سقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعصفحات الحوار

حوار مع مدير منظمة الطوارئ السورية: نسعى لتحقيق العدالة وملاحقة مجرمي الحرب

أحمد زكريا

10-يناير-2025

تصدرت المقابر الجماعية المكتشفة حديثًا واجهة المشهد في سوريا، إلى جانب السجون السرية والعلنية سيئة الصيت عقب سقوط نظام الأسد السابق.

وكان من بين تلك المقابر الجماعية مقبرة تم اكتشافها في منطقة القطيفة بريف دمشق، وهي واحدة من خمس مقابر جماعية تم تحديدها منذ عدة سنوات عبر الأقمار الصناعية، إضافة إلى مقابر أخرى تم العثور عليها في حمص ودرعا وحلب وريف دمشق.

وحتى الآن ما يزال العثور على مقابر جماعية جديدة مستمرًا، وفي مناطق متفرقة من سوريا، في حين يؤكد ناشطون حقوقيون على أن كل واحدة من هذه المقابر تحكي قصصًا مرعبة تختلف عن غيرها، ومن واجب المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية أن تعمل على توثيق هذه الجرائم لترفع دعاوى ضد مرتكبيها حتى يتم تقديمهم إلى العدالة باسرع وقت ممكن، حسب تعبيرهم.

وفي السياق، تعمل المنظمة السورية للطوارئ، وهي منظمة أميركية غير حكومية، على توثيق هذه الجرائم والضغط لملاحقة مرتكبيها بالتنسيق مع الإدارة الأميركية ومنظمات دولية وأممية مختلفة.

    تهتم الدول بالقوى البشرية لديها لدعم خططها وتنميتها، نرى في سوريا مقابر جماعية تكتشف بالتدريج، ما تأثير ذلك على الدولة السورية؟

بالنسبة للمقابر الجماعية التي تُكتشف كل يوم، والمقابر الجماعية التي عرفنا عنها منذ عام 2021 مثل مقبرة قطيفة وناحية، فإن هذا يُظهر أن مئات الآلاف من السوريين الأبرياء فقدوا حياتهم وتعرضوا للتعذيب حتى الموت، وقُتلوا من قبل النظام وإيران وروسيا، وهذا بالتأكيد له تأثير كبير على الدولة بشكل عام.

موضوع المعتقلين، وموضوع المقابر الجماعية كان من أهم القضايا خلال الثورة، وحتى قبل الثورة كانت الاعتقالات تتم، لذلك تأثيره كبير، ومن المهم جدًا للدولة السورية أن تعرف كيف يمكن أن يكون هذا الشيء ذكرى وعبرة للعالم عما يمكن أن تفعله القوة الشريرة.

 وفي نفس الوقت، من المهم العمل على حفظ هذه الأماكن والتوثيق الكامل باستخدام فحوصات الحمض النووي (DNA) حتى يعرف العالم ما حدث لأهله، وفي نفس الوقت العمل على المساءلة والعدالة.

    كيف سيتم التعامل مع ضحايا هذه المقابر خاصة أنهم مجهولو الهوية؟ وكيف السبيل للتعرف على عائلاتهم؟ ألا يؤدي هذا الأمر لمشكلات مجتمعية؟

من المهم جدًا أولًا تأمين هذه الأماكن حتى لا يذهب أحد إلى المكان ويأخذ عظامًا أو يبحث عن ذويه أو يحفر، وهنا يأتي دور الوضع الأمني، ويجب أن تكون هناك موافقات لمن يريد الدخول إلى هذه الأماكن، علمًا أن الإجراءات الأمنية قائمة ومهمة.

ثم تأتي الخطوة الثانية، وهي أن تقوم الدولة السورية بالتنسيق مع هيئات مثل “TRIPLE IM” التابعة للأمم المتحدة، والتي تعمل على التحقيق في جرائم بشار الأسد، ومنظمة اللجنة الدولية لشؤون المفقودين “ICMP”، وهي منظمة دولية مرتبطة بالأمم المتحدة، وتعاملت مع المقابر الجماعية في أماكن مثل سربرنيتسا في البوسنة، بالإضافة إلى خبراء آخرين سواء من أوكرانيا مثل الشرطة الأوكرانية، أو من دول أخرى مثل الكويت أو أميركا أو فرنسا والفرق الحكومية التي لديها الخبرة في كيفية فتح المقابر الجماعية، فهذه الفرق لديها الأدوات التي يحتاجونها، مثل فحوصات الحمض النووي السريعة.

وبالطبع، الأهالي السوريون بشكل عام، أي شخص فقد أخًا أو أختًا أو أمًا أو أبًا أو ابنًا أو بنتًا، يمكنه إعطاء عينة الـDNA بسهولة عن طريق الفم، وهذه العينات تُسجل وتُدخل في نظام معين كجزء من الدولة، وبالتالي هذا العمل يساعد أولًا في الجانب المجتمعي، حيث يعرف الناس ما حدث لأقاربهم، فأنا مثلًا لدي أهل وأريد أن أعرف أين هم، ولدي خال أريد أن أعرف أين هو وأصدقاء..إلخ، وفي نفس الوقت، هذا يساعد في عملية المساءلة والعدالة لنعرف كم شخص قُتل وما إلى ذلك.

هذه هي الطريقة التي نعمل بها الآن ونتعاون مع دمشق في هذا الموضوع، وهناك العديد من الجهات الجاهزة للمساعدة، سواء كانت من أوكرانيا أو من الهيئات المستقلة التابعة للأمم المتحدة مثل “TRIPLE IM” أو “ICMP” وغيرها.

     كيف يتم تحديد الجناة؟ وهل ترى ضرورة تشكيل لجان تحقيق حول هذه المجازر للوقوف على ظروف ارتكابها ومن هم مرتكبيها؟ وهل حدث مثل ذلك من قبل في مكان ما من العالم؟

نعم، بالنسبة للمجرمين، النظام وثق كل شيء، ورغم أنه أحرق الكثير من الوثائق وحاول التغطية، لكنه لا يزال هناك توثيق كبير جدًا من أصغر أمر إلى أكبر أمر من قبل نظام بشار الأسد.

على سبيل المثال، الوثائق والأقراص الصلبة “Hard Drives” الموجودة في فروع مثل فرع الجوية وفرع فلسطين وفرع 215، وفي كل هذه الفروع والأماكن هناك وثائق تساعد في بناء المحاكم لنعرف بالضبط من هم هؤلاء المجرمين، وهناك أيضًا العديد من المنظمات السورية التي وثقت الكثير من الجرائم، مثل ملف قيصر وملف حفاري القبور بالإضافة إلى شهود عديدين، فكل هؤلاء يمكن أن يجتمعوا ويساعدوا المحاكم السورية، وحتى المحاكم الدولية التي تحاول الوصول إلى المجرمين.

    يؤكد معاذ مصطفى لـ”الترا صوت” أنه بالنسبة للمجرمين، النظام وثق كل شيء، ورغم أنه أحرق الكثير من الوثائق وحاول التغطية، لكنه لا يزال هناك توثيق كبير جدًا من أصغر أمر إلى أكبر أمر

لذلك، فإن توثيق كل شيء والوصول إلى جميع الأوراق والمستندات والوثائق ووضعها في نظام إلكتروني معين يمكن أن يساعد في معرفة من اعتقل ومن عذب ومن أصدر أوامر القصف والاعتقال والقتل والتعذيب.

الشيء الجيد هو أن النظام وثق كل شيء، لكن جمع كل الوثائق مع جهود منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية تساعد في التوثيق والعدالة الانتقالية.

أصبح هناك خبرة كبيرة من قبل منظمات مختلفة، فنحن مثلًا عملنا على اعتقال مجرم حرب مثل سمير عثمان الشيخ (محافظ سابق في حكومة نظام الأسد السابق) في لوس أنجلوس، وتم فتح محكمة جنائية ضد جميل حسن وعبد السلام محمود (أذرع أمنية تابعة للنظام السابق) من شيكاغو بتهمة قتل مواطنة أميركية اسمها ليلى (شويكاني).

كل هذا يجب أن يُصب في نفس المسار لمساعدة الحكومة في دمشق والمحاكم، وباستشارة الخبراء والتعلم من تجارب الدول الأخرى للوصول إلى عدالة في سوريا وعدالة انتقالية تساعد البلد على الاستمرار.

    الإعلام التركي مثلًا سلّط الضوء بشكل كبير جدًا على سجون الأسد وخاصة صيدنايا، ما انعكس بشكل كبير على الرأي العام في تركيا، لكن كيف انعكس هذا الأمر على الرأي العام الأميركي بعد مشاهدة ما جرى في سجون النظام والمقابر الجماعية المكتشفة أخيرًا؟

في أميركا والغرب بشكل عام، وفي المجتمع الدولي، الجميع رأى ما حدث في سوريا، حيث تعتبر من أبشع جرائم القرن الحادي والعشرين، وكل من سمع قصص السجون وما حدث فيها تأثر بشكل كبير.

ومن المعروف أيضًا أن أميركا لديها مواطنون قُتلوا وعُذبوا من قبل نظام بشار الأسد، لذلك، كان هناك تأثير كبير بعد سقوط النظام، حيث فتحت كل الحقائق والوقائع على الأرض، إضافة إلى أن كل العالم، بما فيهم الشعب الأميركي وصُناع القرار في أميركا، رأوا بشار الأسد على حقيقته كواحد من أسوأ المجرمين ضد الإنسانية في تاريخ العالم.

    كيف يمكن لهذه الاكتشافات أن تؤثر على عملية العدالة الانتقالية في سوريا؟

من المهم أن يعرف العالم من هم المفقودين وأين هم الأسرى ومن استشهد، وأن يكون لدينا تعداد لمن بقي على قيد الحياة بعد جرائم نظام بشار الأسد.

هذه الاكتشافات مهمة جدًا للعدالة الانتقالية، فإذا استطعنا الوصول إلى المجرمين الكبار الذين أمروا بالتعذيب وتلطخت أيديهم بدماء الشعب السوري، من القصف إلى التعذيب إلى الاعتقالات، فإن هذا سيساعد بشكل كبير على التئام جراح سوريا واستمرارها.

    يشدد معاذ مصطفى في حديثه لـ”الترا صوت” على ضرورة  أن يعرف العالم من هم المفقودين وأين هم الأسرى ومن استشهد، وأن يكون لدينا تعداد لمن بقي على قيد الحياة

العدالة الانتقالية مهمة جدًا، وهناك الكثير من الدروس التي تعلمناها من تجارب دول أخرى، وهي كلها مستعدة لمساعدة سوريا في هذه المرحلة المهمة.

هذه الاكتشافات مهمة جدًا، وفي نفس الوقت تساعد الشعب السوري على رؤية كيف انتصر الخير لأول مرة منذ وقت طويل على الشر، فالشعب السوري حرر نفسه ولديه طموح للبناء وليس للعداء والثأر، وفي نفس الوقت يريد العدالة التي هي مهمة جدًا للسلام.

وكل ما يراه العالم والشعب السوري يساعدنا ويساعد العالم على تقديم دعم حقيقي للشعب السوري، ويجعل سوريا تستمر على طريق الديمقراطية وأن تعود البلد لأهلها.

    ما هي الجهود التي تبذلها منظمتكم بالتعاون مع الإدارة الأميركية لملاحقة مرتكبي هذه الجرائم في سوريا؟

نحن نعمل مع المحققين الأميركيين ومع الـFBI (مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي) ومع وزارة الخارجية الأميركية ومع الجيش الأميركي، ودائمًا نعمل على ملاحقة مجرمي الحرب، خاصة إذا كانوا موجودين في أميركا.

على سبيل المثال، لدينا أربع محاكم مدنية كانت موجودة ضد بشار الأسد لمواطنين أميركيين، منهم سوريون أميركيون وأميركيون من غير أصول سورية، مثل كابن داز وسام كودوين أو عبادة مزيك، وهناك أيضًا محاكم جنائية وهي الأهم الآن، لأن المحاكم المدنية لم تعد بنفس الأهمية بعد سقوط نظام بشار الأسد، لكن المحاكم الجنائية مهمة لأنها تمكننا من ملاحقة مجرمي الحرب.

وعلى سبيل المثال، لدينا محكمة في لوس أنجلوس، وقد ساعدنا في اعتقال سمير عثمان الشيخ، المحافظ السابق لدير الزور منذ 2011 حتى 2013، وكان أيضًا رئيس سجن عدرا سابقًا، وكان جزءًا من اللجنة الأمنية في دير الزور، حيث تم التنسيق لاعتقاله مع وزارة العدالة الأميركية، وتم بناء قضايا ضده تتعلق بالتعذيب في المعتقلات، وهو الآن في السجن ينتظر محاكمته التي ستبدأ العام القادم.

وفي شيكاغو، نعمل الآن على جمع معلومات عن جميل حسن وعبد السلام محمود وأشخاص آخرين كان لهم دور في تعذيب وقتل المواطنة الأميركية ليلى شويكاني من شيكاغو، ومن الممكن أن يتم اعتقال هؤلاء الأشخاص وملاحقتهم قريبًا.

    يوضح معاذ مصطفى لـ”الترا صوت” أن منظمة الطوارئ السورية على ملاحقة مجرمي الحرب، خاصة إذا كانوا موجودين في أميركا

ونعمل أيضًا مع مكتب “Global Criminal Justice” التابع لوزارة الخارجية الأميركية للجرائم الجنائية العالمية، ومع الأشخاص الذين سيكونون في الإدارة الجديدة لمتابعة عمل المساءلة والعدالة ضد مجرمي الحرب الذين قتلوا أميركيين وسوريين وغيرهم من ضحايا نظام بشار الأسد.

    ما هي الخطوات التي يمكن اتخاذها لمساعدة عائلات الضحايا في الحصول على العدالة؟

من المهم أولًا أن يكون هناك آلية أو برنامج معين يسمح للجميع بإعطاء عينة DNA، وأن يكون هناك نظام (سيستم) قادر على استيعاب كل أهالي الضحايا، وفي نفس الوقت يجب أن تكون هناك قدرة على الوصول إلى كل فرع أمني وأخذ كل الوثائق ووضعها في نفس هذا البرنامج أو النظام.

وهذه الوثائق يجب أن تشمل على تقارير وملفات عن من كان لديه أحكام إعدام أو ملفات المجرمين، ومن هم الذين أصدرت بحقهم أحكام إعدام أو أحكام أخرى، بالإضافة إلى ذلك عينات الـDNA التي تُستخرج من المقابر الجماعية والتي يجب أن تكون جزءًا من هذا النظام.

ويمكن لكل سوري فقد شخصًا في سوريا أن يضع معلومات عن هذا الشخص ويقدم عينة الـDNA، وبعدها يمكنه متابعة نتائج المطابقة عبر النظام، وبناءً على النتائج يمكن للشخص أن يعرف مصير من فقده في سوريا، سواء كان أبًا أو أخًا أو أختًا، وبعدها يمكنه متابعة العمل نحو العدالة ومعرفة من اعتقله ومن تسبب في إعدامه أو ارتكب جرائم بحقه.

الترا صوت

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى