سقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعصفحات الحوار

الشيخ راجي ناصر: الطائفة العلوية في سوريا ترفض أي حماية دولية أو تقسيم أو فتنة طائفية

حاوره: مصطفى الخليل

تحديث 26 كانون الثاني 2025

قال الشيخ راجي ناصر، أحد وجهاء الطائفة العلوية في سوريا لـ«القدس العربي» إن الأصوات التي طالبت بحماية دولية للعلويين من قبل فرنسا مؤخرا لا تمثل إلَّا نفسها، وأبناء الطائفة المسلمة العلوية يرفضون أي محاولة للتدخل الخارجي، وأي محاولة للتقسيم، أو إثارة الفتنة الطائفية في البلاد، داعيا إلى الشراكة الحقيقية والحوار بين كل أطياف المجتمع السوري، للوصول إلى نظام حكم مدني في ظل دولة القانون.

ويخشى أبناء الطائفة العلوية في سوريا من استبعادهم أو تهميشهم في عملية البناء الوطني في العهد الجديد، وذلك لأن الأسد والغالبية العظمى من رموز النظام السابق ومنذ مطلع سبعينيات القرن الماضي كانوا من أبناء هذه الطائفة.

وتسعى الشخصيات المؤثرة وشيوخ الطائفة العلوية في سوريا في الوقت الحالي لإنشاء مجلس ديني تحت مسمى المجلس الإسلامي العلوي، بهدف تشكيل رؤية موحدة لعلويي سوريا ومناقشة أوضاعهم على كافة الصعد، حيث أن النظام البائد منعهم سابقا من تشكيل أنفسهم في مجلس واحد بحجج شتى، ومارس عليهم الضغوط وهدد شيوخهم بالاعتقال آنذاك. وفي ما يأتي نص الحوار.

○ هناك أصوات محسوبة على الطائفة العلوية في سوريا طالبت مؤخراً بحماية دولية من قبل فرنسا، ما رأيكم بذلك وما هي نسبة تمثيل هؤلاء لأبناء الطائفة العلوية؟

• الأصوات التي صدرت وتطالب بحماية دولية وبالأخص حماية من قبل فرنسا ما هي إلا أصوات تُعَبّر عن رأي أصحابها في لحظة شعور بالغضب أو الإحباط نتيجة للظروف التي تمر بها البلاد، أو لأن لديهم أسبابهم الخاصة، وهذه الأصوات لا تُعَبّر أبداً عن رأي أبناء الطائفة المسلمة العلوية لا من جهة المؤسسة الدينية المُمَثلة بكبار رجال الدين فيها، ولا من جهة المؤسسة المدنية مُمَثلة بمثقفيها ووجهائها، ولا من جهة كل مكونات هذا الطيف؛ لأننا نؤمن بأن الشعب السوري هو شعب واحد ومتماسك وتطلعاته واحدة.

والرأي العام عند هذا الطيف من البيت السوري تاريخياً هو ضد دخول أي غريب إلى بلدنا، سواءً من باب الحماية أو غيرها من المسميات.

وأبناء هذا الطيف يذكرون بكل فَخْرٍ ما قام به الشيخ صالح العلي الذي قاوم الوجود الفرنسي في سوريا؛ تلك المقاومة التي ارتبطت بالزعيم إبراهيم هنانو في إدلب، وسلطان باشا الأطرش في السويداء، وغيرها.

ونحن أبناء الطائفة المسلمة العلوية نرفض أي محاولة للتدخل الخارجي، كما نرفض أي محاولة للتقسيم، أو إثارة الفتنة الطائفية، كما نؤكد على أهمية الحلول السورية للمشاكل السورية، وذلك من خلال الحوار والتفاهم بين كل مكونات الشعب، وضرورة بناء جسور الثقة بينهم.

ونؤكد بأن المواطنة حق لكل أبناء الوطن من جهة، والمصلحة الوطنية من جهة ثانية فوق كل اعتبار، وهما الهدف الأسمى، وأي قرار يجب أن يُتَّخذ في هذا الإطار.

ولمَّا كانت مصلحة الوطن والمواطن هي الغاية، فنحن لا نرفض مساعدة المجتمع الدولي التي تدعم الجهود الرامية إلى تحقيق السلام والاستقرار في سوريا.

ومن جهتي لديَّ الثقة بقدرة الشعب السوري (وهو شعبٌ خلاقٌ مبدعٌ…) على تجاوز هذه المحنة، وبناء مستقبل أفضل لأجيالنا القادمة.

○ ما هي مخاوف أبناء الطائفة العلوية في سوريا بعد التغيرات الجديدة في البلاد؟

• أبناء الطائفة المسلمة العلوية شأنهم شأن جميع السوريين؛ يتطلعون إلى مستقبل آمن ومستقر لبلدهم من ناحية الأمن النفسي والأمن الغذائي ونذكر قول الله تعالى «الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف».

وكذلك فإن الطائفة المسلمة العلوية هي جزءٌ أصيل من نسيج هذا الوطن، وتكمن مخاوفنا في أن يتم استبعادنا أو تهميشنا في عملية البناء الوطني، وهنا ندعو إلى الشراكة الحقيقية بين كل أطياف الوطن، مع العلم بأننا ساهمنا بهذا النصر، عندما استقبلت الطائفة نجاح الثورة بكل ترحيب، ورشت الزهور، وهتفت معهم بأن سوريا واحدة. وهنا أدعو إلى حوار شامل بين كل أبناء الوطن ومكونات البيت السوري (وأمرهم شورى بينهم) لرسم الطريق لمستقبل سوريا.

وكذلك هناك مخاوف آنية، ولكن لها أهمية قصوى في استقرار الوضع، وتجاوز المحنة وهي:

1-السجناء في سجون حماة، وغيرهم من عناصر الجيش السابق، ممن كانوا في دير الزور وريفها، وبقاؤهم في السجون من غير سبب واضح يثير قلق الأهالي، مع العلم بأن بقية عناصر الجيش أجروا التسوية.

2-تسريح العقود وذوي الشهداء سابقاً، وغيرهم من الموظفين الذين سُرِّحوا من الجيش السابق، وتسريحهم يخلق من جهة كارثة إنسانية، ومن جهة ثانية ربما كان هؤلاء سبباً لوضع غير مستقر كحالات اعتصام وشغب نحن في غنىً عنها.

3-يتخوف الكثير من الشعب السوري وليس فقط الطائفة العلوية، من إلغاء صفة الشهداء عن الذين كانوا ضمن صفوف الجيش السابق. لأنَّ أولئك قاتلوا تحت علم دولة؛ أي بمفهومهم كانوا يحافظون على أوطانهم، وكذلك اضطرتهم الظروف المعيشية والقهر الأمني ليكونوا هناك. ويجب أن نفرق ما بينهم وما بين قادة الحرب الذين دفعوهم إلى هذا الطريق.

○ كيف تنظرون إلى طريقة تعاطي الإدارة السياسية السورية الجديدة مع أبناء الطائفة العلوية؟

• حتى نكون منصفين، كان تعاطيهم إيجابياً بالمجمل من اللحظة الأولى لدخولهم إلى مناطق الساحل، من ناحية الأمن النفسي، وتم استقبالهم من المواطنين في جبال الساحل والساحل أيضاً بشكل إيجابي.

أي كان دخولهم آمناً وسلساً من غير أي مظاهر عنف، وبالمقابل تم استقبالهم بكل ترحيب، فمنذ اللحظة الأولى بُنيت جسور الثقة.

ونحن نتطلع إلى أن تقوم الإدارة السياسية الجديدة، بمعاملة جميع المواطنين على قدم المساواة، من دون تمييز، ونأمل أن يُطَبَّق مبدأ العدالة والمساواة على الجميع.

ونؤمن بأهمية المصالحة الوطنية، وبأن تحقيقها يتطلب من الجميع تجنب لغة الاتهامات لأي طرف كان، والتركيز على الحلول الإيجابية، والسير في طريق التسامح والاجتماع على طاولة الحوار، بين كل مكونات البيت السوري.

وأملنا أن نرى هذه الحقوق للشعب السوري، تتحقق على أيدي الإدارة السياسية، كما وعدت، أي أن تنقل الأقوال إلى أفعال، وحتى اللحظة تعاطي الإدارة السياسية الجديدة إيجابي في المجمل، ولكن نرى انتهاكات في قرى ريف حمص، وريف حماة، والعناصر المتشددة التي توجد في هذه المناطق، والتي نراها أيضاً في قرى الساحل، وهنا نطالبها بخطوات أسرع حتى يتبدد القلق الذي يساور أبناء الطائفة المسلمة العلوية.

مع العلم أن القلق بدأ يتجدد بصيغة جديدة كذلك، عندما شعرت الطائفة بعملية الإقصاء التي تُمارس عليها.

○ هل حدث تواصل بينكم وبين الإدارة السياسية الجديدة في دمشق. كيف تم هذا التواصل وما هي نتائجه إن وجدت؟

• لقد تم التواصل بين ممثلي الطائفة وبعض القيادات المحلية والمحافظين، وهذا التواصل كان إيجابياً، ولَعِبَ دوراً مهماً في نمو نبتة الثقة، وتم التوصل إلى حلول لبعض القضايا المحلية ولكن هذا لا يُغني عن التواصل المباشر مع القيادة في دمشق؛ إذ أن التواصل المباشر معها في غاية الأهمية، إيماناً مِنَّا بأهمية الحوار واللقاء للوصول إلى إيجاد الحل للقضايا الكبرى.

وحتى الآن لم يتم اللقاء مع القائد في دمشق، وإذا تم هذا اللقاء، فنحن واثقون بأنه سيؤدي إلى نتائج إيجابية ومُثمِرة، تعود بالخير والفائدة على جميع مكونات البيت السوري.

○ ما هي أبرز مطالب أبناء الطائفة العلوية في سوريا من الإدارة السياسية وهل تشعرون بوجود تعاط إيجابي مع هذه المطالب أم العكس؟

• أبناء الطائفة المسلمة العلوية، مثلهم كمثل بقية أبناء سوريا، ومطالبهم هي ذاتها، وهي: بناء دولة المواطنة، وتحقيق الأمن والاستقرار، وضمان حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وبناء دولة المؤسسات والقانون، ونطمح أن يَتُم تمثيلُنا بشكل عادل في المؤسسات الحكومية، وأن نُشَارك في صنع القرارات التي تؤثر على حياتنا.

كذلك نطالب في الحفاظ على الهوية الدينية والثقافية لنا، ولكل مكونات البيت السوري، وضمان حقنا في الحفاظ على تراثنا، وحماية مقدساتنا وممتلكاتنا، وضمان حقنا في ممارسة طقوسنا الدينية بسلام وأمان.

أما بالنسبة للحالة الخدمية، نطالب بتنمية المناطق العلوية (وقد تراجعت الخدمات فيها كثيراً) وذلك بتوفير الخدمات الأساسية لسكانها، مثل المياه، والكهرباء، والصحة، والتعليم، وتوفير فرص العمل للشباب، لمنع هجرة العقول والعمالة، وهناك مطالب أخرى تتم بشكل مباشر.

ولا بد من الإشارة إلى أنه قد لاحظنا بعض الخطوات الإيجابية من قبل الحكومة، وهي في مسارها الصحيح.

○ كيف تنظرون لمستقبل سوريا؟

• هناك الكثير من المخاطر الداخلية والخارجية التي تهدد مستقبل بلدنا سوريا، ولكن لدينا الأمل والثقة بالله، في أنّنا سنتجاوز هذه المخاطر، وستبقى سوريا دولة واحدة بحدودها الخارجية، وبحدودها الداخلية الثلاث الأرض، الإنسان، علاقة المحبة ما بين الإنسان وأخيه الإنسان، ويعيش الجميع تحت علم الوطن حياة المواطنة الحقيقية، وهذا هو أملُنا بالله.

○ هل يوجد تواصل لكم مع أبناء الطائفة العلوية في تركيا ولبنان؟ وما تأثير هذا التواصل على واقع أبناء الطائفة في سوريا؟ ماهي غاية هذا التواصل إن وجد؟

• نحن على اتصال تاريخي بأبناء طائفتنا في تركيا ولبنان وأنحاء العالم، وهذا التواصل يهدف إلى تعزيز الروابط الأخوية والثقافية التي تجمعنا، ونؤمن بأهمية التواصل ما بين أبناء الطيف الواحد، للحفاظ على التراث والهوية الثقافية.

وفي هذه المرحلة، هم من بدأوا بالتواصل للاطمئنان على أبناء طائفتهم في الداخل السوري، لأن الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي تضخم وتهول الأحداث، وتعطي صورة غير حقيقية عن الواقع، بالمقابل تمت طمأنَتُهم، ولا يوجد ما يثير القلق، إذ لا توجد أي انتهاكات أو أخطاء كبرى، وما يجري في بعض الحالات هو نتيجة لانتقال السلطة بشكل غير منظم ما أدى إلى حدوث شيء من الفراغ الأمني ابتداء، ومن ثم نوعاً ما من عدم الاستقرار، فكان سبباً في انتهاكات أمنية سببها أحياناً حالات فردية وأخرى جماعات غير منضبطة، ولكن شيئاً فشيئاً بدأنا نشعر باستقرار الوضع الأمني، وأوصلنا هذه الصورة للخارج من أبناء الطائفة، ولكن مواقع التواصل الاجتماعي ما زالت تلعب دورها في تضخيم الأحداث.

○ ما هو المجلس الإسلامي العلوي وما أهدافه ورؤيته للمتغيرات الحاصلة في سوريا؟

• لم يُسمح لنا في عهد النظام السابق أن نجمع أنفسنا في مجلس واحد، كانت هناك محاولات جادة، ولكن ذاك النظام البائد مَنَعنَا بحجج شتى، وهددنا بالاعتقال، فلم يتم تشكيل المجلس.

وبعد زوال النظام، بدأ الحراك لتشكيل هكذا مجلس، ولكن من الصعب أن يتحقق بين ليلة وضحاها، بعد قطيعة لم تجمع أبناء الطائفة المسلمة العلوية منذ ما يقارب من خمسين عاماً أو أكثر من خمسين عاماً.

المجلس لم يتم بعد، وما زلنا في طور التشكيل، وأهدافه اجتماعية بحتة، ويؤكد بشكل قطعي على وحدة الشعب، ووحدة الأرض السورية، وتحقيق دولة المواطنة.

○ هناك فئة كبيرة من السوريين تنظر إلى أبناء الطائفة العلوية في سوريا على أن لهم امتيازات خاصة في عهد النظام البائد؟ هل يمكنكم شرح كيف كانت العلاقة بين النظام السابق وأبناء الطائفة العلوية في سوريا؟

• السؤال حول امتيازات الطائفة العلوية في عهد النظام السابق هو سؤال يستحق التوضيح؛ صحيح أن بعض أفراد الطائفة العلوية في عهد النظام السابق قد وصلوا إلى مراكز قيادية في الدولة، ولكن هذا لا يعني أن الطائفة كانت تتمتع بامتيازات خاصة بها أبداً. بل أن الغالبية العظمى من أبناء الطائفة كانوا يعيشون ظروفاً صعبة، وتحت خط الفقر، ولمن أراد أن يتأكد فليقم بزيارة إلى ريفنا بالساحل وبالأخص ريف القرداحة.

وربط الطائفة بأكملها بنظام سياسي معين هو أمر ظالم، وغير عادل، والنظام لم يعتمد على الطائفة العلوية لوحدها بل اعتمد على كل أطياف البيت السوري.

ونؤكد بأننا ضحايا النظام السابق كما كان ضحاياه من كل الطوائف الأخرى، والمجتمع العلوي تاريخياً، هو مجتمع زراعي بالمقام الأول، ولكن تم تهميش الزراعة والعمل الزراعي بالساحل، فلم يسمح بالمشاريع الاقتصادية المهمة، وذلك لأسباب معروفة، ما أدى إلى انتشار الفقر، وهجرة العقول، واليد العاملة إلى الخارج.

وهنا نؤكد على أهمية الوحدة الوطنية والتسامح بين كل مكونات الشعب السوري وإلى بناء مجتمع يقوم على أساس المساواة والعدل.

○ كيف ينظر أبناء الطائفة العلوية في سوريا إلى المشروع الإيراني في المنطقة… خاصة أن إيران طرحت منذ سبعينيات القرن الماضي فكرة تصدير الثورة إلى المنطقة العربية؟

• علاقة أبناء الطائفة المسلمة العلوية في سوريا بالمشروع الإيراني هي علاقة معقدة، وفكرة تصدير الثورة الإيرانية، وما يتبعها من محاولات لنشر المذهب الشيعي؛ فقد شهدنا بالفعل محاولات في هذا الصدد، وهنا يجب أن نفرق بين الشيعة كطائفة إسلامية كريمة تعتمد المذهب الجعفري، وما بين نشر التشيع السياسي. ونحن كعلويين نتبع المذهب الجعفري ونعتمده، ولكن بصبغة علوية، أي لنا آراؤنا الفقهية والعقائدية التي تميزنا في ذلك.

وتصدير الثورة الإسلامية الإيرانية وما يتبعه من محاولات للتشييع، لَم يَلّقَ قبولاً عند الغالبية من أبناء الطائفة العلوية، لا بل أثار قلقاً عند الكثير من العلويين؛ لأن الطائفة المسلمة العلوية بطبيعتها ليست تبشيرية أبداً، ولا تقبل أحداً أن يُبَشَر عندها، وقد حافظنا على هويتنا الإسلامية العلوية.

ونؤكد على أهمية الحفاظ على هذه الهوية، وعلى حقنا في ممارسة طقوسنا الدينية بحرية وأمان، وفي الوقت نفسه، نحن ندعو إلى التعايش السلمي مع جميع مكونات المجتمع السوري، ونرفض أي محاولة لتقسيمنا، أو أي محاولة لإثارة الفتنة الطائفية.

مع العلم، بأننا نعتبر أن أخوتنا من أهل السنة والجماعة هم شركاؤنا في الدين، وفي الأرض، ونحن وإياهم تحت مظلة الإسلام، ونستقي من بحره العظيم، وهم أخوتنا، ولن نُفَرِّطَ في هذه الأخوة، والله يقول: «إنما المؤمنون أخوة» كما هم بقية الطوائف الإسلامية الأخرى من شيعة واسماعيلية ودروز وغيرها. وكذلك أصحاب الديانات السماوية بالأخص أخوتنا أصحاب الرسالة المسيحية.

○ تحدث عديدون عن حصول ممارسات فردية أو انتهاكات بحق أبناء الطائفة العلوية في سوريا مؤخرا، كيف تقيّمون هذه الممارسات، ما تهدف إليه ومن يقف خلفها؟ وما هو المطلوب من الإدارة السياسية في دمشق حيال هذا الأمر؟

• نعم حدثت هذه الممارسات التي تسمى بالممارسات الفردية، ويمكن أن نجعلها ضمن مستويين حتى الآن:

المستوى الأول: هي الحالات الفردية نتيجة للغياب الأمني في فترة انتقال السلطة وهذه الحالات هي سلب ونهب وسرقة وتصل أحياناً إلى درجة القتل، وربما حالات ثأر وانتقام، وهذه بدأت تخف بعد أن بدأ الأمن يبسط نفوذه.

المستوى الثاني: جماعات إسلامية غير منضبطة، وتحمل فكراً متطرفاً، وأغلب هذه الجماعات، وربما كلها من خارج البلاد؛ لأن السوريين الذين عاشوا ربيع سوريا لا يحملون فكراً متطرفاً ويعرفون بعضهم البعض كجماعات وأفراد.

وهذه الجماعات بفكرها المتطرف هي التي أثارت غضب الطائفة المسلمة العلوية لممارستها بعض عمليات القتل في مناطق مختلفة، وبينما كنت أكتب هذه السطور تعرض أحد علمائنا من المشائخ الشباب (الشيخ المهندس هادي قنجراوي) لمحاولة اغتيال من قبلهم بينما جاء ليساعدهم لإلقاء القبض على عناصر من عصابة تروع الناس في بلدته دمسرخو فأصيب مرافقه إصابة خطيرة.

وهنا أتمنى من الدولة أن تقف على مسافة واحدة من كل أبناء الوطن الواحد، وأن تضم كل تلك الجماعات تحت وزارة الدفاع ليكونوا خاضعين لقوانين الدولة، وأن تنقلهم بعيداً عن الساحل، أو عن المناطق التي تجدها تلك الجماعات مرتعاً لتطرفهم.

وبهذا النمط من التفكير نحن نأخذ بحسن الظن كما قال الرسول (ص) «لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملاً».

ونتمنى أن لا يكون وجود تلك الجماعات المتطرفة في الساحل عملا مقصودا للوصول إلى أهداف محددة، كإبقاء الطائفة في حالة فوضى وضياع وتشتت، هذه الحالة التي أوصلنا إليها النظام السابق.

كما نطالبهم بالتشاركية في عملية أمن الساحل فأهل مكة أدرى بشِعابها كما يُقال.

○ تشير وقائع وتقارير صحافية إلى رفض بعض عناصر النظام البائد من أبناء الطائفة العلوية تسليم أسلحتهم حتى الآن، برأيك لماذا لم يقم هؤلاء الأشخاص بتسليم أسلحتهم؟

• لا عِلّمَ لي بهؤلاء الذين يحملون السلاح من أتباع النظام السابق، وأنا صادق إذا شاء الله، ولكن أقول: يجب أن نفرق ما بين أتباع النظام السابق الذين يحملون السلاح لأجندات وأسباب خاصة بهم تكمن في محاولتهم الفرار من المساءلة ولا حديث لي عن أولئك، وما بين السلاح الفردي المنتشر بين الناس العاديين من أبناء الطائفة، فبعد سنوات من الصراع والعنف يشعر هؤلاء بالحاجة إلى حماية أنفسهم وعائلاتهم خاصة في ظل غياب دولة القانون، وسيادة الفوضى في بعض المناطق، ومع ذلك، فإننا ندرك تماماً بأن انتشار السلاح يشكل تهديداً كبيراً للسلم الأهلي والاستقرار، ويؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية، ونحن ندعو جميع حاملي الأسلحة من كل أطياف البيت السوري إلى تسليمها إلى الجهات المختصة، وذلك للمساهمة في تحقيق الأمن والاستقرار وبناء مستقبل أفضل لسوريا، ونؤكد بأن هذا القرار ليس سهلاً ولكنه مسؤولية وطنية تقع على عاتق الجميع.

كما ندعو الدولة إلى الإسراع في توفير الضمانات الكافية لضمان سلامة من يسلمون أسلحتهم وتوفير الحماية لهم.

○ إلى أي مدى ترون أن عدم تسليم الأسلحة يؤدي إلى تهديد السلم الأهلي في المنطقة، وهل هذه مقدمات لتمرد مسلح على النظام الجديد؟

• بالنسبة لأتباع النظام السابق لا توجد لهم قاعدة شعبية فلا يوجد من هذه الجهة تهديد للسلم الأهلي.

وأما السلاح الفردي الموجود بين أيدي الناس فهو سلاح للدفاع عن النفس في حالة الخطر الذي يهدد أسرهم وعندئذٍ لا يهدد السلم الأهلي.

○ ما هو دور شيوخ ووجهاء الطائفة العلوية في سوريا في لعب دور إيجابي ما بين الإدارة السياسية الجديدة في دمشق وما بين بعض شخصيات وعناصر النظام السابق؟

• ما هو المقصود بعناصر النظام السابق؟ هل المقصود كبار المسؤولين أصحاب القرار سابقاً، أم المقصود المؤسسة العسكرية من ضباط وصف ضباط وجنود وكذلك قوى الأمن الداخلي والعناصر الأمنية؟

إذا كان المقصود كبار المسؤولين أصحاب القرار سابقاً فنحن لا نعرف عنهم شيئاً وكانوا سابقاً معزولين عن القاعدة الشعبية وعن معظم رجال الدين.

وإذا كان المقصود المؤسسة العسكرية وما يستتبعها فهؤلاء تتم تسوية أوضاعهم وإعطائهم الهويات المدنية.

ولكن، الدور الأبرز لرجال الدين هو الوقوف في وجه الفتنة الطائفية، وقد حققنا نتائج ملموسة في هذا الطريق بتوفيق الله،

واللاذقية خير مثال لذلك، ففي سنوات الصراع وقبل خفض التصعيد نجد بأن النسيج الاجتماعي لم يتأثر كثيراً، وكنا نرى التداخل الاجتماعي، ففي قرى الساحل كان هناك الكثير من الأسر من حلب وإدلب وغيرها من المحافظات الداخلية يعيشون فيها، وأهل القرى والأحياء العلوية يتجولون في أسواق المدينة لشراء حاجاتهم بأمان تام.

فرجال الدين من الطائفة المسلمة العلوية ومن الطائفة الكريمة أهل السنة والجماعة، كان لهم دور فاعل في حفظ السلم المجتمعي قبل وصول الدولة الجديدة، وبعد وصولها، وهذه ثمرة عملية في غاية الأهمية، ونسأل الله أن يعيننا في الحفاظ عليها.

القدس العربي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى