نقد ومقالات

مقاهي دمشق المندثرة والصاعدة: الأشخاص يصنعون الأماكن/ سوزان المحمود

الخميس 2024/12/05

يذكر محمد م.الأرناؤوط في كتابه “من التاريخ الثقافي للقهوة والمقاهي”، أن أوائل المقاهي في العالم كانت في مكة ودمشق والقاهرة ثم إسطنبول، وانتقلت منها الى أوروبا يقول: “ففي مكة، التي انطلقت منها الشرارة الأولى في 917هـ/1511م، استمر العلماء ما بين معارض ومؤيد للقهوة بل إنه تعمق أكثر من خلال النتاج الفقهي/الأدبي”(ص20).

لكن بيوت القهوة عرفت في دمشق منذ القرن الـ16 الميلادي. يروي لنا المؤرخ الدمشقي ابن طولون (توفي 953هـ/1545م) أول معلومة عن شرب القهوة في دمشق بمناسبة زيارة قاضي مكة وشيخ الحرم ابن الضياء (توفي 942هـ/1534م) لدمشق وإقامته فيها فترة من الزمن. فقد ذكر ابن طولون أن ابن الضياء ذهب عند الشيخ علي الكيزواني لسماع المولد النبوي وشرب مع الجماعة “القهوة المتخذة من البن”، ويعلق على ذلك بالقول: “ولا أعلم أنها شُربت في بلدنا قبل ذلك”. والأهم من هذا حديث ابن طولون عن الشيخ علي بن محمد بن عراق نفسه، الذي جاء دمشق أيضاً في سنة 947هـ/1539م، و”أشهَر شرب القهوة فاقتدى به الناس وكثرت يومئذ حوانيتها”.

عندما تتحدث عن المقاهي في دمشق كأنك تنكأ جرحاً قديماً، يُذكِرُ بحياةٍ ماضية دافئة مُفتقدة، فالمقاهي، ونتحدث هنا عن المقاهي الثقافية، أحد أهم الفضاءات العامة التي صودرت من السوريين وضيوفهم بطريقة أو بأخرى. في مقاهي دمشق وحاناتها، اجتمع خليطٌ عجيب من المثقفين والفنانين والكتاب والمسرحيين والسينمائيين والسياسيين والموسيقيين، والناس العاديين، من مختلف أطياف المجتمع السوري وإثنياته، ومن ضيوفه المنفيين من بلدان مجاورة أو بعيدة أتت بهم ظروف مختلفة في فترات تاريخية محددة وأبقاهم حبهم لدمشق، كانت في أوج ازدهارها في فترة الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، لكن أفولها بدأ بأفول وانسحاب معظم الناس من الحياة العامة في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات. أحد أسباب هذا الأفول هو الحوادث الأمنية، والتضييق على المنتديات وعلى الفضاء العام المدني، والتضييق السياسي على حريات الناس، ثم المد الإسلامي المحافظ على المجتمع الدمشقي، كما حدث في معظم المدن العربية في التسعينيات، وبيع وشراء معظم هذه المقاهي وتحويلها إلى نشاط آخر. ثم تدهور الظروف الاقتصادية، وسفر عدد كبير من مرتاديها إلى الخارج قبل الحرب وبعدها، ورغم قِدَم ظاهرة المقاهي في دمشق، مثلاً “النوفرة” الموجودة منذ 500 عام، و”الفاروق” و”الحجاز” والمقاهي الواقعة على ضفاف نهر بردى وغيرها من المقاهي الشعبية، إلا أن المقاهي التي كانت تقدم نشاطاً ثقافياً وفنياً، وكانت نقطة لقاء لمثقفي وفناني البلاد، كانت معدودة. نحاور عدداً من مرتاديها، ويأخذ الحديث هنا صفة الذكريات، لأن معظم هذه المقاهي أُغلق أو تغير طابعه وتحول إلى محال تجارية، وربما كان أحد أشهر هذه المقاهي مقهى “لاتيرنا”.

تقول الأستاذة الجامعية والكاتبة والمخرجة المسرحية، والمديرة العامة السابقة لأوبرا دمشق والأمينة العامة لاحتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008، حنان قصاب حسن لـ”المدن”، متذكرةً: “أن ملكية مقهى “لاتيرنا” تعود لعمها برهان قصاب حسن وليس لوالدها كما يعتقد البعض، وبحُكم تواجد منزل عائلتها ووالدها المحامي والشاعر والرسام نجاة قصاب حسن، فوق المقهى، كانا موجودَين دائماً في المقهى لاستقبال المثقفين والفنانين وجميع مرتادي المقهى الذي افتتحه عمها في سبعينيات القرن العشرين، كنقطة لقاء للمبدعين والمثقفين، وبقي حتى بداية التسعينيات ربما حتى 1988، ثم باعه”. وتتابع: “كانت في المقهى مكتبة مهمة، ومطعم يقدم أطعمة جيدة جداً لمرتاديه، أيضاً بحرة صغيرة فيها سمك، وكان عمها يقول للموجودين أن من يستطيع إمساك سمكة يمكنه أن يشويها له ويقدمها كوجبة مجانية في جوٍ من المرح والبهجة، ومِمّن كانوا يصطادون السمك من مرتادي المقهى، الرسام فاتح المدرس وصديقه القاص سعيد حورانية، كان جميع المثقفين في البلد من كتّاب وفنانين يسهرون في المقهى، وكان الأستاذ برهان بخاري مسؤولاً إدارياً في المقهى حيث تقام معارض لوحات وسهرات أدبية وشعرية. وكان أبي يكتب معارضات شعرية لأهم الشعراء مثل نزار قباني وغيره. كان الهدف من المقهى هو لقاء المثقفين. تحوّل اسم المقهى إلى “القنديل” عندما صدر مرسوم بتعريب جميع أسماء المحال في دمشق، وكانت تصدر عن المقهى مجلة تكتب بخط اليد تسمى “القنديل” وتنشر المعارضات الشعرية والرسوم الكاريكاتورية. انتقل معظم رواد “لاتيرنا” إلى مقهى “فندق الشام” و”الهافانا” بعدما البيع، وانتقلت عائلتي من الحي بعد وفاة أبي وعمي”.

تضيف قصاب حسن أن من رواد “لاتيرنا” عبد السلام العجيلي، وصافي النجفي، والجواهري، وعثمان عائدي الذي عارضه والدي بقصيدة مع رسم كاركاتوري له، وعن المقاهي الأقدم في دمشق تذكر أنها نشطت منذ الأربعينيات والخمسينيات، منها مقهى البرازيل والهافانا والروضة التي حاولت أثناء توليها أمانة دمشق عاصمة للثقافة العربية 2008 إحياءها من خلال “نادي الذاكرة” في الروضة، حيث كان المقهى يستضيف كل يوم اثنين شخصية دمشقية مهمة مثل الأب زحلاوي والأديبة كوليت خوري وغيرهم كثر. ومن الصحف الصادرة عن المقاهي، تذكر جريدة “الكلب” التي كان رئيس تحريرها صدقي إسماعيل، وكان يحررها في مقهى “الهافانا”. وتقول قصاب حسن إن والدها يذكر مقاهي دمشق في كتبه، وتتذكر: “حضرنا حرب 1973 في المقهى مع الناس”.

ويخبرنا الصحافي والقاص والروائي والباحث في المجتمع المدني، وائل السواح، عن علاقته بمقاهي دمشق، وهو مقيم منذ سنوات طويلة في الولايات المتحدة الأميركية: “علاقتي بالمقاهي قديمة وعميقة. أحب المقاهي بكل أنواعها، لكن عشقي هو المقاهي الصغيرة المنعزلة. قهوتي المفضلة كانت قهوة “القباقبية”، التي تتكئ على كتف الدرج قبالة الباب الشرقي لجامع بني أمية الكبير والمفضي إلى العمارة. أخذ المقهى اسمه من سوق القباقبية المشهور، لكن الدمشقيين أعطوه اسما ظريفاً: “قهوة خبيني”. ويقال إن التسمية تعود إلى العهد العثماني حين كان المقهى يؤوي الشبان الفارين من التجنيد الإجباري لسفر برلك. أحب في المقهى أصالته، فحتى قبيل مغادرتي دمشق، كانت أركيلة المعسل تقابل باستهجان الرواد. والرواد أنفسهم لا يتغيرون، معظمهم من أهل الحي. وهم يعرفون بعضهم البعض بالأسماء ويتسامرون بهدوء، ونادراً ما كنت تسمع قهقهة عالية في المقهى. باختصار، يقف مقهى خبيني على النقيض من قهوة النوفرة التجارية، السياحية، والبازارية بكل المعاني”.

يكمل السواح: “من مقاهيّ المفضلة كان “هافانا” القديم، قبل أن تشوهه وزارة السياحة بتحديث القبيح، ومقهى الحجاز، ومقهى نسيت اسمه كان بجوار مقهى الكمال الصيفي الحالي، وكنت ألجأ إليه في عصريات أيام الصيف فأجد فيه برودة منعشة وضيافة كريمة. وأخيراً كان قبالة الفرنسيسكان مقهى اسمه “الإيتوال”، وكان يستقبل علي خلقي، ومظفر النواب، وعلي الجندي، وممدوح عدوان، وزكريا تامر، ومصطفى البدوي، ونزيه أبو عفش، وفاتح المدرس، وفايز خضور، وسعد يكن، ودعد حداد، وليلى نصير”.

ويقول د.حازم كمال الدين لـ”المدن”، وهو كاتب ومخرج مسرحي وروائي عراقي مقيم في بلجيكا، وكان قد أقام في دمشق في الثمانينات قبل أن يخرج إلى بيروت، ثم إلى أوروبا: “سكنت دمشق لخمس سنوات. طريقنا نحن المنفيين العراقيين يبدأ من البيت إلى العمل ومن هناك إلى المقاهي والبارات والمسارح لينتهي بالعودة إلى المنزل. ومثلما ظلت منازلنا تتغير على فترات متقاربة، ما فتئت المقاهي تتغير أيضاً. وتغير المقاهي نابع من غياب بعض رواد المقهى الفلاني، أو نظراً لخلافات سياسية تدب بين هذا الأديب وذاك الفنان، أو بين هذا التيار السياسي وذاك. حسن النهر، الجليس الدائم في مقهى الروضة، يتحلق حوله اليسار العراقي البديل. في المقهى نفسه، الشاعر الهجّاء وليد جمعة، يستأثر بمنضدة عليها لعبة طاولة الزهر، وهي طاولة صاخبة يدب الصياح فوقها ما أن يخسر أحدهم اللعبة، وتتخللها أحياناً قصيدة هجاء جديدة لوليد جمعة يتناول فيها أحد قادة المعارضة العراقية وينتشر صداها في الحال في بقية المقاهي. في المقهى نفسه، مناضل عراقي اسمه أبو حالوب، وأبو حالوب هو دائرة البريد ودليل السائح والتائه، ونشرة الأخبار السياسية والاجتماعية والثقافية ودوائر النميمة والمكائد. مقهى الكمال بالقرب من مجلة الحياة السينمائية، يرتادها الشاعر شاكر السماوي ويتحلق حوله مريدوه وأصدقاؤه. إذا ما أضاع أحد خبراً، يجده بحوزة شاكر السماوي. في مقهى الهافانا، أسفل الشارع، يجلس مظفر النواب، ويزوره هادي العلوي بعد القيلولة. كان مظفر يكتب قصائده على ورق بحروف صغيرة جداً لا تكاد تستطيع قراءتها. وكانت اللازمة دائماً أن يقرأ مظفر بهدوء شبيه بصغر حروفه، وعندما ينتهي، يضج الحاضرون بالصخب، على النقيض من صوته الهامس. القصائد نفسها يصدح بها مظفر النواب عندما يرتقي خشبة المسرح، في موقف مناقض لقراءته السابقة في المقهى. لاحقاً انتقل مظفر إلى مقهى فندق الشام، وباتت صعبة علينا زيارته بشكل يومي، فسعر القهوة والشاي كان ثقيلاً علينا، إضافة إلى أننا كنا نفضل أن نشتري عَرَق “الريان” أو “الميماس” لنحتسيه في المنازل بدلاً من دفع أسعار خيالية للقهوة في ذلك الفندق. إذا صحت تسمية المقهى على لاتيرنا وبار الريس وفريدي، فتلك كانت محطات اللقاءات أيضاً”.

ويقول الكاتب والمترجم العراقي، حربي عبدالله، المقيم في دمشق منذ 35عاماً لـ”المدن”: “كان أحد المقاهي المشهورة جدا مقهى “فريدي” لصاحبه جوزيف فرزلي، وهو موجود منذ الخمسينيات، وبقي مفتوحاً حتى بداية التسعينيات، جلس فيه عدد كبير من المثقفين والفنانين والكتّاب والناس العاديين، مثل برهان بخاري الصحافي، والكاتب الموريتاني المعروف الذي كان يكتب في صحيفة تشرين، وكان لديه مشروع بحثي عن تقريب المذاهب. إضافة إلى عزمي موره للي، وهو كاتب وشاعر سوري يكتب بالفرنسية وترجمت له مجموعة شعرية عن الفرنسية، والفنان التشكيلي الفلسطيني المعروف مصطفى الحلاج، وممدوح عدوان، وعادل حديدي، والشاعر والناقد السينمائي بندر عبد الحميد، وسعدي يوسف، حتى صدام حسين كان يجلس فيها! وكان مالكها يقول لنا أن صاحبكم هرب وعليه حساب، أيضاً كان هناك شيخ العتالين أبو كامل، وهو من كان يحمل بيانو المايسترو صلحي الوادي، مؤسس المعهد العالي للموسيقى بدمشق، والذي لم يكن يثق في أحد سواه لحمل آلته”.

بينما يقول الشاعر خليل درويش لـ”المدن” متذكراً: “كنا نجلس في مطعم الديرية والذي أصبح اسمه الرجاء، أمام مدرسة اللاييك، في أول شارع بغداد، اعتقد أن الأشخاص الموجودين في المكان هم من يخلقون الحالة في هذا الفضاء، مثلاً كل مثقفي البلد كانوا يجلسون في “لاتيرنا” حيث مكتبة جميلة وكان يمكن للشخص أن يجلس ويقرأ ويكتب مقاله ثم يدخل إلى الصالون ليجلس مع الآخرين ويتداول معهم أطراف الحديث، مكان جميل جداً، وجدرانه كانت معرض لوحات لأهم الفنانين السوريين مثل فاتح المدرس، ونذير نبعة، وسعد يكن، ومصطفى الحلاج، كانت هناك متعة بصرية في المكان”. ويتابع: “أيضاً كنا نجلس في نادي العمال، ونادي الرواق بالعفيف بجانب السفارة الفرنسية، ومطعم “الريس” بساحة يوسف العظمة، وهو من أقدم مطاعم الشام، وموجود في الخريطة السياحية من أيام فرنسا وكان اسمه “النورماندي”، وكان هناك بار وهو أقرب للشعبي وخمارة اسمها “فريدي” في شارع العابد لكن اللافت أن هذه المقاهي أغلقت جميعها، كما أن المثقفين الذين تسمعين بهم جميعاً كانوا يجتمعون فيها منهم مصطفى الحلاج، علي الجندي، عدنان قره جولي، حكيم مرزوقي، محمد ملص، يوسف عبدلكي، ولقمان ديريكي وعادل محمود، وممثلين وفنانين، والخريجين الأوائل من المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق جميعهم، أيمن زيدان، نضال سيجري، غسان مسعود، وغيرهم”. وعن الشاعر محمد الماغوط يقول إنه كان يفضل المقاهي مثل مقهى أبو شفيق، على طريق الربوة على ضفاف نهر بردى، ثم انتقل إلى مقهى فندق الشام.

ويتذكر درويش: “أيضاً كان هناك ملتقى “بيت القصيد” الذي يديره الشاعر لقمان ديريكي وكان يقام أولاً في قبو “محترف النحات مصطفى علي” في حي الأمين ثم انتقل إلى مقهى “القصيدة الدمشقية”، ثم إلى مقهى فندق “برج الفردوس” بإدارة ورعاية السيدة رولا الركبي”.

وفي أيام الحرب العصيبة، بعدما أغلق معظم المقاهي، قام الكاتب والفنان ومصمم الأزياء للمسلسلات التلفزيونية، حكمت داوود، باستثمار مقهى “القصيدة الدمشقية” خلال سنوات معاناة دمشق القديمة من سقوط القذائف ما بين 2014-2017. يقول لـ”المدن”: “حاولت أن اتجه في المقهى للطبقة الوسطى، وجعله نقطة التقاء للمثقفين والفنانين والطلبة، قدم المقهى معارض لفنانين شباب (23 فناناً) وقراءات وتوقيعات كتب لكتّاب معروفين مثل القاص هاني نديم، والروائي خليل صويلح، ولجدد مثل الشاعر قصي زهر الدين، حتى أننا أقمنا ورشات عمل ومعارض لأطفال يعانون التوحد، وأقمنا حفلات موسيقية ومحاضرات علمية لاقت إقبالاً في المقهى، للجمعية الكونية السورية وللأستاذ فايز فوق العادة، وقمنا بمبادرات عديدة منها “فنجان القهوة المعلق” أو “وجبة معلقة” حيث يقوم أشخاص بدفع ثمن فنجان قهوة أو وجبة طعام، لشخص غير قادر على ذلك، خصوصاً طلاب الجامعات، ومنها بطاقات دعوة تقدم سهرة كهدية لأصدقاء عبر الكنيسة، أو غيرها، لتتمكن بعض الأسر من السهر خارج المنزل في الظروف الصعبة”. وكان حكمت داوود قد استثمر مقهى سابقاً يدعى “شام محل” مواجه حي الأمين وأقام فيه الفعاليات نفسها.

ومن الجيل التالي من مرتادي المقاهي، يقول الناشط الثقافي بولص حلاق: “نحن لم نعاصر إلا أواخر هذه المقاهي، كنا نجلس أنا وصديقي خالد خليفة (الروائي السوري الذي رحل باكراً وصاحب “الموت عمل شاق”) في لاتيرنا، ثم انتقلنا إلى مقاهٍ أخرى، منها “ستوريز” في منطقة القصاع باب توما، والتي يديرها صديقانا سليمان عوكان وفراس الشهابي. كان الاسم القديم للمكان “مطعم الهاني”، وأذكر أن المقهى أغلق يوم سبت، لكن صديقنا فراس اتصل بنا يوم الجمعة، وكان خالد عندنا في البيت أنا وزوجتي، وطلب منا أن نزور المقهى لنشرب آخر كأس قبل الإغلاق النهائي. لكن خالد رفض طلبه لأنه لا يحب الوداع، وتوفي يوم السبت في يوم إغلاق المقهى. وداعان. يخطر لي أنها نهاية قصة خالد ومقهى ستوريز الذي جمع المثقفين مع الناس في أجواء حميمية. أيضاً كان خالد يكتب في “بيدجز” وأصبح اسمها “قهوة مظبوطة”، ويجلس فيها اليوم عدد من الكتاب والمثقفين، منهم المخرج المسرحي أسامة غنم، والمسرحية ديمة أباظة، وطلاب الجامعات ومعاهد الفنون العليا وآخرون، وكان عدد كبير من المثقفين والكتاب يجلسون في مقهى الروضة ومنهم الشاعر أكرم قطريب والشاعر والمترجم أسامة إسبر، وما زال عدد قليل من المثقفين والكتّاب يرتاده إلى اليوم، ومنهم الروائي خليل صويلح، والصحافي والروائي يعرب العيسى صاحب رواية “المئذنة البيضاء”، وآخرون. وما زال مقهى الروضة يستقبل أنشطة ثقافية في أوقات متباعدة، وآخرها أمسية يوم الأربعاء 27/11 مع الكاتبة الدرامية المعروفة يم مشهدي (كاتبة سيناريو “تخت شرقي” و”قلم حمرا”) التي تحلّق حولها عدد كبير من محبي مسلسلاتها ومن المهتمين بالدراما والسيناريو، بمبادرة من فريق سند الشبابي.

اليوم تنتشر مقاهي الدراسة، وهي أماكن معدة للطلاب تحديداً بسبب الظروف القاسية للأسر السورية، في ظل انقطاع الكهرباء الطويل وانقطاع الانترنت، والبرد في الشتاء والحر في الصيف، لأن المحروقات غير متوافرة في البلاد. يلجأ الطلاب إلى هذه الأماكن التي توفر الكهرباء والتدفئة والانترنت، وبدأت تنتشر في دمشق بمبادرات اجتماعية أو كنَسية، مقابل أجور رمزية للدخول، نجدها في باب توما وجرمانا، وغيرها.

ما زالت أجواء المقاهي القديمة، بحيويتها ودفئها وقيمتها الاجتماعية والفكرية وقاماتها، مُفتَقدة. فإذا كان الأشخاص هم مَن يصنعون فضاء المكان بتفاعلهم معه ومع بعضهم البعض، فهل يمكن أن تعود هذه المقاهي من جديد، وتأخذ دورها القديم كمنصات للتنوير والثقافة وللدفء الاجتماعي؟

المدن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى