كيف نُقيّم أداء الإدارة السورية الجديدة حتى الآن؟
![](https://www.alsafahat.net/wp-content/uploads/2025/02/website-cover-2_jpg-780x470.jpg)
ما هي أكثر القرارات أو التصريحات التي استوقفتك إيجاباً أم سلباً؟ ولماذا؟
حلا الحميدان، عمر البم، هيفي نوح، فاطمة حاج موسى، سلطان الحلبي، جود خلف، رام الأسعد
تحديث 12 شباط 2025
في كل حلقة من حلقات آغورا، نتوجّه لستة أشخاص من المهتمين والمهتمات بالشأن السوري العام بسؤال مُوحَّد، سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، ونَنسجُ من أجوبتهم المختلفة مادة تُبرز نقاط الالتقاء والافتراق، وتحاول أن تترك النقاش مفتوحاً ليُفكِّرَ ويتفاعلَ معه قُرّاء آخرون إن أحبوا. ولمعرفة أصل كلمة آغورا، بإمكانكم العودة إلى الحلقة الأولى هنا.
في هذه الحلقة، نتوّجه بسؤالنا إلى مجموعة من متابعي الجمهورية ومراسليها من الجيل الشاب، من المقيمين داخل سوريا والمتوزعين على مناطق مختلفة فيها. تكتب لنا حلا الحميدان من دمشق وجود خلف من حلب، رام الأسعد من طرطوس وفاطمة الحاج موسى من إدلب، هيفي نوح من القامشلي وسلطان الحلبي من السويداء، بالإضافة إلى عمر البم الذي يتنقّل حالياً كما كثير من الصحفيين بين إدلب ودمشق.
أما السؤال الذي اخترناه فهو:
صدرت عن الإدارة السورية الجديدة حزمة من القرارات والتصريحات منذ 8 كانون الأول 2024، ما هو أكثر ما استوقفك منها ولفت نظرك، سلباً أو إيجاباً؟ ولماذا؟
المسألة الأمنية العسكرية
اتفق جميع المشاركين تقريباً أن الجانب الإيجابي الأبرز في قرارات وتصريحات الإدارة الجديدة يرتبط بالجانب العسكري، وتحديداً حَلّ جيش النظام، وتوحيد سلاح الفصائل، وإلغاء الخدمة الإلزامية، وفتح باب التسوية لمن لم تتلطخ أيديهم بالدماء.
بالنسبة لـ حلا الحميدان، تكمنُ أهمية هذا القرارات في تعزيز الأمن وتَجنُّب هدر الدم السوري وضرورة حصر السلاح بيد الدولة. تُثمِّنُ حلا أيضاً الانفتاح على عَرض الأردن بتدريب الجيش السوري، لما يعنيه هذا من تغليب المصلحة السورية المستقلة على حساب التجاذبات والمحاور الإقليمية. أما بالنسبة لسلطان الحلبي، فإلغاء الخدمة الإلزامية «يكاد يكون القرار الوحيد الذي يدعمه بشدة»، لأنه أزاح عوائق أمنية كبيرة من على كاهل شريحة واسعة من الشباب السوري، ومن بينهم سلطان نفسه.
أما هيفي وعلى الرغم من تقييمها الإيجابي لتوحيد السلاح مبدئياً، فتوقفت عند الانتهاكات التي تم ارتكابها من قبل بعض الفصائل العسكرية، وتصفيتها لشخصيات من النظام السابق دون مُحاكمات.
المسألة الاقتصادية والهموم المعيشية
في مقابل المسألة الأمنية التي كادت تحظى باجماع إيجابي، برزت المسألة الاقتصادية والهموم المعيشية بصفتها موضوعاً إشكالياً وغير مُطمئِن حتى الآن.
ففي حين ثَمّنَ عمر البم بعض تصريحات الإدارة الجديدة بخصوص العدالة الاجتماعية، وأثنت هيفي نوح على مسألة إعادة الأملاك المسلوبة لأهلها، اتَّفقَ كلٌّ من حلا وفاطمة ورام وسلطان أن الكثير من القرارات والتصريحات المتعلقة بالشأن الاقتصادي تبدو غير مدروسة ومتناقضة وتعكس شيئاً من التخبط.
تساءل سلطان إذا كانت الدولة قادرة بالفعل على زيادة الرواتب بنسبة 400% كما صَرَّحت الحكومة، والتعامل مع التضخم الجنوني الذي يمكن أن ينتج عن هكذا زيادة، وتوقفت حلا عند كلام وزير التجارة الداخلية ماهر خليل الحسن عن اكتفاء سوريا الذاتي من القمح في وقت لا تزال فيه الجزيرة السورية تحت سيطرة قسد. وانتقدت فاطمة آثار توحيد التعرفة الجمركية المفاجيء على الأسعار في إدلب، وما تبعه من إضراب للتجار في المنطقة.
رام الأسعد ركَّزَ بشكل خاص على إعادة هيكلة القطاع الوظيفي الحكومي، والتصريحات حول رفع الدعم الحكومي. القطاع الحكومي يحتاج طبعاً إلى إصلاح، حسب رام، لما يُعانيه من ترهُّل إداري، وبطالة مقنعة، وانتشار الفساد والمحسوبيات، وهو ما يشكل عبئاً هائلاً على خزينة الدولة. ولكن الخوف يكمن في سرعة التنفيذ وضبابية الآليات والمعايير الضابطة له، وفي التداعيات الاجتماعية لهذه العملية. فبدون بدائل معيشية واضحة وقطاعات اقتصادية مُنتِجة، سيؤدي تسريح عدد كبير من الموظفين إلى ارتفاع معدلات البطالة والفقر، وسيخلق جيشاً من العاطلين عن العمل في مناطق فيها توترات اجتماعية وطائفية أصلاً، ولا سيما في الأرياف. هذا سيُهدّد الاستقرار الاجتماعي ويزيد من مشاعر التهميش وقد يدفع نحو المزيد من الانفلات الأمني.
الأولوية يجب ألّا تكون لرفع الدعم الحكومي، حسب وجهة نظر رام، بل توجيه هذا الدعم نحو القطاعات المنتجة لتدور عجلة الاقتصاد، بما يضمن عدم تَركُّز الثروة مجدداً في يد فئة صغيرة جداً من حيتان الاقتصاد وأمراء الحرب.
بنية الحكومة وخطابها العام
أما على صعيد بنية الحكومة وخطابها بشكل عام، فوحده عمر كان إيجابياً على العموم، مُثمِّناً عدم اتخاذ أي قرار بسرعة كبيرة، باستثناء القرار بحماية السجون والمراكز الأمنية والذي أدى التباطؤ فيه لضياع الكثير من المعلومات الثمينة.
أما الآخرون فكانوا أكثر حذراً في إطلاق أحكام إيجابية أو سلبية بالمُطلَق.
اختلف سلطان وهيفي في تقييمهما لكون الحكومة حكومة «لون واحد». سلطان أكَّدَ إنه يوافق على هذا لأن الحكومة لها تجربة في العمل الجماعي المؤسساتي، ولأن البلد في الوضع الراهن لا يحتمل المحاصصة وما تهدره من وقت. أما هيفي فلا تعتقد أن نموذج حكومة إدلب يمكن استنساخه بحذافيره لكل سوريا، وأن المناصب لا يجب أن تنحصر في دائرة ضيقة من المقربين من أحمد الشرع. أما ما اتّفقَ عليه سلطان وهيفي فهو أنه، وبغض النظر عن كل شيء، شخصيةٌ مثل وزير العدل شادي الويسي يجب ألا تبقى في الحكومة.
على صعيد التصريحات أيضاً، اختلفت آراء حلا وفاطمة. ثمّنت حلا كلام أحمد الشرع عن ضرورة الحفاظ على السلم الأهلي، وتأكيده على أن تحرير سوريا تم بفضل كل المناضلين داخل وخارج سوريا، لأن هذا في رأيها يشكل رداً مناسباً على من يحاول احتكار إنجاز التغيير السياسي وقمع الآخرين وحق الناس في نقد الحكومة. أما فاطمة، وعلى الرغم من تَفهُّمها مسألة الانتقال من منطق الثورة إلى منطق الدولة، فتقول إنها كابنة لمنطقة إدلب التي قدمت الكثير من التضحيات غير مستعدة للتخلي عن توّجسها من أي سلطة كانت، طالما أن حقوقها كمواطنة سورية لا تزال غير مُحصَّنة بالكامل.
التعليم والمناهج
وأخيراً ركَّزَت جود خلف على مسألة التعليم، وبالتحديد على قرار تعديل المناهج الدراسية الذي صدر عن وزير التعليم في حكومة تسيير الأعمال نذير القادري، والذي شملَ مواد مثل العلوم الطبيعية والتاريخ واللغة، إلى جانب التربية الوطنية والديانة الإسلامية.
حسب جود، أنكر القادري كون التعديلات شملت أي مادة باستثناء التربية الوطنية والديانة الإسلامية، ولكنه في الواقع لم يوجّه أي كتاب رسمي آخر للمدارس، وما تزال التعديلات الأخرى موجودة وعلى رأسها إلغاء نظرية التطور من مناهج العلوم باعتبارها «مغلوطة وغير مُثبَتة». ألا يتجاوز تعديل كهذا صلاحيات حكومات تسيير الأعمال؟ من هي اللجنة المسؤولة عن هذه الإجراءات كي نعرف إن كانت تملك المؤهلات العلمية والتربوية للقيام؟ وألا يجب أن يتم تحييد مسألة التعليم التي تخص مستقبل المجتمع السوري بأسره عن إيديولوجيا السلطة الحاكمة؟
تختم جود بأن المدارس الحكومية الآن تقوم بتدريس كُتيّب سلفي جهادي غريب يدعى «قيمة النصر على أرض الشام»، وأن هذا بقي حتى الآن بعيداً عن وسائل التواصل الاجتماعي، لكنها اطّلعت عليه شخصياً بعد أن قامت إحدى المُدرِّسات بمشاركتها الكُتيّب.
موقع الجمهورية