سقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعصفحات الحوار

من سوريا للعالمية.. “موسيقار الثورة” مالك جندلي يعزف على طريق “النشيد الجديد”

معاذ فريحات – واشنطن

31 يناير 2025

من دون أي كلمة، استطاع الموسيقار مالك جندلي أن يحمل عبء توثيق وتأريخ الحرب السورية متسلحا بالنوتات الموسيقية، ليخرج لنا بـ “السيمفونية السورية”.

جندلي الذي ينحدر من مدينة حمص، ويسكن في نيويورك تحدث لموقع “الحرة” عن تأليفه للسيمفونية التي تحكي قصة الشعب السوري بعد 14 عاما من الحرب.

السيمفونية التي عزفتها أوركسترا قطر الفيلهارمونية على مسرح الدوحة قبل أيام، ما هي إلا “جسر موسيقي بين الأمم والشعوب، توثق اللحظات التاريخية” على حد تعبيره.

في حورانا مع “موسيقار الثورة”، أسهب الجندلي في الشرح عن توثيقه لـ”الملحمة السورية”، ولم يكثر  من الحديث عن نفسه أو ما تعرضت له عائلته خلال سنوات الحرب.

وقال إننا “نشهد اليوم لحظات تاريخية وولادة دولة من جديد، وانتهاء منظومة قاتل الأطفال”، طالبا عدم استخدام مصطلح “نظام” في وصف حكم عائلة الأسد، معتبرا أنها لا تمثل سوى “منظومة استبداد”.

وتاليا نص الحوار الذي أجراه موقع “الحرة” مع الجندلي:

كموسيقار في المهجر.. حدثنا عن ممارسات “منظومة” الأسد ضدك وضد عائلتك في السابق؟

ما تعرضت له عائلتي يعد أقل بكثير مما قدمه الشعب السوري من تضحيات، فمنظومة الفساد والاستبداد كانت ضد الحق والحقيقة، وكل ما له علاقة بالهوية الثقافية السورية.

وكانت هذه المنظومة ترتعد من هتافات الثورة السورية، لذلك اعتدوا على النساء السوريات، ومن بينهن والدتي الكريمة، ناهيك عن قنص الأطفال الأبرياء.

ماذا يعني سقوط “منظومة” الأسد بالنسبة لك؟ وماذا كانت ردة فعلك؟

لم أصدق ما سمعت في البداية عن سقوط منظومة قاتل الأطفال، إذ أن معادلتي لدولتي الحرة كما أراها، هي سوريا من دون قاتل الأطفال.

وفي الثامن من ديسمبر عندما سقط بشار الأسد، كنت في الأستديو في نيويورك أضع اللمسات الأخيرة على أوبرا “الساحة”، والتي ستسرد أيضا حكاية الثورة السورية.

أصابني مزيج من المشاعر، بين الفرح والدهشة، ولم أعرف التعبير عن فرحي سوى بـ “السيمفونية السورية”.

ولذلك لجأت إلى الفن وشعرت لأول مرة أنني مواطن سوري، فقد كنا سجناء في سجن كبير، ولكننا اليوم أحرار.

هل كنت شاهدا على أي من الفظائع التي ارتكبتها منظومة الأسد؟

خلال الأسابيع الماضية، العالم كله كان شاهدا ما فعلته منظومة الأسد في سجن صيدنايا، حيث كان يتم تذويب الأجساد بمادة الأسيد الحارقة.

ولكن ما لن أنساه عندما كنت طفلا حين ذهبت مع والدي وهو طبيب برحلة قصيرة لا تبعد نصف ساعة عن منزلنا في حمص، لأصبح شاهد عيان على مشاهد مروعة لمجزرة حماة في 1982.

ومن القصص التي أعلم بها من والدي وهو طبيب جراح في مستشفى بحمص، أن “جنود قاتل الأطفال” كانوا يأتون للمستشفى ويقطعوا أجهزة التنفس عن الأطفال “الخدج” في الحاضنات.

ما هو دور الموسيقار مالك جندلي في المرحلة الانتقالية لسوريا؟

أن أكون صوتا لسوريا والشعب السوري، باستخدام القوة الناعمة للفن، إذ أنتجت خلال سنوات الحرب 10 ألبومات موسيقية توثق للثورة السورية.

وخلال الأيام القليلة الماضية تم إطلاق “السيمفونية السورية” والتي شارك في عزفها قرابة 80 عازفا في الدوحة، والتي هي عبارة عن تجسيد لواقع “الملحمة السورية”.

وتقول “السيمفونية السورية” للعالم إننا نستحق أن نكون متساوين مع الغرب في مسيرة الحداثة الثقافية، ولدينا موروث ثقافي عربي مسيحي إسلامي.

وهذه السيمفونية، تجسد العمل الجماعي، وتنسف منظومة الفردية، إذ تمتزج تأدية العازفين للموسيقي لـ 35 دقيقة، تؤرخ فيها لقصة ثورة شعب من دون أي كلمة.

كما أود تغيير الصورة التي ينظر لها الغرب إلى العالم العربي والتي تتجلى بقصة “علاء الدين والأربعين حرامي” والتي رسمت بعيون المستشرقين، ولكننا لسنا كذلك، إذ يمكننا إنتاج سيمفونية موسيقة تضاهي ما تنتجه هذه الدول.

هل من عمل موسيقى خاص ستهديه إلى سوريا الحرة؟

“السيمفونية السورية” رقم واحد، هي الهدية للشعب السوري، وهي مؤلفة من أربع حركات، والتي تحمل رسالة السلام والهوية العربية والإسلامية.

تتضمن هذه السيمفونية توثيقا لـ “ملحمة سورية من أجل السلام” بكل تفاصيل الهوية أو التراث والقيم، وما حصل في سنوات الحرب، ضمن إطار إنساني يمكن للجميع أن يفهمه من دون أي حديث.

    الموسيقار مالك جندلي يلحن سيمفونية سورية تحكي قصة الشعب السوري بعد 14 عاما من النضال

    عزفتها أوركسترا قطر الفيلهارمونية على مسرح الدوحة #الحقيقة_أولا #شاهد_الحرة #الحرة_أقرب_إليك pic.twitter.com/iOUqfGcaWK

    — قناة الحرة (@alhurranews) January 28, 2025

وهي تتضمن: أول هتاف بالثورة السورية، ومقتل حمزة الخطيب والأطفال الآخرين، والتظاهرات السلمية، وتنتهي بنشوة النصر والأمل.

كما تتضمن هتافات ستستمع ألحانها بسرديات مختلفة “يا درعا إحنا معاكي للموت” و “يا حمص إحنا معاكي للموت”، وبعد الشعور بحالة الخذلان من المجتمع الدولي هتاف “يا الله ما النا غيرك يا الله”.

كموسيقار هل تخشى من فرض سياسات متشددة أو القيود على مجال الفن والموسيقى؟

لست خائفا على الفن والموسيقى من هذه الهواجس، وأود التذكير بما ورد في نشيد “طلع البدر علينا” الذي يعد نشيدا تراثيا إسلاميا تم إنشادها عند وصول النبي محمد إلى المدينة المنورة، باختلاف الروايات.

والسيمفونية في تعريفها اليوناني تعني “الغناء الجماعي” أو “الإنشاد الجماعي”، أي أن هذه تعتبر أول سيمفونية في الإسلام.

وما أخشاه وأخافه، استمرار الغرب في اتهامه لنا بالتخلف والإرهاب، رغم أن بلادنا هي مهد الحضارات، والإنسانية واحترام المرأة موجود قبل إقرارها في الدول الغربية.

والهوية السورية، هي هوية ثقافية عالمية جامعة، إذ يمكن أن تجد الكنائس والمساجد والمعابد اليهودية في المنطقة ذاتها، ناهيك عن تلاقي القلاع القديمة مع التماثيل الرومانية والآشورية والبيزنطية والسريانية مرورا بطريق الحرير.

وعلى سبيل المثال، قبل أن تتحدث الدول الغربية عن حوار الأديان، كان المسلمون والمسيحيون يدخلون من باب واحد للصلاة في المسجد الأموي، إذ كانت صلاة المسلمين الجمعة، والمسيحيين الأحد.

متى غادرت سوريا؟

غادرت سوريا في منتصف التسعينيات، لملاحقة حلمي بالبحث عن العلم والفن والجمال، والهروب من السجن الكبير الذي نعيش فيه، إذ حصلت على منحة من جامعة أميركية للدراسة فيها، لتبدأ رحلة الاصطدام بالبيروقراطية وهدم الأحلام في تلك الحقبة في سوريا.

أعطوني جواز سفر مدته ستة أشهر، بينما دراستي تحتاج ست سنوات لإكمالها، ورفضت طلباتي أكثر من مرة ووضعت العقبات أمامي في محاولة لعرقلة مسيرتي.

ولكن بالنهاية سافرت لملاحقة حلمي.

متى آخر مرة زرت بلدك؟

زرت سوريا عدة مرات خلال سنوات الحرب، ولكنها كانت لمناطق مخيمات النازحين في شمال البلاد، من خلال المنظمة التي أسستها “بيانو من أجل السلام”.

آخر مرة دخلت سوريا كانت في 2015 أو 2016، حاملا معي الآلات الموسيقية للأطفال.

هل هناك قصة تحضرك من آخر زيارة لسوريا؟

في تلك الزيارة جلبت معي الآلات الموسيقية للأطفال، ولكن ما طلبه الأطفال في تلك الزيارة “المظلات”.

تساءلت في نفسي لماذا يحتاجون المظلات؟ ليتبين لي أن الذهاب إلى دورة المياه في المخيمات يحتاج إلى الوقوف في الانتظار لوقت طويل، ولهذا يحتاجون ما يقيهم قيض الشمس أو مطر الشتاء.

وبعد أن أرسلت لهم شحنة مظلات، تعلمت أن حاجتهم للأمور الأساسية قد تفوق حاجتهم للآلات الموسيقية، ورغم قوة المعزوفات في جلب السعادة، ولكن سعادتهم بالمظلات كانت أكبر.

هل ستعود إلى سوريا؟

طبعا نعم، بعد إطلاق السيمفونية السورية الأسبوع الماضي في الدوحة، هناك تخطيط لجولة في سوريا.

أنا مدين للشعب السوري بهذه السيمفونية، وأمهات المعتقلين والشهداء والمهجرين، ولهذا لن تكون الجولة لعزف السيمفونية في دار الأوبرا أو المسارح، إنما ستكون في ساحات الثورة.

ولهذا فهذه السيمفونية للشعب ومن الشعب، في أبسط تجسيد للديمقراطية، ولذلك يجب أن يتم عرضها في القصير بحمص وساحة الكرامة في السويداء، وكفرنبل في معرة النعمان، وغيرها من الأماكن التي كانت ساحات للثورة.

ما هي الرسالة التي توجهها إلى الإدارة السورية الجديدة؟

رسالتي أن الموسيقى تجمع البشر، وخير مثال لإظهار حضارتنا السورية.

وأي تمثيل للدولة، يكون بأمرين العلم والنشيد الوطني، ولدينا الآن علم الثورة السورية الجميل ولدينا نشيد سوريا الأحرار، ولست أقول هنا أن يكون هذا النشيد الوطني للبلاد، ولكنه بداية.

اليوم أحلم أن أعيش مستقبل سوريا، ببناء دولة مواطنة من دون سجون وفساد واستبداد، وأن يكون لدينا نشيد وطني يعكس هويتنا، ماضيها وحاضرها ومستقبلها.

معاذ فريحات

الحرة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى