قراءة في القيامة السورية/ عبد اللطيف السعدون
05 فبراير 2025
إذا كان الولد على سرّ أبيه، فإن طروحات حسين علي الشرع في كتابه “قراءة في القيامة السورية” يمكن أن تشكل دليل عمل في عهدة الابن الرئيس أحمد الشرع، وهي الطروحات التي تتطلع إلى تأسيس سورية جديدة، تحافظ على السيادة الوطنية، وتقطع نهائياً مع النظام السابق، وتعتبر هذا المنطلق خطّا أحمر أمام كل من يتصدّى للعمل العام في سورية.
ليس حسين الشرع الذي نشر كتابه عام 2022 شخصية طارئة على البحث والتحليل العلمي، ولا حتى على النشاط السياسي، فقد عُرف بتوجّهاته القومية الناصرية التي دفعته إلى الانخراط منذ فتوته في الاحتجاجات التي عمّت سورية في مواجهة النظام، فعوقب بالسجن. وبعد هروبه من السجن انضم إلى العمل الفدائي الفلسطيني، ثم سافر إلى العراق ليحصل على الدكتوراه في الاقتصاد والعلوم السياسية، وعمل أستاذاً في أكثر من جامعة. ومن هنا تكتسب طروحاته أهمية خاصة، كونها تشكّل مقاربة موضوعية لأوضاع سورية اليوم. ومن هنا أيضا يمكن اعتبار الخطوات الأولى التي أقرّتها سورية الجديدة بمثابة تكريس عملي لبعض ما رسمه الكتاب الدليل، فحين يلغى دستور عام 2012 والقوانين الاستثنائية فهذا يعني أن دستوراً جديداً في طور الولادة، دستوراً ينبغي أن يحقّق إرادة الأمة، ويجعل من الشعب مصدر السلطات ومرجعية الحكم، ويعتمد المواطنة الحرّة أساساً من دون تمييز في العرق، أو الدين، أو المذهب، أو المناطقية، بحسب توصيف الشرع الأب.
وإذ فرضت أولويات الوضع الجديد حل مجلس الشعب، والشروع بتشكيل مجلس تشريعي مؤقت للمرحلة الانتقالية إلى حين إقرار دستور دائم، فذلك ينبغي أن لا يتجاوز ضرورة أن تكون الفترة الانتقالية محكومةً بزمن قصير، على أن تتجه الخطوات العملية اللاحقة إلى وضع دستوري قائم على الفصل بين السلطات الثلاث التي تُكمل بناء الدولة، “سلطة تشريعية منتخبة بحرية، وبدون ضغوط، وسلطة تنفيذية لتسيير أمور الدولة، وسلطة قضائية مستقلة لا سلطان عليها، ومرجعيتها القانون”.
إلى ذلك، ربما شكّل حلّ الجيش، وإلغاء التجنيد الإجباري، خطأ فادحاً، مثلما حدث في العراق، فيما كان رأي الشرع الأب ضرورة الإبقاء على التجنيد الإجباري لكي يتم “بناء جيش وطني محترف”.
وفي ميدان علاقات سورية بدول العالم، يضع الشرع الأب معياراً يقوم على أساس الندّية، والسيادة التامة. وفي إشارة لافتة، يؤكّد على وجوب “تحرير سورية من الاتفاقيات التي عقدها النظام مع روسيا وإيران، لأنهما شركاء في القتل والتدمير”، و”إلزامهما بدفع تعويضات عن القواعد العسكرية والمدنية التي استخدماها”، وكذلك “تفعيل الدور السوري عربيا وإقليميا”.
والعبارة الأخيرة التي كتبت قبل ثلاث سنوات تبدو وكأنها تصف واقع حال سورية اليوم، فقد سجلت إدارة الحكم الجديدة انفتاحا على الدول العربية ودول العالم، وشهدت دمشق زيارات مسؤولين عرب وأجانب، بهدف التعرّف إلى مجريات الأمور الماثلة بعد إطاحة بشّار الأسد، ووجهات نظر الحكام الجدد، كما أن التواصل على مستوى معين استمرّ مع موسكو، وهناك توجّه إلى حل المشكلات المرتبطة بمسألة وجود وحدات من القوات الروسية في ميناء طرطوس وطلب تعويضات، وإعادة الإعمار. أما نظام طهران فلم يشأ أن يجري اتصالا مباشرا مع الحكم الجديد بعد طرد مليشياته من سورية، ودمشق نفسها ليست في وارد بناء علاقة معه في الوقت الحاضر على الأقل، وهذا ما أفصح عنه الرئيس الشرع في أكثر من حديث، مع ملاحظة أن طهران لن تكفّ عن صنع المكائد في وجه نظام دمشق، بعدما خسرت أحد أهم أعمدة مشروعها الإمبراطوري في المنطقة. ويبقى موقف العراق الذي لا يزال يتحفظ على تطبيع علاقاته مع دمشق، بسبب أن القرار في مسألة كهذه ليس بيده، إنما هو بيد طهران التي تهيمن على مجريات السياسة فيه.
يعرض كتاب حسين الشرع أيضا مشروعاً لعملية بناء في ميادين الاقتصاد والصناعة والبنية التحتية والتعليم، ما لا تتسع مساحة مقالة قصيرة لعرضه. … إلى ذلك، تنبئنا الأحداث الماثلة، وتصريحات الرئيس أحمد الشرع وأحاديثه بأن “القيامة السورية” التي بشّر بها والده في كتابه قد بدأت، وأن “سورية جديدة ومختلفة” في طور التأسيس، وما يحتاجه السوريون في هذه المرحلة تأكيد وحدتهم، واحترام تنوّعهم، وإعطاء الأولوية لإرساء حالة أمن تضمن حياة المواطنين السوريين وحقوقهم، وعدم تكرار ما حدث في ريف حماه من مجازر أودت بحياة مواطنين أبرياء، واختصار المرحلة الانتقالية للوصول إلى “دولة مؤسّسات”، وكذا الحذر من مكائد القوى الخارجية التي لا يروق لها استقرار أوضاع سورية ونهضتها.
العربي الجديد