“رحلاتي الدبلوماسية في العالم العربي والإسلامي”: صراعات الشرق الأوسط/ ريمون جرجي
28 يناير 2025
نشرت دار مدبولي للنشر المصرية العريقة في جناحها بمعرض القاهرة الدولي للكتاب الذي افتتح في 23 يناير/ كانون الثاني 2025، كتابًا جديدًا للكاتب نيقولاوس فان دام بعنوان “رحلاتي الدبلوماسية في العالم العربي والإسلامي”، وهو من إصدارات دار مدبولي الأولى خلال عام 2025، سرد فيه فان دام تجربته الدبلوماسية التي جمعت بين العمل الأكاديمي والدبلوماسي في العالم العربي والإسلامي، وركّز في كتابه على التحديات مشيرًا إلى أن المعرفة العميقة بثقافات الدول المضيفة ولغاتها كانت مفتاح نجاحه.
احتوى الكتاب على مواضيع رئيسة منها عمله بمكتب الشرق الأوسط في الخارجية الهولندية، ولبنان، والأردن، والضفة الغربية وبعدها ليبيا أثناء حكم العقيد معمر القذافي، وتعيينه نائب رئيس إدارة أفريقيا والشرق الأوسط في الخارجية الهولندية، وإرساله دبلوماسيًا وسفيرًا إلى العراق ثم سفيرًا إلى مصر، وتركيا، وألمانيا، وإندونيسيا، وأخيرًا المبعوث الهولندي الخاص لسورية.
واستفاد الكاتب من خلفيته كمتخصص في الشرق الأوسط، ما جعله قادرًا على تقديم تحليلات دقيقة ومدروسة للظروف السياسية والثقافية في الدول التي عمل بها. ويُعتبر هذا العمل “ترجمة منقحة وإصدار مُحدث للنسخة الهولندية التي نُشرت من قِبل دار نشر بروميثيوس (Prometheus) في أمستردام عام 2020”. ولا يُعد الكتاب سيرة ذاتية فقط؛ إنما هو كتاب يجمع أيضًا بين التوثيق التاريخي والتحليل السياسي العميق.
وقال المؤلف: “في هذا الكتاب، سأتطرق بتفصيل إلى تجربتي كمبعوث خاص لسورية، والأسباب التي جعلت الحرب في سورية تتخذ مسارًا كارثيًا نتيجة الأوهام والتدخلات الخارجية، مما أسفر عن مقتل أكثر من نصف مليون شخص، وتشريد ملايين اللاجئين، وتدمير البلاد، وارتفاع معدلات الإرهاب بشكل كبير. يتحمل النظام الدكتاتوري السوري الجزء الأكبر من المسؤولية عن هذه النتيجة العنيفة. ومع ذلك، أرى أن الدول الغربية والعربية التي تدخلت في الشأن السوري تتحمل أيضًا جزءًا من المسؤولية، رغم أنها قد لا تعترف بذلك على الأرجح”.
وقدّم فان دام في كتابه الجديد شهادة حية على فشل الجهود الدولية في إدارة الأزمات. ولم يكتفِ بسرد الوقائع؛ بل قدم تحليلات نقدية دقيقة للأسباب التي أدت إلى فشل الجهود الدبلوماسية. وأبرز الكتاب شهادة حيّة على صراعات الشرق الأوسط.
كذلك تناول فان دام في الكتاب الصراع الكردي ودور تركيا، مسلطًا الضوء على تأثير التدخلات التركية في الشمال السوري على القضية الكردية، خاصة مع محاولات أنقرة منع الأكراد من إنشاء منطقة حكم ذاتي.
سيتعرّف القارئ العربي عبر هذا الكتاب على ولاء فان دام لبلده هولندا من خلال جهوده الدبلوماسية وخدماته لإثبات الحضور السياسي والاقتصادي للهولنديين مع شركاتهم ومشاريعهم حيث كابد كثيرًا لأجل تنفيذ رغباتهم ومصالحهم.
كما انتقد فان دام في كتابه بعض السياسات الهولندية والدولية بشكل مباشر، خاصة عندما تعارضت مع الواقع الميداني أو افتقرت إلى فهم عميق للثقافات المحلية، واستخدامه عبارات مثل “إثارة آمال زائفة” يعكس شجاعة في مواجهة العيوب. يقول فان دام:
“يعتقد بعض الناس أحيانًا أن الدبلوماسي يمكنه المرور بسلام من أي وضع بفضل وضعه الدبلوماسي، لكن هذا ليس صحيحًا في حالة الحرب. في بعض الأحيان، قد يعرض الوضع الدبلوماسي الشخص لمزيد من المخاطر، مثل الاختطاف أو الانتقام من البلد الذي ينتمي إليه الدبلوماسي”.
بدأ فان دام مسيرته الدبلوماسية في “مكتب الشرق الأوسط” في لاهاي عام 1976، وتعرّف العالم العربي إلى حب نيقولاوس فان دام للعرب، وللغة العربية التي أتقنها تحدّثًا وكتابةً، من خلال كتابه الأشهر “الصراع على السلطة في سورية ودور الطائفية والإقليمية والعشائرية” الصادر عام 1979 والإصدارات اللاحقة له، ولاحقًا كتابه “تدمير وطن… الحرب الأهلية في سورية” 2017-2018 وأيضًا عبر مقالاته بعدة لغات ومقابلاته التلفزيونية وحواراته الواسعة الانتشار:
“لقد كنت مشغولًا لفترة طويلة كهواية بدراسة اللهجات العربية في العراق، وهو ما أصبح مفيدًا جدًا الآن. وأخيرًا، كنت قد قدّمت عدة محاضرات حول العراق في جامعة أمستردام، وكذلك في بريطانيا”.
تولى فان دام في لبنان منصب القائم بالأعمال بالنيابة خلال غزو إسرائيل للبنان في 1982، وأشرف على نقل السفارة إلى منطقة أكثر أمانًا في ظل تصاعد العنف، وقاد عمليات إجلاء المواطنين الهولنديين من بيروت وتقديم المساعدات لهم، وعمل بشكل مباشر مع شخصيات لبنانية وفلسطينية بارزة، مما أثرى خبرته في الشؤون السياسية للمنطقة.
ومما قاله: “قبل بدء الاجتياح الإسرائيلي، كان يجلس أمام مبنانا رجل فلسطيني فقير ومعاق من مخيم عين الحلوة (أو هكذا كان يدّعي). كان يقيم في صندوق كرتوني كبير، ويساعد الناس عند دخولهم المبنى ويقوم ببعض الأعمال البسيطة. لكن تبين فيما بعد أنه كان يتجسس لصالح الإسرائيليين، حيث ظهر لاحقًا أثناء الاجتياح الإسرائيلي مرتديًا زيًا عسكريًا إسرائيليًا”.
لقد عبّر الكاتب عن امتنانه للتجارب التي عاشها كدبلوماسي، لكنه أبدى قلقه العميق بشأن الأوضاع المتدهورة في الدول التي عمل فيها نتيجة التدخلات العسكرية الأجنبية التي أسفرت عن نتائج كارثية، وأشار إلى أن محاولات تغيير الأنظمة الدكتاتورية بالقوة أدت غالبًا إلى صراعات دموية مستمرة، وأكد أن الحوار كان خيارًا مفضلًا وأقل ضررًا من الحروب. وأن التدخلات السياسية والعسكرية الأجنبية كانت تفتقر إلى استراتيجيات واضحة بعد الإطاحة بالأنظمة، ما أدى إلى فوضى وزيادة المعاناة الإنسانية.
يُعتبر فان دام من المتخصصين الغربيين المتميزين دبلوماسيًا وسياسيًا وثقافيًا في شأن سورية كما تعتبر حلب عشقه الكبير، وهو القائل: “حلب هي أفضل مدينة لديّ، وكلمة سورية هي أجمل كلمة عربية تعلمتها”. وكان فان دام قد وُلد في آخر ساعات يوم 1 أبريل/ نيسان عام 1945، وهو يوم رأس السنة السورية (عيد أكيتو أو عيد عشتار) وهو يتشرف بأن يكون ليوم مولده علاقة بسورية أيضًا. ولهذا ذكر فان دام في كتابه الحالي: “البلد الذي كنت أتمنى بشدة أن يتم تعييني فيه هو سورية، لكن هذا لم يتحقق أبدًا”.
في النهاية، عكس فان دام في هذا الكتاب رؤية نقدية متوازنة تجمع بين العمق الأكاديمي والخبرة العملية، وقدّم شهادة حيّة على صراعات الشرق الأوسط ودور الدبلوماسية في مناطق النزاع. وبعد عقود من العمل الدبلوماسي، يبقى إرث فان دام شاهدًا على قدرة الفرد على إحداث تأثير حتى في أكثر الظروف تعقيدًا. قصته هي قصة شجاعة فكرية ومهنية، وهي دعوة للتعلم من الماضي لبناء مستقبل أكثر استقرارًا، مما يجعل هذا العمل مرجعًا فريدًا لكل من يهتم بفهم الديناميات السياسية والثقافية في المنطقة.
والدكتور نيقولاوس فان دام دبلوماسي وأكاديمي هولندي سابق أتقن اللغة العربية إضافة إلى لغات أخرى كالإنكليزية والألمانية والفرنسية والإندونيسية والإسبانية، له حضور قوي مواكب للأحداث المتغيرة في أغلب البلدان العربية وأهمها سورية وفلسطين، ولا يزال يمارس كتابة الكتب والمقالات، ويجري حوارات كثيرة دائمة بلغات عدة أهمها العربية والإنكليزية.
(فيينا)
عنوان الكتاب: رحلاتي الدبلوماسية في العالم العربي والإسلامي المؤلف: نيقولاوس فان دام
ضفة ثالثة