نائب رئيس البرلمان اللبناني السابق إيلي الفرزلي: ما جرى في سوريا أسقط “الدور الإقليمي” لسلاح “حزب الله” وأمامنا فرصة لبناء الدولة
ن
حاورته: رلى موفّق
15 كانون الأول 2024
يرى نائب رئيس مجلس النواب اللبناني السابق إيلي الفرزلي أن ما جرى في سوريا تحديداً قد أصاب “الدور الإقليمي” لسلاح “حزب الله” بنكسة استراتيجية، فلولا ذلك، لكان بإمكان هذا السلاح أن يستمر بوظيفته الإقليمية بصورة طبيعية. ويعتبر ابن البقاع الغربي، المنطقة المحاذية لسوريا، أن الأمور كما تطورت في بلاد الشام كان طبيعياً لها أن تنتهي على شاكلة ما حصل بسقوط بشار الأسد. فمع العوامل الجيوبوليتيكية التي دخلت على سوريا، وفي ظل الواقع الداخلي، لم يكن ممكناً استمرار الوضع إلى ما شاء الله. ويقول: علينا أن نُسلّم بمنطق أن حكم الأقليات للأكثريات قد سقط في العراق وسوريا ولبنان. ويعتقد كما الكثير من المراقبين بأنه لا يزال من المبكر الحكم على تطوُّر المشهد السوري، لكن المؤشرات في الكلام المعلن (من القيّمين الجُدد) لا بأس بها، وكذلك التعاطي مع مكونات الشعب السوري حتى الآن.
يحترف الفرزلي فن السياسة، صناعة وتسويقاً وإخراجاً. تراه إن سقط يسعى للنهوض مجدداً. اليوم، يعمل بقوة على حبك الخيوط بين رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي يُمسك – من خلال موقعه – بمفتاح المجلس النيابي، وبين رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع بوصفه يمثل الأكثرية الشرعية والشعبية للبيئة المسيحية. أما الهدف، فهو تأمين “وفاق وطني” حول رئيس الجمهورية، حيث تتجه الأنظار إلى 9 كانون الثاني/يناير 2005، موعد جلسة الانتخاب التي حددها بري بعد وقف إطلاق النار بين “حزب الله” وإسرائيل. وويؤكد أنه لا بدَّ لأركان الزعماء الأوسع تمثيلاً بين المكونات اللبنانية من التوصل إلى هذا الوفاق الوطني، فخلاف ذلك سيؤدي إلى مزيد من الانقسامات العمودية ولن يُسهم في تحصين البلاد.
كان الفرزلي يرى وجوب الذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرة تعكس إرادة الشعب اللبناني بعد التغييرات الكبرى التي شهدتها المنطقة ولا سيما في لبنان وسوريا. ويعتبر أن الطريق الوحيد لواقع لبنان راهناً هو ذهاب الجميع بقوة باتجاه الدولة ومنطقها وتقويتها والانضواء تحت لوائها لكي تستطيع القيام بدورها بالدفاع عن أبنائها تجاه كل المتغيرات التي قد تقع، وإلا فإن الانعكاسات ستكون في غاية السلبية على البيئة السياسية اللبنانية ومكوناتها كافة، وعلى فكرة وحدة لبنان الأرض والشعب والمؤسسات. وهنا نص الحوار:
■ كيف تقرأ التحوّلات التي تشهدها المنطقة؟
■ بالإمكان القول إن هذه التحولات هي انقلابات عميقة وخطيرة وذات طابع استراتيجي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، في ظل ما يجري من مخطط متعلّق بإقامة نظام جديد في المنطقة، ومعطيات وقيم جديدة تتناول كل مفاهيم الحياة التي قامت عليها المنطقة منذ العام 1948 وحتى اليوم وتنقضها نقضاً كاملاً، إن على مستوى الوحدة أو على مستوى نظام القيم السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وبالتالي هذه الانقلابات أو هذه التحولات، هي تحولات ذات طابع خطير، ويجب أن ننتظر المزيد منها باتجاه دول أخرى تمهيداً لرسم المنطقة وفق منطق مُعيَّن. فهل ستنجح؟ وهل سيبلغ المخططون لما يجري ما ينشدونه منها؟ لا أدري، ولكن هذه هي قوة الدفع التي تسير بهذا الاتجاه.
■ التطورات المتسارعة منذ “طوفان الأقصى” في غزة، مروراً بالحرب بين “حزب الله” وإسرائيل، ووصولاً إلى التحولات في سوريا، لا شك في أنها ستترك آثارها على لبنان، كيف تتوقعها؟
■ لبنان، وخصوصاً مع الواقع السوري الجديد، سيتأثر مباشرة، لأن الأمر ثابت منذ فجر التاريخ حتى يومنا هذا، ويتعلق بالجغرافيا السياسية. فالذي يجري في سوريا يُوثر على لبنان، والذي يجري في لبنان يُؤثر على سوريا. أعتقد أن الذي جرى في سوريا يُثبت أن وظيفة السلاح الإقليمي لم يعد لها أفق، أقله في المستقبل المنظور.
■ ما جرى هو نتيجة طبيعية لما حدث ويحدث في سوريا، أم نتيجة لما سبق أن جرى في لبنان؟
■ لولا الذي جرى في سوريا، أي لو اكتفينا بما جرى في لبنان، لكان بإمكان سلاح “حزب الله”، السلاح المقاوم، أن يستمر بوظيفته الإقليمية بصورة طبيعية، لأن العمق الاستراتيجي لهذا السلاح كان يبدأ من سوريا وينتهي في أماكن أخرى، لكن مع انقطاع حبل هذا التواصل، كما يجري اليوم حتى تاريخه، فإن هذا الأمر سينعكس ويرتد باتجاه لبنان.
■ حبل التواصل يبدأ من سوريا أم من إيران عبر الممر منها إلى العراق فسوريا وصولاً إلى لبنان؟
■ هو يمتد من سوريا إلى العراق فإيران، هذا هو المسار الطبيعي والواضح لتطور هذا الواقع السياسي. وما زاد الطين بلة في مسألة هذا “الممر”، إذا صح التعبير، هو التوسّع الإسرائيلي الذي جرى من جهة الجولان في لحف جبل الشيخ باتجاه الشمال، بحيث سد ثغرة كبيرة في إمكانية التواصل والتحرك السياسي والعسكري والأمني. كما يجب ألا ننسى أن لتركيا – التي لها حدود طولها 800 كيلومتر مع سوريا – دوراً وتأثيراً هائلاً في مسار هذا الحدث.
■ أي سيكون لإقفال الممر انعكاس على الدور الإقليمي لـ”السلاح المقاوم” بحسب وصفك؟
■ لقد أصيب الدور الإقليمي لهذا السلاح بنكسة استراتيجية. الطريق الوحيد لهذا الواقع بالنسبة للبنان هو أن يذهب الجميع بقوة باتجاه الدولة ومنطقها، وبناء الدولة وتقويتها، بكل ما تعني كلمة القوة من معنى، وعلى المستويات كافة، الأمنية والعسكرية والسياسية والدستورية لكي تستطيع هذه الدولة أن تقوم بدورها بالدفاع عن أبنائها تجاه كل المتغيرات التي قد تقع، ولا أدري كيف وأين ستقع. لذلك لا بد للقوى اللبنانية، بطوائفها ومكوناتها السياسية كافة، أن تذهب بقوة باتجاه إحياء منطق الدولة والانضواء تحت لوائها، ولا بديل عن ذلك، وإلا فإن الانعكاسات ستكون في غاية السلبية على البيئة السياسية اللبنانية، لا بل على المكونات اللبنانية كافة، وبالتالي على فكرة وحدة لبنان الأرض والشعب والمؤسسات.
■ ومَن الذي يُعيق عملية بناء الدولة؟
■ حتى هذه اللحظة لم يثبت بالتحديد أن هناك عائقاً رئيسياً. يجب أن نبدأ المسيرة حتى ندرس العقبات بصورة واضحة. أولاً، علينا إعادة بناء المؤسسات، عبر انتخاب رئيس للجمهورية وتأليف حكومة متماسكة تعكس حالة الوفاق الوطني، ويجب أن تذهب هذه الحكومة إلى حوار حقيقي لكي تبت بمسألة السلاح ودوره والعلاقة بينه وبين الدولة، كما يجب تطبيق القرار 1701 تطبيقاً دقيقاً كي نُعيد حالة الاستقرار والوحدة إلى داخل المجتمع اللبناني. وإذا كانت هناك جدية في التفكير على المسؤولين أن يناقشوا فكرة طرحتُها منذ أشهر، والآن تطرح نفسها على الساحة بصورة جدية، وهي أنه في ظل المتغيرات الكبرى التي طرأت على المنطقة، وعلى لبنان وعلى سوريا بالتحديد، يجب أن نعود إلى الشعب، بمعنى إجراء انتخابات نيابية مبكرة تعكس إرادة الشعب اللبناني، فيؤتى بمجلس نيابي جديد ينتخب رئيساً للجمهورية وتُؤلَّف حكومة، وتذهب بالاتجاه الذي تحدثت عنه. أنا أطرح هذه الفكرة لأن هناك علّة في تركيبة هذا المجلس العاجز والمخصي حتى تاريخه، والذي لم يتمكن من انتخاب رئيس للجمهورية منذ فترة طويلة في ظل حكومة مستقيلة.
■ هناك موازين قوى تعطّل انتخاب رئيس للجمهورية… أليس كذلك؟
■ مع كل حدث أو مع كل مرحلة تكون هناك موازين قوى لها تأثيرها على الساحة اللبنانية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. أما التعطيل فلم يكن في مرحلة من المراحل إلا ضمن المسموح به. بمعنى أن انسحاب النواب من الجلسة حق دستوري، وأمر لا تجب مناقشته. أنا معروف بتعصبي للفكرة البرلمانية ولنصوص الدستور واحترامه. يوماً ما قد تحتاج الفئة الأخرى لأن تنسحب من جلسة مجلس النواب لكي تحول دون أن يحقق الطرف الآخر أهدافه إذا لم يكن على خاطرها. الاعتراض على تعطيل الجلسة هو في حقيقة الأمور تعطيل للدستور وللحق المطلق للنائب الذي يتمتع بوكالة غير مقيّدة بأي قيد أو شرط وفقاً للنص الدستوري. أنا أريد العودة إلى رأي الشعب لأعرف اتجاهاته. قد يمنح أفضلية برلمانية ساحقة لمصلحة وجهة نظر معينة.
في إسرائيل، الدولة العدوة، أجروا انتخابات ولم يستطيعوا تأليف حكومة لأنه ينقصها صوت واحد أو صوتان، أجروا 5 انتخابات خلال 4 سنوات لكي ينتجوا أكثرية بصوتين أو ثلاثة لمصلحة حكومة لا تزال تحكم حتى اليوم، بصرف النظر عن رأينا فيها. دستورياً وقانونياً هذا الذي يجري في بلاد تحترم ما يُسمى بالنظام البرلماني الديمقراطي، ولا تنسي أن لبنان أُلبس لباساً برلمانياً في مقدمة الدستور. إذاً فلنذهب إلى إجراء انتخابات نيابية حتى نعرف وجهة نظر الشعب لا لإلغائها. هذا الأمر لا يجوز، هذه وجهة نظر أنا مقتنع بها وعرضتها منذ نحو سبعة أشهر على كبار المسؤولين، وطبعاً لا أحد يستطيع معارضتك عندما تتكلمين بهذا الكلام. البعض منهم تقبَّل هذه الفكرة شرط تغيير قانون الانتخاب الذي جرت على أساسه انتخابات 2022.
■ أنت عرّاب القانون الانتخابي الذي عُرف يومها بـ”القانون الأرثوذكسي” والذي تُرجم إلى حد كبير بالقانون الحالي؟
■ الفارق كبير، ربما كنت مقصِّراً في شرحه، أو أن البعض قد أغلق آذانه لأن مصالحه اقتضت ذلك. “القانون الأرثوذكسي” ينطلق من أن لبنان دائرة واحدة على أساس النسبية، وتنتخب كل طائفة نوابها لمرحلة معينة، لكني أدخلتُ النسبية ضمن الطوائف بهدف تفجيرها من الداخل، وليس لإنتاج كانتونات طائفية. فعندما أُدخل النسبية داخل الطائفة، أكون أعمل على إنتاج تيارات متعددة ضمن كل طائفة، وهذه التيارات أعجز من أن تُؤلّف حكومة، فتذهب للاتفاق مع الطوائف الأخرى حتى تحصل على الأكثرية لإنتاج حكومة. أما القانون الذي تمَّ إنجازه في نهاية الأمر بين جبران باسيل (رئيس التيار الوطني الحر) والدكتور سمير جعجع (رئيس حزب القوات اللبنانية) وتم فرضه على بقية الشرائح، فقد كان هدفه أن تؤمِّن كل طائفة نفسها، أي أن زعماء الطوائف أمَّنوا أنفسهم وجلبوا طواقمهم. وحتى لو أمَّنت هذه الزعامات تمثيل طوائفها، وخصوصاً الطائفة المسيحية، فهو تمثيل جيد في ظاهره ولكنه خطر في مضمونه، لأنه يحمل في طياته في نهاية الأمر مسألة الديكتاتورية داخل الطائفة. أخذوا الأسباب الموجبة الخاصة بـ”القانون الأرثوذكسي” وشوّهوا هذا القانون باتجاه آخر.
■ لكن بمجرد أن تقول إن كل طائفة تنتخب نوابها فأنت تضرب “اتفاق الطائف” والدستور؟
■ على العكس، اتفاق الطائف يتحدث عن المناصفة… (مقاطعة)
■ لا أتكلم عن عدد النواب، وإنما أقصد الكلام عن أن كل طائفة تنتخب نوابها.
■ أنا معك في هذه النقطة، ولكن وضعتها بصورة مرحلية، بمعنى أنه يجب أن نُعيد وضع البلاد وثقافة الناس إلى سكة الاندماج. البلد لم يكن بحالة صحية جيدة، ولم تكن الطوائف مستعدة لأن تخرج من نفسها، هذه الحقيقة ويجب الاعتراف بها. كان يقول شبل دمّوس (نائب أرثوذكسي عن زحلة ساهم في صياغة الدستور اللبناني عام 1926): “إنني أكره الطائفية والطائفيين، ولكن إياكم أن تتجاهلوها لئلا تقعوا فيها فتتمزق الوحدة”.
■ وضعت سابقاً في سلَّم أولويات الرئيس المقبل محاورة “حزب الله” والتفاوض مع سوريا وإعادة إنتاج العلاقات مع دول الخليج ولا سيما السعودية وتطبيق اتفاق الطائف نصاً وروحاً، واعتبرت أن المؤهل لهذا الدور… (مقاطعاً)
■ قلت إن سليمان فرنجية هو المؤهل للعب هذا الدور، وأضفت إلى تلك الأولويات عودة النازحين السوريين، وترسيم الحدود السورية اللبنانية شرقاً وشمالاً، وترسيم الحدود البحرية.
■ وما المطلوب حالياً من رئيس الجمهورية العتيد، ومَن هو المؤهل للعب هذا الدور برأيك؟
■ المتغيرات الكبيرة التي طرأت على الساحتين المحلية والإقليمية تجعل مقاربة الموضوع بصورة أخرى. رأيي الشخصي أن المؤهل في هذه المرحلة هو مرشح الوفاق الوطني الحقيقي. اليوم نحن مجبرون على انتخاب رئيس عبر طريقين، إما إنجاز وفاق وطني يُترجم بانتخاب رئيس بـ86 صوتاً، أو انتخابات برئيس بـ65 صوتاً. لا بديل دستوري عن هذين الطريقين. انتخاب رئيس بـ65 صوتاً، يعني أنه ليس انعكاساً لحالة وفاق وطني حقيقي بين المكونات وبالتالي الانتقال من مشكلة إلى أخرى، ويزيد من الانقسامات العمودية في المجتمع اللبناني، ولا يُحصِّن البلد، ولا يوفر المناعة الوطنية فيه، خاصة في ظل المتغيرات التي طرأت في سوريا. إذاً نحن بحاجة إلى وفاق وطني.
قد تسألين: من هم أطراف الوفاق الوطني؟ أنا أجيب بضرورة أن يكون الذي يمثل الأكثرية الساحقة في البيئة الوطنية في إطار البيئات المختلفة هو الذي يجب أن يكون طرفاً في هذا الوفاق. وسأعطي مثالاً على ذلك: الذي يمثل أكثرية قاعدة البيئة المسيحية حالياً ونوايا المسيحيين شخص اسمه سمير جعجع، لذا يجب أن يكون طرفاً في هذا الوفاق، لأن الطرف الآخر في البيئة المسيحية تحوَّل إلى حالة تكتيكية استطرادية في المجتمع المسيحي، ولم يعد يعكس لا الوجدان ولا الفكر العميق ولا التمثيل الواسع للبيئة المسيحية.
■ سيقول البعض أن كلامك ينطلق من كونك كنت حليفاً للتيار الوطني الحر وانفضيت عنه ومن ثمَّ خسرت الانتخابات النيابية الأخيرة؟
■ إذا كان البعض يريد قراءة كلامي على هذا المنوال فلهم الحرية في ذلك. أنا عندما أيدت مجيء ميشال عون رئيساً للجمهورية كان ذلك لأنه كان يمثّل الأكثرية المسيحية في المجتمع اللبناني، وأنا الذي أنجزت هذه الفكرة.
■ واخترب البلد، هكذا يقول كثر من اللبنانيين؟
■ طبعاً اخترب. لكن هل كنت أعلم بما سيحدث للشخص ولدوره ولطريقته وأسلوبه؟
■ وهل وصفتك لـ”الأقوياء في طوائفهم” ما زالت سارية المفعول؟
■ لا، لم أقصد الأقوياء، هذه الكلمة اخترعتها وسائل الإعلام، أنا قلت: صاحب التمثيل الأوسع، والذي يعكس الفكر الاستراتيجي للطائفة. هناك فرق كبير بين هاتين الكلمتين. يمكن أن يأتي أحد الأفرقاء ويسيطر على طائفته بقوة السلاح ويقول: أنا القوي. ليس هذا ما قصدته.
■ تتحدث عن صاحب التمثيل الأوسع، لنأخذ المسيحيين مثالاً.
■ برأيي لا وفاق وطنياً يتم إلا مع الشخص الذي يأتي بما يُمثّل. تصوَّري أن يذهبوا تحت عُنوان انتخاب رئيس للجمهورية إلى وفاق وطني مع جبران باسيل الذي يأتيك إلى البرلمان بـ13 نائباً تمثيلهم محدود جداً، فيما يبقى تمثيل البيئة المسيحية خارج العملية الوفاقية، بحيث نشهد فوضى إعلامية عن تهميش المسيحيين، ويسير معظم المسيحيين بقناعة أنهم همّشوا، فماذا نكون قد فعلنا بالدولة والنظام؟ وبالطبع هذا ينطبق على البيئة السُّنية، وهل الزعيم السياسي للسُّنة موجود أم لا ومَن يمثلهم؟ هذا الأمر يسري على بقية الطوائف.
■ على افتراض أن هناك حواراً أو تفاهمات لإنتاج وفاق وطني ولانتخاب رئيس يمثل هذا الوفاق، مَن يجب أن يشمل من زعماء الطوائف؟
■ الرئيس نبيه بري ممثلاً لـ”الثنائي الشيعي” أو من يختار أن يمثله، والدكتور سمير جعجع، ودولة الرئيس سعد الحريري ومع من يتفق من قيادات المناطق السُّنية بالنسبة للنواب، ووليد بك جنبلاط، وطبعاً ممثل عن الطائفة الأرمنية الكريمة.
■ سيقول الآخرون أنت تختزل الطوائف؟
■ لهذا السبب قلت لك علينا أن نجري انتخابات نيابية حتى نعرف وجهة نظر الناخبين.
■ في ظل الحديث عن جلسة انتخاب للرئيس في التاسع من كانون الثاني/ يناير 2025، هل ترى أن القيادات السياسية تفكر بانتخابات نيابية مبكرة؟
■ لا أعتقد. أنا أتحدث من الناحية الفكرية والنظرية، أما إذا كانت نية الزعامات وضع خريطة طريق لإجراء الانتخابات النيابية تمهيداً لانتخاب رئيس فهذا أمر جيد جداً. ولكن لا قرار سياسياً في هذا الشأن.
■ باعتقادك هل ستكون جلسة 9 كانون الثاني/يناير مثمرة؟
■ ما أعرفه تماماً أن نيّة رئيس مجلس النواب منصرفة صوب دفع الأمور باتجاه إنتاج رئيس.
■ أنت تتحرك على الخط المسيحي… (مقاطعاً)
■ كل ما في الأمر أنني أخذت مبادرة شخصية مني من دون تكليف من أحد، لا من قريب ولا من بعيد، ونتيجة لإيماني المطلق بالبلد، حاولت من خلالها فتح خط حواري عميق وحقيقي بين الدكتور جعجع والرئيس بري، وأعتقد أنني وُفّقت بهذا الأمر حتى الآن، أما مسألة الأسماء والحوار فأنا لا أتعاطى بها. على ما أعتقد الحوار مستمر ويتم ترتيب الأجواء بما يتلاءم مع متطلبات المرحلة، لكن إلى أين ستصل نتيجة الحوار وهل سينتج اسماً؟ لا معلومات لديّ.
■ ثمة من قرأ بكلام جعجع الأخير إمكانية ترشحه؟
■ قراءتي لكلامه لا تشي بذلك. وهو وجماعته يتمسكون بمبدأ أحقيته بالترشيح، ليس الأحقية القانونية وإنما الأحقية الشرعية التمثيلية، وهو أدرى بكيفية توزع الكتل النيابية، ولا يقوم بتجارب همايونية.
■ اعتبرت سابقاً أن سليمان فرنجية هو المؤهل للقيام بالمهام المطلوبة فهل ما زال في هذه الوضعية بعد التحولات التي شهدناها في لبنان وسوريا؟
■ رأيي الشخصي أن سليمان فرنجية، كابن هذا التراث اللبناني العريق، مؤهل دائماً لهذا المنصب، وإذا وجد من خلال قراءته للتطورات الأخيرة أنه يجب أن تتوفر الفرصة لغيره، فلن يتوانى عن إعلان تبنيه للمرشح الذي يرى أنه جدير بتحمل المسؤولية.
■ البعض قلق من الطروحات التي تشي بفيدرالية مقنَّعة للطوائف، هل تخاف على “اتفاق الطائف”؟
■ أنا مع “اتفاق الطائف” و”وثيقة الوفاق الوطني” نصاً وروحاً ومتعصب له، وأنه لا يجوز اللعب به، لأنك كمن يحاول العبث بالاستقرار بالبلد ليشمل مكونات أخرى. هذا رأيي الشخصي، و”اتفاق الطائف” لا بديل عنه، نصاً وروحاً، ويجب المحافظة عليه وليس تخريبه كما جرى في العهد السابق والبائد الذي خرَّب الاتفاق بشكل كبير.
■ تخريب “اتفاق الطائف” تم في أثناء هيمنة حليفك النظام السوري السابق على البلد، ولأن كل فريق كان ينتقي منه ما يلائمه؟
■ لا، لا، أنا ابن الشرعية اللبنانية وابن الاستقلال اللبناني منذ العام 1943. أهلي كانوا نواباً في مجلس الاستقلال اللبناني سنة 43. أنت تقولين إنني كنت حليفاً للنظام السوري، نعم، لكن هل عليّ أن أكون حليفاً لتطويق زحلة، ولمخطط تهجير المسيحيين من البقاع الغربي لإنشاء الدويلات؟ على مَن كنت سأتكل؟ ومن خلال تحالفي كنت أعمل كرسول للبنان وأسوِّق له. ما أقوله إن “اتفاق الطائف” لم يكن مخرباً، لكن عندما تمَّ التجديد للرئيس إلياس الهراوي تمَّ الاعتداء على الطائف، وعندما تمَّ التجديد للرئيس إميل لحود كان هناك اعتداء على الطائف، ثمَّ جاءت الممارسات الخطيرة، لهذا أقول إنه لم يكن مخرباً وإنما جرى تخريبه.
أما بالنسبة لقولك بأن كل طرف كان يأخذ منه ما يلائمه، هذا معناه أنه تمَّ تخريبه. وأنا مستعد لمحاورة أي شخص في البلد يدعي بفهم الدستور.
■ أنا أوافقك الرأي بأن الطائف وروحيته شيء وتطبيقه كان شيئاً آخر، لكن اليوم، هناك قلق لدى فئة من اللبنانيين، وهؤلاء يقولون إما أن تكون هناك دولة ونكون كلنا سواسية أمام القانون ولا سلاح غير شرعي وإلا سنفض هذه الشراكة الوطنية؟
■ الشق الأول من السؤال صحيح مئة في المئة، لذلك أنا أقول اليوم وأكثر من أي وقت مضى، إنه يجب التفكير بالذهاب إلى مشروع الدولة للحفاظ على وحدة الأرض والشعب والمؤسسات، لنتمكن من الدفاع عن أنفسنا وعن أهلنا في لبنان ضد كل المخاطر التي قد تأتي من الشرق والشمال والجنوب. أما موضوع فك الشراكة فهذا استطراد تكتيكي غايته التهديد من أجل العودة للدولة. الأمور لا تحتاج إلى التعقيد، ننتخب رئيساً ونُشكّل حكومة ويدخلون سوياً بحوار وبنوايا طيبة من كل الأطراف. وسقف الكلام يجب أن يكون تقوية الدولة وسيادة مؤسساتها وتطبيق القرار 1701 وتثبيت حدودنا الجنوبية ولا سيما بعد التطورات الحاصلة.
■ القلق حول الكلام عن تنفيذ الـ1701 جنوب الليطاني وبقاء السلاح شماله… هل ما زالت له وظيفة؟
■ بدأتُ حديثي أنه بعد المتغيرات يجب التفكير فقط وبصورة حتمية وأكيدة بكيفية بناء الدولة والانضواء تحت لوائها والالتزام فيها وتقويتها كي تقوم بالدفاع في وجه كل خطر يأتي إلى لبنان وعن وحدة البلد، معنى كلامي أن كل السلاح وحامل هذا السلاح يجب أن يكون جزءاً من الدولة بجيشه ومؤسساته الأمنية وضروراته.
■ سأختم بالعودة إلى المشهد السوري اليوم، كيف تراه؟ وهل من مخاطر متجددة قد تُحيط بلبنان من جماعات متطرفة كنت تتخوف منها سابقاً؟
■ الكل، الغرب والعرب، تحدثوا سابقاً عن مخاطر الجماعات المتطرفة. اليوم، تبدو المؤشرات في الكلام المعلن لا بأس بها، وكذلك التعاطي مع مكونات الشعب السوري حتى الآن. لكن لا يزال من المبكر الحكم على تطور الواقع.
■ هل كنت تتوقع هذه النهاية لنظام الأسد؟
■ الأمور كما تطورت كان طبيعياً لها أن تنتهي على هذا الشكل. مع العوامل الجيوبوليتيكية التي دخلت على سوريا، وفي ظل الواقع الداخلي، لم يكن ممكناً استمرار الوضع إلى ما شاء الله. وعلينا أن نسلّم بمنطق أن حكم الأقليات للأكثريات قد سقط في العراق وسوريا ولبنان.
القدس العربي