حركة مناهضة تقلب الطاولة على ثقافة التبذير
ابتعد عن شراء ما يسوّقه لك المؤثرون.. ربما تدرك حينها أن ما تملكه كافٍ
بي. بي. سي.
تحديث 01 شباط 2025
رفضاً لثقافة التسوق المفرط “الهول” وتشجيعاً للاستهلاك الواعي، أصبحت حركة “مناهضة المؤثرين” تياراً رئيسياً، وهنا السبب.
في عام 2019، كانت ديانا ويبي تتصفح وسائل التواصل الاجتماعي، بعمق، عندما صادفت مؤثرة تروّج للفافات تجعيد الشعر بدون حرارة.
وقالت ويبي لبي بي سي، “يمكنك النوم وأنت ترتدي هذه اللفافات طوال الليل، مع الوعد بالاستيقاظ بشعر مجعد جميل”.
وكان هذا واحداً من العديد من المنتجات التي تأثرت بشرائها من تطبيق تيك توك، لكن مثل العديد من المنتجات الأخرى، بما في ذلك كريمات البشرة ومقشرات الوجه، أدركت ويبي بسرعة أنها لا تحتاج إليها.
وقالت “بصراحة، لفافات التجعيد أثرت فعلاً على نومي، ولم أتمكن من الاستمرار في استخدامها بعد الليلة الأولى”. وأضافت “شعري مموج بطبيعته، لذلك أعتقد أن اللفافات جعّدته أكثر من اللازم”.
ومع حلول العام 2025، أصبحت ويبي، التي تعيش في أوهايو، شخصية مؤثرة، لكن هناك فرق بينها وبين العديد من الشخصيات الأخرى. فهي تحاول “إبعاد” متابعيها عن شراء أشياء لا يحتاجون إليها.
وعبر مقاطع الفيديو اليومية التي تنشرها على تيك توك، تطرح صانعة المحتوى، التي يتابعها أكثر من 200 ألف على التطبيق، أسئلة مثل “هل كنت تريد هذا المنتج قبل أن يسوق لك؟”، وتذكر متابعيها أن شراء الملابس أسبوعياً وشهرياً ليس طبيعياً.
وثقافة “الهول” هي نوع محدد من المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي الذي نشأ على يوتيوب، حيث يكشف صانعو المحتوى مجموعة من المشتريات، عادة ملابس، لمتابعيهم.
وويبي هي جزء من حركة متنامية منذ عام 2023، ترفض ثقافة المؤثرين التقليدية، وانتشرت على تيك توك حيث حصد هاشتاغ #deinfluencing أكثر من مليار مشاهدة.
وإلى جانب هاشتاجات مثل “جوهر قلة الاستهلاك” و”المستهلك الواعي”، فإن الحركة تشارك رسائل رئيسية، مثل “الموضة السريعة لن تجعلك أنيقًا” و”قلة الاستهلاك هو استهلاك طبيعي”.
ومع دخولنا عام 2025، تعتقد ويبي أن المد الثقافي بدأ يتحول وأننا وصلنا إلى “ذروة المؤثرين”.
وقالت “بعض المحتوى من المؤثرين هو لمجرد إثارة الغضب”، في إشارة إلى تكتيك متبع على الإنترنت يهدف إلى نشر المحتوى لإثارة الغضب وجذب المشاهدات.
وشرحت، وهي تصف مقاطع فيديو يعرض صانعو المحتوى فيها أكواب ستانلي خاصة بهم مزودة بإكسسوارات غير ضرورية، “سيفعل الناس أشياء سخيفة بزجاجات المياه الخاصة بهم، إذ سيضيفون إليها صينية وجبات خفيفة، ثم يملؤونها بوجبات التاكو أو شيء من هذا القبيل”.
بات تيك توك المنزل الافتراضي للمؤثرين، لكن مع مواجهة التطبيق لمستقبل غامض في الولايات المتحدة، تعتقد ويبي أن هذا هو وقت التغيير.
وقالت: “لا أعلم مستقبل تيك توك، لكن نوع التأثير الذي نراه هناك لا يحدث في التطبيقات الأخرى”، مشيرة إلى مدى انتشار المحتوى “الهول” المصور على المنصة، مقارنة بأخرى مثل إنستغرام.
وترى ويبي أن هذا التحول ينبع من زيادة الوعي بما يفعله المؤثرون، ففي المملكة المتحدة، هناك قوانين معمول بها لمعالجة هذا الأمر.
وقالت “عندما بدأت أرى المزيد من الإعلانات على حسابي على تيك توك، فكرت في كمية ما كنت قد اشتريته بالفعل في السنوات الأخيرة بسبب تقييمات المؤثرين”.
وأضافت “فجأة أدركت أن كل ذلك كان إعلانات، من المحتوى المدفوع إلى صناع المحتوى الذين يشاركون مشترياتهم. لا يشابه مشاهدة التلفزيون حيث يمكنك التعرف على الإعلان. مع المؤثرين تشعر كأنك تسمع من صديق أو أحد أفراد العائلة لأننا تقريباً نرى مؤثري تيك توك المفضلين لدينا كأشخاص نعرفهم”.
معظم تفاعلات ويبي على الإنترنت إيجابية، مع تعليقات مثل: “كنت بحاجة لسماع هذه النصيحة اليوم”. لكن آخرين يتساءلون عن سبب شعورها بالحاجة إلى التدخل في عادات التسوق لدى الآخرين.
وويبي حريصة على التأكيد أنها لا تدعو إلى أسلوب حياة “عدم الشراء”. وبدلاً من ذلك، تصف نفسها بأنها من محبي “إبطاء وتيرة الشراء والتفكير جيداً في المشتريات قبل التسرع”. ونصيحتها تعارض شعار المؤثرين الشهير الذي يشجع المتابعين على “الركض، لا السير”، لشراء أحدث المنتجات.
نهج واعٍ
وهذا هو نفس التفكير الذي دفع، كريستينا مايشياسكيف، إلى تبني نهج أكثر وعياً في الإنفاق. وتسعى مايشياسكيف، من خلال منشوراتها على يوتيوب وتيك توك وإنستغرام، إلى مساعدة الآخرين في عيش حياة مرضية “دون الإفلاس”.
وتقول مايشياسكيف إنها تعرف جيداً مدى قوة المؤثرين. وأوضحت “بالعودة إلى عام 2019، كنت مدينةً بمبلغ 120 ألف دولار كندي بسبب قروض طلابية، وكنت لا أزال أشتري أسبوعاً بعد أسبوع. لقد وصلت إلى الحضيض عندما اشتريت زوجاً من الأحذية التي كلفتني أكثر من إيجاري، رغم معرفتي أنني لا أستطيع تحمل تكاليفها”.
الجمعة السوداء: ما هي وهل تقدم أفضل عروض التسوق؟
وقالت صانعة المحتوى، التي تقيم في تورنتو، إنها شعرت بأنها محاصرة داخل حلقة بين “إنستغرام والواقع”.
وأضافت لبي بي سي، “كانت لدي فكرة عن الشكل الذي يجب أن تبدو عليه حياتي بناءً على مسيرتي المهنية وما يفعله أقراني”.
إنه موضوع تناقشه مايشياسكيف غالباً في البودكاست الخاص بها، حيث تصغي إلى معاناة مستمعيها من الضغط المستمر للشراء وخيبة الأمل عندما تفشل المنتجات في تلبية التوقعات.
وقالت “لم يعد الناس يرون القيمة في ما يشترونه. وعود هذه المنتجات لم تعد تلبّي التوقعات. يبدو أن كل شيء أصبح أكثر تكلفة، ولكن بجودة أقل وأقل إرضاءً”.
ولا تريد مايشياسكيف تكرار الناس لأخطاء ارتكبتها، إذ بدأت بتوقف مفاجئ عن الاستهلاك وعيش حياة بسيطة، وهو ما تقول إنه جعلها تعيسة. ومنذ ذلك الحين، باتت كريستينا تتبع نهجاً معتدلاً، إذ تدلل نفسها بين الحين والآخر، لكنها تذكر نفسها قبل الذهاب للتسوق بأن “تتسوق من خزانتها” أولًا.
سددت صانعة المحتوى ديونها الطلابية. وقالت موجهة نصيحة للآخرين “ابتعد عن هاتفك. إن التصفح واستهلاك المحتوى باستمرار يجعلك أكثر عرضة للاستسلام للرسائل المموهة”.
وأضافت “ضع الهاتف جانباً، واستمتع بالطبيعة، والعب بخزانة ملابسك، واستخدم ما لديك لصنع إطلالات ممتعة. ربما ستدرك أن ما لديك كافٍ”.
شبان يشاهدون هاتف
ووفق مصممة الأزياء، لوسيندا غراهام، فإن استهلاك الموضة السريعة باستمرار ليس ضاراً لأموالك وبيئتك فقط بل لمظهرك الشخصي أيضاً.
حيث قالت لبي بي سي، “فكر في الأمر مثل الطبخ. إذا قمت بإعداد شيء سريع، فسيكون لذيذاً، لكنه لا يمكن أن ينافس طبقاً تم طهيه على مدى أكثر من 48 ساعة بعناية وجهد. الأمر نفسه ينطبق على الأزياء السريعة مقابل خزانة ملابس تم اختيارها بعناية”.
وتنصح غراهام، أي شخص يبحث عن أسلوبه الخاص في اختيار الملابس، بالتحلي بالصبر. وقالت “الأسلوب الشخصي يتطلب وقتاً للتطور وتجربة نفس القطع. والأهم من ذلك، هو شراء ما تحبه مقابل اتباع ما تمليه الموضة السائدة”.
وأضافت “مع قيام المؤثرين بإقناعنا بشراء الملابس، فإننا نشتري قطعاً تمثل أسلوب حياة شخص آخر، ونحاول تقليد حياته، لكنّ ذلك لا يؤدي إلى خزانة ملابس عملية”.
ونهج غراهام يعني أنها متأنية بشأن المشتريات الجديدة، وتقدر ترك ملابسها تتقدم في “العمر” مع مرور الوقت. وتشرح “لدي معطف أمتلكه منذ 6 سنوات وأحب تصميمه”.
وقالت “هناك شيء جميل في مشاهدة الملابس تتغير. في الوقت الحالي، أصبحت سترات النجار المستعملة وسراويل كاروهات المهترئة رائجة، لكن بدلاً من شرائها من متجر للملابس القديمة، لماذا لا تشتري زوجاً وتسمح له بأن يتقدم في العمر مع الوقت؟”.
وتقول إن الأمر نفسه ينطبق على الموضة. وأوضحت “لن تكون الموضة السريعة أصلية. إذا نظرنا على سبيل المثال إلى أسلوب ‘الإندي سليز’، فتأتي هذه المظاهر الكلاسيكية من الأشخاص الذين يعيشون هذا النمط من الحياة حقاً، وليس لأنهم اشتروا بناطيل ممزقة عبر الإنترنت”.
وقالت “إن مفتاح كسر هذه الدائرة وتحديد ما تحبه هو إجراء المزيد من المشتريات المقصودة عبر الاستغناء عن تلك الصغيرة والمتسرعة”.
ومن الصعب تحديد ما إذا كانت حركة مناهضة المؤثرين تؤثر على العلامات التجارية حتى الآن، نحن نعلم أن شركات التجارة الإلكترونية العملاقة كأسوس، وبوهو، وبريتي ليتل ثينغ، عانت من انخفاض الطلب وتغير عادات المستهلكين في السنوات الأخيرة. لكن دعونا لا ننسى أن العديد من الصفحات لا تزال مليئة بالمؤثرين.
وفي عام 2023، قدرت قيمة صناعة التسويق عبر المؤثرين عالمياً بنحو 21.1 مليار دولار هذا العام، وهو ما يزيد عن ضعف حجمها منذ عام 2019.
وبحسب أجا باربر، مع استمرار اعتبار إنشاء المحتوى مهنة طموحة، فإننا لم نصل إلى “قمة التأثير” بعد. وباربر مؤلفة كتاب المستهلك: حول الاستعمار، وتغير المناخ، والاستهلاك، والحاجة إلى التغيير الجماعي، قالت إن حركة مناهضة التأثير مفيدة لكنها تعتقد أن المحادثة يجب أن تكون خارج الإنترنت لتغيير إنفاق الناس.
وتقول المؤلفة، التي تعمل كمحررة مشاركة في مجلة “إل”، إن لدينا جميعاً دوراً يجب أن نلعبه. وقالت لبي بي سي “من مالكي الشركات المليارديرية إلى المؤثرين وإلينا نحن كمستهلكين”.
وأوضحت “تواصل معي أحد موظفي البريد عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقال لي إنهم قاموا بتوصيل طرد من شي إن إلى منزل واحد 17 مرة في شهر واحد”.
وتشير التقديرات إلى إنتاج أكثر من 100 مليار قطعة ملابس سنوياً في العالم، ينتهي الأمر بأكثر من نصفها في مكب النفايات في غضون 12 شهراً.
وغالباً، تصدر الملابس غير المرغوب فيها إلى الدول الأفريقية والآسيوية، حيث يتم التخلص من ما يصل إلى 40% منها بدلاً من إعادة بيعه، وهو ما تقول المنظمات الخيرية إنه ساهم في تلوث المياه فضلاً عن مخاطر صحية.
ونحن الآن على بعد ما يقرب من قرن من الزمن من ثلاثينيات القرن الماضي، حين كانت النساء يمتلكن نحو 60 قطعة ملابس، ويشترين خمس قطع جديدة سنوياً.
وقالت باربر وهي تفكر في كيفية تغير الأمور، “الهدف هو بيع أكبر عدد ممكن من المنتجات. نحن بحاجة إلى أن نكون واقعيين بشأن الضرر الذي يلحقه الأفراد من خلال فكرة أنه يمكننا فقط الاستهلاك، وكأن ليس له أي تأثير سلبي. هذا ليس صحيحاً”.