على أساس المبادئ بدلاً من المصالح الذاتية القصيرة المدى”، وقارنا ما قاله حول تطورات المشهد في الحرب الروسية الأوكرانية بأن “الحل لا يكمن في مزيد من سفك الدماء والمعاناة، بل في السلام الدائم الذي يتحقق من خلال الحوار والدبلوماسية”، بسياسة تركيا السورية الجديدة ورسائل أنقرة الانفتاحية؟ الرئيس التركي يسهل هنا الإجابة على السؤال بقوله “غايتنا الأساسية أن تكون الأراضي السورية خالية تمامًا من الإرهاب، وأن تصبح سوريا دولة مزدهرة يحكمها السوريون”. أردوغان محق ربما فيما يقول، لكنه يعرف أيضًا أن هناك جملة من التساؤلات التي تنتظر الردود عليها حول علاقة أنقرة بالعديد من الشركاء والحلفاء في التعامل مع الملف السوري. أنقرة أيضًا وضعها صعب في سوريا، تريد إنهاء أزمتها في سوريا لكن الأزمة السورية لن تفارقها بمثل هذه السهولة.

تلفزيون سوريا

————————

التوظيف الانتهازي لأزمات اللاجئين السوريين الأخيرة/ سامح المحاريق

12 – يوليو – 2024

السوريون شعب مثل أي شعب آخر، وعندما نتحدث عن شعب، فإن ذلك يعني الملائكة والشياطين معا، فالشعب بشكل عام في كل مكان وزمان، مفهوم يشتمل على أكاديميين محترمين، وأدباء ومفكرين وتجار شرفاء، والشعب نفسه، يشتمل على قتلة ولصوص وحثالات مختلفة، لهذه الطبيعة البشرية جدا، والبسيطة إلى أبعد الحدود، كانت الأوسمة والسجون، والمجد والعار، ومع ذلك، فالشعب أيضا يحوز صفات مشتركةً إلى حد ما، ولكنها أقرب إلى التشابه في الملامح بين أغلبية أفراده، فالسوريون يعملون بكثير من الجد، ويبدعون الحلول بطريقة تثير الإعجاب، ويتجلى ذلك، في المهن اليدوية وفي المطبخ، حيث تقف المرأة السورية لتصنع طعاما شهيا مهما كانت المكونات أمامها متواضعة وفقيرة، وهذه الصفات المشتركة لا تعدو التشابه في لون البشرة بين أفراد الشعب.

ما ينطبق على الشعب السوري، هو ذاته عند اللبنانيين والأتراك والمصريين والأردنيين، وهي دول بدأت تتخذ مواقف سلبية من اللجوء السوري، على تباين حدتها، والترتيب متعمد وإن يكن ذا صيغة تقديرية، ووراءه أسباب موضوعية مثل الأوضاع الاقتصادية المتردية في البلدان المستضيفة، التي تجعل الشعوب تعيش مرحلة من التوتر، وفي ظل غياب الوعي بأسباب التردي، وتنصل الحكومات عن تقديم أسباب واقعية، بحيث تترك البحث عن مبرر مفتوح أمام الشعبوية والعصابية الجمعية التي تغذيها القوى السياسية المتنافسة.

مع ذلك، يبقى التزامن سؤالا مهما، ولا يمكن التغافل عنه، وتفسيره هو في التراجع المؤثر في الدعم المقدم للدول المستضيفة للاجئين السوريين، وعدم وجود شهية لمواصلة الالتزامات، التي قدمت قبل سنوات، ولعل التراجع في أولوية الأزمة السورية، مرتبط بالتخفف من الضغط الذي كانت تشكله على ما يسمى بالضمير الإنساني، مع تصاعد مناطق ساخنة أخرى في أوكرانيا وغزة، مع انكشاف واضح لهشاشة مفهوم الضمير الإنساني، وادعاءات البراءة والمثالية لما يسمى بالمجتمع الدولي، على الأقل في فضاء النوايا، وأتى ذلك، بعد سلسلة من اللحظات الفاضحة والمرعبة، التي فشلت الإنسانية في تقديم ما يسوغ اعتقادها المبالغ في وجود أرضية أخلاقية تتصف بالعدالة والنزاهة، وكانت البداية مع اللقاحات والإمدادات الأخرى، في بداية أزمة وباء الكوفيد 19، لتتصاعد وصولا إلى المحنة الجارية في قطاع غزة، والوقوف بوجوه مشكوفة تدعي الجهل وتمارس التجاهل أمام الجرائم الصهيونية، ومؤخرا، النقاشات حول مصادرة الأصول الروسية بمئات المليارات وتحويلها إلى أوكرانيا، وهي لحظة كاشفة لنظام تضعه الدول الكبرى ليحقق مصالحها أولا، ولو كان يضرب أمورا مستقرة في العالم ولآلاف السنين من التاريخ ويمكن أن يدفع العالم إلى الفوضى الكاملة.

الحالة التركية تبدو نموذجا واضحا للمشكلة السورية، ووقوع السوريين في انتهازية اللعبة السياسية التي تجاهلت رحلةً طويلةً من استعادة تركيا إلى موقع إقليمي مؤثر بعد بقائها مهملة وقابعة في موقع الجار المزعج لأوروبا، والظل الثقيل لجيرانها في المشرق، وتهرب النخب السياسية التي تحاول الدفع بالسوريين في قلب الصراع على السلطة لخلط الأوراق والتنصل من أداء الثمن المناسب لحركة بناء وتطوير واسعة، استمرت لأكثر من عشرين عاما، والسوريون في موقع تقاطع حرج يجعلهم التنازل السهل للسلطة في تركيا، والنصر الأسهل للمعارضة، خاصة أن السؤال السوري في تركيا يتضمن داخله السؤال التركي الكبير بشقه الهوياتي، وبدلا من تفجره لصراع داخلي، فإن السوريين يمكن أن يقوموا بهذه المهمة إلى حين، بمعنى آخر، أن يشبعوا الهوية التركية التي تتلقى الضربات الاقتصادية والاجتماعية بصورة متتالية.

الأمر في مصر لا يختلف كثيرا، اصطدام متوالية القرارات الخاطئة والأولويات المختلة، وصل بالجميع إلى مأزق حرج للغاية، والسوريون أصبحوا أحد منصات التفريغ، يجب أن تستنزف إلى الحدود القصوى، كتعبير عن فشل القاهرة في توظيف ملف اللاجئين أو (الضيوف) كما وصفهم الرئيس عبد الفتاح السيسي، في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بالحصول على تمويلات غير مشروطة من المانحين.

لبنان والأردن، كانتا جزءا مع الكينونة الوجودية لسوريا في مفهومها التاريخي الأبعد كثيرا من نشوء الدولة الحديثة، إلا أن الموقف من السوريين يختلف كليةً، ففي لبنان توجد ثأرية بين بعض الأطراف والسوريين بالمجمل، ويظهر وجود حالة خفية من التوافق على التهرب من لحظة الاشتباك بين الطوائف وأجنحتها، بتحويل السوريين إلى الطائفة التاسعة عشرة في لبنان، وكبش الفداء الذي يتحمل الخطايا الثقيلة، ولو بصورة مؤقتة، ويبقى الأردن حالةً مختلفة نتيجة السيادة الأيديولوجيا القومية والإسلامية على الجموع الأوسع للأردنيين، سواء من خلال وعي تاريخي واجتماعي، أو بالتوارث القيمي والفكري، إلا أن المتاعب الاقتصادية تشكلت على تنكر من المجتمع الدولي الذي ضغط على الأردن لاستيعاب السوريين، في منظومته الاقتصادية المرهقة أساسا، والتنصل بعد ذلك من التزامات وضعت بوضوح في وثيقة أردنية قدمت للدول المانحة  في لندن 2016.

أزمة اللجوء السوري تدخل فصلا صعبا، ولكنه ليس فصلها الختامي، فلا نهاية ممكنة في الأفق، وبذلك تتحدى هذه الأزمة الأخلاقيات المهترئة للمجتمع الدولي، وتآكل القيم التي يفترض أن تحكم الدول التي وظفت مسؤوليتها الافتراضية لتكون أداة تسهم في استمرار تدخلها في الدول الأخرى لتحقيق مصالح مادية بالمرتبة الأولى. الإحصائيات التي تستند لها الأزمة على طاولة الأمم تجرد الشعب من إنسانيته، والانتهازية تتمثل في أن تصبح حادثة تحرش من شخص سوري بطفلة تركية، مع أنها جريمة منكرة، إلى مبرر إلى الاعتداء على آلاف السوريين في تركيا التي تشهد أكثر من ثلاثين ألف حالة مماثلة كل سنة، يكون أطرافها أتراكًا! وفي هذه الحالة تصبح الحادثة كاشفة لتجريد الشعب السوري من حقه في التعبير عن تنوعه، ليصبح كتلة مصمتة يمكن أن تتحول إلى هدف للتصويب والتدريب على العنف الكامن المكبوت، تحت أزمات سياسية واقتصادية داخلية تعتبر جارية بوجود السوريين أو من غيرهم.

كاتب أردني

القدس العربي

————————–

اللاجئون السوريون في تركيا.. بين العنصرية و”الانقلاب على المعارضة“!

يدفع اللاجئون السوريون ثمن التحوّلات القائمة على الصعيد الداخلي التركي، سواء كان ذلك على المستوى الإقتصادي أو السياسي، خصوصًا مع تصاعد الحملات العنصرية التي تستهدفهم، على قاعدة تحميلهم المسؤولية عن الأزمات التي تمر بها أنقرة.

فما حصل في الفترة الأخيرة، لناحية الإعتداءات التي وقعت في بعض المدن التركية وردات الفعل عليها في الشمال السوري، ليس وليد الساعة، بل هو نتيجة مجموعة من التراكمات التي كانت قد سُجّلت في المرحلة الماضية، وصولًا إلى انعطافة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من دعم المعارضة السورية إلى استعادة العلاقة مع النظام السوري برعاية روسية وعراقية.

في هذا السياق، تلفت مصادر سورية معارضة إلى “مجموعة من التحوّلات التي بدأت تُسجّل في موقف الجانب التركي منذ العام 2016، حين بدأت أنقرة ترصد ما تعتبره تهديدات تمثلها “قوات سوريا الديمقراطية” الكردية على أمنها القومي، وهو ما قادها إلى تقديم تنازلات تتعلق بالعلاقة مع كل من موسكو ودمشق، على المستويين السياسي والأمني، من خلال مسار لقاءات الأستانة”.

بالإضافة إلى ذلك، تشير المصادر عبر “عروبة 22” إلى أنه “لا يمكن تجاهل عامل أساسي يكمن في سعي قوى المعارضة التركية، في ظل الأوضاع الصعبة على المستوين الإقتصادي والإجتماعي، إلى محاولة إستغلال ورقة اللاجئين السوريين، وشنّ حملة واسعة من التحريض ضدهم، بدأت تداعياتها بالظهور تباعًا، من خلال إعتداءات عنصرية طالت العديد منهم من جانب متطرفين أتراك، وهو ما قاد الحكومة التركية إلى ملاقاتها بمجموعة من الإجراءات المتشددة بحق اللاجئين، بسبب تزايد حجم الإمتعاض في الأوساط الشعبية، لا سيما في المناطق الحدودية، وبالتالي وجدت السلطات التركية أنّ لها مصلحة في استخدام هذه الورقة وسحبها من يد المعارضة”.

وبالنسبة إلى المصادر السورية المعارضة نفسها، فقد ساهمت مؤشرات التقارب التركي مع النظام السوري في تعاظم ردة الفعل التي حصلت في مناطق الشمال السوري، نظرًا إلى الشعور بأنّ تركيا تقترب من التخلي عن معارضي النظام بشكل كامل، على إعتبار أنّ أنقرة ستكون مضطرة إلى تقديم تنازلات على طاولة المفاوضات التي من المقرر أن تجري في بغداد من أجل الحصول على مكاسب في الملفات التي تعنيها، وستسعى بالتالي إلى إعادة القسم الأكبر من اللاجئين إلى الداخل السوري ليلاقوا مصيرهم بأنفسهم بمعزل عن أي ضمانات أمنية أو سياسية للمعارضين منهم.

وبحسب بيانات دائرة الهجرة التركية، يبلغ عدد اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا 3 ملايين و120 ألفًا و430 شخصًا بعدما كان عددهم أكثر بنحو ثلاثمئة ألف لاجئ في شهر شباط الماضي، غير أنّ السلطات التركية كانت قد بدأت منذ أشهر بمجموعة من الإجراءات المشددة التي تهدف إلى ترحيل أكبر عدد ممكن من اللاجئين إلى مناطق الشمال السوري، حيث شكلت الملاحقات الأمنية القائمة ضد اللاجئين أحد أبرز أسباب النقمة على أنقرة وحكومتها من جانب السوريين اللاجئين نتيجة اعتماد سياسة الترحيل القسري بحقهم وحق عائلاتهم.

من الأمور اللافتة، في موجة الإعتداءات الأخيرة على السوريين، أنها جاءت بناء على “إشاعة”، تفيد بتعرّض طفلة تركية للتحرش من لاجئ سوري، قبل أن يتبيّن أن الطفلة سورية الجنسية، وهي قريبة المعتدي الذي يعاني من مشكلات عقلية، ما يؤشر إلى وجود حملات ممنهجة ضد اللاجئين، لا سيما وأنّ وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا كان قد أعلن، الثلاثاء الفائت، توقيف 474 شخصًا على خلفية التحريض إثر الأحداث التي شهدتها ولاية قيصري، بينهم 285 من أصحاب السوابق، داعيًا المواطنين الأتراك إلى عدم الانسياق خلف الأعمال التحريضية، والتصرف باعتدال، ومتعهدًا بمحاسبة من يدبّرون لهذه المخططات والمؤامرات “ضد دولتنا وشعبنا”. في حين أعلن حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية، أنّ الأحداث الأخيرة في تركيا وشمال سوريا، سببها فشل السياسة الخارجية التركية في التعامل مع الأزمة السورية منذ بدايتها، مطالبًا بالإسراع في عقد مباحثات مع حكومة دمشق لتطبيع العلاقات ومعالجة القضايا الأمنية وقضية اللاجئين.

ومن جانبه سعى أردوغان إلى امتصاص النقمة السورية ضده فاعتبر أنّ الأحداث الجارية تأتي ضمن “مخطط فوضى مدبّر” داعيًا الأتراك والسوريين إلى عدم الوقوع “في هذا الفخ الخبيث”، بينما دعا “الائتلاف الوطني السوري” إلى “ضبط النفس وعدم الانجرار وراء الشائعات وخطاب الكراهية والعنصريين الذين يحرّضون على الفوضى والأذى”.

في الختام، وإذ تعتبر المصادر السورية المعارضة أن المساعي لاحتواء الحوادث الجارية لا تعني عدم إمكانية تكرارها في المستقبل، تنبّه في هذا الإطار أنّ “ما حصل، في الأيام الماضية، في مناطق شمال سوريا مرجح إلى التطور فيما لو قرّرت أنقرة الماضي في سياسة التقرّب من النظام السوري والانقلاب على معارضيه”.

(خاص “عروبة 22”)

—————————

=====================

تحديث 13 تموز 2024

————————

تعويم الأسد وأشياء أخرى… سباق إيراني تركي محموم إلى تعزيز الأدوار في سوريا/ أحمد رياض جاموس

13 تموز 2024

“بعض المكاسب لإيران والكثير من المخاوف والترقب” هذا هو العنوان العريض للتقارب التركي مع دمشق وعلاقته بإيران الحذرة من أن يمس نفوذها الذي بات الأكبر في سوريا ولا سيما في الجانب الاقتصادي.

ورغم دور طهران الفاعل في سوريا وتأثيره المباشر على صنع القرار في عمق سلطتها الحاكمة مع انخراطها منذ سنوات إلى جانب موسكو وأنقرة في منصة أستانا المصممة لإدارة مصالح البلدان الثلاثة في سوريا، لم تحظ بدور مباشر في رعاية مسار الحوار التركي السوري كما روسيا، ما يعني إمكانية التأثير في مسار العلاقات المحتملة بين دمشق وأنقرة، إذا لم تتحقق مصالحها.

التباين التركي الإيراني

تفاوتت العلاقة بين الطرفين ما بين حدة الصراع وقوة التحالف في العديد من القضايا المرتبطة بالبلدين، أما في ما يتعلق بالملف السوري فقد لوحظ خلال الفترة الماضية أن إيران تذهب باتجاه تهدئة الأجواء بين تركيا والنظام السوري عبر طرحها مبادرات سياسية بينهما لتعويم الأسد، لكن الجانب التركي كان دائماً ما يفضّل التعامل مع روسيا فقط وتغييب دور طهران.

تفوقَ الطموح الإيراني على الحلم التركي لأسباب متعلقة ببنية نظام الحكم السوري الموالي لإيران صاحبة الانتشار الأوسع في سوريا بـ 529 موقعاً مقابل 126 لتركيا، ولا يُخفى القلق التركي من النفوذ الإيراني المرتكز على محاور عدة، ولا سيما في تلك الدول ذات الحدود المشتركة مع تركيا (العراق وسوريا) والتي تتمتع بأغلبية سنية وكانت في ما مضى منطقة نفوذ إستراتيجي قبل سقوط الدولة العثمانية، عدا المنافسة المحتدمة بين البلدين وخاصة حول عملية عفرين المرفوضة إيرانياً، في كانون الثاني/ يناير 2018، والتي عرقلت الطموح الإيراني في استكمال السيطرة على حلب رغم وجود التنسيق بين الطرفين لمنع التمدد الكردي شمال سوريا.

وأخيراً البعد التاريخي الحاكم في علاقات الجانبين، إذ إن تركيا تملك حدوداً مشتركة مع 12 دولة تمكّنت عبر تاريخها من احتلال كل تلك الدول باستثناء إيران وروسيا ما يعني أن إيران شكلت تاريخياً حجر عثرة أمام التوسع التركي منذ عهد الدولة العثمانية.

ورغم ذلك، فقد قدّمت إيران، الساعية لإنشاء ما يسمى بـ”الهلال الشيعي”، خدمة كبيرة لتركيا التي استطاعت إنجاح مشروعها السياسي، والذي جاء على حساب إخفاقات المشروع السياسي الإيراني، ففي ورقة بحثية قدمها المتخصص في شؤون الأمن القومي والدراسات الإيرانية، فراس إلياس، لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أشار إلى أن الصورة الطائفية التي قدمت بها إيران نفسها، أدت إلى عزلها إقليمياً وزيادة عدم الاستقرار داخلياً ما سمح لتركيا بأن تدخل هذه المجتمعات من الباب الواسع، لتطرح نفسها على أنها “البديل السياسي الناجح، والقادر على تبني القضايا الإسلامية والعربية”.

على أبواب دمشق تضيق طرق العلاقة بين طهران وأنقرة ويظهر بوضوح التنافس الاستقطابي وتضارب مصالح الجانبين لتوظيف سوريا في المشروع الإقليمي لكل منهما. فإيران ترى أن سقوط النظام يعني فقدانها نفوذها السياسي والعسكري والاقتصادي في المنطقة وأن تركيا تحاول إخراجها من دائرة الصراع وإيقاف امتدادها الشيعي.

وتكمن أهمية سوريا بالنسبة لتركيا في كونها معبراً اقتصادياً وتجارياً للعالم العربي من جهة، وتمركز الجماعات الكردية الانفصالية التي تهدد أمن تركيا في الحدود السورية الشمالية، والأهم احتواؤها على خزان بشري سني معارض يتوافق أيدولوجياً وسياسياً مع مشروع “التوجه العثماني الجديد”. أما بالنسبة لإيران، فسوريا جبهة متقدمة لتهديد الكيان الإسرائيلي، وقلب مشروع “الهلال الشيعي الصفوي” المناهض للسنية العثمانية والمتوافق مع منهجية سلطة دمشق.

الباحث والكاتب المتخصص في الشأن الإيراني نزار الجاف، يقول لرصيف22 إن إيران وترکيا منذ العهدين الصفوي والعثماني تنافستا من أجل الهيمنة على العالمين العربي والإسلامي تحت غطاء الإسلام ولئن تلاشى نوعاً ما هذا التنافس خلال عهد الشاه والعهد العثماني فقد عاد مجدداً بشكل متعاظم مع تراجع الدور العربي ولا سيّما ضعف الدور المصري وانتهاء الدور العراقي.

ويظهر أن السياسة الطائفية الميتة لإيران قد أثّرت على عموم المنطقة، وأذکت النعرات الطائفية والعرقية بأسوأ صورها. فحسب تصور الباحث الجاف، إيران تريد أن يتم تسليط الأضواء على الدور الطائفي لترکيا الأردوغانية بحيث يتم التخفيف من تسليط وترکيز الأضواء على الدور الإيراني لوحده.

إيران تواجه تحديات إستراتيجية

في نيسان/ أبريل عام 2017، بلغ الخلاف ذروته بين أنقرة وطهران، إذ هاجم الرئيس أردوغان إيران، في مقابلة تلفزيونية، معتبراً أنها تنتهج سياسة انتشار فارسية في العراق وسوريا، وأن كركوك العراقية التي دخلها الحشد الشعبي الموالي لإيران هي تاريخياً مدينة للتركمان المنتشرين أيضاً في عدة مناطق شمال سوريا.

ولم تكمل تركيا العام حتى بدأت بعملية عسكرية استهدفت قوات “قسد” الكردية في منطقة عفرين شمال غربي سوريا، تمكنت على إثرها من طرد “قسد” إلى شرق الفرات رغم محاولة الجانب الإيراني مساعدة قوات “قسد” ونشر منظومة دفاع جوي لمجابهة سلاح الجو التركي، وعرقلة تحرك القوات البرية.

وقد تجدّد الخلاف بين الطرفين في آخر عملية عسكرية برية للقوات التركية شمال سوريا أواخر عام 2019، والتي سيطرت من خلالها على منطقتي “تل أبيض” بريف الرقة و”رأس العين” بريف الحسكة إذ طالبت إيران تركيا بإنهاء تلك العملية واحترام وحدة الأراضي السورية، وسيادتها، لتكون المفاجأة الأبرز في حزيران/ يونيو 2020 عندما قصف سلاح الجو التركي المنطقة الممتدة من معرة النعمان إلى سراقب بجنوب شرق إدلب، والذي أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 15 عنصراً من حزب الله اللبناني الموالي لإيران.

يرى الباحث الجاف أن الدور الإيراني في سوريا من حيث القوة والتأثير يأتي مباشرة بعد الدور الروسي، وبسبب عدة عوامل من ضمنها الأوضاع الداخلية الصعبة لإيران ولا سيّما بعد مصرع الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي، والتململ الذي بدأ يظهر على النظام السوري جرّاء سعي إيران إحکام  قبضتها أ‌کثر فأکثر على الأوضاع في سوريا، خصوصاً وأن ترکيا تجد نفسها معنية أکثر من إيران بالشأن السوري لوجود حدود طويلة بين البلدين، ما يعني أن التخوف الإيراني بدأ يتزايد من هذا التقارب وينظر إليه بحذر بالغ.

ويعلّل الجاف ذلك التخوّف من أن ترکيا تسعى لإعادة خلط أو ترتيب الأوراق ولا تريد أن يهيمن النفوذ الإيراني على سوريا والعراق بالقوة نفسها حتى لا تکون ترکيا بين کماشتين إيرانيتين إن صح القول. ولذلك، وفق رؤية الجاف، من الممکن والمحتمل أن تسعى ترکيا لتوثيق علاقاتها وتطويرها مع سوريا بحيث تکون ذات قوة قد توازي العلاقة الإيرانية مع سوريا مع احتمال تطويرها مستقبلاً، مع الأخذ في الحسبان أن احتمال فوز ترامب في الانتخابات الأمريکية في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، يمنح المزيد من القوة لترکيا والضعف والضغط على إيران.

ويشكّل شمال شرقي سوريا المتاخم لتركيا والمرتبط مع الشمال الغربي العراقي خاصرة رخوة بالنسبة لأنقرة باعتبار تمركز قسد وحليفها الأمريكي والعمال الكردستاني والحشد الشعبي العراقي، عكس الشمال السوري الغربي، الذي يشكّل مساحة تامة للنفوذ التركي باعتبار وجود فصائل المعارضة السورية الموالية لأنقرة وحاضنتها المعادية لإيران. وبناء على ذلك، يشير الباحث الجاف إلى أن ترکيا قد تقوم بعمليات تغيير ديموغرافية في المناطق الحدودية المتاخمة لها تماماً کما فعلت إيران في المناطق الحدودية العراقية ذات الکثافة السنية عبر طرد السنة من تلك المناطق واستقدام سکاناً من العشائر الشيعية من جنوب العراق مکانهم.

المساحات المشتركة بين الطرفين

ترتبط تركيا وإيران بالعديد من الاتجاهات في الملف السوري رغم تعقيداته، فالطرفان يجتمعان في عداء القوات الأمريكية المتمركزة شمال شرقي سوريا وتطمحان إلى ملء الفراغ في حال انسحاب القوات الروسية المنشغلة بحربها ضد أوكرانيا، أو حتى انسحاب القوات الأمريكية وضرب حلفائها قوات قسد الكردية.

 وحسب تقدير موقف أصدره “المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية” (أفايب)، فإن الشيء الواضح من الرغبة المستمرة لأنقرة وطهران في طرد الولايات المتحدة من سوريا هو الاستيلاء على آبار النفط والغاز من الأكراد والقبائل العربية المحلية، وتعزيز موقعيهما في أراضي الدولة السورية.

وتتركز حقول النفط السورية في المربع الشمالي الشرقي من البلاد حيث سيطرة قسد وحليفها الأمريكي، ويشكل النفط العمود الفقري لاستقرارها المالي، فيما تلهث إيران جاهدة لوضع موطئ قدم لها في ذلك المربع لتشكل ورقة ضغط ضد القوات الأمريكية، وعلّها تحصّل شيئًا من ديونها المتراكمة على النظام السوري من ذلك النفط والمقدّرة كمتوسط إنفاق سنوي بما يعادل 6 مليارات دولار سنوياً، حسب الأمم المتحدة.

وباتت تركيا على اقتناع تام بأن إيران لا يمكن التفريط بها، لأن سياساتها الطائفية هي من شرّعت أبواب سوريا أمامها تحافظ من خلالها على مصالحها القومية، وتبني نفوذاً سياسياً واقتصادياً راسخاً في المنطقة، لا سيّما أن مكاسب عدوها الإيراني من تقاربه مع دمشق ليست بالنوعية أو بعيدة المدى، بل هي جزئية – حسب الجاف. كمنح المزيد من القوة والاعتداد للنظام السوري وتخفيف الضغط بالاعتماد السوري على إيران من خلال فتح المزيد من الأبواب بوجه النظام السوري كالبوابة التركية.

ويقول الكاتب والباحث التركي في العلاقات الدولية، محمود علوش، لرصيف22، إن هناك هدفًا مشتركاً يجمع تركيا وإيران في ما يتعلق بالحالة السورية وهو تقويض الوجود الأمريكي والضغط على الولايات المتحدة لسحب قواتها من سوريا، لكن ذلك لا يخفي أن البلدين ينظران أحدهما إلى الآخر كمنافسين وأن كل طرف يشكل تهديداً لنفوذ الطرف الآخر، فبدون تقويض كل طرف لدور الآخر لا يمكن أن يعزّز حضوره سواء في العراق أو سوريا.

وحسب تقدير علوش، فإن المساحات التي يمكن أن تعزز فرص مواءمة السياسات الإيرانية التركية هي مساحات محدود، فأهداف إيران توسعية إذ تنظر إلى وجودها العسكري في الصراع ونفوذها السياسي والاقتصادي في مرحلة ما بعد الصراع على أنه ضروري لتعزيز تموضعها الإستراتيجي في سوريا، فيما تنظر تركيا إلى وجودها العسكري في الوقت الراهن كمكاسب أيضاً كما ترى أن تطبيع العلاقات مع دمشق على الصعيد الأمني والسياسي والاقتصادي سيعزز حضورها في حقبة ما بعد الحرب.

“العمال الكردستاني”… تخوّف تركي واستثمار إيراني

يظهر اتفاق الطرفين على منع قيام دولة كردية في المنطقة وانتقال عدوى استفتاء أكراد العراق إلى شمال شرقي سوريا الواقعة تحت سيطرة قوات “قسد”، المرتبطة بحزب العمال الكردستاني المصنّف تركيًّاً على لائحة الإرهاب، فتركيا تطمح لأن تشكّل محوراً إقليمياً لمواجهة الطموحات الكردية مع إيران ذات النفوذ على حزب العمال الكردستاني التركي (PKK)، رغم ورود بعض التقارير التي تتحدث عن تعاون بين مجموعات وفصائل عراقية شيعية تدور في الفلك الإيراني وبين العمال الكردستاني الـ PKK المتمركز في جبل قنديل في مواجهة أنقرة.

مخاوف تركيا خصوصاً تتعلق بتمركز حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل التابعة لشمال العراق وتموضعهم في جبل سنجار امتداداً إلى السليمانية وسهولة تنقلهم وتحولهم بين سوريا وإقليم كردستان، وهذا ما قد يعزّز نفوذ الحزب سياسياً وعسكرياً بعدما تكون الدولة الكردية ملاذاً آمناً له، وبالتالي فإن التحالف الإيراني التركي في سوريا، وتحديداً تجاه ملف القوى الكردية، ليس تحالفاً إستراتيجياً بقدر ما هو تحالف تكتيكي مرحلي يزول بزوال مسوغاته.

ينفي الباحث علوش وجود تناغم بين إيران وتركيا بشأن حزب العمال الكردستاني، معتبراً أن إيران خلال السنوات الماضية استثمرت حالة حزب العمال شمال العراق من أجل تعزيز حضورها في معادلة الشمال العراقي، ومن أجل دفع تركيا على لعب دور أكبر وتعزيز هذا الدور في العراق.

 وكان هذا الاستثمار – على حد وصف علوش – واضحاً في تحالف الحشد الشعبي مع العمال الكردستاني في سنجار لقطع الطريق أمام التفاهم التركي العراقي بخصوص إخراج العمال الكردستاني من محافظة سنجار.

وبالمقابل، “تنظر تركيا إلى العمال الكردستاني في العراق وسوريا على أنه يشكل تهديداً أمنياً كبيراً لها عكس إيران التي لا تنظر للعمال الكردستاني كتهديد لها، وبالتالي فإن السياسة الإيرانية تقارب مسألة العمال الكردستاني من منظور الفرص التي خلقها لها لتعزيز دورها في المشهدين العراقي والسوري وإضعاف الدور التركي في البلدين”، يختم علوش.

رصيف 22

———————————-

أين المُعارَضة السورية من التقارب بين النظام وتركيا؟/ عمار ديوب

12 يوليو 2024

مُبرّرات وجود المُعارَضة السورية تمثيلها مصالح السوريين جميعاً في سعيها إلى الوصول للسلطة، ولكنّها حين تفتقد الرؤية الوطنية، وتخضع لتركيا بصفة خاصّة، فهي لا تمثّل مصالح الجميع، بدءاً بالشعب الذي ثار وتضرّر وهُجِّر، وهؤلاء هم المعارضون للنظام. ما يحدث من تقاربٍ، وربّما من تطبيعٍ كاملٍ بين تركيا والنظام، يَطرَح السؤال: أين المعارضة مما يجري؟

ترى المعارضة مصالح السوريين من زاوية مصالح تركيا في سورية، ولم تعد تنطلق من مصالح الشعب الثائر والوصول إليها باستقلالٍ عن مصالح تركيا، التي دفعت المُعارَضة إلى الموافقة على التوافقات التي حصلت بين روسيا وتركيا وإيران. أمّا مصلحة الشعب فلم تعد موجودة؛ أي تأمين الدعم لإسقاط النظام وإحداث التغيير السياسي. ارتهنت المعارضة باكراً للمشيئة التركية، والخليجية، والدولية، فهي لم تقرأ تعقيدات الواقع السوري، واكتفت بشعارات عامّة، سمحت للدول بالتدخّل، وللنظام باللعب بالثورة، وعمّت الفوضى، وسيطر الإسلاميون، على اختلاف تيّاراتهم، على الفصائل، وعلى الشعب، وتراجعت الثورة الشعبية، وأصبحت البلاد في حالة حربٍ أهلية، وبالكاد نعثر على بقايا أهداف الثورة بين اللاجئين في الشمال السوري وسكّانه، وفي بلاد المنافي؛ أي تغيير النظام، ورفض التدخّل الخارجي، وإبعاد سيطرة العسكر والإسلاميين عن المناطق المُحرَّرة.

منذ تشكّل المجلس الوطني في 2011، لم يعمل لرؤية وطنية ومشروعٍ سياسي وطني، فكانت سياسته العامة تقتصر على طلب المساعدة الخارجية، والأسوأ أنّه لم يقم بدورٍ قيادي وتمثيلي كامل للثورة، كما القوى كافّة التي لم تنضو فيه، وهذا سمح للقوى المُشكّلة منه، وسواها، بإقامة صلات دولية وإقليمية وعربية انطلاقاً من مصالحها، لا من مصالح الثورة بشكّل عام. غياب مؤسّسات المراقبة عن متابعة أعمال مؤسّسات المُعارَضة هو ما سَهّل هذا الأمر، عدا عن القياس البائس لديها؛ ما دامت أميركا دعمت ثوار ليبيا فانتصروا على معمّر القذّافي، ستُكَرّر الأمر ذاته في سورية. ولا تزال العقلية ذاتها؛ انتظار الدعم الخارجي، ولكن هذه المرّة من أجل مصالح قيادات المُعارَضة الذين أصبحوا بيد تركيا، وكَرَّت المسبحة؛ المشاركة وفقاً للمصالح التركية في أستانة وسوتشي واللجنة الدستورية وهيئة التفاوض، والأسوأ أنّ هذه المنصّات كافّة، وقراراتها وبياناتها وتوافقاتها، تخدم مصالح الاحتلال الروسي لسورية، الذي رفض أشكال المبادرات كافّة للضغط على النظام ولإحداث أيّ شكل من الحوار الجادّ مع المعارضة، أو لتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 (نصّ على بدء محادثات سلام في سورية وعلى أنّ الشعب السوري هو من يُقرّر مستقبل البلاد، ودعا إلى تشكيل حكومة انتقالية وإلى انتخابات برعاية أممية).

إنّ خضوع الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، ومؤسّساته كافّة، والفصائل المدعومة من تركيا العاملة لمصلحتها، قد تطوّر، وبشكل منهجي، منذ 2016 والانسحاب من حلب، والتقارب الحالي بين أنقرة والنظام في دمشق هو نتيجة لذاك المسار ليس إلّا. إذاً، لم يعد من معنى للقول هل سيحصل التقارب أم لا؟

التقارب يتحقّق، ويتطوّر يومياً، وما يمنع السرعة فيه رفض النظام وإيران، وللأخيرة مصالح مختلفة عن روسيا وتركيا في سورية، وأيّ تقاربٍ بين النظام وتركيا ستتضرّر منه إيران، وأيّ عودةٍ للدولة السورية، كما قبل 2011، ستتضرّر منه بالتأكيد. فإذا كانت إيران مُتضرّرة بسبب تقلّص مساحة سيطرتها فسيتضرّر الشعب السوري بشكل أكبر. وإنّ ارتهان المعارضة لتركيا يقول إنّ الأذى سيحصل لا محالة، ولهذا تنتهج الحكومة التركية سياسةَ التفريط بمصالح السوريين (الثوار واللاجئين والمناطق المُحرَّرة)، ففي تركيا هناك سياسة ممنهجة رافضة للاعتراف للسوريين بحقوق اللجوء منذ 2011، تستبدل بها الإقامة المُؤقّتة، وابتزاز أوروبا لتحصيل مليارات الدولارات باسم مساعدة اللاجئين تحت طائلة فتح الحدود للسوريين للوصول إلى أوروبا. من ناحية أخرى، هناك ممارسات يومية عنصرية لدفع السوريين إلى العودة لمناطق الشمال، قبل أحداث قيصري (وسط تركيا) وبعدها. في الأيام الفائتة، تكثّف الضغط على السوريين في تركيا للعودة، ورُحِّل سوريون بقوّة الشرطة. التصريحات التركية، أخيراً، من كبار القادة؛ الرئيس ووزير الخارجية، ومسؤولين آخرين، تُؤكّد بشكل جازم التقارب مع النظام وإعادة العلاقات معه وفقاً لمصالح الدولتَين (سورية وتركيا)، اعتباراً لما كان قبل 2011، أي شرعنة النظام بشكلٍ كامل، والتنسيق بينهما وفقاً لاتفاقية أضنة، وإعادة العلاقات الاقتصادية وفتح المعابر الدولية والداخلية، وشطب قوات سوريا الديمقراطية (قسد).

المظاهرات في المُحرَّر، الغاضبة على سياسة تركيا، مُحقَّة بالكامل، إذ سيقع الضرّر على الشعب هناك بالدرجة الأولى، وطاول الغضب التنديد الكامل بالائتلاف ومؤسّسات المُعارضة وأغلبية الفصائل، وهناك رفض واسع منذ أربعة أشهر لهيئة تحرير الشام، والمظاهرات لم تتوقّف. بالتالي، هناك رغبة شعبية كاملة في تغيير المُعارَضة السياسية والعسكرية، وهيئة تحرير الشام. والأوضاع في السويداء انتفاضة مفتوحة، ولم يستطع النظام إخضاع درعا بعد.

حاولت المُعارَضات السورية استغلال التقارب التركي، لكنّها لم تصل إلى إدانته، ورَفضت التهجّم على رموز الدولة التركية من المتظاهرين (تحطيم سيّارات وتمزيق أعلام، وقتل جنود في ردَّة فعلٍ على قتل جنود أتراك تسعة متظاهرين سوريين). دفع وضوح التقارب مع النظام، وسياسة التهجير المعاكسة من تركيا إلى الشمال السوري، وخضوع المعارضة السورية للمصالح التركية، الشعب في المُحرَّر إلى التظاهر، ورفض سياسة تركيا والمعارضة السورية معاً، وهذا يُؤسّس لما يشبه الطلاق البائن بينهما، وإذا انطلقنا من أنّ تركيا لن تتراجع عن سياساتها، والمُعارَضةُ لن تنقل أسلحتها من كتف تركيا إلى كتف الثورة، فإنّ هناك ضرورة لتشكيل مُعارَضة جديدة.

سقوط المُعارضة ومُؤسّساتها يفرض على الشعب السوري في الشمال، وفي سورية كلّها، تشكيل معارضة جديدة، وشطب كلّ تمثيل سياسي للمعارضة الحالية، والاعتماد على الذات في مواجهة المُشكلات الواقعية، وتحديد قضيتهم وصراعاتهم مع السلطات في الشمال، وفي دمشق وإدلب والحسكة، وإقامة علاقات مع الخارج وفقاً للمصلحة الوطنية السورية. هذا الأمر سيدفع تركيا نحو سياسةٍ أكثر تشدّداً مع الثورة. فعدا عما ذُكِر، قطعت أنقرة الإنترنت منذ بداية الشهر الجاري (يوليو/ تمّوز)، وضيّقت كثيراً على العلاقات التجارية، وبدأت بملاحقة من مزّق الأعلام ومن قتلَ الجنود، ومن حطّم بعض السيارات، ولن تتوقّف عند ذلك. إنّ التقارب مع النظام يستدعي الابتعاد عن مصالح الشعب السوري، والوضع الذي عليه اللاجئون في تركيا أو أهل الشمال المُحرَّر في غاية التعقيد، فلا النظام ينوي تغيير سياساته، ولا تركيا تشترط عليه ذلك، وليس هناك ضغط أميركي أو أوروبي من أجل إيقاف المسار التركي، وقد عَطّل الرئيس الأميركي جو بايدن قانون منع التطبيع، ولن يتغيّر ذلك إذا وصل ترامب إلى الرئاسة، وهناك رغبة من أغلبية الدول العربية بالتطبيع معه.

هذا الوضع هو ما يفرض على الشعب العودة إلى الذات، وتشكيل قواه ورؤيته ومشروعه الوطني، انطلاقاً من الواقع المُعقَّد هذا. إنّ رفض التقارب لا يجب أن يصل إلى العداء مع تركيا، ولكن يجب رفض الارتهان لمصالحها في سورية. هناك ضرورة لرفض حالة التعدّد والتذرّر في القوى الفصائلية، ورفض وجود الفصائل في إدارة المدن والبلدات وتشكيل هيئة سياسية لقيادة المُحرَّر وخضوع الفصائل لها، والتحدّث والتحاور باسمه، وباسم سورية بأكملها. سيُواجَه هذا برفضٍ كبيرٍ من تركيا وروسيا وإيران، ومن الدول العربية المنفتحة على النظام، ومن الفصائل.

ينبغي التأكيد على “صناعة” معارضة جديدة، لأنّ النظام في أسوأ أحواله، وأشكال الانفتاح عليه كلّها لن تُخرجه من أزماته. وبالتالي، هناك ظروف موضوعية في المُحرَّر، وفي سورية كلّها، من أجل موجة جديدة من الثورة. هذا هو الوضع الحالي بظروفه الموضوعية والذاتية، فهل تنتقل المعارضة إلى لعب دورها التاريخي، والانتقال بسورية إلى دولة من جديد؟

—————————

أنقرة تُصالِحُ دمشق في الوقت الضائع/ رانيا مصطفى

13 يوليو 2024

قال الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، الجمعة (12/7/2024)، إنّه أصدر توجيهات لوزير الخارجية هاكان فيدان للقاء رئيس النظام السوري بشّار الأسد، للبدء في استعادة العلاقات مع سورية، وذلك في مؤتمر صحافي عقب مشاركته في جلسة لـ”مجلس ناتو وأوكرانيا”، التي عقدت على هامش قمّة حلف شمال الأطلسي (ناتو) في واشنطن. يأتي ذلك بعد أن أكّد أردوغان، في أثناء عودته من برلين الأحد الماضي (7/7/2024)، ما قاله سابقاً بعد اجتماعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أستانة، بشأن دعوته الأسد إلى لقائه، واستعادة العلاقات “العائلية” معه، داحضاً بذلك أيّ شكوك بشأن جدّية أنقرة في هذا المسار، مسار المصالحة هذا، الذي ترعاه موسكو وتتوسّط فيه بغداد، هو خطوة مُتقدّمة في مسار أستانة الروسي، وتطبيق اتّفاقات خفض التصعيد بين روسيا وتركيا وإيران.

التقارب بين الطرفَين حاصلٌ منذ عقود، وبرضا وفدَي النظام السوري والمعارضة المقيمة في إسطنبول، وتحديداً منذ دعم التَّحالف الدولي بقيادة الولايات المتّحدة الجماعات الكردية في شمال شرق سورية لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وما رافقه من طموحات كردية لإقامة حكم مُستقلّ يشارك فيه عناصر من حزب العمّال الكردستاني، ما يُشكل تهديداً أمنياً من وجهة نظر أنقرة. انعكس ذلك تغييراً في السياسة التركية عبر التخلّي عن دعم المعارضة لإطاحة نظام الأسد، وقبول تركيا الحلول الروسية عبر مساري أستانة وسوتشي، والتوافقات المرتبطة بها، ومنها تسليم مناطق في الداخل إلى النظام في مُقابل خضوع المناطق الحدودية شمالاً لسيطرة تركيا والفصائل المرتبطة بها، وصولاً إلى مسار اللجنة الدستورية سبيلاً وحيداً للحلّ السياسي بدلاً من القرارات الأممية.

مرّ مسار التقارب في مراحلَ من الجمود، زاد منها انشغال روسيا في حربها ضدّ أوكرانيا، ومواجهة الحلف الغربي، وموقف تركيا، العضو في حلف الناتو، الحرج من هذه الحرب، والانتخابات الرئاسية التركية العام الماضي (2023) التي فاز فيها أردوغان بشقّ النفس، واضطر إلى حرف سياساته تقارباً مع السياسات الغربية وابتعاداً عن روسيا، ثمّ الحرب الإسرائيلية على غزّة عقب حادثة طوفان الأقصى. ما استجدَّ في الداخل التركي هو خسارة حزب العدالة والتنمية المدوّية في الانتخابات البلدية في إبريل/ نيسان الماضي في إسطنبول وأنقرة، مقابل تصدّر حزب الشعب المعارض. يضاف إلى ذلك استمرار الأزمات الاقتصادية، وتصاعد الانتهاكات ضدّ اللاجئين السوريين، وهو ما دفع أردوغان إلى البحث عن مخارج تُرضي قواعده الانتخابية. وخارجياً، هناك الحرب المُستمرّة على غزّة ومآلاتها، ومنها تقدّم نفوذ إيران الداعمة نظامَ الأسد في المنطقة، على أساس محور المقاومة، وما يقابله من دور عربي مُتصاعد يرتبط ببناء محور مواجه على أساس التطبيع مع الكيان الصهيوني، بدعم أميركي في مرحلة ما بعد غزّة، أي بعد الانتهاء من القضاء على الجناح العسكري لحركة حماس. وعلى هذا الأساس، تهافت العرب على استعادة دمشق من الحضن الإيراني إلى الحضن العربي. ولم تُثْبِت الوقائعُ أخيراً فشلَ هذا المسار فحسب، بل أثبتت حجم السيطرة الإيرانية على دوائر القرار السوري أيضاً، وعزَّزت هذا الرأيَ التغييراتُ الكبيرة التي تحصل في دوائر القرار السوري، والتي يمكن تلخيصُها بحصر الصلاحيات كلّها، ومنها الاقتصادية، في يد الرئيس الخاضع لإرادة طهران.

هذا يعني أهمّية موقع سورية، رغم ضعف النظام فيها، في مسألة الصراع على النفوذ في المنطقة، وتأتي المصالحة مع دمشق ضمن استراتيجية تركيا لمحاربة الإرهاب (“داعش” وحزب العمّال الكردستاني) بمساعدة الحكومتَين المركزيَّتَين في بغداد ودمشق، خصوصاً مع إعلان “الإدارة الذاتية” في شمال شرق سورية عن انتخابات بلدية، ومخاوف تركيا من ترسيخ الحكم الذاتي الكردي. هذا يدفع تركيا إلى الحفاظ على ما حققته من نفوذ في المناطق الحدودية السورية، وبالتالي الاستمرار في التنسيق مع روسيا على أساس التوافقات التي حصلت قبل أكثر من أربعة أعوام.

تريد موسكو تعزيز تحالفاتها السابقة لمواجهة الغرب، وسورية بالنسبة إليها منطقة نفوذ مُهمّة، حيث قواعدها العسكرية في حميميم وطرطوس، المُطلَّة على البحر الأبيض المتوسّط، وحيث أهمّية موقع سورية نقطةَ وصلٍ للطرق التجارية بين الخليج العربي وتركيا وأوروبا، ما جعل موسكو تولي أهميةً للسيطرة على الموانئ والمطارات والطرق المركزية، عبر عقود شراكة اقتصادية طويلة الأمد مع دمشق. لكنّ روسيا غير مُستعدّة لدفع تكاليف باهظة لوجودها العسكري في سورية، من أموال ومقاتلين، ما يدفعها إلى الشراكة مع إيران وتركيا، وإحداث توازن بينهما، وأن تبقى لها اليد الطولى في مناطق سورية كلّها عدا شمال شرق سورية والتنف، حيث تخضع تلك المناطق لسيطرةٍ أميركية. تعزّزت فرص عودة دونالد ترامب أخيراً إلى سُدّة الرئاسة بعد فشل الرئيس جو بايدن، وترهّل إدارته، في تسوية الصراعات الدولية، وقد دفع هذا موسكو وأنقرة للتوافق حول مصالحة دمشق استعداداً لقرار الانسحاب الأميركي من سورية، أو تقليص الوجود، انسجاماً مع طروحات ترامب السابقة؛ “أميركا أولاً”. وفي الوقت نفسه، تستغلّ الدولتان حالة الكسل الأميركي تجاه سورية، بسبب انشغال واشنطن بدعم الحرب الإسرائيلية على غزّة، وصياغة تسوية ملائمة هناك، وبالحملات الانتخابية الرئاسية، وبالتالي، لا معارضة أميركية واضحة لمسارب التقارب مع الأسد.

ترتبك الفصائل السورية المدعومة من تركيا، ومعها الحكومة المؤقّتة التابعة للائتلاف السوري المُعارِض، وكذلك المجلس الإسلامي السوري، أمام التوجّه التركي الصريح إلى المصالحة مع النظام، وأمام الفئات الشعبية المنتفضة في الشمال رفضاً لهذه المصالحة، وللممارسات العنصرية في تركيا في حقّ اللاجئين السوريين. وبالمثل، ترتبك تركيا التي ليست في مصلحتها خسارة الحاضنة الشعبية ومعاداتها، ولا انقلاب المعارضة عليها بدفع من حراك الشارع، حيث تمارس الفصائلُ القمع والاعتقال بحقّ الناشطين هناك. تركيا تريد البحث عن حلّ سياسي وفق الرؤية الروسية، أي حلّ يجمع المعارضة والنظام. المشكلة أنّ الأخير لا يقبل الشراكة، وهناك تظاهرات مُستمرّة ضدّه في السويداء، وقد تخرُج للتظاهر مناطق أخرى في دمشق أو الساحل، وهناك احتجاجات في إدلب ضدّ هيئة تحرير الشام، وتظاهرات في الشمال، وتململ في مناطق الإدارة الذاتية، والنظام بات في غاية الضعف، وتعويمه مرفوض دولياً… ذلك كلّه يُشكّل فرصةً ملائمة كان على المُعارَضة السورية أن تستعدّ لها وتلتقطها لدفع المجتمع الدولي إلى التوافق على تطبيق الحلّ السياسي وفق القرارات الأممية، بدلاً من الاستمرار في سياسة المراهنة على دعم دول تريد تحقيق مصالحها على حساب الشعب السوري.

العربي الجديد

————————–

قصّة العلاقات السورية – التركية [1]/ كمال خلف الطويل

الجمعة 12 تموز 2024

كان قرار مجلس الأمن القومي التركي، برئاسة رئيسه رجب إردوغان، في أواخر نوفمبر 2011، بالتدخّل الميداني ضدّ سوريا ونظامها الحاكم، عبر تسليح وتدريب عشرات الألوف من: مهاجرين سوريين (منهم من شجّعتهم تركيا على الهجرة ونصبت لهم مسبقاً معسكرات خيام منذ نيسان 2011، أم فضّلوا الخروج سعياً إلى فرص حياة أفضل بعيداً عن بؤر التوتر المتّسعة في الداخل)، ومهجّرين سوريين، سواء إلى تركيا أم إلى مناطق نفوذها الشمالية (مَن فرّوا بأنفسهم من سعير القتال المحتدم في مناطقهم، ومَن أوذي بنيران الجيش وميليشياته، أو مَن آذاه سلوك «محرّريه»؛ فآثر السلامة بنفسه في الأناضول عنها حولهم)، كما ومن غير سوريين وفدوا من شتّى القارات، بتيسير سافر، وبأعداد كبيرة، ليؤذّنوا على «الجهاد» في سوريا. كان ذلك القرار نذير حرب سورية طاحنة بامتياز. وقتها، قدّرتُ أن أوارها لن يخمد قبل انقضاء عقد، وأن توقّعي المكتوب، في آب من ذات العام، عن فاتورة مليون ضحية، بين قتيل ومعطوب، قد تثبّت يقيناً بذلك القرار.

ما الذي دفع إردوغان إلى ارتكاب فعلةٍ، لا بدّ أن ندم عليها مع الوقت؟ لازمةٌ هنا العودة إلى عقود 1918-1957 كي نربط خيوط الماضي بالحاضر، لا سيما أن النقلة إلى المستقبل مُشارفة.

بدءاً، كلا الكيانين التركي والسوري إفرازٌ وليدٌ من رحم سقوط الإمبراطورية العثمانية، وليسا من طبيعة ضاربة في التاريخ. مصطفى كمال وصحبه تكيّفوا مع المستجدّ بأن صارت أسمى أمانيهم النجاة بالأناضول من قبضة الاحتلالات الغربية العدة (اليوناني والإيطالي والفرنسي، بل والبريطاني)، ثم توسعته كي يشمل كيليكيا وإسكندرون، اللتين ضمّتهما الأقاليم الشامية في الإمبراطورية، وذلك بمقايضة فرنسا أن تسحب قواتها من الأولى لقاء توقّف كمال عن مساندة التمرّد السوري المسلّح في الشمال والساحل، أوائل العشرينيات، ثم مقايضتها، بتيسير استيلائه على الثانية لقاء حياده في الحرب العالمية الثانية، عشيّتها (ما نال سوريا الجغرافية من تركيا فاض عمّا أصاب العراق منها؛ فقد اقتصر الأمر معه على مطالبةٍ لفظية بولاية الموصل، منذ معاهدة لوزان في 1923، دون محاولة إنفاذها مادّياً).

تبنّى مصطفى كمال، ومن بعده عصمت اينونو، في المدة ما بين 1923 و 1950، نهجاً حثّياً مفاده أن تركيا هي الأناضول الموسّع وحسب، وأن الطورانية عبءٌ وجب إنكاره، والعثمانية تخلّف حسُن نكرانه، والأوربة موئلٌ تحتّم ركونه. وعليه، فمن بعد وضع اليد على إسكندرون، في 1939، سلِمت سوريا من أيّ تدخّل تركي حتى عام 1954.

ما الذي غيّر النهج حينها ولحين؟ انزياح تركيا في أعقاب الحرب العالمية الثانية نحو الغرب الجماعي كلّياً، في وجه خصمها التاريخي روسيا، رغم دعم الأخيرة لاستقلالها في العشرينيات.

كانت حماسة الجناح اليميني من الأتاتوركية، والذي انشطر عن حزب أتاتورك الواحد: الشعب الجمهوري، عشيّة الخمسينات، تحت عنوان: الحزب الديموقراطي، بزعامة عدنان مندريس؛ كانت بالغةً، سواء لانضمام قوّات تركية إلى القوّات الأميركية المحاربة في كوريا، أم لعضوية حلف «الناتو». لم يكتفِ مندريس بذلك بل راح، منذ أوائل 1954، ينسج حلفاً غربي الولاء، عابراً للبطن الرخو للاتحاد السوفياتي، بدأه مع باكستان، وبعزمِ ضمّ إيران (كانت مسألة وقت حتى يستوي أمر بهلوي، العائد من منفاه على الحراب الأنغلو-أميركية) والعراق، ثمّ «الشام»، بسرعة قياسية.

كان أوّل الغيث عنده لهفة نوري السعيد، المفتون بالإنكليز، على الانضمام للحلف الجديد، الأمر الذي تمّ مطلع عام 1955، وسرعان ما أتت في إثْره دعوة المحيط للانضمام إليه، سلماً أم بالقوّة.

لكن ما وضع العصي في دواليب الحليفين، وخلفهما الراعيَين الأميركي والبريطاني، كان بزوغ قيادة استقلالية معادية للاستعمار في القاهرة، رأت في حلفٍ تابع للغرب طامّة كبرى على مصر والعرب، وارتأت في بديل عربي مشترك عنه غبّ الطلب لها ولهم.

ما بين مطلعي عامي 55 و58، دار على «الشام» صراع صفري بين حلف «بغداد» ورعاته الغربيين، وبين عبد الناصر وحليفه الشارع «الشامي»، بل والعراقي معه. وقف الجيش السوري مع شارعه، مع ما كلّفه ذلك من صدام عنيف مع الحزب السوري القومي الاجتماعي، والذي خلطت قيادته ما بين هدف الاتحاد السوري-العراقي –وكان خير مرام– وبين حلف «بغداد» الغربي التبعية، بل وذهبت إلى حدّ اغتيال خصمها الألدّ، العقيد عدنان المالكي، فكان أن واجهت وكادرها، العسكري والحزبي، مآلاً امتدّت آثاره لعقدين ويزيد.

أحرق الصراع أيضاً شرائح واسعة من رموز اليمين السوري، سيما من الحزب الوطني (كانت مفارقة أن حزب الشعب، الداعي التاريخيّ للاتحاد السوري – العراقي، قد نجا من التلوّث بالخلط بين دعوته ومسعاه، قبل عام 54، وبين الانضمام للحلف بعده، فيما غطس «الوطني» في مستنقع الحلف بين صريح قاده ميخائيل اليان، ومستتر تزعّمه صبري العسلي). كانت أولى ضحايا منع انضمام سوريا إلى الحلف فارس الخوري وحكومته، والذي فضّل اعتزال السياسة بالمطلق عن أن تُسحب الثقة البرلمانية بحكومته لتأييدها الخجول للحلف. ثم اكتملت هزيمة مشايعيه، من نخب سورية، بتطهير اليمين العسكري من صفوف الجيش، صيف عام 57.

إبّان تلك الفترة، اضطر الملك حسين إلى النأي عن الحلف، بل وطرد الضباط البريطانيين من جيشه، وواجه كميل شمعون معارضة كاسحة منعته من ضمّ لبنان إليه. وقفت السعودية مع عبد الناصر ضد الحلف لعامين، لكن خشيتها المستجدّة منه، بعد انتصاره السياسي في «السويس»، دفعتها إلى تناءٍ متدرّج عنه، وتقارب محسوب مع خصومها الهاشميين ضدّه، وإن لم يكن شاملاً لكلّ كبار الأسرة المالكة. عزّز المجهود العربي ضدّ الحلف دعم الاتحاد السوفياتي الكامل له.

ما الذي فعلته تركيا نحو سوريا في 1957؟ كان قرار حلفي «الناتو» و«بغداد»، أي المتبوع والتابع، منذ مطلعه: عزل السعودية عن مصر، وإبعاد مصر عن «الشام»، وبكلّ السبل. تحيّر المتبوع بين غزو سوريا بالجيش العراقي أم بالجيش التركي، وتردّد في المفاضلة حتى بتّ الأمر، أوائل خريفه، باعتماد التركي غازياً.

مَن وما الذي منع مندريس، وخلفه أيزنهاور، عن المضيّ بخطّة الغزو المنتواة، في أكتوبر 57؟ هما عبد الناصر وخروتشيف.

بعد هزيمة مقاصد السياسة التركية حينها، انكفأت أنقرة عن التدخّل في الشأن الداخلي السوري، باستثناء طيرها فرحاً بالانفصال السوري، ومسارعتها للاعتراف بسلطته في مساء اليوم الأوّل لانقلابه. لكنها مكثت بعده لابدةً لقرابة عقدين، عادت بعدهما، ومنذ انقلاب كنعان ايفرين العسكري صيف 1980، سيرتها الأولى وفقاً لتكليف ناتوي بدعم التمرّد الأصولي المسلّح في سوريا لوجستياً.

ردّ حافظ الأسد، رفقة جورج حبش ونايف حواتمة، ومنذ 1984، بدعم تمرّد كردستاني مسلّح شرق الأناضول، خاضه حزب العمّال الكردستاني الماركسي العقيدة، لأكثر من دزّينة أعوام. كان موقف الأسد ذاك أوسع من مجرّد معاملةٍ بالمثل؛ لقد هدف إلى أمرين: الأوّل، أنه وباعتبار سوريا على حدود «الناتو»، فقد اقتضى ذلك مشاغلة عضوه الجار كي لا يعيد كرّة فعلته عام 80. والثاني، إرساء تبادلية وقف دعمه المتمرّدين الكرد لقاء التزام تركيا بمنسوبٍ مواتٍ من مياه نهر الفرات، يزيل ضيم السدود التركية المبنيّة على أعاليه. تمرجحت التبادلية، ما بين عامي 84 و98، مدّاً وجزراً دون رسوٍ على سويّة مستقرّة فضّت النزاع.

لحَظ الأسد كذلك بانتباه شديد تصريحات الرئيس التركي، تورغوت أوزال، خلال أزمة الكويت 90/91، المُطالبة بضمّ «ولاية» الموصل (محافظات نينوى وكركوك ودهوك وأربيل والسليمانية) إلى تركيا، رابطاً إياها بخلفية لابثة في الذهن الجمعي التركي مفادها أنّ الشام (تحديداً سوريا الداخلية، وبالأخصّ شمالها) امتداد طبيعي لتركيا في كلّ الميادين.

زاد الطين بِلّة اندفاع العسكريتاريا الحاكمة في تركيا إلى توقيع اتفاق تعاون عسكري وجوّي مع إسرائيل، في شباط 96، فهِمه الأسد نيّة عدوان مشترك على بلاده.

رطّب الأجواء نسبياً، ويا للمفارقة، وصول الزعيم الإخواني، نجم الدين أربكان، إلى رئاسة الحكومة، في حزيران من ذات العام، سيّما أنه قد سارع إلى محاولة إغلاق ملفّ الصدام البعثي-الإخواني في سوريا. لكن الوقت لم يسعفه إذ داهمته العسكريتاريا بانقلاب هادئ، ولمّا مضى بعدُ عامٌ على حكومته.

على خلفية ذلك كلّه، حفلت فترة صيف 97 – خريف 98 بمتلازمة اشتداد وتيرة عمليات الكردستانيين المسلّحة ضدّ الجيش التركي مع تقتير تركيا في تمرير مياه الفرات لسوريا. بلغ الأمر حدّه حين وقف رئيس الحكومة التركية، وصنيعة العسكريتاريا، مسعود يلماظ، في برلمان بلاده لينذر الأسد بالمليان أنْ أوقف دعمك لعبد الله أوجلان، زعيم التمرّد الكردستاني، واطرده من لدنك (سوريا ولبنان) من توّك، وإلّا فالجيش التركي آتٍ إلى دمشق غازياً؛ لا بل وأضاف إلى التهديد ألفاظاً سوقيّة بحقّ مَن هاجم.

قلّب الأسد الأمر على كل وجوهه فأدرك أنّ التهديد جدّي هذه المرّة، سيما أن الولايات المتحدة منشغلة بالتحضير لحملة «ثعلب الصحراء» ضد العراق، وروسيا في حالة احتضار، فما كان من سبيل سوى الإنصات إلى وساطتين، مصرية وإيرانية، تدرآن احتمال الحرب؛ وقد كان.

تمخّض عن فضّ الاشتباك توقيع اتّفاق أضنة، في أكتوبر 98، والذي نصّ على حق المطاردة الساخنة للقوّات التركية بعمق 5 أميال داخل الأراضي السورية، مع التزام دمشق بوقف تامّ وفوري لكلّ أشكال الدعم لأوجلان وطرده من البلاد.

وفعلاً، فقد شهدت الفترة الفاصلة ما بين «أضنة» ورحيل الأسد طيّ صفحة الحرب بالواسطة بين البلدين، وإرساء هدوء تامّ على طرفي الحدود؛ بل وتوّج حضور الرئيس التركي، نجدت قيصر، جنازة الأسد، مناخ تطبيع جدّي لعلاقات البلدين، ولعقدٍ بعد.

—————————–

معادلة الأمن.. عندما تكون منطلقاً للسياسات التركية في سوريا/ محمد السكري

2024.07.12

تتفاعل تركيا مع تطورات جديدة فيما يتعلق بالملف السوري، وتتجه لتبني مواقف أكثر حسماً من سوابقها بخصوص الفواعل المختلفة المنخرطة في القضية السورية من منطلقات أمنية ومصلحية.

وقد عزز هذا التوجه بروز إشكاليات إضافية قد لا تكون رئيسية لكنها مثقلة: منها الضغوط الحزبية على الحكومة حول الموقف السياسي التركي من بوابة اللاجئين، وأزمة الاعتداءات على السوريين في ولايات تركية مختلفة من قبل مجموعات تحاول أن تأخذ شكلاً من التنظيم، بينما أبرز التطورات تلك تكمن في احتجاجات شمال غربي سوريا، مع وجود حالة من عدم الرضى إزاء المواقف التركية تجاه القضية السورية.

أشار ذلك إلى تحولات عميقة في الموقف التركي ليس فقط تجاه الملف نفسه وإنما في السياسات الخارجية. وقد عبّرت الخارجية التركية في بيان نشرته عن هذه التحولات بتأكيد ضرورتها بما يندرج ضمن مصلحتها الأمنية، لكن على أهمية تلك العوامل، يبقى التحول التركي الأساسي ينطلق من بوابة سؤال “الأمن” وتناسقه مع متغيرات المنطقة، خاصةً في ظل تبدل مواقف إقليمية عديدة تجاه القضية السورية. هذه التبدلات نفسها كنسق تعاملت معها تركيا بإيجابية عند إعلان قطع العلاقات مع نظام الأسد لدى اندلاع الثورة السورية كنتيجة طبيعية مرتبطة بأمن الإقليم.

اللافت أن تلك التحولات تأتي عقب تطورات دولية وإقليمية عميقة والتي تركت آثاراً أمنية هناك إلحاح للتعامل معها، كالقضية الفلسطينية وقبلها الأوكرانية، تلك القضايا التي لا يمكن فصل عوامل تأثيرها عن الملف السوري.

بجانب ذلك، قد يكون من المهم وضع الملف السوري في سياق أضيق لمحاولة معالجة مواقف الدول منه، فلم يكن تغيّر الموقف التركي الذي يعتبر تطوراً أكثر من تغير، متأثراً بعوامل الإقليم فحسب؛ وما كان ليصل لهذه المرحلة لولا وجود عوامل ذاتية تساعد على تطور الموقف من القضية السورية، خاصةً لدى معاينة الموقف التركي تجاه الملف السوري منذ أول عملية عسكرية تركية في سوريا عام 2016، حيث بررتها أنقرة من دوافعها الكامنة في حماية الأمن القومي التركي؛ أي أنّ التدخل التركي في سوريا كان واضحاً بما يكفي لمعاينته من هذه المنطلقات من دون تحميله مبادئ ومنطلقات رغبوية وتفاؤلية يغلب عليها الجانب القيمي أكثر منه التقني والأمني، ما يعني وجود مصالح مشتركة ضمن مرحلة معينة بين قوى المعارضة السورية والجانب التركي.

ثنائية “الأمن والموقف السياسي”

سعت تركيا لحفظ ثنائية “الأمن والموقف السياسي” بخصوص القضية السورية وقد برز ذلك عبر العمليات العسكرية التي عنونتها بالأمن وتصورت للسوريين المعارضة على أنّها تقاطعات تخص الموقف التركي من الثورة السورية. خلق هذا الموقف فرصاً عديدة لأنقرة سمحت لها بتنفيذ عمليات عسكرية وتوسيع نفوذها في سوريا، فضلاً عن اكتسابها ثقة الشارع السوري المعارض، مما مكّنها من ملفات مهمة بخصوص الملف السوري ارتبطت بمرحلة أصبحت مع الوقت قابلة للتغيير.

فلم تنجح أنقرة بعد توافقات سوتشي وملاحقها آخرها الخاص بمنطقة شمال شرقي سوريا بعمليات “نبع السلام” في تحصيل مكاسب أكبر لا من روسيا ولا من واشنطن، دفعها ذلك لتغيير تكتيك التعامل مع تحدياتها الأمنية، وفتحت مساحات جديدة للتعاطي مع الملف من خلال مفاوضات مع روسيا لأجل تمرير عمليات عسكرية بالتوافق مع دمشق، مما يساعدها على القفز على محاولة إيجاد صيغ توافق معقدة بين موسكو وواشنطن واستعادة قدرة الردع الاستراتيجية.

تُرجمت هذه التطورات بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية التركية 2024 بلقاء على مستوى الاستخبارات ومن ثم الخارجية مما يجعلها من كبرى مؤشرات الانخراط التركي في المسار الجديد، بينما يمكن اعتبار التصريحات الجديدة للرئاسة التركية في تموز 2024، التي تزامنت مع توترات كبيرة تجاه ملف اللاجئين وشمال غربي سوريا، هي الأكثر وضوحاً وقرباً من نظام الأسد وتشي بتقدّم كبير يحصل في ملف الوساطة الروسية.

فضلاً عن أنّها تجسيد لمقولات الأمن المجرّد ولتحولات عميقة في السياسات الخارجية التركية خاصة بخصوص المنطقة؛ التي بات عنوان الأمن فيها أهم من كل عناوين التغيير السياسي على مستوى الأنظمة السياسية لكي تطوى حقبة الربيع العربي، التي لم تنجح في تقديم إجابات مقنعة على مستوى أمن النظام الإقليمي، بل شكّلت تحديات أمنية هددت مصالح الدول كما في الحالة التركية.

إعادة النظر في التحولات التركية

إنّ الأهداف التركية واضحة منذ لحظة تنفيذ أول عملية عسكرية. والتقاطعات الماضية مع القوى المحلية السورية كانت طارئة وليست مستدامة بينما الدوافع التركية لم تكن تتعلق بدعم قوى المعارضة العسكرية بمساعيها الذاتية في تلك الآونة أي تغيير نظام الأسد، وإنما تنفيذ التطلعات التركية الأمنية عبر حماية الأمن القومي التركي، من هذا التفسير ينبغي قراءة الموقف السياسي التركي. ما يعني، أن التطلعات ذاتها تعمل أنقرة على استكمالها لكن هذه المرة عبر دمشق وليس عبر المعارضة السورية فقط، مما قد يتطلب إعادة النظر بمرحلة ما بعد الاستقرار التي وصفها الرئيس التركي بأنها مرحلة سورية جديدة بالنسبة لبلاده. هذه المرحلة تتجاوز تفسيرات التواصل السياسي مع نظام الأسد وتعلي من منطلقات أمنية وسياساتية أي التواصل التقني وديناميات الأمن، كما تجيب عن تخوفات تركيا الأمنية وتنهي أو تخفف حالة الإرباك والقلق، بما قد يشمل عودة أجهزة الدولة التابعة لنظام الأسد للشمال أي عبر معابر الحدود وفتح معابر الخطوط، الخطوة التي بالفعل أقدمت عليها أنقرة.

التحولات والتحديات

يُعتبر هذا التوجه مماثلاً إلى حد بعيد لما حصل في الجنوب السوري كحالة قابلة للاستفادة والتطوير والتطبيق مع تفهم سياق الشمال الغربي وتحدياته. بالتالي، لا متغير في الأهداف الرئيسية، لأن معارضة الأسد كانت من متطلبات مرحلة ودعم المعارضة بما يحفظ مكاسب سياسة “الحياد الإيجابي” التي قد تفوقها في الحالة السورية. مع ذلك، لا ينبغي الاستهانة بالسيناريو المطروح لأنّه لا يقل صعوبةً عن السياسات الأولى لأنقرة التي أشارت إلى تعقيد السيناريو، حيث تكمن صعوبته في موقف واشنطن، الذي إمّا أن يُسهم في تذليل الصعوبات التركية الروسية مع دمشق أو ترسيخها، فضلاً عن تحديات الفواعل المحليين ضمن معادلة هذه الانزياحات الملحة أمنياً أو “الاستدارة”، لكن تبقى فرص التوجه التركي المتغير أوسع لأنه يراعي مفاهيم “الدولة” و”السيادة” و”القانون الدولي”، بينما يبقى هذا المناخ السائد بكل تجلياته يمثل “صدمة استراتيجية” جديدة للمعارضة السورية ربما لا تكون الأخيرة.

تلفزيون سوريا

—————————-

الصفر باعتباره وحشاً لا رقماً/ رولا الجرّاح

عن الخوف الذي يقضم قلوب السوريين في تركيا

11-07-2024

        يقضِمُ الرعبُ قلوبَ السوريين اليوم كضبعٍ جائع، ولا يترك لهم متّسعاً للاطمئنان أبداً. السوريون الذين اعتادوا الرعب والمشقة منذ أكثر من عشر سنوات، يخافون اليوم أن يسرقهم النوم من أمنهم المؤقّت. العودة إلى ترتيب حقائب السفر، أو عدم فتحها أصلاً منذ أكثر من عشر سنوات، هو العادة المُكتسبة بعد الثورة لملايين السوريين المدفوعين بعيداً عن بيوتهم. البدء من الصفر وبشكل مستمر ومتكرر؛ بلد جديد أو بيت جديد أو مدينة جديدة أو لغة جديدة ومجتمع جديد. لم يعش أحد منّا باطمئنان تام منذ خروجنا من منزلنا الأول. تلك اللحظة التي نفقد فيها أي معنى للاستقرار تماماً. لسنوات عشتُ داخل حقيبة صغيرة، حالي حال السوريين الذين هُجّروا أو نزحوا من منازلهم ولا يعلمون إن كان هذا المكان هو المستقر النهائي؛ هل نضع أغراضنا أم أننا سنعاود الانتقال إلي صفر جديد؟ الصفر حقيبة نحملها على ظهرنا، وكلّما استخدمونا كورقة سياسية جديدة نفكر في لملمة أنفسنا من جديد داخل تلك الحقيبة.

        أُغلِقُ نافذتي جيداً، أتأكدُ أن أحداً لن يتمكّنَ من فتح الشبّاك المنخفض من الخارج، أو كسره بحجر مثلاً. أُخفض صوت الأغاني المنبعث من الراديو الصغير خاصتي، خشية أن يسمعه جيراني الأتراك فيتذكّروا أنني سورية. بأمانة، لم يتعرّض أحدٌ من الأتراك لي فيما مضى، ولكن ألم أقل لكم إن الخوف اليوم أكبر؟ حتى أنني أبتسمُ عندما يصادفني تركيٌّ لطيف وأقول لنفسي: يمكن هي دعوة ماما بولاد الحلال.

        يدندنُ الراديو خاصتي بصوت أم كلثوم «غلَبني الشوق وغلّبني»، أبتسمُ وأنا في حالة من الغلبان، ولكن ليس شوقاً بل خوفاً. لدي جارتان عربيتان انتقلتا حديثاً إلى البناء المجاور، اعتدتُ سماع أصواتهما خلال النهار وهما تتبادلان أخبارهما عبر النوافذ، إلّا أن أصواتاً لم تعد تصدرُ عنهما في الآونة الأخيرة، لا أدري أهما غائبتان، أم خائفتان. مثل الجميع، أتحاشى الخروج إلى الشارع هنا في هذه الأيام، ليس لأنني أعيش بأوراق غير نظامية، ولكن باعتبار أن الجنسية التي أحملها، السورية، باتت تعتبر تهديداً صريحاً هنا في تركيا، وربما في العالم. أتحاشى السوشال ميديا، ليس إنكاراً ولكني لا أريد أن أموت رعباً من جديد.

        تنحصر حالات الواتساب والفيسبوك والانستغرام عندي باستغاثات واضحة: «حدا بيعرف مهرِّب مضمون لأوروبا؟ – حدا بيعرف محامي يساعدنا بإنقاذ حدا؟ – بس تطلعوا من البيت حملوا وراقكم وإقاماتكم والكملك وجواز السفر، وعقد البيت إذا في، أو لا تطلعوا أبداً، الله يحميكم»؛ أتساءل: هل سيحمينا الله فعلاً؟ هل كانت «يا الله مالنا غيرك يا الله» مستحيلة إلى هذه الدرجة؟ لا يوجد منظمة أو مجموعة سورية تحمينا نحن الذين نعيش هذا التهديد المستمر، لم يكن الموت محصوراً في سوريا تحت القصف والقنص والاعتقال، هناك موت آخر نقتات عليه هنا في الخارج، تهديدٌ لا ينتهي.

        في إحدى الليالي الماضية، بعد الاعتداءات الأخيرة في قيصري بالذات، استيقظتُ مفزوعة بعد أن سمعت أصواتاً في الخارج؛ هل أمسكوا بشاب سوري عابر في الطريق؟ هل سينقذه أحد؟ هل عليّ فعل شيء ما؟ كل الإجابات كانت «لا»، كانوا ببساطة يحتفلون لأنهم ربحوا في مباراة. أهلاً بالرعب السوري. المثيرُ للسخرية أن هناك مظاهرات خرجت في ألمانيا لأتراك يطالبون برحيل اللاجئين من بلدهم، بلدهم الذي لا يعيشون فيه هم أنفسهم.

        نحاول آسفين أن نتطبَّعَ لنختفي بين الحشود، نعم، نحاول أن نُشبههم لنتخلّصَ من تلك النظرات. أتأكدُ من شكل حجابي عندما أخرج لأقضي أمراً ما، ويُرعبني قليلاً أنه واضحٌ لهذه الدرجة؛ تسألني إحدى النسوة الكبار في الميترو في حديث عابر، «نيرلسن؟»، لا يمكنني الهرب من هذا السؤال بادّعاءات أخرى، لم أفعل فيما مضى أصلاً! تخرج كلمة «سوريلي» من حلقي ثقيلة ومتزنة رغم أن قلبي يرتجف، تُبادلني ابتسامة صفراء بعد أن كانت ضحكتها واسعة جداً. لم أُخفِ يوماً أنني سورية أمامهم، عكس ما كان يحاول الجميع إقناعي، ولطالما تفاجؤوا قائلين: «ولكنك لا تشبهين السوريين أبداً – لا يبدو عليك ذلك!». في الحقيقة لا أحد يعلم شكلَ السوريين في رؤوسهم، لا أحد يدري لماذا نحن السوريون أنفسنا لا نشبه السوريين الذين يتحدثون عنهم!. أنا سورية، هذا الوجه الذي تألفونَه سوري، صاحبة اللكنة التركية المزبوطة، سوريّة. لا يعلم أحدٌ منا كيف يحمي نفسه بأن يكون أقلَّ سوريَّةً، وتعاني السوريات المُحجَّبات من ذلك بشكل أكبر. ربما هي المرة الأولى التي أتأمّلُ فيها المحجبات التركيات منذ وصولي، فتتكرّرُ في قلبي عبارة «حجابك فاضحك»؛ يبدو أنني لم أتقن اللعبة جيداً.

        اعتقالات وترحيل

        تُعيدني ذاكرتي السورية إلى مقطع مُصوَّر في كفرسوسة، من مظاهرات جمعة «إن تنصروا الله ينصركم» مطلع العام 2012. لقد شاهدتُ كثيراً من المقاطع منذ بداية الثورة، تابعت وحفظت ووثّقت بعضاً منها، فضلاً عن مشاهد مخيفة رأيتها على أرض الواقع، ويبدو أنها جميعها تختبئ في ذاكرتي الخلفية، إلا أن هذا المقطع بالذات يبثّ الرعب في نفسي أكثر منها جميعاً.

        في المقطع اعتقالاتٌ وضربٌ عنيفٌ لشباب خرجوا في مظاهرة في ساحة كفرسوسة. يرفع بعض عناصر الأمن والشبيحة صور بشار الأسد، يسحلون الشباب ويضربونهم على رؤوسهم وأجسادهم بالهراوات، ويضعونهم في سيارات الاعتقال.

        صدقوني، إذا رأيتم هذا المقطع وأنتم بعيدون عن قبضة النظام (وأنا لا أدعوكم لرؤيته)، سيحمد الآلاف منكم ربه على نعمة النجاة، وستقولون إنه لا يمكن العودة إلى تلك البقعة الجغرافية، وإنكم حزينون على من قَضَوا هناك، ومن لا يزالون يعيشون تحت وطأة الظلم والخوف ذاته. أما أنا وكثير من السوريين والسوريات في تركيا، فنرى المشهد اليوم جزءاً جديداً من حاضرنا، المشهد نفسه، باختلاف الملابس واختلاف اللغة، وتشابه الحركات بالضرب والدفع وشحط السوريين الذين لم يأمنوا حتى اليوم على أنفسهم هنا إلى مصيرهم الأسود؛ الموت رعباً في سوريا وخارجها. لا تنم مطمئناً، فأنت لاجئ.

        تُفكّر صديقتي التي تحمل الكملك بما يؤول إليه الوضع، تخبرني أن العودة إلى إدلب بالنسبة لها مثل الكابوس، وأنها لن تكرر طريق اللجوء الذي عبرته مع طفلين وحدها مرة أخرى: «لسا ما نسيت شو صار، لسا ما راح من بالي ضرب الرصاص علينا». تحمل وعائلتها وثيقة الحماية المؤقتة التي منحتها الدولة التركية للسوريين بعد 2011، والتي تمنح السوري حق العيش في تركيا مع منحه بعض الميزات القليلة جداً، ومنعه بشكل مطلق من مغادرة البلاد أو حتى من مغادرة الولاية التي يسكن فيها دون إذن سفر.

        تتحدث صديقة تحمل الجنسية التركية عن خوفها المستمر من الإشاعات عن إعادة النظر في ملف الجنسية الاستثنائية: «يعني مين رح يجي يحاكم ولا يحاجج بهالأيام إذا قالولنا جنسيتكم مزورة ورح نسحبها؟ حتى أنا شو فيني قول؟». بدأ هذا الخوف يشتدّ بعد تصريحات حكومية تركية مريبة، منها تصريح أردوغان بعد أن فاز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة عام 2023، عندما «طمأنَ شعبه» قائلاً إنه سيعمل على إعادة مليون لاجئ سوري إلى بلادهم، والذي تزامن مع ازدياد باصات الترحيل التي تُرحِّلُ دون أن تُدقق في صحة الأوراق أحياناً كثيرة، ثم الأحداث الأخيرة التي لم تقم الحكومة بكبحها، تماماً كما لم توضِّح حقيقة الأكاذيب الشائعة عن أن السوريين يعيشون على مساعدات الحكومة، وعن الأموال الطائلة التي تأتي من أوروبا لإنفاقها على السوريين، وكل ادعاءات وأكاذيب الحياة الرغيدة التي نعيشها هنا في ظلّ أزمة اقتصادية خانقة. ثم كانت اللحظة الحاسمة بالنسبة لنا عند الإعلان عن نية عودة العلاقات التركية السورية، التي تعني الاستعداد للتصريح علانية بأن سوريا آمنة ومن الممكن العودة لها طوعاً أو قسراً. عليك النظر الآن؛ خلف الحدود هناك الآلاف بانتظار فرصة حياة، وأمام الحدود هنا الآلاف يُرمون إلى احتمال الموت والاعتقال والتعذيب أو العودة إلى نقطة الصفر من جديد.

        كان واضحاً أن الأحداث الأخيرة مدعومةٌ تماماً بغطاء سياسي، قامت السلطة التركية بالتأسيس له خلال السنوات الماضية برمي «فتيشات» صغيرة للشعب، ومن خلال استخدامنا كورقة دائماً تصبُّ في صالح حُكم أردوغان، سواء لانتخاب حزبه، أو لكسب جمهور من المتعاطفين المؤمنين، أو في استخدامنا لتبرير أزمة اقتصادية لسنا جزءاً منها.

        كنا نتغنّى بتطوُّر هذه البلاد، وكيف أن كل ما نحتاجه يمكننا الوصول إليه عبر بوابات إلكترونية تحتوي كل معلوماتنا الشخصية. لكن ماذا بعد أن تمّ تسريب أسماء السوريين ومعلوماتهم الشخصية؟ يقول البعض إن التسريب كاذبٌ كي لا نشعر بالتهديد! ولكن عزيزي «المواطن»، نحن هنا في تركيا نُعامَل معاملة الغرباء الواضحين، لا يمكننا إخفاء الأمر. تشتري سيارة فيُكتب على رقمها بشكل واضح حرف M، اختصاراً لكلمة MİSAFİR، والتي تعني «ضيف» بالتركي للتمييز بين سيارات «المواطنين» و«الغرباء». يبدأ رقم الكملك الخاص بك بـ99 للتمييز أيضاً. أوراقك ورقم هويتك واسمك ومكان تولُّدك وكل معلوماتك تجعلك واضحاً بالنسبة للأتراك بأنك مواطن درجة ثانية، حتى وإن حصلت على الجنسية يا صديقي، ستبقى مواطن درجة ثانية. لذلك من السهل في موجة التخريب هذه أن يقوم أحدٌ بتحطيم سيارتك، ومن السهل أيضاً مع هذا التسريب أن يُعرَف مكان سكنك؛ الأمور أوضح مما نتخيل. الحكومة لا تحميك بتصريحاتها، ولا تحمي حتى معلوماتك الشخصية. يبدو أن عبارة «سِستم يوك» التي استُخدمت معنا كثيراً أثناء تحديث بياناتنا، والتي كانت ترعبنا حيث يشعر معها كل سوري أنه عرضة للترحيل في أي لحظة لأن بياناته اختفت من السِستم، كانت معطلة عندما تم اختراق ذلك السِستم نفسه لتسريب بياناتنا. السِستم صار في متناول الجميع اليوم، وهكذا بحركة واحدة نعود إلى نقطة الصفر.

        هل اخترنا مصيرنا؟

        لا ننسى عندما كنا نسير في شوارع تركيا خلال انتخابات 2023 ونقرأ لافتات مرشّح المعارضة كليجدار أوغلو، والتي حملت عبارة «سوريلار كيدجالار»، بمعنى سيرحل السوريون. استخدم السوريون في ذلك الوقت عبارة «ضبوا الشناتي» كناية عن مرحلة الصفر القادمة إن قاموا بترحيلنا فعلاً. لا يمكن لأحد منا أن ينسى تلك اللحظة التي كنا نمرّ فيها أمام بؤسنا ونواجهه بهدوء، لأن مصيرنا للمرة الألف ليس بأيدينا. أغلب السوريين الحاصلين على الجنسية التركية قاموا بانتخاب أردوغان في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ظناً منهم أنه سيقوم بحماية أبناء جلدتهم في مواجهة خطاب العنصرية الفجّ ذاك، إلا أنهم وقفوا أمام موجة الترحيل التي بدأت بعد الانتخابات مباشرة بأوجه مصدومة، لا تختلف عن وجوههم منذ أيام عندما صرَّحَ أردوغان علانية بأنه سيعاود التواصل مع النظام السوري لبحث عودة العلاقات. لقد تم بيعنا لعزرائيل مع حبّة مسك. يهرب بعض الشباب من العمل ويتجهون نحو طرقات التهريب، يسحب كثيرون ممّن أعرفهم أوراقهم متجهين إلى أربيل أو مصر أو لبنان أو حتى سوريا إن أمكنهم ذلك. الجميع يبحث عن خوف أقل ضجيجاً وعنفاً، عن هربٍ مؤقت جديد. لأن حكايا القتل أو القبض على السوريين وترحيلهم تحت مظلة العودة الطوعية لم تتوقف، ولم يتم التعامل معها بشكل قانوني.

        هل يذكركم هذا بشيء ما؟

        في المسلسل التركي «الملهى»، الذي يتحدث عن حقبة الخمسينيات، وصولاً إلى أعمال الشغب والقتل في اسطنبول عام 1955. تبدأ الحلقة الأخيرة من الموسم الأول عندنا يضع الأتراكُ إشارات X باللون الأحمر على منازل اليونانيين، وجُهِّزت باصات تنقلُ أشخاصاً تم تحريضهم للقضاء على اليونانيين في أحيائهم، بعد أن تم اتهامهم باستهداف منزل أتاتورك حسب ما قيل. بعدها بثوانٍ يبدأ مشهدٌ مرعب، يرافق كلَّ كوابيسي مع كل موجة تحريض تحدث هنا؛ رمي حجارة على المحال التجارية، ثم البدء بقتل كل شخص غير تركي والتهجم على اليونانيين الذين عاشوا لفترة طويلة بينهم، يقتلون ويغتصبون ويطردون الناس من المنازل التي عاشوا فيها.

        يحاول يوناني القول «كلنا إخوة»، أمام عصاً غليظة تضرب وجهه. بصوت غريب أقول: هل حقاً تُحاول؟ من يشعل فتيل الحرب؟ من يحول البشر إلى وحوش؟. كان هناك قصص متفرقة عابرة، ولكننا رأيناها واقعاً قبل حدوثها.

        يبدأ كابوسي غالباً بأصوات جيراني السوريين وهم يُقتلون تحت منزلي، بينما أجلس في زاوية المنزل أنتظر دوري. والحقيقة أن أحداث قيصري تشابه تماماً ما حدث في ذلك المسلسل. كم يبدو سخيفاً أن ترى نهايتك في حلقة مسلسل؟ النهاية التي ننتظرها فقط لأن هناك بعض الأشخاص في هذا العالم يعتقدون أنهم خيرٌ من آخرين. هل من السخف أن نفكر أن أحداً سيعرف أين نسكن اليوم، ليطلق رصاصة في رأسنا كما فعلوا مع ذلك الشاب السوري الذي كان نائماً في منزله بولاية قيصري؟

        التزموا منازلكم

        تُرسل لي صديقتي الأردنية: «لا تطلعي من البيت، أنا براسي بجي لعندك».

        أعاد هذا التضييق السوريين إلى السادس من شباط (فبراير) 2023، يوم الزلزال الكبير الذي حدث في جنوب تركيا وشمال سوريا. تحاشى سوريون كُثُر حينها الصراخ بكلمات عربية لطلب النجاة، خوفاً من أن تتركهم فرق الإنقاذ لمصيرهم. بعد إتمام عملية الإنقاذ كُتِبَ على الجدران حينها «ses yok»، أي لا صوت يصدر من البناء، مما يعني أنه لا أحداً على قيد الحياة تحت أنقاضه. يستخدم السوريون في تركياا اليوم الكلمة نفسها، كناية عن شعورهم بأنهم لن يتمكنوا من التحدث، كما لو أنهم مجدداً تحت الأنقاض، متروكون دون صوتهم تماماً.

        في الوقت الذي ينتظر كثيرون منا رسالة التجنيس المُنتظَرة لتغيير جوازنا الكحلي وحمل جواز دولة أخرى، يخشى المُجنَّسون هنا من لحظة سحب الجنسيات، كما ذكر موقع عربي 21 نقلاً عن منصة «TR99»، والتي نقلت عن مصادر لم تُسمِّها أن السلطات ألغت الجنسية الاستثنائية لنحو 5 آلاف أجنبي حصلوا عليها سابقاً. طلب البقاء في المنزل يرتبط بأنك قد تصبح في أي لحظة على مركب الترحيل العظيم إلى سوريا، فحسب إحصائيات معبر باب الهوى، بلغت أعداد السوريين الذين عادوا «طوعاً» إلى سوريا في النصف الأول منذ بداية هذا العام 11973، بينما رُحِّل قسراً 12361 شخصاً. لقد ازدادت أعداد الأشخاص الذين خرجوا من تركيا «طوعاً» أو رُحِّلوا بعد انتخابات 2023، لكن الترحيل القسري ليس مقتصراً على تركيا وحدها، لا تنتهي الحملات العنصرية ولا ترحيل السوريين المطلوبين للنظام من لبنان إلى سوريا، ومؤخراً يبدو أن التضييق بدأ في مصر أيضاً.

        كوابيس سورية

        لا أعرف إن كان من السهل علينا كسوريين أن نعترف أننا محكومون بما لا نملك، مع عدم قدرتنا على النجاة أمام ما يحدث. يتربّع الخوف في وجهنا، ومعه الرغبة العميقة في النجاة ومواجهة حاجز هائل نشعر به بينما نحاول أن نكون أقوياء. ولكن الحقيقة أن قدرتنا على حماية بعضنا أو أنفسنا في هذه الأيام تكاد تكون معدومة. ليس لأننا جبناء، ولكن لأن جلَّ ما نتمناه في هذا العالم أن ننام مطمئنين لمرة واحدة دون أن يلاحقنا ذلك الهاجس السوري بكابوس مرعب.

        أربّتُ كل يوم على كتفي قبل أن أنام، أُذكِّرُ نفسي مراراً أنني شبه آمنة، أحاول إغماض عيني حتى تختفي صورة ذلك الرجل الخائف من رأسي، أتحدثُ مع أصدقائي لأقنعهم أن يكونو أكثر ثباتاً أمام ما يحدث، أن يغمضوا أعينهم، أن يحاولو عدم توقع الأسوأ، ولكن في الحقيقة ومع حالة مستمرة من الترقب؟ أنا خائفة.

        يتغنى السوريون بنوعية الكوابيس المُتشابهة التي يرونها، وأنا مثلهم. نرى أنفسنا عالقين في سوريا، أو نهرب من قوى الأمن التي تلاحقنا، أو نقف على حاجز للنظام يفتش أوراقنا، أو نرى أنفسنا وسط المجزرة. كوابيسنا السورية تكرر نفسها في أحلامنا كأنها سلسلة منسوخة تتنقل بيننا. أثناء الانتخابات الأخيرة في تركيا رأيت كابوساً مختلفاً؛ بدأ وكأننا في ساحة نسمع خطاب أردوغان الذي أعلن فوزه في تلك اللحظة، ثم أرى قوات الأمن السورية في الساحة نفسها تغني «حماة الديار» بصوت عالٍ وبحماية من قوات تركية. أصرخُ أنا حينها باللغة التركية مرتجفة «هذه لعنة، ما يحدث لعنة» وأبكي كثيراً. ينتهي الكابوس بحملة اعتقالات لكل الوجوه التي أعرفها هنا في مشهد مشابه تماماً لفيديو كفرسوسة أعلاه، يحملوننا جميعاً إلى حضن الوطن، إلى الموت، حيث تنتظرنا قبورنا جميعاً. أستمرُّ بالركض هرباً بينما أستيقظُ هنا وحيدة في سريري في اسطنبول، قلبي يكاد يخرج من مكانه وصوتي قد اختفى.

        النجاة سوريّاً

        نقفُ كسوريين أمام كل هذا، وقد تم الطلب منا أن ننأى نحن وسوريتنا عن تقرير مصيرنا، محاولين أن نختبر صوتنا مرة أخرى، الصوت نفسه الذي كنا نريد أن نصنع منه مصيرنا قبل ثلاثة عشر عاماً، ونحن نقف في شوارع سوريا نصرخ ونطالب بحقوقنا. اليوم ونحن نحصي خسارات كل تلك الأعوام بينما يتجه الأسد من جديد إلى حضن الجامعة العربية، ويستقبلونه بابتسامات ظاهرة بينما لا نزال نرى الدم الذي نزفناه طوال هذه السنين على وجهه. يبدو العالم دنيئاً ونحن نقبع خائفين من أن تعيدنا الحياة نحو تلك المقبرة، الصفر الأكبر. لا يفهم هذا العالم أن مشكلتنا ليست مع البلاد أو العودة لها، بل مشكلتنا الأساسية أننا إن نجونا من الموت فإن المعتقلات تنتظر عدداً كبيراً منا، والبلاد الجميلة التي يُصورها العالم كوجهة للسياحة قد تكون مزاراً لطيفاً ومنزلاً جيداً لبعض السوريين بعد رحلة اللجوء والنزوح المرهقة، ولكنها حتماً ليست مثالية بالنسبة للجميع، فعدد كبير منا حياته مهددة إن اقترب من حدود البلاد تلك. إذ لا تزال حديثة جداً أخبار السوريين الذين تمت إعادتهم إلى مناطق سيطرة النظام وقُتلوا في المعتقلات.

        يُعيدنا ما يحدث اليوم إلى لحظات سيئة متتالية، إذ علينا أن ننتظر كوارث قادمة «بعد الانتخابات» أو «بعد الاجتماعات» أو «بعد الاتفاقات»؛ كل ما يأتي بعد كلمة «بعد» سيكون شيئاً أو قراراً يحدد مصيرنا في الدول التي نعيش فيها، ويكون إنذاراً جديداً يدق على بابنا المُحطّم!

        علينا أن نوضّب حقائبنا للمرة الألف بحثاً عن ملجأ جديد، ونحملها على أكتافنا ونفكر إن كنا سنشقُّ البحر أم الغابة أم الصحراء. أو أن نشقَّ طريقنا نحو السماء! نسير في الشوارع اليوم، نحتضن بعضنا البعض بعيوننا في الطرقات والمواصلات، كأننا نعرف انتماءنا السوري من عيوننا؛ يبدو ذلك بوضوح في وجوهنا المُترقّبة التي تنظر حولها باستمرار. أحتضنُ أصدقائي السوريين عند اللقاء كأني أودعهم، أو أحاول حمايتهم حتى. نحن لا نمتلك وطناً نعود إليه، وليس من السهل أن تكون تائهاً في هذه الأرض، وأن تُهدَّد بالعودة لوطنك بشكل مستمر، وذلك الوطن قد يستقبلك شهيداً جديداً. أصبحنا نخاف من أن نسمع كلمة «سوريلي» حولنا، يحمد بعضنا الله أنه لم يندمج بما يكفي ليفهم ما يُلحقونه بهذه الكلمة. لدينا اضطراب في الهوية، لا أحد يحمل كرهاً ورفضاً وعاراً تجاه هويته مثل السوريين الذي تعرّضوا للرفض بشكل مستمر.

        لسنا ننتمي إلى هنا اليوم ولا يمكننا العودة إلى هناك، نعيش بين فجوتين لا تتصل إحداهما بالأخرى. لا يقبلك هذا العالم بعملك وجهدك ومحاولاتك الحثيثة لأن تكون لاجئاً جيداً، وأنت تُعافر لتتعلم وتعمل وتنجو وتنطق بلغته نفسها، حتى وإن نأيت عن السياسة وغيرها، هذا العالم يريد أن يصبّ فيك من العنصرية والرفض أضعاف ما تحاول أن تثبت أنك تستحق العيش.

        أتساءل عنا نحن السوريين؟ هل نحن مُسوخ إلى هذه الدرجة؟ هل علينا أن نموت ونحن حزينون جداً ووحيدون جداً ومتفرقون جداً، إلى درجة أن لا يهتمَّ أحدٌ أين سندفن؟ أيها السوريون، يبدو أنه لا مكان نلمّ إليه رِحالنا، لا وطن، ولا بلاد تتسع لنا. أعلم أننا اعتدنا فيما مضى أن نُغلق الأبواب علينا أمام القصف، أمام الاعتقال، وأمام العنصرية… أغلقوا أبوابكم جيداً، احضنوا أحبابكم… وانتظروا!!

موقع الجمهورية

————————-

محرقة الشتات السوري/ صبا مدور

الخميس 2024/07/11

في ألمانيا خرج متظاهرون أتراك لرفض وجود لاجئين سوريين في بلادهم الأخرى البعيدة وأعني تركيا، وقبل ذلك كانت أحداث عنصرية ضد السوريين قد جرت في مدينة قيصري جنوب تركيا تعرضت خلالها ممتلكات السوريين للحرق والتدمير، ولقي مراهق من دير الزور مصرعه غيلة على يد عنصريين أتراك في ملاطيه، وبعدها تسربت إلى الوسائط الاجتماعية وثائق رسمية خاصة تخص نحو 4 ملايين سوري في تركيا بعضهم غادرها من مدة، وقالت السلطات أن صبياً بعمر 14سنة قام بقرصنتها من وزارة الداخلية ونشرها على الوسائط، وستتم محاسبته.

بالطبع هذه الوثائق المسربة تعني أن كل سوري في تركيا هو اليوم مشروع للاحتيال وأن وثائقه الشخصية عرضة للسرقة والتزوير، وأنه ما لم يغادر تركيا الى الأبد فقد يجد نفسه فجأة متهماً بجريمة أو مداناً بسرقة قرض ضخم لا يعرف عنه شيئا للبنك. بمعنى اخر ان هذا (الصبي) اختار وسيلة ناجحة جداً لجعل كل سوري يشعر بالتهديد ما دام في تركيا حتى لو كان يحظى بتطمين من السلطات، وهو بذلك تفوق على بقية العنصريين في إجبار كل سوري على الخروج سريعاً من تركيا، وللمصادفة فذلك هدف معلن يشارك فيه أيضا العديد من السياسيين الأتراك ومنهم مسؤولون حاليون.

وفي لبنان حيث يقيم أكثر من مليون ونصف المليون لاجئ سوري كحد أدنى، فإن الطبقة السياسية هناك بما فيها السلطة الحاكمة، تنظر إلى هؤلاء على أنهم تهديد أمني وديموغرافي، وثقل اقتصادي، وكانت الحملات المستمرة وأحداث بعضها مفتعل، كافية بالطبع لخلق موجة عنصرية ضد السوريين، تطالب برحيلهم، وتتهمهم بكل الموبقات لتبرير الاعتداء عليهم.

وحتى مصر التي عرفت تاريخيا بترحيبها بالغرباء والمنفيين من بلدانهم، وأتسع صدرها لمن لجأ إليها هاربا من الظلم في بلاده، حتى في مصر، بدأت إجراءات دعت لنشر القلق وسط أكثر من 156 ألف لاجئ سوري حسب مفوضية اللاجئين، أو ما يصل الى أكثر من 550 ألفاً حسب مساعد وزير الخارجية المصري للشؤون العربية، ويتعلق الأمر بإجراءات عدم تجديد الإقامة السياحية ورفع تكاليف التأشيرات، ورغم أنها تشمل نحو 9 ملايين أجنبي يقيمون في مصر، إلا أن توقيتها جعل السوريين في كل مكان يظنون أن كل إجراء هو ضدهم بالمقام الأول. وقبل ذلك كان العراق قد قام بترحيل قسري لأعداد من نحو 280 ألف سوري، كما قالت هيومن رايتس ووتش، وبدأ إجراءات حول الإقامة تهدد غالبية السوريين هناك.

أصبح القلق والخوف من اليوم التالي داء يشترك فيه نحو 6 ملايين لاجئ سوري في شتات الشرق الأوسط، جميعهم بلا ضمانات ولا شعور بالأمان، ولا حتى في وارد الحماية بموجب القوانين المحلية، والخوف أن السوري صار مستباحا، دمه وماله وعرضه، وهو خوف مبالغ فيه، لكنه ينتشر، حتى بات الشتات بكل معاناته ومهانته يتحول إلى (محرقة سورية) معنوية تجري هذه المرة على مرأى العالم وسمعه.

ليس في وصف هذه المشاعر مبالغة، وبالمقارنة بين ما يعانيه اللاجئون السوريون في الشرق الأوسط وهم يمثلون غالبية الشتات السوري في العالم، وبين ما وجده من استقر منهم في الغرب، أو في دول الشتات الأخرى بما فيها إفريقيا، فأنهم في الشرق الأوسط يعيشون وسط تهديد حقيقي ودائم، إن لم يكن جسديا وماديا، فهو تهديد مفترض بالعنصرية والامتهان، والتعامل الفوقي، وهي جميعا عناصر يمكن أن تتحول في أي وقت إلى اعتداءات مباشرة، تتجاوز كثيرا ما حدث في قيصري.

لا نريد أن ننتظر مثل هذا التطور ليتحرك المجتمع الدولي، وربما يكون ما حدث في تركيا، فائدة في تنبيه العالم لخطورة الأمر وضرورة التحرك لإيجاد حل حقيقي لهذه الملايين التي يمكن أن تصبح قضيتها أزمة دولية كبرى، لا تنفع معها الحلول والترقيعات ولا الاعتذارات التي ستكون متأخرة.

المدن

—————————

بين التجاذبات الإقليمية والدولية.. مستقبل سوريا في ميزان قوى جديد/ بسام بربندي

2024.07.11

خلال السنوات الماضية، كثرت المبادرات السياسية الإقليمية لحل “الأزمة السورية” في ظل غياب الجدية الدولية في حلها، خصوصاً مع انشغال الغرب بالحرب الأوكرانية، فقد فضّلوا إبقاء الملف السوري في حالة من الركود لعدم قدرتهم على التعامل مع أزمة ثانية إلى جانب الأزمة الأوكرانية، وهذا الوضع أدّى إلى استفراد كل من موسكو وطهران بسوريا.

تواجه موسكو عقبتين قبل إعلانها الانتصار الكامل لبشار الأسد، وهما إعادة الإعمار والتطبيع العربي والإقليمي مع نظام الأسد كمرحلة أولى، بينما تواجه إيران عقبتين لتحقيق انتصارها الكامل، وهما الوجود الروسي وإعادة الإعمار.

ومن هنا بدأ الروس والإيرانيون بالتواصل مع الدول العربية لحثهم على التقارب مع نظام الأسد، حيث روّجت روسيا لفكرة أن الأسد قد يكون جزءاً من الاتفاق الإبراهيمي لاحقاً ويحتاج إلى دعم مالي وسياسي لكيلا يكون تحت السيطرة الإيرانية المطلقة، بينما روّجت إيران لنفس الدول أن التطبيع مع الأسد هو بادرة حسن نية تجاه إيران تسهم في بناء منطقة مستقرة.

إلا أنّ التواصل العربي مع بشار الأسد لم يعط الانتصار المطلوب لروسيا أو لإيران، لاختلاف وجهات نظر البلدين وعدم قدرة النظام على السير في طريقين متعاكسين بالوقت نفسه.

في محاولة لإجبار العرب على التطبيع مع الأسد، استخدمت إيران الكبتاغون وتهريب السلاح إلى الأردن كأداة ضغط، مما أرسل رسالة واضحة بأنها صاحبة القرار العسكري “على الأقل” في سوريا، وتم الإعلان عن الكثير من الاتفاقيات الاقتصادية والثقافية والدينية والمالية والديون الإيرانية على النظام السوري، والتي تهدف لإظهار تبعية النظام الكاملة لإيران.

وفي نفس الوقت، عزّزت روسيا وجودها العسكري على الحدود بين إسرائيل وسوريا لمنع القوات الإيرانية وميليشياتها من شن هجمات على إسرائيل للحد من التهريب الإيراني، مع الوعد ببذل المزيد من الضغوط على النظام ليكون أكثر جدّية في العملية السياسية مع معارضيه.

ووقّع النظام مع الروس اتفاقيات مشابهة للاتفاقيات الإيرانية وأحياناً يمنح النظام روسيا ذات المشروع الذي يمنحه لإيران، في مؤشر واضح لفقدانه السيطرة على الأمور.

العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، كشف هشاشة النظام السوري وتناقض المشروعين الروسي والإيراني في سوريا، دون أن يعني ذلك تصادماً بينهما لأسباب ليس لها علاقة بسوريا.

ففي الوقت الذي تريد إيران من النظام السوري المشاركة في محورها بشكل علني وواضح ضد إسرائيل، وتقديم التسهيلات والأسلحة للميليشيات التابعة لها، أخبر النظام الدول التي تتواصل معه أنه مسؤول فقط عن القطاعات العسكرية والطرقات التي تسيطر عليها قواته فقط في الجنوب السوري، وأنه غير مسؤول عن أي نشاط يُقدم عليه أي طرف آخر.

وفي الوقت نفسه أيضاً، طلب الروس من النظام السوري الابتعاد عن هذه الحرب، خصوصاً بعد التحذيرات الرسمية الأميركية والإسرائيلية للأسد بأن دوره سينتهي إذا ما تجرّأ على فتح الجبهة الجنوبية السورية، وأرسلوا المزيد من الجيش الروسي للتمركز مع قوات النظام في المناطق الحدودية، لحماية نظام الأسد ومنع إيران من تنفيذ عمل عسكري قد يدفع ثمنه رأس النظام..

ويبدو أن طريقة التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي تجاه المنطقة وأولوياتها قد تغيّر، حيث انتقل من التركيز على عقد اتفاقيات سلام مع الدول العربية كأولوية وإهمال “حزب الله” اللبناني وحركة حماس، إلى ضرورة الانتهاء من حماس والحزب وداعميهما كأولوية قصوى على المدى القصير.

التغيّر الاستراتيجي الإسرائيلي ترافق مع رغبة موسكو والغرب عموماً في الاستفادة من حرب غزة لإضعاف النفوذ الإيراني في سوريا قدر الإمكان، حيث نشرت عدة وسائل إعلام زيارة إلى سوريا أجراها عدد من رؤساء مخابرات الدول الأوروبية، وذلك للتباحث في موضوع إنشاء مناطق آمنة وسط سوريا وعودة اللاجئين وتقديم أموال لإعادة الإعمار عبر منظمات غير حكومية ترعاها أسماء الأسد، مما يعني الاعتراف بشرعية الأسد.. ولكن كان السؤال ما المقابل أو بأدق ما هي الصفقة التي تتم مناقشتها؟

تزامنت تلك المحادثات والاتصالات الغربية مع بشار الأسد باستهداف إسرائيلي نوعي للمواقع والشخصيات الإيرانية المؤثّرة في سوريا بشكل متواتر ومتزايد ومؤلم للإيراني، مما أوحى بوجود شيء أعمق مما يتم تداوله إعلامياً.

يبدو أنّ الاستخبارات الإيرانية لم تبذل الكثير من الجهد لمعرفة التفاصيل، الإعلان أن أسماء الأسد مريضة وأنها ستبتعد عن الفعاليات الإعلامية وصمت الأسد في الجامعة العربية وعدم ذهابه للتعزية بوفاة الرئيس الإيراني، وأخيراً مقتل لونا الشبل، كلّها حلقات في سلسلة واحدة تمثل الرد الإيراني الذي لم ينته بعد.

وطلبت روسيا من تركيا التنسيق مع النظام لحل المشاكل في شمالي سوريا وعرضت استضافة لقاءات عسكرية وسياسية بين الطرفين لتحقيق هذه الغاية، والتي يود الروس أن تتوج بلقاء بين الأسد وأردوغان، بالتزامن مع عمل إيران على إنشاء منصة بغداد الأمنية لتكون آلية تواصل عراقي سوري تركي لمناقشة المواضيع نفسها، مثل محاربة الإرهاب وعودة اللاجئين، وذلك بعيداً عن منصة أستانا والرقابة الروسية، لتبقى الأمور تحت سيطرتها.

ترافق ذلك مع تطوّر في الموقف التركي، حيث صرّح أردوغان بأنه لا مانع لديه من دعوة بشار الأسد، حيث يقول المسؤولون الأتراك إنّ أردوغان يدرك أن الأسد لن يستطيع تقديم أي شيء، لكن عليه أن يتحدث إلى الشارع التركي للقول إنه يبذل كل جهد ممكن لحل مشكلة اللاجئين السوريين في تركيا، رغم إدراكه الأهمية الاقتصادية التي يمثلها السوريون في الاقتصاد التركي.

وأردوغان يحتاج للعمل مع موسكو في موضوع حزب العمال الكردستاني الإرهابي، الذي ينتشر في منطقة الجزيرة السوريّة، وبالتالي يخدّم الأهداف الروسية ويحتاج من الروس اتخاذ خطوات جدّية تدعم تركيا في إنشاء منطقة آمنة داخل كل الشمال السوري بعمق 40 كيلومتراً، بمعنى إبعاد إيران وميليشياتها عن الحدود التركية وليس فقط قوات الحزب الكردستاني.

في النهاية، يبقى مستقبل سوريا رهين التفاهمات والتجاذبات الإقليمية والدولية بغياب معارضة وطنية شعبية، وفي ظل غياب حل جذري وشامل للأزمة السورية، والذي يتطلّب تضافر الجهود الدولية والإقليمية بشكل جدي وفعال للوصول إلى سلام دائم ومستقر في المنطقة.

—————————–

ما الذي يمكن أن تقدمه دمشق لأنقرة؟/ علي تمي

2024.07.11

في الآونة الأخيرة، عاد إلى الواجهة الحديث عن تقارب بين أنقرة ودمشق، مع تصريحات متبادلة بين الجانبين، ومحاولة إعادة العلاقات إلى سابق عهدها.

الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، تحدث هذه المرة خارج الصندوق موجهاً في آخر تصريح له رسائل سياسية مبطنة لدمشق، داعياً إلى إعادة العلاقات على أساس المصالح المشتركة، ولكنه استخدم كلمة “قد”، حيث قال بالحرف: “قد أدعو بشار الأسد لزيارة تركيا في أي وقت”. الرئيس التركي يعي جيداً ما يقوله، وترك البوابة الخلفية مفتوحة للتراجع.

هذا التصريح جاء رداً على تصريح بشار الأسد الذي أرسل بدوره إشارات إيجابية تجاه أنقرة وتغازل مع المواقف الأميركية، حول وجود اتصالات مع واشنطن، بحسب ما نقلته الصحافة الروسية.

بين هذا وذاك، يبدو أن هذا الطريق غير سالك ومحفوف بالمخاطر والانزلاقات. فأنقرة لديها اليوم علاقات استراتيجية مع قوى المعارضة السورية بمختلف انتماءاتها وتوجهاتها، وهناك اليوم أكثر من 70 ألف مقاتل تحت السلاح بالإضافة إلى وجود مقري الحكومة المؤقتة والائتلاف على أراضيها.

والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم بقوة هو: هل تستطيع أنقرة التضحية بهذه الورقة مقابل فتح علاقات مع نظام متهالك وزّع الجغرافية السورية بين الميليشيات والعصابات التي أتى بها إلى سوريا من كل حدب وصوب؟ الجواب بالطبع لا.

لماذا؟ لأن تركيا كدولة مهمة في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى والقوقاز، وبحكم موقعها الجغرافي، محاطة اليوم بحزام عسكري أمني أميركي-روسي سواءً في المتوسط أو باليونان أو حتى داخل سوريا والعراق.

لهذا السبب، أنقرة لا تستطيع التضحية بأوراقها، وهي محاصرة عسكرياً، ولا شك أن وجود السوريين الحلفاء لها بكثافة قرب حدودها الجنوبية هو بمثابة صمام الأمان لأمنها القومي. بالإضافة إلى ذلك، تتجه سوريا نحو التقسيم، وهذا الأمر بات خارج إرادة الجميع بما فيها تركيا، والقوى الدولية تحاول فرض وقائع جديدة في المنطقة. بالتالي، إعادة أنقرة علاقاتها مع دمشق لن تُمكنها من النأي بنفسها عن هذا المخطط، بل ستزيد الطين بلة.

دمشق، بعد سنوات من الحرب والاستنزاف، وحقول النفط والغاز وأكثرية المعابر خارج سيطرتها، تحولت إلى دولة هشة مفلسة اقتصادياً، حيث حالة الركود والفوضى تسود المناطق الجنوبية، بالإضافة إلى العقوبات الاقتصادية الدولية وتحريك ملف الجرائم في فرنسا مؤخراً، ومدن بأكملها لا تزال مدمرة. وبالتالي، باتت تلفظ أنفاسها الأخيرة على الأقل على المستوى الاقتصادي، ومن هذا المنطلق فهي غير مؤهلة للدخول في صفقات سياسية مع الدول القوية وخاصة تركيا.

واشنطن ترفع “بطاقة صفراء” في وجه الجميع في سوريا

ومن الواضح أن هذه السيناريوهات على الأغلب تُطبخ في موسكو على نار هادئة، فجاء الموقف الأميركي ليحسم الأمر من خلال تصريح رسمي صدر عن وزارة الخارجية بأن الولايات المتحدة لا تفكر في سحب قواتها من سوريا، وليس في الوارد فتح علاقات مع دمشق، وأن التركيز سيكون على تنفيذ القرار 2254. من الواضح أن الرسالة الأميركية موجهة لجهود موسكو ولوضع عصا في عجلة تطور العلاقات إلى سابق عهدها بين أنقرة ودمشق.

ولا شك أن هناك استياء تركيا من مواقف واشنطن ودعمها لحزب العمال الكردستاني ومحاولة شرعنة هذا الحزب وتسويقه دولياً تحت اسم “قسد”. هذا الأمر بات واضحاً للعيان، ونوايا السياسة الأميركية ومن خلفها إسرائيل في سوريا، هي تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ ومحاولة خلط الأوراق لتعقيد الأزمة بشكل أوسع وأعمق.

هل ستسمح طهران ودول الخليج العربية لتركيا بالسيطرة على دمشق؟

لا شك أن طهران – رغم انشغالها بانتخاباتها ووضعها الداخلي، تراقب التصريحات الأخيرة الصادرة عن دمشق وأنقرة باهتمام ولم تعلق حتى الآن بانتظار تحول الأقوال إلى أفعال. بينما المملكة العربية السعودية دعت بشار الأسد إلى قمة الرياض، وبعدها إلى المنامة.

الهدف السعودي من التعامل مع الأسد ليس لأنه شخص قوي وشجاع انتصر في المعركة، بل لأن مشروع الشرق الأوسط الجديد يتدحرج شيئاً فشيئاً نحو التطبيق، ومعالمه باتت واضحة للجميع.

لهذا السبب، استدعت الرياض الأسد إلى قمة الرياض ومدت له السجاد الأحمر، ليس محبة به، بل لأنه مطلوب منه القيام بدور مكمل إلى جانب الرياض وأنقرة لأن المشروع في نهاية المطاف يستهدف الجميع دون استثناء.

ملف اللاجئين

هذا الملف بات اليوم يشكل عبئاً إضافياً على الأمن القومي التركي مع تزايد حدة التوترات والصراعات في المنطقة بأسرها والمشاحنات في الداخل. ومع وجود عدد كبير من اللاجئين السوريين في تركيا، تحاول أنقرة اليوم البحث عن مخارج لهذا الملف، ولو من خلال التعاون مع دمشق لإيجاد حلول مستدامة مع تقديم ضمانات لعودة اللاجئين بأمان دون التعرض لهم، بالمقابل يمكن لأنقرة أن تدعم برامج إعادة التأهيل والبنية التحتية في حلب ودمشق.

أنقرة اليوم تمتلك أقوى ورقة داخل الساحة السورية، بينما موسكو تحاول سحب هذه الورقة منها بذكاء أو على الأقل إضعافها من خلال إعادة فتح العلاقات مع دمشق. فرضية التخلي عن هذه الورقة تعني أنها ستفاوض الروس والأميركان في مرحلة من المراحل على مدنها الجنوبية أو على الدردنيل والبوسفور في نهاية المطاف.

قبل ذلك، استدرجت واشنطن روسيا إلى المستنقع الأوكراني لاستنزافها على المدى البعيد، وحاولت مراراً وتكراراً جر تركيا إلى هذه الساحة لكن دون جدوى. بينما تحاول مع ألمانيا لزجها في الساحة الأوكرانية.

فواشنطن اليوم لديها استراتيجية هي إضعاف أوروبا وإغراقها بقضايا اللاجئين وحرب أوكرانيا، وجر تركيا ودول الخليج إلى مستنقع غزة لاستنزاف الجميع على المدى البعيد.

الاعتقاد السائد هو أن أنقرة تمارس التكتيك مع دمشق، وفرضية إعادة العلاقات الدبلوماسية معها بشكل كامل أمر مستبعد تماماً. وعلى المعارضة السورية بمختلف انتماءاتها أن تتحلى بالحكمة وبُعد النظر وعدم التعامل بردود أفعال، وهناك شبه دولة اليوم في شرق الفرات تمتلك جميع مقومات البناء والاستمرارية. فتغيير نظام الحكم في دمشق إن لم يتحقق اليوم، سيكون غداً بطبيعة الحال، ومشروع تقسيم سوريا بمجرد تثبيته لن يعود كما كان.

والأخطر من كل هذا هو أن بشار الأسد بات جزءاً من هذا المشروع سواءً في الجنوب أو شرق الفرات. بالتالي، المنطقة تتجه شيئاً فشيئاً نحو الفوضى الخلاقة، وكل دولة تحاول النأي بنفسها عن هذا المخطط والمناورة للخروج بأقل الخسائر الممكنة.

عهد سوريا كدولة مستقلة ذات سيادة انتهى، وما بعد ذلك هو تخوف بقية الدول في الشرق الأوسط على أمنها القومي. لهذا السبب، إعادة العلاقات بين دمشق وأنقرة ممكنة لكن على جزئيات فقط. أنقرة لن تمد حبل النجاة لبشار الأسد وهو منزلق في المستنقع منذ ثلاثة عشر عاماً بسبب دعمهم المتواصل لحزب العمال الكردستاني على مدار أربعة عقود مما تسبب بإفراغ أربعة آلاف قرية وبلدة في جنوب شرق تركيا وتهجير مليون شخص منها.

بشار الأسد يدرك جيداً أن الأتراك لن يمدوا له حبل النجاة، لهذا السبب يتعامل بحذر وخشية وتردد مع التصريحات الموجهة له من الساسة الأتراك على وجه الخصوص.

————————

قلق إيراني من عمليات التطبيع مع نظام الأسد.. أسباب وتداعيات وتوازنات دولية/ صبا عبد اللطيف

2024.07.11

شهدت العلاقة بين إيران ونظام الأسد في السنوات الأخيرة توترات متزايدة نتيجة عدة مؤشرات على صُعد مختلفة. من بين هذه المؤشرات كانت محاولات النظام السوري الانفتاح على الدول العربية ورغبته في الابتعاد عن النفوذ الإيراني. إذ شكلت المبادرة العربية نقطة توتر أساسية عندما دعت إلى تقليص النفوذ الإيراني في سوريا، حيث اعتبرتها إيران تهديداً لمصالحها الاستراتيجية، وذلك بالتزامن مع تجاهل نظام الأسد لهجمات إسرائيل على مواقع إيرانية، وعدم دعمه لعملية “طوفان الأقصى” التي قامت بها حركة حماس، كل ذلك زاد من استياء إيران. في سياق هذه التوترات، تأتي محاولات إعادة العلاقات بين تركيا والنظام السوري لتضيف بعدًا جديدًا ومعقدًا للوضع، حيث تحمل هذه المحاولات جوانب إيجابية وسلبية بالنسبة لإيران.

محاولات فاشلة لتعويم نظام الأسد

بدأت هذه التوترات مع بداية تطبيع النظام مع الدول العربية وظهور رغبته بالخروج من العباءة الإيرانية والعودة إلى المحافل الدولية، وذلك بمساعدة الحليف الروسي الذي كان عراباً ومروجاً للنظام. ونلحظ دوره الكبير حالياً في محاولة عودة العلاقات بين نظام الأسد وتركيا.

بالنسبة للمبادرة العربية، أبدت إيران موقفًا معقدًا تجاه الأخيرة لحل الأزمة السورية. أهم النقاط التي زادت من التوتر بين إيران ونظام الأسد نتيجة المبادرة كانت شعور إيران بتهديد على وجودها العسكري، حيث إن إحدى النقاط الرئيسية في المبادرة العربية هي الدعوة للحد من النفوذ الإيراني في سوريا واتخاذ إجراءات للحد من تأثير الميليشيات المدعومة من إيران.

اعتبرت إيران هذه المطالب تهديداً مباشراً لمصالحها الاستراتيجية ومحاولة لعزل إيران وتقليل نفوذها في المنطقة. وبالتالي لا شك أنه كان لإيران دور كبير في فشل هذه المبادرة التي لم تحقق أي من أهدافها ونتج عنها أيضاً توترات جديدة بين النظام والدول العربية، وظهرت بشكل جلي في القمة العربية الأخيرة حيث لم يُسمح لبشار الأسد بإلقاء كلمة.

بعد أن استطاعت إيران بشكل أو بأخر عرقلة المبادرة العربية؛ شهدت العلاقة نوعاً من الهدوء لغاية 7 أكتوبر. في هذا التاريخ، عاد التوتر بسبب تجاهل النظام لهجمات إسرائيل على السفارة الإيرانية في دمشق وعلى مواقع تابعة للميليشيات الإيرانية في دمشق وحلب، حيث أثار هذا التجاهل شكوكاً إيرانية حول احتمال تورط النظام في تسريب معلومات حساسة عن المواقع المستهدفة.

أحد الأسباب الأخرى للتوتر كان عدم دعم نظام الأسد لعملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها حركة حماس ضد المستوطنات الإسرائيلية الواقعة على حدود القطاع المحاصر.

هذه المواقف زادت من انزعاج إيران، التي بدأت تشك في وجود تنسيق غير مباشر بين  نظام الأسد وإسرائيل. حيث تحدثت تقارير عديدة عن أن هدف النظام السوري من هذا التنسيق غير المباشر كان ضمان بقائه في السلطة وتجنب أي عملية عسكرية إسرائيلية ضد سوريا، في ضوء استمرار وتوسع الوجود الإيراني في المنطقة، وهو ما يعتبر تهديداً للأمن القومي الإسرائيلي.

ويحاول نظام الأسد تفادي هذا التهديد بتحييد النفوذ الإيراني عبر تنفيذ مطالب إسرائيلية تشمل استعادة السيطرة على المناطق الحدودية وإخراج القوات والميليشيات الإيرانية منها. غير أن التوغل الإيراني في  جيش النظام، خصوصاً في الفرقة الرابعة المتمركزة في الجنوب، عرقل تحقيق هذه المطالب.

الموقف الإيراني من التقارب التركي مع نظام الأسد

مع آخر المحاولات التي تقوم بها روسيا لإعادة تعويم نظام الأسد وإرجاعه إلى المحافل الدولية، كان الهدف هذه المرة هو تركيا، والتي تعتبر أهم وآخر الداعمين للمعارضة السورية، ويعيش على أراضيها 3.5 ملايين لاجئ سوري فروا من بطش وظلم نظام الأسد. تحمل عودة العلاقات التركية مع نظام الأسد العديد من التساؤلات حول إمكانية تحقيق هذا التقارب وإمكانية استجابة النظام لمطالب تركيا، خاصة بعد أن أخل نظام الأسد بكافة وعوده تجاه المبادرة العربية والتي كان مصيرها الفشل، خاصة مع مدى صعوبة المطالب التركية وأهمها تحييد قوات سوريا الديمقراطية واستعادة المناطق التي تسيطر عليها. إلا أن أهم التساؤلات هو الموقف الإيراني من احتمالية عودة العلاقات التركية مع نظام الأسد. بالرغم من ترحيب المسؤولين الإيرانيين بعودة العلاقات إلا أنها تحمل جوانب سلبية وإيجابية بالنسبة للموقف الإيراني.

يتضمن الجانب السلبي أولاً التخوف الإيراني من تقارب الأسد مع منافس إقليمي، وثانياً تصاعد دور الحليف الروسي في عملية تعويم النظام، وهذا يشعر إيران بضعف دورها تجاه النظام السوري الذي كان مقتصرًا على الدعم العسكري الذي يواجه اليوم حالة جمود أدت بالميليشيات الإيرانية إلى اللجوء إلى تهريب المخدرات والسلاح والبشر. أما من الناحية الإيجابية بالنسبة لإيران، فإن تحقيق مطالب النظام من هذا التقارب، وأهمها الانسحاب التركي من الأراضي السورية، سيشكل فرصة لملء الفراغ، باعتبار النظام غير قادر على تحمل أعباء المنطقة وضبطها أمنيًا وتأمين البنى التحتية. فبطبيعة الحال، ستكون فرصة مهمة للتوسع الإيراني خاصة في المناطق القريبة من نقاط تواجد ميليشياتها التي لطالما كانت مصدر تهديد على المنطقة. من ناحية أخرى، في حال استطاعت إيران أن تخلق لها مساحة ضمن هذا التقارب وتسهم في تسهيله، وحاليًا تعمل على ذلك من خلال دفع الحكومة العراقية بقيادة محمد شياع السوداني المقرب من إيران، ففي هذه الحالة قد يكون لإيران دور في هذا المسار وجزء منه، وستكون قادرة على إفشاله أو المضي به بما يخدم مصالحها. ومن ناحية أخرى أيضًا، في حال أخذت إيران دورًا في هذا التقارب، فقد نشهد تحالفًا ثلاثيًا جديدًا شبيهًا بأستانة، لكن على صعيد دولي وإقليمي.

الخلاصة

نهايةً، يشكل أي تقارب عربي، غربي، إقليمي أو دولي مع النظام السوري هاجساً كبيرًا لإيران، لأنه يهدد بخروج النظام من العباءة الإيرانية ويؤثر سلباً على مفهوم وحدة الساحات بين دول “محور المقاومة”. إضافة إلى ذلك، تتسم العلاقة بين إيران وسوريا بتعقيدات جيوسياسية كبيرة. إيران ليست مجرد حليف عسكري، بل هي جزء لا يتجزأ من النسيج الأمني والاقتصادي والسياسي السوري.

وبالتالي، فإن أي محاولة من النظام للتخلي عن الدعم الإيراني قد تواجه بردود فعل سلبية من داخل النظام نفسه ومن القوى العسكرية والاقتصادية المدعومة من إيران.

ومع ذلك، فإن النظام السوري اليوم ليس لديه الرفاهية للتخلي عن أي حليف، وخاصة الحليف الإيراني الذي استثمر كثيراً في دعم النظام على مدار السنوات. ومع التحركات الدولية والإقليمية التي تسعى لتقليل النفوذ الإيراني في سوريا، ستظل طهران تسعى للحفاظ على مصالحها من خلال تعميق وجودها وتأمين مصالحها الاستراتيجية. من ناحية أخرى، ستظل دمشق تلعب على التوازنات الدولية والإقليمية لتحقيق أكبر قدر من المكاسب وضمان بقائها، مع محاولة تفادي أي تصعيد مباشر مع حلفائها أو خصومها على حد سواء.

تلفزيون سوريا

——————–

التقارب السوري التركي.. الأسباب والنتائج/ د. إسماعيل حصاف

يوليو 10, 2024

أعتقد أن عوامل حل الملفات الساخنة ومن ضمنها الأزمة السورية باتت من أولويات مصادر القرار الدولي. لاشك أن القضية السورية سوف لن تحل بمعزل وقبل إيجاد حلول للحرب الروسية – الأوكرانية، وحرب غزة وغيرها من القضايا ذات الصلة. ولابد أن تسبق الحل السياسي تصفيات حسابات على الأرض بين القوى المتصارعة.

بالتأكيد عندما تبنت تركيا ودول الخليج والقوى الدولية الأخرى الثورة السورية، لم تكن، كما يبدو الآن، بهدف إسقاط سلطة البعث ودكتاتورية الأسد، بقدر ماكانت تهدف إلى إخراج سوريا كدولة من لعبة التوازن الإقليمي وضرب بنيتها الاقتصادية والاجتماعية وتحطيمها، لتكون عاجزة على الوقوف على قدميها مرة أخرى إلا بعد مضي نصف قرن على الأقل. وإلا ماذا نفسر إسقاط معظم الأنظمة التي شهدت حالات ثورات (الربيع العربي)، خلال فترات قصيرة، مع الإبقاء على نظام البعث، حتى قبل دخول إيران وروسيا على الخط.

وقد ظهرت بوادر إنقاذ النظام من خلال اجتماع القمة العربية الأخيرين ومبادرة بغداد الآن، ومن غير المعقول أن لايكون هناك ضؤ أخضر من الولايات المتحدة الأمريكية، ناهيك عن أن روسيا تدعم وبقوة مثل هذه المبادرات العربية والإقليمية، فروسيا تنظر إلى سوريا منطقة نفوذ إستراتيجية لها في الشرقين الأوسط والأدنى.

فالوضع في سوريا بلغ حدا لايمكن تجاهله. فعدد المحتاجين إلى المساعدة الإنسانية في سوريا يتزايد بإستمرار، حيث يعيش ثلاثة أرباع السوريين تحت خط الفقر المدقع أي حوالي 17 مليونا. ففي سوريا متطلبات الحياة البسيطة اليومية المعيشية غير متوفرة. ناهيك عن إنتشار الأمراض وتفشي الفساد الأخلاقي واللصوصية وحالات الإجرام والقتل وفقدان الأمن والأمان.. إلخ.

أما المشكلة الأخرى التي باتت مستعصية وتشكل ثقلا على أوروبا ودول الجوار، وتهدد الأمن الإقليمي والأوروبي، فهي مشكلة اللاجئين. فقد باتت القارة العجوز عاجزة عن إستقبال اللاجئين أكثر من ذلك، ويتعرض السوريين في تركيا ولبنان إلى ضغوطات شعبية وحكومية لإخراجهم بالقوة، لكن كيف وإلى أين؟.

كما تخلت هيئات الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن إلتزاماتها وتقديم المساعدات لهؤلاء، كما كانت في السابق. وبالتالي فأن حل مشكلة اللاجئين، ترتبط قطعا بالحل السياسي العام في البلاد.

من جهة أخرى، تعاني منطقة غرب آسيا من تراكم أزمات قومية واجتماعية واقتصادية حادة، بسبب تركيز دول الحلفاء بالدرجة الأولى وعلى رأسهم أمريكا، على محاربة الإرهاب كأولوياتها، وتهميش القضايا الحادة والملحة التي تبحث عن حلول جذرية منذ عشرات السنين، وتوسيع دائرة الحروب بالوكالة، وخاصة ما تقوم بها أذرع إيران وتركيا في سوريا ولبنان وغزة واليمن والبحرين، وناغورنو كاراباخ وليبيا وغيرها. على سبيل المثال، فمنذ بدء الحرب بين إسرائيل وحماس في 7 أكتوبر 2023، نفذت الجماعات المسلحة المدعومة من إيران أكثر من 170 هجومًا على قواعد أمريكية في العراق والأردن وسوريا.هذه المسائل وفرت ردود أفعال جماهيرية قوية، قد تؤدى إلى تغيرات غير متوقعة، فيما لو سنحت الظروف.

وبذلك، تقوم تركيا وإيران بزعزعة الإستقرار في العراق ولبنان وسوريا وكردستان، الأمر الذي قد يؤدي إلى نشوب حربا شاملة في المنطقة، من ضمنها الحرب المفتوحة بين إسرائيل وإيران، وإمكانية ضرب لبنان الفاقدة أساسا لقدرتها السياسية والاقتصادية وشخصيتها الإعتبارية وتحكم حزب الله ذراع إيران بمصير البلاد، ومحاولات تفكيك النظام الفيدرالي في العراق.

أن السياسة التي تتبعها أنقرة وطهران في غرب آسيا تعقد الأمور بشكل أكثر وتساعد على تغذية الصراعات القومية والمذهبية. وتسعى الدولتان إلى إصدار مشاكلها الداخلية للخارج، فتركيا، التي تبحث عن هويتها الفاقدة ما بين الناتو وأوراسيا، حيث تتعرض مصالحها الجيو-سياسية والإقتصادية وأمنها القومي من البحر الأسود إلى الشرق الأوسط للخطر نتيجة سياساتها التوسعية العدائية، كما وتعاني من أزمة اقتصادية حادة، وصراعات سياسية داخلية، وبدلا أن تقوم بحل قضاياها القومية والديمقراطية وعلى رأسها حل القضية الكردية حلا جذريا ديمقراطيا، تقوم بسياساتها التوسعية وتدخلاتها في شؤون الدول والأزمات، وكذلك إيران التي تحكم شعوبها بالحديد والنار جراء سياساتها اللاعقلانية، كل هذا توفر عوامل سقوط نظامي طهران وأنقرة وتعميق أزماتها على المدى البعيد والإسهام في غليان الشارعين التركي والإيراني.

من جهة ثانية، قد تشهد الشرق الأوسط تغيرات جيو-سياسية وجيو-قومية وظهور تحالفات جديدة وتغيير لموازين القوى، وهذ الأمر سيحتاج إلى حل القضايا المتراكمة والمزمنة ومن ضمنها القضية الكردية.إضافة إلى ذلك، حسب التوقعات المنشورة لبعض المراكز التحليلية الغربية والشرق أوسطية للسنة الكبيسة 2024، “تم تصنيف الشرق الأوسط كواحدة من المناطق التي ستجذب انتباه العالم أجمع، مما يؤدي بشكل حاد إلى تراجع أوكرانيا والصراعات الأخرى إلى المرتبة الثانية”، وهذا ما يحصل الآن في غزة، فجل الصحافة العالمية مركزة على الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة، مع تراجع الأزمة الأوكرانية.

ولكن لايمكن حل المشكلة الفلسطينية بمعزل عن القضايا الإقليمية الأخرى، فأي حل للصراع العربي-الإسائيلي لابد أن تكون سوريا مشاركا أساسيا، وهذا لايمكن تحقيقه إلا بحل المعضلة السورية، وإعادة الإعتبار لدمشق، وإلا سيبقي الشرق الأوسط في حالة توتر جيو-سياسي مستمر.

من ناحية أخرى، إذا إستمرت الأوضاع بشكلها الحالي، فمن الممكن توسيع دائرة الصراع عند تقاطع المصالح التاريخية السابقة للإمبراطوريات الروسية والفارسية والعثمانية، الأمر الذي سيولد احتمالات صراعات إضافية في المنطقة. وهنا جدير بالإشارة، إلى أنه قد تشتد الصراع بين الروس والفرس والترك والعرب على كردستان الكبرى، خاصة في المثلث الروسي – الإيراني – التركي في إطار مشروع الشرق الأوسط الجديد، ووفقا للترتيبات التي ترسم الأسس للنظام الأمني الإقليمي الجديد.

فكردستان على مر التاريخ تشكل نقطة إصطدام القوى المتصارعة، ولعل من يتحكم بجيوبوليتيكية كردستان يتحكم بالشرقين الأوسط والأدنى وأوراسيا.

أما مايتعلق بالصراعات الدولية، فحقيقة الأمر، يشهد العالم شكلا من الحرب العالمية الثالثة الغير معلنة، فالحرب الروسية –الأوكرانية هي في حقيقة الأمر، حرب بالوكالة بين الناتو وروسيا، تمخضت عنها تدمير أوكرانيا ومرور أوروبا بأزمة اقتصادية حادة وخاصة في مجال الطاقة، وتساهم هذه الحرب في تنشيط التيارات اليمينية المتطرفة تمهيدا لصعودها إلى السلطة في القارة، وفيما لم تجد هذه الحرب طريقها إلى السلام، فهي تنذر بإنتقالها إلى بولندا وألمانيا لتصبح شاملة.

وفي هذا الإطار جاء زيارة بوتين الأخيرة إلى كوريا الشمالية ولقائه زعيمها كيم جونغ أون. وذكرت صحيفة “نيزافيسيمايا” الروسية “أن الغرب يخشى وصول العلاقات بين البلدين إلى مستوى يسمح بتغيير الوضع الجيو-ستراتيجي بالمنطقة”، مما يشير إلى تغيير في المنظومة السياسية الدولية، من خلال قيام التحالف الروسي – الصيني – الكوري (شمالي) (كتحالف مضاد للناتو)، وهي دول ذوات قدرات نووية خطيرة قد تهدد العالم في حال إستمرار واشنطن بسياسة توسيع دائرة حلف الناتو نحو الشرق، الذي كان يفترض أن يحل نفسه مباشرة بعد تفكك حلف وارشو.

وقبلها إلتقى بوتين بالزعيم الصيني شي جينغ بينغ، وناقش الطرفان الوضع في اوكرانيا والشرق الأوسط ومنطقة آسيا. وتعارض الصين الوجود الأمريكي في سوريا، الأمر الذي يشكل ضغطا إضافيا ضد الوجود الأمريكي في سوريا، ولصالح الطرف الروسي.

فقد ذكرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ إنه يتعين على الجانب الأمريكي أن يحترم بشكل مناسب سيادة سوريا ووحدة أراضيها، وأن يحد على الفور من النشر غير القانوني لقواتها المسلحة في سوريا، وأن يتوقف عن نهب مواردها الوطنية، وأن يتخذ إجراءات حقيقية للتعويض عن الأضرار التي لحقت بالشعب السوري. وشددت على أن الحقائق تثبت أن الولايات المتحدة تخطط للاستيلاء على الموارد تحت ستار مكافحة الإرهاب.

وأضافت الناطقة، تواصل الولايات المتحدة الحديث عن حماية حقوق الإنسان، لكنها تنتهك حقوق شعوب البلدان الأخرى في الوجود والعيش. وعلى الرغم من ادعائهم الدفاع عن الديمقراطية والحرية والازدهار، إلا أنهم في الواقع يخلقون أزمات إنسانية بإستمرار.

ومن ناحية أخرى، هناك محاولات بناء القاعدة الجغرافية- الاقتصادية والجيو-سياسية لأوراسيا الكبرى، ومشروع الحزام الاقتصادي لطريق الحرير الصيني، وتوسيع منظمة شنغهاي للتعاون (SCO)، وإذا انضمت أنقرة إلى هذه المشاريع، فقد يؤدي ذلك إلى تغيرات جذرية في الجغرافيا السياسية والتوازنات الدولية في غرب آسيا.

إن تقاعس أمريكا عن القيام بإلتزاماتها وإمكانية ظهور بديل عنها في الشرق الأوسط، قد تدفع الأمور نحو تفاقم الصراعات القومية والمذهبية، وولادة وضع جيو-سياسي جديد وتوازن جديد للتخالفات. وبالتالي، فعلى صعيد الرأي العام لشعوب المنطقة، باتت الولايات المتحدة تفقد هيبتها ومصداقيتها بين شعوب الشرق، فسياساتها قائمة على عقوبات طويلة الأمد على الحكومات، لكن الشعوب هي التي تدفع غاليا ثمن ذلك. وبوجودها في مناطق النزاعات ومنها سوريا، تنتهك أمام أنظارها حقوق الإنسان، منتهجة سياسة الفوضى الخلاقة، وإثارة النعرات الإتنية والمذهبية، والتي ساهمت في عملية التغيير الديموغرافي على الأرض، مثلما حدث في عدد من مدن غرب كردستان: عفرين وسري كاني وكري سبي.. إلخ، والتضحية بمستقبل الأجيال الناشئة.

إضافة أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد القوة الوحيد تتفرد بالعالم، كما كانت أيام تفكك المعسكر الاشتراكي، فاليوم تواجهها التنين الصيني والدب الروسي، الأمر الذي يثير مخاوف الولايات المتحدة وحلفائها. ولانستبعد أبدا سقوط الإمبريالية والشركات الإحتكارية الأمريكية على المدى المنظور.

ونتيجة لهذه العوامل وغيرها، ومع تبلور توجهات الإرادة الدولية على الإبقاء على النظام السوري على الأقل في الفترة الحالية، نظرا لعدم إيجاد بديل أفضل من بين صفوف المعارضة، وتصادم المصالح الدولية والإقليمية في سوريا، إرتأت أصحاب القرار البحث عن خطة عمل لإيجاد مخرج للأزمة السورية ولو عبر سَم الإبرة، منبثقة عن ذلك فكرة إنقاذ النظام من خلال خطوتين أساسيتين، الأولى إعادة النظام إلى بعده العربي، وهذا قد تحقق إلى حد كبير، والخطوة الثانية، المصالحة بين دمشق وأنقرة الرافعة الأساسية للمعارضة.

وعلى هذا الأساس، جرت في موسكو يوم 25 أبريل 2023، مفاوضات رباعية بين وزراء دفاع روسيا وإيران وسوريا وتركيا، بهدف وضع برنامج عمل نحو تطبيع العلاقات السورية – التركية. وفي 9 تموز/يوليو من العام نفسه، قال الممثل الخاص للرئيس الروسي للتسوية السورية، ألكسندر لافرينتييف، أنه “من الممكن أن يعقد رئيسا سوريا وتركيا اجتماعاً بحضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتسوية العلاقات السورية – التركية.

في نهاية شهر حزيران، صرح رجب طيب أردوغان إن تركيا منفتحة على مبادرات تطبيع العلاقات وعلى مبادرات التسوية مع سوريا المجاورة. وقبل أيام، قال الرئيس السوري بشار الأسد إن دمشق منفتحة على كل المبادرات الهادفة إلى تحسين العلاقات مع أنقرة، على أساس احترام السيادة السورية. جاء ذلك خلال استقباله في دمشق الممثل الخاص للرئيس الروسي للتسوية السورية ألكسندر لافرنتييف.

مع أن التطبيع بين البلدين، يحتاج لبعض الوقت، حيث هناك جملة من الملفات الشائكة والهواجس المشتركة التي لابد من حسمها من خلال التوافقات السياسية والأمنية والعسكرية في غرف مغلقة، وأهمها الملف الكردي بشكل عام، ومصير الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، وقضية اللاجئين، ومصير المعارضة والإئتلاف، والإنسحاب التركي من الأراضي السورية.. إلخ.

وإزاء هذا الوضع، وتحسبا لما سيجري من تطورات سياسية وعسكرية على الأرض، ماهي الخطوات التي من الضروري القيام بها كرديا في سوريا لمواجهة التحديات المقبلة. ومن أولوياتها، أن تتخلى الإدارة الذاتية عن قرار التفرد بالسلطة، آخذة بعين الإعتبار تجربة إحتلال عفرين، وضرورة القبول بالعودة إلى إتفاقيتي هولير وإتفاقية دهوك، إنطلاقا من مبدأ الشراكة وصياغة مشروع قومي مشترك بين جميع الأطراف السياسية. فالظروف التي تواجدت فيها الإدارة الذاتية، قبل عقد من الزمن، جراء توافقات معروفة آنذاك، لم تعد موجودة الآن.

وحتى تثبت الحركة الكردية وجودها ضمن التوازنات المقبلة، لابد من وضع أهدافا موحدة تعبر عن حقوق وطموحات الشعب الكردي كثاني قومية في البلاد.وبهذا الصدد من الضروري الوقوف على أمر في غاية الأهمية، وهو أن دمشق لا الآن ولا مستقبلا، جاهزة للتفاوض مع الكرد إلا وفق أطر جيو – سياسية محددة خاصة بالحدود الكردية، بمعنى، لن تقبل دمشق التفاوض على مناطق عربية مثل الرقة ودير الزور وغيرها تحت نفوذ قوات سوريا الديمقراطية، وبالتالي، علينا نحن الكرد أن نكون واقعيين في صياغة مطالبنا القومية إنطلاقا من جغرافية كردستان الملحقة بسوريا بما يحمي الأمن القومي الكردي، فحل جميع النزاعات القومية في الدول المتعددة القوميات تتم على هذا الأساس.

فجميع المعارضات العربية في العراق كانت في كردستان وتحالفت مع الكرد ضد النظام في بغداد، وعندما سقط الدكتاتور، توحدت فصائل المعارضة العربية بجميع أصنافها من سنة وشيعة، ووقفت ضد تنفيذ بنود الدستور، ولازالت المناطق الكردية وعلى رأسها كركوك خارج حدود إقليم كردستان، وهذا ما يجب تنبأه أيضا عندنا، عندما يتهيأ ظروفهم بذلك.

وبالتالي، مستثنيا بعض الشخصيات التقدمية والديمقراطية في صفوف المعارضة، لايمكن الرهان على المعارضة العربية،كونها معزولة جماهيريا، وليست لها قاعدة سياسية شعبية ترتكن عليها في الداخل، ولم تعد لها سند إقليمي ودولي إلا جزئيا، ولهذا، قد لانتفاجأ إذا ضحت أنقرة بها في لحظة حاسمة، تلبية لمصالح أمنها القومي التركي.

وهكذا، ومن خلال قرائتنا للأحداث، فنحن أمام حدوث متغيرات متوقعة في التوازنات القائمة على الصعيدين الإقليمي والدولي، فهل نحن مستعدون لمواجهة التحديات القادمة؟، للإنتقال بشعبنا وقضيتنا إلى مرحلة جديدة، تحقيقا لطموحاتنا القومية – الكردايتي، وتعزيزا لمكانة الحركة السياسية الكردية ضمن التوازنات المقبلة في سوريا.

* أكاديمي متخصص في المسألة الكردية والعلاقات الدولية

أنباء إكسبريس

———————–

محاولات القيصر لإصلاح ما أفسده الدهر بين الأسد وأردوغان/ سعيد طانيوس

تؤكد تقارير احتمال حدوث لقاء بين الطرفين في سبتمبر قد يعقد بروسيا أو العراق أو دولة خليجية

الثلاثاء 9 يوليو 2024

ملخص

قبل وقت قصير من بدء الثورات الملونة في الشرق الأوسط رفضت سوريا تنفيذ مشروع طاقة واسع النطاق على أراضيها عبر خط أنابيب الغاز القطري- التركي، وهو ما وجه ضربة قوية متوسطة المدى لخطط وطموحات الدوحة وأنقرة المهتمتين بتنفيذه.

بعيداً من الأضواء والإعلام تبذل موسكو جهوداً كبيرة منذ أعوام طويلة للتوفيق بين أنقرة ودمشق، ويبدو أن مساعيها هذه وجدت آذاناً صاغية أخيراً في كلتا العاصمتين، بعدما بحث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان الأزمة السورية على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون التي انعقدت في مدينة أستانا عاصمة كازاخستان في الثالث من يوليو (تموز) الجاري.

اللقاء في أستانا بين الرئيس التركي وسيد الكرملين المنشغل بالحرب في أوكرانيا ومواجهة الغرب الجماعي كان مقتضباً وقصيراً لكنه فاعل وناجح، إذ أكد أردوغان بعد انتهاء الاجتماع الذي استمر أقل من ساعة بقليل، “إننا نجري دبلوماسية هاتفية، لكن في هذه الأثناء يتواصل وزراؤنا” حول المسألة السورية بانتظام.

وفيما أجرى بوتين وأردوغان محادثات في أستانا حول التسوية في سوريا على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون، تصدرت القضية السورية محادثات رئيسي البلدين. وقالت صحيفة “أيدنليك” نقلاً عن مصادر إن الوفدين العسكريين لتركيا والنظام السوري بوساطة روسية أجريا مفاوضات في قاعدة حميميم الجوية، ويمكن إجراء محادثات جديدة في العراق.

مفاجأة أردوغان

فاجأ الرئيس رجب طيب أردوغان الجميع بقوله بعد اللقاء مع بوتين، إن زيارة محتملة من الرئيس الروسي إلى تركيا قد تمهد الطريق إلى عهد جديد من تقارب أنقرة – دمشق، بحسب ما نقلت عنه محطة “أن تي في” التلفزيونية ووسائل إعلام أخرى قبل أيام.

ونقلت وسائل الإعلام عن أردوغان قوله للصحافيين في رحلة العودة من كازاخستان حيث التقى الرئيس الروسي، “قد ندعو بوتين ومعه بشار الأسد. إذا تمكن السيد فلاديمير من زيارة تركيا فقد يكون ذلك بداية لعملية جديدة”.

ولم يتضح ما إذا كانت الدعوة التي ذكرها أردوغان هي لزيارة الأسد إلى تركيا أم لعقد اجتماع معه في مكان آخر. وقال الرئيس التركي إن مسلحي تنظيم “داعش” الإرهابي وكذلك مسلحي الجماعات الكردية وحدهم من يعارضون تطبيع العلاقات بين تركيا والنظام السوري.

وشدد أردوغان على ضرورة “القضاء على الهياكل الإرهابية بصورة جماعية، وبناء مستقبل سوريا”، الذي لن يتحقق إلا عبر “بناء البنية التحتية الديمقراطية في هذا البلد وتحقيق السلام الشامل لما له من أهمية كبيرة”، وفق قوله.

واعتبر أن الأعوام الماضية التي مرت بالساحة السورية “أظهرت بوضوح للجميع ضرورة إنشاء آلية حل دائمة”، مشيراً إلى أنه “من الضروري أن تنهض سوريا التي دمرت بنيتها التحتية وتشتت شعبها، وأن ينتهي عدم الاستقرار”.

وقال إن “الهدوء الذي تحقق في الآونة الأخيرة على الأرض يمكن أن يفتح باب السلام بسياسات حكيمة ومقاربات خالية من الأحكام المسبقة وتركز على الحل”، مضيفاً أن “عدم الاستقرار في المنطقة، هو الذي يوفر مساحة لتحرك الجماعات الإرهابية”، مثل الوحدات الكردية وحزب “العمال” الكردستاني.

وأردف أن “رياح السلام التي ستهب في دمشق والمناخ السلمي الذي سيعم جميع أنحاء سوريا ضروريان لعودة الملايين من الأشخاص الذين نزحوا إلى دول مختلفة. لقد مددنا يد الصداقة دائماً إلى جارتنا وسنظل نفعل ذلك”.

وتابع، “سنكون دائماً إلى جانب سوريا موحدة ومزدهرة تحت أساس عقد اجتماعي جديد عادل وشامل وكريم. المهم هو أن تبدأ سوريا هذه المصالحة الكبرى وتتعافى في كل المجالات”.

يأتي حديث أردوغان المفاجئ والمتقدم تزامناً مع ما كشفته صحيفة “تركيا” عن لقاء محتمل يجمع أردوغان والأسد في سبتمبر (أيلول) المقبل، موضحة أن الاجتماع قد يعقد في روسيا أو العراق أو إحدى دول الخليج.

وقالت الصحيفة إن بوتين أرسل ممثله الخاص ألكسندر لإفرنتييف إلى دمشق وطلب منه إقناع الأسد بحضور اجتماع قمة شنغهاي للتعاون، مؤكدة أن رئيس النظام السوري أكد استعداده للقاء، لكنه لم يتمكن من الحضور إلى روسيا لأسباب تقنية.

ونقلت عن مصادر قولها إن أنقرة “تريد أن تتم العملية بهدوء، وأن يكون الاجتماع وجهاً لوجه بين القادة، وليس على مستوى الوفود، كما تطلب عدم حضور أي دولة أخرى لهذا الاجتماع”، لافتة إلى أن مكان اللقاء سيحدد بعد زيارة الرئيس الروسي إلى تركيا.

تقارب وسط خلافات كثيرة

تثار القضية السورية بين بوتين وأردوغان بانتظام، لكن العداء بين أنقرة ودمشق لا يزال قائماً، إذ يدعم الكرملين رئيس النظام السوري بشار الأسد، بينما تؤيد تركيا وتمول وتدرب المتمردين السوريين في الأراضي التي استولوا عليها في مناطق الشمال.

سعى بوتين من دون جدوى خلال الأعوام الأربعة الأخيرة إلى مصالحة أردوغان مع بشار الأسد. وعلى رغم أن هذه القضية أثيرت مرات عدة وبذلت فيها موسكو جهوداً حثيثة، فإنها لم تصل إلى خواتيمها المرجوة قط، فيما أخذ العراق زمام المبادرة الآن في مساندة الجهود الروسية للمصالحة، فحمل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني على عاتقه مهمة خلق أساس للمصالحة والحوار بين الطرفين.

لكن التجربة أثبتت حتى الآن في الأقل أن الجهود والضغوط الخارجية ليست ضمانة للنجاح، كما أظهر فشل الوساطة الروسية لغاية اليوم أن الفجوة بين مطالب أنقرة ودمشق واسعة للغاية إذ لم يتمكن بوتين من ردمها وإن كان استطاع تضييقها إلى أقصى ما هو ممكن، ومع ذلك لم تسفر المفاوضات عن تقدم حاسم ولا عن نتائج محققة، لأن نظام الأسد يشترط على أنقرة للسير بالمصالحة سحب قواتها من الشمال السوري والتوقف عن دعم المعارضة، فيما تدعو أنقرة دمشق إلى مساعدتها في إخضاع القوات الكردية، وهو ما لا يستطيع نظام الأسد القيام به.

وساطة إيران خلف الكواليس

كشف رئيس الوزراء العراقي لوسائل الإعلام التركية في الـ31 من مايو (أيار) الماضي، أن هناك وساطة إيرانية حثيثة بين أنقرة ودمشق لكنها بعيدة من الأضواء، مضيفاً أن أردوغان والأسد يؤيدان الحوار. ويعتقد السوداني المقرب من سوريا وإيران الذي يسعى إلى تعزيز مكانته الدولية من خلال العمل وسيطاً، أنه قادر على النجاح في ما فشل فيه الآخرون.

الوساطة الروسية تعثرت عام 2023 بعد عامين من الجهود الكثيفة، وسط مطالبة الرئيس الأسد بدعم من موسكو وطهران، بانسحاب القوات التركية من سوريا كشرط مسبق لتطبيع العلاقات، لكن أنقرة رفضت الامتثال لذلك قبل الاتفاق على سلة كاملة وجامعة من الإجراءات المتبادلة والشروط المتقابلة.

بحسب صحيفة “الوطن” الناطقة بلسان النظام السوري، فإن اجتماعاً بين دمشق وأنقرة سيعقد في بغداد، في المستقبل القريب لكن من دون موعد محدد، وهذا الاجتماع سيفتح الباب أمام عملية طويلة من المفاوضات قد تؤدي إلى اتفاقات سياسية ذات نتائج ملموسة. وقالت مصادر للصحيفة، إن أنقرة طلبت من موسكو وبغداد الجلوس إلى طاولة الحوار الثنائي مع دمشق، من دون حضور أطراف ثالثة وبعيداً من وسائل الإعلام، للنظر في كل الجوانب الرامية إلى إعادة العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها.

صحيح أن وساطة العراق لم تكن كافية لولا دعم روسيا وإيران ودول الخليج، لكن يد إيران محسوسة بقوة خلف الكواليس، على اعتبار أن أي ذوبان لطبقة الجليد المتراكمة بين تركيا والنظام السوري سيكون بمثابة انتصار لطهران، وسيعزز نفوذها الإقليمي ويزيد من أهميتها بالنسبة لدمشق.

ومع ذلك، تحرص طهران على ضمان ألا تصبح أنقرة منافساً مرة أخرى في سوريا، التي تستخدم إيران أراضيها بمثابة جسر عبور بري بين طهران و”حزب الله” لتسليحه وإمداده بكل ما تملك يمناها، كونها على يقين شبه كامل بأن المواجهة القاسية بين الجماعة اللبنانية وإسرائيل قادمة لا محالة عاجلاً أم آجلاً، وبغض النظر عما ستؤول إليه الأمور في غزة ومن سيفوز بحرب الاستنزاف وبلعبة عض الأصابع الجارية هناك منذ أكثر من تسعة أشهر.

موقف الأسد

بعد ثلاثة أسابيع من تصريح رئيس الوزراء العراقي، أعلن بشار الأسد أنه يؤيد التفاوض مع تركيا من دون أن يطرح، للمرة الأولى انسحاب قواتها من شمال سوريا كشرط مسبق. وقال للممثل الخاص للرئيس الروسي ألكسندر لإفرنتييف في الـ26 من يونيو (حزيران) الماضي، “دمشق منفتحة على أي مبادرات تتعلق بالعلاقات السورية – التركية إذا كانت مبنية على احترام سيادة دولتنا على كامل أراضيها”.

ورد الرئيس التركي في الـ28 من يونيو الماضي، قائلاً “لا نرى أي عوائق أمام إعادة العلاقات مع دمشق”. في ذلك اليوم، ألقى رجب طيب أردوغان خطابه التقليدي في مسجد الإمام علي في إسطنبول، وقال “كان هناك وقت عندما كنا قريبين جداً من سوريا، عندما التقينا كعائلة واحدة مع الأسد”.

تغيير النغمة

وفي عام 2009 كانت العلاقات بين الزعيمين ودية للغاية، إذ استضاف أردوغان وزوجته أمينة عائلة الأسد لقضاء عطلة في بودروم على ساحل بحر إيجه. وكانت التجارة أيضاً في ذروتها لكن الصراع الدموي المرير بين النظام السوري والمعارضة عامة، و”الإخوان” منها على وجه الخصوص في عام 2011 أجبر أنقرة الحاضنة لهذه الجماعة على قطع علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق.

وتشير التصريحات الأخيرة للرئيس التركي ورئيس النظام السوري إلى تغير في اللهجة. بالنسبة لأردوغان تنبع الحاجة إلى تجديد العلاقات مع بشار الأسد من عبء اللاجئين السوريين، إذ استقبلت تركيا 3.2 مليون شخص في 10 أعوام وتصاعدت الحساسيات بينهم وبين الأتراك إلى درجة الاشتباك بالسلاح الأبيض وعمليات تكسير وضرب ونهب.

ويقول الدبلوماسي والمدير التركي السابق سنان أولغن “هذه مشكلة اجتماعية وسياسية تفاقمت بسبب الانكماش الاقتصادي في البلاد. وهذا ما أدى إلى هزيمة الحزب الحاكم في الانتخابات البلدية في الـ31 من مارس (آذار) الماضي”.

ويعتبر مركز الأبحاث المستقل “إيدام” في تركيا، أنه “لهذا السبب فإن الحكومة ملزمة الآن بوضع حل يسمح لهؤلاء اللاجئين بالعودة بأمان وطوعية إلى سوريا. الطريقة الوحيدة لبدء هذا الإجراء هي التوصل إلى اتفاق مع بشار الأسد، الذي من دونه لن يكون هناك أي حل ولا فرصة حقيقية لعودة هؤلاء الأشخاص إلى ديارهم، ولهذا السبب هناك استعداد جديد لبدء المفاوضات مع دمشق”، لكنه يعتبر أن العملية ستكون طويلة وصعبة.

شمال سوريا… وأزمة اللاجئين

وفي إشارة إلى أن الوضع قد تقدم قليلاً أعادت تركيا يونيو الماضي فتح معبر أبوزندين قرب الباب، الذي يربط المناطق التي تسيطر عليها في شمال سوريا بالمناطق التي تديرها حكومة النظام السوري شرق حلب. إلى ذلك، وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان يجري العمل على توسيع الطريق السريع الذي يربط مدينة غازي عنتاب التركية بمدينة حلب السورية التي تسيطر عليها دمشق.

ووفقاً لأحد المراقبين المطلعين، فإن التقارب بين دمشق وأنقرة قد يقتصر على التجارة. ويعد التعاون الاقتصادي الوثيق بين الجارتين مغرياً لبشار الأسد، الذي تعرض اقتصاده للدمار بسبب الحرب والعقوبات الدولية. ومن الممكن أن تستفيد دمشق من استئناف حركة المرور على الطرق الرئيسة والمعابر الحدودية.

غير أن احتمال استعادة العلاقات الطبيعية لا يناسب معظم المتمردين السوريين الذين يعيشون في المناطق الشاسعة التي تسيطر عليها أنقرة في شمال سوريا. لقد اندلعت اشتباكات بين القوات التركية والمتظاهرين السوريين الأحد الـ30 من يونيو والإثنين الأول من يوليو (تموز) الجاري مما أدى إلى مقتل سبعة أشخاص.

آنذاك أحرق سوريون العلم التركي رداً على الهجمات التي تعرض لها أفراد الجالية السورية الذين لجأوا إلى تركيا، ولكن هذا ليس كل شيء، ففي الواقع لعب احتمال التقارب بين أنقرة ودمشق دوراً كبيراً في إشعال فتيل الأزمة. في ذلك اليوم، تعرضت القوات التركية التي تسيطر على جزء من أراضي الشمال السورية لنيران غير مسبوقة من حلفائها السوريين، الجيش الوطني السوري و”هيئة تحرير الشام”، التي كان من المفترض أن تساعدهم على الاحتفاظ بأراضي الشمال.

ونهاية الشهر الماضي، اقتحم متظاهرون غاضبون معبر أبوالزندين الذي أعيد فتحه أخيراً، ودمروا المعدات وطالبوا السلطات المحلية بإغلاقه. وأظهرت صور منشورة على مواقع التواصل الاجتماعي آثار قصف مدرعات تركية وهجمات على بعض المواقع التركية في عفرين وأعزاز شمال حلب. وفي أحد مقاطع الفيديو، يمكن سماع سوريين معارضين وهم يقولون للجنود الأتراك الذين يدافعون عن الموقع “أنتم تبيعوننا لبشار الأسد”.

فرصة للمصالحة… ولكن!

قال الممثل الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لإفرنتييف، إن “الفرصة (للمصالحة) موجودة دائماً. دافعنا دائماً وحتى في السابق عن إمكانية تنظيم مثل هذا الاجتماع، لكن… يبدو أن الظروف في ذلك الوقت لم تكن ناضجة بعد لذلك”.

ومع ذلك، يبدو أن الظروف تنضج بصورة حادة. وتنشط السلطات التركية في نشر معلومات تفيد بأن الاجتماع بين الأسد وأردوغان قد يعقد في المستقبل القريب جداً.

صحيح أن هذا الاجتماع يتعارض في الواقع مع كل خطابات وأفعال الرئيس التركي على مدى الأعوام الـ14 الماضية. فمنذ عام 2011، أي منذ بداية الحرب الأهلية السورية، اتهم رجب طيب أردوغان الأسد مراراً وتكراراً بارتكاب كل الخطايا المميتة، من دعم الإرهاب (ممثلاً في تنظيم “داعش”) إلى الشعار الغربي التقليدي “تلويث أيديه بالدماء”. ونادى الرئيس التركي بأعلى صوته وبكل قواه بضرورة إطاحة بشار الأسد وأن النهاية السلمية للصراع السوري يجب أن تشمل “سوريا من دون الأسد”. واتهم الرئيس السوري باستخدام الأسلحة الكيماوية ووصفه بـ”الجثة السياسية”.

لكن الآن وبعد فشل كل الحروب في إزاحة الأسد، قرر أردوغان فجأة أن يضع جانباً هذه الأعوام من الاتهامات والإهانات. ورداً على سؤال “اندبندنت عربية” لإفرنتييف” حول اللقاء المحتمل بين الأسد وأردوغان على رغم كل الإهانات والتوصيفات، قال “لا مظالم ولا سخط في السياسة”. وأشار إلى الاستعداد لنسيان كل المظالم وتذكر ما حدث قبلها، ففي العقد الأول من القرن الـ21، نذكركم، قضت عائلتا أردوغان والأسد إجازة معاً أكثر من مرة.

شريك أردوغان في الائتلاف الحاكم، دولت بهجلي (الذي تطرح من خلاله السلطات التركية بانتظام أفكاراً مختلفة للتحقيق العام)، دعا الحكومة إلى “خلق فرصة” لعقد اجتماع بين قادة تركيا والنظام السوري وبدء مفاوضات ثنائية.

نعم، ليس الجميع في تركيا يؤيدون فكرة مثل هذا الاجتماع – المصالحة. ومن بينهم جزء من ناخبي أردوغان، الذين يعارضون حكم الأسد ويدعمون المعارضة السورية بسبب آرائهم الدينية. وسيتذكر معارضو الرئيس التركي الاتهامات المختلفة الموجهة للأسد ويشككون في سمعة أردوغان بسبب قراره التراجع فجأة عن كلامه.

ويوضح ياشار نيازباييف مؤسس قناة “أجندة تركيا” على قناة “تيليغرام”، لصحيفة “فزغلاد” الروسية أن المعارضة الداخلية تستخدم هذا الاستياء لتشويه سمعة أردوغان. “ومع ذلك لا يزال هذا موقف الأقلية”، فغالبية الأتراك يؤيدون التطبيع الذي يعتمد في المقام الأول على البراغماتية المبتذلة.

عدو العدو

على سبيل المثال بسبب عدم إمكانية الوصول إلى المهمة الأصلية دعونا نتذكر أنه في بداية الحرب الأهلية، كان هدف تركيا هو تكرار السيناريو المصري في سوريا أي تحقيق إطاحة النظام القومي العلماني لبشار الأسد واستبداله بحكم “الإخوان” الذين يعتبرهم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا من الإسلاميين السنة المعتدلين الموالين لأنقرة وأردوغان شخصياً. ومع ذلك والآن بعد أن سيطرت حكومة بشار الأسد بثقة على معظم أنحاء البلاد، أصبح هذا الأمر حلماً بعيد المنال، وهذا يعني أن الاستمرار في اتباع هذا الخط لا طائل من ورائه، ولا يجلب إلا تخريب علاقات تركيا بجيرانها الأقربين والأبعدين.

إضافة إلى ذلك تحتاج تركيا إلى مفاوضات مع دمشق من أجل خروج غير مهين من المغامرة السورية. نعم لقد سمحت موسكو وطهران لأنقرة (التي كانت في البداية واحدة من الرعاة الرئيسين للمسلحين السوريين) بالدخول إلى الثلاثي الذي حدد وجه سوريا ما بعد الحرب، لكن أنقرة لا تستطيع العمل بفعالية ضمن إطار هذا الثلاثي وحماية مصالحها بسبب وكلاء تركيا في إدلب، الذين يتحمل أردوغان المسؤولية عنهم.

لا يستطيع أردوغان أن يستضيف هؤلاء الذين يبلغ عددهم عشرات آلاف المسلحين (وإذا أخذنا في الاعتبار عائلاتهم، أكثر من 100 ألف شخص) في أراضي بلاده، فالمتشددون الأصوليون لا يجيدون فعل أي شيء آخر غير القتال. ومن المستحيل أيضاً التخلص منهم في الصراعات الإقليمية واعتبارهم “وقوداً للمدافع”.

ومن المستحيل أيضاً تسليمهم إلى بشار الأسد للانتقام منهم، وذلك لأسباب سياسية تركية داخلية في المقام الأول، فجزء كبير من المسلحين في شمال سوريا هم من التركمان، وهم جزء مما يسمى العالم التركي. وسوف ينظر ناخبو أردوغان إلى استسلامهم بالطريقة نفسها التي ينظر بها الناخبون الروس إلى استسلام بيلاروس لأوكرانيا. لذلك، أمام تركيا الآن خيار واحد فقط هو إبقاء جزء كبير من شمال سوريا تحت سيطرتهم، وهذا يستدعي تقديم دعم مادي للمسلحين هناك من جيوب دافعي الضرائب الأتراك الذين يعانون تضخما متسارعاً وركوداً اقتصادياً متفاقماً.

وأخيراً، يحتاج رجب أردوغان ببساطة إلى مساعدة الأسد في محاربة الأكراد السوريين على المستويات العسكرية والسياسية والاستخباراتية وما إلى ذلك أي بالضبط تقديم نفس المساعدة التي وفرتها دمشق لأنقرة ضد الأكراد قبل بدء الحرب الأهلية السورية.

المصالحة ومصالح الأسد وأردوغان

أما بالنسبة لموقف دمشق من المفاوضات، فتداول عدد من وسائل الإعلام التركية، في الـ23 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تقارير تقول “الأسد يرفض مصافحة أردوغان”. ومع ذلك، إذا قرأت نصوص المقالات نفسها، فيمكنك أن ترى أن الأسد رفض فقط مقابلة الوفد التركي في دمشق، واقترح تنظيم هذا الحدث “في بلد ثالث” (أي ببساطة في روسيا). وهذا منطقي، فالنظام السوري أيضاً في حاجة إلى التطبيع مع القيادة التركية. هناك مرة أخرى أكثر من سبب لذلك.

بالتالي، إذا عادت العلاقات بين أنقرة ودمشق إلى طبيعتها، فإن العمليات العسكرية التركية في شمال سوريا قد تدخل مجال التنسيق العسكري والأمني المشترك، وتحصل على بعض الشرعية المعدومة دولياً. فبعد أن رفض الأكراد السوريون مقترحات عديدة من موسكو ودمشق لترك المظلة الأميركية والعودة إلى المجال العسكري القانوني السوري، قرروا بأنفسهم مصيرهم.

ويمكن لدمشق أن تنظر إلى العمليات التركية ضد الأكراد على أنها صراع قوة خارجية ضد حلفاء الولايات المتحدة إذا نسقت أنقرة هذه العمليات مع دمشق وأعطت ضمانات بأن هذه الأراضي لن تكون تحت سيطرتها طويل الأمد.

إضافة إلى ذلك، في حال التطبيع، سيتم وضع آلية للعودة السلمية للأراضي التي تسيطر عليها تركيا إلى نفوذ النظام السوري. نعم، الآلية طويلة وغير مؤلمة، وترتبط بعدد من التنازلات (على سبيل المثال، ضمانات عدم محاكمة المسلحين الموالين لتركيا)، ولكن في الواقع، لا يوجد بديل، إذا لم تأخذ في الاعتبار سيناريو حرب تركية- سورية كبرى. وأخيراً، يحتاج بشار الأسد إلى تركيا لتحقيق التوازن في السياسة الخارجية.

ويخشى عدد من السياسيين السوريين من أعباء خطرة بسبب اعتماد البلاد المفرط، في رأيهم، على إيران، لذلك يحاول النظام في دمشق تنويع العلاقات الخارجية، بما في ذلك من خلال استعادة تطبيع العلاقات مع السعودية والإمارات وتركيا.

أما بالنسبة لموقف روسيا، فإن موسكو ليست مستعدة فقط لتوفير منصة لمفاوضات دمشق- أنقرة (وربما لعقد قمة بين الأسد وأردوغان)، ولكنها أيضاً مهتمة للغاية بإكمال هذه العملية بنجاح. إن تطبيع العلاقات بين النظام السوري وتركيا سيؤدي إلى إضعاف وحتى إزاحة النفوذ الأميركي من سوريا، وسيصبح أيضاً حافزاً جدياً لعملية التسوية السياسية (نظراً لأن المسلحين الموالين لأنقرة هم القوة الأساسية في معسكرات معارضي الأسد). والتسوية السياسية بدورها هي العنصر الثاني (إلى جانب العنصر الأول المتمثل في التدمير الكامل لتنظيم “داعش”) لإتمام المهمة الروسية في سوريا بصورة كاملة وناجح.

حسابات الحقل والبيدر

تظهر سياسات أنقرة المتباينة من الصراع العربي- الإسرائيلي ومن ثورات ما سمي “الربيع العربي”، أن الهدف النهائي للسياسة التركية الحديثة في الشرق الأوسط، لا يتمثل في إيجاد حلول للأزمات الكثيرة التي تعصف بالمنطقة، ومنها الأزمة السورية التي ما زالت مستعصية على الحل، بل يتمثل في الحصول على أكبر عدد ممكن من الأفضليات من عمليات التسوية السياسية والاستفادة منها في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من المجد العثماني الغابر، الذي ما زال حياً في قلب وعقل “السلطان” رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا.

وفي هذا السياق، فإن انتقال تركيا الجزئي إلى فلك الصداقة المصلحية الموقتة مع موسكو، جعل أنقرة أكثر قابلية للتفاوض، من ناحية، ومن ناحية أخرى زاد من أهميتها الإقليمية، وفي الوقت نفسه ضاعف طموحاتها المتضخمة بالفعل، وهذا هو سبب السياسة التركية في سوريا إلى حد كبير التي تتمايل مثل البندول.

وهكذا، وبوساطة روسيا جلست تركيا لأول مرة على طاولة المفاوضات نفسها مع منافسها الجيوسياسي المتمثل في إيران، واتخذت مع موسكو عدداً من التدابير ذات الأهمية الأساسية في مجال الأمن الذي على ما يبدو، كان ينبغي أن تطلق عملية تقارب تركيا والنظام السوري، لكن تصرفات الجمهورية التركية في إدلب السورية، آخر منطقة يتركز فيها مقاتلو المعارضة المسلحة، تشير إلى أن أنقرة لا تنوي تقديم تنازلات مؤلمة وكبيرة في شأن القضية، علاوة على ذلك، لا ترغب كثيراً في إجراء حوار مباشر مقرون بشروط مسبقة مع دمشق الرسمية. وكثيراً ما يستفز قوات الجيش النظامي لاشتباكات جديدة.

ومن المهم خصوصاً أنه من أجل إظهار نفوذها، أهملت تركيا التزاماتها تجاه روسيا من خلال عدم انسحاب الهياكل العسكرية المعارضة التي تنفذ عمليات عسكرية ضد الجيش النظامي السوري من منطقة إدلب منزوعة السلاح، حتى إنها تسمح من حين لآخر لهؤلاء المسلحين بشن هجمات ضد مواقعه وكذلك ضد مواقع الجيش الروسي في قاعدة حميميم وهذا ينذر بتصعيد خطر للصراع.

ومن يذكر أن تصرفات القوات المسلحة التركية فوق الأراضي السورية لا تعرض للخطر عملية السلام نفسها فحسب، بل تعرض أيضاً الاتفاقات الروسية – التركية التي توصل إليها سابقاً لأزمة، التي كان الطرفان يعملان عليها لأعوام عدة.

في سياق الحقائق القائمة اليوم، يمكن القول إنه بمرور الوقت ستضطر تركيا إلى تخفيف سياستها تجاه “سوريا الأسد” بغض النظر عن الموقف غير المرن الذي تلتزم به أنقرة الرسمية. وتدرك الدوائر السياسية والمحللون أن العداء المستمر على الحدود يتطلب إنفاق كميات كبيرة من الموارد وتقويض الاستقرار الداخلي في المناطق المجاورة. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن حزب العدالة والتنمية الحاكم وأردوغان شخصياً باتوا يشعرون باستخدام المعارضة التركية الملف السوري ضدهم وتحقيق مكاسب انتخابية بسبب هذا الأمر، لذلك يسعون إلى استبدال السياسة العدائية بقوة سياسية تهدف إلى بناء علاقات ثنائية بناءة مع دمشق تكون أكثر فائدة للجانبين.

الحلول تفاوضية وليست عسكرية

مثل معظم الصراعات بين الدول يقوم الصراع التركي- السوري على تضارب المصالح والتناقض بين القيم الأساسية للأطراف المعنية. ويعتمد تفاعل الصراع بين البلدين على النزاعات الإقليمية التي لم يتم حلها، ومشكلة استخدام الموارد المائية والآراء المتعارضة حول الحقائق السياسية القائمة والمناهج المختلفة لتشكيل نظام أمني إقليمي وقضية اللاجئين، إضافة إلى عدد من العوامل الأخرى التي تزيد من تعقيد التفاعل الثنائي بين الدول وجذورها في الماضي البعيد.

المسار السياسي في تركيا خضع لتغييرات لأسباب عدة، أولاً، كانت جمهورية تركيا تعتمد إلى حد كبير على زملائها الغربيين ولم تر الفرصة لاتباع سياسة تتعارض معهم، مع الحفاظ على علاقات الحلفاء، ثم ثانياً، بذلت أنقرة بالفعل محاولات للوصول إلى المستوى فوق الإقليمي للتنمية، معتبرة نفسها زعيمة المنطقة بلا منازع، وبدأت قيادة البلاد تعد “الربيع العربي” فرصة مناسبة لتعزيز نفوذها وصورتها، إضافة إلى “القوة الناعمة” والآليات السياسية، في هذا السياق، بدأ استخدام العامل الديني بشكل أكثر نشاطاً، الذي أصبح الآن أداة إضافية لأنقرة للضغط على الدوائر الإسلامية – بمجرد انضمام حزب العدالة والتنمية العلماني إلى “الجبهة السنية”، لإحياء القيم الإسلامية، وفي الوقت نفسه قدم ادعاءات ضد دمشق في ما يتعلق باضطهاد السكان السنة من قبل الحكومة العلوية في سوريا.

إضافة إلى ذلك، ربما يكون قرار أنقرة بتغيير شراكتها مع دمشق إلى المواجهة قد تأثر أيضاً بظرف آخر يؤثر بصورة مباشرة على المصالح الاقتصادية الاستراتيجية للبلاد. وقبل وقت قصير من بدء الثورات الملونة في الشرق الأوسط، رفضت سوريا تنفيذ مشروع طاقة واسع النطاق على أراضيها وهو خط أنابيب الغاز القطري- التركي، وهو ما وجه ضربة قوية متوسطة المدى لخطط وطموحات الدولتين المهتمتين بتنفيذه. وفي وقت لاحق، كان البلدان تركيا وقطر هما اللذان وحدا قواهما لإنشاء أكبر قاعدة للمعارضة السورية، الائتلاف الوطني للمعارضة والقوى الثورية. ودعت علناً إلى إطاحة حكومة الأسد من طريق دعم خصومه.

تركيا اليوم ليست قادرة على مسايرة مصالح حلفائها في الغرب على حساب مصالحها، كما أن موجة “الربيع العربي” انتهت إلى خريف إقليمي قاحل. فشلت سياسة تركيا في بناء علاقات عقلانية خالية من الصراع مع جيرانها في تلك السنوات، وأدت إلى ظهور تناقضات جديدة مع الدول المجاورة.

بمرور الوقت، جرى استبدال الأفكار السلمية جزئياً لوزير الخارجية الأسبق داود أوغلو بأفكار أردوغان التي تعكس طموحاته الإمبراطورية ورغبته في الدخول في التاريخ كمصلح عظيم. وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن داود أوغلو لم ينكر في أعماله دور تركيا المهم في المنطقة، مشدداً على فكرة أن لها مستقبل كقائد ليس فقط للعمليات الإقليمية، بل أيضاً للعمليات العالمية. ومع ذلك، إذا اعتمد وزير الخارجية التركي الأسبق بصورة أساسية على الدبلوماسية عند تبرير أفكاره، فإن أردوغان مؤيد لـ”القوة الصارمة” ويفضل استخدام أساليب أكثر تطرفاً، لا سيما الأساليب العسكرية لتحقيق أهدافه.

علاوة على ما سبق، فإن من وجهة نظر بعض الباحثين الأتراك، فإن “نقطة التحول” في العلاقات التركية- السورية الحديثة لم تأت خلال الانتفاضات العربية، بل في عام 2012 نتيجة حادثة طائرة عسكرية تركية من طراز “أف-4” أسقطها الجيش السوري لخرقها المجال الجوي لسوريا، إضافة إلى ذلك، كان عاما 2012 و2013 مصحوبين بهجمات بالقنابل على المناطق الحدودية لتركيا، وعلى وجه الخصوص، تعرضت سانليورفا وريحانلي الواقعتان على الحدود لإطلاق النار، مما أدى إلى تفاقم الوضع غير المستقر بالفعل في المنطقة.

هل تحتاج روسيا لاستراتيجية جديدة في الشرق الأوسط؟

أول ما يتبادر إلى الذهن هو (لماذا؟)، ويبدو أن روسيا تتعامل مع الأمر بطريقة أن كل شيء يسير على ما يرام، وفي بعض النواحي أفضل من ذي قبل، أي في عهد الاتحاد السوفياتي.

والسؤال، هل كان يمكن أن نتخيل من قبل على سبيل المثال مثل هذا التعاون الوثيق بين روسيا وإسرائيل مع الحفاظ على علاقات الثقة مع فلسطين، وعلاقات التحالف مع سوريا وتطوير التفاعل مع إيران التي أطلقت على الاتحاد السوفياتي لقب “الشيطان الصغير”؟

وهل كان يخطر على بال أحد القادة السوفيات أن يطلق على السعودية صفة الشريك الاستراتيجي، كما فعل نائب رئيس الحكومة الروسية ألكسندر نوفاك مراراً وتكراراً؟

ببساطة الحياة لا تقف ساكنة. إن الشرق الأوسط يتغير بسرعة وعلى القدر نفسه من الأهمية فإن موقعه في العالم يتغير. إن روسيا والوضع المحيط بها في ديناميكيات مستمرة وكذلك وظائفها الإقليمية والعالمية.

الجواب على سؤال هل تحتاج روسيا لاستراتيجية جديدة في الشرق الأوسط؟ يتمثل بمضمون العمل المستمر لتحسين وتوضيح وتغيير النمط الهيكلي والوظيفي للاستراتيجية الروسية في الشرق الأوسط.

الأولويات الرئيسة للسياسة الداخلية والخارجية الروسية تقع ربما خارج منطقة الشرق الأوسط، لكن هذه المنطقة كانت تاريخياً وما زالت مهمة جداً للأمن القومي الروسي، لذلك ليس من المفاجئ ولا من باب الترف أن تجهد موسكو من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من نفوذها المفقود في المنطقة، وأن تبذل على رغم انشغالها بالحرب في أوكرانيا أقصى ما يمكنها من الجهود لترتيب مصالحة بين دمشق وأنقرة أساسها إعادة ربط ما انقطع بين رئيسي البلدين وإصلاح ما أفسده الدهر والسياسة بينهما.

اندبندنت عربية

—————————

الأمن والسلامة في هواجس السوريين ومعاناتهم/ فايز سارة

التدقيق في خريطة الانتشار السوري يكشف الهموم الأساسية، التي ترزح تحتها غالبية السوريين، وأبرزها تقع تحت أربعة عناوين، أولها السعي إلى السلامة والأمن، والثاني تلبية احتياجات العيش الأساسية من عمل وسكن وغذاء وطبابة، والثالث الوصول إلى حل للقضية السورية، وإنهاء معاناتهم، وإعادة بناء بلدهم وحياتهم بما ينسجم مع طموحاتهم من جهة وتضحياتهم الهائلة، ورابع العناوين يتضمن معالجة ملفات ملحة، تتصل بأغلب السوريين، وأبرزها ملف المعتقلين والمختفين قسراً والكشف عن مصيرهم، وملف اللاجئين والمهجرين الذين ينبغي أن يعودوا إلى بيوتهم وممتلكاتهم وأماكن عيشهم الأساسية، وتشكل معالجة كل هذه الأمور مدخلاً لأي عملية سياسية تتعلق بمستقبل سوريا.

ويحتل الداخل السوري الحيز العددي الأهم في خريطة الانتشار السوري رغم الهجرة الكثيفة التي حصلت في سنوات العقد الماضي، وتقاسم سيطرة ثلاث من سلطات الأمر الواقع السيطرة عليه بدعم ومساندة قوى دولية وإقليمية. حيث تدعم إيران وروسيا النظام السوري في القسم الرئيس من الداخل، وتدعم الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الأوروبية الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا، التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بمشاركة بعض القوى السياسية والعشائرية المحلية، فيما تدعم تركيا منطقة شمال غرب سوريا، وتتشارك السيطرة فيها الحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف الوطني وحكومة الإنقاذ التابعة لـ«هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً).

ويعكس تقاسم سيطرة قوى الأمر الواقع ما عاشه سكان الداخل من صراع على امتداد 12 عاماً مضت، ورغم توقف العمليات العسكرية بين الأطراف منذ سنوات، فإن معارك واشتباكات تندلع بأي وقت على خطوط المواجهة وعبرها، كما يحصل بين الإدارة الذاتية ومناطق السيطرة التركية في عمليات، لا تصيب الأهداف العسكرية فقط، بل أهدافاً مدنية، بما فيها أسواق ومدارس ومناطق سكنية في شمال شرقي وغربي سوريا على السواء، وتتكرر كلها في هجمات جوية، تقوم بها القوات الروسية في شمال غربي سوريا، كما تحصل أحياناً اشتباكات على خطوط التماس بمشاركة الإيرانيين بين مناطق النظام ومناطق السيطرة التركية.

ولا تمثل المعارك والاشتباكات البينية إلا بعض ما يثير هواجس السلامة والأمن لدى السوريين في الداخل. بل تضاف إليها أعمال إجرامية، تحصل في كل المناطق بواسطة أطراف، بينها قوى سيطرة الأمر الواقع من جماعات مسلحة وأجهزة مخابرات، تقوم بعمليات خطف واعتقال واغتيال وقتل تحت التعذيب، لا نواظم لها وفيها سوى الإرهاب وإخفاء الآخرين وإشاعة الفوضى، وتجاوزت الأعمال الإجرامية الأهداف التقليدية، واستهدفت أحياناً بشكل مكشوف أركاناً وشخصيات معروفة في سلطات الأمر الواقع، والأمثلة كثيرة.

ولا يقتصر الانشغال بهواجس السلامة والأمن على السوريين في الداخل، بل هو ممتد إلى الدول المحيطة بسوريا، وخاصة تركيا ولبنان، حيث فيهما أكبر عدد من السوريين في الشتات، ويعيش في الأولى نحو 3.5، ويقيم في الثانية نحو 1.5 مليون نسمة، وتم تصعيد النزعات العنصرية في البلدين ضد السوريين في السنوات الأخيرة، واتخذت أشكالاً عنيفة خارج القانون، هددت بصورة مباشرة وغير مباشرة حياة السوريين، لما تضمنته من قتل واختطاف واعتقال وترحيل وتدمير ممتلكات، وأضافت إليها السلطات اللبنانية تسليم لاجئين مطلوبين للنظام السوري. إن الأسوأ في ما عاشه، ويعيشه السوريون في تركيا ولبنان، هو تحويل موضوع اللاجئين السوريين في البلدين إلى قضية متصلة بالسياسة الداخلية وصراعات الجماعات السياسية والسلطة على كسب الأصوات الانتخابية.

ولئن كانت هواجس السلامة والأمن شديدة على السوريين في الداخل، فإنها أكثر شدة في لبنان وتركيا. ففي الداخل، كانت هناك خيارات متصلة بالظروف والقدرات، تتراوح ما بين الانتقال بين المناطق والهجرة للخارج، إضافة إلى مسايرة قوى الأمر الواقع ومنظوماتها العسكرية والأمنية تأميناً على الأرواح والممتلكات، وكلها أمور غير ممكنة تقريباً في الحالة الثانية، ليس فقط بسبب محدودية قدرات اللاجئين وهشاشة وضعهم في البلدين، وحجم وإمكانات قوى التهديد ووحشيتها، التي ليس من سبيل لمقاومتها أو مسايرتها، ما جعل السوريين في البلدين يسعون للخلاص من التهديدات والجرائم، ولو بالعودة إلى الداخل، الذي يحمل في جانب منه إمكانية الاعتقال.

مأساوية الواقع المحيط بالسوريين في الداخل ودول الجوار لم يحظَ بقدر مناسب من اهتمام المؤثرين في الملف السوري من دول وكيانات وشخصيات من المستويات المحلية والإقليمية والدولية، وكأن ما يحدث يتصل بعالم آخر غير الذي نعيش فيه، وخارج شعارات وقيم الحرية والحق والعدالة وحقوق الإنسان وقوانين حماية اللاجئين. والسؤال الأساسي: ما هي الأسباب التي جعلت الموقف يصير على هذا النحو؟ هل هي اللامبالاة، أو العجز، أو الموافقة على ما يحدث، أو غير ما تقدم كله؟

الشرق الاوسط

————————–

المنظومة الإخوانية تنتظر نشاطا في تركيا/ محمد أبوالفضل

الروح الإخوانية موجودة في وسائل الإعلام القريبة من تركيا كما هي في وسائل الإعلام القريبة من قطر أو التابعة لها ما يعني عدم استبعاد حدوث نشاط إخواني في المدى المنظور.

السبت 2024/07/13

تركيا تحتفظ بورقة الإخوان ليوم أسود

من يراقب أداء الإعلام التركي المباشر أو المدار من جانب عناصر تنتمي إلى جماعة الإخوان وكان من أهم أدوات استهداف النظام المصري، يشعر بأن الخطوات التي اتبعتها أنقرة لكبح جماحه بعد إعادة العلاقات الدبلوماسية تسير بطريقة عقيمة أو يتم التعمد في وضع العثرات أمامها، وقد تكون تركيا أوقفت برامج ورحّلت إعلاميين، لكنها لم تعالج الموقف بصورة قاطعة، وهو ما ترك غصة في حلق القاهرة.

ولا تزال مصر لديها شكوكها الخفية في نوايا أنقرة وتتعامل بحذر معها، وهناك شواهد تؤكد أن العلاقات تسير بوتيرة خجولة، ولم تدخل إلى المربع الذي كان من المتوقع لها، ولم تتقدم العلاقات بين البلدين كثيرا عقب زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان إلى القاهرة، وتلاها عدم قيام الرئيس عبدالفتاح السيسي بزيارة إلى أنقرة أعلن عنها أكثر من مرة، كما أن القضايا الإقليمية الخلافية لم تشهد تقدما ملموسا، لكنها حافظت على حالة من الهدوء، ولم يتم تجاوزها والدخول في مرحلة من البرود أو يتم تطوير العلاقات، كذلك لم تتراجع وتظهر عليها بوادر من الصخب السلبي.

سكتت غالبية قنوات الإخوان ومنصاتهم في تركيا، لكن ثمة بقايا تلعب في ما يسمى بالمنطقة الرمادية أو الدافئة بين البلدين، وهي منطقة مبهمة ليس لها لون محدد أو درجة حرارة ثابتة، وتخوّل العزف على أوتار قاتمة وتقوم بالتصعيد النسبي تارة، وتلتزم بالهدوء تارة أخرى، وفي كل الأحوال هي انعكاس لما يمكن وصفه بوجود ملفات عالقة وعدم تنقية الأجواء تماما.

تركيا يمكن أن تظهر رعاية أكبر للإخوان، وتتخلّى عمّا بدا كأنه تقليص لتواجد عناصرها وإعلامها، إذا وجدت أن الحاجة إليها أكبر من إهمالها، أو أنها ستحقق لها عوائد سياسية للضغط على جهات كانت في خصومة معها

تشير بعض الظواهر والاستنتاجات السياسية إلى أن القاهرة لم تصل إلى المستوى الذي يجعلها تثق كليا بالتوجهات التركية، والتي تغلب عليها البراغماتية والتقلب والمراوغة، وعدم استبعاد حدوث مفاجآت، ولذلك لم تفلح الزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين خلال الفترة الماضية في تجاوز الجمود الذي تراكم عبر عشر سنوات، وقد تكون كسرت حدّته، إلا أنها لم تفض إلى تسوية الكثير من القضايا الحيوية، وتركت ذيولا تجعلها عرضة للعودة إلى الواجهة، ومن بينها الإخوان وأنصارهم.

يتعامل الإعلام التركي الناطق بالعربية بحياد مع القاهرة، أشبه بالإهمال، وهو التعامل نفسه الذي يظهره الإعلام المصري مع أنقرة، ويؤدي إلى النتيجة ذاتها، ويكاد المتابعون لا يجدون ما يوحي بالاهتمام من الجانبين بما يجري على الضفتين من تطورات مهمة، ما يشي باستمرار الفجوة بينهما وعدم القدرة على التوصل إلى وسائل ناجعة لعلاجها طوال الفترة الماضية.

هذا ما يجعل العناصر الإخوانية تلتقط هذا الخيط وتسعى إلى شده نحو جهة تصعيد تمنحها حضورا وأهمية، وتعيد إليها الأمل لاسترداد مكانتها في السياسة الخارجية التركية، والتي أضفت بريقا على تصورات منظومة الإخوان الإعلامية، وأوصلتها إلى مستوى ناطقة باسم أنقرة، وتراجع هذا الاعتقاد من دون أن يختفي، فالروح الإخوانية موجودة في بعض وسائل الإعلام القريبة من تركيا، كما هي في القريبة من قطر أو التابعة لها، ما يعني عدم استبعاد حدوث نشاط إخواني في المدى المنظور.

طوت أنقرة المرحلة الحادة من العداء مع بعض الدول التي كان الإخوان من أسباب التوتر معها، ونجحت في إعادة الدفء إلى العلاقات السياسية مع مصر والسعودية والإمارات، وفي طريقها إلى تحسينها مع النظام السوري، لكنها لم تعلن تخليها صراحة عن المكون الإسلامي فيها، خاصة أن الحصيلة التي وصلت إليها أنقرة بعد تخفيف الاعتماد على هذا المكون ومشتملاته الأمنية والسياسية ليست على المستوى المطلوب حتى الآن، الأمر الذي يضاعف من الشكوك في العودة إليه، فإذا تساوت النتيجة أو لم تحقق الأغراض المرجوة منها، فإن فرص العودة إلى الاستثمار تصبح واردة.

ما يفرض على تركيا التمهل في التخلي عن هذا المكون أن جناحا قويا في حزب العدالة والتنمية الحاكم يتمسك بتوجهاته الأيديولوجية، ويرى عدم التفريط في جماعة الإخوان سياسيا وإعلاميا وعقائديا، لأنها أيضا من بين عناصر التوازن المهمة مع التوجه العلماني الذي يزداد اتساعا على الساحة التركية.

أنقرة أخفقت عمليا في أن تكون رقما في الغرب، ولم تفلح أيضا في أن تجد لنفسها مكانا في الشرق أو تتحول إلى ركيزة ورافعة للعالم الإسلامي، ما يجعلها تتمسك بعدم التفريط في ما تملكه من أوراق تستحوذ عليها

ناهيك عن حالة “التوهان” أو التخبط الذي يخيم على السياسة الخارجية التركية، والتي ربما تعيدها إلى ما قبل عقدين عندما كان حزب العدالة والتنمية يشق الصفوف نحو التقدم، وغيره من الأحزاب لا تجد لها مكانة في الوسط الغربي، فقرر تبني الميل إلى العالم الإسلامي، على أمل أن تصبح تركيا قائدة بدلا من أن تبقى تابعة.

أخفقت أنقرة عمليا في أن تكون رقما في الغرب، ولم تفلح أيضا في أن تجد لنفسها مكانا في الشرق أو تتحول إلى ركيزة ورافعة للعالم الإسلامي، ما يجعلها تتمسك بعدم التفريط في ما تملكه من أوراق تستحوذ عليها، فإذا كانت المسافة لا تزال بعيدة مع الغرب، فمن الممكن أن يعاد الاعتبار إليها مع الشرق، ما يعني التمسك ضمنيا بجماعة الإخوان، وعدم المجازفة بالتخلي عنها تحسبا من الحاجة إليها، أو المتاجرة بها في وقت تواجه فيه حركة حماس الفلسطينية الإخوانية استنفارا إقليميا ضدها ورفضا عالميا لطريقها وتقويضا إسرائيليا لمسيرتها.

تفسر هذه المعطيات ما يمكن أن يلاحظه المرء من تردد أو تلكؤ في المعالجة الإعلامية الإيجابية، فقد يخفت النفس الإخواني المباشر في بعض وسائل الإعلام التركية، لكنه يظهر أحيانا في بعض المحكات بما يؤكد أنه قائم ومستمر ويمارس دوره انتظارا لعودة قد تأتي في وقت قريب، مع إدخال معالجة سياسية لها تتحاشى الطريقة السابقة إلى حين استشفاف الأمور وفي أيّ اتجاه سوف تسير.

هناك مؤشرات عدة تقول إن تركيا يمكن أن تظهر رعاية أكبر للإخوان، وتتخلّى عمّا بدا كأنه تقليص لتواجد عناصرها وإعلامها، إذا وجدت أن الحاجة إليها أكبر من إهمالها، أو أنها ستحقق لها عوائد سياسية للضغط على جهات كانت في خصومة معها، واستمرار هذه المراوحة يفسر البطء الذي يخيم على علاقاتها مع القاهرة.

تنتظر المنظومة الإعلامية الإخوانية العودة لدواع سياسية لا يتعلق جزء كبير منها بقناعات بمشروعها وإمكانية استرداده في الدول التي سقط فيها، لكن لأن تركيا تعلم بأن ثمة حاجة إليه لمواجهة أيّ مشروعات وطنية بديلة في المنطقة، وأن بعض الدول الأوروبية تؤمن بأن ورقة الإخوان أهون من ورقتي داعش والقاعدة، ومع أن هذه الرؤية قد تغيرت نسبيا مع اكتشاف العلاقة بين جذورهما والإخوان وأن الجماعة هي الأصل وهما الفرع، غير أن بعض الأصوات تعتقد أن شر الإخوان أخفّ ضررا من شرور داعش والقاعدة، وهو رهان لم يبرح العقل السياسي الحاكم في تركيا.

كاتب مصري

لعرب

————————-

تركيا والسوريون.. تصعيد وتطورات متسارعة

3 تموز/يوليو ,2024

الأيام القليلة الماضية، شهدت السياسة التركية، تجاه القضية السورية والسوريين المقيمين في تركيا، تطورات متصاعدة ومتسارعة، كان بعضها في الداخل التركي، كالهجمات التي تعرّض لها مواطنون سوريون في عدد من المدن التركية، وبعضها في مناطق الشمال السوري الذي تشرف عليه تركيا، وبدا أن هذه التطورات تعكس وجود رغبة لدى تركيا في تعديل سياساتها المرتبطة بالقضية السورية، وذلك نتيجة لضغوط داخلية وخارجية.

أهم هذه التطورات:

    تصريحات الرئيس أردوغان تجاه التطبيع مع النظام السوري:

أدلى الرئيس التركي أردوغان، يوم الجمعة 28 حزيران/ يونيو 2024، بتصريحات جديدة حول التطبيع مع النظام السوري، حيث قال إنه ليس هناك مانع من عودة العلاقات معه كما كانت سابقًا، حتى على المستوى العائلي، ووصف رئيس النظام بـ “السيد الأسد”، بعد أن كان وصفه بـ “القاتل الأسد” من قبل.

لكن الحديث عن التطبيع بين الطرفين ليس جديدًا، إذ إنه بدأ منذ مدة، وقد عقدت عدة اجتماعات بين وزراء من الطرفين، إضافة إلى أن الاتصالات الاستخباراتية ظلّت مستمرة، وربّما لم تنقطع البتة، فقد اجتمع وزراء الدفاع ورؤساء أجهزة الاستخبارات في كلّ من روسيا وتركيا والنظام السوري، في موسكو في 28 كانون الأول/ ديسمبر 2022[1]، واجتمعوا كذلك في موسكو على مستوى وزراء الخارجية، في أيار/ مايو 2023، وطرح كلّ طرف شروطه[2]، حيث يصرّ النظام السوري على مسألة الانسحاب التركي من سورية، قبل البدء بالمفاوضات وفتح مسار التطبيع والتعاون في محاربة ما يسمى “الإرهاب”، في حين يرفض الأتراك مسألة الانسحاب، ويؤكدون أن ليس لديهم أطماع في الأراضي السورية، وأن الانسحاب يكون بعد تحقيق تقدّم بما يتعلق بالحل السياسي ومسألة عودة اللاجئين، ومحاربة (قسد) في شرق الفرات وغيرها.

وإذا أردنا دراسة إمكانية حدوث تقدّم في تلك المفاوضات وفي مسار التطبيع، فعلينا أن نناقش كل قضية على حدة:

    الانسحاب التركي من سورية: وهو الأمر الذي يُصرّ عليه النظام، ويرى الطرف التركي أنه ليس من السهل تحقّق هذا الامر، ولا سيما أن الانسحاب، بدون وصول المسألة السورية إلى حلول مرضية مع المعارضة السورية، قد يؤدي إلى حدوث موجة هجرة جديدة إلى تركيا، ويُهدد أمن تركيا القومي، ويضعف موقفها في أي مفاوضات مقبلة، فضلًا عن أنه يقوّي موقف قوات (قسد)، وهناك أيضًا اختلاف بين الطرفين على مفهوم الإرهاب، حيث يصف النظام السوري الفصائل المدعومة من تركيا بهذه الصفة، في حين إن تركيا ترى أن قوات PYD الكردية التي تسيطر على شرق الفرات هي فرعٌ لحزب (PKK) التركي الكردي، وهي قوات مصنفة إرهابية في تركيا وفي العديد من الدول.

    تطبيق القرار 2245: وهو الأمر الذي تصرّ تركيا على تطبيقه، أو على إحراز تقدّم في المسارات السياسية الموجودة للحل في سورية، وفي هذا المسارات ما زال النظام يماطل، ومن غير المتوقع أن يقدّم أي تنازل في هذا المجال، في ظل غياب أي ضغوط جدية عليه.

    عودة اللاجئين: وهي مسألة تهمّ الطرف التركي، لأسباب داخلية أولًا، ولكن ليس لدى النظام ما يقدّمه بهذا الملف، فقسم كبير من اللاجئين غادر سورية بسبب النظام، ولن يعود معظمهم في حال بقائه، وتجارب لبنان والأردن اللتين تواصلتا بشكل مباشر مع النظام لم تنجح ولم تحقق تقدّمًا، بسبب تعنّت النظام، وعدم تهيئة البيئة الآمنة لعودتهم.

    معضلة شرق الفرات: وهي من أهمّ الاشتراطات التركية، لكن وجود القوات الأميركية هناك يحول دون تقدّم أي طرف نحو تلك المناطق، والنظام وحلفاؤه يتمنوّن ذلك، وقد حاولوا إقناع تركيا بأنه قريب، وبأن عليها التفكير باليوم التالي للانسحاب الأميركي، بالتنسيق معهم، وربما تكون التصريحات التركية بالرغبة في العودة للمفاوضات مع النظام السوري قد جاءت في هذا السياق، لكن من غير المتوقع حتى الآن أن يكون هناك انسحاب أميركي من المنطقة حتى موعد الانتخابات الأميركية، في كانون الأول/ ديسمبر المقبل، وهذا يعني عدم قدرة النظام على تقديم أي شيء لتركيا في هذا الملف.

لذلك كله يمكن أن تعدّ تصريحات الرئيس أردوغان نوعًا من الضغط على أميركا، وإرضاءً للروس، ومناورة في الداخل التركي، وعلى الرغم من الوساطة الروسية والعراقية بين الطرفين، والتي ساعد في تقدّمها مسألة الانتخابات التي كانت (قسد) تزمع عقدها في مناطق سيطرتها، فإن كل هذه التحديات تقف عائقًا أمام أي تقدم بالمفاوضات.

لكن من المتوقع في المرحلة القادمة أن تجري اجتماعات بين النظام السوري وتركيا، في أماكن وتواريخ مختلفة، وربما يلتقي الأسد الرئيسَ أردوغان، لكن لن تكون المفاوضات سهلة، ولن يتمكن كلا الطرفين من تحقيق تقدّم كبير على الأرض، وذلك لكون البون شاسعًا بين الطرفين، وليس لدى النظام السوري الكثير لتقديمه، وتركيا مصرّة على التخلّص من (قسد) في شرق الفرات، ولن تنسحب مجانًا، لأن المعارضة التركية ستعدّ هذا الأمر فشلًا في السياسات الخارجية للحكومة.

    الأحداث في مدينة قيصري:

شهدت مدينة قيصري في وسط تركيا أعمال شغب، استهدفت أحياء السوريين وممتلكاتهم، وذلك على إثر انتشار خبر في وسائل التواصل الاجتماعي عن قيام شاب سوري بالتحرش بطفلة تركية، وتبين بعد ذلك أن الطفلة سورية والشاب قريبها وهو مختلّ عقليًا. لكن مع انتشار الخبر، بدأ مجموعة من الشباب الأتراك بمهاجمة الممتلكات السورية، من بيوت ومحال تجارية وسيارات، وألحقوا ضررًا كبيرًا بها، قبل أن تتمكن قوى الأمن التركي من ضبط الوضع.

 وفي اليوم التالي، توسع نطاق هجمات بعض الشبان الأتراك على السوريين وسياراتهم وبيوتهم، ووصلت الهجمات إلى مدن أخرى، كغازي عنتاب وهاتاي وقونية وغيرها، وترافق ذلك مع حملة تدقيق واسعة في عدد من مدن الجنوب حيث يوجد السوريون بكثرة، ومع التعامل بشدة مع السوريين وترحيل المخالفين منهم، وإن كانت مخالفاتهم بسيطة، مع خلق حالة خوف واسع في أوساط السوريين وصلت الى حد امتناعهم عن الذهاب إلى العمل والبقاء في بيوتهم.

ولا يمكن أن نعزو سبب ما جرى إلى تلك الحادثة فقط، مع أنها كانت الشرارة التي أشعلت الأحداث، فهناك عوامل ساهمت في زيادة حالة الاحتقان من الأتراك تجاه السوريين المقيمين على أراضيها، ومن أهمّها:

    حملات التحريض، وخطاب الكراهية الذي كان ينشط بشكل واضح قبل كل انتخابات، لكنه صار مستمرًا بعد ذلك، حيث يتصدر أسبوعيًا هاشتاغ يرتبط بالسوريين والعرب وسائل التواصل الاجتماعي التركية، على الرغم من عدم وجود أي سبب لذلك، ويبدو أن من يروج تلك الهاشتاغات يعتمد الضغط وشحن الشارع ضد السوريين، ولم يعد الأمر يقتصر على أحزاب المعارضة، بل بدأ يصدر عن مقربين من الحزب الحاكم ومن تحالف الجمهور أيضًا، كتصريح دولت بهجلي، زعيم حزب الحركة القومية (MHP)، الذي عبر خلاله عن مخاوفه من التغيير الديموغرافي في تركيا[3].

    عدم جدية الحكومة في ملاحقة مروجي العنصرية وخطاب الكراهية، حيث إن أكثر المروجين لذلك لم يُلاحقوا، وعلى رأسهم رئيس حزب النصر أوميت أوزداغ، وقد كان يمتلك حصانة كونه عضوًا في البرلمان التركي، ومع أنه فقد تلك الحضانة بعد خروجه من البرلمان، لم يُتخذ أي إجراء ضده، على الرغم من وجود اعترافات بذلك[4]، وكذلك الصحفي فاتح ألتايلي، وايلاي أكسوي، والصحفي دنيز بستاني، وغيرهم[5]، ممن كانوا يروّجون لخطاب كراهية ونشر معلومات مغلوطة عن السوريين والأجانب في تركيا.

    الأزمة الاقتصادية وارتفاع نسب التضخم التي تعيشها تركيا، وقد أصبحت عامل ضغط كبير على الأسرة التركية، وهذا ما يستغله البعض من خلال الترويج بأن الأجانب والسوريين هم السبب بذلك.

    هناك دور للتيار القومي كذلك في تأجيج العنصرية تجاه الأجانب، لأنها تعزز الأفكار القومية لدى الشباب التركي، وهناك رغبة لديهم في استغلال النجاحات التي يحققها اليمين المتطرف في العالم في تحقيق ذلك في تركيا، وهذا ما صرّح به سنان أوغان المرشح الرئاسي السابق.

    غياب استراتيجية واضحة أو خطة طويلة الأمد لتنظيم السوريين في تركيا، حيث ما زال قانون الحماية المؤقتة الذي وضع عام 2013، ضمن فرضيات قرب عودة السوريين، مستمرًا حتى الآن، وقد أصبح بحاجة إلى تطوير أو إصدار قانون جديد، وهناك عشوائية في تطبيق بعض القوانين في بعض المؤسسات، مما أدى إلى فقدان ثقة السوريين بها.

    التحريض الخارجي من خلال بعض اللوبيات التي تنشط في تركيا، وخاصة اللوبي الإيراني والموالين للنظام السوري.

    حالة الفشل في عمل المؤسسات السورية، وخصوصًا المؤسسات التي عليها واجب مساعدة السوريين ونقل مطالبهم للجهات التركية، مثل الائتلاف والحكومة المؤقتة واللجنة السورية التركية المشتركة.

من المتوقع أن تنتهي هذه الأحداث خلال عدة أيام، حيث ستتمكن قوات الأمن من ضبط الوضع، لكن الفرصة تظل مهيأة لظهور مشاكل جديدة في أماكن أخرى، خاصة مع استمرار غياب استراتيجية واضحة بهذا الملف، وغياب قانون يجرّم التحريض والعنصرية في تركيا.

    الصدام في الشمال السوري:

كردة فعل في الشمال السوري، عبّرت بعض القوى وحتى الفصائل عن عدم رضاها عن تصريحات الرئيس أردوغان، ولا سيما أن التصريحات قد ترافقت مع فتح معبر (أبو الزندين) مع مناطق النظام، وحديث عن فتح الطريق الى حلب، وقد دخلت أربع سيارات قمح من مناطق الشمال إلى مناطق النظام، وقد ساهم هذا في تسخين الجو في الشمال، ثم جاءت أحداث قيصري والاعتداءات على السوريين في أكثر مكان لتصب الزيت على النار، مما أدى إلى انفجار في الشمال، حيث خرج عدد من المتظاهرين في الشمال السوري منددين بما جرى للسوريين في مدينة قيصري التركية، وقام بعضهم بمهاجمة المؤسسات وإنزال العلم التركي عنها وحرقه، وهاجموا بعض الشاحنات التركية، ورفعوا شعارات ضدّ الترحيل القسري، وترافق ذلك بقيام بعض المشاركين غير المعروفين بمهاجمة القواعد التركية وحرق العلم التركي، ويأتي هذا الصدام بسبب حالة الاحتقان والغضب الموجود في الشمال السوري، نتيجة العديد من الأسباب ومنها:

    التصريحات التركية حول التطبيع مع النظام السوري، ومسألة فتح الطرق مع مناطق النظام السوري، فقد أعقب تصريحات الرئيس التركي خطوات عملية، من خلال فتح المعابر بين مناطق سيطرة المعارضة السورية ومناطق النظام السوري، مثل معبر (أبو الزندين)، وقد بدأت تركيا بأخذ خطوات عملية لفتحه، ومع أن عمليات التهريب بين مناطق النظام والمعارضة مستمرة، فإن ما يخشاه السوريون هناك أن تكون هذه خطوة أولى للتطبيع مع النظام السوري.

    حالة الفوضى، وسيطرة الحالة الفصائلية وتهميش بعض المكونات، وغياب التنمية، والتمييز على حسب العرق، وفقدان الأمل لدى السوريين في المنطقة، فهناك حالة عدم رضا من إدارة تركيا للمنطقة بشكل عام، وغيرها من الأمور التي أدت إلى حالة غضب لدى الناس.

    الاعتماد على شخصيات لم يكن لها تاريخ في الثورة، ولا تتمتع بسمعة جيدة، وظهور بعض الانتهازيين، والاقتصار في العلاقة مع السوريين على تلك الجهات التي لم تكن توصل إلى الجهات التركية إلا ما يرضيها، وتتجنب الحديث عن المشاكل الحقيقية.

    ترحيل عدد من السوريين المقيمين في تركيا إلى الشمال السوري.

    العامل الخارجي ورغبة بعض القوى في خلط الأوراق في الشمال السوري وعلى رأسها النظام السوري وحلفائه، وكذلك هيئة تحرير الشام وغيرهم.

نتج عن هذا التصعيد قطع الإنترنت عن مناطق في الشمال السوري، ومغادرة أغلب الموظفين المدنيين الأتراك العاملين في الشمال السوري إلى تركيا، وأغلقت المعابر، لكن الأمور في اليوم التالي هدأت، وبدأت الحياة تعود تدريجيًا إلى حالتها.

    الخلاصة

السياسة التركية الحالية في سورية تبدو وكأنها استعداد لليوم التالي للانسحاب الأميركي من سورية، وهذا ما تحاول روسيا إقناع تركيا به، وبضرورة التنسيق معها ومع النظام السوري، استعدادًا لذلك اليوم، لكن احتمال تحقق هذا الأمر ليس كبيرًا، قبل موعد الانتخابات الأميركية، وليس لدى النظام السوري شيء يقدّمه إليها في هذا الملف، ولذلك قد تمشي عدة خطوات تطبيعية مع النظام، لكن بعد ذلك يتكرر ما حصل مع الدول العربية، حيث تبيّن لها مراوغات النظام وعدم جدوى التطبيع معه.

أما انسحاب تركيا من سورية، فهو مستبعد في الفترة الحالية، لأنه مرتبط بتحقيق تقدم في كل تلك الملفات، وبالنسبة إلى المشاكل التي تواجه السوريين في تركيا، فمن المتوقع تكرارها في المدينة نفسها أو في مدن أخرى، وخصوصًا أن هناك حملات منظّمة للتحريض، تقف خلفها العديد من الجهات الداخلية والخارجية، في ظل غياب الجدية في حل مشاكل السوريين، وعدم إعلان استراتيجية واضحة لوجودهم قد تطمأن الشارع التركي والسوريين.

وبالنسبة إلى الاحتجاجات الأخيرة في شمال سورية، فمن المتوقع أن تتمكن تركيا من إعادة ضبط الأمور من الناحية الأمنية، من خلال القوات التركية والفصائل الموجودة في الشمال السوري، لكن التحدي الذي سيواجه تركيا هو إعادة ثقة السوريين بها، ولا سيّما مع استمرار السياسة التركية الحالية، من حيث التطبيع مع النظام السوري والترحيل القسري للسوريين، وهذا سيؤدي إلى استمرار حالة الاحتقان وانفجارها في أي لحظة أو لأي سبب.

على تركيا فعل الكثير هناك، وهي قادرة على ذلك، في حال توفر الرغبة، من خلال إعادة النظر بسياساتها في الشمال السوري، وإصلاح نظام الحوكمة هناك، وضبط الأوضاع الأمنية، وتعزيز التنمية الاقتصادية في المنطقة، وكذلك إعادة تقييم اعتمادها على كثير من الشخصيات والمؤسسات السورية التي ثبت فشلها، وقلة تأثيرها في الشارع السوري، سواء في الداخل التركي أو في الشمال السوري. وما جرى أخيرًا هو رسالة قوية وصلت إلى الإدارة التركية، ويتمنى السوريون أن تدركها، بأنه لا يمكن لتركيا فرض أي حلول في سورية تخدم الأمن القومي التركي والمصلحة التركية فقط، ولا تحقق تطلعات السوريين.

[1] للمرة الأولى.. محادثات في موسكو بين وزراء دفاع ورؤساء استخبارات روسيا وتركيا وسوريا، موقع الجزيرة، 28 كانون الأول/ ديسمبر 2022، شوهد في 2 تموز/ يوليو 2024، في: https://bit.ly/45TQXr8

[2] -بيان اجتماع وزراء خارجية روسيا وسوريا وتركيا وإيران في موسكو.. على ماذا اتفقوا، موقع روسيا اليوم، 10 أيار/ مايو 2023، شوهد في 2 تموز/ يوليو 2024، في: https://bit.ly/3ztiTFY

[3] Milliyetçi Hareket Partisi Genel Başkanı Sayın Devlet BAHÇELİ’nin, TBMM Grup Toplantısında yapmış oldukları konuşma. 11 Haziran 2024, Link https://bit.ly/4bpDNmB

[4] – تركيا تُرحّل إيرانيًا حرّض على اللاجئين السوريين بدعم من أوميت أوزداغ، تلفزيون سوريا، 10 كانون الثاني/ يناير 2024، شوهد في 2 تموز/ يوليو 2024، في الرابط: https://bit.ly/3XIbI70

[5] Mulki, H., Alabdullah, S., Halil, A., Al-Ali, N., Kyriakidou, M., & Stavinoha, L. (2023). Online toxicity against Syrians in Turkish Twitter: Analysis and implications. International Journal of Communication, 18, 28.‏

تحميل الموضوع

مركز حرمون

————————–

إيران خلف الستار.. وثائق مسربة تكشف قلق طهران من التطبيع التركي مع النظام السوري/ ضياء قدور

2024.07.13

الملخص:

    إيران قلقة من أن يؤدي التقارب التركي مع النظام السوري إلى إضعاف نفوذها في دمشق رغم استثماراتها الكبيرة في بقاء الأسد.

    روسيا ترعى عملية التقارب بين تركيا والنظام السوري، بينما تلعب إيران دوراً غير بارز، مما يزيد من تعقيد موقفها في هذه المعادلة.

    تكشف وثائق سرية مسربة مدى قلق إيران من المحادثات التركية-السورية التي تجري بدون إشراكها، مما يهدد نفوذها الاستراتيجي.

    تخشى إيران أن يؤدي بدء إعادة الإعمار بقيادة تركية وعودة المهجرين بضمانات دولية إلى تقليل نفوذها الاقتصادي والسياسي في سوريا.

    إيران تعبر عن تحفظاتها على التقارب التركي من خلال تصريحات إعلامية وتدعو إلى إشراكها في أي مفاوضات تتعلق بسوريا، معتبرة أن غيابها يضر بالتعاون الاستراتيجي وباستقرار سوريا.

بينما يمضى التطبيع العربي مع النظام السوري بسلاسة نسبية، إلا أن الوضع يصبح معقدا في كل مرة تعود فيها محادثات التطبيع التركي مع النظام للواجهة. ورغم الوساطات والدعوات المعلنة والمكررة خلال العامين الماضيين على الأقل، ما يزال الأسد، الذي لا يمتلك في الوقت الحالي رفاهية الرفض، يتلزم الوضع الصامت رغم المكاسب المحتملة من هذا التقارب.

من المفهوم أن مسار التقارب “السوري – التركي”، الذي يجري العمل على تطويره منذ تموز 2016، يتم برعاية روسية، لكن اللاعب الحاضر الغائب الذي قلما تم تسليط الضوء عليه في هذه القصة هو إيران ونفوذها الحاسم في دمشق.

التطبيع التركي بعيون إيرانية

رغم أن طهران رهنت مستقبلها الجيوسياسي في سوريا ببقاء الأسد في السلطة، وأنفقت في سبيل ذلك العديد من الاستثمارات الضخمة، وشجعت مؤخراً بحذر على المزيد من التطبيع العربي وتعويم الأسد، إلا أنها تبدو قلقة بشدة من تداعيات حدث مهم ومفصلي كالتقارب التركي، لا سيما وأنه بات من الواضح أكثر من أي وقت مضى أن هذا التقارب لن يمر عبر القنوات الإيرانية أو العراقية حتى.

وفي تصريح للرئيس التركي رجب طيب أردوغان لوكالة الأناضول حول خارطة الطريق السورية الجديدة دعا أردوغان كلّا من الولايات المتحدة وإيران إلى أن تكونا سعيدتين بالتطورات الإيجابية، وتدعما العملية الرامية إلى إنهاء كل المعاناة في سوريا. واعتبر أردوغان أن التنظيمات الإرهابية ستبذل قصارى جهدها لتسميم هذا المسار في سوريا وستخطط لاستفزازات والألاعيب ولكننا ندرك كل ذلك جيداً ومستعدون لمواجهتها، بحسب وصفه.

إيران

إن تخوف الإيرانيين من خسارة استراتيجية محتملة في سوريا مع نجاح أولى خطوات التطبيع التركي برعاية روسية، يجب أن يعيد البعض للتفكير بشكل جدي في ميزة إضعاف نفوذ طهران في دمشق، والحيلولة دون التحول الخطير للديموغرافية السورية، الذي يجري على قدم وساق في ظل نظام ضعيف ومرتهن للأجندة العسكرية والاقتصادية الإيرانية.

لقد أثبتت سنوات العقد الماضي، أن إيران غير قادرة على بدء عملية إعادة الإعمار الهائلة لسوريا، وهي مستفيدة فعلياً من بقاء ملايين المشردين السوريين في الخارج والوضع الاقتصادي ما دون خط الموت لمللايين السوريين الآخرين في الداخل لتمرير أجندتها التوسعية وسياستها الناعمة بسهولة وبأقل التكاليف رغماً عن النظام والمجتمع الدولي.

وبغض النظر عن المآلات الأخرى، لكن من المؤكد أن بدء عملية إعادة الإعمار السورية بقيادة تركية وعودة ملايين المهجرين السوريين بضمانات دولية وأممية لن يكون بمثابة أخبار سارة لإيران التي تتوقع أن تحصد من الملف السوري حصة الأسد أو حصة لا تقل عن شريكتها الأخرى روسيا.

إيران

التطبيع التركي يضر بالعلاقات الاستراتيجية الإيرانية – السورية

في ملف مسرب وصل لتلفزيون سوريا ينقل تفاصيل لقاء نائب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الأعلى الإيراني مع نائب وزير الخارجية السوري أيمن سوسيان عام 2023، يظهر مدى التوجس الإيراني من تحرك النظام خارج العباءة الإيرانية، والمخاطر المترتبة على ذلك على النظام السوري.

وفي فقرة المحادثات الأمنية بين أنقرة ودمشق، يبين الملف على أن “الجمهورية الإسلامية الإيرانية سعت منذ بداية الأزمة السورية إلى إشراك دول الجوار في عملية الحوار والتفاهم مع الحكومة السورية، وأكدت باستمرار على مشاركة الدول الثلاث الضامنة لعملية أستانا في أي عملية صنع قرار في الأمور السياسية والأمنية والعسكرية المتعلقة بسوريا”.

ويشير الملف إلى أنه بعد عدة جولات من المحادثات الأمنية بين دمشق وأنقرة، ورغم مستوى التشاور والجهود المبذولة والموافقة الشخصية لبشار الأسد، فإن تركيا جعلت وجودنا (أي إيران) مرهوناً بتمديد المحادثات السياسية، واتخذت سرية محتوياتها مبرراً لمعارضتها، وفقاً للملف.

ويوضح الملف أن إيران لمست تقدماً في المفاوضات واجتماع وزراء الدفاع والوعد بتوسيعها إلى المستويات السياسية بحسب ما وصل لها من “أنباء متداولة”.

وفي الوقت الذي شدد فيه نائب أمين مجلس الأمن القومي الأعلى الإيراني في لقائه مع سوسيان عن “سعادته” برؤية “الأعداء” يقبلون على مضض الحقائق الميدانية ويحاولون فتح طريق العودة بطريقة أو بأخرى، يحذر من  أن “البعض” يخطط لتحقيق أهدافه  قصيرة ومتوسطة المدى.

لذلك، بحسب الملف، مع التفكير المتبادل والتشاور المستمر، لا ينبغي أن نسمح لهم بمواصلة تحقيق ما لم يحققوه في ساحة المعركة من خلال الساحة السياسية.

ويضيف الملف: “بما أن المبادر الرئيسي للمحادثات الأمنية بين أنقرة ودمشق كان الجمهورية الإسلامية، فإن غياب الجمهورية الإسلامية عن هذه المحادثات لم يكن مقبولاً على الإطلاق من قبلنا”.

اقرأ أيضاً

تسريبات..”ورطة الأسد” بين الروس والإيرانيين وسعي طهران لدخول الثلاثية مع الأتراك

تسريبات..”ورطة الأسد” بين الروس والإيرانيين وسعي طهران لدخول الثلاثية مع الأتراك

ويحذر نائب أمين مجلس الأمن القومي الأعلى الإيراني في اللقاء السري، الذي ينشر تلفزيون سوريا وثائقه باللغة الفارسية، من أنه إذا تم التعامل مع القضايا الأساسية للقضية السورية دون حضورنا، فلن تتضرر الفلسفة الوجودية لعملية أستانا فحسب، بل ستضر هذه القضية بالتعاون الاستراتيجي بين البلدين و”استقرار سوريا”.

ورأى نائب أمين مجلس الأمن القومي الأعلى الإيراني أن تقدم المفاوضات التركية السورية يهدف بالتأكيد إلى ضمان وتعزيز أمن واستقرار سوريا والمنطقة، معتبراً حضور “الجمهورية الإسلامية الإيرانية” في هذه العملية أساسياً وضماناً لتأمين مصالح سوريا ونجاح هذه العملية.

“يجب على الأتراك الاعتراف بأخطائهم السابقة في سوريا”

في تقرير نشرته وكالة أنباء تسنيم الإيرانية الجمعة 12 تموز، زعمت فيها أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، زعيم حزب العدالة والتنمية، لعب كسياسي “دوراً جاداً في تشكيل الأزمة السورية” وجعلها أكثر تعقيداً.

وادعت وكالة أنباء تسنيم أن عودة العلاقات التي يريدها أردوغان في تراجع للموقف التركي ليست بهذه السهولة، لا سيما في ظل وضع لم يعترف فيه شخصياً بأخطاء كبيرة، بحسب زعمها.

وفي ذات المنحى، واظبت وسائل إعلام إيرانية أخرى مختلفة على ترجمة تقارير ومقالات لشخصيات معارضة تركية في أنقرة وإسطنبول، للتأكيد على نفس الاعتقاد الإيراني القائل بارتكاب الرئيس أردوغان وفريقه في سوريا لأخطاء وصفت بأنها لا يمكن إنكارها.

الخناق الإيراني

وكان تلفزيون سوريا قد نشر في أيلول 2023 رسالة سرية سربتها مجموعة إيرانية معارضة مقربة من منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، تحذر فيها منظمة استخبارات “الحرس الثوري” الرئيس الإيراني السابق، إبراهيم رئيسي من أن “خصوم إيران الإقليميين، مثل تركيا والإمارات العربية المتحدة”، يحاولون “الحد من نفوذ إيران الاقتصادي في مستقبل سوريا وخلال فترة إعادة إعمار”، مشيرة إلى أن “إهمال فترة إعادة الإعمار السورية يمكن أن يؤثر على إنجازات إيران في العقد الماضي والنفقات التي تكبدتها في هذا المجال”.

ووصفت وثيقة سرية أخرى سربتها المعارضة الإيرانية لتلفزيون سوريا “الموقف المحرج” لرئيس النظام السوري أمام حلفائه الإيرانيين الذين طلبوا في وقت سابق من العام الماضي الانضمام إلى المحادثات الثلاثية مع الأتراك.

وبينت الوثيقة أن هذا الإطار الثلاثي من المحادثات قد يضر بمصالح إيران، داعية إلى تحرك إيراني عاجل أمني ودبلوماسي للانضمام إلى هذه المحادثات.

وفي حين تواصل روسيا وتركيا تأكيدهما على إبقاء هذه المحادثات محصورة بالأطراف الثلاثة بعيداً عن أي وساطات أخرى، بات من الواضح اليوم أن دخول إيران المحادثات الثلاثية والوساطة المزعومة لوزير الخارجية الإيراني السابق، أمير عبد اللهيان، لم تصل لأي نتيجة في أحسن الأحوال أو كانت معطلة في أسوأ الأحوال.

وعليه تلعب إيران دور “اللاعب المخرب” في هذه المعادلة، لا سيما وأنها قامت بإجراء استباقي من النوع التحذيري قبل أيام مع تسارع عجلة التطبيع التركي الأخيرة، ونشرت، على غير عادتها بنود اتفاقية اقتصادية لاسترداد ديونها من النظام السوري بشكل علني تحت ذريعة تقديمه للبرلمان الإيراني لاستكمال الإجراءات القانونية.

ورغم أن بنود الاتفاقية المنشورة لم تأت بأي جديد، لكنها يجب أن تدق ناقوس الإنذار من فعالية العناصر والأدوات الأخرى التي يمكن أن تحركها على الأرض لإحكام قبضتها على الأسد للقبول بالشروط الإيرانية للمحادثات المستقبلية المتصورة من قبلهم.

——————————–

مصدر سوري لـ”النّهار العربي”: المصالحة بين دمشق وأنقرة معقّدة وصعبة

ركيس قصارجيان

يوليو 13, 2024

شهد ملف التطبيع السوري – التركي حراكاً واضحاً في الأسابيع الأخيرة، ليس في أنقرة ودمشق فقط، بل أيضاً في موسكو وعواصم إقليمية أخرى. ولم يتم إحراز تقدم كبير حتى الآن في عملية التطبيع بين النظامين التي بدأت نهاية عام 2022 بلقاءات أمنية وعسكرية قبل أن تنضم إليها مؤسسات أخرى، لكنها تعطلت بعد تمسّك دمشق بمطالبها المتمثّلة بانسحاب القوات التركية من سوريا ووقف أنقرة دعمها الجماعات المسلحة، بينما أصر الرئيس التركي على أن الانسحاب لن يتم ما لم يتم القضاء على “التهديد الإرهابي” في المنطقة.

دمشق لا تتواصل مع أي طرف سياسي تركي

حرّكت الرسائل الإيجابية التي وجهها الرئيس السوري بشار الأسد غداة اجتماعه مع الممثل الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ألكسندر لافرينتييف، ثم التصريحات الدافئة التي أدلى بها نظيره التركي رجب طيب أردوغان، مسار التطبيع وأعادته إلى مقدّمة جدول أعمال السياسة الخارجية التركية.

المسار كان حاضراً بثقله أيضاً في الاجتماع الأخير بين أردوغان وبوتين في أستانا بتاريخ 3 تموز (يوليو). خلال رحلة عودته من كازاخستان ومن ثم ألمانيا، كشف أردوغان في المرتين نيّته “توجيه دعوة للأسد وبوتين لزيارة أنقرة”، رافعاً مستوى التوقّعات إلى درجة أعلى.

ورداً على ذلك، شن حزب “الشعب الجمهوري” التركي المعارض حملة سياسية مضادة من خلال إعلان تلقّيه إشارة إيجابية من دمشق على دعواته المتكررة لزيارة العاصمة السورية ولقاء الأسد.

كما أعلن حزب “ديم” الموالي للكرد، نيّته زيارة دمشق في الإطار ذاته، فيما أكد مسؤول رفيع المستوى في حزب “الجيد” اليميني المعارض في حديث إلى “النهار العربي” عزم مسؤولين وبرلمانيين من الحزب العبور إلى سوريا عبر لبنان للقاء مسؤولين سوريين.

في المقابل، أكد مصدر سوري متابع لملف العلاقات السورية-التركية لـ”النهار العربي” عدم وجود قنوات تواصل لدمشق مع أي من الأطراف السياسية التركية، سواء تلك المنضوية في “تحالف الشعب” الحاكم أم في المعارضة.

وأوضح المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، كونه غير مخول الإدلاء بتصريحات صحافية ولحساسية مسار التطبيع، أن “كل التصريحات الصادرة عن الجهات التركية، بخاصة المعارضة منها، تفتقر إلى الأرضية السياسية، وتبدو أقرب إلى كونها موجّهة إلى الرأي العام الداخلي”.

وتشير المعلومات التي جمعها “النهار العربي” من مصادر سورية وتركية متقاطعة حول مسار التطبيع إلى أن المساعي العراقية، والأهم الروسية، نجحت في تحريك المياه الراكدة، من دون أن تبلغ مرحلة إعادتها إلى مجاريها. ولا تزال موسكو الجهة الفاعلة الرئيسية في إدارة عملية الاتصال الدبلوماسي بين دمشق وأنقرة، وهو ما يفسّر الدفع الذي تلقّاه ملف المصالحة السورية – التركية بعد لقاء وزير الخارجية التركي هاكان فيدان الرئيس الروسي خلال زيارته موسكو.

كما تكتسب جهود العراق لتسهيل التواصل الدبلوماسي بين تركيا وسوريا، أهمية رمزية لناحية تموضع بغداد السياسي في مركز تقاطع المصالح الإيرانية والخليجية والأميركية، ما يكسب مسار التطبيع زخماً دولياً تفتقده مسارات سوتشي وأستانا وموسكو وطهران الروسية – الإيرانية.

ويشير المصدر السوري إلى أن “عملية المصالحة الدبلوماسية بين دمشق وأنقرة معقّدة وصعبة، ويجب تقييمها وفق توقّعات واقعية بعيداً عن الخطاب الشعوب السائد في الداخل التركي”، مؤكّداً في الوقت ذاته “تمسّك دمشق بالمبادئ التي أعلنتها منذ اليوم الأول لانطلاق التصريحات التركية حول رغبة التواصل مع سوريا”.

ويضيف المصدر: “دمشق تتعامل مع المسار كحزمة متكاملة لا تتجزأ ولا تخضع للمساومات”.

معوّقات صعبة الاجتياز

تبدو أزمة الثقة إحدى أكبر العقبات أمام تسريع مسار التطبيع. فقد اختبرت دمشق الرغبات التركية للمصالحة قبيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة في أيار (مايو) 2023، حينما سايرت الرغبة الروسية في عقد لقاء على مستوى وزراء الخارجية لأهمية الصورة الثنائية في رجحان كفّة أردوغان، الذي راهنت عليه موسكو سياسياً، في تلك الانتخابات المصيرية.

وعلى عكس “حماسة” الرئيس التركي في حينه لإتمام المصالحة، فقد رافق الانتصار المزدوج الذي حققه آنذاك تراجع في التصريحات الإيجابية حيال دمشق، بل تصعيد في بعض الأحيان.

ولا تبدو ظروف اليوم مختلفة كلّياً عن تلك الفترة، وإن كان محرّك الرغبة التركية حالياً هو تآكل التقبّل الشعبي للاجئين السوريين في البلاد، وتحوّله نتيجة تفاقم الأزمة الاقتصادية إلى قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة مع اتّساع رقعة الأعمال العدائية ضد السوريين، بخاصة في المدن والولايات المعروفة بمواقفها السياسية المؤيدة للرئيس التركي.

هذا الواقع يحتّم على أردوغان تغيير خطابه السياسي وتقديم أطروحات سياسية جديدة للداخل، مع الحرص على الإمساك بزمام المبادرة وعدم تسليمها للمعارضة، وهو ما يفسّر منافسة الفرقاء السياسيين على مصافحة الأسد.

وفيما يحاول الرئيس التركي طمأنة كتلته الشعبية بإمكانية حل “أزمة اللاجئين” من خلال مصافحة الأسد، إلا أن التطوّرات التي أعقبت تصريحاته بشأن التطبيع، لناحية أعمال الشغب التي شهدتها مدينة قيصرية التركية، والتظاهرات المناهضة لتركيا في شمال سوريا، باستهداف العلم التركي والقوات العسكرية التركية، تشير بوضوح إلى تعقيدات ملف اللاجئين الذي لا يمكن حلّه باجتماع أو لقاء.

إلى ذلك، تروّج أنقرة لاستدارتها الحادة في الملف السوري، على أرضية “محاربة الإرهاب”، وهو شعار إشكالي آخر بين الطرفين. فالمجموعات المسلّحة الموالية للاستخبارات التركية في المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا شمال سوريا، مدرجة في لائحة الإرهاب سورياً، فيما تسمّيها أنقرة “المعارضة السورية” داعية دمشق إلى إبداء مرونة في التعاطي معها وصولاً إلى حجز دور سياسي وعسكري لها في سوريا المستقبل. وفي المقابل، تعتبر أنقرة “قوّات سوريا الديموقراطية” (قسد)، والفصائل المسلّحة المنضوية تحت مظلّة “الإدارة الذاتية” المعلنة من طرف واحد في شمال شرقي سوريا مجموعات إرهابية تتوجّب محاربتها، من دون أن تنجح في إقناع أقرب حلفائها في حلف الناتو بالمعيار التركي لتصنيف الإرهاب.

وفي السياق نفسه، فإن المجموعات الراديكالية المسيطرة على إدلب بتسمياتها المختلفة تبدو أولوية لسوريا لجهة سلّم الأخطار والتهديدات، بينما تتهرب أنقرة من الحديث عنها.

كل ما سبق يؤكد طول مسار التطبيع قبل الوصول إلى خواتيمه، مع أفضلية واضحة لدمشق التي تبدو أكثر قدرة على إدارة هذا المسار وفق معاييرها، مستفيدة من سياسات الأفرقاء الأتراك التي حوّلت ملفات اللاجئين السوريين والمجموعات المسلّحة إلى أوراق سياسية بالغة الأهمية والتأثير في الداخل.

ومع كل تلك الوقائع تشير المعلومات إلى إمكانية انعقاد لقاءات بين دمشق وأنقرة خلال الأسابيع القادمة على مستوى اللجان والمنسقين، إلى جانب استمرار التواصل الأمني – العسكري بين الجانبين، لكن مصافحة الأسد – أردوغان تبدو بعيدة حتى الساعة.

النهار العربي

——————–

تركيا لإنشاء «ممر أمني» على طول الحدود مع العراق وسوريا أنقرة/ سعيد عبد الرازق

يوليو 12, 2024

أكد وزير الدفاع التركي، يشار غولر، أن بلاده عازمة على إنشاء «ممر أمني» بعمق 30 إلى 40 كيلومتراً على طول الحدود مع العراق وسوريا وتطهير المنطقة من «الإرهابيين». في حين قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، إن من يعتقدون أن بإمكانهم إقامة «دولة إرهابية» على الحدود الجنوبية لتركيا يعيشون حلماً بعيد المنال.

وشدد غولر، في تصريحات على هامش قمة «الناتو» التي حضرها ضمن الوفد المرافق لإردوغان، على أن القوات التركية ستواصل عملياتها في شمال سوريا والعراق حتى يتم القضاء على آخر إرهابي.

بدوره، قال مستشار الإعلام والعلاقات العامة بوزارة الدفاع التركية زكي أكتورك، في إفادة صحافية، الخميس، إن حدود تركيا محمية بأكثر الإجراءات صرامةً في تاريخها، مشيراً إلى أنه تم القبض على 338 شخصاً كانوا يحاولون عبور الحدود بشكل غير قانوني في الأسبوع الماضي، وأن 3 من الذين قُبض عليهم كانوا أعضاء في منظمة إرهابية.

تحقيقات قيصري

في الإطار ذاته، كشفت تحقيقات الشرطة التركية عن أن بعض الحسابات التي حرضت على أحداث العنف ضد اللاجئين السوريين بعد مزاعم عن تحرش شاب سوري بطفلة صغيرة من أقاربه في ولاية قيصري (وسط تركيا)، مرتبطة بتنظيمي «حزب العمال الكردستاني – اتحاد المجتمعات الكردستانية» و«فتح الله غولن» الإرهابيين.

)

وقالت مصادر أمنية تركية، الخميس، إن حسابات مؤيدة للتنظيمين المذكورين تداولت منشورات استفزازية ومضللة حول الأحداث التي استمرت في 22 ولاية تركية، في مقدمتها: هطاي، وغازي عنتاب، وقونيا، وبورصة وإسطنبول، إلى جانب المناطق الخاضعة لسيطرة القوات التركية والجيش الوطني السوري الموالي لأنقرة في شمال سوريا، وإن بعض مستخدمي تلك الحسابات لهم صلات بأفراد في الولايات المتحدة وألمانيا.

وانتقدت تركيا الدعم الغربي المقدم للمسلحين الأكراد في شمال سوريا. وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، في مقابلة مع مجلة «نيوزويك» الأميركية، إن من يعتقدون أن بإمكانهم إقامة «دولة إرهابية» في المنطقة على الحدود الجنوبية لتركيا يعيشون حلماً بعيد المنال لن يتحقق أبداً.

وأكد أن هدف تركيا الأساسي هو أن تكون الأراضي السورية خالية تماماً من الإرهاب، وأن تصبح دولة مزدهرة يحكمها السوريون.

وفي إشارة إلى الدعم المقدم من بعض دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) إلى «وحدات حماية الشعب الكردية»، خاصة من الولايات المتحدة التي تعتبرها حليفة في الحرب على تنظيم «داعش» الإرهابي، حث إردوغان دول الحلف على تبني «نهج متسق» في مكافحة الإرهاب.

وأضاف في تصريحات، على هامش مشاركته في القمة الـ75 لـ«الناتو» في واشنطن، نقلتها وسائل الإعلام التركية، الخميس، أن «أهم ما تتطلع إليه تركيا من حلفائها في (الناتو) هو أن يتبنوا نهجاً غير مزدوج المعايير في مكافحة الإرهاب، وأن يدركوا أنه لا يمكنهم محاربة تنظيم إرهابي (داعش) من خلال التعاون مع آخر (الوحدات الكردية)».

انتقادات لسياسة الحكومة

في سياق متصل، شهد البرلمان التركي، الخميس، تراشقاً حاداً خلال مناقشة مقترح مقدم من حزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، المؤيد للأكراد، تحت عنوان: «التحقيق في المشاكل الناجمة عن سياسة تركيا الخاطئة في سوريا وحلولها».

وقال نائب أنقرة من حزب «الجيد» القومي، كورشاد زورلو: «نتابع الوضع الحالي في الشمال السوري والأحداث التي شهدتها سوريا منذ اندلاع الحرب في سوريا عام 2011، وشاهدنا أخطاء الحكومة التركية السياسية، لكن اليوم قضية اللاجئين والتطورات الحالية في شمال سوريا بحاجة إلى دراسة شاملة».

وأضاف أن هناك خطر نشوء ممر إرهابي على حدود البلاد الجنوبية، وتركيا ملزمة بالقضاء على هذا الخطر.

من جهتها، حمّلت نائبة رئيس المجموعة البرلمانية لحزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، غولشان كيليتش كوتش يغيت، الحكومة المسؤولية عن النتائج التي أدت إليها السياسة الخاطئة التي اتبعتها منذ عام 2011، والتي قالت إنها قادت تركيا إلى مأزق سياسي واجتماعي كبير. وعدت أن أكبر ضمان لأمن تركيا اليوم هو تحقيق السلام مع الأكراد.

وتساءل نائب حزب «الشعب الجمهوري»، أكبر أحزاب المعارضة، عن مدينة ديار بكر ذات الغالبية الكردية في جنوب شرقي تركيا، سيزجين تانري كولو، عن السياسة التي اتبعتها الحكومة وعملية التغيير الديموغرافي التي قامت بها في عفرين ورأس العين وغيرهما من المدن في شمال وشمال شرقي سوريا حيث دفعت الآلاف إلى مغادرة منازلهم الموجودة هناك منذ آلاف السنين.

وقال موجهاً خطابه إلى نائب رئيس المجموعة البرلمانية لحزب «العدالة والتنمية» الحاكم، عبد الحميد غل: «لقد استبدلتم بالأكراد أعضاء تنظيمات (القاعدة)، و(جبهة النصرة)، و(أحرار الشام)، و(غزاة الجيش السوري الحر)».

وأضاف: «ماذا حدث في نهاية المطاف؟ تريدون تطوير العلاقات مع الأسد، وأن يلتقي به إردوغان على مستوى العائلتين كما كان من قبل، لقد أحرق السوريون في مناطق سيطرة القوات التركية علم تركيا، وهاجموا المركبات العسكرية، وقالوا: (اتركوا بلدنا، أنتم غزاة). الآن، قمتم بتجريم كافة مطالب الأكراد وتدريب وتجهيز وإطعام الكثير من العناصر الدينية والطائفية و(داعش)، حتى لا يحصل الأكراد على مكانة ولا يكون لهم مستقبل في النهاية».

لا مشكلة مع الأكراد

ورد غل قائلاً: «لا نقبل أبداً توجيه اتهامات ضد حزبنا أو حكومتنا بالعمل جنباً إلى جنب مع (داعش)، أو أي عناصر غير قانونية أخرى، تركيا بلد أظهر قتاله ضد جميع المنظمات الإرهابية الأخرى، بما في ذلك (داعش) وحزب (العمال الكردستاني) وحزب (الاتحاد الديمقراطي) و(وحدات حماية الشعب الكردية)».

وأضاف: «نهجنا هنا هو الحفاظ على البنية الوحدوية لسوريا وضمان وجود الأكراد في جميع المناطق، وبهذا المعنى لن نتردد أبداً في اتخاذ أي موقف ضد أي تنظيم إرهابي يهدد بلادنا».

وتابع: «إنشاء سوريا لسلامها الداخلي وعودة اللاجئين الطوعية والآمنة إلى وطنهم هو نهجنا الأساسي، نحن مستمرون في السياسة التي دافعنا عنها منذ البداية لتوضيح مسألة سوريا والوصول بها إلى نتيجة».

الشرق الأوسط

————————

=======================

تحديث 10 تموز 2024

————————

نظام الأسد من الممانعة إلى المناعة/ بكر صدقي

10 – يوليو – 2024

بات واضحاً أن تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق هو مطلب تركي ملح أكثر من كونه مطلباً ملحاً من جهة الأسد. فقد كرر الرئيس التركي إشاراته العلنية إلى هذه الرغبة ثلاث مرات في الأيام العشرة الأخيرة فقط، مقابل صمت مطبق من قبل نظام دمشق ووسائل إعلامه التي خلت من أي تجاوب مع اندفاع أردوغان باستثناء تصريح بشار الأسد حين التقى بالمبعوث الروسي في دمشق وقال فيه إنه منفتح على أي مبادرة على مسار تطبيع العلاقة مع أنقرة. الأمر الذي تم تفسيره من قبل الروس على أن النظام قد أسقط شرطه المسبق المعتاد بشأن وجوب خروج القوات التركية من الأراضي السورية ووقف تركيا دعمها للجماعات المسلحة في مناطق سيطرتها.

من حيث المبدأ يحتاج النظام الذي عانى طوال العقد الماضي من عزلة دبلوماسية خانقة، عربية وإقليمية ودولية وكادت علاقاته تقتصر على إيران وروسيا وعدد محدود من الدول العربية، يحتاج إذن إلى أي باب جديد ينفتح عليه للخروج من تلك العزلة على أمل الحصول على هامش خيارات أوسع تتيح له بعض اللعب على التناقضات والحصول على بعض المكاسب بهدف تعزيز «مشروعه» الذي يقتصر تماماً على استمرار بقائه في السلطة لأطول فترة ممكنة بصرف النظر عن التكاليف الباهظة لهذا الاستمرار على سوريا التي يحكمها، بما في ذلك تفكك الكيان والمجتمع السوريين وخضوع الدولة لقوى أجنبية وتحولها إلى ساحة لتقاسم النفوذ بين الدول المنخرطة.

وتشهد المرحلة الحالية نوعاً من التنافس بين الدول المشار إليها على فتح قنوات الاتصال مع النظام أو تعزيز العلاقات الموجودة بالنسبة لحلفائه الروس والإيرانيين. وأبرز مظاهر هذا التنافس نراها في استمرار محاولات المجموعة العربية معه على خط مشروع «خطوة مقابل خطوة» الذي تبنته الجامعة العربية، والتهافت التركي على التطبيع الذي تتنافس على «اقتناص» تدشينه كل من أنقرة وبغداد وموسكو، وتذكير الإيرانيين الخالي من اللغة الدبلوماسية له بأن قدر سوريا هو البقاء في إطار محور المقاومة والممانعة المرفق باتفاقية إذعان لتحصيل ديون طهران على النظام التي تبلغ أكثر من خمسين مليار دولار يعمل الإيرانيون على فرضها على الأسد.

غير أن الفوائد المرجوة من التطبيع مع تركيا، من وجهة نظر النظام، محدودة جداً بما لا يشجعه على تسريع عملية التطبيع كما يأمل الأتراك، ففي المستوى الاقتصادي تقتصر هذه الفوائد على رسوم الترانزيت التي قد يحصل عليها النظام من عبور الشاحنات التركية المحملة بالبضائع في اتجاه الحدود الأردنية في طريقها إلى دول الخليج العربي، فليس لدى النظام وفرة في الإنتاج لتصديرها إلى تركيا باستثناء حبوب الكبتاغون المخدرة التي اشتهر بتصديرها عبر الحدود الأردنية وجاءت المبادرة العربية لإيقاف تدفقها كأحد أهم أهداف تلك المبادرة. ومن شأن محاولة استغلال النظام فتح المعابر التجارية لتمرير شحنات كبتاغون مماثلة إلى تركيا أن يؤدي إلى تفجر مشكلة أمنية جديدة مع تركيا هذه المرة وهي الساعية إلى حل المشكلات المعقدة الموجودة أصلاً بواسطة التطبيع مع النظام.

الفائدة الثانية التي قد يسعى النظام إلى تحصيلها من التطبيع مع تركيا هي أن توقف أنقرة عمل المنابر الإعلامية المعارضة للنظام على غرار ما فعلته مع المنابر المصرية المعارضة ثمناً للتطبيع مع نظام السيسي. وهذه أيضاً حصيلة ضئيلة، من وجهة نظر النظام، إذا تحققت، لأن المنابر المعارضة لا يقتصر وجودها على الأراضي التركية، بل هناك منابر أخرى موجودة بكثرة في دول أخرى لا يمكن ابتزازها بهذا الخصوص. وعلى أي حال فالنظام قد اكتسب مناعة تجاه الإعلام والأصوات المعارضة تشبه مناعته في مواجهة مختلف التحديات لبقائه في السلطة، ليس بسبب قوته الذاتية أو مشروعيته المفتقدة بل بسبب انقسام السوريين إزاء الإطاحة به أو تغييره من جهة، وتضارب مصالح وأولويات الدول المنخرطة في الصراع السوري من جهة ثانية.

شاهدت صحافياً موالياً لديه قناة يوتيوب وهو يعلق على خبر وفاة مستشارة بشار الأسد الإعلامية والسياسية لونا الشبل وما تبع ذلك من تكهنات حاولت تصوير الوفاة على أنها «تصفية» لها من قبل النظام أو أحد أجنحته، فيقول في تفنيد هذه التكهنات «المغرضة» من وجهة نظره من خلال محاكمة «منطقية» غريبة تقوم على تأكيد مناعة النظام المطلقة تجاه جميع الأحداث والأنواء العاصفة التي لم تؤثر قيد أنملة على رسوخه وصموده. إذ لماذا قد يقوم النظام بتصفية الشبل وهي مجرد مستشارة إعلامية من السهولة بمكان إيجاد بديل لها من بين خيارات كثيرة جاهزة؟ وما هو أثر وفاتها على ثبات النظام وهو الذي صمد أمام عاصفة «المؤامرة الدولية» التي استهدفت الإطاحة به، ناهيكم عن انعدام تأثير وفاة شخصيات أكثر أهمية كوزير الخارجية السابق وليد المعلم أو كبار الضباط في خلية إدارة الأزمة الذين قتلوا في تفجير المبنى الذي اجتمعوا فيه، صيف العام 2012؟

لندع جانباً أن اعتبار المناعة ميزة إيجابية أو فضيلة هو بذاته مشكلة سياسية وأخلاقية، فما يمكن استخلاصه من كلام الصحافي الموالي هو أن التكهنات «المغرضة» بشأن وفاة المستشارة الإعلامية لم تقتصر على المنابر والأصوات المعارضة في الخارج، بل شارك فيها أيضاً سوريو الداخل الخاضعون لسيطرة النظام، وربما هذا ما دفع النظام إلى الرد على تلك التكهنات، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وإعادة التأكيد على مناعة النظام المطلقة وبقائه في السلطة إلى الأبد مهما حصل.

من هذا المنظور يمكن فهم تباطؤ النظام في التجاوب مع المبادرات الثلاث، التركية والروسية والعراقية، لتطبيع علاقاته مع تركيا، وتفضيله اللقاء مع زعيم المعارضة العلمانية التركية على اللقاء مع أردوغان كخطوة أولى. وحين يصبح التهرب من اللقاء الأخير غير ممكن وضاراً له فمن المحتمل أن لديه «خططاً» جاهزة لعرقلة المضي في هذا التطبيع وإطالة الزمن للإيفاء بموجباته. فهو لا يملك الإمكانات أو الموارد لاستقبال ملايين اللاجئين من تركيا كما تأمل الحكومة التركية، في الوقت الذي تدفع الظروف الاقتصادية الخانقة السكان في مناطق سيطرته إلى البحث عن طرق للهروب من جحيم «سوريا الأسد». ولا يملك الإمكانات العسكرية والأمنية للسيطرة على الأراضي التي يطالب تركيا بالانسحاب منها في الوقت الذي يعجز فيه عن السيطرة التامة على محافظتي درعا والسويداء في الجنوب.

النظام الذي خرج عملياً من محور الممانعة بعد عملية طوفان الأقصى والحرب الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزة، يريد أن يكرس في أذهان محكوميه الناقمين أنه منيع على التغيير. فهل هو منيع حقاً؟

كاتب سوري

القدس العربي

—————————-

النظامان التركي والسوري إلى تطبيع جزئي/ علي العبدالله

10 يوليو 2024

قاد التحرّك التركي لافتتاح معبر أبوالزندين بين مناطق سيطرة النظام والمعارضة السوريين في ريف حلب إلى إثارة مخاوف فصائل المعارضة المسلحة وحواضن الثورة والنازحين في المخيّمات من توجّه تركي لتسليم مناطقهم للنظام، كما حصل سابقا، تحقيقا لمصلحة تركية، فعبّروا عن مخاوفهم بمنع دورية روسية من الدخول إلى منطقة الباب، وهاجموا المعبر والشاحنات التي وصلت إليه من مناطق النظام، قبل أن تؤجج اعتداءات أتراك على السوريين في قيصري وغازي عنتاب غضبهم، وتدفعهم إلى التظاهر ومحاصرة المؤسّسات المدنية والسياسية والعسكرية التركية في مدن شمال غرب سورية وبلداته، وإنزال الأعلام التركية وحرق بعضها. سقط قتلى وجرحى منهم برصاص الجيش التركي، وبلغ سخطهم ذروة عالية بعد تصريحات مسؤولين الأتراك عن استعدادهم للتطبيع مع النظام السوري، ودعوة رئيسه إلى قمّة ثلاثية مع الرئيسين التركي والروسي في تركيا، والتي شكلت صدمة كبيرة، خصوصاً قول أردوغان “سنأخذ مصالح تركيا في الاعتبار في المقام الأول”.

لم يخفّف السخط والغليان الشعبي إعلان القادة الأتراك عن عدم تخلّيهم عن المعارضة وتمسّكهم بحقوق الشعب السوري، ففي ذاكرة السوريين مرارات من تخلي تركيا عنهم في حلب وإدلب وتحويل مقاتليهم إلى مرتزقة في حروبٍ في ليبيا وأذربيجان والنيجر، حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، خدمة لمصالح تركية.

ارتبط التحرّك التركي الجديد للتطبيع مع النظام السوري بعدة عوامل: أولها، المناخ الداخلي الذي ترتب على الانتخابات البلدية، التي حققت فيها المعارضة فوزاً واضحاً، وتغيير حزب الشعب الجمهوري سياسته إزاء النظام القائم وانتقاله من المقاطعة إلى الحوار ودخوله في حوار مع رئيس حزب العدالة والتنمية (الحاكم)، رجب طيب أردوغان، ومطالبته بالسماح لحزب الشعب الجمهوري بممارسة حقه في السياسة الخارجية خدمةً لخط الحزب. وقد اتصل رئيس الحزب أوزغور أوزيل برئيس النظام السوري، وتحدّث عن التحضير لزيارة سورية، ومطالبته بتزويده بتقارير رسمية عن مجريات السياسة الخارجية وما يحصل بين تركيا ودول العالم. ثانيها، حاجة النظام التركي لحلحلة ملف اللاجئين وقطع الطريق على استثمار أحزاب المعارضة فيه، والتخفّف من الضغوط التي يتسبّب بها سياسيا واجتماعيا. ثالثها، حاجة النظام التركي لفتح الطرق السورية أمام حركة النقل التركية باتجاه الأردن ودول الخليج العربية؛ بالإضافة إلى التبادل التجاري مع مناطق سيطرة النظام لتحسين الوضع الاقتصادي وخفض البطالة والتضخّم. رابعها، وأكثرها أهمية وإلحاحا، القلق من تبعات إجراء انتخابات بلدية في مناطق الإدارة الذاتية في شمال سورية وشرقها، والتي ستعني، في حال جرت، منح “الإدارة” شرعية شعبية، ما يفتح المجال للاعتراف بها سياسيا.

استغل الرئيسان الروسي بوتين والتركي أردوغان انشغال الإدارة الأميركية بتطورات العدوان الصهيوني على قطاع غزّة وتبعاته المحلية والإقليمية والدولية، وانعكاسها على الحملة الانتخابية للرئيس الأميركي جو بايدن، وتطورات العدوان الروسي على أوكرانيا في ضوْء تغيّر في مواقف الكونغرس والحلفاء من دعم أوكرانيا عسكريا وماليا، ودخول الإدارة الأميركية مرحلة البطّة العرجاء، واحتمال فوز المرشّح الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات والتغيير الذي سيحصل في السياسة الخارجية الأميركية، وانشغال إيران بإنقاذ حركة حماس والحفاظ على مكاسبها الجيوسياسية عبر التفاهم مع الإدارة الأميركية على منع توسّع الحرب، عبر العمل على وقف إطلاق النار وحل الخلافات على البرنامج النووي، وتحرّكا لصياغة توازن جيوسياسي في سورية، يستند إلى تطبيع العلاقات بين النظامين التركي والسوري، هدفه دفع المعارضة السورية إلى المصالحة مع النظام والسماح بعودة مؤسّساته إلى مناطقها والتفاهم والتنسيق بينهما ضد “الإدارة الذاتية” في شمال سورية وشرقها، لوضع الإدارة الأميركية المقبلة، ديمقراطية أم جمهورية، أمام أمر واقع يفرض عليها الاستجابة لمطالبهما في ملفّات خلافية أو مواجهة ظروف سياسية وميدانية غير مواتية واضطرارها للانسحاب من سورية.

غير أن الإعلان عن الاستعداد للتطبيع لا يعني أن طريق التطبيع مفتوحة والتحرّك نحوه متاح وسلس في ضوء تباين في الأولويات، فأولوية النظام التركي مواجهة مشروع “الإدارة الذاتية” في شمال سورية وشرقها، وهو يعلم أن حلّ مواجهة هذا المشروع مع الولايات المتحدة، وأن ضربه لا يُنهي صداعه من القضية الكردية التي يسعى إلى مواجهة تفرّعاتها في دول الجوار، في حين يكمن الحل بمواجهة أصل المشكلة: حقوق الكرد داخل تركيا نفسها، وحل مشكلة اللاجئين وفتح الطرق أمام النقل والتجارة، في حين أولوية النظام السوري هي إعادة السيطرة على مناطق المعارضة. وقبول النظام بالأولوية التركية يحوّله إلى قذيفة في المدفع التركي. وقبول النظام في أنقرة بأولوية النظام السوري سيستدعي منه سحب قواته، أو وضع جدول زمني لسحبها على أقلّ تقدير، وتخلّيه عن دعم المعارضة السورية التي يعتبرها النظام في دمشق إرهابية، ما يجعله يدين موقفه السابق المناصر لها. وهذا إن حصل سيُحدث حالة فوضى وموجات نزوح كبيرة إلى الداخل التركي، ما يفاقم مشكلة اللاجئين، ويضعه أمام مأزق قاتل. لذا، وتحاشياً لقبول مبدأ سحب القوات، في وقت تنتشر فيه قوات أجنبية على مقربةٍ من حدوده الجنوبية، ربط النظام التركي دعوات التطبيع بقبول النظام المصالحة مع المعارضة وتشكيل كيان موحّد معها وعملهما معا في مواجهة “الإدارة الذاتية”، كما ربط سحب قواته بانسحاب القوات الأميركية والروسية والإيرانية، وهو ما لا يستطيع النظام السوري المطالبة به أو تنفيذه. لذا لم يعلق الأخير على الدعوات التركية، خصوصاً دعوة رئيسه إلى زيارة تركيا لحضور قمة مع أردوغان وبوتين، وربما رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني، لأنها تعني، بحساباته، تسليمه بالمطالب التركية وتجاهل مصالح داعمه الرئيس: النظام الإيراني، الذي لا تناسبه صفقة تطبيع برعاية روسية وبتجاهل تام له ولمصالحه. وهذا سيجعل مسار التطبيع طويلاً، ويركّز، في البداية، على حل قضايا إجرائية قبل بلوغ حد اتفاق سياسي شامل، فالنظام التركي يتحرّك بمعادلة مركّبة مكونة من عناصر عديدة: المحافظ على النفوذ والوجود العسكري في سورية، حتى تنفيذ حل يضمن مصالحه، التمسّك بالعلاقة مع المعارضتين السوريتين، السياسية والعسكرية، والانخراط في مفاوضات مع النظام السوري بشأن الحلّ السياسي لتحقيق أهدافه ومصالحه وتثبيتها على المدى الطويل.

لم تثر التصريحات والدعوات التركية قلق المعارضة السورية، السياسية والعسكرية، وقلقها فقط، بل ووضعتها في موقف دقيق وحرج، على خلفية ارتباطها السريري، سياسيا وعسكريا، بالنظام التركي الذي سبق ووصفته بأنه ضامن مصالحها، فهي غير قادرة على مواجهة داعمها الوحيد ومقاومة توجّهاته السياسية، خصوصاً إذا اقتضت مصلحته الضغط عليها، أو على بعضها، كما في مسار أستانة، للتفاوض مع النظام خارج مقتضيات القرارات الدولية ذات الصلة، وغير قادرة على التخلّي عن مطالبها في تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة، قرار مجلس الأمن 2254 بشكل خاص، لأنها ورقتها الوحيدة للاحتفاظ بما تبقّى لها من شرعية شعبية، ما وضعها أمام خياراتٍ محدودة. لقد غدت كبالع الموس عالحدّين، فاتفاق النظام التركي مع النظام السوري واعترافه به ممثلا للدولة السورية يفقدها كثيرا من شرعيتها، ولا سيما بعدما تآكل الدعمان العربي والدولي لها، وتراجع زخم التحرّك الأممي للاتفاق على تنفيذ القرار 2254، وتراجعها عن مطالبها التي أقرتها القرارات الدولية يفقدها الشرعية الشعبية.

ليست لدى المعارضة أوراق كثيرة تستخدمها لاحتواء المخاطر والتقدّم على طريق تحقيق بعض المكاسب وانتظار تغير التوازنات لصالحها، لذا اكتفت بإصدار بيانات ضد اعتداء الأتراك على السوريين، وأبدت تحفّظها بصيغ مخفّفة على الدعوات التركية إلى التطبيع مع النظام السوري، في حين أن المطلوب تحرّك جادّ للحفاظ على موقعها وما تبقّى لها من شرعيةٍ لدى حواضن الثورة. وهذا يستدعي العمل على أوراقٍ يمكن أن تمنحها القوة. الورقة الرئيسة هي التلاحم مع القوى الشعبية وتشجيعها على التظاهر ضد التطبيع التركي مع النظام السوري. وهذا يستدعي تعاطياً مختلفاً عن السائد، قائماً على التفاعل والوجود بينها وبقربها، وعلى العمل على توفير ظروف صمود هذه القوى وتماسكها، عبر العمل على توفير دعم إغاثي ومساعدات كافية وخدمات صحية وتعليمية ومشاريع استثمارية لتوفير فرص عمل. الورقة الثانية، التمسّك بالقرارات الدولية مرجعية للتفاوض، والعمل على وضعها موضع التنفيذ. الورقة الثالثة، التنسيق مع منظمّات المجتمع المدني في تحرّكه لكشف انتهاكات النظام لحقوق الإنسان، والعمل مع المنظمّات الدولية لصدور إدانات قضائية ضده. الورقة الأخيرة، الدخول على خط التوازنات الإقليمية والدولية وإقامة تقاطعات معها، بما يتيح لها تحقيق حضور وتوفير حماية وحجز مقعد على طاولة الحل. ويتطلّب هذا كله “نفضة” قوية لمؤسّساتها وتغييراً شاملاً في كوادرها وتعزيزها بدماء جديدة من حواضن الثورة.

العربي الجديد

———————–

أردوغان ولعبة الرهانات/ د.جيرار ديب

10 تموز 2024

أكّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من على شرفة مقرّ حزبه وأمام محازبيه، بعد خسارة له في الانتخابات المحلية بعد 22 عاما من المعارك الانتخابية التي كان يحقّق فيها النصر، أن «31 مارس 2024 ليست نهاية بالنسبة لنا، بل هي في الواقع نقطة تحوّل، بالطبع سنتحقّق من أسباب هذا التراجع على المستوى المحلي، سنحدّد جيدا أسباب كل مكان خسرنا فيه، أو انخفضنا فيه، وسنعالج الأمر بالشكل اللازم».

لم يتوقع أحد أن تحصل المعارضة على هذا القدر من الأصوات في الانتخابات المحلية التي جرت مؤخرا، ولم يتوقع تحالف الحزب الحاكم فقدان هذا العدد من الأصوات. طوى أردوغان صفحة نتائج الانتخابات هذه، ولكنه فتح بالمقابل صفحة جديدة من سياسة بلاده الخارجية، حيث شكّلت خياراته الجديدة المفاجأة لحلفائه قبل خصومه.

تطور لافت، أو ما يعرف بالمفهوم الدبلوماسي «تحوّل» مفاجئ للسياسة التركية تجاه النظام في سوريا، إذ لطالما أطلق أردوغان على الرئيس السوري بشار الأسد صفة «الجزار» بحقّ شعبه، لاسيما مع بداية الثورة السورية عام 2011. إذ بعد 13 سنة من الحرب الداخلية في سوريا، انفجر الوضع في شمالها وجنوب تركيا، بين الجيش التركي والميليشيات التي تعمل بدعم ورعاية منه، والتي طالما تسبّبت حمايتها ورعايتها بالأزمات مع روسيا وإيران، واستمرار تعقيد العلاقة مع سوريا، من خلال مواصلة الرفض التركي لشرط الالتزام بالانسحاب من سوريا.

تبدّلت الخريطة الجيوسياسية للمنطقة، خصوصا بعد السابع من أكتوبر مع دخول إسرائيل في حرب كبرى مع إيران بطريقة غير مباشرة عبر حلفائها من حركة حماس وصولا إلى الحوثيين في اليمن. لقد شهدت سياسة تركيا الخارجية حراكا مفاجئا مع النكسة التي مُني بها الرئيس أردوغان في الانتخابات الداخلية المحلية التي جرت في مارس 2024. فإن يعلن أردوغان خلال لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في العاصمة الكازاخستانية أستانا الأربعاء 3 يوليو الجاري، أن بلاده مستعدة للتعاون بحلّ الأزمة في سوريا، ولاسيما في مكافحة الإرهاب، حسب بيان للرئاسة التركية، هنا تكمن المعضلة، إذ هل تغيّر مفهوم الإرهاب لديه أم تغيّر الإرهابيون؟

ووفق البيان الذي صدر عن اجتماع بوتين وأردوغان على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون في أستانا الخميس 4 تموز الجاري، فإن الأخير أكّد أن تركيا «مصممة على منع إنشاء منظمات إرهابية بالقرب من حدودها، وإنها مستعدة للتعاون لإيجاد حلّ للأزمة في سوريا، نظرا لأهمية اتخاذ خطوات ملموسة لإنهاء عدم الاستقرار هناك، «ما يخلق أرضا خصبة للأنشطة الإرهابية». رحّب الرئيس الروسي بالموقف التركي، وقد أتى ذلك على لسان المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، عندما أعرب عن دعم بلاده لكل المبادرات ذات الصلة بالعلاقة بين سوريا وتركيا، من كل الدول المهتمة بتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، خلال لقائه وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في العاصمة الأردنية عمان. أتت الخطوة متلازمة مع الأحداث والتبدلات الدولية، وعلى ضوء المناظرة الفاشلة للرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي بات توجّه إليه الكثير من الدعوات المطالبة بالتنحي من السباق الرئاسي. كان هذا مع التقدّم الملموس لإيران في المنطقة من خلال انتصار المشروع، الذي عملت عليه لبسط نفوذها، وترافق أيضا مع التقدّم للجيش الروسي على محاور القتال في أوكرانيا وسط عجزٍ غربيٍ من مدّ كييف بالأسلحة المناسبة، وفي ظلّ صمود الصين وعدم انجرارها وراء الاستفزازات الأمريكية في شبه جزيرة تايوان وعلى بحر الصين الجنوبي.

لا يريد أردوغان أن يُبقي بلاده خارج مجريات المسار التاريخي، بل يعمل على ركوب موجة التغيير، عبر تكريس حضور فعّال لتركيا في النظام العالمي المزمع إنشاؤه من قبل روسيا والصين، وما قمة شنغهاي الاقتصادية وتوسع الدول المشاركة فيها، إلا دليل على أن المنافسة جديّة مع المؤسسات الدولية، التي فرضها الغرب، وإنّ ثبات الدول في مشروع إبعاد الهيمنة الأمريكية لم يزل قائما ومستمرّا. الانفتاح على سوريا بات مطلبا داخليا وخارجيا لتركيا؛ داخليا لمنع توسّع دائرة الصدام بين الأتراك والنازحين السوريين، حيث شهدت مناطق واسعة في تركيا اعتداءات على مناطق وجود السوريين. فعلى ما يبدو حدّد أردوغان أسباب فشل حزبه من تحقيق الانتصار داخليا، فعبء النزوح وتوقف الاتحاد الأوروبي عن القيام بواجباته تجاه النازحين لمنع تدفقهم إلى القارة الأوروبية، بات ينعكس سلبا على حياة المواطن التركي، ما دفع بأردوغان هذه المرة ليس إلى فتح الحدود مع أوروبا، كما حصل في السابق، بل إلى فتح صفحة جديدة مع النظام في سوريا، علّه في ذلك يضع خطط عودتهم بطريقة آمنة. أسباب التراجع الانتخابي حدّده أردوغان خارجيا أيضا، إذ ذهب بعيدا في ملاقاة روسيا وإيران في سوريا، لهذا بدّل في مفهوم الإرهاب ومدّ يد المصافحة للنظام السوري، حتى لو تطلّب هذا الانسحاب من أراضي سوريا وعدم تحقيق المنطقة العازلة التي دخل لأجل إقامتها. قرأ أردوغان الانفتاح السعودي على إيران وسوريا، الذي ترجم في تصريحات حسام زكي مساعد الأمين العام لجامعة الدول العربية، الذي أعلن أن الجامعة أزالت صفة الإرهاب عن حزب الله اللبناني. لهذا وجد ضرورة السير في ركب التحول بعد استمرار إسرائيل في وحشيتها تجاه غزة، فتركيا لا تستطيع أن تقف متفرّجة على الانتهاكات الإنسانية بحقّ المسلمين، وهي التي تقدّم نفسها على أنها ضمانة لهم في العالم.

تعقيدات المشهد السياسي العالمي، تزامنت مع تراجع نفوذ الولايات المتحدة وهروب كثير من حلفائها والارتماء في أحضان روسيا والصين، هذا ما أكّده الصعود القوي لليمين المتطرّف، ونجاحه في الوصول إلى السلطة في الكثير من دول أوروبا، وهذا ما سيبعد حتما فكرة الانضمام التركي إلى الاتحاد الأوروبي. لهذا اعتبر أردوغان هذا التغيير بمثابة الضوء الأخضر للسير في تبديل سريع لسياسات بلاده الخارجية، فالقراءة اليوم ترى إن العالم يسير إلى تعددية قطبية إلا إذا أثبتت الولايات المتحدة عكس ذلك. بغضّ النظر عن لعبة المحاور التي يعمل أردوغان على لعبها، إلا أن الأكيد أن تصريحاته بشأن الانسحاب من سوريا ليست إلا تطمينات قد لا تجد لها ترجمة على أرض الميدان.

كاتب لبناني

القدس العربية،

———————-

العنصرية والتضييق يدفعان اللاجئين السوريين في تركيا إلى هجرة ثانية/ مصطفى رستم

العودة إلى مناطق النظام لا تدخل في حساباتهم والوجهة الأبرز بالنسبة إليهم هي أوروبا

الجمعة 12 يوليو 2024

ناهز عدد اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا تحت بند الحماية الموقتة، الملايين الثلاثة، وفق دائرة الهجرة التركية، يملكون 4 آلاف شركة منذ عام 2016، وتفيد تقديرات اتحاد غرف وبورصات السلع في تركيا بأن حجم الاستثمارات السورية يبلغ 10 مليارات دولار، ويتنوع نشاط المستثمرين ويشمل الزراعة والبناء والتجارة.

عبثاً تحاول الحكومة التركية تضميد الجراح التي أثخن بها اللاجئون السوريون في تركيا بأيادي مجموعات عنصرية من الأتراك حدثت مطلع يوليو (تموز) الجاري. وعلى رغم أنه لم يكن الاعتداء الأول من نوعه عليهم، فإن هجوم ولاية قيصري التركية كان الأعنف والأكثر تنظيماً، وألحق أضراراً نفسية ومادية واسعة.

حادثة قيصري

وبات معروفاً كيف هاجمت مجموعات تركية مدفوعة، كما يتداول، من أحزاب متطرفة ومعارضة، حياً يقطنه سوريون، وحطمت مركباتهم وأحرقت محالهم التجارية، مما دفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الإعلان عن “عدم التسامح مع الإساءة أو مع من يخطط للفوضى”، لتشن في أعقاب ذلك الشرطة التركية حملة اعتقالات، وأوقفت 1000 شخص.

وأشار رئيس رابطة اللاجئين السوريين في تركيا مضر الأسعد في حديثه إلى “اندبندنت عربية” إلى أضرار نفسية لحقت بـ70 ألف سوري في ولاية قيصري، وما بين 500 و700 عائلة سورية تضررت مادياً، وحرقت منازلها، ومحالها التجارية وتهشمت وتحطمت مركبات يملكها أفرادها.

وأكد الأسعد أن “ما جرى في قيصري وأضنة وعينتاب أمر غير مقبول ويخالف المواثيق الدولية والإنسانية، وهذا الخطاب العنصري يعود لتحريض المعارضة والشخصيات المعارضة التي لا تريد الخير لتركيا سياسياً أو اقتصادياً”. وأضاف “لدى السوريين استثمارات في تركيا بقيمة 10 مليارات دولار عدا شراء المنازل والعقارات والسيارات والمحال التجارية”.

وتابع “الآلاف وضعوا منازلهم ومصانعهم وكل ممتلكاتهم برسم البيع للهجرة وبخاصة في الفترة الأخيرة بعدما ضاقت عليهم الأمور، لا سيما من قبل إدارة الهجرة والأحزاب المعارضة العنصرية. ويفكر هؤلاء ألف مرة بهجرة ثانية والوجهة بالتأكيد ليست سوريا، بخاصة من يحمل رأسمالاً كبيراً بينهم، بل سيتجهون إلى الجزائر أو المغرب أو مصر أو دول عربية خليجية، والخاسر الكبير هي تركيا”.

وتابع “اللاجئ السوري في أوروبا تقدم له الحكومة مساعدات شهرية، منها أجرة البيت، أو تعطيه منزلاً وراتباً ومساعدات إنسانية وطبية ودراسة جامعية، بينما اللاجئ في تركيا يدفع من جيبه الخاص أجرة المنزل والمعيشة كاملة، ولا يدفع له أي شيء سوى الطبابة، وفي بعض الحالات يدفع ما قيمته نصف أو ربع القيمة، إضافة إلى صعوبة الحصول على الكمليك”، وهي بطاقة هوية الحماية الموقتة التي تتيح الحصول على الخدمات والمساعدة في تركيا.

في المقابل، بدأت الحكومة التركية تحصر من طريق منظمة “أفات” الأضرار لتعويض السوريين، وفق ما ذكر رئيس “رابطة اللاجئين السوريين”، مضيفاً أنه “اعتُقل مئات المخربين الأتراك ووُضعوا السجن وحوسبوا. ووعدت الحكومة التركية بتقديم تعويضات بصورة كاملة في ولايات عدة، منها قيصري وأضنة وعنتاب وإسطنبول ومرسين وأنطاكيا وأورفا، وهي المناطق التي جرى فيها التهجم على السوريين، الذين لم يكونوا عالة على تركيا، فكثير من المنظمات الدولية التي تعنى بأمر اللاجئين السوريين أسهمت بتدفق ملايين الدولارات إلى تركيا”.

وأعلن وزير الداخلية التركي علي يرلي قايا توقيف 474 شخصاً يشتبه في اعتدائهم على أملاك سوريين في ولاية قيصري، بعد أعمال شغب اندلعت عقب ادعاءات بتحرش يافع سوري بطفلة تركية تبين في ما بعد أنها سورية من أقاربه، بينما عمت حالة من القلق والاستياء بين اللاجئين في تركيا عقب تسريب بياناتهم الشخصية عبر مجموعة مجهولة على تطبيق “تيليغرام”، وهي بيانات سرية وحساسة تحمل الرقم الخاص في دائرة الهجرة وعناوين السكن.

في المقابل سارعت الداخلية التركية إلى التحقيق حول تسريب البيانات وحددت حساباً على وسائل التواصل الاجتماعي يحمل اسم “انتفاضة تركيا”، نشر دعوة “للانتفاضة” في منطقة سلطان بيلي في إسطنبول، وتم التعرف إلى مدير الحساب الذي شارك البيانات. ودارت في المقابل في الشمال السوري وضمن مناطق تسيطر عليها المعارضة السورية اشتباكات مع الجيش التركي واحتجاجات شعبية استنكاراً لحادثة قيصري.

الهجرة الثانية

إزاء ذلك تفيد المعلومات الواردة عن ميل واسع لدى السوريين إلى الهجرة نحو بلدان أجنبية أو عربية، وترك الأراضي التركية بعد كل هذه الأحداث. والهجرة الجديدة بحسب ما يرى متابعون لشؤون الهجرة ستكون، إما بطريقة شرعية أو غير شرعية، إلى أوروبا عبر العبور براً أو عبر قوارب بالبحر أو السير على الأقدام. وسقط كثر قتلى جوعاً وعطشاً جراء تضييق الشرطة على الحدود التركية – اليونانية أو التركية – البلغارية.

ويتركز اللاجئون السوريون في الولايات التركية الجنوبية الغربية، وكبرى المدن مثل إسطنبول وأنقرة، بينما يعيش 1.3 في المئة منهم في مخيمات اللاجئين. وتستضيف إسطنبول نحو 550 ألف سوري مسجل.

في السياق، ناهز عدد السوريين المقيمين تحت بند الحماية الموقتة الملايين الثلاثة، وفق دائرة الهجرة التركية، يملكون 4 آلاف شركة منذ عام 2016، وتفيد تقديرات اتحاد غرف وبورصات السلع في تركيا بأن حجم الاستثمارات السورية يبلغ 10 مليارات دولار، ويتنوع نشاط المستثمرين ويشمل الزراعة والبناء والتجارة. وتوقعت مصادر مطلعة توقف مئات المصانع والمزارع عن العمل في حال هاجر السوريون، إذ تشكل نسبة كبيرة منهم غالبية العمال الحرفيين، الذين سيترك ترحيلهم أثراً في الإنتاج الصناعي والزراعي.

في موازاة ذلك، تدفقت عائلات من اللاجئين السوريين إلى بوابة “باب الهوى” مع اشتداد العنف في ولاية قيصري التركية. ورحلت السلطات التركية منذ إعادة فتح المعابر في الشمال السوري أكثر من 650 لاجئاً سورياً ممن يحملون بطاقة الحماية “الكمليك” بعد أن تنازلوا عن حقوقهم في تركيا، وأجبروا على التوقيع على أوراق “عودة طوعية”.

وتحدث المرصد السوري لحقوق الإنسان عن تجميع القوات التركية المرحلين بالمئات في مخيمات قرب البوابات الحدودية مع سوريا، وإجبارهم على توقيع أوراق “عودة طوعية” تمهيداً لنقلهم عبر دفعات إلى المعبر السوري.

في الجهة المقابلة، دعت الإدارة الذاتية اللاجئين الموجودين في تركيا الذين يتحدرون من مناطق شمال شرقي سوريا إلى العودة إلى مدنهم ومناطقهم. ودعا الرئيس المشترك لمكتب النازحين واللاجئين في الإدارة الذاتية الكردية، شيخموس أحمد، مفوضية اللاجئين ووكلاء الأمم المتحدة، والمجتمع الدولي إلى إبداء رد فعل تجاه ما تقوم به تركيا.

وليست وحدها أحداث قيصري والهجمة العنصرية على ممتلكات السوريين وأرزاقهم وأرواحهم مما دفعهم إلى الرحيل والهجرة الثانية قسراً، بل الحديث عن تسارع مفاوضات التقارب بين أنقرة والنظام السوري. ويرى مراقبون في حال إتمام الاتفاق سيكون لزاماً على إسطنبول ترحيل اللاجئين. ويجزم رئيس الرابطة الأسعد بأن “السوريين على استعداد للعودة إلى المناطق المحررة من دون العودة إلى مناطق سيطرة النظام، أو اعتماد الحل الثاني بالسفر إلى مصر أو الخليج أو اليونان”.

———————–

اختزال السوريين بجواز السفر/ عمّار فراس

10 يوليو 2024

ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بصور جوازت سفر السوريين اللاجئين في تركيا. نحو ثلاثة ملايين شخص نُشرت بياناتهم الشخصية على الملأ. والمتهم، حسب السلطات التركية، طفل بعمر الـ14 عاماً.

يظهر “السوري” في التسريبات مختزلاً بجواز سفر. وثيقة رسمية صادرة عن نظام الأسد، تثبت أنه الأكثر ضعفاً. يحمل وثيقة ثمنها آلاف الدولارات في بعض الأحيان، تثبت أنه سوري، وهارب من بلاده. جواز سفر تحول إلى ورقة مساومة أحياناً، يزورها بعضهم كي يثبت أنه “سوري” ويستحق مساعدة “العالم”.

مرعبة هذه الملايين من الصور لسوريين وسوريات، بعضها مزيف وبعضها لمواطنين عرب، تُتداول بين الجميع. الرابح الأكبر منها هو النظام السوري، والعنصريون ومحتالو الإنترنت. لكن المرعب أكثر هو الأوجه، تلك التي تتشابه بعد تصفح عشرات جوازات السفر، لكل واحد منها حكاية ومأساة، وخوف من أن يُبتلى صاحب جواز السفر بجريمة لم يرتكبها.

جواز السفر يتجاوز وظيفة إثبات هوية صاحبه كوسيلة لرسم الحدود؛ فصاحبه مقيّد، وممنوع من الحركة، خصوصاً السوريّ، الذي يصنف جواز سفره كواحد من الأسوأ في العالم. حامل هذا الجواز مهدد دائماً، بل مضطر حتى إلى دفع 100 دولار كي يدخل إلى بلاده نفسها إن كان مسافراً.

انتشرت صور جوازات السفر على وسائل التواصل الاجتماعي ذات المنصات التي تحولت إلى مساحات للترويج، يستخدمها سوريون ينشرون صور جوازات سفرهم الأوروبية بعد حصولهم على الجنسية. صور تحمل فرحاً سببه أنهم تلخصوا من “لعنة” جواز السفر السوري.

آخرون، خصوصاً ممن بقوا في سورية وقيّد جواز السفر عملهم وتنقلهم، بدأوا بشراء جوازات سفر جديدة، تلك التي تعطى للمستثمرين في بعض جزر الكاريبي، ليتحول الجواز الجديد وحامله إلى جزء من حملة إعلانيّة مفادها أن لعنة جواز السفر السوري يمكن الفكاك منها بالمال، ليفتح العالم أمام حامل جواز السفر الجديد، أو حسبما يقول باسم ياخور، الممثل السوري المقرب من النظام، بعدما اشترى جواز سفر كاريبي: “جواز السفر هذا يتيح لي التحرك بحرية في مختلف أنحاء العالم، حتى في الدول التي تحتاج لتأشيرة”.

إثر التسريب، تحولت “هوية” الأشخاص إلى محتوى. خبر يُتداول بين المنصات والمواقع الإخبارية. أوجه من دون تعابير تحدّق فينا، تاركةً إيانا أمام أسئلة لامتناهية عن عذابات السوري ورحلته خارج بلاده، واحتمالات الخطر التي تهدده في تركيا. لكن الأهم، لا تفاصيل حول المتهم بالتسريب أو عقوبته.

تتابهى دول العالم بجوازات سفرها، تلك التي يكتب على بعضها أن الجيوش والأساطيل ستتحرك لإنقاذ أو مساعدة حامل جواز السفر. في الحالة السوريّة، جواز السفر تهمة، لا يتحرك شيء لحماية حامله سوى أصوات الإدانات والمطالبة بحماية أولئك الأضعف، في حين أن النظام السوري حوّل جواز السفر إلى “تجارة” يستفيد منها لملء خزانته الخاضعة للعقوبات الأوروبية والأميركيّة.

جواز السفر السوري اكتسب صيغة جديدة حين بدأ ائتلاف المعارضة السورية بإصدار جوازات سفر للسوريين. جوزات تحاول كسر هيمنة النظام على حركة الذين هجّرهم ولجأوا إلى خارج سورية. وتبيّن أن جواز الائتلاف لا يمتلك اعترافاً رسمياً، بل أوقفت السعودية حجّاجاً يحملون جواز السفر “البديل” هذا، كونهم يسافرون بوثيقة لا اعتراف دولياً بها.

يرى كثيرون (وخصوصاً الأناركيين)، أن جواز السفر وسيلة للهيمنة، مرتبطة بالدول الوطنية والحدود الإقليمية التي تقيد حركة الفرد وتمنعه من اختبار العالم، كونها وسيلة لضبط “المواطنين” وإحصائهم.

في الحالة السورية، جواز السفر تحول إلى لعنة، ومحتوى يتم تبادله، ووسيلة للإدانة، والأهم، نكتة للتداول؛ فأي هجوم إرهابي في أي مكان في “العالم” تتلوه عبارة “هل وجدت السلطات جواز سفر سوري قرب مكان الحادث؟”، وكأن أسهل وسيلة للإدانة والاتهام هي جواز سفر مرمي بين الحطام والدماء.

العربي الجديد

——————-

رهينة التقلبات السياسية.. مستقبل السوريين الغامض/ رشا عمران

2024.07.10

لا تبدو أن علاقة السوريين المقيمين في تركيا ستعود إلى بداية عهد السوريين هناك، لم يعد التضامن الشعبي التركي موجودا بوفرة مع السوريين اللاجئين ومع مأساتهم منذ أن تم استخدام السوريين اللاجئين هناك بوصفهم الطرف الأضعف في اللعبة السياسية الداخلية والخارجية التركية.

حيث كان يتم الاشتغال على تصعيد خطاب الكراهية الشعبي ضد اللاجئين السوريين منذ سنوات حتى وصل إلى ما وصل إليه مؤخرا من اعتداءات مؤسفة وخطيرة بحقهم في غير مكان ومدينة في تركيا؛ اعتداءات وتجاوزات أمنية يبدو أنها مدعومة بشكل من الأشكال من قبل أطراف وجهات سياسية مختلفة غارقة في قلب اللعب السياسية التركية الداخلية؛ ولا ندري إن كانت بالصدفة متزامنة مع تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن موافقته على لقاء (السيد الأسد) وإعادة العلاقات التركية السورية إلى ما كانت عليه قبل 2011.

ما يعني أن مصير أكثر من ثلاثة ملايين سوري سوف يكون في مهب الريح السياسية خصوصا مع الحديث التركي المستمر عن العودة (الطوعية) للاجئين إلى سوريا، ومع الارتكابات التي تمارسها سلطات الأمر الواقع ضد السوريين في إدلب، ومع ما يكشف عن اعتقال النظام لأعداد كبيرة من العائدين إلى سوريا من لبنان أو من المرحلين قسريا منها.

ونعلم جميعا أيضا ما يحدث في لبنان بحق اللاجئين السوريين منذ سنوات وتحميلهم مسؤولية كل ما ترتكبه الطبقة السياسية اللبنانية من نهب وفساد وسوء إدارة وطائفية وارتهان، حتى بات السوري هناك هو المسؤول عن تغيرات الطقس والمناخ والحر الشديد. ولم يعد الأمر في مصر كما كان عليه سابقا مع تصاعد خطاب الكراهية ضد اللاجئين إثر نزوح أعداد مهولة من السودانيين ودخول معظمهم بطرق غير شرعية إلى مصر ومحاولة الحكومة المصرية فرض تقنين لأوضاع اللاجئين وفرض تغيير في القوانين الناظمة لوضع اللاجئين والمقيمين من غير المصريين ومنهم السوريين طبعا الذين كانوا في الأساس يخضعون لشروط دخول وإقامة صعبة.

وفي أوروبا التي بدأ اليمين المتطرف فيها بالصعود إلى سدة الحكم، ومع انكشاف الوجه المخفي للحكومات الأوروبية بعد حرب غزة، خصوصا في ألمانيا التي لجأ إليها العدد الأكبر من السوريين، لا يبدو أن وضع اللاجئين سوف يكون كما كان عليه سابقا، إذ يخشى كثر منهم اليوم ممن لم يحصلوا بعد على جنسيات أوروبية، يخشون أن لا يتم تجديد إقاماتهم أو رفض طلبات تجنيسهم أو خلق أسباب لطردهم، وبينهم كثيرون لا يمكنهم العودة إلى سوريا لأسباب سياسية وأمنية، ولا مكان لهم يمكنهم الذهاب إليه، وهو الوضع الذي يميز حال غالبية اللاجئين لا سيما المقيمين في تركيا ولبنان والأردن.

ولا يبدو أن تغييرا ما سيحصل في الداخل السياسي السوري، فالنظام سعيد بمحاولات إعادة تدويره عربيا وإقليميا على الأقل، ومشغول بالتخلص من صناديقه السوداء وصراعاته الاقتصادية، وهو في الأساس محكوم بالرؤية السياسية الإيرانية والروسية ومصالح البلدين في الوقت الراهن وصراعهما الخفي على السيطرة الكاملة على سوريا اقتصاديا وعسكريا وسياسيا، ومحكوم بالصراع السوري السوري بين حلفاء كل من البلدين المحتلين لسوريا. هذا عدا عن أن حال السوريين في الداخل لا يمكن تخيله من فرط قسوة العيش في ظل الانهيارات الاقتصادية والفساد وانعدام الأمن والفقر والجوع وانتشار التسول وعمالة الرقيق الأبيض والأطفال والتعاطي والفارق الطبقي المهول، وكل ما يخطر في البال من الكوارث الناتجة عن حرب أهلية طويلة كما حدث في سوريا خلال العقد الماضي.

ولم يعد خافيا أن غالبية من في الداخل يعيشون على ما يتمكن سوريو الخارج من إرساله إليهم، ما يعني أن الإعادة القسرية للسوريين سوف تحفر في عمق الأزمة الاقتصادية الشعبية أكثر؛ وهنا أيضا يحضر سؤال عن الحالة اللوجستية السورية وإن كانت قادرة على استقبال المرحلين، سواء في الشمال أو باقي أنحاء سوريا.

هكذا يعيش السوريون اليوم في كل أماكن وجودهم بانتظار ماذا ستكشف عنه الرؤى والخطط السياسية القادمة للدول ذات الشأن في الملف السوري المعقد، وكأن مصير هذا الشعب مقدر له أن يبقى متأرجحا بين موازين القوى الإقليمية والدولية، والعربية التي فقدت وزنها الدولي مكتفية بدور التابع للقوى العظمى دون أن يكون لها أي تأثير يذكر على أي ملف كبير من الملفات العربية إلا لمزيد من دمار الشعوب، سواء في سوريا أو السودان أو اليمن أو العراق أو لبنان أو ليبيا، وبطبيعة الحال في فلسطين المحتلة التي كشفت الواقع الحقيقي للأنظمة العربية المتهافتة على التطبيع مع كل أنظمة الإجرام في هذه المنطقة المنكوبة.

ويبدو السؤال عن دور مؤسسات المعارضة بما يحدث للسوريين في تركيا ولبنان وباقي دول اللجوء سؤالا عبثيا، لا سيما الائتلاف أو حكومة الإنقاذ أو باقي الأجسام السياسية التي تنطحت لقيادة الثورة وأسهمت بهزيمتها جنب إلى جنب النظام وحلفائه، بسبب ارتهان هذه الهيئات والمؤسسات لدول أخرى لعبت وتلعب في الملف السوري حسب مصالحها الشخصية، وجندت مؤسسات المعارضة بسلوكها ومواقفها وخطابها لخدمة أجنداتها الخاصة غير المعنية لا بالشعب السوري ولا بثورته ولا بأحلامه ولا تطلعاته، بل كان لها الدور الأكبر في عسكرة الثورة وأسلمتها وتحويل كثير من حملة السلاح فيها إلى مجموعات من المرتزقة والمستبدين المتحكمين برقاب من يعيش تحت سيطرتهم من السوريين الذين خرجوا من تحت دلف النظام إلي مزراب فصائل تفرض سيطرتها وإيديولوجيتها بقوة السلاح والأمر الواقع.

ما الحل إذا أمامنا نحن السوريين الذين ضاقت بنا الأرض والأمصار؟ نحن الكثر جدا الذين لا يمكننا العودة إلى سوريا لأسباب كثيرة تبدأ من الخوف على الأمان والسلامة الشخصية ولا تقف عند الكرامة التي تمنعنا من العودة للعيش بالذل الذي يفرضه النظام على جميع السوريين، فكيف سيكون الحال مع معارضين له عادوا بمصالحة أو بموافقة منه بعد كل ما حدث؟ عني أنا شخصيا، وأعرف مثلي عشرات الألوف لا يمكنهم العودة لأسباب أمنية أو يرفضونها طالما مازال النظام قائما. ما الحل فعلا وأين يمكن أن نذهب فيما لو قيل لنا غادروا البلاد التي تقيمون فيها؟ ما هو حال ملايين السوريين في تركيا ولبنان وهم في غالبيتهم معارضون للنظام وهاربون من بطشه ومطلوبون لأجهزة أمنه وهم الأكثر تضررا حاليا بين جميع اللاجئين أو المقيمين خارج سوريا؟ (لا بد هنا من التنويه أن السوريين في مصر يصنف تسعون في المئة منهم تحت بند المقيمين بسبب أن معظمهم يذهبون إلى سوريا بشكل دوري ولا مشكلة لديهم مع النظام السوري، هم هاربون من الحرب وليس من النظام إلا بعض من هم في سن الشباب ممن فروا من خدمة العلم كي لا يصبحوا قاتلين أو مقتولين).

أدرك مثل غيري أن هذه أسئلة سوف تبقى طويلا بلا إجابات ذلك أنه لا أحد يكترث بما يشعر به السوريون، ولا أحد يهتم بمصيرهم، ولم تعد القضية السورية مثيرة للاهتمام العالمي فقد أصبحت قديمة، هنالك قضايا أكثر جدة وأقل تعقيدا في الفهم.

وقد يكون من قبيل المصادفة أنني تلقيت وأنا أكتب هذا النص خبرا سريعا من تطبيق خاص بالأخبار عن تصريح للرئيس التركي يقول فيه إنه قد يرسل دعوة لـ (الرئيس السوري) لزيارة تركيا في وقت قريب. وتخيلت ماذا سيكون الوضع النفسي للسوريين في حال تمت هذه الزيارة فعلا. السوريون الذين يخشون الآن الخروج من منازلهم كي لا يتعرضوا لهجمات وعنف العنصريين من الأتراك سوف يضطرون لحبس غضبهم داخل أجسادهم وهم يرون من أوصلهم إلى ما هم فيه من ذل وقهر وخوف يستقبل بترحاب وهم ممنوعون من قول أية كلمة احتجاج أو اعتراض وعاجزون عن التعبير عن غضبهم من هذا التدوير لمجرم العصر. ترى هل سيجبرون على الوقوف في الشوارع يلوحون بالأعلام التركية وعلم النظام السوري تعبيرا عن الترحاب به؟!

تلفزيون سوريا

———————-

السوريون واختراع “ما بعد القلق”/ علي سفر

2024.07.10

لا يملك السوري رفاهية اللامبالاة، فقد جُرد منها، مثلما خسر وطنه، في ذروة اقترابه من حلم الحرية والكرامة. لا فائدة الآن من إعادة الحديث في سرديته الأثيرة، عن الثورة المغدورة، والأولى به أن يتحقق من قدرته على الصمود والاستمرار، وسط عواصف تطيح بكل مقومات حياته في المنافي، القريبة والبعيدة، بعد ظنه أنها ستكون ملاذًا آمنًا، يغريه بالبقاء، وفك الحقائب، وفرد الحاجيات والأحلام والمشاريع، لتأسيس حياة كريمة لائقة.

السوريون يعيشون أقصى درجات اليقظة بشكل مرضي، لا ينفع معه أي علاج، تجاه أي انتخابات تجري في البلاد التي وصلوا إليها، بعد أن سيطر على وعيهم إلحاح الحيطة والحذر مما سيترتب عليها. فالطمأنينة لم تعد كلمة ذات معنى عند اللاجئين الذين وجدوا أنفسهم مادة صراعية بين قوى متنافسة، تتهدد وجودهم في بياناتها الانتخابية، وفي سياسات بلدياتها، وحتى حين تختلف قوى متحالفة فيما بينها، فإنها تذهب إلى مهاجمتهم، بعد أن أصبحوا مكسر عصا للجميع.

ولهذا تراهم يبالغون بالاحتفال حين يفوز حزب أو تحالف أو جبهة لم تضع ترحيلهم وإعادتهم إلى المسلخ البشري الأسدي هدفًا لها. فرحهم هذا ليس فيه من الفرح شيء، بل هو كناية عن فوز قصير بنجاة مؤقتة من مصير منصوب فوق رؤوسهم، يغيب في هذه الجهة ويحضر في أخرى، لكنه لا يتلاشى.

السوري غير المهتم يقع في شر أعماله، إذ يكتشف عاجلًا أم آجلًا أن أمرًا يُدبر له في العتمة، سيحرمه من إمكانية البقاء في هذا البلد أو ذاك. ولهذا بات عليه أن يراقب ويمعن التفكير في أي شأن من شؤون البلد الذي يقيم فيه. أي أن شعوره بالقلق لم يعد مرتبطًا بالتنافس الانتخابي، وبالتغيرات في التوجهات السياسية تجاه قضيته الحارة، بل إنه استشرى في أعماقه حتى وصل إلى عتبة يمكن تسميتها بمرحلة “ما بعد القلق”.

كان البدو في بلادنا يرتحلون في أرض الله، يأخذون معهم بيوتهم ودوابهم وذكرياتهم، وجل اهتماماتهم كان يتركز حول حصولهم على مقومات المعيشة لهم وللقطعان التي تساعدهم على الاستمرار، أي الكلأ والماء. لكن السوري، وهو يتحول إلى بدوي عالمي رغماً عنه، بناءً على إلحاح العنصريين والشعبويين والبراغماتيين والمنافقين والانتهازيين، الذين حولوه وقضيته إلى بضاعة تُباع وتُشترى، لن يتمكن من التجوال بحرية في مشارق الأرض ومغاربها، بل إن السياسات الراهنة تذهب صوب تقييده وجعله جاهزًا للعرض في سوق النخاسة الدولي.

وبنظرة مقارنة، تصبح تلك الأقوام المرتحلة عبر الحدود، كالغجر، والنور، والقرباط وغيرهم، أفضل حالًا منه. فهي تمضي بلا قيود، بينما يقع أبناء جلدته في وسط الدائرة، ترصدهم العيون المستريبة، ويعلقون بالأسلاك الشائكة عند الحدود الفاصلة بين قارات البؤس وجزر الإنسانية المتضائلة. فتدقق في أوراقهم كل رجالات الأمن وشرطة الهجرة والجمارك، فهم موصومون.

لقد ثاروا ذات يوم، وفشلوا في جولة الحرية، لكنهم لم يرضخوا، وغادروا تاركين كل شيء وراءهم في سوريا المريضة بوباء الأسديين. لقد مضوا عنها زرافات ووحدانًا، أي أن حالتهم لم تعد مؤطرة في حيز اللجوء وحده، بل أمست تُنسب إلى كل أنواع الرحيل. فهل مرت في التاريخ المعاصر حكاية مجتمع يحزم بكامله، رغماً عنه، حقائبه ويرحل؟

لم تكن حالة السوريين استثنائية حين ثاروا ضد النظام الإجرامي البهيمي. كانوا نسخة مكررة عن شعوب أخرى سبقتهم، لا بل إن ثورة عام 2011 كانت تستمد روحها من جماليات كل الثورات الكبرى. لكن العقاب الذي نزل بهم على فعلتهم أكثر من استثنائي. إنه الأذى القاتم المنقى من كل احتمالات النجاة.

غير أن لكل حادث حديث، وحديث الحاضر هو ألا يجعل السوريون مصيرهم عقوبة، بل البحث في تضاعيف كل ألم يعيشونه عن نافذة، يطلقون عبرها إلى الفضاء الرحب أصواتهم وحكاياتهم، عذاباتهم ومسراتهم. ففي حالة “ما بعد القلق”، لن يكون بالإمكان الرضوخ إلى نزعات ونيات الآخرين، بل يصبح من الواجب جعل هؤلاء يستسلمون لإرادة الضحايا. وبعد خسارة كل شيء، ووراء عدم امتلاك شيء، تأتي المرء طاقة عجيبة تجعله يغامر نحو المستحيل. ولا شيء مستحيل أمام الجيل الجديد من أبناء المنفيين. وكما فعل الأسلاف حين ذهبوا بعيدًا في الأميركيتين خلال القرنين الماضيين، وصنعوا هناك حيوات جديدة، لأجيال صارت جزءًا من تكوين تلك البلاد وفئة من مؤسسيها. تأتي الأخبار دائمًا عن شباب سوريين يوسعون حيز وجودهم وإنجازاتهم، يعرفون قصة بلدهم، ويدركون أن الزمن الذي يضرم النيران في أحوالهم، هو أقسى ما مر على أهلهم، لكنهم لا يبالون به، فهم قادرون على تجاوزه بعد أن أكملوا دروس ما بعد القلق، حتى صارت من منسياتهم.

————————–

تركيا وأزمة سوريا المتفاقمة/ كمال أوزتورك

10/7/2024

في عام 2013؛ دخلتُ سوريا كصحفي  – في أشد أوقات الحرب – من الحدود إلى حلب، ورأيتُ الاشتباكات داخل المدينة.

على طول الطريق، شهدتُ الاقتتال بين فصائل المعارضة نفسها، وجرائم نظام دمشق، ومليشيات إيران، ومناطق تنظيم الدولة، وتحركات اللاجئين. في ذلك اليوم، أدركتُ أن أزمة سوريا هي حدث كبير، عميق، طويل الأمد، وله تأثيرات إقليمية.

مع مرور الوقت، رغم أنّ جزءًا من الأزمة المتمثل في الصراع الساخن قد هدأ، فإن العوامل الأخرى ما زالت مستمرّة، وقد أضيفت إليها مشاكل جديدة. في الأيام الأخيرة، أصبحت تركيا تبحث عن حلّ لهذه المشاكل التي لم تعد تحتملها؛ بسبب الأزمة السورية.

حمل الأزمة السورية

قبل الحرب الأهلية السورية، كان للرئيس أردوغان صداقة وثيقة مع عائلة الأسد، وكنتُ حاضرًا في إحدى الولائم العائلية في حلب. ولكن، مع اندلاع الحرب الأهلية، تدهورت العلاقات بينهم، بل أصبحوا أعداء.

وعندما تدخلت إيران وروسيا في الحرب، تفاقمت آثار الأزمة. وهكذا، تحولت المشكلة إلى نزاع إقليمي.

واتبعت تركيا سياسة نبيلة، لكنها محفوفة بالمخاطر؛ بفتح أبوابها أمام اللاجئين العرب والتركمان والأكراد القادمين من سوريا. وبسياسة الباب المفتوح؛ استقبلت البلاد تدفقًا كبيرًا من اللاجئين فجأة. في تلك الفترة؛ كان الاقتصاد التركي في حالة جيدة، فلم يكن للاجئين تأثير كبير على المجتمع.

ولكن مع مرور الوقت؛ تسببت استخبارات إيران وروسيا وسوريا عبر عملائها في خلق إرهاب وفوضى واضطرابات كبيرة. وعندما أضيفت جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية الناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية، بدأت المشاكل تشكّل عبئًا ثقيلًا.

اليوم؛ يقترب عدد اللاجئين السوريين من 3.5 ملايين، وهذا الوضع أصبح يُعدّ من كبرى المشاكل في تركيا، فحتى أصغر جدال يمكن أن يؤدي إلى أحداث كبيرة، كما حدث في الأسبوع الماضي في قيصري، وعنتاب، وأنطاليا، وبورصة، وهاتاي، حيث اندلعت فجأة أزمة كبيرة.

أردوغان يريد لقاء الأسد

فتحُ تركيا أبوابها أمام اللاجئين كان عملًا نبيلًا، ولكن عدم وضع سياسة جادة، وإستراتيجية، وتخطيط تجاه اللاجئين كان أحد أكبر أخطائها.

لهذا السبب تراكمت المشاكل، وأصبحت عبئًا كبيرًا، ونشأت أزمات مزمنة تنتظر الحل في العديد من المجالات، بدءًا من التعليم إلى الصحة، ومن شراء المنازل إلى الحياة العملية، ومن الحياة الاجتماعية إلى سوق العمل.

الأحداث التي بدأت الأسبوع الماضي في قيصري انتشرت بسرعة إلى عشر مدن؛ حيث تم الهجوم على محلات تجارية تعود للاجئين، وسقط قتلى وجرحى. للأسف، هناك من برّروا هذه الهجمات.

إن المجتمع تحت ضغط كبير، وأي شرارة صغيرة تؤدي إلى انفجار.

داخل المعارضة، هناك أحزاب تبني سياستها على معاداة اللاجئين. تقوم المعارضة بالدعاية المستمرة لإعادة اللاجئين إلى بلادهم، وحصلت على أصوات في الانتخابات الأخيرة بسبب هذا.

لذا، اعتقد الرئيس أردوغان أنه يمكنه حل مشكلة اللاجئين من خلال التفاوض مع الأسد، ودعا إلى لقاء مشترك، لكن الأسد لم يقبل ذلك.

لماذا قد يتعب الأسد نفسه؟

في الأسبوع الماضي، كان أحد أهم المواضيع في اجتماع أردوغان وبوتين في أستانا هو هذا الموضوع؛ حيث طلب أردوغان الدعم من بوتين في هذا الشأن، وقد وعده بوتين بذلك.

ولكن من منظور آخر، أسباب رفض الأسد الاجتماعَ مع أردوغان مهمة جدًا بالنسبة له.

فأولًا، الأسد سعيد جدًا بإخراج 8 ملايين سني سوري من البلاد الذين ذهبوا إلى تركيا ودول أخرى. في الماضي، كان هناك حكم الأقلية، والآن أصبح العلويون يشكلون الأغلبية تقريبًا، عدم وجود هذا العدد الكبير من السكان يجعل إدارة البلاد أسهل بكثير أيضًا، فلماذا يعيد هؤلاء الناس إلى البلاد ويعكّر صفوه؟

بفضل “الدولة المحلية” الصغيرة التي أنشأتها أميركا للأحزاب الانفصالية في منطقة روجافا، تعاني تركيا من مشاكل مع الولايات المتحدة، وتواجه اضطرابات كبيرة. بالإضافة إلى ذلك، يشكّل 3.5 ملايين لاجئ عبئًا كبيرًا على تركيا ويعدون قنبلة قابلة للانفجار، ويمكن أن يسبّب ذلك صراعات داخلية؛ فلماذا ينهي الأسد هذه الأوضاع التي تضايق عدوه؟

عودة اللاجئين تعني تعديل الدستور، وتقاسم السلطة الحكومية، والدخل، ومخاطر الإدارة الإقليمية؛ لماذا يقبل الأسد كل هذا؟

لهذا السبب، ليس للأسد أي نية للقاء أردوغان، أو حتى لحل المشاكل إن التقيا.

لن يحصل شيء دون موافقة روسيا وإيران

كان النظام السوري على وشْك الانهيار لولا تدخل إيران وروسيا اللتين أنقذتاه، وكلتاهما أصبحتا شريكتين في إدارة البلاد؛ حيث دخلت روسيا إلى المياه الدافئة التي كانت تسعى إليها منذ قرون، وأنشأت واحدة من أكبر قواعدها في البحر الأبيض المتوسط في طرطوس. أما إيران، فقد أصبحت شريكة في التجارة والمجال العسكري والإدارة في دمشق.

وبدون هذين البلدين، لا يمكن لنظام الأسد أن يصمد. إذا لم تضغط روسيا، فلن تتفاوض حكومة دمشق مع تركيا أبدًا.

لكن لماذا ترغب روسيا في حل مشاكل تركيا، وإنشاء إدارة جديدة في سوريا، أو إضافة عناصر جديدة إلى الحكومة؟ ماذا ستكسب في المقابل؟

لم يُرَ أن روسيا قامت بأي شيء من أجل صداقة أردوغان وبوتين، لذا يجب أن يكون هناك موقف دبلوماسي آخر لكي تضغط روسيا على الأسد.

وكذلك، لماذا ترغب إيران في تخفيف الضغط عن تركيا؟ لماذا تشارك القوة التي تسيطر عليها في دمشق مع الآخرين؟

لإقناع إيران، يجب أن تحصل على مكاسب أكبر بكثير لحل أزمة سوريا واللاجئين، التي تعتبر أكبر صداع لتركيا، والتي تُعتبر أكبر منافس لها في المنطقة.

الحل ليس قريبًا حتى وإن التقيا

يبدو أن أردوغان والأسد سيلتقيان وجهًا لوجه، وهذا سيؤدي إلى تفاعلات كبيرة داخل تركيا. ومع ذلك؛ حل المشاكل ليس بالسهولة المتصورة، فقد يشارك الأسد في الاجتماع بضغط من بوتين، لكنه لن يرغب أبدًا في حل المشاكل بشكل كامل، وسيترك الأمور دون نتيجة.

حل المشاكل بطريقة دولية بعيدًا عن روسيا وإيران قد يكون ممكنًا، لكن الوضع الحالي لا يسمح بذلك، خاصة مع استمرار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ولا يلوح في الأفق أن هناك أي احتمال لهذا.

يبدو أن تركيا ستستمر في مواجهة هذه المشكلة لفترة طويلة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

كمال أوزتورك

——————————-

استباقا للتطبيع التركي… إيران تعلن عن اتفاقية جديدة مع الأسد لاسترداد ديونها/ ضياء قدور

2024.07.10ص:

    الحكومة الإيرانية المنتهية ولايتها تعلن عن اتفاقية “ابتزاز” جديدة مع نظام الأسد تهدف إلى استرداد ديونها وتكلفة تدخلها لصالحه في سوريا، بالتزامن مع التقارب بين أنقرة ودمشق.

    الرئيس الإيراني بالوكالة محمد مخبر أرسل مشروع الاتفاقية إلى مجلس الشورى بداية تموز/يوليو الجاري لاستكمال الإجراءات القانونية.

    على غير عادتها نشرت طهران بنود الاتفاقية التي تهدف لاسترداد ديونها من الأسد، والتي تجاوزت 50 مليار دولار في القطاع المدني.

    مدة الاتفاقية 20 عاماً، قابلة للتمديد حتى تسدد سوريا التزاماتها.

أعلنت الحكومة الإيرانية المنتهية ولايتها عن اتفاقية جديدة مع نظام الأسد الهدف منها استرداد ديونها وثمن تدخلها لصالح الأخير في سوريا، وذلك بالتزامن مع تسارع التقارب بين أنقرة ودمشق.

وقبل انتهاء ولايته المؤقتة التي استمرت لقرابة 50 يوما بعد الوفاة الغامضة للرئيس الإيراني السابق، ابراهيم رئيسي، أرسل الرئيس الإيراني بالوكالة محمد مخبر مشروع اتفاقية جديدة ومحدثة للتعاون الاقتصادي الاستراتيجي طويل الأمد بين إيران وحكومة نظام الأسد إلى مجلس الشورى بداية تموز/يوليو الجاري لاستكمال الإجراءات القانونية.

ووفقاً لموقع الإذاعة والتلفزيون الرسمي الإيراني، فإن المادة الوحيدة لمشروع القانون هذا الذي تمت الموافقة عليه من قبل مجلس الوزراء، خلال اجتماعه في 17 حزيران/يونيو الماضي، بناء على اقتراح من وزارة الطرق والتنمية الحضرية، بصفتها رئيسة المجموعة الاقتصادية الإيرانية السورية المشتركة، تتكون من مقدمة ديباجة وخمس مواد.

على غير العادة.. اتفاقية علنية 

تجنباً لأي إحراجات سياسية أو انتقادات داخلية، بقيت بنود الاتفاقات الاقتصادية الموقعة بين إيران وسوريا طي الكتمان والملفات السرية، قبل أن تقوم مجموعة صغيرة من الإيرانيين المعارضين التابعين لمنظمة “مجاهدي خلق” الإيرانية، الذين نجحوا في وقت سابق باختراق مواقع وسيرفرات الرئاسة ووزارة الخارجية الإيرانية، بالكشف عن كم كبير من الاتفاقيات والعقود والاستثمارات السيادية التي وضع الإيرانيون يدهم عليها تحت مسعى “المطالبات” أو “استرداد الديون”.

ويعتبر نشر بنود الاتفاقية الاقتصادية الجديدة بين إيران وسوريا، الذي يأتي اليوم ضمن السياق المعلن بعيداً عن التسريبات، أحد الإجراءات النادرة وغير المسبوقة لبقايا حكومة إيرانية فقدت رئيسها في حادث تحطم غامض قبل عدة أشهر.

وتبعث هذه الخطوة العلنية برسالة في اتجاهين محددين: الأول؛ رغم الإخفاقات السابقة فإن إيران مصممة على استعادة ديونها التي تجاوزت 50 مليار دولار في القطاع المدني فقط، والثاني؛ هو تسجيل نقاط “ثورية” في سجل حكومة الرئيس رئيسي، التي واظبت بتصميم منقطع النظير على إنفاذ الاتفاقيات الاقتصادية التي نجح الأسد بالتهرب منها حتى الآن.

ورغم أن الملف المنتشر علناً يشتمل على كثير من العموميات غير المهمة وكثير من المعلومات التي يرصد موقع “تلفزيون سوريا” ويحاول هنا إلقاء نظرة على ما جاء في الاتفاقية الأخيرة وقراءتها.

اتفاقية ابتزاز

يبدأ ملف الاتفاقية في مقدمته بالتأكيد على ضمان تنفيذ أحد أقدم اتفاقيات التعاون الاقتصادي الموقعة بين الجانبين لعام 2015، وإيجاد الحلول المناسبة لتسديد الديون الناجمة عنها.

الجدير بالذكر أن اتفاقية عام 2015 تعتبر أحد أقدم اتفاقيات “الإذعان الاقتصادي” الشاملة التي وضع الإيرانيون بموجبها الأساس المستقبلي لوجودهم الاقتصادي في سوريا، وعليه خضعت هذه الاتفاقية، نتيجة للظروف المتغيرة للسيطرة العسكرية لقوات النظام والمليشيات الإيرانية والواقع الإقليمي والدولي المتغير، لتحديثات خلال الأعوام 2017 و2019 و 2023 مع زيارة رئيسي الأخيرة لدمشق.

يجب التذكير أن اتفاقية عام 2015، وقعت في العام الذي اشتدت في الحاجة لوجود الإيرانيين ودعمهم السخي لنظام الأسد، في ملف حكومي بشكل علني، ما يعني أن الإيرانيين يذكرون الأسد في الاتفاقية الأخيرة بمحاولاته السابقة للتملص.

وتأتي في توقيت غير متوقع، من حكومة تصريف أعمال وبالتزامن مع احتدام التنافس الرئاسي في طهران، كما تأتي في ظل تسارع عجلة التطبيع التركي مع نظام الأسد.

وتنص المادة 2 على تشكيل مجموعة عمل تضم مسؤولين من كلا الجانبين لمتابعة تنفيذ المشاريع والعقود وفصل المشكلات المحتملة المتعلقة بها.

وينظر لمجموعة العمل هذه التي تتكون من ممثلين من وزارة الخارجية ونائب الرئيس ووزارة الاقتصاد والطرق التنمية على الجانب الإيراني على أنها أحد أدوات الابتزاز السياسي لنظام الأسد بأجندات اقتصادية.

وتشير الفقرة 2 من المادة 5 من مشروع القانون، إلى أن مدة الاتفاقية هي 20 عاماً ويمكن تمديدها حتى تفي سوريا بالتزاماتها وتسدد خطوط ائتمان طهران إلى دمشق.

وتؤكد المادة 5 أيضاً على أنه في حال انتهاء اعتبار هذه الاتفاقية فإن ذلك لن يؤثر على المشاريع المنفذة حتى نهاية تنفيذها.

مواد ملحقة

بالإضافة للديباجة والمواد الخمسة، يؤكد الملف تنفيذ اتفاقية للتجارة الحرة الموقعة بين البلدين منذ عام 2011، والتي مرت بالعديد من التعرجات خلال السنوات الماضية.

وتشدد الاتفاقية على ضرورة منح تراخيص الإنتاج والتوزيع فيما يتعلق بالمنتجات الصيدلانية والطبية للبلدين، إذا كانت مسجلة في القائمة الصيدلانية الرسمية لكل منهما.

واتفق الطرفان على تشكيل فريق فني يتكون من ممثلين عن الجهات المعنية من الجانبين مهمته تحديد وتوثيق ديون الجمهورية العربية السورية لجمهورية إيران الإسلامية الناتجة عن الاتفاقيات المالية والاقتصادية المشتركة الموقعة بين الطرفين، والاتفاق على تحديد حجم الديون المذكورة واقتراح آليات سدادها.

وأعلن الجانب الإيراني في الملف عن رغبته في الاستثمار في إنشاء موانئ بحرية لتصدير الفوسفات وتوسيع ودعم فرص التبادل التجاري بين البلدين.

وبحسب الملف، سيتم عرض موقع وقدرات ونوع الاستثمار على الجانب السوري للنظر فيه، وسيعلن الجانب السوري رأيه للجانب الإيراني خلال ثلاثة أشهر بعد تقديم الاقتراح.

واتفق الطرفان على مراجعة واتخاذ القرار خلال 6 أشهر من توقيع هذه الاتفاقية بشأن إنشاء مصانع مشتركة للإسمنت بطاقة إنتاجية سنوية قدرها 5 ملايين طن لكل منهما في ريف دمشق وحلب وإصدار التصاريح اللازمة لإنشاء محطة كهرباء و تخصيص الأرض لكل مصنع، وتنفيذ مخططات بناء ما لا يقل عن 30 ألف وحدة سكنية من مخططات المؤسسة العامة للإسكان في كافة المحافظات السورية مع إعطاء الأولوية لدمشق وضواحي دمشق وحلب وحمص من قبل القطاع الخاص الإيراني بعد الاتفاق على آليات التمويل والتنفيذ.

واتفق الطرفان على وضع خطط المشاريع ذات الأولوية المتعلقة بإعادة الإعمار والمناطق قيد التطوير والمناسبة والمعرضة للاستثمار، وتنفيذ مشروع خطوط أنابيب لنقل النفط الإيراني إلى سوريا عبر أراضي العراق، وتنفيذ الاتفاقيات الموقعة بشأن مشروع خطوط أنابيب لنقل الغاز الإيراني إلى البحر الأبيض المتوسط ​​عبر أراضي العراق وسوريا.

وأكد الطرفان على ضرورة تقديم تسهيلات تزيل عوائق الشركات الإيرانية، على أن تتعهد حكومة نظام الأسد باتخاذ الإجراءات اللازمة لحل كافة المشكلات وإزالة العوائق المتبقية أمام الشركات الإيرانية العاملة في سوريا خلال مدة أقصاها 6 أشهر بعد توقيع الاتفاق.

ويشدد الملف على ضرورة أن تتخذ حكومة النظام السوري الإجراءات اللازمة لإزالة العوائق والقيود المتعلقة بمشاركة الشركات الإيرانية في مشاريع إعادة إعمار سوريا.

وأكد الطرفان على أهمية تعزيز التعاون في مجال بحث إمكانية الربط البري والسكك الحديدية عبر 3 ممرات اتصال تربط إيران بالموانئ السورية عبر العراق بالتعاون مع بغداد.

5

وثيقة كشفتها منظمة “مجاهدي خلق” الإيرانية المعارضة أن الديون الإيرانية على نظام الأسد ما بين عامي 2013 و2022 بلغت 10 مليار دولار (منصة إكس)

ما هو الواقع بعيداً عن الملف الرسمي المعلن؟

في أكتوبر 2023، كشفت مجموعة “انتفاضة حتى الإطاحة” المقربة من منظمة “مجاهدي خلق” المعارضة، أن مجموع الديون “المدنية” الإيرانية (الخط الائتماني الأول فقط) على نظام الأسد، بلغت أكثر من 10 مليارات دولار منذ 13 حزيران/يونيو 2013 حتى 20 آذار/مارس 2022.

وأظهرت وثيقة سرية أخرى أن “الجمهورية الإسلامية” في إيران تطالب نظام الأسد بـ “الفوائد” المترتبة على تأخره عن سداد الديون بين عامي 2013 و2019، و2019 وما يليه.

6

وثيقة كشفتها منظمة “مجاهدي خلق” الإيرانية المعارضة أن طهران تطالب نظام الأسد بـ “الفوائد” المترتبة على تأخره عن سداد الديون بين عامي 2013 و2019، و2019 وما يليه (منصة إكس)

وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” ذكرت، في تقرير لها في مطلع العام الماضي، أن مسؤولين إيرانيين أبلغوا نظام الأسد بضرورة دفع المزيد من المال مقابل شحنات النفط.

وأوضحت معلومات الصحيفة الأميركية أن إيران ستضاعف سعر شحنات النفط الخام إلى سوريا إلى أكثر من 70 دولاراً للبرميل.

وأضافت الصحيفة، أن إيران طالبت نظام الأسد بدفع ثمن النفط أولاً ، وأشارت إلى أن طهران رفضت إرسال شحنات نفط جديدة على أساس خطوط الائتمان.

وفي السياق ذاته، كشف موقع “تلفزيون سوريا” نهاية العام الماضي، عن ملف مسرب جديد يصف يأس حكومة رئيسي من استرداد ديون طهران المترتبة على الأسد بالتزامن مع شح سيولة في البنك المركزي الإيراني.

وبيّن الملف المسرب، والذي يعود تاريخه إلى 27 كانون الأول/ديسمبر 2022، أن “استرداد الديون الإيرانية المترتبة على النظام السوري أمر صعب نظراً للظروف الاقتصادية السورية، وغير ممكن فعلياً في ظل الظروف الحالية”.

————————-

بين حادثة قيصري والتقارب مع دمشق… وعقدة المعابر/ مازن عزّي

تركيا على الخط السريع للتصادم بين اللاجئين والمجتمعات المضيفة

9 يوليو 2024   

يصعبُ وضع خط زمني واضح للتطورات المتلاحقة التي قادت إلى حوادث العنف الأخيرة ضد اللاجئين السوريين في تركيا، وما ترتب عنها من مظاهرات ضد الوجود التركي ضمن مناطق سيطرة المعارضة السورية في مناطق الشمال السوري.

في تلك الحوادث يتبدل موقع السوريين بين كونهم ضحايا لموجات العنصرية في تركيا، وضحايا التهميش في مناطق سيطرة المعارضة. ولولا الزمن الفاصل بين تلك الحوادث وأسبقية وقوع إحداها قبل الأخرى وإن بأيام معدودة أو ساعات أحياناً، لأمكن اعتبار أي منها سبباً لما بعدها أو نتيجة لما قبلها. لكن الواقع المعاش ليس بهذا الوضوح.

خطورة تسريب البيانات

في الأيام القليلة الماضية، تراجعت حدة الصدامات المباشرة على خلفية أحداث قيصري، لكن بعض المؤشرات المقلقة بقيت تظهر بين الحين والآخر، سواء على شكل مزيد من «الأحداث الفردية» كاعتداء في مطعم هنا أو حديقة عامة هناك، إلى أن جاء تسريب بيانات أكثر من 3 ملايين سوري مقيم في تركيا عبر حساب على منصة «تلغرام» باسم «انتفاضة تركيا» ليدق ناقوس خطر من نوع جديد. فقد تضمنت البيانات، معلومات حساسة، مثل الأرقام الوطنية للأشخاص السوريين دون سواهم من المقيمين الأجانب، واسم الأب والأم، ومكان وتاريخ الولادة، وعنوان السكن ورقم الهاتف. وهذه قواعد بيانات شخصية يفترض أنها محفوظة لدى دوائر الهجرة بالدرجة الأولى بالاضافة إلى الجهات المختصة الأخرى، ويأتي تسريبها ليضع مزيداً من الضغوط على السوريين؛ لأنه يعرّض سلامتهم للخطر. فليس سراً أن هجمات في قيصري قبل 3 أيام فقط على هذا التسريب، ترافقت مع تداول المهاجمين معلومات محددة عن أماكن السوريين وأرزاقهم؛ ما يشكل تنبيهاً خطيراً لما قد يحدث مع انكشاف هذه البيانات وإمكانية استخدامها للملاحقة والترهيب.

اللافت، كان تعامل السلطات التركية مع المسألة وكأنها مجرد خطأ تقني؛ إذ أعلنت دائرة الهجرة أن المعلومات الواردة في البيانات «قديمة نسبياً»، ثم قامت بحذف القناة عن «تلغرام»، في حين سارعت وزارة الداخلية بإعلان أن المسؤول عن التسريب هو طفل يبلغ من العمر 14 عاماً. وأضاف بيان الداخلية أنه «سيتم القبض على جميع الذين يحاولون خلق الفوضى، ومن يستخدمون الأطفال في استفزازاتهم».

ليلة الرعب في قيصري

قبل حادثة تسريب البيانات كانت الشرارة التي أطلقت موجة العنف الأقوى ضد اللاجئين السوريين في تركيا، وما لحقها من رد فعل سوري على الرموز والمؤسسات التركية في الشمال السوري وأدت إلى اشتباكات مباشرة أودت بحياة 11 سورياً على يد القوات التركية في مناطق الشمال السوري.

فقد انتشر مقطع فيديو في وسائل التواصل الاجتماعي لشاب يتحرش جنسياً بطفلة في مدينة قيصري التركية مع إشاعة أنباء مغلوطة بأن الرجل سوري والطفلة تركية. خلال ساعات، كانت مجموعات تركية شبه منظمة بدأت في تنفيذ هجمات استهدفت بالحرق والتكسير سيارات ومحال تجارية ومساكن للسوريين في قيصري، وكل من يشتبه بأنهم سوريون في الشوارع. وعلى رغم تأكيد ولاية قيصري بأن الرجل سوري، وقد جرى اعتقاله، وأن الطفلة سورية وتم نقلها إلى أحد مراكز الحماية التابعة لوزارة الأسرة، فإن الهجمات ضد السوريين لم تتوقف، بل توسعت إلى أكثر من مدينة تركية واستمرت بضعة أيام تعرّض خلالها حتى السياح في مدينة كإسطنبول لهجمات ومضايقات.

هذا الجو دفع مئات الآلاف من اللاجئين إلى ملازمة منازلهم، وإسدال الستائر والاعتماد على خدمات التوصيل والحرص على الهدوء والتحدث بالتركية في المواصلات العامة عند ضرورة الانتقال أو الامتناع عن التحدث مطلقاً في الشوارع أو الأماكن العامة. الحدائق والشوارع في المدن ذات الكثافة السورية خلت تماماً من العائلات وأُغلقت المحال التجارية ولم يعاد فتحها حتى وقت الكتابة. أما الذين يملكون سيارات خاصة واضطروا إلى الخروج في هذه الفترة، فقد ركنوا سياراتهم خوفاً، واعتمدوا على المواصلات لكون سيارات الأجانب في تركيا تحمل رمزاً خاصاً يبدأ بحرف M أو MP وبالتالي يمكن تمييزها بسهولة في الشوارع.

ولعل أكثر المتضررين كانوا أصحاب المحال التجارية وعمال المياومة في مصانع الألبسة أو القطاع الزراعي الذين لم يخرجوا للعمل منذ نحو أسبوع تقريباً، وهم الحلقة الأضعف بشكل عام، ولا سيما في أوقات كهذه. فلحظة اللقاء النادرة بين الأحزاب السياسية المتخاصمة، هي لدى تحميل اللجوء السوري مسؤولية الأزمات في البلاد، وخصوصاً الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها تركيا منذ أكثر من سنتين، بما في ذلك التضخم الذي بات يتجاوز 70 في المائة.

تحريض عفوي – منظّم

أشارت صحيفة «يني شفق» التركية إلى أن المشاركين بأعمال العنف ضد السوريين كانوا يتواصلون عبر 4 مجموعات في «واتساب» كانت تُستخدم سابقاً للتهرب من عمليات الشرطة الروتينية، وتضم كل منها نحو 500 شخص.

اللافت، أن هذه المجموعات انقلبت فجأة للتحريض ضد السوريين، ومشاركة مواقعهم، وتخطيط وتنظيم الهجمات عليهم وعلى أرزاقهم. وكالة «الأناضول» الرسمية التركية، نقلت في اليوم التالي لأحداث قيصري عن وزير الداخلية التركي علي يرلي قايا، خبر توقيف 1065 شخصاً في أنحاء البلاد، وحبس 28 منهم، وصدور أمر فرض الرقابة القضائية بحق 187 شخصاً. الوزير أوضح أن قوات الأمن التركية أوقفت 855 شخصاً في ولاية قيصري وحدها، تبين أن 468 منهم لديهم سوابق جنائية.

ويقول المحامي السوري والناشط المدني محمد الصطوف إن هذه الخلفيات للموقوفين تعطي صورة عن الشبكات المسؤولة عن الهجمات المنظمة وطريقة عملها، لكنها لا تفسر المشاركة العفوية لمئات الأتراك العاديين، في الاعتداء على المنازل والأشخاص.

تفسير الحكومة بحسب الصطوف، وهو يحمل الجنسية التركية أيضاً، ينكر وجود مشكلة في تركيا، تتعلق بكراهية الأجانب عموماً وبينهم السوريون. فطول أمد اللجوء السوري، والاحتكاكات اليومية والثقافية، ساهمت مع مرور الوقت في تسهيل لوم الأتراك العاديين للسوريين وتحميلهم مسؤولية تردي الظروف المعيشية خلال السنوات الأخيرة.

وتكشف أحداث قيصري، عن درجة الاحتقان ضد الأجانب، وإمكانية انفجاره في أي لحظة وأي مكان، لأسباب قد تكون مصطنعة، ولأهداف تسعى أطراف ثالثة لاستغلالها وتوجيهها. وفي الوقت الذي لا يمكن فيه الاكتفاء بتضخيم النزعة القومية التركية، ورهاب الغرباء، وخطاب الكراهية المنتشر اليوم في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، لتفسير ما يحدث، فإن الخطاب المضاد الساعي للتهدئة قد يكون مبالغاً في تبسيطه أيضاً.

فالقول إن الاحتجاجات هي اعتداء على «الأخوة التي تربط بين الشعبين التركي والسوري»، كما قالت هيئة الإغاثة الإنسانية وحقوق الإنسان والحريات (İHH) التركية في بيان لها يبدو أقرب لإغماض العيون عن الوقائع والاستماع للأمنيات. كما أن التراشق السياسي اليومي بين صانعي القرار والمعارضة في تركيا، والإعلان الأخير عن تقارب بين أنقرة ودمشق ثم عن لقاء مرتقب بين الرئيسين التركي رجب الطيب أردوغان والسوري بشار الأسد، بغرض إعادة السوريين إلى بلادهم بمعزل عن أمنهم، يضع اللاجئين، في موقع ضعيف ومكشوف، ولا يمنحهم أي احساس بالاستقرار والأمان.

من يدفع أثمان اللجوء؟

بحسب بيانات دائرة الهجرة التركية، هناك 3 ملايين و114 ألفاً و99 سورياً يحملون بطاقات الحماية المؤقتة مقابل مليون و125 ألفاً و623 شخصاً يحملون تصاريح إقامة تترواح بين إقامات «سياحية» وأذونات عمل، وهذا لا شك رقم كبير للغاية في أي مجتمع مُضيف.

«لكن اللجوء السوري الطويل في تركيا ليس سبباً لتعثر الاقتصاد التركي في قطاعات كثيرة كالعقارات والصناعة وتداولات البورصة، ولا يتحمل مسؤولية التضخم المالي»، يقول الباحث الاقتصادي والأستاذ في جامعة لوزان جوزيف ضاهر لـ«الشرق الأوسط». ويضيف ضاهر: «على العكس من ذلك، ساهم اللجوء السوري في رفد سوق العمل التركية باليد العاملة الرخيصة، في قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات؛ ما أدى إلى مزيد من تراكم رأس المال والأرباح لرجال الأعمال الأتراك». وبالتالي «لم يكن اللجوء سبباً في زيادة نسب البطالة الكلية ولا في تجويع الأتراك، كما تدعي عديد من الجهات الفاعلة السياسية التركية ذات التوجهات القومية والعنصرية». ويوضح ضاهر أن اللجوء السوري في تركيا، «ساهم في بدايته، بحدوث نمو في الاقتصاد التركي، مع هجرة كثير من الصناعيين ذوي الملاءة المالية الصغيرة والمتوسطة، من حلب وريفها ليفتتحوا ورشاتهم ومصانعهم جنوب تركيا».

وهؤلاء استثمروا أموالهم في الاقتصاد التركي واستعانوا بيد عاملة سورية وتركية على السواء ضمن شروط الاستثمار الاجنبي المعمول بها حتى الآن والتي تفرض توظيف 5 أتراك مقابل كل عامل أو موظف أجنبي أياً كانت جنسيته. لكن هنا أيضاً وبسبب التضييق الحكومي والمجتمعي وغياب أي آليات ناظمة واضحة اضطر كبار الصناعيين والمستثمرين السوريين، لا سيما في قطاعات صناعة النسيج والقطن والألبسة، بالإضافة إلى الصناعات الغذائية، إلى نقل مصانعهم وأعمالهم إلى مصر.

وفي 2014 بدأ تدفق أموال من نوع آخر إلى تركيا، وهي أموال المانحين الدوليين لدعم اللاجئين السوريين والمجتمعات المضيفة لهم. ولعل السبب الفعلي كان وقف قوافل الهجرة غير الشرعية براً وبحراً إلى أوروبا فيما عرف حينها بـ«أكبر أزمة لجوء» في التاريخ الحديث، لكن تركيا لم توفر جهداً في «استخدام قضية اللاجئين السوريين للضغط على الاتحاد الأوروبي، لتقديم تنازلات سياسية لتركيا، وأيضاً للحصول على مزيد من التمويل» بحسبما يقول ضاهر، مضيفاً: «كان لتركيا حصة وازنة في المساعدات الدولية بوصفها إحدى كبريات الدول المضيفة للسوريين».

وبحسب الأرقام المتوفرة على موقع المفوضية الأوروبية لشؤون اللاجئين، وصل إجمالي مساعدات الاتحاد الأوروبي المخصصة لتركيا منذ عام 2011 ما يقارب 10 مليارات يورو. بينها 6 مليارات يورو بين عامي 2016 و2019، و535 مليون يورو في تمويل الجسر الإنساني عام 2020، و3 مليارات يورو كتمويل إضافي للفترة بين 2021 و2023.

لكن الحرب الروسية ضد أوكرانيا، بحسب ضاهر، «غيّرت أولويات المانح الأوروبي، وأدت إلى ما بات يعرف بـ(تعب الممول)؛ ما تسبب بتراجع كبير في عدد المنظمات المدنية العاملة مع السوريين في تركيا والمعتمدة في تمويلها على المساعدات الأوروبية».

وعلى رغم تراجع الاهتمام الغربي بدعم اللاجئين السوريين في دول الجوار وبينهم تركيا، فإن ذلك «لا يفسر فعلياً الأجواء المشحونة بالعنصرية الموجهة ضدهم في المجتمع التركي. إذ بالأصل، نسبة كبيرة من السوريين في تركيا لا يقيمون في المخيمات، ولا يتلقون دعماً مالياً مباشراً، بل يعتمدون على أنفسهم في العمل، وبالتالي في توليد دخل يتم ضخه في الاقتصاد التركي»، كما يذهب ضاهر.

عودة طوعية وترحيل ممنهج

في السنوات القليلة الماضية تبنت أحزاب المعارضة التركية وحتى الحكومة التركية بمختلف تياراتها الشعبوية، خطاباً ولغة وسياسة أكثر تشدداً ضد اللاجئين السوريين، تبخر معها الكثير من آثار التضامن السابقة. وخلال السنة الأخيرة وحدها، أُعيد إلى مناطق سيطرة المعارضة السورية شمال غربي سوريا، نحو نصف مليون لاجئ، ضمن سياسة ترحيل ممنهج تسمى «العودة الطوعية»، ولكنها تجمع بين الترغيب والإجبار، والملاحقة والتضييق، والحملات المباغتة لاعتقال وتوقيف المخالفين لقواعد الحماية المؤقتة.

وإن كان كل ذلك مفهوماً في معرض التراشق السياسي، إلا أنه يعجز عن تفسير بيان صادر عن 41 منظمة غير حكومية تركية في مدينة غازي عينتاب التركية، في 17 يونيو (حزيران) الماضي، يُحذّرُ من «تحولات ديموغرافية واجتماعية واقتصادية تهدد هوية المدينة ومستقبلها، وسط حياة لم تعد تُطاق تحت وطأة تدفق اللاجئين السوريين».

في هذا السياق، يقول الصطوف لـ«الشرق الأوسط»: «إن البيان شكّل صدمة للمشتغلين في العمل الإنساني. ولكن، حتى المنظمات المدنية، يمكن لها تحت ظروف شحن سياسية خانقة كما هو الوضع اليوم، أن تخضع لضغط الشارع ومزاجه، بما لا يستقيم مع أهدافها في العمل المدني. الأمر ذاته، تمكن ملاحظته معكوساً، في صمت المنظمات السورية غير الحكومية العاملة في تركيا، من تصاعد موجة العداء للاجئين السوريين، التي تخشى من سحب ترخيصها أو إيقافها عن العمل أو ملاحقة أعضائها».

احتجاجات الشمال وعقدة المعابر

وسط الأجواء المشحونة والقلق الذي يعيشه السوريون في تركيا، جاء الحديث عن محاولة تقارب جديدة بين أنقرة ودمشق، بمبادرة عراقية ورعاية روسية ليؤجج مزيداً من المخاوف والتكهنات، لا سيما في الشمال السوري الخاضع لسيطرة تركية.

فاندلعت مظاهرات حاشدة في ريف حلب الشمالي منددة بالوجود التركي، نتيجة عدم التزامه بدوره كضامن للمعارضة في اتفاق آستانة، ومتهمة إياه بالتخلي عن مناطق المعارضة في الشمال الغربي لصالح النظام.

الجانب التركي رد بإغلاق المعابر الحدودية، وقطع الإنترنت والاتصالات عن مناطق المعارضة. المظاهرات الغاضبة، تحولت بسرعة محاولاتٍ لاقتحام بعض المعابر مع تركيا، وأحداث عنف وتكسير لشاحنات تحمل لوحات تركية في ريف حلب الشرقي، وتمزيق للأعلام التركية. تصاعد لم يتوقف إلا بعد هجوم على قاعدة عسكرية تركية في مدينة عفرين شمال غربي حلب، ردّ جنودها بإطلاق نار مباشر تسبب بمقتل 4 من المهاجمين وإصابة العشرات.

كذلك، تخشى أوساط المعارضة في شمال غربي سوريا أن يكون أي تقارب على حساب هذه المناطق التي يقطن فيها نحو 6 ملايين سوري أكثر من نصفهم من النازحين والمهجّرين قسرياً من مناطق النظام. فبالنسبة إليهم، يبقى الوضع القائم على مساوئه وعلاته، أفضل من العودة إلى سيطرة النظام العسكرية والأمنية وإمساكه بالمعابر التي تعدّ شريان الحياة هناك.

وكانت محاولة التقارب السابقة بين النظام السوري وتركيا، تسببت بموجة احتجاجات في مناطق المعارضة، قبل أن تتوقف المحاولة في 2021؛ نتيجة إصرار النظام على انسحاب تام للقوات التركية من الأراضي السورية.

وفيما فُسّر كخطوة جديدة ضمن مسار التطبيع السريع، عودة الحديث عن إمكانية افتتاح معبر أبو الزندين الذي يربط مناطق الحكومة المؤقتة (المدعومة تركياً) بمناطق النظام، أمام الحركة التجارية، علماً أن أبو الزندين هو المعبر الوحيد الذي لا يزال مغلقاً منذ مارس (آذار) 2020 نتيجة انهيار محاولة التقارب حينها بين أنقرة ودمشق.

وسرعان ما تحولت قضية المعبر أزمةَ ثقة بين مناطق المعارضة والوجود التركي فيها، تدخلت فيها أطراف متعددة لغايات متناقضة، وتطورت إلى اشتباكات مسلحة، للمرة الأولى بين الطرفين.

وتشكّل المعابر، الشرعية وغير الشرعية، بين مناطق النظام والمعارضة، عقدة مركبة، تتداخل فيها عوامل محلية تتعلق بنزاعات بين فصائل المعارضة المسلحة المنضوية تحت راية الجيش الوطني المدعوم تركياً، للسيطرة على إيرادات المعابر المالية، وما يسببه ذلك من فوضى أمنية وعدم استقرار عسكري.

كذلك، هناك عامل يتعلق برغبة روسيّة في استعادة الحركة على الطريق الدولية حلب – اللاذقية M4، وفتح المعابر بين مناطق المعارضة ومناطق النظام، كخطوة أولى لأي تطبيع محتمل. وبحسب صحيفة «الوطن» السورية شبه الرسمية، سيعود ذلك بالانتعاش الاقتصادي لمناطق النظام، وإعادة فتح طريق ترانزيت بين غازي عنتاب التركية مروراً بأعزاز في ريف حلب، إلى معبر نصيب عند الحدود الأردنية. ويتيح ذلك إمكانية تدفق البضائع التركية إلى الخليج العربي براً عبر سوريا، بعد انقطاع استمر 13 عاماً.

جهاد يازجي، باحث مختص بالاقتصاد السوري، قلل في حديثه لـ«الشرق الأوسط» من التوقعات الاقتصادية المتفائلة لفتح المعبر أمام الحركة التجارية وقال: «انتقال البضائع لم يتوقف بين الطرفين، حتى مع إغلاق المعابر الرسمية، والتبادل التجاري لم ينقطع، إما عبر المعابر غير الشرعية أو عبر طرق طويلة تمر بمناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)»، موضحاً أن «أهمية افتتاح المعبر، ليست اقتصادية في هذه المرحلة، وإنما سياسية لأن المتضرر الفعلي هي شبكات التهريب التي تنشط في المنطقة، والحواجز الأمنية والعسكرية». وبالتالي، إذا صدقت الوعود التركية حول إنشاء إدارة مدنية بالكامل لإدارة المعبر، فالمستفيد بالدرجة الأولى بحسب يازجي هم «منتجو البضائع المحليون؛ لأن ذلك يسرع من حركة نقل البضائع، ويخفف من تكلفتها».

لكن الاحتجاجات المناهضة لمسار التطبيع بين أنقرة ودمشق التي شهدتها مدينتا الباب وأعزاز بريف حلب كشفت الأطراف المشاركة.

فالتشكيلات المدنية شاركت في المظاهرات لأسباب سياسية وتضامنية مع اللاجئين في تركيا، في حين أن أكثر من عارض افتتاح المعبر بشكل مباشر هي الشبكات المرتبطة بفصائل الجيش الوطني خشية خسارة مزدوجة؛ نقل إدارة المعبر لجهة مدنية، وانخفاض مردود عمليات التهريب نتيجة افتتاحه. وبالفعل، هاجمت مجموعة من القوى العسكرية المنظمة، المحسوبة على فصائل الجيش الوطني، المعبر، وعطّلت العمل به، بحسبما قال مصدر عسكري مطلع لـ«الشرق الأوسط».

ويوضح المصدر أن «تلك الفصائل سواء كانت من عشائر دير الزور في المنطقة الشرقية، أو من ريف حلب، فهي متجذرة في المنطقة، ولها هرمية واضحة وعصبة تنظيمية، وقادرة على الدفاع عن مصالحها». وبالتالي، فإن «مهاجمة المعبر تدخل ضمن محاولة الضغط على الجانب التركي وفرض حصتها أو مصالحها».

وعلى أثر ذلك، تدخلت الشرطة العسكرية التابعة للجيش الوطني (المدعوم من تركيا)، واعتقلت بعض المشاركين في الهجوم على المعبر وتعهدت بملاحقة «من تسوّل له نفسه فعل ذلك مجدداً»، وسط أنباء بإعادة المعبر إلى رعاية مباشرة من أنقرة؛ لضمان خط التقارب مع دمشق برعاية روسية.

طريق سريع إلى باب موصد

خلال أقل من عشرة أيام، اندلعت موجات متعاقبة من الفوضى والعنف في مجتمعات محلية تقطن مناطق مختلفة على طرفي الحدود السورية – التركية، وانقلبت معها حياة مئات الآلاف وتعرّضت للخطر. الاكتفاء بتوصيف الأتراك بالعنصرية، كالاكتفاء بتوصيف السوريين بالضحايا، لن يقود إلى أي إمكانية لتجاوز المحنة الراهنة، وذلك كالإغراق بإنكار الوقائع والتغني بالأخوة بين الشعوب.

تراجع الاقتصاد التركي، وإن كان اللاجئون السوريون لا يتحملون مسؤوليته، إلا أنهم ضحاياه الاجتماعيين، بوصفهم الحلقة الأضعف. كما أن تصاعد العنصرية ضدهم، ليس سمّة خاصة بشعب ما؛ إذ يكفي النظر في ما يتلقاه اللاجئون في بقية دول الجوار، لمعرفة أن الحال من بعضه.

كذلك، فإن الفساد المستشري شمال غربي سوريا، وفشل تشكيلات المعارضة في إنتاج بدائل حوكمة تداولية، ليس ذنباً تركياً خالصاً وإن كان الأتراك يتحملون مسؤولية كبيرة في تغليب المحسوبية والاستزلام في علاقاتهم مع السوريين. فشل المعارضة في إقامة نموذج للحكم العادل في مناطقها، يقطع مع إرث النظام السوري في العنف والفساد، أمر ليس ثانوياً، ويجب أن يتحمل السوريون مسؤوليتهم عما آلت إليه أحوالهم.

وإن كانت الحملة العنيفة الأخيرة ضد اللاجئين تم احتواؤها اليوم، فلا يمكن التنبؤ بموعد ومكان موجتها المقبلة، في غياب أي حل عملي على الأرض، يقي مجتمع اللاجئين والمجتمعات المضيفة، خطر الصدام مجدداً.

* صحافي وباحث سوري

الشرق الأوسط

————————————

إردوغان و«الإرث السوري»/ د. حسن أبو طالب

9 يوليو 2024

قد يلتقي قريباً الرؤساء الثلاثة؛ إردوغان ونظيرَاه الروسي بوتين والسوري بشار الأسد، الموعد غير محدّد بعد، تلميحات الرئيس التركي لهذا اللقاء المنتظر جاءت مقرونة بالتأكيد على أن حماية الأمن القومي التركي أولوية قصوى في ظل تغييرات كبرى تحدث في الإقليم، وتَبلوُر نظرة تركية جديدة لدور سوريا في تلك التغييرات المتوقّعة. الأمران في حد ذاتهما جزء مهم من تلك التغييرات الجارية لشرق أوسط مختلف، غير محدّد المعالم بعد، وهما أيضاً تجسيد لإدراك تركي جديد لبناء تفاهمات إقليمية مدعومة دولياً إن أمكن، لا سيما من واشنطن، تُعين على محاصرة العديد من بؤر التهديدات الراهنة والمحتملة معاً.

مبدئياً ليست هناك تحفّظات تركية كبرى تحُول دون لقاء إردوغان ونظيره بشار الأسد، كما لم تَعُد هناك أولوية تركية في الاعتماد على وكلاء تم صنعهم في السنوات العشر الماضية، لا سيما «الجيش السوري الحر»، و«حركة تحرير الشام»، ومثيلاتهما من المنظمات الدينية المسلّحة التي رعتها المخابرات التركية، وتحدّد لها في السابق دور رئيسي في إسقاط النظام السوري، لكنها – أي تلك التكوينات الهجينة – لم تفلح، بالرغم من دعم الجيش التركي وتوغلاته المختلفة منذ عام 2019، إلا في قَضْم مساحات من أراضي شمال سوريا والسيطرة عليها، ولكن بدون أفق سياسي موثوق باعتبارها «معارضة» لديها مشروع مقبول من كافة الأطراف ذات الصلة بمستقبل سوريا ودورها الإقليمي.

كما لم تفلح تلك التكوينات الهجينة في الحد من نفوذ «وحدات حماية الشعب الكردي» و«قسد» المدعومَين من واشنطن، وطموحاتهما في تشكيل حكم ذاتي لأكراد سوريا، يرنو إجمالاً إلى وضع لبنة رئيسية في نظام سوري مستقبلي جديد يعتمد الفيدرالية، تنظر إليها أنقرة مشروعاً انفصالياً لا يهدّد سوريا وحسب، بل تركيا ذاتها، ما شكّل مبرراً قوياً لاعتماد سياسة جديدة تجاه سوريا الأسد، فضلاً عن التنسيق المكثّف مع موسكو لمحاصرة تلك التهديدات، التي آتَت أكُلَها في تأجيل الانتخابات المحلية التي عزمت «قسد» على إجرائها في سبع مناطق تسيطر عليها، إلى أغسطس المقبل، دون أن يكون الأمر مؤكداً بعد.

الفشل في تحقيق هدفَي التغيير القسري للنظام في سوريا، والحد من نفوذ «قسد»، مقرون بارتفاع تكلفة الاعتماد على وكلاء لم يَعُد مضموناً ولاؤهم الكامل لتركيا، كما تجسّد في المظاهرات المناهضة للوجود التركي في الشمال السوري وإهانة العلم التركي، يُعيد الاعتبار إلى خبرة إنسانية موثوقة، يتجاهلها البعض أحياناً؛ إذ أياً كان حجم التدخل في شأن داخلي لدولة أخرى، وما يسبّبه من مشكلات وتعقيدات، ففي النهاية يتحقّق فشل ذريع، علاجه الوحيد الالتزام بعدم التدخل في شئون الآخرين، لا سيما إن كانوا جيراناً يستحيل التخلص من وجودهم، أو فرض وصاية عليهم بأي شكل كان.

الجديد في المنظور التركي تجاه سوريا يتمثل في قبولها بنظامها الراهن جاراً يُعتمَد عليه في تحقيق أهداف مشتركة، مثل مواجهة الإرهاب، الأمر الذي يعتبره البلدان من حيث المبدأ هدفاً مركزياً وقاسماً مشتركاً يمكن البناء عليه، مع الأخذ في الاعتبار أن ثمة تباينات جزئية في تكييف مَن هم الإرهابيون الواجب اقتلاعهم عبر تعاون مشترك وجهد منسق؛ فدمشق ترى الجماعات المسلحة الموالية لأنقرة جماعات إرهابية يجب التخلص منها، بينما ترى أنقرة أن الأولوية هي القضاء على طموحات «قسد»، بوصفها امتداداً لـ«حزب العمال الكردستاني» المصنّف إرهابياً وفق المعايير التركية.

ويمتد الإدراك التركي إلى إمكانية التعاون المباشر مع دمشق، وتنسيق روسي، لمنع الخطط الخاصة بتمكين الحكم الذاتي لمناطق الأكراد السوريين؛ لوقف طموحات الانفصال عن سوريا ولو بعد حين، وما سيحمله من تأثيرات معنوية وسياسية على الداخل التركي ذاته، تثير القلق على وحدة تركيا ذاتها، وهو ما تقبله دمشق مبدئياً وبشدة.

من طموحات تركيا إردوغان البارزة التوصل إلى حل عملي قابل للتطبيق، يوفر للاجئين السوريين لديها، وهم في حدود مليونَي لاجئ، فرصة العودة الطوعية إلى مناطقهم المختلفة، بعد توفير بيئة آمنة، لا يمكن تشكيلها إلا من خلال تعاون وتنسيق شامل مع كل من سوريا وروسيا، وكثيراً ما نُوقِش هذا الطموح بين الرئيسين إردوغان وبوتين.

وتطمح أنقرة حالياً إلى أن تشتبك الحكومة السورية مع هذا الطموح وفق منظور تعاوني محدّد، يخفّف الأعباء الجسام على الاقتصاد التركي من ناحية، وعلى وحدة وتماسك المجتمع التركي ذاته، الذي يواجه تحديات لم تكن متصوَّرة تتعلق بالموقف من «الأجانب»؛ سُيّاحاً كانوا، أم مقيمين، أم لاجئين، ويضع حداً لانتقادات الأحزاب القومية المناهضة لسياسة حكومة العدالة والتنمية بشأن سوريا ولاجئيها. دمشق لا تمانع مبدئياً في التعاون مع أنقرة، بشأن الأكراد السوريين، ولكن لديها محدّدات؛ أبرزها احترام تركيا لوحدة ترابها وسيادتها الكاملة، وهو ما يوافق عليه الرئيس إردوغان مبدئياً، أما التخلي عن دعم الجيش السوري الحر ونظرائه في شمال البلاد، وخروج القوات التركية من الأراضي السورية، فهما محل جدل، تجاور تلك التي تسيطر عليها الأكراد بالحماية الأميركية المباشرة.

وإلى أن يُحسم الأمر، سيظل الإرث السوري ضاغطاً على الرئيس إردوغان وحكومته.

الشرق الأوسط

——————————

الإعلام التركي ينقسم حول الاعتداءات العنصرية/ جابر عمر

09 يوليو 2024

انقسم الإعلام التركي في تناوله تبعات قضية اعتداء مواطنين أتراك على ممتلكات السوريين في ولاية قيصري مؤخراً، وما تبعها من احتجاجات في شمال سورية، فيما كان هناك اتفاق على ضرورة حل هذه المسألة بسبب تبعاتها السلبية على المجتمعين السوري والتركي.

وبدأت المتابعة الإعلامية في تركيا للأحداث في قيصري انطلاقاً من وسائل التواصل الاجتماعي التي تلعب دوراً هاماً في تحريك الرأي العام. إذ انتشرت الوسوم ومقاطع الفيديو المصورة عبر المنصات، وتلقفتها وسائل الإعلام التقليدية لمتابعتها وتحليلها وفق السياسة التحريرية لكلّ مؤسسة. فانتقد الإعلام المعارض الحكومة واتهمها بالعجز عن إيجاد حلّ لقضية اللاجئين السوريين، فيما تبنى الإعلام المؤيد للحكومة الرواية الرسمية.

وكانت ولاية قيصري التركية قد شهدت في 30 يونيو/ حزيران الماضي، هجمات شنّها سكان محليون على محلات وسيارات تعود ملكيتها للاجئين سوريين. بالتزامن، مع حملة قادتها الحكومة التركية لترحيل اللاجئين إلى الشمال السوري، لا سيما في غازي عنتاب جنوبي البلاد. أسفر ذلك عن خسائر في الممتلكات، وتبعه توقيف 474 شخصاً مشاركاً في أعمال العنف، بحسب الرئيس رجب طيب أردوغان، من بينهم ناشطون على وسائل التواصل ومروجون للعنف.

أدت الاعتداءات إلى خروج تظاهرات احتجاجية في شمال سورية، تخلّلها مقتل ستة متظاهرين سوريين وإصابة عشرات آخرين بعد إطلاق النار عليهم من قبل القوات التركية.

وتفاعل الإعلام الحكومي مع الأحداث مستنداً إلى ما يكشف عنه من المصادر الرسمية، فنقلت وكالة الأناضول وقناة تي آر تي بيان ولاية قيصري عن الأحداث وركزت على حقيقة الحدث ومحاولة دحض الشائعات التي كانت تقول بأن الضحية هي تركية، وأكدت أن حادثة التحرش المزعومة وقعت بين شاب سوري وابنة عمه السورية بدورها، في محاولة لتوضيح حقيقة القضية أمام الرأي العام.

ولاحقاً بث الإعلام التركي، وخاصةَ الرسمي، بيانات الوزارات الحكومية المختلفة، والتي تناولت تطورات القضية وعمليات توقيف المعتدين، وكذلك الأحداث التي وقعت في شمال سورية. كما نقلت عن مؤسسات المعارضة السورية الموالية لتركيا تصريحاتها التي تدعو إلى الهدوء وعدم التحريض، وتبعتها وسائل الإعلام الدولية من مثل قناة سي إن إن تورك وصحيفتي حرييت وصباح.

بالمقابل ركز الإعلام المعارض على مهاجمة الحكومة وفشلها في إدارة الملف السوري، وخاصة قنوات مثل سوزجو وخلق تي في، وصحف مثل جمهوريت، بخاصة أنّ أكبر أحزاب المعارضة ورئيسه أوزغور أوزال أعلن قبل أيام أنه سيلتقي برئيس النظام السوري بشار الأسد، في يوليو/ تمّوز الحالي من أجل حل المسألة السورية.

كذلك، كانت قضية حرق العلم التركي في شمال سورية حاضرةً بقوة في الإعلام المحلي، خاصةً مع الاهتمام الذي يوليه الشعب التركي لمسألة العلم الذي يراه من أهم رموز البلاد. أدى ذلك إلى انتشار واسع لخبر إلقاء القبض على المسيء للعلم التركي واعترافه واعتذاره في مختلف وسائل الإعلام المحلية.

وتواصلت التغطية الإعلامية التركية لتبعات ما حدث بنفس الطريقة، ومنها الهجوم على متجر لسوريين في قيصري بعد انتهاء موجة العنف، وعملية توقيف 3 أفراد شاركوا بالعملية، مع حرص كل مؤسسة إعلامية على تأكيد ضرورة إيجاد حل لمسألة اللاجئين السوريين في البلاد، والتي قفزت إلى مرتبة مهمة إلى جانب التحديات الاقتصادية. ترافق ذلك مع انتشار مطالبات بالتعامل مع القضية بشكل مختلف من مقاربة “المهاجرين والأنصار”، التي اعتمدتها الحكومة التركية في بداية مرحلة اللجوء السوري.

اللاجئ السوري

وخصّص عدد من الكتاب مقالاتهم في صفحات الرأي لتناول الأحداث الأخيرة بشكل خاص، وقضية اللجوء عموماً، ومن بينهم الكاتب المعروف عبد القادر سلفي، الذي رأى في مقال نشر الجمعة، في “حرييت” أنّه “يتم حشد المجموعات المنظمة في تركيا وسورية بهدف منع لقاء أردوغان والأسد ومنع تطبيع العلاقات التركية السورية”.

أضاف: “يقولون أعيدوا اللاجئين السوريين وعندما يصير هناك فرصة لذلك، فإنهم يتخذون إجراءات استفزازية لتخريب العملية، أليس هذا تناقضاً؟ إنه تناقض”، معتبراً أنّ “هناك من يتغذى على الحرب”، وهم: “أمراء الحرب والقبائل التي تغذيها الحرب، والمنظمات الإرهابية داعش وحزب العمال الكردستاني والمنظمات السلفية، بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وإيران وروسيا”.

على المقلب الآخر، قال الصحافي المعارض فاتح ألطاي، في مقال: “قبل 10 سنوات قلنا إنّ هؤلاء المهاجرين يمثلون مشكلة بقاء بالنسبة لتركيا، فقالوا إنّنا فاشيون وعنصريون. كنا نقول هذه الهجرة ليست طبيعية، وإنهم بهذه الطريقة يريدون خلق عدم استقرار داخلي في تركيا، يريدون تهيئة بيئة للصراع الداخلي، صراع عرقي جديد للمستقبل”. أضاف: “كانوا يتحدثون عن أنصار ومهاجرين، كانوا إخوة في الدين، وكنا علمانيين قذرين، ثم بدأت الأشياء الصغيرة تحدث، من أنقرة لإسطنبول وصولا لقيصري”.

أظهرت الأحداث بشكل واضح تداخل الرأي السياسي في تركيا مع التغطية الإعلامية لقضية اللاجئين. إذ يتم تجاهل الأخبار والأحداث التي تبيّن أهمية العمالة السورية في البلاد ومساهمتها بالاقتصاد، بخاصة في الأعمال التي بدأ الأتراك بالعزوف عنها. كلّ ذلك بسبب المواقف السياسية، وتداخل السياسة والمال والإعلام في البلاد، بنفس الطريقة التي يتم فيها تجاهل اسهامات المجنسين والمولودين في تركيا والطلاب الذين يدرسون فيها منذ أكثر من 10 سنوات.

وعن التغطية الإعلامية للأحداث التي جرت في تركيا وشمال سورية وموقف الإعلام بشقيه المؤيد والمعارض منها، قال الكاتب والباحث بالشأن التركي، طه عودة أوغلو، في حديث مع “العربي الجديد”: “هناك حالة من الانقسام، الإعلام المؤيد تعامل مع الحدث وفق التصريحات الرسمية التي صدرت من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والخطوات السريعة التي قامت بها الحكومة بخاصة وزارة الداخلية”.

وأضاف: “أما الإعلام المعارض فكان يتحدث بشكل كبير عن الأخطاء التراكمية، وأن هذه الأحداث جاءت نتيجةً لأخطاء تراكمية وقعت خلال السنوات الماضية من قبل الحكومة التركية في تعاملها مع الملف السوري، كما تطرق إلى مسألة إعادة اللاجئين السوريين، التي تحوّلت إلى مطلب رئيسي رفعته المعارضة منذ انتخابات العام 2019، وهو الأمر الذي ساعدها على الفوز آنذاك، وتحوّل على ورقة رابحة بالنسبة لمناهضي أردوغان في السنوات القليلة الماضية”.

جدارية تمثِّل حقوق الإنسان أمام مبنى حكومي تركي

وتطرّق عودة أوغلو إلى مواقف الكتّاب من الأحداث الحالية، معتبراً أنّ “هناك كتاباً عقلاء تحدثوا عن أن الهجوم على الأجانب في المدن التركية سواء كانوا لاجئين سوريين أو سيّاحاً سعوديين، يضر البلاد ويؤثر على صورة تركيا التي كانت دائماً مضيئة ولامعة في العالم العربي والإسلامي بسبب احتضانها للمظلومين من كل مكان”. تابع: “دفع ذلك عدداً كبيراً من الكتاب للحديث بوضوح عن ضرورة وضع خطوات رادعة وصارمة من قبل الحكومة توقف هذه الأعمال العدائية من قبل بعض الأفراد العنصريين ضد الأجانب، بخاصة ضد السوريين”.

ولفت إلى أنّ “العديد من الكتاب المعروفين أشاروا إلى أنّ الأحداث الأخيرة سوف يكون لها تداعيات إذا تركت الأمور دون احتواء من قبل الحكومة، كما وجدوا أنّه من الضروري اتخاذ خطوات وقرارات للحد من انزلاقها إلى منعطف خطير خلال المرحلة المقبلة”. كذلك، أشار إلى أنّ “بعض الكتاب المعارضين حمّلوا الحكومة المسؤولية حول ما يجري على الأرض من خلال استضافتها ملايين اللاجئين والأجانب في تركيا”.

العربي الجديد

—————————-

أردوغان والأسد.. ترميم علاقات أم إكراهات سياسية؟/ علاء رجب تباب

الثلاثاء، ٩ يوليو / تموز ٢٠٢٤

تتواصل تداعيات تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن سعيه لترميم العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري، وإشارته إلى أنه سيوجّه قريبا دعوته للرئيس السوري بشار الأسد، فقد أثارت غضبا وجدلا على المستويين الرسمي والشعبي.

وكان الرئيس التركي أعلن في تصريحه في 28 يونيو/حزيران الماضي عن أنّه عقد في السابق لقاءات عائلية مع الأسد، “ولا يستبعد تجدد هذه اللقاءات في المستقبل”.

وأوضح أردوغان أنه “لا يوجد أي سبب لعدم إقامة علاقات بين تركيا وسوريا”، مؤكدا في الوقت ذاته أنّه لا يمكن أن يكون لدى تركيا أي نية أو هدف بالتدخل في شؤون سوريا الداخلية.

مواقف متشددة

وبدت الانعطافة في الموقف التركي حادة للمتابعين، خصوصا أن جميع التصريحات السابقة لأردوغان كانت تؤكد رفضه القاطع إعادة العلاقات مع النظام السوري، بل تجاوزت ذلك إلى تحذير العالم من خطورة بشار الأسد ونظامه، والتشديد على “دعم الشعب السوري ليتخلص من الدكتاتور”.

ومن ذلك ما ورد في خطاب أردوغان في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2014، حين قال إن “بشار الأسد مجرم وإرهابي ويمثل خطرا أكثر من تنظيم الدولة”، متسائلا “كيف يمكننا أن نتطلع إلى المستقبل مع رئيس سوري قتل قرابة مليون من مواطنيه؟”.

وسبقه تصريح في 26 يونيو/حزيران 2012، حين أشار أردوغان بوضوح إلى “أن أمن الأناضول يبدأ من دمشق، وأن كل عسكري سوري يقترب من الحدود التركية سيعامل على أنه عدو، فالنظام السوري لم يعد يشكل خطرا على شعبه فقط، وإنما على تركيا والدول المجاورة”.

سياق التغيير

وبحسب مراقبين، فإن التغيّر في الموقف التركي لم يأتِ منفصلا عن السياق، وإنما جاء في غمرة أحداث متسارعة داخليا وخارجيا، وبعد سلسلة من المواجهات السياسية بين أنقرة والفواعل الإقليمية والدولية، وحلفاء النظام السوري طوال الأعوام الماضية.

كما أثرت ملفات عدة في الموقف التركي؛ منها إصرار الولايات المتحدة على دعم المشروع الكردي في سوريا، بالإضافة إلى الضغوط الروسية والإيرانية والعربية الأخيرة التي تدفع تجاه إعادة تأهيل النظام السوري.

وعلى الصعيد التركي الداخلي، فقد تراجعت شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم وخسر الانتخابات المحلية، إثر تجييش أحزاب المعارضة ضده، إزاء موقفه من الحراك السوري واللاجئين السوريين في بلاده.

فبحسب دراسة أصدرها مركز الجزيرة للدراسات بعنوان “بين أستانا وجنيف.. أفق الأجندات المتضاربة في الأزمة السورية”، تم التأكيد على أنّ أنقرة بعد سقوط حلب في سبتمبر/أيلول 2015، بدأت تعيد تعريف مصالحها وعلاقاتها بالقوى الفاعلة في المسألة السورية.

وكان ذلك في ضوء المواقف السياسية من المحاولة الانقلابية الفاشلة التي استهدفت الإطاحة بحكم حزب العدالة والتنمية في يوليو/تموز 2016، والتي أسفرت عن إنهاء الأزمة السياسية في العلاقات التركية الروسية، خاصة أن روسيا كان لها دور مهم في تقديم معلومات أمنية ساعدت على إفشال الانقلاب، بحسب المصادر التركية.

وما سبق أنتج بدوره مسار أستانا في 23 يناير/كانون الثاني 2017، الذي قوّض مسار جنيف السياسي وحدّد رؤيته وفق الرؤية الروسية، حيث تولى حينها الطرف التركي في مسار أستانا مهمة ضمان مشاركة المعارضة السورية، في مقابل ضمان الروس -الحليف الأقوى لبشار الأسد- مشاركة النظام السوري والتزامه بشروط التهدئة، وجرى -بحسب دراسة مركز الجزيرة- ضم إيران لاحقا خوفا من أن تمارس دورا تخريبيا يؤدي إلى إفشال مسار أستانا السياسي.

قيام كيان كردي

ويؤكد الباحث والمحلل السياسي الدكتور مروان قبلان أنّ الموقف التركي تجاه الحراك السوري تغيّر منذ التدخل الروسي والانخراط في مسار أستانا، وزيادة الضغوط الداخلية والخارجية على تركيا.

وأضاف قبلان -في تصريحه للجزيرة نت- أن مخاوف تركيا من قيام كيان كردي انفصالي على حدودها مع سوريا يُعَد “أحد أهم دوافع انقلاب الموقف التركي”، فهناك شكوك بأنّ أميركا تسعى لدعم تأسيس كيان كردي، قد لا يكون بالضرورة انفصاليا أو مستقلا، لكن مجرّد تشكيله قد يكون خطوة لإنشاء هذا الكيان، لذلك تتجه تركيا اليوم نحو الروس والتطبيع مع النظام السوري.

وبناء على ما سبق، وبحسب مركز الجزيرة للدراسات، فقد استفاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من التغير الحاصل في البيئة الإقليمية للملف السوري، وعلى رأسها الموقف التركي، ونجح في تغيير ملامح رؤية الحل السوري وقواعد اللعبة الدولية والتخلي عن التعاون مع الولايات المتحدة، وراح يرتّب الفواعل السياسية انطلاقا من مصالح القوى الإقليمية لا الدولية، مستغلا تجاهل الطرف الأميركي -لسبب ما- لهذه المساعي الروسية.

ويعتقد الصحفي والكاتب السياسي أحمد كامل -في حديثه للجزيرة نت- أنّ تصريح أردوغان وتلويحه بالتطبيع مع الأسد “له علاقة مباشرة بتحركات الانفصاليين (الأكراد)، وتحديدا انتخابات الإدارة الذاتية المزمع عقدها الشهر المقبل”، مضيفا أن تصريح أردوغان “غالبا هو وسيلة ضغط لتخويف أصحاب المشروع الانفصالي الكردي وداعميه، ومن جهة أخرى يسعى أردوغان بذلك إلى تحسين العلاقات مع العراق، لا سيما أن الكل اليوم موافق على مثل هذه الخطوة ما عدا قطر والمغرب والكويت”.

وفي ضوء التحركات السياسية، استضافت موسكو في بداية أبريل/نيسان الماضي اجتماعا رباعيا ضمّ نواب وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران وسوريا، حيث أكّد النظام السوري على ضرورة إنهاء الوجود التركي على الأراضي السورية، وتجنّب التدخل في الشؤون الداخلية السورية، ومكافحة الإرهاب بكافة أشكاله.

وأوضح البيان الختامي لهذا الاجتماع، بحسب وكالة الأناضول، أنّ الأطراف اتفقت على “ضمان عودة السوريين إلى وطنهم الأم بشكل طوعي وآمن ومشرف”، وعلى “إعداد خارطة طريق للنهوض بالعلاقات التركية السورية، والتنسيق مع وزراء الدفاع والاستخبارات للدول الأربع”، في حين أكّد الوزراء “التزامهم بسيادة سوريا ومكافحة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره، وفقا لقرار مجلس الأمن 2254، والبيانات الرسمية الصادرة في إطار مسار أستانا”.

عضّ أصابع

وعزا قبلان عرقلة هذه المفاوضات الرباعية إلى تصلّب الأطراف، وقال إنّ “الطرفين لم يقبلا بشروط بعضهما، فالنظام كان يريد الانسحاب التركي والوقف الفوري لدعم الفصائل العسكرية، لكن تركيا رفضت، لاعتقادها الجازم أن النظام السوري أضعف من أن يسيطر على المناطق التي من الممكن أن تنسحب منها”.

لكن في الفترة الأخيرة -بحسب قبلان- نلاحظ مرونة واضحة في مواقف الطرفين، حيث “لم يعد النظام يطالب بالانسحاب التركي، بل يطلب تعهدا بالانسحاب فقط، في المقابل بدأ الأتراك الحديث عن إمكانية التطبيع مع النظام بشروط عامة أكثر من كونها محددة، مثل الحديث عن المصالحة بين أطراف النظام والمعارضة على سبيل المثال”.

ليبقى السؤال المهم: هل تستطيع الحكومة السورية حقا استقبال المهجّرين، والحفاظ على الأمن القومي التركي من خلال إدارة الفوضى السياسية في مناطق الإدارة الذاتية والشمال السوري الخارجة عن سيطرتها؟! ولا سيما أنّ قضية اللاجئين تعتبر مُحددا أساسيا لرسم علاقة حزب العدالة والتنمية بالشارع، لدرجة أنّ هناك إجماعا تركيّا اليوم على ضروة حلّ هذه القضية ولو اقتضت التواصل مع النظام السوري ذاته، لأن أنقرة فقدت الأمل بأي تغيير سياسي في سوريا بالصورة التي كانت ترغب بها في السنوات الأولى من الثورة السورية، بحسب قبلان.

الظرف الدولي

وعن مدى الارتباط بين التغييرات الطارئة على طبيعة الموقف التركي وتوقيته ومستجدات الظروف الدولية واحتمالية وصول الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى السلطة، يرجّح الدكتور رائد الحلبي المقرّب من صُنّاع القرار الروسي -في حديثه للجزيرة نت- أنّ قدوم ترامب سيكون له تأثير مباشر في الموقف التركي وتوقيته، “لأنّ تركيا تعلم أنّ ترامب سيضغط على إيران، ويسعى إلى الانسحاب الأميركي من العراق ثمّ سوريا، وهذا بطبيعة الحال سينهي أمل الحركات الكردية التي تعتمد دوما على المجهول في تأسيس كيان انفصالي عن محيطه الجغرافي”.

في حين يرى أحمد كامل أنّ ترامب “إذا ربح، فهذا يعني أنّ من المحتمل أن يسمح لتركيا بتوسيع المحرر (مناطق المعارضة السورية) ووصله وقضم جزء منه وهو منبج، لأن حصول تركيا على قطعة إضافية يحتاج موافقة روسيا دوما بجانب الموافقة الأميركية”، لكنّ حصول تركيا على أكثر من المذكور أمر يستحيل أن توافق عليه الأطراف، مما يعني أنّه لن تكون هناك ضرورة للتطبيع التركي مع النظام السوري، الذي يستخدم هذه الورقة فزاعة سياسية لا أكثر.

في المقابل، استبعد قبلان أن يكون لنجاح ترامب تأثير مباشر على الموقف التركي اليوم، فحتى “لو فاز (الرئيس الأميركي) جو بايدن، فإن دوافع تطبيع تركيا مع النظام السوري ستكون أكثر ضرورة، لأنها تخشى سياسات الإدارة الحالية، خاصة منهجية التعاطي لدى مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي بريت ماكغوك، المعروف بعلاقاته الوثيقة مع القوى الكردية سواء في سوريا أو العراق”.

في النهاية، لا اتفاق على التفاصيل، وما زال الحديث في إطار الملامح العامة التي تؤسس لضبط العلاقة بين الأطراف، وتصريحات ومواقف الرئيس التركي الأخيرة -رغم وضوحها- ما زالت تحمل غموضا في كيفية التطبيق والتنفيذ، لأنّ الطرف التركي ما زال ينظر إلى المتغيرات بحذر، ويتخوّف من عدم جدّية الحكومة السورية في إعادة المهجّرين، أو عدم قدرتها على تقويض المشروع الانفصالي للإدارة الذاتية، لا سيما أنّ الطرف التركي يدرك أنّ النظام السوري تحوّل إلى هيكل هش يحاول حلفاؤه إحياءه.

الجزيرة

————————-

ما الجديد في سياسة أردوغان تجاه سوريا؟/ طارق عزيزة

2024-07-08

تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأخيرة، بشأن إمكانية دعوة رئيس النظام السوري بشار الأسد لعقد اجتماع ثنائي برعاية روسية، ليس فيها ما يدعو للدهشة أو الاستغراب، بل الغريب أنها فاجأت بعضهم، إلى درجة عدّها “انعطافة” حادّة في السياسة التركية. لعلّ هؤلاء نسوا (أو ربما تناسوا) أنّ أردوغان نفسه سبق وأعلن، في 5 كانون الثاني/ يناير 2023، عن نية محتملة لهذا اللقاء، تحت مسمّى “توسيع عملية السلام”. إنّ تصريحه مطلع العام الماضي وما صدر عنه مؤخراً، لم يكونا نتاج لحظة تحوّل وانقطاع، وإنما جاءا ضمن سياق ابتدأ منذ سنوات، تولّدت خلالها معطيات مركّبة على أكثر من صعيد، أدّت إلى تغيّر تدريجي ملحوظ في الخطاب السياسي والإعلامي، ثم السلوك التركي في سوريا، بصورة تختلف عمّا كان الحال عليه في السنوات من 2011 وحتى 2015، من عدائية صريحة معلنة ولهجة تحقيرية استفزازية، على لسان أردوغان وكبار المسؤولين الأتراك، استهدفت نظام الأسد وشخصه، ليتوّج ذلك التحوّل المتدرّج بهذه الدبلوماسية التركية التصالحية والمتودّدة تجاه عدوّ الأمس.

يمكن ربط تغيّر المعادلات وحسابات المصالح التركية بجملة من العناصر، اتضحت بصورة أكبر بعد التدخّل العسكري الروسي المباشر في سوريا، صيف عام 2015، وأنضجها التقارب الذي حصل بين موسكو وأنقرة، لإنهاء فترة توتّر بين الجانبين على خلفية التطوّرات السورية، وصولاً إلى انخراط تركيا بقوّة مع حماة النظام الروس والإيرانيين، في مسار آستانة واتفاقيات “خفض التصعيد”، بما تضمّنته من بنود تتصل بمحاربة الإرهاب، والتنسيق بين الأطراف الثلاثة في هذا الشأن. من جهة ثانية، نجاح مقاتلي أطراف كردية سوريّة بينها حزب الإتحاد الديموقراطي PYD، بدءاً من عام 2012، في السيطرة على مناطق شمال شرق سوريا، ثم تأسيس إدارة ذاتية تحظى بدعم غربي واضح، شكّل عامل ضغط أمني وسياسي للأتراك، ما ساهم في إعادة ترتيب أولوياتهم في سوريا. ورغم أن “الإدارة الذاتية” تنفي صلاتها بحزب العمال الكردستاني PKK، لكن تركيا تجد فيها تهديداً خطيراً من منظور “الأمن القومي”.

منذ ذلك الحين، تكرّرت دعوات تركيا للحوار مع النظام السوري، والتشديد على “الحل السياسي للأزمة السورية”، بالتوازي مع فرض وقائع على الأرض، في المناطق التي سيطرت عليها قواتها والفصائل المسلحة السورية التابعة لها. كانت أولى بوادر “الحوار” لقاءات على مستويات مختلفة، أمنية وسياسية، بين مسؤولين أتراك وسوريين، مباشرة أو من خلال وسطاء، لعبت فيها موسكو دوراً فاعلاً، وصولاً إلى اجتماع وُصف بـ”الودّي” بين وزيري الدفاع التركي والسوري في موسكو، يوم 28 كانون الأول/ ديسمبر 2022، هو الأعلى مستوى بين الجانبين منذ عام 2011، نوقشت فيه “مشكلة اللاجئين”، ومكافحة “جميع الجماعات الإرهابية” العاملة على الأراضي السورية. وقتها، قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار بعد اللقاء، إنه أبلغ نظيريه، السوري علي محمود عباس والروسي سيرغي شويغو، أن تركيا “تحترم سلامة أراضي جميع جيرانها وتهدف فقط إلى محاربة الجماعات الإرهابية لحماية حدودها”. يضاف إلى ما سبق، تحسّن العلاقات التركية مع دول عربية، عادت للتطبيع مع نظام الأسد بعد سنوات من دعمها جهود إسقاطه، بتقديم مساعدات مالية وعسكرية ودبلوماسية لفئات من معارضيه، فكان تسارع مسار إعادة العلاقات بين دول عربية ذات تأثير إقليمي، مثل السعودية والإمارات، وبين النظام السوري، وبينها وبين تركيا، سبباً لتنسيق المواقف فيما بينها، والتعاون بصورة أكبر في هذا الملف.

انعكست هذه التطورات سلباً على أوضاع اللاجئين السوريين في تركيا، فبعد سنوات من الاستثمار في ملفهم، وابتزاز الاتحاد الأوروبي لتحصيل المليارات باسمهم، تصاعدت حملات الكراهية والتحريض ضدّهم، في العالم الإفتراضي ووسائل الإعلام كما على أرض الواقع، وازداد عدد الجرائم والاعتداءات الواقعة بحقّهم، في ظل صمت متواطئ من الحكومة التركية والسلطات المحلية، فضلاً عن حالات الترحيل القسري لأعداد متزايدة من السوريين، بعد إجبارهم على توقيع أوراق “العودة الطوعية”، وهو ما ينسجم مع التصريحات والإجراءات الحكومية المستجدّة، تحت عنوان “تسهيل عودة اللاجئين السوريين إلى مناطق آمنة داخل سوريا”. ومعلوم أنّ خطوة كهذه تتطلّب من أردوغان التواصل والتعاون مع نظام الأسد وشركائه لمعالجة هذا الملف، بعدما أصبح عبئاً ثقيلاً عليه في بازار السياسة التركية الداخلية، دون اكتراث للمصير القاتم الذي ينتظر ملايين السوريين، في حال أعيدوا إلى قبضة من كان السبب في تهجيرهم.

منذ أن حطّ قطار “الربيع العربي” في محطّته السورية، وجدها أردوغان فرصة لتحقيق طموحاته التوسعية، مستلهماً سيرة أجداده العثمانيين، في بسط نفوذهم باسم وحدة الدين والمذهب. وهكذا، لم تكن سوريا عنده، بأرضها ولاجئيها ومعارضتها وفصائلها.. سوى ورقة يتلاعب بها شرقاً وغرباً، وفق مصالحه وخدمةً لمشروعه. إنها حقيقة أكّدها الواقع وتطوّر الأحداث مرّة تلو الأخرى، إلّا أنّ الذين تصدّروا المشهد باسم الثورة والمعارضة، واحتكروا هيئاتها التمثيلية المزعومة، أغمضوا أعينهم عن هذه الحقيقة، إذ سيطرت على تفكيرهم وتصرّفاتهم انتهازية سياسية مبتذلة، مغلّفة بأيديولوجية دينية، فاستقووا على أبناء جلدتهم السوريين، وتحوّلوا إلى مرتزقة يسبّحون بحمد السلطان، ويلهجون بفضائله!

————————–

هل يُنذر الشمال السوري بانفجار قريب؟/ حسن النيفي

2024.07.09

تتصاعد دعوات السوريين، خاصة في مدن وبلدات الشمال وفي البلاد التركية وبلدان اللجوء الأخرى، مطالبة بضرورة إيجاد كيان سياسي قادر على تلمّس أوجاعهم ومقاربة التحديات التي تواجه مصيرهم، وأمين على تطلعاتهم، ولا يساوم على تضحياتهم ومستقبلهم في سوق المصالح الإقليمية أو الدولية.

ولا شك أن تصاعد تلك الدعوات غالباً ما يتزامن مع مستجدات سياسية في المنطقة تعود فيها القضية السورية إلى واجهة الأحداث، ليس باعتبارها قضية عادلة لشعب يعيش مأساة إنسانية كبرى منذ أكثر من عقد، وبالتالي باتت تستوجب حلاً عادلاً، بل باعتبارها محطة ينبغي عبورها لتلاقي المصالح الدولية الأخرى، فضلاً عن كونها – وفقاً لبعض الدول – باتت عبئاً على مستقبل العلاقات بين دول المنطقة.

وعلى الرغم من مشروعية تطلع السوريين إلى مظلة قيادية تتولى شؤونهم السياسية والحياتية، إلا أن هذه الدعوة غالباً ما تأتي في سياق مشحون يسوده الغضب والانفعال، الأمر الذي يجعل منها شكلاً من أشكال ردّات الفعل تجاه واقع مُزرٍ فاقت تداعياته طاقات المواطنين.

هذا يدفع إلى القول: إن تلك الدعوة حتى لو تحققت فلن تحمل في طيّاتها حلاً سحرياً لمشكلات راكمتها سنوات متعاقبة مليئة بالتراجع والخيبة سواء على المستوى السياسي أو الحياتي العام.

الخيبة المزمنة من الأطر الرسمية للثورة

تشير الإحصاءات الأولية إلى وجود ما يقارب ستة ملايين مواطن سوري يقيمون في المناطق والبلدات التي تقع تحت نفوذ الحكومة التركية عبر تنسيقها مع (الجيش الوطني). وإذا أضفنا إلى هؤلاء ما يقارب ثلاثة ملايين ونصف المليون مواطن يقيمون – كلاجئين – داخل البلاد التركية، فيكون العدد قد قارب تسعة ملايين ونصف المليون من المواطنين السوريين (ثلث سكان سوريا). من المفترض أن تكون المسؤولية الإدارية والخدمية والسياسية حيال هؤلاء تقع على عاتق الكيانات الرسمية للمعارضة، الائتلاف كقيادة سياسية أولاً، والحكومة المؤقتة كجهاز تنفيذي تابع للائتلاف، ليس بسبب مقتضيات الجغرافيا فحسب، بل لأن هؤلاء المواطنين هم – من الناحية الفعلية – حاضنة حقيقية للثورة أيضاً. إلا أن واقع الحال يؤكد، على مدى ثلاث عشرة سنة من عمر الثورة السورية، غياباً شبه تام لأيّة مسؤولية فعلية لتلك الأطر حيال المواطنين السوريين سواء ما يخص من هم داخل سوريا أو ممن يقيمون على الأراضي التركية.

وعلى الرغم من اتخاذ الائتلاف مقره الرئيسي في مدينة إسطنبول التركية، إلا أن القطيعة التي انتهجها بينه وبين السوريين لم تمكنه من المساهمة في مجرد استخراج وثيقة شخصية لأي مواطن سوري، باستثناء وثائق السفر المزورة التي اعتقل بسببها العديد من المواطنين السوريين في مطارات مختلفة. وكذلك وقف عاجزاً، بل متغافلاً عن جميع التجاوزات التي وقعت على السوريين من جانب السلطات التركية، سواء فيما يخص حالات الترحيل أو الاعتقال التعسفي. كان المبرر الدائم لغياب دور الائتلاف هو أن الغاية من وجوده بالأصل هي التمثيل السياسي للسوريين ولا صلة له بالقضايا الأخرى، وكأن السياسة شأن منقطع الصلة بشؤون الحياة الأخرى.

أما الحكومة المؤقتة، فعلى الرغم من حضورها الهيكلي الشكلي في الداخل السوري، وكذلك على الرغم من الأطر المؤسساتية التي حاولت إيجادها، كالوزارات ومؤسسات القضاء وجهاز الشرطة والأمن العام، إلا أن سلطتها الحقيقية وفاعليتها على الأرض محكومة بعاملين اثنين: أولهما المنسق التركي الذي يقوم بالإشراف المباشر على عمل المؤسسات وهو صاحب القرار الفعلي بما يخص عملها. وثانيهما الفصائل العسكرية التي ما تزال تعدّ نفسها فوق المؤسسات والقوانين، باعتبارها صاحبة القوة والسطوة التي لا تبيح لها التحكم بمقدرات الناس الحياتية والاقتصادية فحسب، بل بخياراتهم المصيرية أيضاً.

لعل المعاناة المريرة من ديمومة البؤس بأشكاله الحياتية والأمنية والسياسية دفعت المواطنين على الدوام إلى الاحتجاج والتعبير عن الاستياء والسخط الشديد على شتى أشكال التجاوزات أيّاً كان مصدرها، إلا أن جميع أشكال الحراك الشعبي التي جسّدت غضب الشارع في وجه كيانات الأمر الواقع سواء تمثلت بالفصائل العسكرية أو المؤسسات المدنية الأخرى، ورفضه التجاوز على حقوق المواطن، ظلت على الدوام مشدودةً إلى قناعة داخلية بأن رفض التجاوزات والسلوك المشين للأطر السلطوية إنما مبعثه الحرص على إصلاحها لترتقي إلى المستوى الذي تدّعيه من تمثيل للثورة. وما كان لأشكال الحراك بمجمل حالاتها أن تصل إلى حالة الانفجار إلا حين يشعر الناس بأن من ائتمنوه على تطلعاتهم ومفاصل مصيرهم وتحمّلوا جوره وتجاوزاته قد بدأ بخذلانهم.

لعلها هذه حال سكان الشمال السوري اليوم، وكذلك حال السوريين داخل البلاد التركية، حين يواجهون مشاريع إقليمية قد تودي بقضيتهم وتغامر بمصيرهم، بل ربما أعادت رقابهم إلى السكين التي كانت السبب بتشريدهم وطردهم من بلادهم. في الوقت ذاته لا يجدون من تلك الأطر أو الكيانات التي تحكمهم وتدّعي تمثيلهم من يدافع عن مصائرهم في تلك الظروف المصيرية الحاسمة. إذ إن تزامن الاعتداءات العنصرية على السوريين في مدينة قيصري وامتدادها إلى مدن أخرى مع تجدّد دعوة الحكومة التركية إلى التطبيع مع نظام الأسد كان إيذاناً واضحاً بأن بواعث الانفجار الشعبي باتت وشيكة على الاشتعال، وربما زاد في سرعة اشتعالها صمت الكيانات القيادية وفي مقدمتها الائتلاف، ذلك الصمت الذي لا يمكن تفسيره في هذا الظرف العصيب سوى بأنه تأكيد لدوره الوظيفي الذي انتهجه منذ لحظة تأسيسه، وما يزال أميناً لهذا النهج.

بين خذلان الساسة وهزيمة المثقفين

لئن جاز الذهاب إلى أن دعوة كثير من السوريين إلى إيجاد كيان قيادي جديد يتولى أمرهم ما هي إلا تجسيد لحالة الخيبة والإحباط والخذلان الناتج عن عطالة الأطر الرسمية للثورة، ما أدى إلى طغيان الشعور باليتم السياسي لدى الجمهور العام، فإن السؤال الذي قد يحضر ببال كثيرين يتمحور حول غياب دور المثقفين السوريين الذين تكتظ بهم مراكز البحوث والمعاهد البحثية والمنظمات ذات التمويل الهائل والصحف والمواقع المكرسة للأسماء البراقة. ألا يمكن لهؤلاء أن يمارسوا دوراً من شأنه أن يكون كابحاً لانحطاط السياسة، ومؤازراً لحق شعبهم في الدفاع عن حقوقه المصيرية؟ واقع الحال يؤكد أن كثيراً من المثقفين ما يزالون قائمين على شأنهم الثقافوي لكن في سياقات أخرى، لعلّها – من وجهة نظرهم – أكثر ارتقاءً عن الشأن الحياتي المباشر، وأكثر عمقاً من الظواهر الشاغلة للرأي العام.

يعتقد أكثرهم بلا جدوى العمل بوادٍ غير ذي زرع، إذ اكتشف هؤلاء – بغتةً – أن ثورة السوريين حملت عوامل فشلها من بنيتها ذاتها، المتمثلة تارةً بهيمنة النزوع الديني وتارةً أخرى بتأصل النزعات العرقية والطائفية والمذهبية، وحيناً برفض العلمانية، ناهيك عن غياب الوعي الحداثي وتجذر الإرث المعرفي التقليدي.

بناءً على هذا التصور، ربما تأتي مسؤولية نظام الإبادة الأسدي من المسائل أو الأسباب اللاحقة وليست هي الأصل في الخراب المجتمعي العام.

لذلك يرى هؤلاء أن الجدوى الحقيقية تكمن في العمل على تأسيس مشروع تنويري عام يمكن أن يفضي إلى إنتاج أو تصنيع نخب ثقافية وسياسية قادرة على النهوض بالثورة. بل إن هذه النخب – وفقاً لأصحاب هذا الرأي – هي من سيقوم ليس بإيجاد القيادة فحسب، بل بإيجاد المجتمع أيضاً. لعلّ ما هو جدير بالتنويه أيضاً، أن سكان الشمال السوري باتوا موضع اتهام من جانب كثير من المتثاقفين، تارةً بسبب الطابع المحافظ لهؤلاء السكان، ومرةً لأنهم يخضعون لسلطة فصائل إسلامية لا حول لهم ولا قوة حيال تسلطها.

علماً أن عدداً من هؤلاء المثقفين كان قد استغل بل واستثمر منابر الثورة في بداياتها لتسويق بضاعته التي لم يسمع بها أحد من قبل، ولكنه سرعان ما تنصل منها حين تعثرت وأصبح الاستمرار في مضمارها يوجب التضحية أكثر مما يغري بالمغانم.

يمكن التأكيد على أن بمقدور الساسة الرسميين والمثقفين التنويريين أن يتحاشوا أي معترك سياسي مباشر ويعززوا نخبويتهم بذريعة تحاشي الانجرار وراء الخطابات والشعارات الشعبوية، ولكنهم في الوقت ذاته لن يكون بمقدورهم تحاشي الانجراف بوابل أي انفجار مصيري حاسم إن حصل في قادم الأيام.

تلفزيون سوريا

—————————–

جدوى اللقاء مع بشار الأسد/ حسام جزماتي

2024.07.08

اعتاد مؤيدو النظام السوري المقارنةَ بين ثبات زعيمه وبين تعاقب الرؤساء والوزراء والفاعلين في العالم. فقد رحل باراك أوباما وهيلاري كلينتون وديفيد كاميرون وإيمانويل ماكرون وأنجيلا ميركل وعبد الله آل سعود ومحمد مرسي وغيرهم عن مناصبهم، أو عن الدنيا، و«بقي الأسد» كما دأبوا على القول. وكأن هذه الأبدية ميزة بالقياس إلى دول كثيرة تتم فيها انتخابات طبيعية وتداول سياسي للسلطة التي لا يجري التشبث بها بأنواع السلاح المختلفة وقوى المخابرات والمسالخ البشرية والميليشيات.

غير أن لبقاء بشار الأسد، ثلاثة عشر عاماً بعد الثورة عليه، أثراً إيجابياً عليه لا يمكننا تجاهله. وهي أن أجيالاً جديدة في الحكم والمعارضات في بعض الدول تُقبل على قراءة «القضية السورية» من صفرٍ ما، وترفض التسليم بذاكرات وتجارب من سبقها لأنها أدت إلى طريق مسدود، وتظن أنها ستحقق ما لم تستطعه الأوائل لمجرد أنها قررت التفكير في «مقاربة جديدة» للمسألة، تتضمن «الانفتاح» على الحكم في دمشق وصولاً إلى اللقاء به؛ إذ لا يُعقل، في نظر هؤلاء، أن تكون الحقوق والقوانين في جانب خصومه جملةً وألا يوصف إلا بالوحشية والتعنت والمراوغة. ففي النهاية هذان طرفا صراع لن يخرج عن سنن «الحروب» في إمكانية الوصول إلى تنازلات متبادلة أو العثور على نقاط التقاء.

ومن دون التورط في إغراء فرادة الحالة السورية، الذي بات منتشراً، يمكن نظم بشار الأسد في سلسلة نماذج كثيرة مشابهة من الطغاة في التاريخ، وفي الحاضر الذي لم يزل قروسطياً هنا وهناك، ممن يتبنون الثنائية القصوى بين القصر، بكامل صلاحياته ويده المطلقة، وبين القبر الذي يدفع المستبدُ إليه معارضيه وأعوانه ثم نفسه.

لا مقاربة جديدة مع الأسد إذاً، ولا تفكير خارج التابوت الذي هو أكثر الصناديق استخداماً في سوريا في العقد الأخير بعد صندوق الذخيرة. هذا ليس كلام معارضيه فقط بل هي حصيلة تجارب مبعوثين مخضرمين منذ كوفي عنان، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، حتى الوساطة الأردنية التي أدّت إلى شغل النظام مقعد سوريا في جامعة الدول العربية في العام الماضي، وانفتاح بعض دول الخليج المؤثرة.

ويمكننا أن نستعيض عن التذكير المملّ بسيرة فشل كل هذه المحاولات بقصة «طريفة» ذات دلالة. وهي أنّ تعيين الأخضر الإبراهيمي، وزير الخارجية الجزائري السابق، مبعوثاً مشتركاً للجامعة العربية والأمم المتحدة إلى سوريا، بعد استقالة عنان في عام 2012، لم تترك في البلاد سوى نتيجة مستمرة واحدة، وهي أن عناصر الأمن أطلقوا اسمه على نوع من الأنابيب البلاستيكية الخضراء، المخصصة للمياه أصلاً، والتي كانوا يستخدمونها للضرب بسبب إيلامها الحاد ودون تطويبها باسم يليق بمكانتها الصاعدة بين أدوات التعذيب منذ استيرادها من عالم التمديدات الصحية، حتى تعيّن هذا المبعوث فلم تجد شيفرة النظام، للتعبير عن موقفها الحقيقي من المبادرات، خيراً من منح هذه الأنابيب اسمه. فانضم «الأخضر الإبراهيمي» إلى عائلةٍ أفرادُها الشبح والدولاب والكرسي الألماني وبساط الريح.

إن المعارضين والثوار السوريين، عندما يعبّرون عن يأسهم من محاولات العثور على آذان مصغية وعقل منفتح للحوار لدى بشار الأسد، ينطلقون من مرارة الفشل في التوصل إلى حل وطني إصلاحي منذ العقد الأول لحكمه عندما أحبط كل مقترحات الانفتاح المحدود في «ربيع دمشق»، ناهيك بما حدث بعد الثورة التي حفلت أشهرها الأولى بلقاءاته مع وفود من مختلف المناطق لم تترك مطلباً إلا ونقلته. فما بالك الآن بعد قتل واعتقال مئات الألوف وتشريد الملايين؟!

غير أن عاملاً آخر يحمل دول الجوار على إعادة الدقّ على الحائط المُصمَت. وهو الإشكالات التي تخلقها الأعداد الكبيرة للاجئين السوريين في لبنان وتركيا كما اتضح في الآونة الأخيرة، وتدفع السياسيين في هذين البلدين إلى تقليب أوراق هذا الملف مجدداً بحثاً عن أي ثغرة رغم معرفة بعضهم أنها غير موجودة أساساً.

وربما نكرر إذا قلنا إن للثورة حليفاً قوياً في دمشق يتمثل في بشار الأسد نفسه. فهو كفيل بالتعامل مع كل من يأمل به خيراً بطريقة صلفة متعالية كأنه الرابح في المعركة. في حين أن وجهه الآخر، الضعيف واقعياً، يمنعه من الاستجابة لهذه المبادرات حتى لو أراد. لأنه عاجز عن الحد من النفوذ الإيراني، وهو مطلب النظام العربي، وغير قادر على الاستغناء عن إيرادات تجارة المخدرات، وهو أيضاً شرط الأردن ودول الخليج، ولا يملك من الموارد والبنى التحتية ما يكفي لاستيعاب أعداد وازنة من اللاجئين بفرَض عودتهم وعدم ملاحقتهم أمنياً، وهو مطلب دول الجوار، وأبواب إعادة الإعمار مغلقة في وجهه بفعل الضغوط الأميركية وعدم وجود من يريد أن يموّل المتطلبات الضخمة للتعافي من هذه الكارثة الثقيلة.

ليذهب من شاء إلى دمشق فلن يعود بنتيجة. لكن الثوار السوريين لا يستطيعون أن يضعوا أيديهم في مياه باردة رغم ذلك، لا لأن هناك احتمالاً للتوصل إلى اتفاق من أي نوع مع الرئيس العنيد للبيروقراطية السياسية السورية، المصرّ على تطبيقها بحذافيرها؛ ولكن لأن وقت السوريين من دم، كما قيل منذ وقت بعيد، وهو ما يزال يسيل.

مرة أخرى لا حل إلا بالانتقال السياسي، وغير ذلك مراوحة في المكان!

تلفزيون سوريا

——————–

الأسد وأردوغان وظل أوجلان/ إبراهيم حميدي

دمشق أسقطت الشرط المسبق حول الانسحاب التركي… وأنقرة لم تعد تشترط الحل السياسي للانسحاب

08 يوليو 2024

لم يخف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في السنوات الأخيرة، رغبته في تطبيع علاقات الرئيس السوري بشار الأسد مع الدول العربية أو مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

تطبيع العلاقات مع الدول العربية كان أسهل، حيث عادت دمشق إلى الجامعة العربية في منتصف العام الماضي، وحضر الأسد آخر قمّتين عربيتين.

الموضوع مع تركيا أكثر تعقيدا لأسباب كثيرة، لعل أهمها أن الجيش التركي يسيطر بطريقة مباشرة أو عبر فصائل، على حوالي 10 في المئة من سوريا (إجمالي مساحتها 185 ألف كلم مربع) أي ما يساوي عمليا ضعف حجم لبنان، كما أن أنقرة قدمت دعما عسكريا واستخباراتيا لفصائل مسلحة منذ 2012، وتستضيف نحو 3.5 مليون لاجئ سوري.

بوتين نجح سابقا في إقناع الأسد وأردوغان بعقد لقاءات استخباراتية وعسكرية وسياسية، بل إن مدير المخابرات التركي السابق (وزير الخارجية الحالي) حقان فيدان ومدير مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك (مستشار الأمن الوطني بالرئاسة حاليا)، تبادلا الزيارات السرية-الودية في دمشق وأنقرة، بعد لقائهما العلني في موسكو بداية 2020.

في كل مرة جرى فيها الحديث عن لقاء بين الأسد وأردوغان، كانت المفاوضات تصطدم بعقدة واحدة: الرئيس السوري يشترط على الجانب التركي الإدلاء ببيان مسبق، يتضمن الإعلان عن موعد الانسحاب العسكري، أو جدول زمني واضح للانسحاب أو بدء الانسحاب. “العقدة” ان يلتقي رئيس “دولة محتلة”.

جواب الجانب التركي، كان دائما أن انقرة متمسكة بالقرار 2254 والسيادة السورية الكاملة على أراضيها، لكن موضوع الانسحاب مرتبط بالحل السياسي وتوفير الأمن بحيث لا يشكل شمال سوريا تهديدا للأمن القومي التركي. “العقدة” ان يلتقي رئيس “غير شرعي”.

أمام هذه “العقدة” وتلك، توقفت الجهود الروسية عند الحفاظ على الوضع القائم: منع دمشق من الذهاب الى إدلب. ترتيبات ودوريات وتسهيلات روسية لتركيا شرق الفرات. غارات روسية بين فينة وأخرى.

الجديد، أن “عقدة” الإنسحاب أو التسوية تم حلها. وكشفت الوساطة التي قادها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني وخطفها ألكسندر لافرنييف مبعوث الرئيس الروسي بين الأسد وأردوغان، أن الجانب السوري أسقط الشرط المسبق حول الانسحاب العسكري التركي، وأن أنقرة لم تعد تشترط الحل السياسي وإشراك المعارضة ومكافحة الإرهاب وترتيبات لعودة اللاجئين، للانسحاب. إذن، لقاء دون شروط مسبقة.

ما سبب هذا التغيير الكبير في موقفي الأسد وأردوغان؟

إنه رئيس “حزب العمال الكردستاني” عبد الله أوجلان، أو الملف الكردي. فقد باتت هناك قناعة لدى أنقرة ودمشق بأن الوجود المؤسساتي الكردي، أي “الإدارة الذاتية” شرق نهر الفرات، يشكل تهديدا وجوديا لوحدة سوريا وتركيا.

معروف أن الرئيس الراحل حافظ الأسد تخلى عن أوجلان في أكتوبر/تشرين الأول 1998 كي يتجنب هجوما عسكريا تركياً، ثم خطفت إستخبارات تركيا أوجلان من أفريقيا بداية 1999، ولا يزال في سجونها مذاك. بعد ذلك تطورت العلاقات الاستخباراتية والسياسية والاقتصادية بين سوريا وتركيا وتبادل الأسد وأردوغان الزيارات العائلة وفتحا الحدود، إلى حد أن دمشق سلمت قياديين أكرادا إلى أنقرة وسجنت الكثير من عناصر “حزب العمال”.

بعد 2011، انقلبت العلاقات بين أردوغان والأسد، وفتحت دمشق الأبواب لتوسع الأحزاب والكيانات الكردية شمال شرقي سوريا لتهديد تركيا. لكن “السحر انقلب على الساحر” بعد قرار أميركا الاعتماد على المقاتلين الأكراد لهزيمة “داعش” بعد 2014، بل إن التحالف الدولي بقيادة واشنطن وفر الغطاء الجوي لمأسسة الإدارة الكردية، ودعمها ضد دمشق.

وبينما كانت دمشق تتأرجح مع الأكراد بين التفاوض والتهديد، تدخلت تركيا عسكريا مرات عدة واحتلت جيوبا عسكرية في ريف حلب ودعمت الفصائل في إدلب، لـ “تقطيع أوصال” الكيان الكردي ومنعت وصوله للتنفس من البحر المتوسط ثم منعت اتصاله الجغرافي على ضفتي نهر الفرات.

الواضح، أن الدور الذي لعبه أوجلان دون أن يدري، لدى خروجه من مقره في دمشق قبل ربع قرن، “يلعبه” حاليا دون أن يدري، من سجنه في تركيا. انه ظل أوجلان في سوريا، “وحدات حماية الشعب” الكردي عماد “قوات سوريا الديمقراطية” المدعومة من أميركا شرق الفرات. القلق من أوجلان ومن الأكراد، يجمع الأسد وأردوغان على هدف واحد، وهو العمل معا ضد قيام “كيان كردي” في سوريا يُلهم أكراد تركيا و”حزب العمال الكردستاني”.

بالفعل، يجري التباحث سرا بين دمشق وأنقرة لشن عملية عسكرية ضد “قوات سوريا الديمقراطية” التي يشكل الأكراد مكونها الرئيس، وترمي المحادثات إلى الإجابة عن بعض الأسئلة: موعد العملية؟ هل هي عملية برية سورية-تركية مشتركة؟ هل يقوم الجيش السوري بالعملية البرية وتقدم الطائرات والمسيرات التركية الغطاء الجوي؟ هل يجري الإنقضاض على الأكراد قبل الانتخابات الأميركية؟ هل يتم انتظار انتخاب دونالد ترمب صديق بوتين وأردوغان وعدو الأكراد؟ هل يمكن انتظار انتخاب ترمب الذي وعد بالانسحاب من شمال شرقي سوريا كما هدّد في 2019 ومهّد بانسحاب القوات الأميركية الجزئي لتوغل تركي بين تل أبيض ورأس العين؟

الإجابة عن هذه الأسئلة، لا تتم في غرفة التفاوض السورية- التركية وحسب، بل إنها تتم أيضا في المحادثات السرية التي تجرى بين وفدين سوري وأميركي في مسقط عاصمة سلطنة عمان، والمفاوضات الأمنية والسياسية بين الجانبين التركي والأميركي في أنقرة وواشنطن. هذه التبادلات سبق وأن نجحت في أن تفرض واشنطن على “الإدارة الذاتية” الكردية تأجيل الانتخابات التي كانت مقررة في 11 مايو/أيار، لأن أنقرة ودمشق اعتبرتا هذه الانتخابات تهديدا استراتيجيا لوحدة البلدين.

في مقابل التمهيد للعمل العسكري ضد الأكراد شمال شرقي سوريا، هناك تباحث لترتيبات مشتركة في شمال غربي سوريا، ويتضمن العمل على دوريات عسكرية وإجراءات مشتركة لفتح طريق حلب- اللاذقية وطريق غازي عنتاب على حدود تركيا إلى مركز نصيب على حدود الأردن، لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية وإعادة سوريا معبرا تجاريا إلى الخليج.

تبادل “تصريحات الغرام” ووقف الحملات الإعلامية وتكرار الدعوات للأسد، جزء من “الإنقلاب” الجديد الذي يقوم به أردوغان في علاقاته بالإقليم للوصول الى “صفر مشاكل”. مرة أخرى، القلق من أوجلان والكيان الكردي، يمهد الطريق لقمة بين “الرئيسين” برعاية “القيصر” للعمل معا من أجل “تقطيع الأوصال الكردية” شرق الفرات، حيث كل الثروات السورية و”فتح الشرايين الاقتصادية” في شمالها الغربي أمام الثروات التركية.

المجلة

————————-

الشعب السوري في صفقات السياسة/ سوسن جميل حسن

08 يوليو 2024

الحروب والنزاعات المُسلّحة، وأحيانًا غير المسلّحة، تنتج واقعاً جديداً وتنتهي إلى طاولة المفاوضات، لكن بعد أثمان باهظة تدفعها الشعوب، التي ربّما لم تكن الحرب خياراً وحيداً لها، وإنّما الأنظمة السياسية، أو الحاكمة، هي من يُخطّط للحروب ويدفع الشعوب إليها.

لا يوجد في السياسة أعداء ولا أصدقاء، توجد مصالح. هذا ما ردّده كثيرون من السياسيين والزعماء، وما استنبطه علماء الاجتماع والاقتصاد والسياسة، وغيرهم. وقد قالها ذات يوم الرئيس التركي، رجب طيّب أردوغان، في معرض حديثه أو تلميحاته الباكرة عن إمكانية الانفتاح على النظام السوري، أو اللقاء معه، وقد عقدت لقاءات عدّة في آخر سنتَين على مستويات الأجهزة الاستخباراتية والدفاع والخارجية، في التحضير للمرحلة الحالية التي أصبحت السياسة التركية فيما يخص الأزمة السورية وعلاقة تركيا بها واضحة وصريحة، جديدها أخيراً تصريح الرئيس التركي في الطائرة التي كان عائدًا بها من كازاخستان، بعد لقائه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إذ قال، كما نقلت صحيفة حرييت، إنّه قد يدعو بشار الأسد بوساطة روسية إلى زيارة تركيا، وإن السلام الذي قد يعمّ سورية ضروري من أجل عودة اللاجئين. وقد أوضح أنّ هذه النقطة مبنية على الهدوء الذي تحقق أخيرًا في الأرض، وهذا استكمال لتصريحاته في آخر فترة، مُلمّحاً إلى عودة العلاقات مع النظام السوري.

في الواقع، بدأ التحوّل التركي في سورية منذ سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على مناطق شمال شرقي سورية، وتشكيل منطقة حكم ذاتي تحت مُسمَّى الإدارة الذاتية، لم تعد تركيا تضع في رأس القائمة إسقاط النظام، وإنّما الوجود الكردي، وهذا معروف، وقد أدّى إلى ترسيخ الوجود التركي العسكري في الشمال السوري، وقيامه بعمليات عسكرية عدّة ضدّ مناطق وجودهم في الشمال السوري، فهناك عشرات النقاط العسكرية وآلاف الجنود، عدا السيطرة السياسية والاقتصادية والإدارية على تلك المناطق، وربطها بالداخل التركي.

لتركيا أسبابها التي تنطلق من مصالحها، أولًا وأخيرًا، بالنسبة إلى دورها في سورية، وهي إن كانت في البداية فتحت أبوابها واسعة للاجئين السوريين، ودعمت قوى المُعارَضة والفصائل، واحتلّت قسماً كبيراً من الشمال السوري، فإنّها دائماً ما تراجع سياساتها وتعيد رسم خططها المستقبلية وفقًا لمعطيات الواقع وتغيّراته، إن في الداخل التركي، أو إقليميّاً ودوليّاً، وتسير في طريق تطبيق السياسات التي تُلبّي هذه المصالح. أمّا المُعارّضة السورية، التي وضعت البيض كلّه في سلّة واحدة، فإنّها فشلت ميدانيًا وعسكريًا، والفشل الأكبر كان سياسيّاً، بعد أن راحت القوى والدول الداعمة، ومن سُمّوا أصدقاء الشعب السوري في بداية الحراك الشعبي، يتراجعون بالتدريج عن دعمهم المُغدِق في البداية، حتّى لم يبقَ صديق أو حليف يمكن الاعتماد عليه بشكل يُحقّق “المعجزة” التي كانت في بداية الحراك حلمًا وطموحًا لم يكن من المستحيل تحقيقهما.

لا يستطيع أيُّ فردٍ يمتلك الحدّ الأدنى من المشاعر الإنسانية إلّا أن يستهجن ما يتعرّض له السوريون في بلاد اللجوء، خاصّة في الجوار، ويتعاطف مع محنتهم الإنسانية، وتعرّضهم لانتهاك كرامتهم وأمنهم ومستقبلهم. وآخرها ما وقع في قيصري (وسط تركيا) من عنف واعتداءات على السوريين، مدفوعة بنزعات عنصرية واضحة، وامتدّ إلى مناطق أخرى في تركيا، وما تلاها من انتهاكات كان من أبشعها وأخطرها تسريب بيانات ما يقارب ثلاثة ملايين سوري ونشرها في شبكة الإنترنت، فصارت في متناول كلّ العالم، ويمكن لأيّ شخص أن يستخدمها في توريط السوريين في مشاكل ومصائب مفتوحة على الاحتمالات كلّها.

يُشكّل السوريون، في الداخل التركي، وفي الشمال السوري الخاضع لسيطرة الفصائل والحكومة المُؤقّتة وحكومة الإنقاذ، كتلةً وازنةً من الشعب السوري، هؤلاء ارتبط مصيرهم بقادة المُعارَضة والفصائل، وجرت حياتهم وفق هذا الارتباط، وشعورهم، بالتالي، بأنّ هناك من يُمثّلهم ويدير شؤونهم ويحمي حياتهم، لكنّ الوضع الآن تغيّر رغم التطمينات التي صرّح بها الرئيس التركي بالنسبة إلى المُعارَضة السورية. لكنّ المُعارَضة نفسها (ومعها بضعة ملايين من السوريين في الداخل التركي، والداخل السوري الواقع تحت سيطرة تركيا) تشعرون بأنّه سيجري التضحية بها، خاصّة بعد تصريحات الرئيس التركي بأنّ الحكومة التركية تعمل وفق المصالح التركية، التي هي الأولى. والمعارضة تعرف أنّ أيّ تحوّل في السياسة التركية تجاه النظام في دمشق يفرض عليها تغيير علاقتها بالمُعارَضة السورية، وذلك انطلاقًا من التنازلات التي يمكن أن تتم في هذا التقارب، فهذا التقارب هو شكلٌ من أشكال التفاوض بناءً على معطيات الراهن والواقع الجديد.

الحالة السورية هي معضلة بالفعل، خصوصاً بالنسبة إلى الشعب السوري المُمزَّق شرائحَ وفئاتٍ ومجموعاتٍ وجماعات، والواقع تحت احتلال أربعة جيوش في الأقلّ، والمُشتّت في بقاع الأرض، والمُرتَهَن للحروب والنزاعات والمساومات منذ ثلاثة عشر عامًا، بالإضافة إلى تصفية الحسابات بين القوى الدولية والإقليمية. لذلك، فإنّ القلق من المستقبل، واليأس من إمكانية تحقيق حلّ عادلٍ لقضيته يرضي أطيافه كلّها، يعتمد على التكهّنات وانتظار ما ستُحقّقه التحوّلات والتغيّرات في السياسة الدولية، وفي أنظمة القوى الدولية والإقليمية. هذا قدر الشعب السوري، أن ينتظر من يفوز بالرئاسة الأميركية، هل سيأتي دونالد ترامب ويُحقّق ما وعد به، إن كان في الحرب الروسية الأكرانية، أو في النزاعات في الشرق الأوسط، ومنها التواجد الأميركي في منطقة الإدارة الذاتية؟ أم في تغيّر السياسة الإيرانية بعد فوز رئيس إصلاحي (مسعود بزشكيان) يرنو إلى مدّ يد الصداقة للجميع، وخاصّة الولايات المتّحدة، وما ينجم من ذلك من تغيّر كبير في المنطقة؟ أم متابعة التقارب الروسي التركي والتغييرات القادمة في علاقة تركيا مع النظام السوري؟

والأكثر أهمّية من هذا كلّه هو خوف الشعب السوري، بشكل عام، من مستقبل غير مضمون الاستقرار والأمن والحقوق، بعدما كرّست الحرب والتدخّلات الخارجية والأجندات تشرذمه، وتخوين فئاته بعضها بعضًا، بعد فرزه جماعاتٍ مؤدلجةً دِينيّاً أو قوميًّا أو طائفيًّا.

في ظلّ هذه التكهنات كلّها، والتحوّلات التي تجري حقيقة في الواقع، يبقى الشعب السوري وحده، يُدمي قلب كلّ إنسان ما زال لديه بقيّة ضمير، وهو يتعرّض لأبشع أشكال الانتهاك والامتهان في دول اللجوء، في المُخيّمات، في الداخل وفي الخارج، ولا ضامن له ولا حامي أمام هذا المدّ المُتسارِع، بينما السياسة لا تستعجل في العادة، فإدارة النزاعات تتبع إدارة المصالح، فهل مصلحة تركيا في سورية تكمن في دفع الحلّ السياسي، حلّ يعيد الاستقرار إلى سورية، وهل هي بالفعل ليست بوارد التضحيّة بعلاقتها مع المُعارَضة التي تُشكّل ركنًا أساسيًا؟ وماذا عن البيئة الحاضنة لهذه المُعارَضة المرتبطة بها منذ بداية الحراك؟ هل هي قادرة على حمايتها، وحماية السوريين اللاجئين لديها، والواقعين تحت سيطرة الفصائل والقوى المدعومة منها؟ … هي تريد البحث عن مسار يُؤدّي إلى إنهاء الحرب في سورية، إذ لا يوجد أيّ أفق لهذا المسار منذ 13 عاماً، وهذا أمر طبيعي، فأيّ دولة تسعى إلى حماية أمن شعبها وتعزيز مصالحها، إلّا الدولة السورية، التي صارت أشبه بدويلات من دون اعتراف بها، ويبدو أنّها لم تعد لديها تلك الأهمّية التي كانت فيما مضى، لكنّ القوى الإقليمية الضالعة في حربها يمكن أن تتّخذ منها وسيلةً للضغط على القوى الكبرى في سبيل تحقيق مصالحها، ويكفي أزمة اللاجئين التي تلعب بها تركيا مع أوروبا كلّما اضطرّتها الظروف، ويكفي دور إيران في صراعها مع الولايات المتّحدة وحلفائها وإسرائيل، ويكفي روسيا، التي صارت اللاعب الأساسي في الشأن السوري… أمثلة على هذا الواقع المُخزي المُهين المُوجع.

العربي الجديد

————————–

اللاجئون السوريون من الدلف لتحت الميزاب/ رياض معسعس

8 – يوليو – 2024

أثارت الهجمات التي قام بها مجموعة من الأتراك ضد اللاجئين السوريين، وتخريب ممتلكاتهم في ولاية قيصري وغازي عنتاب وسواها من المدن التي شهدت أحداثا مشابهة، ثم نشر معلومات شخصية، بأسماء وأماكن الإقامة لآلاف السوريين على موقع تلغرام، ضجة كبيرة، وردود أفعال متعددة كان أبرزها تعرض المنشآت التركية، والمراكز الرسمية لهجمات من السوريين في المناطق المحررة (منطقة إدلب) وإحراق العلم التركي، وخروج المظاهرات المناوئة لتركيا.

إن إي اعتداء مهما كان نوعه، ومهما كانت صفة مرتكبه هو من صلاحية السلطات الأمنية والقضائية وليست من صلاحية الدهماء بالاعتداء والتخريب، وما حصل هو عملية مبية (اتخذت كذريعة من حادثة اعتداء لاجئ سوري على بنت قاصر سورية) خاصة وأن وسائل التواصل الاجتماعي قد امتلأت بخطاب الكراهية ضد السوريين. وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا قال: «منذ اندلاع الأحداث في ولاية قيصري جرت مشاركة 343 ألف منشور على وسائل التواصل الاجتماعي من 79 ألف حساب بينها 37 بالمئة حسابات وهمية، و68 بالمئة منها كانت منشورات تحريضية، وأشار إلى أنه تم توقيف 67 شخصا بتهمة الاعتداء على السوريين. كما تم إلقاء القبض على المراهق الذي قام بنشر بيانات السوريين على النت. وهذه الأحداث هي من محاولات المعارضة التركية أن تجعل من مسألة اللاجئين السوريين عنوانها الأول ورأس الحربة في مواجهة الحكومة التركية، لأن هذه الأحداث لا يمكن أن تتم إلا بتحريض من جهة ما لغايات شتى ما من شأنها سوى إشعال فتيل العنصرية ضد السوريين في تركيا، والأتراك في سوريا. الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في كلمة له أكد» من العجز اللجوء إلى الكراهية لتحقيق مكاسب سياسية». ودانت المعارضة السورية أحداث قيصري، وكذلك اعتداء السوريين في المناطق المحررة على أتراك وممتلكات تركية، لأن من شأنه أن يؤجج التحريض والكراهية، ومن المعروف أن تركيا استقبلت ملايين السوريين وقامت بجهود كبيرة لحمايتهم. هذه الأحداث جاءت متزامنة مع تصريحات متكررة للرئيس أردوغان بإمكانية لقاء قريب مع رئيس النظام السوري بشار الأسد برفقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تركيا. ورغم خطاب المعارضة الموجه ضد السوريين وتحميلهم أوزارا عدة فإن على الأتراك أن يفهموا أن السوريين لا يشكلون عبئا على تركيا أكان اقتصاديا أم اجتماعيا، وبالطبع سياسيا، فقسم من السوريين قد استثمروا أموالا طائلة في تركيا، وساهموا في تسيير عجلة الاقتصاد التركية، وجلهم يعمل بأقل الرواتب في المؤسسات والشركات التركية، وتركيا تقبض أموالا من المؤسسات الدولية والأمم المتحدة مخصصة للاجئين، ناهيك عن كل العرب الذين يزورون تركيا ليستثمروا فيها، أو ليقضوا إجازات ويشتروا بضائعها، وهناك حركة تجارية مزدهرة بين تركيا ومعظم الدول العربية. وعلاقات العرب مع تركيا علاقات تاريخية واجتماعية ودينية طويلة. وهنا لا بد من التنويه والعودة زمنيا قليلا للوراء.

لقد دخلت جيوش سليم الأول سوريا في العام 1516 وانتصرت على جيش قنصوة الغوري في معركة مرج دابق في شمال سوريا، واستمر الوجود التركي في سوريا ومعظم الدول العربية، لغاية نهاية الحرب العالمية الأولى بعد إعلان الشريف حسين الحرب على الجيوش العثمانية ودخول القوات العربية والبريطانية دمشق في عهد السلطان عبد المجيد الثاني 1918 مع غزو الجيش البريطاني. وهذا يعني أن فترة أربعة قرون بالتمام والكمال سيطرت خلالها تركيا على سوريا (الكبرى). وخلال هذه الفترة من المعروف أنه تم السيطرة من قبلها على كل موارد البلاد، وإجبار المواطنين على دفع ضرائب باهظة أثقلت كاهل الفلاحين والتجار وكل من يدير صناعة ما. ومن حق السوريين اليوم أن يذكروا بهذه الحقيقة التاريخية، وقد قامت السلطات العثمانية بجرالشباب السوري بالقوة للمشاركة في جميع حروب السلطنة في حرب القرم وسواها وفي السفر برلك ( الحرب العالمية الأولى) وقتل منهم عشرات الآلاف في هذه الحروب، وهناك عشرات الآلاف من العائلات التركية التي مازالت مستوطنة في البلاد العربية، ومنها سوريا ومحتفظة حتى اليوم بأسمائها التركية وتعيش في أمان وسلام في ربوع سوريا، وقد عوملوا في بلادنا كالسوريين وتمتعوا بجميع الحقوق. وبعد قيام الثورة السورية، ودعم الولايات المتحدة الأمريكية «لقوات سوريا الديمقراطية» (قسد) الكردية، والسيطرة على مناطق واسعة من شمال شرق وغرب سوريا قررت تركيا مواجهة «قسد» بزج آلاف المقاتلين السوريين من فصائل الجيش السوري الحر في عملية «درع الفرات» (آب/ أغسطس 2016) ثم عملية «غصن الزيتون» كانون الثاني/ يناير 2018، ثم عملية نبع السلام (تشرين الأول/ أكتوبر 2019) كما أنها جندت آلاف السوريين في معارك في ليبيا، وناغورني كرباخ، والنيجر، وقتل منهم المئات. اليوم نذكر السيد «أوزغور أوزال» رئيس حزب «الشعب الجمهوري» أكبر أحزاب المعارضة التركية الذي قال: «لا نريد أن يبقى اللاجئون في البلاد أو أن يصبح الوضع القائم الآن دائما» بأن السوريين خدموا تركيا بأموالهم، وسواعدهم، ودمائهم لقرون عدة.

اليوم وإزاء هذه الحوادث المؤسفة والمؤلمة يجب على الائتلاف الوطني، والمجلس الإسلامي الأعلى تحمل مسؤولياته تجاه السوريين في تركيا، ولا يكتفي بالإدانات والبيانات، بمطالبة السلطات التركية بضمان سلامة كل السوريين على الأراضي التركية، وعدم ترحيلهم قسريا، وألا تكون عملية التطبيع مع نظام الأسد على حساب اللاجئين السوريين.

وضع السوريين في دول الشتات ليس أفضل حالا من تركيا، ففي البلدان «الشقيقة» كلبنان يتم التعامل معهم كمنبوذين، تتخوف من وجودهم الطوائف المسيحية التي تخشى على التوازن الطائفي بحكم أن معظم السوريين في لبنان هم من المسلمين السنة، ولم يخفها زعماؤهم، وحاولت الحكومة اللبنانية مناشدة الأمم المتحدة، ومنظمات دولية تعنى بشؤون اللاجئين بإيجاد حل لهم وترحيلهم إلى سوريا، مع أن هذه المنظمات حذرت بأن الوضع في سوريا غير آمن، ويعاني السوريون اليوم من منع الكثير من أطفالهم بدخول المدارس، وترفض بعض المناطق حتى دفن موتاهم على أراضيها، ويتعرضون للعنف الذي يصل إلى حد القتل، وتخريب الممتلكات والمحلات التجارية، وطردهم من مخيماتهم. ويتجاهل اللبنانيون أن أحد أسباب لجوء السوريين هو طردهم بالقوة من قراهم وبلداتهم من قبل حزب الله الذي سيطر على وادي بردى والقصير ومعظم الحدود السورية اللبنانية، ونسي بعضهم أن السوريين استقبلوا مئات آلاف اللبنانيين إبان الحرب الأهلية اللبنانية ولم تنصب خيمة واحدة لهم بل استقبلوا في البيوت التي كانت مفتوحة لهم. ويمتد القلق إلى الأردن ومصر أيضا حيث يسعى البلدان بشتى الطرق ترحيل السوريين وإعادتهم إلى سوريا بحجة أن السوريين يشكلون عبئا ماليا كبيرا عليهما، مع أن السوريين في كلا البلدين يقومون بنشاط تجاري واستثماري كبيرين، ويعملون في شتى المجالات، ويؤمنون مواطن شغل لمصريين وأردنيين في مشاريعهم. ومن النادر جدا أن يرتكب أحدهم أي مخالفة قانونية أو جنائية. والسؤال هو إذا ما تم التطبيع التركي مع النظام السوري كما حصل مع الأردن، هل يوافق رئيس النظام بشار الأسد على عودتهم وهو الذي قال بأن الشعب السوري بات «أكثر تجانسا» بعد تهجير نصفه؟

كاتب سوري

القدس العربي

————————

الملف لم ينضج بعد: إشارات باردة من دمشق حيال التقارب السوري – التركي

8 يوليو 2024

رغم عدم صدور رد رسمي واضح من دمشق حتى الآن على التصريحات التركية المرنة بخصوص ملف «التقارب السوري – التركي»، التي أوحت بقرب تثمير الحركة الدبلوماسية الجارية على خط موسكو – أنقرة مع مساعٍ عربية، فإن إشارات باردة بدأت تأتي من دمشق لتعيد الملف إلى المربع الأول، وهو «الحصول على ضمانات بانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، شرطاً للتقارب مع أنقرة».

وفي تقريرها يوم الاثنين، قالت صحيفة «الوطن» السورية القريبة من الحكومة، إن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان «أطلق ما يحلو له من تصريحات بشأن التقارب مع سوريا»، لكنه «تعمد» عدم الإتيان على ذكر «احتلال بلاده للأراضي السورية، ورفض إطلاق أي تصريح يوحي بإمكانية انسحاب قواته من الأراضي السورية المحتلة شمالاً»، بحسب «الوطن» التي رأت في ذلك «تجاهلاً» للمطالب السورية الواضحة بخصوص «احتلال أراضيها والإعلان علانية عن نية الانسحاب منها، والإشارة بالاسم إلى التنظيمات الإرهابية».

مضمون التقرير يعني بحسب الصحيفة السورية، أن «أنقرة لا تبدو جاهزة لتنفيذ هذه المطالب». وكانت «الوطن» قد نقلت في وقت سابق عن مصادر متابعة في دمشق، قولها إن هناك «اتصالات مستمرة مع موسكو وعواصم عربية، تضمن أن يخرج أي لقاء مع الجانب التركي بـ(تعهد واضح وصريح وعلني بالانسحاب من كامل الأراضي السورية التي يحتلها الجيش التركي، ومن لف لفيفه وفق أجندة محددة زمنياً»، واعتبار ذلك «قاعدة أساسية يمكن البناء عليها للبحث في المتبقي من الملفات».

مصادر متابعة في دمشق قالت لـ«الشرق الأوسط»، إن الملف السوري – التركي لم ينضج بعد، وإن أظهرت التصريحات التركية خلال اليومين الماضيين عكس ذلك، حتى لو توفرت الإرادة السورية – التركية لتحقيق التقارب، لأن هذا الملف مرتبط بعدة ملفات أخرى شائكة ومعقدة، منها ملف إعادة اللاجئين إلى سوريا، علماً بأن عدد المسجلين منهم في تركيا يقدر بأكثر من 3 ملايين لاجئ. كذلك ملف العلاقة مع الإدارة الذاتية، وملف الفصائل المسلحة المحلية في الشمال، وملف المقاتلين الأجانب.

وأضافت المصادر أن تحقيق تقدم على مسار التقارب السوري – التركي، يرتب على الطرفين تقديم تنازلات للأطراف الأخرى، أو التوصل إلى تسويات معها تضمن استقرار المنطقة اللازم لتثمير التقارب «إن حصل». ورأت المصادر أن «الأرض لا تزال غير جاهزة».

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تباحث مع نظيره التركي رجب طيب إردوغان، على هامش قمة منظمة «شنغهاي» للتعاون، إجراء اجتماع يتعلق بتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق في تركيا، وفق وكالة «تاس» الروسية التي نقلت عن الرئيس التركي، قوله إن «بوتين يدرس خيار عقد اجتماع في تركيا، ولرئيس وزراء العراق أيضاً نهجه الخاص إزاء هذه القضية، نحن نتحدث دائماً عن الوساطة، ولكن لماذا لا يستطيع جيراننا أن يكونوا وسطاء؟».

وصرح إردوغان في طريق عودته من برلين إلى أنقرة، الأحد: «سنوجه دعوتنا إلى الرئيس الأسد وقد تكون في أي لحظة، ونأمل في أن نعيد العلاقات التركية – السورية إلى ما كانت عليه في الماضي»، مشيراً إلى أن أنقرة تنتظر خطوة من دمشق، لتعود وتوضح الرئاسة التركية، اليوم (الاثنين)، أنه «ليس لديها أي معلومات حول موعد ومكان لقاء الأسد وإردوغان»، وفق وسائل الإعلام التركية.

التصريحات التركية المرنة تجاه دمشق خلال الأيام الماضية، لم تلقَ ترحيباً من السوريين المعارضين وخرجت مظاهرات حاشدة منذ مطلع الشهر الحالي ضد توجهات الحكومة التركية في مناطق سيطرتها «درع الفرات ونبع السلام وغصن الزيتون داخل الأراضي السورية، أسفرت عن مقتل 7 أشخاص»، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي قال إن المظاهرات الشعبية المناهضة لتركيا (في الشمال السوري)، التي امتدت إلى مناطق سيطرة هيئة «تحرير الشام» أنهيت بإجراءات تعسفية، عبر «شن حملة اعتقالات واسعة ضد المشاركين في المظاهرات، وإجبار بعض المعتقلين على الظهور بمقاطع مصورة وخلفهم العلم التركي وهم يقدمون الاعتذار للحكومة التركية والشعب التركي لقيامهم بحرق وطمس العلم التركي».

في سياق آخر، أفاد المرصد، الاثنين، بأن المعابر الحدودية الفاصلة بين سوريا وتركيا استؤنف فتحها أمام الحركة التجارية وعبور المدنيين بشكل طبيعي، وهي معابر الراعي – الحمام – تل أبيض – جرابلس. كما استأنف معبر باب السلامة دخول الشاحنات التجارية فقط، بعد إقدام الجانب التركي على إغلاقه «عمداً» بسبب تصاعد وتيرة الأحداث في مناطق سيطرته داخل الأراضي السورية.

في السياق، أفاد المرصد بعودة خطوط الإنترنت من جديد إلى الخدمة بشكل طبيعي في جميع المناطق شمال حلب، بعد انقطاعها عقب الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها المنطقة في ردة فعل غاضبة على استهداف سوريين لاجئين في تركيا.

الشرق الأوسط

—————————

في أحداث قيصري التركية السورية ورسائلها/ حسين عبد العزيز

07 يوليو 2024

لم يكن مشهدُ العنفِ في مدينة قيصري (وسط تركيا) تجاه السوريين أمراً عابراً، ولا هو ردّة فعلٍ على حادثة فردية (تبيّن زيفها)، وليس مشهدُ طرد امرأة سورية من الميترو بعنف، مع ابنتها اليافعة وطفلها، مشهداً مألوفاً في أنحاء العالم، باستثناء الأماكن التي تَشهَدُ توتّرات إثنية ودينية، كما هو الحال في بعض مناطق الهند بين الهندوس والمسلمين، وبين الهندوس والمسيحيين، وفي ميانمار؛ حيث الاضطهاد الديني الهندوسي ضدّ المسلمين بلغ مستوى عالياً.

لن يدخل هذا المقال في توصيف طبيعة الشعب التركي النابذة للاندماج مع الآخر، كما أظهرت الأحداث في تركيا تجاه العرب عموماً، والسوريين خصوصاً، وقبلها تجاه الأكراد، وما أظهرته أيضاً الصعوبات الكبيرة التي واجهتها وتواجهها ألمانيا في عملية إدماج الأتراك الموجودين في أراضيها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية (استعانت ألمانيا بالعمالة التركية لإعادة البناء)، وما زالت.

لا توجد في تركيا عوامل موضوعية وراء سبب هذا الكره والاستياء تجاه السوريين، فلا عددهم يُشكّل تهديداً وجوديّاً للأتراك (ثلاثة ملايين ونصف المليون، في مقابل أكثر من 80 مليون تركي)، ولا المساحة الجغرافية تُشكّل عاملاً موضوعياً، بحيث يمكن القول إنّ الضيق الجغرافي والكثافة السكانية للسوريين في بقعة جغرافية لعبا دوراً في ذلك. ولا العوامل الاقتصادية أيضاً، فتركيا حصّلت وتحصّل مليارات الدولارات من الاتحاد الأوروبي من أجل إبقاء السوريين في أراضيها، وتهيئة شروط الحياة المقبولة لهم، وقد بيّنت السنوات العشر السابقة، وبأرقام تركية رسمية، أنّ السوريين لم يشكلوا عبئاً على الدولة، إذ أقام السوريون عشرات آلاف المصانع الكُبرى والمتوسّطة، والورش والمحالّ التجارية، بأموالهم وخبرتهم، وأسهمت في إيجاد فرص عمل لغالبية العمالة السورية.

يكمن السبب الحقيقي للمشكلة في الدولة والمجتمع السياسي التركي. ثمّ في طبيعة الشعب الانطوائية تجاه الآخر، وليس بسبب الأوضاع الاقتصادية المُتراجِعة. رغم عمر الديمقراطية الطويل في تركيا مقارنةً بمحيطها الجغرافي، لم تنشأ تقاليد ديمقراطية ليبرالية وقانونية عريقة تحول دون حدوث انزياحات سياسية لها آثار اجتماعية، كما هو الحال في أوروبا الغربية وأميركا الشمالية. في الحالتين الأوروبية والأميركية، على سبيل المثال، لا تتغيّر سياسات الدولة تجاه قصايا الهجرة واللجوء بشكل حادّ وعنيف، مهما كانت توجّهات الحزب المُسيطِر، بسبب وجود مؤسّسات راسخة، وتقاليد ثقافة سياسية عريقة. ولذلك، لا تسمح هذه الدول للشعب، أو لفئة منه، بحرّية التصرّف تجاه المهاجرين واللاجئين على هواهم ورغباتهم، بما يتجاوز حدود القانون وحقوق الإنسان.

يشير هذا المثال إلى حالة الدولة التركية، التي ترفض في مستوى الخطاب الإعلامي السلوكيات الهمجية للأفراد ضدّ اللاجئين، وخطابات المعارضة المُحرِّضة، لكنّها عملياً شبه مستقيلة حيال ما يجري، فأحداث العنف تجاه السوريين مُستمرّة منذ ثلاث سنوات، وبشكل متصاعد. يعود ذلك إلى أن حزب العدالة والتنمية (الحاكم) لا يريد الظهور بمظهر المُعارِض لتوجّه شعبي أصبح شبه عامّ تجاه السوريين. ولهذا، أعطى هامشاً للبلديات بالتحرّك وفق ما تراه مناسباً، حتّى إن جاء ذلك على حساب القانون ومصالح اللاجئين، وغضّ النظرِ عن السلوكيات المجتمعية العنيفة والمُقزّزة تجاه اللاجئين.

ساهم تساهل السلطات التركية تجاه الحالات الفردية العنصرية في تصاعد السلوكيات العنصرية، وحوّلها من النطاق الفردي الاستثنائي إلى النطاق الجمعي. وليست أحداث مدينة قيصري، وبعض المدن الأخرى، إلا تتويجاً لهذا التساهل، وربّما بدايةً لتوسّع هذه الظاهرة في المستقبل. لقد استخدمت المُعارَضة، وخصوصاً حزب الشعب الجمهوري، ورقةَ اللاجئين لمحاربة “العدالة والتنمية”، وتقاطع مع الحملة الإعلامية للمُعارَضة، تراجع الأوضاع الاقتصادية، من جهة، ونشوء سرديّة مجتمعية مفادها بأنّ للسوريين دوراً في هذا التراجع، من جهة أخرى.

تَظهر هشاشة حزب الشعب الجمهوري واضمحلاله في الردّ الذي عرضه الحزب على موقعه ضدّ اتهامات الرئيس التركي للمُعارَضة بتأجيج الشعب، فقد حملّ “الشعب” الرئيس التركي المسؤولية عما يجري بناءً على هذه المعطيات؛ انهارت سياسة تركيا المُتعلّقة بسورية واللاجئين وأفلست، وجعلت الحكومة تركيا أسيرة هذه الأزمة مثلما عجزت عن حلّ الأزمة السورية المُتسبّبة بهذه الأزمة؛ وتجاهل الرئيس أردوغان المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والديموغرافية الناجمة عن أعداد اللاجئين المتزايدة في تركيا، ولم يُبادَرْ إلى حلّ أيّ من هذه المشكلات. من المدهش أن يكون تبرير “الشعب” أزمة اللاجئين السوريين المُختَلَقة بهذه العمومية.

لقد أصبح ملفُّ اللاجئين السوريين الملفَّ الأولَ في السياسة التركية الداخلية. وربّما لهذا السبب، ثمّة توافق بين السلطة والمُعارَضة على أنّ إنهاءه لن يكتب له النجاح إلّا عبر النظام السوري. لكنّ الطريق نحو دمشق ليس سهلاً، بل تتخلّله عقبات كأداء، إن كان في مستوى المصالح غير المتطابقة بين الجانبَين، أو في مستوى القوانين الدولية. وحتّى اتضاح طبيعة المشهد السياسي المُقبل بين تركيا وسورية، فالثابت أنّ تركيا تتّجه نحو الخروج من معادلة العداء للنظام السوري.

العربي الجديد

——————————–

تركيا والنظام العالمي الجديد” في كتاب ترجم للعربية: هل يلبي الأسد أهداف تركيا إذا انسحبت من سوريا؟/ يحيى الحاج نعسان

7 يوليو، 2024

بمناسبة عودة الحديث عن التقارب بين تركيا ونظام الأسد على خلفية تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن إمكانية عودة العلاقات إلى ما كانت عليه قبل الثورة، وكذلك تصريح وزير خارجيته حول أن بلاده ترى في اندماج المعارضة السورية، مع حكومة نظام الأسد دورا مهما في الحرب ضد حزب العمال الكردستاني الإرهابي، وما تلا ذلك من أحداث “مؤسفة” من عنصريين أتراك استغلوا تلك التصريحات والأجواء السياسية المشحونة للتحريض على اللاجئين السوريين.

هل حقا ستنسحب تركيا من سوريا؟

تلك التصريحات التي خلفت موجة غضب واستياء في الشارع السوري الثوري والمعارض، وخاصة داخل سوريا حيث يعيش حوالي 5 مليون سوري يخشون من انسحاب القوات التركية في حال التقارب مع الأٍسد وتركهم فريسة لقوات الأسد ولميليشيات إيران الطائفية، وكذلك القوات الروسية.

ومن كل ما تقدم يمكن استخلاص السؤال الأهم، هل حقا ستنسحب تركيا من سوريا، وهل وجود تركيا في سوريا من أجل حماية السوريين فقط أم أنه لحماية تركيا وأمنها القومي قبل كل شيء، وهل يستطيع نظام الأسد تلبية أهداف تركيا من وراء الانسحاب لتحقيق المصالحة التي عادت وحمي وطيس بازارها في الأيام الأخيرة؟

 ربما لا تستطيع وسائل الإعلام ومن تستعين بهم من محللين سياسيين الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها دون العودة إلى الاستراتيجية التي تبني عليها تركيا أو لنقل حزب العدالة والتنمية الحاكم سياسته الخارجية في هذا الملف وغيره من الملفات.

هذه الاستراتيجية، التي اعتقد أنه من المفيد للسوريين خاصة والعرب عامة لفهمها، لأنه من خلال ذلك يعرفون نقاط قوتهم وضعفهم وتحديد شكل العلاقة مع الأتراك من باب المصالح أولا، وليس من باب العواطف وحدها رغم أهميتها.

وللوصول إلى فهم هذه الاستراتيجية فلعله من المفيد الاطلاع على كتاب “الأمن الدولي والنظام العالمي الجديد وتركيا” الذي يتحدث عن سياسة تركيا الخارجية في الاستراتيجيا وليس التكتيك ليس تجاه سوريا فقط وإنما كل الملفات والدول من أمريكا إلى روسيا مرورا بالصين وأذربيجان والدول العربية وأوروبا…الخ

وتنبع أهمية هذا الكتاب من أنه أحدث كتاب يتحدث عن سياسة تركيا الخارجية واستراتيجيتها الجديدة، عقب الانتهاء من وباء كورونا والموقف من جميع الملفات المذكورة ومن كون مؤلفه برفيسورا تركيا هو حسام الدين إنانتش ويشغل منصبا رسميا كرئيس قسم للعلاقات الدولية في جامعة كوتاهيا الحكومية، وقد ترجم كتابه للغة العربية. وكان لي مساهمة في ربط البروفيسور مع إحدى دور النشر العربية في إسطنبول لتسهيل وصوله إلى القارئ العربي عموما والسوري خصوصا، انطلاقا من إدراكي لحاجتنا إلى المعرفة العميقة لحقيقة السياسة التركية بعيدا عن العواطف والإيديولوجيا، حيث لم يترك الكتاب ملفا يتعلق بسياسة تركيا الخارجية إلا وعالجه مقدما سيلا من الحقائق والمعلومات لإثباتها.

ورغم أن الكتاب قد خصص بحثا كاملا بعنوان “التحول في الهوية العربية بعد عملية الربيع العربي”، للحديث عن ثورات الربيع العربي، لكن هناك أبحاث أخرى قد تهم السوريين والعرب أكثر من هذا البحث المهم، تتعلق بملفات حسّاسة كاللجوء والهجرة والانسحاب من سوريا ومستقبل العلاقة بين تركيا والناتو وروسيا والصين، التي لا شكك تنعكس كلها على العرب سواء الذين يعيشون في تركيا، (قرابة 5 مليون) أو في بلدانهم.

العروبة والإسلام السياسي والنظام العالمي الجديد

يستعرض الكتاب لمفاهيم مثل الإسلام السياسي والعروبة ومعاداة الصهيونية. ويقول قبل البدء بتحليل تلك المفاهيم:” يتألف مزاج الشارع العربي من أفراد يتمتعون بفهم ما بعد العروبة وما بعد الصهيونية وما بعد الإسلام”.

 ويسمّي الكتاب 4 دول بعينها حالت دون تحقيق الانتفاضات العربية لأهدافها حتى الآن، في مقدمتها روسيا كدولة نووية وعضوة في مجلس الأمن، وإيران كقوة إقليمية، ويستشرف المخاض العسير الذي ينتظر تلك الانتفاضات، وخاصة الحالة السورية، ويضع عدة نصائح للعرب لتحقيق أهداف حراكهم “الاجتماعي” والوصول إلى الخلاص والتغيير المنشود من وجهة نظر بلاده.

الانسحاب من سوريا

ويوضح أن تركيا ليس لها مطامع في الأراضي السورية، ومع ذلك فإن الوجود التركي في سوريا حاليا، مبني على أسباب استراتيجية وليس تكتيكية، بمعنى أن عملية الانسحاب من سوريا غير مرفوضة ولكنها مبنية على شروط معقدة، أبرزها هي القضاء على خطر تنظمي (ب ك ك وب ي د)، في سوريا المحميان أمريكيا، وملف اللجوء والحل السياسي وأليات تنفيذ القرار 2254.

ولا يبدو أن النظام قادر على تنفيذ أيا من الشروط التركية وخاصة تلك المتعلقة بملف الـ ب ك ك، إلا إذا كان هناك تغييرا جوهريا في سلوكه، أو أن تركيا انسحبت وصالحت دون مقابل وتركت حدودها الجنوبية لعبة بيد الـ ب ك ك والنظام!

الناتو واتفاقية الهجرة

يُجيب الكتاب المكون من من327   صفحة، على كثير من الأسئلة التي تهم العرب، أبرزها، لماذا لا تستطيع تركيا التخلي عن الناتو التي أصبحت عضوة كاملة العضوية منذ عام 1952، شارحا ذلك في إطار الاستناد إلى مقولة وزير الدفاع التركي ” تركيا ليس عضوا في الناتو بل في مركزه“. ويخلص مؤلف الكتاب إلى القول: ” على الرغم من أن الناتو لا يفهم أولوياتنا الأمنية ولا يدعم دفاعنا، فإن عضوية الناتو تمثل حجر الزاوية بالنسبة لنا في تشكيل سياستنا الخارجية وكرادع للأطراف الأخرى. وعلى سبيل المثال إذا لم نكن عضواً في الناتو، لما تمكنا من إبرام اتفاقية المنطقة الاقتصادية الخالصة وترسيم الحدود مع ليبيا مما سيغير التوازن لصالح تكريا في شرق البحر المتوسط”. وفي الجهة المقابلة يسير بنا د. إناتش إلى الأسباب التي تجعل تركيا لا تستطيع التخلي عن طريق الحرير، أي العلاقة مع روسيا والصين.

 كما يوضح الكتاب الدوافع التي تجعل تركيا تتمسك باتفاقية الهجرة مع أوروبا الموقعة 2016، ويكشف عن بنودها الخمسة، التي ربما لا يعرف الكثير من السوريين والمهتمين العرب، منها سوى بند أو بندين؟ بينما هناك بنود مالية وتجارية   وكذلك دبلوماسية من المفترض أن يقدمها الأوروبيون لتركيا في المقابل.  مشيرا في هذا السياق إلى أن هناك “فجوة كبيرة بين تعريف الاتحاد الأوروبي للإرهاب وتصور تركيا للإرهاب”. ويذهب المؤلف إلى القول أخيراً أن “أكبر عقبة أمام جدول الأعمال الإيجابي بين تركيا والاتحاد الأوروبي هي الاتحاد نفسه، والطبيعة المنقسمة داخله”.

ويتطرق الكتاب إلى وجهة نظر تركيا مما يجري في مصر وليبيا والصراع من أجل الهيمنة على شرق البحر الأبيض المتوسط، وتأثير كل ذلك على إعادة تشكيل وتموضع الدول في النظام العالمي الجديد.

“عقيدة هارمل والإرهاب الإسلامي”

يتحدث الكتاب عن الصراعات التي تدور داخل “حلف الناتو”، كاشفا سرا خطيرا عن عقيدة هارمل (وزير الخارجية البلجيكي خلال الحرب الباردة بين روسيا وأمريكا)، وعلاقتها بما يطلق عليه” الإرهاب الإسلامي”، إضافة إلى العدو الجديد للناتو بعد “الإرهاب الإسلامي”، ويكشف الكتاب عن المخاطر الاستراتيجية الـ12 التي حددها” الناتو” وجعل الأولوية لمواجهتها بعد اجتماع 2010 في لشبونة البرتغالية.

ويتبنى البرفيسور إنانتش فكرة انتهاء هيمنة القطب الواحد، خلال المستقبل المنظور ولكن ليس لمصلحة قطبين، كما كان الأمر في قبل انهيار الاتحاد السوفياتي 1991، وإنما لمصلحة العديد من الأقطاب، وفق مفهوم، القطبية الإقليمية دون إلغاء دور القطب الأكبر وهو أمريكا.

الهوية التركية والإسلام

يشرح الكتاب الأسباب والعوامل التي ستجعل من تركيا القطب الأهم والأقوى في الشرق الأوسط، بعد كورونا، كما يعتبر الكاتب أن الهوية التركية وضرورة تحديدها إلى جانب الاعتماد على الخارج في قضية الطاقة، من أهم الاستحقاقات التي ستواجه تركيا وهي في طريقها لتصبح دولة قطبية مهيمنة على منطقتها.

 ويفرد البروفيسور إناتش بحثا خاصا لمسألة الهوية التركية، متحدثا عن أهمية وضرورة إعادة تعريف “الإسلام” في بناء هوية تركيا الجديدة، من خلال وضع البلاد في سياقها التاريخي الواقعي والابتعاد عن ضغوط التغريب والشعور بأهمية الذات التركية بمختلف أشكالها، مع التركيز على المواءمة بين الإسلام وقيم الأصالة ومفاهيم الحداثة والديمقراطية.

الربيع القوقازي

 ويسلط الكتاب الضوء على عودة النزاع بين أذربيجان وأرمينيا والأسباب التي أعادت إقليم كارباخ والحرب فيه إلى الواجهة، ليصل بنا من خلال التحليل الاجتماعي والسياسي إلى أن ما يحصل في جنوب القوقاز يمكن أن يطلق عليه “ربيع قوقازي” لأنه حراك اجتماعي وثقافي، وأن ما يظهر من صراع عسكري وسياسي ليس إلا جبل الجليد الظاهر على السطح. معتبرا وفق ما يسوقه من أدلة إلى أن ما يحدث هناك من أبرز معالم النظام العالمي الجديد.

وخلال سير الكتاب بمباحثه الرئيسة المذكورة، يستعرض لأدوار وأهمية المنظمات الدولية في السياسة العالمية، وعلى رأسها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والصحة العالمية، قبل أن يختم بالحديث عن منظمة “غولن الإرهابية”، التي يصفها الكاتب بأنها منظمة ذات طابع دولي وأنها لاعب مهم في هدف القوى المهيمنة المتمثل في خلق نظام عالمي جديد، مستعرضا دورها في انقلاب تموز الفاشل 2016 ومخططاتها وأماكن انتشارها والأهداف التي قد تحاول أن تعمل عليها مستقبلا.

وقد يلاحظ من يقرأ الكتاب أن البروفيسور إناتش يتبنى أو حتى يروج بشكل شبه مطلق لسياسة بلاده وحكومته في جميع الملفات التي يعالجها، وهذه الناحية التي قد تبدو سلبية، ربما لمنتقدي سياسة حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، إلا أنها تمثل عاملا إيجابيا آخر يضيف أهمية للكتاب بالنسبة للقارئ العربي، حيث يعزز أن الكتاب وكاتبه أكثر من يعبر بوضوح وبلا مداورة، عن حقيقة تلك السياسة التي يتبناها… سواء أعجبتنا هذه السياسة أم لا.

العربي القديم

—————————

أردوغان والأسد وحدود التطبيع المُحتمَل/ محمود علوش

06 يوليو 2024

أوجدت الرسائل السياسية المتبادلة أخيراً بين أنقرة ودمشق، بشأن رغبتهما في إصلاح العلاقات، انطباعاً بوجود إرادة مشتركة لتحريك المياه الراكدة في مسار الحوار الثنائي منذ انطلاقه برعاية روسيّة قبل أكثر من عام ونصف العام. ويستمدّ هذا الانطباع قوّته من ثلاثة ظروف مُستجدّة في الصراع السوري، والديناميكيات الإقليمية والدولية المؤثّرة فيه. الأول، يتمثّل في الهاجس المُشترك من انتخابات المجالس المحلّية، التي تعتزم وحدات حماية الشعب الكردية إجراءها في “الإدارة الذاتية” التابعة لها في الشهر المقبل (أغسطس/ آب)، الذي يضغط بشكل متزايد على خيارات تركيا. والثاني، دخول بغداد في خط رعاية الحوار بعد التقارب العراقي التركي، الذي يهدف إلى التعاون بين البلدَين في مكافحة حزب العمّال الكردستاني في شمال العراق. ويتمثّل الظرف الثالث باقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية وتزايد احتمال عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وآثارها الكبيرة المتوقّعة في مستقبل الوجود العسكري الأميركي في سورية.

وتعمل هذه الظروف الثلاثة حافزاً قويّاً لأنقرة ودمشق، في الوقت الراهن، لإيلاء أهمّيةٍ للمزايا والمكاسب التي يُمكن أن يحصلا عليها من الشروع في عملية التطبيع. بينما تسعى تركيا إلى توسيع هامش استراتيجيتها الجديدة في مكافحة الحالة الكردية المُسلّحة في سورية والعراق من خلال إشراك بغداد ودمشق في هذه الاستراتيجية. يتطلّع النظام السوري إلى استثمار الهاجس التركي من مشروع الوحدات الكردية من أجل دفع أنقرة إلى إظهار التزام صريح بسحب قواتها من شمال سورية، وممارسة نفوذها على المعارضة السورية لإجبارها على الانخراط في “مصالحة” معه بديلاً من مشروع التسوية السياسية للصراع، فضلاً عن الحصول على مكاسب فورية، على غرار عودة سيطرة الدولة السورية في المعابر الحدودية وفتح الطريق الدولي “M4″، الذي يربط بين مُحافظتي حلب واللاذقية.

ورغم أنّ الرسائل المتبادلة بين أنقرة ودمشق تتمحور حول رغبتهما في إعادة تطبيع العلاقات الدبلوماسية، إلّا أنّ هناك قناعةً مشتركةً باستحالة الوصول إلى مثل هذه النتيجة في المستقبل المنظور، لاعتبارات عديدة أهمّها أنّ فكرة التطبيع لا يُمكن أن تتحقّق بأيّ حال طالما أنّ الوجود العسكري التركي في سورية لا يزال قائماً، كما أنّ تخلّي النظام عن شرط قبول تركيا وضعَ جدولٍ زمني لهذا الانسحاب، والاستعاضة عنه بإبداء التزام صريح بالانسحاب، يُشير إلى إدراكه استحالة انسحاب تركي في المستقبل المنظور. في غضون ذلك، لا يمتلك النظام في الوقت الراهن القدرة ولا الرغبة في استعادة السيطرة على المناطق التي تُديرها تركيا في الشمال السوري، وتحمّل التكاليف العسكرية والاقتصادية لإدارتها، خصوصاً أنّ البيئة الرافضة لعودته ستبقى قائمة، وستجلب له مخاطر التورّط في مواجهة حالة تمرّد طويلة الأمد.

علاوة على ذلك، ينظر النظام إلى التطبيع السياسي مع تركيا على أنّه يجلب له ميزة تعزيز شرعيته، ويمنحه دفعةً قويةً في عملية إعادة تأهيله جزءاً من المنظومة الإقليمية، لا سيّما أنّ الدولة التي تسعى للتطبيع معه هي الوحيدة التي لا تزال تدعم المعارضة. في ضوء ذلك، فإنّ المكاسب المتبادلة المُتصوّرة لعملية التطبيع الجزئي تُعزّز فرص إحداث تحوّل كبير في العلاقات التركية السورية، حتّى لو لم يرتقِ على الفور، أو في المستقبل المنظور، إلى مستوى التطبيع الشامل. وبالنسبة لأنقرة، فإنّ مثل هذا التطبيع، ورغم أنّه يوسّع الهامش لديها في هدف تقويض الحالة الكردية المُسلّحة، ويُساعدها في تعزيز موقفها من الولايات المتّحدة حول ملفّ “الوحدات”، إلّا أنّه يفرض عليها تبنّي مقاربةٍ جديدةٍ للصراع توازن بين متطلّباته من تنازلات والحفاظ على عناصر القوّة الرئيسة لدورها، والمتمثّلة في حضورها العسكري وعلاقتها بالبيئة السورية الحاضنة لها. وتُعطي الصدامات الأخيرة بين الجيش التركي ومُسلّحين في مناطق المعارضة لمحةً عن المخاطر الكبيرة المُحيطة بنفوذ تركيا في الشمال السوري نتيجةً لانعطافتها نحو دمشق.

مع ذلك، تُظهر المبادئ العريضة، التي تضعها تركيا لسياستها الجديدة في سورية، أنّها ليست بوارد التفاوض على هذه العناصر قبل تحقيق أهدافها العريضة الثلاثة، المتمثّلة في معالجة هواجسها من مشروع الحكم الذاتي للوحدات الكردية، وإعادة اللاجئين السوريين، وتحقيق الحلّ السياسي للصراع. لا ينبغي الإفراط في الرهان على الفرص الجديدة الناشئة في الحوار التركي السوري، كما لا ينبغي التقليل من أهمية الحوافز والمزايا التي يتطلّع إليها كلٌّ من أردوغان والأسد من التوصّل إلى تفاهمات في بعض القضايا المُهمّة لكليهما. وسيُهيمن مبدأ المساومات على العملية التفاوضية، وتتوقّف فرص نجاحها على مدى استعداد كلّ طرف لتقديم ما يحتاجه الآخر منه. لن تتخلّى تركيا عن حضورها العسكري والإداري ولا عن علاقتها بالبيئة السورية الحاضنة لها في الأفق المنظور، لأنّ هذا الحضور وتلك العلاقة يشكّلان ركيزةً أساسيةً في سياستها السورية. وحتّى في الوقت الذي تتركّز فيه أولوياتها على تقويض مشروع الحكم الذاتي للوحدات الكردية، لا تزال أنقرة تتعاطى مع حلّ الصراع السوري على أنّه حاجةٌ وليس خياراً.

——————————

كيف سيتأثر اللاجئون السوريون في تركيا بتطبيع محتمل بين أنقرة ودمشق؟

بعد 12 عاما من القطيعة إردوغان يسعى لتطبيع العلاقات مع الأسد واللاجئون السوريون في تركيا خائفون.

9 يوليو/ تموز 2024

بعد قطيعة وعداء مستمرين منذ اثني عشرعاما، جاءت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بشأن إمكانية عودة العلاقات بين دمشق وأنقرة، لتقيم الدنيا ولا تقعدها، خاصة في أوساط السوريين اللاجئين في تركيا، منذ سنوات، والذين أبدوا مخاوفهم من أن يصبحوا كبش فداء، في حالة حدوث التقارب بين الرئيسين، التركي رجب طيب أردوغان، والسوري بشار الأسد.

وكان قد نُقل عن الرئيس التركي ،رجب طيب أردوغان، لدى عودته من زيارة لألمانيا الأحد 7 تموز/يوليو، قوله إنه يعتزم توجيه دعوة، للرئيس السوري بشار الأسد “في أي لحظة” لزيارة تركيا، وأوضح الرئيس التركي، أن بلاده تنتظر اتخاذ بشار الأسد، خطوة لتحسين العلاقات معها، حتى تستجيب “بالشكل المناسب”، مشيرا إلى أن أنقرة قد توجه دعوة للأسد في أي لحظة.

وتبدو تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بشأن إمكانية التطبيع مع النظام السوري، متواترة خلال الفترة الماضية، إذ قال الجمعة 5 تموز/يوليو: “سنعمل معا على تطوير العلاقات مع سوريا، بنفس الطريقة التي عملنا بها في الماضي”. وأضاف: “لا يمكن أن يكون لدينا أبدا اهتمام أو هدف للتدخل في شؤون سوريا الداخلية، لأن الشعب السوري مجتمع نعيش معه كشعوب شقيقة”.

وكان وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، قد صرح بأن أنقرة، تريد من النظام السوري، استغلال حالة الهدوء ووقف إطلاق النار الحاصل “لحل المشكلات الدستورية” و”تحقيق السلام مع معارضيه”.

وقبل التصريحات الأخيرة للرئيس التركي، بشأن إمكانية عودة العلاقات مع سوريا، كان الرئيس السوري بشار الأسد، قد أعرب عن “انفتاحه على كل المبادرات، المرتبطة بالعلاقة بين سوريا وتركيا، والمستندة إلى سيادة الدولة السورية، على كامل أراضيها ومحاربة الإرهاب وتنظيماته”.

أحداث قيصري وخوف اللاجئين

غير أن كل ذلك الحديث، عن إمكانية عودة العلاقات بين أنقرة ودمشق، إلى سابق عهدها، أرسل موجات من الخوف، في أوساط اللاجئين السوريين في تركيا، والذين يزيد عددهم عن ثلاثة ملايين سوري، يعيشون هناك منذ الحرب التي بدأت في سوريا في العام 2011.

يستحق الانتباه نهاية

ويبدي هؤلاء اللاجئون، مخاوف من أن تقدم الحكومة التركية، على إعادتهم قسرا إلى سوريا،حيث قد لاتكون البيئة آمنة بالنسبة لهم ، خاصة وأن ذلك الحديث عن التطبيع بين أنقرة ودمشق، يأتي بعد أسبوع فقط، من موجة عنف ضد المهاجرين السوريين في تركيا، أصابتهم بحالة من الذعر.

وكان العشرات من الأتراك، قد نفذوا قبل مايزيد على أسبوع، اعتداءات شملت حرق محال وسيارات للسوريين، بولاية قيصري وسط تركيا، والتي يقيم بها أكثر من 82 ألف لاجئ سوري، حسب البيانات التي تتيحها رئاسة الهجرة التركية،

وزار وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا، زار ولاية قيصري بعد تلك الأحداث، وعقد مؤتمرا صحفيا، تحدث فيه عن توقيف أكثر من ألف شخص في عموم تركيا، على خلفية الهجمات العنصرية ، قبل أن يجتمع بعدد من سكان المدينة، ويغادر دون لقاء المتضررين من اللاجئين السوريين، الأمر الذي أثار انتقادات بحق الوزير.

من جانبه شدد أردوغان بعد تلك الأحداث، على أن النظام العام في البلاد خط أحمر، وقال إنه “من غير المقبول تحميل البعض، اللاجئين فاتورة عدم كفاءتهم”، وشدد على أن “حرق بيوت الناس وإضرام النار في الشوارع أمر مرفوض، بغض النظر عن هوية من يقومون بذلك”.

وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، التي تتخذ من بريطانيا مقرا لها، قد قالت الجمعة 5 تموز/يوليو، إن الوضع في سوريا ليس آمنا بما يسمح بعودة ملايين اللاجئين من تركيا.

العودة الطوعية

يذكر أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، كان قد كرر في تصريحات عدة، منذ العام الماضي أن بلاده، تدعم منذ البداية العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين، وأشار إلى أن القضية مدرجة، على أجندة مسار الحوار الرباعي المتواصل بين تركيا، وروسيا، وإيران، والنظام السوري، وأن هناك مؤشرات إيجابية للغاية بهذا الخصوص.

والأسبوع الماضي كرر أردوغان حديثه بهذا الصدد، إذ قال إن 670 ألف سوري، عادوا إلى تجمعات سكنية في شمال سوريا، ومن المتوقع عودة مليون شخص آخر.

    كيف سيتأثر اللاجئون السوريون في تركيا بأي تطبيع محتمل بين أنقرة ودمشق؟

    هل هناك مبرر لمخاوف السوريين في تركيا من التقارب المحتمل بين أردوغان والأسد؟

    هل يمكن أن يبرم أردوغان صفقة مع الأسد ويعيد السوريين إلى مناطق تسيطر عليها دمشق في سوريا؟

    برأيكم لماذا جاءت تصريحات أردوغان في هذا التوقيت تحديدا؟

    وهل هناك علاقة بين تلك التصريحات وموجة العنف التي تعرض لها لاجئون سوريون في تركيا مؤخرا؟

    هل يعكس حديث أردوغان رغبة إقليمية في التطبيع مع النظام السوري؟

البي بي سي

———————–

سوريا الآمنة كحل سهل/ لمى قنوت

07 تموز 2024

لم تفلح الجهود الدبلوماسية الراغبة في إعادة اللاجئين واللاجئات طوعًا أو قسرًا إلى سوريا بحث النظام السوري على التعاطي مع هذه القضية بإيجابية، ولو شكليًا، ومهما وصل منسوب التحريض والسلوك العنصري والفاشي ضدهم، سواء في لبنان أو تركيا، فهو يتجاهل الأمر سياسيًا وإعلاميًا، فمثلًا، بعد جولة على الصحافة الرسمية أو شبه الرسمية السورية (صحيفة الوطن) إثر هجمات العنف على اللاجئين واللاجئات التي بدأت في مدينة قيصري وامتدت إلى غيرها من المدن التركية مؤخرًا، لا نجد أثرًا لأي خبر أو تضامن أو استياء أو حتى توظيف سياسي لما حصل، بل تجاهل تام لمواطنية اللاجئين، نساء ورجالًا في كلا البلدين.

من النادر أن يسمع المرء عن دولة، حتى لو ما زالت في حالة صراع، لا تكترث لحجم العنف الجماعي الذي يطول مواطنيها بناء على جنسيتهم، إلا إذا كانت محكومة بنظام كنظام الأسد، الذي اعتبر أن سوريا “كسبت مجتمعًا صحيًا ومتجانسًا” بعد حرب خاضها ضد مدن وأرياف أدت إلى نزوح وتهجير نصف سكانها. يخضع اللاجئون واللاجئات في كلا البلدين، تركيا ولبنان، إلى حملات تحريض، وعنف مديد، وتدمير لممتلكاتهم، ويعانون من العنصرية والفقر والظروف المعيشية الصعبة، وتحديات تتعلق بالحصول على الإقامة القانونية، واستغلال في سوق العمل وترحيل قسري تعسفي منذ عدة سنوات رغم التحذيرات الحقوقية المتواصلة بأن سوريا لاتزال غير آمنة.

تركيا وترحيل قسري إلى الشمال

لا تمنح تركيا صفة اللجوء إلا للأفراد الآتين من أوروبا، وأدخلت حيز التنفيذ “قانون الأجانب والحماية الدولية” في عام 2013، نظمت بموجبه أوضاعًا مختلفة من “اللاجئ المشروط” و”الحماية الثانوية”، أما السوريين فقد منحوا نوعًا آخر من الحماية، وهو وضع “الحماية المؤقتة”، وقد وصل عدد الحاصلين عليه في تموز 2023 إلى 3.3 مليون سوري وسورية. تكمن خطورة وضع اللاجئين واللاجئات في تركيا وتصاعد وتيرة العنصرية وجرائم القتل ضدهم في عدة عوامل هي: تسييس الملف بين الحكومة والأحزاب المعارضة، عدم اتخاذ إجراءات قانونية حازمة تجاه الخطاب والممارسة العنصرية ضدهم، حصر معالجة قضايا اللجوء في دائرة الهجرة التركية، انتهاكات حكومية للقانون الدولي، من اعتقال واحتجاز وترحيل تعسفي إلى شمالي سوريا بعد إجبارهم على التوقيع على استمارات العودة الطوعية.

ورغم وجود الكم الكبير من منظمات المجتمع المدني السورية في تركيا، فإن دورها محدود جدًا في دعم قضية اللجوء ومناصرته في الأوساط التركية، نظرًا إلى طبيعة العديد منها كمنظمات اجتاحتها الأنجزة ومهننت الناشطية، من جهة، وقيود إدارية وبيروقراطية تركية عليها من جهة أخرى، فاختارت الحياد بدل الانخراط النشط الفعال خارج إطار خطط عملها المُمَولة والمُعَدة مسبقًا، وأصبح فِعلها يقتصر على توقيع بيان هنا أو هناك.

على صعيد المعارضة، التي فُرضت علينا وتدعي الشرعية والتمثيل، فهي لا تختلف عن أي مزهرية يراد لها إشغال مقاعد مقابل النظام، للعبور في تسوية باتت معالمها واضحة، فنرى شخوصها يداورن المناصب فيما بينهم خوفًا من تسلل “غريب” يقاسمهم الفتات، مع خطاب مغلف بحكمة وبراغماتية مصطنعة، كي لا تغضب أو تثير حساسية دول يمثلون مصالحها وديمومة وجودهم، وعليه فهم غير قادرين على الدفاع عن حقوق السوريين والسوريات، سواء كان ترحيلًا قسريًا أو تغييرًا ديموغرافيًا أو احتلالًا يمارس عقابًا جماعيًا ويفرض إمعات ومرتزقة في مناطق سيطرته.

سوريا الآمنة

لا تتوقف العديد من الدول عن إيجاد مخرج لإعادة اللاجئين واللاجئات إلى سوريا، دون أن تُتَهم بخرق معاهدات صدّقت عليها وخرق قاعدة من قواعد القانون الدولي العرفي، فتبدو أسهل الحلول بالترويج لمناطق آمنة في سوريا أو هندستها، وهي فكرة بدأتها تركيا، وتبين أنها منطقة لا تقل خطورة عن أي منطقة أخرى في سوريا، وها هي جمهورية التشيك تقود مرحلة تحضيرية عبر تنظيم بعثة لتقصي الحقائق بهدف إقامة مناطق آمنة في سوريا تسمح بترحيل اللاجئين واللاجئات من الاتحاد الأوروبي إليها، وقد دعمت هذا التوجه قبرص. لا تغفل كل تلك الدول عن واقع الانتهاكات والجرائم وديمومة الإفلات من العقاب في عموم المناطق السورية، وبدلًا من أن تستثمر في دعم حل سياسي شامل وعادل، تختار حلًا مريحًا ولو كان على حساب حيوات البشر وكراماتهم وأمنهم.

عنب بلدي

————————

الفتنة المصابة بالأرق/ غزوان قرنفل

07 تموز 2024

لم يكن ما حصل في مدينة قيصري التركية بحق اللاجئين السوريين من أعمال حرق وتدمير لممتلكاتهم على أيدي جحافل من الهمج والرعاع الأتراك شيئا طارئًا أو سلوكًا عرضيًا، فلطالما حصل سابقًا ما يشبهه في أنقرة وإزمير واسطنبول، وربما مدن أخرى، تخللتها جرائم قتل للعديد من السوريين، كان آخرها قتل يافع سوري في مدينة أنطاليا بدوافع محض عنصرية ولمجرد إرواء غل أنفس مشبعة بالكراهية والعنصرية تجاه السوريين، دون أن تضع الإجراءات الحكومية والمحاكمات بطيئة الإيقاع حدًا لمثل هذا السلوك البدائي المشين، الذي يدل على أن مثل تلك الفئات لم تصل بعد وربما لن تصل أبدًا إلى العتبات الأولى للتحضر البشري.

ما حصل في قيصري تكرر في غازي عينتاب وهاتاي وأنطاليا، ربما بوتيرة وأثر أقل ضررًا، لكن ذلك يؤشر ليس فقط إلى حجم الاحتقان المجتمعي ضد اللاجئين السوريين بسبب شحن لا ينتهي من خطاب كاره ونابذ للآخر، لطالما شكل بضاعة رائجة ورابحة في الخطاب السياسي والصراعات السياسية والانتخابية لمختلف التيارات والأحزاب التركية ممن هي في السلطة ومن هي خارجها لا فرق، بل ويؤشر أيضًا إلى هذا الفشل الذريع وعقم السياسات المتبعة بشأن ملف اللاجئين طوال أكثر من عقد كامل، لكن يدفع السوريون وحدهم اليوم فاتورته من حياتهم وأموالهم وممتلكاتهم واستقرارهم، الذي هو الهدف الرئيس المأمول من بحثهم عن ملاذ آمن.

ما حصل بحق اللاجئين مسبوق بحملات ترحيل عشوائي لمئات من العوائل والأفراد، ومحمول على غضب مكتوم لدى السوريين في مناطق سيطرة “الجيش الوطني” الذراع العسكرية للسياسات التركية في الشمال السوري، بسبب الاستدارة الكاملة لهذه السياسة باتجاه نظام الأسد، والاستعداد الكامل للتطبيع معه، وهو الشيء الذي سيكون ثمنه استعادة سيطرته على مناطق الشمال بالطبع، ما فجّر غضبًا لدى السوريين تم التعبير عنه بمظاهرات حاشدة ضد تركيا وميليشياتها “السورية”، وسياساتها تجاه مناطقهم وتجاه اللاجئين على أراضيها سرعان ما تمت مواجهتها بالرصاص الحي، ثم محاولة تبريرها بالزعم أن ثمة “فتنة” نائمة عبثت بها أيادٍ خفية وأيقظتها وكان لا بد من التصدي لتلك الفتنة المتخيلة.

والفتنة عادة لا تنام، لأن مهمتها هي إيقاظ الأحقاد أو الاحتقانات وتراكم الأخطاء وتحريضها على فعل شيء ما، فكيف تفعل وتقوم بوظيفتها إن كانت تحتاج إلى من يوقظها من نومها.

والحقيقة أن الفتنة في حالة أرق دائم، ولطالما كانت أسباب وجودها حاضرة في المشهد العام سواء على مستوى مسرح الشمال السوري أو على مستوى ملف اللاجئين على الأراضي التركية، ومع الأسف لمّا يقم أحد بفعل شيء للحؤول دون تفجرها.

فتصريحات السياسيين الأتراك بشأن ملف اللاجئين وأن تركيا أنفقت عليهم عشرات المليارات من الدولارات، رغم أن تلك المليارات لم تكن قط من خزائن الدولة التركية، وليست من الحصيلة الضريبية التي تستوفيها من المواطنين الأتراك، بل من معونات دولية وعربية وأوروبية صُرفت للدولة التركية لإنفاق بعضها على اللاجئين والخدمات التي تقدم لهم، هي فتنة في حالة يقظة دائمة لأنها باقية وحاضرة في أذهان الجمهور الذي يرى دولته تغلّب مصالح اللاجئين السوريين على مصالحهم وعلى حسابهم، وهم المنهكون اقتصاديا، وبالتالي يخلق لهم الحافز الأقوى لرفض وجود هؤلاء اللاجئين الذين يفترضون أنهم يشاركونهم أموالهم وبناهم التحتية وماءهم وهواءهم، هذا الرفض الذي سيعكس نفسه سلوكًا عنفيًا ضد اللاجئين كلما ضاقت بهم الحال أكثر.

كل القرارات والتعليمات والتعميمات والإجراءات التي أحالت حياة اللاجئين جحيمًا، وحالت دون توفير الحدود الدنيا من الاستقرار والشعور باليقين تجاه حياتهم واستقرارهم في تركيا، والتي تأتي دائمًا كاستجابة لسياسات يراد منها التضييق على اللاجئين ودفعهم قسرًا للعودة إلى بلدهم، هي “فتنة” يقظة تقوم بعملها عن كامل وعي وإرادة خلافًا لأي منطق أو قانون.

حملات الترحيل التي لم تنقطع يومًا لمن تجاوزوا القانون، ولمن امتثلوا له، ولمن حاولوا الامتثال لكن العقبات الإدارية وسوء المعاملة التي يلقاها اللاجئ أنّى توجه حالت دون امتثالهم في الوقت المحدد، فضلًا عن تضييق فرص إدخالهم في برامج إعادة التوطين بدول أخرى، كل ذلك أيضًا “فتنة” متيقظة، تعلم ما تفعل لأنها جزء من سياسات معتمدة مكتومة للتخفيف والإعادة القسرية بحق وبغير حق.

إصرار السلطات التركية على إدارة شؤون الشمال السوري بتلك الطريقة المشينة عبر أشخاص وأدوات غارقة في الجريمة والفساد حتى شحمة أذنيها، دون أي اعتبار لآراء الناس ومصالحهم في تلك المناطق وتزامن ذلك مع تصريحات وسياسات، تؤشر إلى إطلاق سنوات عسل جديدة مع نظام الأسد الإبادي، كذلك هو “فتنة” حاضرة جاهزة للانفجار في أي لحظة، وهو تمامًا ما حصل قبل أيام عندما خرج الغضب من حصاره وعبر عن نفسه بطرائق بعضها صحيح تمامًا، وبعضها منفلت عن حدود الضوابط والقوانين.

بطبيعة الحال، يمكن لتركيا أن تصالح الأسد طالما أنها ترى أن مصالحها ستكون معه ومع نظامه وهذا عمل من أعمال السيادة بلا شك، لكن لا يحق لها بالقطع إكراه السوريين على الامتثال لسياستها بهذا الشأن أو إجبارهم على قبول ذلك، لأنهم ما قاموا بثورتهم لتحقيق مصالح تركيا بل للاستجابة لحاجات المستقبل السوري نفسه.

المسألة إذًا لا يمكن تقزيمها بالزعم أن ثمة “فتنة” نائمة يتعين علينا أن نلعن من يوقظها، وأن ثمة من سيستغل هذا الأمر للتحريض على تركيا وسياساتها ودورها.

المسألة أن هناك تراكمًا من الأخطاء والخطايا لا بد من تبين أسبابها والعمل على معالجة تلك الأسباب حتى لا تكون “فتنة” حقًا، ولا تتيح فرصة للمتربصين لإيقادها، وربما أول سبل العلاج هو الإنصات إلى الناس وفهم همومهم ومواجعهم ومعاناتهم والعمل على حلها حتى لو كان الكلام ناقدًا وموجعًا، لأن سلامة الدولة والمجتمع والعيش المشترك أهم بكثير من ألم الإنصات والفهم لتلك المواجع والهواجس.

كتم الصوت العنصري ومواجهته بالسبل القانونية ضرورة لا بد منها للحفاظ على السلام المجتمعي، أما تجاهل نعيق الغربان فلن يستجلب إلا مزيدًا من الإشكالات والنبذ.

مراجعة كل السياسات المتعلقة باللاجئين وأوضاعهم القانونية ضرورة قصوى حتى يتوفر لهم حدًا معقولًا من الشعور باليقين تجاه المستقبل، دون تراخٍ في إعمال القانون بعدل وإنصاف بحق المتجاوزين منهم والمخالفين.

إعادة صياغة العلاقة مع مناطق الشمال بطريقة مغايرة لما هو قائم اليوم، فالسياسة والدور التركيان في الإقليم يحتاجان إلى شركاء حقيقيين وليس إلى عملاء وقطاع طرق ومرتزقة فاسدين، وبذلك يكون دورًا فاعلًا وأكثر نجاعة وقوة، عندها لن تكون هناك “فتنة” نائمة، ولن يكون ثمة من يوقظها أصلًا.

عنب بلدي

————————-

الزلازل السورية/ إبراهيم العلوش

07 تموز 2024

زلزال جديد يعصف باللاجئين السوريين في تركيا ويدمّر بعضًا من ممتلكاتهم، ويعيدهم إلى حالة الخوف وعدم الأمان، وسط موجة من الشعارات العنصرية التي تستهدفهم بكل قسوة.

مساء 30 من حزيران الماضي، وفي مدينة قيصري وسط تركيا، عصفت موجة من الإشاعات ضد أحد السوريين متهمة إياه بأنه اعتدى على طفلة تركية، واندلعت أعمال شغب محطمة بعض المحال التي بناها السوريون بشق الأنفس من أجل كسب رزقهم، وتوسعت أعمال الاعتداء على السوريين لتشمل مدنًا متعددة منها غازي عينتاب وبورصة وقونية وهاتاي واسطنبول، لتضع السوريين على حافة اليأس، وسط زلزال يدمر ما بنوه خلال سنوات تغريبتهم القاسية.

تتحرك الأرض تحت السوريين، ويخسرون من جديد ما بنوه، فبعد أن طُردوا من مدنهم وبلداتهم على أيدي الإيرانيين والروس (الذين يتخذون قرارات النظام)، يتم تدمير مقومات حياتهم بموجات عنصرية في كل من لبنان وتركيا. وبالإضافة إلى ما فعله بهم زلزال شباط 2023، الذي دمر بيوتهم في الشمال السوري وبمدن تركيا الجنوبية، ها هي موجة زلزالية جديدة تهز الأرض من تحتهم ومن تحت عائلاتهم، التي تنشد الأمان بعد معاناة لا تنتهي، وسط قوى تتصارع على نزع إنسانيتهم وتخريب ممتلكاتهم البسيطة.

الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بادر بمهاجمة خطاب المعارضة التركية المسموم بحق السوريين، الذي أدى إلى أعمال قاسية ضدهم. وقد ولّدت الاعتداءات ردود فعل في الشمال السوري ضد الوجود التركي هناك، ما يهدد مصالح تركيا وأمنها على المدى البعيد، خاصة أن تركيا تعتبر وجود اللاجئين فيها وإدارتها لأجزاء من الشمال السوري أوراقًا تعطيها دورًا بمفاوضات الوضع النهائي في سوريا مستقبلًا، وتحدد الوضع الأمني على حدودها.

تحولت العلاقة التركية باللاجئين السوريين من مرحّبة في 2011، إلى درجة طوباوية سميت بمرحلة “المهاجرين والأنصار” عندما كانت تركيا تحلم باستعادة أمجادها العثمانية وتأثيرها الديني على المنطقة، لتتقلص الآن إلى دعم متناقص قوضته المعارضة التركية ورفعت شعاراتها القومية والعنصرية، التي لم تعد تستهدف السوريين فقط، بل نالت من السياح العرب وعرّضتهم لخطابها العنصري، وقد تم تداول الكثير من الفيديوهات المشتعلة بخطابات وشعارات لا تليق بمكانة تركيا ولا بمستقبل علاقاتها مع شعوب المنطقة، إذ إن الشعارات الموروثة من أيام جمال باشا والتنظيمات المتطرفة في بدايات القرن الـ20 كانت تجاهر بالحط من مكانة العرب. ولم تتغير عقلية البعض رغم حاجة تركيا الماسة للتبادل الاقتصادي والبشري مع العالم العربي، خاصة أن صناعة السياحة التركية تعتمد في جزء منها على عرب الخليج، وتنتشر التجارة والعمالة التركية في عدد كبير من البلدان العربية.

تعاني المناطق التي تديرها تركيا في الشمال السوري من فقدان كبير للأمن، ومن الارتجال في اختيار المسؤولين عنها، ما تسبب بالفوضى المستعصية، وآخرها الأحداث التي تسببت بالاعتداء على بعض المواقع التركية في ظل الإشاعات المنتشرة بين السكان هناك في اعتزام تركيا تسليم الشمال السوري لجيش نظام الأسد، ما يهدد حياة الناس واستقرارهم، ويعرّض وجودهم لزلزال جديد يدمر ما بنوه هناك رغم الفوضى وتعدد الإدارات والمرجعيات المسلحة التي تأخذ سلطتها بقوة البندقية وتعتدي على الناس دون رادع، بالإضافة إلى انتشار شركات توظيف المرتزقة التي رحّلت بعض السوريين إلى ليبيا وأذربيجان وروسيا وأوكرانيا وغرب إفريقيا.

وبسبب طموحاتها الدولية، لا تزال تركيا متمسكة بالاحتفاظ بـ”الائتلاف السوري” على أراضيها، ولم تسمح له بالعودة المبكرة إلى الشمال السوري وإدارته بشكل يحفظ الأمن ويؤسس نواة حياة كريمة للاجئين السوريين، وكان من الممكن أن يمنع مع قادة “الجيش الحر” نفوذ التشكيلات العنيفة والانفصالية أمثال “جبهة النصرة” و”داعش” و”أحرار الشام” و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).

الزلزال الجديد يهز حياة السوريين، ويعرّضهم لمشاعر الخوف بعدما وجدوا في تركيا وفي الشعب التركي ملاذًا لهم من ظلم نظام الأسد ومن قوات الاحتلال الإيرانية والروسية، ويفتح شرخًا مؤلمًا في حياتهم، ويضخم المأساة السورية، وقد يدفع الدول الغربية إلى ارتجال حل على المقاس الروسي- الإيراني يهمل تطبيق القرار الدولي “2254”، الذي يضمن عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم محفوظي الكرامة وتحت حماية قانونية تضمن لهم العيش بسلام بعد طول المعاناة، ولعل هذا الزلزال لن يكون الأخير بكل أسف ما دام السوريون محرومين من حق العودة إلى وطنهم المحتل.

عنب بلدي

———————

اشتباكات مع الجيش التركي شمال سوريا…خوف من العقاب و دعوات إلى “تهدئة النفوس

03.07.2024

“أكثر ما أثار حفيظة السوريين خلال الأيام الماضية، هو تصريحات الرئيس التركي الرامية للقاء بشار الأسد، وما سيترتب عليها من مصير مجهول سيحيط بهم، مع تنامي التقارب الدولي من الأسد، وخشيتهم من اتفاقيات تنسف تطلعاتهم، وتتيح لنظام الأسد السطوة عليهم وارتكاب الجرائم ضدهم”.

“ابتعدنا عن نظام الأسد وجرائمه، وفررنا بأرواحنا إلى أقصى الشمال هرباً من الموت، الذي أبى إلا أن يخطف روح شقيقي بنيران حليفنا التركي”، هكذا وصف شاكر الشاكر ( اسم مستعار)  لـ”درج” نتائج الاشتباكات مع القوات التركيّة.

الشاكر الذي هجّر قسرياً من غوطة دمشق مع أشقائه، إلى عفرين منذ العام ،2018 يقول: “قُتل أخي بدم بارد، والمؤسف أن قاتله من كنا نحميه ونرفع أعلامه ونفتخر بها، وكنا نظن أنه يحمينا”.

قتل 11 شخصاً على يد القوات التركية  وحراس قواعدها في عفرين واعزاز ومارع  شمالي محافظة حلب، يوم الاثنين 1 تموز/ يوليو الحالي، وذلك بعد اشتباكات بين السكان المحليين من جهة، والقوات التركية من جهة أخرى، استمرت لأكثر من 8 ساعات.

مظاهرات السكان واشتباكهم مع القوات التركية، جاء بعد حملة عنصرية عنيفة في تركيا، استهدفت لاجئين سوريين ومحلاتهم التجارية وسياراتهم، في مدينتي قيصري وعنتاب.

أتت هذه الهجمة العنصرية نتيجة تداول خبر  غامض، حول اعتداء سوري في قيصري على طفلة تركية، ليتضح بعدها أن المعتدي شاب سوري مختل عقلياً، وهو قريب للطفلة، وعوضاً عن النظر إلى الجريمة كواقعة تحرش واعتداء، تحولت إلى “عقاب جماعي” سببه بداية الأخبار غير الدقيقة، وتجاهل حقيقة الاعتداء الذي قام به الشاب!

يقول الناشط وحيد الحلبي إن “التوتر بدأ بعد أقل من 24 ساعة من الاعتداءات العنصرية في قيصري، إذ عمدت مجموعة شبان في مدينة إعزاز، إلى مهاجمة سيارات شحن تركية محملة بمواد غذائية، وأضرموا فيها النار، لتنتقل شرارة الأحداث إلى مركز حوالات الـ ptt  وقصر الوالي في المدينة، كما تم طرد الموظفين والاعتداء على المراكز المذكورة التي يديرها أتراك بالمجمل”.

يضيف الحلبي: “شاركنا في احتجاجات على السياسات العنصرية وترحيل السوريين من تركيا، لكن لم نتوقع أن يتطور المشهد إلى صدام مسلح، ولا نعلم من ولماذا تم استخدام السلاح، وما هي إلا لحظات حتى رأيت عدداً من الشبان على الأرض في عفرين، قرب مبنى السرايا والدماء تسيل من أجسادهم، ولا يجرؤ أحد على الاقتراب منهم، سواء كانوا مسعفين أم مدنيين، بسبب غزارة النيران، بحسب ما جاء على لسان نبيل أحد المشاركين بالمظاهرات”.

اشتباكات وقتلى

لم يكن المشهد مختلفاً في مدن مارع والباب والمعابر الحدودية، التي تربط الحدود السورية بالتركية، بيد أن الوضع الميداني في مدينة عفرين كان مختلفاً.

هاجم مجموعة سوريين  في عفرين بينهم مسلحون، القواعد والعربات العسكرية التركية، لتدور اشتباكات بين المحتجين السوريين من جهة، والعناصر العسكرية التركية وفصائل المعارضة، التي تحمي القواعد من جهة أخرى.

لم تقتصر الاشتباكات في عفرين على القواعد العسكرية التركية، بل امتدت إلى مكتب الوالي ومكاتب حوالات الـ ptt والمكاتب التركية الرسمية والعسكرية، وصولاً إلى إطلاق النار على السيارات العسكرية التركية، التي عمدت بدورها على إطلاق النار بشكل مباشر على السكان، من دون التفرقة ما بين عسكري ومدني.

 اتخذت الاحتجاجات في بدايتها طابعاً سلمياً، ندد فيه المتظاهرون في ساحات اعزاز وعفرين والباب ومارع بممارسات الأتراك العنصريين، وهتفوا تضامناً مع السوريين الذين تعرضوا لاعتداءات.

    تشييع القـ،،تلى الذين قُتـ،،لوا برصاص الجيش التركي في #عفرين بريف #حلب يوم أمس

    على الرغم من الغضب الشعبي اليوم، لكن لم يحصل فوضى أو صدام، وذلك عقب وساطة قطرية جمعت وجهاء من سوريا مع جهات حكومية تركية للتهدئة بينهما…

    إليكم المزيد من التفاصيل في الفيديو.. pic.twitter.com/WTymf27FoK

    — أحمد رحال Ahmed Rahhal (@pressrahhal) July 2, 2024

الناشط وليد أبو الوفا صرح لـ”درج”  أن “عدداً من النقاط العسكرية التركية والحواجز، بدأت بإطلاق النار في الهواء، لتفريق المحتجين، بالتزامن مع مرور سيارات تقل موظفين أتراكاً، أسهم بحساسية الموقف، وتحول المظاهرات من سلمية إلى اشتباكات وعراك بالأيدي، تطور إلى اشتباك مسلح، وأفضى إلى مقتل وإصابة عسكريين أتراك غير معلومي العدد، بسبب إغلاق القوات التركية الدوائر الإدارية والنقاط العسكرية بعدة أطواق أمنية”.

طوّقت القوات التركية أيضاً، مكتب الوالي التركي في اعزاز، الذي تعرض إلى هجوم مباشر من قبل مجموعة شبان منهم مسلحون، أفضى إلى سقوط إصابات وقتلى، ثم تم نقلهم في سيارات عسكرية تركية، في حين قُتل 11 شخصاً من السوريين وأُصيب 15 آخرين، تم إسعافهم بسيارات مدنية ودراجات نارية إلى المراكز الصحية.

يؤكد أبو الوفا أن “القوات التركية وفصائل  المعارضة السورية الموالية لها، أمعنت في استخدام القوة وإطلاق النار ضد السكان”، ويقول: “أصيب عدد من الأطفال والبالغين بنيران عشوائية مصدرها القوات التركية وفصائل المعارضة، منهم حسين الدهمان الذي أصيب أثناء وجوده في محله التجاري في مدينة عفرين، بقذيفة صاروخية متوسطة، مصدرها القوات التركية المتمركزة في النقاط العسكرية”.

تمزيق الأعلام التركيّة و”عقاب جماعي”

يقول أبو الوفا في شهادته لـ”درج” إن “عدداً من الشبان السوريين مزقوا الأعلام التركية في اعزاز وعفرين، في حين أنزلت العديد من الدوائر المدنية في مدن شمال حلب وبلداته، العلم التركي عن أسطحها، مع إطلاق المحتجين عبارات ضد تركيا وسياستها الرامية للتقرب من نظام الأسد”.

أظهرت مقاطع فيديو متداولة اشتباكات بالأسلحة المتوسطة والخفيفة، بين شبان سوريين وعناصر أتراك في محيط النقاط العسكرية التركية في عفرين، التي وقع فيها العدد الأكبر من القتلى السوريين، أغلبهم يتبع لفصيل “جيش الإسلام”، في حين قُتل عدد من المدنيين برصاص طائش، بعضهم كان أعزل بشكل كامل، بحسب شهادة الناشط صالح الأحمد.

رافق التطورات الميدانية شمال حلب إجراءات وصفها الناشطون بـ”العقابية” ضد السكان في عموم شمال غرب سوريا، إذ عمدت الحكومة التركية إلى قطع الإنترنت عن عموم مناطق شمال غرب سوريا، لأكثر من 5 ساعات، في حين عادت الخدمة إلى محافظة إدلب، وبقيت منقطعة عن شمال حلب، بالتزامن مع قطع الكهرباء التركية المغذية لمناطق شمال غرب سوريا، لأربع ساعات.

أُغلقت أيضاً المعابر الحدودية كافة، بين تركيا ومناطق سيطرة فصائل المعارضة، وأبرزها الراعي واعزاز وباب الهوى، وسحبت القوات التركية الموظفين المدنيين الأتراك كلهم، من مناطق انتشارها شمال حلب، ومنهم موظفو شركة ptt المسؤولة عن الحوالات المالية والعينية، وتعطيل كافة المنظمات الإنسانية التابعة لها.

القيادات تحذر من “الفتنة” وتدعو إلى “الصبر”

يرى المحامي عليل السلمان أن ارتفاع أعداد القتلى والجرحى السوريين بنيران القوات التركية، خصوصاً أن أغلبهم لم يكن مشاركاً في الاشتباكات المسلحة المباشرة “يوجب على الدوائر السورية في مناطق المعارضة، اتخاذ موقف واضح، إذ يجب على القضاة والمتنفذين في الحكومة الموقتة، الانتصار للضحايا السوريين والمصابين”

نشر ما يُسمى قادة “فصائل الجيش الوطني” التابع لتركيا، تغريدات بعضها باللغة التركية، تمجد سياسات تركيا وفضلها على السوريين وتطالب بضرورة تحلي السوريين بـ”الصبر” وعدم الانجرار إلى ما سموه “الفتنة”، في حين لم يصدر أي موقف عمن يُسمى رئيس الحكومة الموقتة.

من جهتها، منعت “هيئة تحرير الشام” بزعامة أبو محمد الجولاني، السكان من الوصول إلى القواعد التركية والمكاتب الإدارية والمنظمات التركية في مناطق سيطرتها، وأصدرت عبر ما يُسمى دائرة الشؤون السياسية، بياناً يؤيد الثورة السورية، ومطالب السوريين بالحرية والعدالة والكرامة والتضامن مع السوريين في قيصري، ودعت إلى “تحكيم العقل وتهدئة الأوضاع”، ونفى البيان “مشاركة الهيئة في أي أعمال ضد المصالح التركية”.

خوف من “الغضب” التركي

يتخوف السوريون من ردة فعل القوات والحكومة التركية، خاصة بعد كلمة وزير الداخلية التركي ووعيده لمن أحرق العلم التركي في اعزاز بالمحاسبة، بحسب الناشط آدم العلي، إذ لا يوجد مفر للمتظاهرين ضد القوات التركية في شمال حلب، لأن تركيا تسيطر على الحدود السورية الشمالية كلها، وفي مقابلها على بعد عشرات الكيلومترات، نظام الأسد.

واستنكر النشطاء السوريون غيرة  الوزير التركي وحميته على حرق العلم التركي في اعزاز، وتناسيه رسم العلم ذاته على الأرض، من قبل ميليشيات “الدفاع الوطني” والقوات الروسية في مدينة السقيلبية، خلال افتتاح كنيسة آية صوفيا في العام 2022.

يقول العلي: ” الخوف من الغضب التركي، يتمثل في إمكانية قطع تركيا جميع أعمالها المنفذة شمال غرب سوريا، من اتصالات وكهرباء واستيراد وتصدير، مما سيضع السكان تحت حصار طويل الأمد، بسبب تحكم تركيا بجميع نواحي الحياة في المنطقة”.

ويرى العلي أن “أكثر ما أثار حفيظة السوريين خلال الأيام الماضية، هو تصريحات الرئيس التركي الرامية للقاء بشار الأسد، وما سيترتب عليها من مصير مجهول سيحيط بهم، مع تنامي التقارب الدولي من الأسد، وخشيتهم من اتفاقيات تنسف تطلعاتهم، وتتيح لنظام الأسد السطوة عليهم وارتكاب الجرائم ضدهم”.

درج”

——————————-

ألمانيا تعارض إجراء أي انتخابات حاليًا في سوريا: ترسيخ للانقسام

أعربت ألمانيا عن معارضتها لإجراء أي انتخابات في سوريا في الوقت الراهن، سواء من قبل “الإدارة الذاتية” لشمال شرقي سوريا، أو انتخابات “مجلس الشعب” المقرر أن يجريها النظام بعد أيام.

وقال المبعوث الألماني إلى سوريا، ستيفان شنيك، اليوم الأربعاء 10 من تموز، إن ألمانيا لا تؤيد إجراء الانتخابات في سوريا بالوقت الحالي، موضحًا أن الانتخابات الحرة النزيهة تشكل جزءًا لا يتجزأ من حل النزاع وإحلال السلام في سوريا، لكن الظروف غير مهيأة بعد.

وبحسب ما ذكره شنيك، عبر “إكس“، فإن ألمانيا تدعم التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن رقم “2254” الذي يدعو لإجراء انتخابات بعد اعتماد دستور جديد، لكنها تدعو جميع الأطراف إلى تسهيل عملية سياسية يقودها ويملكها السوريون، بهدف الموافقة على دستور جديد وتنفيذ القرار “2254”.

ولن يؤدي إجراء الانتخابات في الأراضي السورية في هذا الوقت إلى دفع العملية السياسية إلى الأمام، بل إلى ترسيخ الوضع الراهن المتمثل في الصراع والانقسام الذي طال أمده، وفق المبعوث الألماني.

كما دعا جميع الأطراف إلى الامتناع عن اتخاذ أي خطوات من شأنها أن تهدد احتمالات التوصل إلى حل سلمي للصراع في سوريا، والانتقال إلى السلطة على النحو الذي يدعو إليه القرار “2254”.

وسبق أن أعلنت “الإدارة الذاتية”، في حزيران الماضي، تأجيلها انتخابات البلديات التي تنوي إجراءها في مناطق سيطرتها حتى آب المقبل، ومن المقرر أن يجري النظام السوري انتخابات “مجلس الشعب” في 15 من تموز الحالي.

وتعارض تركيا بشدة إجراء انتخابات في شمال شرقي سوريا، رفضًا لـ”فرض أمر واقع”، وفق تصريحات سابقة للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بينما ترى الولايات المتحدة أن الوقت غير مناسب لإجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة وشاملة، في شمال شرقي سوريا.

وفي إحاطة أمام مجلس الأمن، نهاية أيار الماضي، أشار المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، إلى انتخابات مجلس الشعب في مناطق سيطرة النظام، وانتخابات البلديات في مناطق شمال شرقي سوريا، موضحًا أنها ليست بديلًا عن عملية سياسية شاملة تفضي للتوصل إلى دستور سوري جديد يجري التوافق عليه، وفق بنود القرار “2254”.

——————————

سوريات يلجأن للحجاب التركي للاندماج وتفادي العنصرية 

عنب بلدي – ريم حمود

للاندماج في المجتمعات المضيفة للاجئين أو تجنب تعرضهم للتمييز السلبي عدة طرق، منها تعلم لغة البلد وإتقانها بالشكل الصحيح، أو الاعتياد على عادات البلد وتقاليده واحترامها، وهو ما لجأ إليه السوريون بعد الثورة السورية عام 2011.

وبالنسبة للسوريات المحجبات في تركيا خاصة، وجدن أنفسهن أمام منحى مختلف للاندماج بالمجتمع وكذلك لتجنّب التنمر، فالحجاب السوري لافت للنظر ويجعلهن معروفات بالمحيط، لاختلاف طريقة ارتدائه عن النساء التركيات، وهو ما دفع الكثيرات إلى ارتداء الحجاب التركي، على عكس ما حدث مع بعض السوريات اللاجئات في دول أوروبية، ممن قررن خلع الحجاب تفاديًا لأي “صعوبات” قد تواجههن تحت مسمى “التطرف”.

وبناء على ذلك، من الطبيعي أن ترى فتاة سورية ترتدي حجابًا وملابس تركية، حتى تظن أنها ابنة البلد، إذ لا يختلف مظهرها عن مظهر الفتيات التركيات المحجبات.

تغير النظرة

بدأت موجة لجوء السوريين إلى تركيا في 29 من نيسان عام 2011، عندما دخلت أول مجموعة مكونة من 253 شخصًا عبر معبر “يايلاداغ” في هاتاي، وتوالت موجات اللاجئين السوريين مع تدهور الأوضاع داخل سوريا، خاصة في الأعوام 2013 و2014 و2015، ليصل عدد اللاجئين في تركيا عام 2021 إلى نحو أربعة ملايين لاجئ تحت نظام “الحماية المؤقتة”، بحسب الإحصائيات الرسمية.

“في البداية كنت أضع الحجاب السوري، وكنت مقتنعة به منذ صغري ولم أفكر يومًا بتغيير طريقة لفّي للحجاب”، قالت ديانا لعنب بلدي، وهي فتاة سورية مقيمة في مدينة اسكندرون بهاتاي، غيرت نظرتها وأفكارها عن الحجاب التركي بعد الإقامة في تركيا لأكثر من عشر سنوات.

يتميز السوريون باختلاف أنماط وضع الحجاب، وهذا ما كان يجعل الفتيات أكثر ارتباطًا به، إضافة إلى أن بعض المحافظات السورية تشتهر بحجاب معيّن، فالفتيات الدمشقيات المحجبات يستعملن عادة الحجاب الأبيض (من قطعتين)، بينما تستعمل النساء من مدينة حلب الحجاب الأسود ويعتمد تثبيته على الدبابيس، أما الحجاب التركي فهو ملوّن أو مزخرف ويختلف بطريقة لفّه على الرقبة، إذ تعرف بالسهولة والبساطة، دون دبابيس.

طريقة لف الحجاب التركي السلسة تعتمد على طي طبقة صغيرة، ومن ثم وضعه من المنتصف على الرأس لتصبح أطواله الأخرى من الجانبين متساوية، ثم يربط من الوراء ليبقى على الظهر.

قالت ديانا، عند سؤالها عن سبب تغيير رأيها وارتدائها الحجاب التركي، إنه يشعرها أنها أكثر اندماجًا بالمجتمع التركي، وهذا ما ترغب به منذ عام 2013 عند لجوئها إلى تركيا قادمة من مدينة حلب.

وأوضحت ديانا (فضلت عدم ذكر اسمها الكامل لأسباب شخصية) أن معاملة المواطنين الأتراك للفتيات السوريات يختلف كثيرًا عندما يضعن حجابهن بالطريقة التركية، وعندما يرون ملابسهن وحجابهن مشابهة لطريقتهم يظهرون رد فعل مريحًا.

تابعت ديانا أنها في إحدى المرات كانت تعمل في محل ملابس، ولم تعلم الزبونة التركية بأنها سورية إلا عندما أخطأت بنطق كلمة أمامها في نهاية الحديث، وقالت، “أثار الأمر استغرابها بأنني لست تركية مبدية إعجابها بي وبقدرتي على النجاح في ذلك”.

الرغبة بالاندماج بالمجتمع عبر تغيير نمط الملابس كان هدفًا أساسيًا للشابة السورية حسناء الخالد أيضًا، إذ قالت لعنب بلدي، إن التحدث باللغة التركية بطلاقة لم يكن كافيًا لتحقيقها الاندماج مع محيطها في مدينة هاتاي حيث تقيم.

تفاديًا للمواقف العنصرية

كان لحسناء الخالد نصيبها من المواقف والنظرات العنصرية التي يعاني منها اللاجئون السوريون في تركيا، منها ما تعرضت لها خلال دراستها الجامعية من قبل بعض الطلاب والطالبات، لكون طريقة ارتدائها للحجاب تدل على هويتها السورية حتى لمن لم يتحدث معها.

قالت حسناء، “كنت أجلس مع صديقاتي السوريات في حديقة جامعتي (مصطفى كمال) بمدينة هاتاي، لنسمع حديث بعض الطالبات التركيات القادمات باتجاهنا وهن يتحدثن عن طريقة لباسنا غير المريحة أو اللائقة”، وأضافت أن هذا الموقف من أصعب ما عاشته من انتقادات عنصرية مستغربة، إذ وصل الأمر إلى وصف حجابها بأنه “سيئ المظهر”.

اتفقت ديانا وحسناء الخالد خلال حديثهما لعنب بلدي على أن نظرة الأتراك في الأماكن العامة والباصات دائمًا ما تختلف في حال كانت الفتاة ترتدي حجابها مثل التركيات، أما إن خرجت وهي تظهر بملابس سورية، فمن المحتمل جدًا تعرضها لنظرة غريبة من الشبان والشابات أيضًا لسرعة معرفة جنسيتها.

جمال الأقمشة التركية وطريقة وضع الحجاب السريعة والسهلة كانت سببًا إضافيًا دفع حسناء لارتدائه، خاصة أنه “جميل ومريح ومناسب لجميع الأماكن”، كما قالت.

    كان الحجاب موضوعًا جدليًا في تركيا خلال العقود الأخيرة، وهي مشكلة عانت منها الفتيات منذ سنوات.

    شهدت تركيا إقبالًا لافتًا نحو الحجاب في فترة الستينيات والسبعينيات، ما دفع الحكومة للتضييق عليه خوفًا من تحوله إلى رمز سياسي.

    وصدرت عدة قرارات رسمية عام 1984 من البرلمان التركي، تقضي بمنع المحجبات من دخول الحرم الجامعي، ومنع توظيف أي فتاة محجبة في دوائر الدولة، وسط حوادث اعتداء على المحجبات.

    وظل القرار ساريًا لسنوات عديدة رغم الاحتجاجات الشعبية، إلى حين تسلم حزب “العدالة والتنمية” الحكم عام 2008، الذي أصدر قرارًا يسمح فيه للجامعيات وموظفات الدولة بارتداء الحجاب.

    وأجرى البرلمان تعديلًا دستوريًا على المادة الأولى والثانية من القانون رقم “5735“، بالإضافة إلى المواد رقم “4” و”8″ و”148″ من الدستور التركي، أبطل فيها أي قرار يحد من حرية المحجبات.

لتجنب الحديث مع الأتراك

يوجد أكثر من 3.1 مليون لاجئ سوري في تركيا تحت نظام “الحماية المؤقتة”، لا يتحدث بعضهم اللغة التركية بطلاقة، وتعتبر اللاجئة السورية ديانا (26 عامًا) من هذه الفئة التي تتوتر بعض الأوقات عند التحدث باللغة التركية.

لفتت ديانا إلى أنها عند السفر من مدينتها هاتاي إلى اسطنبول أو بورصة مرتدية الحجاب السوري، كانت تتعرض لأسئلة واستفسارات من أصحاب المحال والمطاعم كنوع من فتح الأحاديث التي تراها “غير ضرورية وتهدف للاستهزاء بها”، خاصة عند معرفتهم بعدم قدرتها على “ترتيب الجملة بشكل سليم”، واستمرارهم بالحديث والضحك، وسؤالهم لها لماذا لم تتعلمي اللغة التركية حتى الآن على الرغم من إقامتك في هذا البلد لأكثر من عشر سنوات.

مدينة هاتاي التي تقيم فيها الشابة السورية ديانا تُعرف بوجود الكثير من العرب والأتراك الذين يتحدثون العربية، وذلك لأصولهم السورية، وكان هذا من أكبر المعوقات أمامها لإتقان اللغة التركية، ولتجنب المواقف المحرجة وجدت بالحجاب التركي عند ضعف لغتها التركية قبل سنوات منقذًا لها، يبعد عنها الأشخاص العنصريين الذين قد يسخرون من عدم تعلمها اللغة التركية، كما قالت لعنب بلدي.

وبات التوجه لارتداء الحجاب التركي بالنسبة للسوريات أكثر من ظاهرة، بحسب حسناء الخالد، إذ ترى أن من الطبيعي أن تنتقل بعض عادات وتقاليد البلد المضيف لها، وخاصة أنها عاشت في تركيا أكثر من السنوات التي أمضتها في سوريا، لافتة إلى أنها لا ترى في ذلك شيئًا سلبيًا، خاصة أنه ينعكس بنتائج إيجابية عليها ويخلصها في كثير من الأوقات من مشكلات قد تتعرض لها.

———————–

الطوارئ التركية” تحصي أضرار ممتلكات السوريين في “أحداث قيصري

تضرر أكثر من 400 منزل وسيارة ومحل إثر اعتداءات طالت ممتلكات وأماكن إقامة لاجئين سوريين في مدينة قيصري بتركيا، إثر انتشار شائعة خاطئة عن اعتداء لاجئ سوري على طفلة تركية تبلغ من العمر خمسة أعوام.

وفق ما نقلته صحيفة “yeni şafak” التركية اليوم، الاثنين 8 من تموز، بدأت فرق إدارة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد) بإجراء عمليات المسح الميدانية لتقييم الأضرار في أحياء صبحية ودانشماند غازي وفوزي شاكماك وعثمانلي وسيلجوكلي وحرييت ومولانا وأيدنلك إيفلاء وكشوك مصطفى.

وبحسب ما نقلته الصحيفة عن تحقيقات ميدانية أجرتها فرق “جمعية ثقافات قيصري” عن الأضرار التي لحقت بالمحال التجارية للسورريين، يوجد في حي صبحية 64 محلًا متضررًا، وفي حي فوزي شاكماك وشارع فوزلي 22 محلًا، وفي حي كشوك مصطفى 15 محلًا، وفي مولانا تضررت ستة محال.

كما تضررت 12 سيارة بشكل كبير إثر رمي الحجارة عليها، ويوجد على الأقل سيارتان دمرتا بشكل كامل إثر حرقهما، كما كسرت الكثير من نوافذ منازل اللاجئين بالمدينة بسبب رمي الحجارة عليها.

وتابعت الصحيفة أن عناصر “آفاد” التقوا السوريين من المتضررين إثر الاعتداءات.

وأشارت الصحيفة إلى حصولها على معلومات عن أن السلطات التركية ستعمل على تعويض اللاجئين المتضررين، في ظل غياب الحديث الرسمي عن النية بتعويض اللاجئين المتضررين.

وفي 30 من حزيران الماضي، شهدت مدينة قيصري التركية احتجاجات وحالة من التوتر والغضب، تخللتها اعتداءات على مصالح سوريين، إثر انتشار شائعة خاطئة عن اعتداء لاجئ سوري على طفلة تركية تبلغ من العمر خمسة أعوام، قبل أن تؤكد ولاية قيصري في بيان لها عبر “إكس“، أن الطفلة سورية الجنسية وهي قريبة الشاب الذي يعاني من مشكلات عقلية.

وتصاعدت بعدها أعمال العنف والاعتداءات على ممتلكات لاجئين سوريين في عدة مدن تركية، شملت كلًا من مدن هاتاي وغازي عينتاب وكلس وقيصري وبورصة.

ولا تعتبر حوادث الاعتداء على ممتلكات اللاجئين السوريين في تركيا الأولى من نوعها، إذ تتكرر بين الفترة والأخرى إثر وقوع حادثة ما أو انتشار معلومة قد تكون خاطئة.

وسبق أن شهدت مدينة إزمير التركية هجوم مواطنين أتراك على محال وممتلكات لسوريين على خلفية مقتل شاب تركي على يد آخر سوري طعنًا، في 1 من تشرين الأول 2021.

وذكرت صحيفة “Sozcu” التركية حينها أن قرابة 150 مواطنًا تركيًا توجهوا إلى منطقة توربالي التي شهدت مقتل الشاب التركي في مدينة إزمير، وهاجموا منازل سوريين بالحجارة وأحرقوا سياراتهم.

——————–

لا العراق ولا تركيا.. العين على مكان وزمان لقاء أردوغان بالأسد

العربية.نت ـ جوان سوز

10 يوليو ,2024

لم تتوقف عروض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول إعادة علاقات بلاده مع السلطات في سوريا عند دراسة الفرص فحسب، بل أكد أنه قد يدعو نظيره السوري بشار الأسد لزيارة بلاده.

أردوغان يجدد دعوته الأسد لزيارة تركيا “في أي وقت”

سوريا

تركيا أردوغان يجدد دعوته الأسد لزيارة تركيا “في أي وقت”

فقد أعلن أردوغان، الأسبوع الماضي، أنه قد يدعو نظيره السوري إلى تركيا “في أي وقت”، دون أي تفاصيل أخرى.

في حين أكد مسؤول تركي، مساء الثلاثاء، أن موعد اللقاء الذي سيجمع الرئيسين “غير محدد”.

فأين ومتى اللقاء بعد 13 عاماً من القطيعة؟

حتى الوقت الحالي، تستمر روسيا ومعها العراق بلعب دور الوساطة في التقارب المحتمل بين تركيا وسوريا، والذي من شأنه أن يؤدي في نهاية المطاف إلى عقد لقاء مباشر بين أردوغان والأسد.

فقد أوضح المتحدّث باسم حزب “العدالة والتنمية” الحاكم الذي يقوده أردوغان، عمر تشليك، أن اللقاء المنتظر سيكون الأول من نوعه منذ اندلاع الحرب السورية.

تعليقاً على ذلك، قال المحلل السياسي والباحث في الشؤون التركية خورشيد دلي، إن بغداد لا تشكل المكان المناسب لهذا اللقاء رغم دورها الهام، خاصة أن أردوغان لا يريد منح عمق عربي وإيراني لمثل هذه الخطوة.

وأضاف أنه من جهة أخرى لا تبدو بغداد مؤثرة سياسياً على دمشق بعكس موسكو التي تربطها بالجانبين السوري والتركي شبكة مؤثرة من العلاقات والمصالح والحسابات.

وتابع دلي لـ”العربية.نت”، معتقداً أن مكان لقاء الأسد وأردوغان سيكون على طاولة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باعتبار أن روسيا هي التي تقود الوساطة بينهما.

كذلك رأى أن بوتين يريد من هذا اللقاء تحقيق انعطافة في السياسة الروسية والإقليمية تجاه الأزمة السورية، وتحقيق قفزة كبيرة في سياساته الأوراسية.

وأشار إلى أن موعد اللقاء مرتبط بتحقيق تفاهمات على خارطة طريق بين الجانبين التركي والسوري، لافتاً إلى أنه حتى الآن تشهد الأوساط السياسية اندفاعة تركية غير مسبوقة، فيما الجانب السوري يتريث ويدقق في حساباته.

أما الزمان!

ولفت المحلل السياسي إلى أن الأنظار تتجه إلى اللقاءات التي ستعقد بهذا الخصوص لإنجاز خارطة تفاهمات في ظل مشكلات كثيرة وإرث صعب للعلاقة وغياب للثقة وربما يكون الموعد المناسب لروسيا في عقد لقاءٍ بين الأسد وأردوغان هو قبيل الانتخابات الرئاسية الأميركية، إذ يريد بوتين من وراء ذلك وضع الإدارة الأميركية المقبلة بغض النظر عن هوية الفائز أمام هذا الاستحقاق الهام، على حدّ تعبيره.

أتت هذه التحليلات بعدما كشفت صحيفة تركية مقرّبة من الحزب الحاكم، الثلاثاء، أن المحادثات التركية السورية التي تسبق لقاء أردوغان والأسد ستتم على مستوى وزراء خارجية البلدين بعد اجتماع مسؤولين أتراك وسوريين آخرين.

وذكرت صحيفة “يني شفق” التركية أن سلسلة اجتماعات بشأن اللقاء المرتقب بين كلا الرئيسين ستتم في الفترة المقبلة برعاية روسية.

وكان الرئيس التركي قد جدد دعوته لنظيره السوري عند عودته من ألمانيا حيث شاهد مباراة تركيا وهولندا في إطار كأس أمم أوروبا لكرة القدم، حيث قال: “قد نوجه دعوة للأسد في أي وقت”.

وأوضح أردوغان للصحافيين أن زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المحتملة إلى تركيا قد تفتح فصلا جديدا في العلاقات التركية السورية.

بالمقابل، أكد الرئيس السوري بشار الأسد بعد استقباله مبعوث الرئيس الروسي ألكسندر لافرنتييف يوم الأربعاء الماضي، انفتاح سوريا على جميع المبادرات المرتبطة بالعلاقة مع تركيا والمستندة إلى سيادة الدولة السورية وما طالبت به دمشق أنقرة.

وأوضح الأسد أن الغاية هي النجاح في عودة العلاقات بين سوريا وتركيا، لافتا إلى ضرورة محاربة كل أشكال الإرهاب وتنظيماته.

دون إعلام أو طرف ثالث

يشار إلى أن مصادر سورية كانت تحدثت عن احتمال جلوس الطرفين السوري والتركي على طاولة الحوار.

خارج الصندوق | لقاء مرتقب بين أردوغان والأسد

وأفادت بأن اجتماعا سوريا تركيا مرتقبا يجري التحضير له، وفقا لوسائل إعلام محلية.

كما تابعت أن عملية التفاوض مع تركيا ستكون طويلة، لكن ستؤدي لتفاهمات سياسية وميدانية.

وأشارت إلى أن الجانب التركي كان طلب من موسكو وبغداد الجلوس على طاولة حوار ثنائية مع الجانب السوري ومن دون حضور أي طرف ثالث وبعيداً عن الإعلام للبحث في كل التفاصيل التي من المفترض أن تعيد العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها.

يذكر أنه ومع بداية النزاع في سوريا عام 2011، قدمت أنقرة دعماً أساسياً للمعارضة السياسية والعسكرية، كما شنت منذ العام 2016 ثلاث عمليات عسكرية واسعة في سوريا، استهدفت بشكل أساسي المقاتلين الأكراد، وتمكنت قواتها بالتعاون مع فصائل سورية موالية لها من السيطرة على منطقة حدودية واسعة في شمال سوريا.

في حين تشترط دمشق الانسحاب التركي الكامل لإجراء أي مفاوضات.

العربية

——————————–

الإعلام التركي ينقسم حول الاعتداءات العنصرية/ جابر عمر

09 يوليو 2024

انقسم الإعلام التركي في تناوله تبعات قضية اعتداء مواطنين أتراك على ممتلكات السوريين في ولاية قيصري مؤخراً، وما تبعها من احتجاجات في شمال سورية، فيما كان هناك اتفاق على ضرورة حل هذه المسألة بسبب تبعاتها السلبية على المجتمعين السوري والتركي.

وبدأت المتابعة الإعلامية في تركيا للأحداث في قيصري انطلاقاً من وسائل التواصل الاجتماعي التي تلعب دوراً هاماً في تحريك الرأي العام. إذ انتشرت الوسوم ومقاطع الفيديو المصورة عبر المنصات، وتلقفتها وسائل الإعلام التقليدية لمتابعتها وتحليلها وفق السياسة التحريرية لكلّ مؤسسة. فانتقد الإعلام المعارض الحكومة واتهمها بالعجز عن إيجاد حلّ لقضية اللاجئين السوريين، فيما تبنى الإعلام المؤيد للحكومة الرواية الرسمية.

وكانت ولاية قيصري التركية قد شهدت في 30 يونيو/ حزيران الماضي، هجمات شنّها سكان محليون على محلات وسيارات تعود ملكيتها للاجئين سوريين. بالتزامن، مع حملة قادتها الحكومة التركية لترحيل اللاجئين إلى الشمال السوري، لا سيما في غازي عنتاب جنوبي البلاد. أسفر ذلك عن خسائر في الممتلكات، وتبعه توقيف 474 شخصاً مشاركاً في أعمال العنف، بحسب الرئيس رجب طيب أردوغان، من بينهم ناشطون على وسائل التواصل ومروجون للعنف.

أدت الاعتداءات إلى خروج تظاهرات احتجاجية في شمال سورية، تخلّلها مقتل ستة متظاهرين سوريين وإصابة عشرات آخرين بعد إطلاق النار عليهم من قبل القوات التركية.

وتفاعل الإعلام الحكومي مع الأحداث مستنداً إلى ما يكشف عنه من المصادر الرسمية، فنقلت وكالة الأناضول وقناة تي آر تي بيان ولاية قيصري عن الأحداث وركزت على حقيقة الحدث ومحاولة دحض الشائعات التي كانت تقول بأن الضحية هي تركية، وأكدت أن حادثة التحرش المزعومة وقعت بين شاب سوري وابنة عمه السورية بدورها، في محاولة لتوضيح حقيقة القضية أمام الرأي العام.

ولاحقاً بث الإعلام التركي، وخاصةَ الرسمي، بيانات الوزارات الحكومية المختلفة، والتي تناولت تطورات القضية وعمليات توقيف المعتدين، وكذلك الأحداث التي وقعت في شمال سورية. كما نقلت عن مؤسسات المعارضة السورية الموالية لتركيا تصريحاتها التي تدعو إلى الهدوء وعدم التحريض، وتبعتها وسائل الإعلام الدولية من مثل قناة سي إن إن تورك وصحيفتي حرييت وصباح.

بالمقابل ركز الإعلام المعارض على مهاجمة الحكومة وفشلها في إدارة الملف السوري، وخاصة قنوات مثل سوزجو وخلق تي في، وصحف مثل جمهوريت، بخاصة أنّ أكبر أحزاب المعارضة ورئيسه أوزغور أوزال أعلن قبل أيام أنه سيلتقي برئيس النظام السوري بشار الأسد، في يوليو/ تمّوز الحالي من أجل حل المسألة السورية.

كذلك، كانت قضية حرق العلم التركي في شمال سورية حاضرةً بقوة في الإعلام المحلي، خاصةً مع الاهتمام الذي يوليه الشعب التركي لمسألة العلم الذي يراه من أهم رموز البلاد. أدى ذلك إلى انتشار واسع لخبر إلقاء القبض على المسيء للعلم التركي واعترافه واعتذاره في مختلف وسائل الإعلام المحلية.

وتواصلت التغطية الإعلامية التركية لتبعات ما حدث بنفس الطريقة، ومنها الهجوم على متجر لسوريين في قيصري بعد انتهاء موجة العنف، وعملية توقيف 3 أفراد شاركوا بالعملية، مع حرص كل مؤسسة إعلامية على تأكيد ضرورة إيجاد حل لمسألة اللاجئين السوريين في البلاد، والتي قفزت إلى مرتبة مهمة إلى جانب التحديات الاقتصادية. ترافق ذلك مع انتشار مطالبات بالتعامل مع القضية بشكل مختلف من مقاربة “المهاجرين والأنصار”، التي اعتمدتها الحكومة التركية في بداية مرحلة اللجوء السوري.

اللاجئ السوري

وخصّص عدد من الكتاب مقالاتهم في صفحات الرأي لتناول الأحداث الأخيرة بشكل خاص، وقضية اللجوء عموماً، ومن بينهم الكاتب المعروف عبد القادر سلفي، الذي رأى في مقال نشر الجمعة، في “حرييت” أنّه “يتم حشد المجموعات المنظمة في تركيا وسورية بهدف منع لقاء أردوغان والأسد ومنع تطبيع العلاقات التركية السورية”.

أضاف: “يقولون أعيدوا اللاجئين السوريين وعندما يصير هناك فرصة لذلك، فإنهم يتخذون إجراءات استفزازية لتخريب العملية، أليس هذا تناقضاً؟ إنه تناقض”، معتبراً أنّ “هناك من يتغذى على الحرب”، وهم: “أمراء الحرب والقبائل التي تغذيها الحرب، والمنظمات الإرهابية داعش وحزب العمال الكردستاني والمنظمات السلفية، بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وإيران وروسيا”.

على المقلب الآخر، قال الصحافي المعارض فاتح ألطاي، في مقال: “قبل 10 سنوات قلنا إنّ هؤلاء المهاجرين يمثلون مشكلة بقاء بالنسبة لتركيا، فقالوا إنّنا فاشيون وعنصريون. كنا نقول هذه الهجرة ليست طبيعية، وإنهم بهذه الطريقة يريدون خلق عدم استقرار داخلي في تركيا، يريدون تهيئة بيئة للصراع الداخلي، صراع عرقي جديد للمستقبل”. أضاف: “كانوا يتحدثون عن أنصار ومهاجرين، كانوا إخوة في الدين، وكنا علمانيين قذرين، ثم بدأت الأشياء الصغيرة تحدث، من أنقرة لإسطنبول وصولا لقيصري”.

أظهرت الأحداث بشكل واضح تداخل الرأي السياسي في تركيا مع التغطية الإعلامية لقضية اللاجئين. إذ يتم تجاهل الأخبار والأحداث التي تبيّن أهمية العمالة السورية في البلاد ومساهمتها بالاقتصاد، بخاصة في الأعمال التي بدأ الأتراك بالعزوف عنها. كلّ ذلك بسبب المواقف السياسية، وتداخل السياسة والمال والإعلام في البلاد، بنفس الطريقة التي يتم فيها تجاهل اسهامات المجنسين والمولودين في تركيا والطلاب الذين يدرسون فيها منذ أكثر من 10 سنوات.

وعن التغطية الإعلامية للأحداث التي جرت في تركيا وشمال سورية وموقف الإعلام بشقيه المؤيد والمعارض منها، قال الكاتب والباحث بالشأن التركي، طه عودة أوغلو، في حديث مع “العربي الجديد”: “هناك حالة من الانقسام، الإعلام المؤيد تعامل مع الحدث وفق التصريحات الرسمية التي صدرت من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والخطوات السريعة التي قامت بها الحكومة بخاصة وزارة الداخلية”.

وأضاف: “أما الإعلام المعارض فكان يتحدث بشكل كبير عن الأخطاء التراكمية، وأن هذه الأحداث جاءت نتيجةً لأخطاء تراكمية وقعت خلال السنوات الماضية من قبل الحكومة التركية في تعاملها مع الملف السوري، كما تطرق إلى مسألة إعادة اللاجئين السوريين، التي تحوّلت إلى مطلب رئيسي رفعته المعارضة منذ انتخابات العام 2019، وهو الأمر الذي ساعدها على الفوز آنذاك، وتحوّل على ورقة رابحة بالنسبة لمناهضي أردوغان في السنوات القليلة الماضية”.

جدارية تمثِّل حقوق الإنسان أمام مبنى حكومي تركي

وتطرّق عودة أوغلو إلى مواقف الكتّاب من الأحداث الحالية، معتبراً أنّ “هناك كتاباً عقلاء تحدثوا عن أن الهجوم على الأجانب في المدن التركية سواء كانوا لاجئين سوريين أو سيّاحاً سعوديين، يضر البلاد ويؤثر على صورة تركيا التي كانت دائماً مضيئة ولامعة في العالم العربي والإسلامي بسبب احتضانها للمظلومين من كل مكان”. تابع: “دفع ذلك عدداً كبيراً من الكتاب للحديث بوضوح عن ضرورة وضع خطوات رادعة وصارمة من قبل الحكومة توقف هذه الأعمال العدائية من قبل بعض الأفراد العنصريين ضد الأجانب، بخاصة ضد السوريين”.

ولفت إلى أنّ “العديد من الكتاب المعروفين أشاروا إلى أنّ الأحداث الأخيرة سوف يكون لها تداعيات إذا تركت الأمور دون احتواء من قبل الحكومة، كما وجدوا أنّه من الضروري اتخاذ خطوات وقرارات للحد من انزلاقها إلى منعطف خطير خلال المرحلة المقبلة”. كذلك، أشار إلى أنّ “بعض الكتاب المعارضين حمّلوا الحكومة المسؤولية حول ما يجري على الأرض من خلال استضافتها ملايين اللاجئين والأجانب في تركيا”.

——————————-

تسعة أسئلة حول أوضاع السوريين في تركيا

12 يوليو/ تموز 2024

الوجود السوري في تركيا هو من أكثر المواضيع إثارة الجدل بين الأتراك في السنوات الأخيرة.

وتناولت وسائل التواصل الاجتماعي الكثير من المعلومات المختلفة حول السوريين منذ 2011.

وبعد الأحداث التي شهدت اعتداءات على السوريين في مدينة قيصري التركية، عاد انتشار المعلومات بشأن السوريين بكثافة على وسائل التواصل الاجتماعي.

ولكن بعض هذه المعلومات لا يعكس الواقع، وبعضها لا يتضمن البيانات الحالية.

قام فريق القسم التركي في بي بي سي، بجمع الأسئلة الأكثر طرحاً حول وجود السوريين في تركيا، بالاستناد إلى معلومات محدّثة صادرة عن مؤسسات مختلفة.

ما هو عدد السوريين المقيمين في تركيا؟

في 27 يونيو/حزيران 2027، شاركت المديرية العامة لإدارة الهجرة التابعة لوزارة الداخلية التركية أحدث الأرقام المتعلقة بالسوريين في تركيا.

إذ بدأ السوريون بالتوافد إلى تركيا بعد الحرب في سوريا عام 2011، يعيشون حاليا في تركيا تحت وضع الحماية المؤقتة.

وهناك 3,112,683 سورياً مسجلاً تحت هذا الوضع في تركيا، وفق البيانات الصادرة عن إدارة الهجرة.

إلى جانب هؤلاء، يوجد أيضاً سوريون يعيشون في تركيا بتصريح إقامة.

وتتكون هذه الشريحة من السوريين الذي يتمتعون بوضع اقتصادي أفضل نسبياً، ويبلغ عددهم 76,842.

ووفق ما تظهره البيانات الرسمية، هناك أيضاً عدد من السوريين غير المسجلين وهم مهاجرون غير شرعيين.

أما الأشخاص الذين لا يملكون وضعاً قانونياً في البلد الذي يقيمون فيه نتيجة دخول غير شرعي، أو انتهاك شروط الدخول أو انتهاء مدة صلاحية التأشيرة أو العمل دون رخصة بصفة غير شرعية، فتطلق عليهم صفة مهاجرين غير شرعيين.

وعلى السوريين الذين يمارسون حقوقهم التي تمنحها الحماية المؤقتة، أن يكونوا مسجلين تحت هذه الصفة.

لذلك، يُعتقد أنّ السوريين الذي يصنفون بأنهم مهاجرون غير شرعيين، يعملون لتحقيق هدف آخر وهو الهجرة غير الشرعية إلى بلد آخر، وعددهم قليل بالمقارنة مع المسجلّين.

ووفق البيانات الصادرة عن المديرية العامة لإدارة الهجرة، ضُبط 21,387 مهاجراً غير شرعي من الجنسية السورية حتى تاريخ 27 حزيران/يونيو 2024.

وهذه أرقام تعكس عدد المهاجرين السوريين غير الشرعيين التي تم ضبطهم خلال السنوات الماضية بحسب البيانات الرسمية:

    24984 مهاجراً في 2014

    73422 مهاجراً في 2015

    69755 مهاجراً في 2016

    50217 مهاجراً في 2017

    34053 مهاجراً في 2018

    55236 مهاجراً في 2019

    17562 مهاجراً في 2020

    23468 مهاجراً في 2021

    45909 مهاجراً في 2022

    58621 مهاجراً في 2023

ما هي المدن التي يتواجد فيها أكبر أو أقلّ عدد من السوريين؟

إسطنبول هي المدينة التي تعيش فيها أكبر جالية سورية في تركيا، حيث يعيش فيها 530,506 سوريين تحت وضع الحماية المؤقتة.

وتأتي بعد إسطنبول في الرتيب مدن غازي عنتاب وشانلي أورفا وهاتاي وأضنة ومرسين وبورصة وقونيا وإزمير وأنقرة.

    429,855 في غازي عينتاب

    272, 788 في شانلي أورفا

    257,090 في هاتاي

    218220 في أضنة

    201521 في مرسين

    171457 في بورصة

    121947 في قونيا

    119671 في إزمير

    89743 في أنقرة

وتستضيف هكاري العدد الأقلّ من المقيمين السوريين في تركيا وعددهم ثمانية.

ومن بين المدن التي تستضيف عدداً قليلاً من السوريين، تونجلي حيث يقيم 28 سورياً، ويعيش 34 سوريا في بايبورت، و63 في إغدير، و75 في آرتفين.

أين تتركز أعلى كثافة للسوريين مقارنة مع السكان الأتراك؟

المدينة التي يعيش فيها السوريون بكثافة مقارنة مع السكان المحليين هي كيليس.

وبحسب البينات الرسمية، فإنّ نسبة المقارنة بين السكّان السوريين والسكان المحليين هي 31.02 في المئة.

وهذا المعدّل الذي يظهر على موقع المديرية العامة لإدارة شؤون الهجرة، لا يعكس نسبة السوريين من العدد الإجمالي للسكان المحليين، لكنه يظهر نسبة المواطنين الأتراك الذين يعيشون في تلك المحافظة.

أما في المناطق الأخرى، فإن نسبة المقارنة 16.5 في المئة في غازي عنتاب و14.27 فيي المئة في هاتاي و10.97 في المئة في شانلي أورفا و9.42 في المئة في مرسين و6.22 في المئة في ماردين.

أما المدينة التي تشهد أقل كثافة من السكان السوريين هي هاكاري، إذ بلغت نسبة المقارنة بين السكان السوريين والمقيمين المستقرين فيها صفر في المئة.

وهذه النسبة تصبح 0.03 في المئة في تونجلي وإغدير و0.04 في المئة في بايبورت وإرزينجان، و0.06 في المئة في غيرسون وجوموشان و0.07 في المئة في سينوب.

كيف يتوزع السوريون بحسب الجندر والعمر؟

المسجّلون على وضع الحماية المؤقتة يتوزعون بين مليون و 619 ألف و 328 رجل سوري، ومليون و 493 ألف و 355 امرأة سورية.

وبينما يشكّل الأطفال واليافعون نسبة كبيرة من السوريين بالنسبة للعمر، ينخفض العدد في أوساط الذين يبلغون فوق سن الـ30 عاماً.

وعدد السوريين الذين يبلغون ما بين صفر و18 عاماً يبلغ مليون و562 ألف و165.

وهناك 338,072 من السوريين ينتمون إلى الفئة العمرية ما بين 19 و24 عاماً، و311,930 يبلغون ما بين 25 و29 عاماً، و230,809 شخصاً مابين 30 و34 عاماً و195,381 شخصاً ما بين 35 و39 عاماً.

ويبلغ عدد السكان السوريين في تركيا الذين تتراوح أعمارهم بين 40 و49 عاماً 243,595 شخصاً، وما بين 50 و59 عاماً 138,026شخصاً.

أما عدد السوريين الإجمالي البالغين فوق 60 عاماً فبلغ 92,705.

ما هو عدد السوريين الحاصلين على الجنسية التركية حتى الآن؟

ذكر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنّ 110 آلاف سوري حصلوا على الجنسية في كانون الأول/ديسمبر 2019.

وقال: “نحن في وضع يسمح لنا بزيادة إجراء الحصول على الجنسية للآخرين، إلى جانب هؤلاء المواطنين البالغ عددهم 110.000 مواطن، لماذا؟ لأنه لا ينبغي أن يعيش هؤلاء الأشخاص في بلدي بشكل غير قانوني كمهاجرين، وعندما يحصلون على الجنسية، يمكنهم العثور على وظيفة والعمل في أي مؤسسة أو منظمة”.

ويشارك المسؤولون الحكوميّون بيانات حول منح الجنسية من وقت إلى آخر على مدى سنوات.

وأعلن وزير الداخلية التركي علي يرليكايا، وهو عضو في لجنة التخطيط والميزانية في مجلس الأمة التركي، في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أنّ عدد السوريين من المواطنين الأتراك يقترب من 238 ألفاً.

وقال: “بدءاً من نوفمبر/تشرين الثاني، أصبح عدد السوريين الذين مُنحوا الجنسية التركية 237,995، وعدد البالغ عمرهم أكثر من 18 عاماً من بينهم وصل إلى 156,987”.

هل تمنح مساعات مالية للسوريين؟

يمكن للسوريين الاستفادة من مساعدات مختلفة عبر مؤسسات عامة ومنظمات.

وأهمّها برنامج مساعدة التماسك الاجتماعي (أس يو واي)، وهو برنامج مساعدات نقدية متعدد الأغراض.

وتُقدّم المساعدة في نطاق هذا البرنامج المموّل من الاتحاد الأوروبي من خلال منصة “كزيلايكارت”، بالتعاون مع وزارة الأسرة والخدمات الاجتماعية والهلال الأحمر التركي.

وبحسب بيانات الهلال الأحمر الصادرة في مايو/أيار، يستفيد مليون و206 آلاف و179 أجنبياً في تركيا من برنامج “شبكة الطوارئ للأمان الاجتماعي” التابع للمفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة، أغلبية هؤلاء من السوريين.

وتُمنح العائلات المؤهلة للحصول على مساعدة، بطاقة من الهلال الأحمر عبر مصرف “هالك بنك” و500 ليرة تركية شهرياً لكل فرد مسجّل من العائلة، وذلك في إطار برنامج التماسك الاجتماعي.

هذا لا يعني أنّ البرنامج مموّل من الهلال الأحمر.

إذ أن البرنامج مموّل من منظمة الحماية المدنية ووحدة عمليات المساعدة الإنسانية التابعتين للاتحاد الأوروبي.

وتحمل بطاقات الهلال الأحمر العلم التركي وعلم الاتحاد الأوروبي.

وتعرّف “المساعدة التكميلية للتأقلم الاجتماعي” المموّلة أيضاً من الاتحاد الأوروبي على أنها “مشروع دعم قائم على النقد، تم إعداده لضمان تلبية الاحتياجات الأساسية للأفراد الأكثر ضعفاً، والذين لا يمكنهم أن يكونوا جزءاً من القوى العاملة، وتلبية احتياجاتهم الأساسية بطريقة كريمة”.

وبحسب بيانات موقع الهلال الأحمر، يستفيد 376,020 شخصاً من مساعدات نقدية منتظمة في نطاق هذا المشروع.

ويمكن للعائلات السورية التي لديها أطفال في سن الدراسة وذات موارد مالية محدودة، أن تستفيد أيضاً من برنامج “المساعدة التعليمية المشروطة للأجانب”.

وتمنح الأموال في إطار هذا البرنامج لضمان حضور منتظم للأطفال الذين يمكنهم الذهاب إلى المدرسة.

وينفّذ هذا المشروع بالتعاون بين وحدة عمليات المساعدة الإنسانية التابع للأمم المتحدة (إيكو) ومكتب الإحصاء الأمريكي للاجئين والهجرة، بتمويل من الحكومة النروجية ومنظمة اليونيسف.

وهناك مشروع تعاون بين الاتحاد الأوروبي ووزارة الأسرة والخدمات الاجتماعية ووزارة التعليم الوطني والهلال الأحمر.

ويُمنح المال للعائلات التي تعيش خارج المخيمات في إطار برنامج “المساعدة التعليمية المشروطة للأجانب”، لحضور أولادهم في المدارس بشكل منتظم.

ويقدّم المشروع 100 ليرة تركية في الشهر للفتيات، و90 ليرة للفتيان من صفوف الحضانة إلى الصف الثامن، ويرتفع المبلغ للطلاب في المدارس الثانوية، فتمنح الفتيات 150 ليرة تركية والفتيان 130 ليرة تركية شهرياً.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن لمؤسسات عامة مختلفة ولحكومات محلية تقييم طلبات مساعدة ودعم السوريين.

ما هو عدد السوريين الذين يملكون ترخيص مزاولة عمل؟

توجد تقارير سنوية تحت اسم إحصائيات تصاريح العمل الأجنبية، على الموقع الإلكتروني لوزارة العمل والضمان الاجتماعي.

أحدث هذه التقارير نُشرت في 2023، وتفيد بمنح 108،520 سورياً تراخيص عمل.

ويُعتقد أن نسبة كبيرة من السوريين في تركيا يعملون دون ترخيص.

رسمياً، يجب أن يملك السوريون تصريح عمل، للعمل في تركيا.

وتقدّم طلبات الحصول على ترخيص عمل من قبل أصحاب العمل إلى وزارة العمل والضمان الاجتماعي.

ويحب على صاحب العمل أن يدفع مبلغاً من المال مقابل ترخيص العمل، وبعد عملية التوظيف، يتقاضى العامل – على الأقلّ – الحدّ الأدنى للأجور.

إذا حصل العامل السوري على تصريح عمل من قبل الوزارة، فإن هذا التصريح صالح في المحافظات التي يسمح للعامل الإقامة فيها بقرار وضع الحماية المؤقتة.

بالنسبة للعمل الزراعي الموسمي أو تربية الحيوانات، يمكن الحصول استثنائياً على تصريح العمل عند تقديم الطلب.

ويجب الحصول على إذن مسبق من وزارة الصحة بالنسبة للعاملين في مجال الرعاية الصحية، ومن وزارة التربية الوطنية أو رئاسة مجلس التعليم العالي بالنسبة للعاملين في قطاع التعليم.

وهناك بعض المهن في تركيا، بما في ذلك المحامين والصيادلة وأطباء الأسنان، محظورة على الأجانب، وتنطبق هذه القاعدة أيضاً على السوريين.

هل يستطيع السوريون الاقتراع؟

لا يحق للسوريين الحاصلين على وضع الحماية المؤقتة أن يشاركوا في التصويت.

ويحق للسوريين الحاصلين على الجنسية التصويت.

وصرّح وزير الداخلية التركي علي يرليكايا أن عدد السوريين الذين حصلوا على الجنسية التركية وأتموا 18 عاماً بلغ 156 آلاف و987 بتاريخ 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2023.

كم عدد السوريين الذين عادوا إلى بلادهم؟

ينشر مسؤولو وزارة الداخلية التركية من وقت لآخر، بيانات خاصة بالسوريين العائدين إلى بلادهم.

آخر تصريح من هذا القبيل جاء على لسان وزير الداخلية التركي علي يرليكايا في 13 يونيو/حزيران 2024.

وأعلن الوزير أنّ عدد السوريين الذين عادوا إلى بلادهم العام الماضي بلغ 103,045 شخصاً.

وقال أيضًا إن العدد الإجمالي للأشخاص الذين عادوا بين عامي 2016 و 2024 بلغ 658,463 شخصاً.

———————–

هل تقف تركيا وراء تأجيل الانتخابات البلدية في شمال شرقي سوريا؟/ هيفار حسن

13 يونيو/ حزيران 2024

بهدوء مر الحادي عشر من يونيو / حزيران الذي كان مقررا لإجراء الانتخابات البلدية في شمال شرقي سوريا، إذ قررت الإدارة الذاتية (الجناح المدني لقوات سوريا الديمقراطية)، تأجيل هذه الانتخابات إلى أغسطس/آب المقبل، بعد تهديد أنقرة بشن هجوم عسكري جديد على المنطقة وعدم صدور أي موقف مشجع من واشنطن الداعمة الرئيسية لقوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد من جهة أخرى.

لكن المفوضية العليا للانتخابات في شمال شرقي سوريا قالت في بيان صادر عنها: “إن قرار التأجيل جاء استجابة لمطالب تحالفات سياسية مشاركة في العملية الانتخابية، وحرصاً على تنفيذ العملية الانتخابية بشكل ديمقراطي”.

وأُجِّلت هذه الانتخابات مرتين، إذ كانت مقررة في نهاية شهر مايو الماضي قبل أن تؤجل إلى 11 يونيو الجاري ثم جرى تأجيلها مرة أخرى إلى أغسطس المقبل.

وازدادت مخاوف أنقرة إلى درجة أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، هدد بهجوم عسكري إذا مضت الإدارة قدماً في إجراء الانتخابات.

ومنذ هزيمة تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية التي كانت تسيطر على مساحات شاسعة في شمال شرقي البلاد، وطردها من آخر معاقلها في قرية الباغوز بدير الزور في عام 2019، باتت الإدارة الذاتية، التي تضم أكرادا وعربا وسريانا وغيرهم من قوميات، تسيطر على ما يقرب من ثلث الأراضي السورية، وتدير شؤون سكانها المحلية.

—————————-

أردوغان: لا ينبغي لأحد أن ينزعج من بناء مستقبل جديد لسوريا

قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الجمعة، إنه لا ينبغي لأحد أن ينزعج من بناء مستقبل جديد وموحد لسوريا.

جاء ذلك خلال إجابته على أسئلة الصحفيين على متن طائرته أثناء العودة من العاصمة الأمريكية واشنطن، عقب مشاركته في قمة حلف شمال الأطلسي (ناتو).

وحول سؤال يتعلق بلقاء (رئيس النظام السوري) بشار الأسد، قال أردوغان أن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان “يقوم حاليا بتحديد خارطة الطريق من خلال محادثاته مع نظرائه وبناء على ذلك سنتخذ الخطوة اللازمة إن شاء الله”.

وأضاف “نعتقد أن السلام العادل ممكن في سوريا، ونعرب في كل فرصة عن أن سلامة الأراضي السورية في مصلحتنا أيضا”.

وأوضح أردوغان، أن “تركيا أكثر من ستستفيد من السلام العادل في سوريا”.

وأشار إلى أن “الخطوة الأكثر أهمية في عملية بناء السلام بدء حقبة جديدة مع سوريا”.

وأردف “تطورت هذه العملية في اتجاه إيجابي حتى الآن، وآمل أن نتخذ خطوات ملموسة قريبا”.

وتابع “يجب على الولايات المتحدة وإيران أن تكونا سعيدتين بهذه التطورات الإيجابية وتدعما العملية الرامية إلى إنهاء كل المعاناة (في سوريا)”.

وأشار أردوغان، إلى أن تركيا “تبذل جهودا منذ سنوات لإطفاء الحريق المندلع لدى جارتها (سوريا)، وأهم ما نتطلع إليه هو ألا ينزعج أحد من المناخ الذي سيتيح لسوريا بناء مستقبل جديد وموحد”.

وأكد أن “التنظيمات الإرهابية ستبذل حتما قصارى جهدها لتسميم هذا المسار، وستخطط لاستفزازات وإحاكة الألاعيب ولكننا ندرك كل ذلك جيدا ومستعدون لمواجهتها”.

وأضاف “نريد السلام في سوريا وننتظر من كل من يدعم السلام أن يدعم دعوتنا التاريخية هذه

“.

————————–

===================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى