لينا هويان الحسن لـ”العرب”: أنا أتنمّر على الرواية وكل الأدب/ كه يلان محمد
![](https://www.alsafahat.net/wp-content/uploads/2025/02/d1_8-780x470.jpg)
كاتبة متحررة من شهوة المألوف والمأمون والمضمون.
الثلاثاء 2025/02/11
كاتبة لا تشبه إلا ذاتها
لينا هويان الحسن كاتبة لا ترى نفسها تشبه أيا من كتاب زمانها، ولها آراء حادة في الكثير من مشاهير الأدباء والمفكرين، ملتزمة بتمردها ضد الضوابط والمواضيع والمضامين، جمعنا بها هذا الحوار لصحيفة “العرب” الذي تكشف سطوره كم هي جريئة في رفع صوت أفكارها عاليا يساعدها في ذلك حبها للعزلة ولبيروت ولكسر حدود المألوف.
فيما يبدو أنَّ الوسط الأدبي مطبوع بلون الرواية وبادرَ الكثير من الأدباء الذين كانوا محسوبين على منطقة الشعر باختبار حظهم بمقارعة هذا الباب، تخالفُ الكاتبة السورية لينا هويان الحسن هذا الخط مغامرةً برمي أوراقها على طاولةٍ بعيدةٍ عن ذلك النوع الأدبي الأثير في المشهد الثقافي.
ومن المعلوم أنَّ هناك عددا من الجوائز المرصودة للرواية وقد يكون هذا الاحتفاء عاملاً أبرزَ للانضمام إلى حلبة الكتابة الروائية، ناهيك عن الورشات التي تُطلق بهدف تقديم النصائح لكتابة الرواية.
أبلت لينا بلاء حسنا في إبداعها الروائي وأصبحت أعمالها مقروأة على نطاق واسع كما أنها من بين أسماء مرشحة في قائمة الجوائز الأدبية، الأمر الذي يلفتُ النظر ويثير التساؤل بشأنِ ذهابها إلى شكل جديد من الكتابة وحفرها في أرض الأساطير والتنجيم، لأنَّ الانزياح عن المألوف في الكتابة دونه التحديات ويتطلبُ ضخ اللغة بطاقة استعارية مُفاجئة. يقولُ الكاتب الأرجنتيني إرنستو ساباتو إنَّ الفنانين الذين ما طالتهم لوثة الفساد في عصرنا هم ورثة الأسطورة والسحر.
ا
ولأنَّ المخيلة والأسطورة حسب رأي صاحب “النفق” تكشفان الحقيقة العميقة للشعوب، يصحُ فهم ما قدمته لينا هويان الحسن في كتابها الأخير بأنَّه محاولةُ للتذكير بالملمح العجائبي والسحري في تشكيلة الحياة عموما وفي تاريخ الشعوب على وجه الخصوص. وبالتأكيد لا ينقطع هذا المسعى عن الحكم المكنونة في الصيغ الأسطورية للحضارات، بدءا من بابل وسومر مرورا بالفينيقيين والإغريق وصولاً إلى ما جادت به مخيلة الإنسان في العصر الحديث، إذ ما برحت البشرية تبحث عن الرموز وتقوض ما فقد الصلاحية وتصوغ غيرها.
كان لنا حوار مع مؤلفة “حاكمة القلعتين”، التي اختارت أن يحمل كتابها الجديد عنوان “نجمك العاشق” وهو لا يدرجُ ضمن السرد الروائي، لنسألها عن موضوع كتابها الجديد ورأيها في نظرة عدد من الأسماء العالمية لمفهوم الكتابة.
لا قوانين في الكتابة
عن سبب اختيارها تجربة شكل جديد من الكتابة علما بأنَّ لا صوت يعلو على صوت الرواية في المشهد الأدبي، تقول لينا هويان الحسن لـ”العرب”: “لا قوانين ولا حدود ولا قوالب، أكتب بحريّةِ نجم في مداره. لي مساري، وطالما الحبّ موجود أكتب ما أريد، ما أشاء. لا بدّ أن أحبّ ما أكتب، وهذا كان سرّي الذي بدأت معه منذ كتبت عن الصحراء ومفاتنها وأميراتها، دون أن أحسب حسابًا لما كان سائدًا سواء في الرواية السورية أو العربية. لي صوتي وفضائي ومداري، وكواكبي التي أستهدي بها، أي علاقتي مع الكواكب والنجوم، وليس مع النقّاد أو حتّى الكتّاب أنفسهم.”
وتقول الكاتبة المتمردة “ثمة صوت ساحر يعلو على كل شيء، صوت قادم من سحيق الزمان، إذا لم تكن قادرًا على استدعاء العفاريت فلا تكتب. صوت كان قبل الرواية والشعر، بل كان هو الأدب عينه، يوم كانت الأساطير وفخامة الأفكار هي صوت الحياة. لا عجب أنّ سقراط وأفلاطون ناصبا الشعراء عداءً مبرره أنّه صوت الآلهة والإلهام والخرافات، لهذا لم أحبّ فلسفتهما، ونفرت من عالم المثل الأفلاطوني، والزهد لا يمثلني، هنا بالضبط كامل الحكاية.”
وتشير إلى أن “الخرافات التي هي في الواقع ما بقي من زمن السحر والقوى الخارقة التي كانت حقيقة ومن قدرات الإنسان الطبيعية، ودائرة فلك البروج ‘موضوع’ نجمك العاشق، هي وليدٌ خلّاب لمعارف السومريين والكلدانيين والبابليين، والدليل أن الكواكب التي ذكرتها أساطيرهم أكدت وجودها ‘ناسا’. ببساطة ها أنا أتنمّر على الرواية وكل الأدب، والروائي اليوم ليس لديه الحسّ الكافي لهذا الجنون الرائع. وأنا لست زميلة لأدباء اليوم.”
سألناها هل يتطلبُ تجديد اللغة والتمكنُ في الكتابة المغامرة برمي أوراقها بعيدا عن طاولة الرواية؟ فأجابت “أنا وحدي، لا يوجد كاتب حيث أكون!؟ أليست رائعة الفكرة أن تكتب ما لن يفكر بكتابته غيرك!؟ أن تشتاق للفردية فتغادر ‘الكثرة’! أن تترك كلّ الكتّاب متزاحمين على طاولة الرواية وتأخذ مسارك، مدارك، تسمع صوت نجمك! طبّق لعبة التاروت على الأدب واستمتع بالمفاجآت.”
خارج الزمان
يقولُ إرنست همنغواي بأنَّه يفضلُ الكتابة عن الأمور المألوفة ولا يريدُ التورط في متاهة الأعمال الضخمة التي تختنقُ فيها. وتعلق الروائية السورية على هذا الرأي بالقول “أولًا هل الأدب اليوم مؤهّل لمعارف غير مألوفة!؟ مؤهل مثلًا للسحر!؟ لا طبعًا، يخشاه، ويخافه ويحاربه. وما أندر السحرة وما أكثر الدجالين! فلنقل إنّي مستفزَّة من طغيان الدجل، فكتبت، كتبت لأني وجدت نفسي أحتفل بمعرفة مغيّبة، لصالح الجهل والشعوذة. العمل بالفعل ضخم، وصغّرنا الحرف في الطباعة حتى لا يتجاوز الستمئة صفحة، وثمة جزء اقتطعته لأنه يمكن أن يكون نصًّا حرّا آخر. واهمٌ همنغواي أنّه كان مألوف، كان رائعًا، وصيّادًا، ومغامرًا وشجاعًا أنهى حياته بسبب كبرياء الصيّاد الذي لا يُهزم.”
وتستدرك “أمّا عنّي، فإن فرحتي بالوجود والحياة علامتها الكتابة، والتورّط بالخرافات، أنا متحررة من شهوة المألوف والمأمون، والمضمون، وكل التزام هو أذية مباشرة للأدب. لا انتماءات لي مع كتّاب زمني، لا أشبه هذا الزمن، لا تربطني صلة قرابة بما يُكتب من أدب. ولا أشرح ما أكتب. أكتب وكفى.”
ويعرف بأن ما يضيفُ التماسك للبناء الروائي هو خلق الحدث، في هذا الإطار سألناها هل تعتقد بأنَّ ما يفتحُ الطريق على الحشو في الكتابة الروائية هو الاستغراق في الوصف؟ فقالت إن الحشو هو آفة، لكن كيف تراه أنت وأراه أنا!؟ اليوم الحشو هو كل شيء في الأدب والفن والتمثيل، كل شيء حشو، شراء اللايكات والمتابعين، والقرّاء. أمر واقع كما وجوه الممثلات، الحشو هو الترند الضروري الذي ينبغي أن يمر به الإبداع العربي حتى يأتي وقت الحدث ‘الصحو’. الحشو حالة مسليّة بكل الأحوال، مقطع كوميدي من الزمان.”
وفي محاولة للتطرق بالحديث إلى كاتبات عالميات أثّرن في عالم الرواية، مثل فرجينيا وولف التي ترى أن الشيء الشيطاني في الكتابة أنَّها تستدعي استنفار كل عصب لدى المؤلف إلى أن يولد النصُ محكما، بدورها تعترف آغوتا كريستوف بأن الكتابة لا تعينها مؤكدةً بأنها تكادُ تكون ممارسة انتحارية. تقول الكاتبة السورية “لم أحب وولف ولا كتاباتها، بينما أغوتا كاتبة فريدة بحق. فلنتحدث عن غواية الرحلة في وادي الشياطين، دون إلهام ‘عبقر’ الكتابة، فالكتابة ليست قانونية، ليس موافقا عليها غالبًا، أقصد الكتابة الإبداعية، التخيل يغذي الطموح وسماؤه تستوعب النسور. الكتابة بالنسبة إلي لم تمثل قط محنة فرجينيا وولف ولا صراع أغوتا كريستوف، بالمناسبة لا يمكن أن تكون وولف ملهمة بأي شكل، بالنسبة إلي، بالكاد اطّلعت على بعض نصوصها، لا يمكنني أن اقرأ ما كتبته امرأة عبّأت جيوبها بالحجارة وأغرقت نفسها بالنهر هذا أدب الوحل والغرقى لا يجذبني، كل ما يثير الشفقة منفر لعفاريت الكتابة النارية. فمن يقطع الصحراء ويعبر تاريخه القبلي لن يشكل له النهر الذي أغرق وولف خطرًا. علاقتي بالصحراء وذئابها ليست كلامًا استعاريًّا أو مجازيًّا، حقيقة من تزفرهم الصحراء هم ذئابها.”
يعتبرُ البعض الكتابة فعلا اجتماعيا لشخص منعزل، لكن لينا هويان تعتبر “الانعزال حالة فنية خالصة، الانعزال قصيدة تكتبها وحدك. هو ذهبي الثمين، اختياري، ومدروس. أي حياتي صاخبة، وهادئة في ذات الوقت. الأدب لا يعيش دون الطقوس، والطقوس لا تستمر دون انتظام يومي، وهذا الانتظام لا يغدو مغويًا دون المكان. بيروت هي اختياري بسبب ما توفره من طقوس يومية تسمح لك بأن تكون اجتماعيًا وفي نفس الوقت تتلذذ بعزلتك عندما تريدها. لا يمكنني العيش إلّا في مكانٍ يشبه فتنة الروايات والحكايات.”
كاتب عراق
العرب